الجماعة الإسلامية: استراتيجيات متعارضة
المقدمة
نظرا لأن الجماعة الإسلامية مثلت الرافد الثاني للتيار الجهادي المصري خلال عهدي السادات ومبارك، فسأتناول في هذه الدراسة تجربة الجماعة من خلال تتبع جذور نشأتها كحركة طلابية مطلع السبعينات، ثم تسيسها بمرور الوقت وتحولها إلى حركة ذات إطار فكري ومنهجي تناهض النظام الحاكم، وبيان منطلقات الجماعة الشرعية والفكرية، ونظرتها للجماعات الإسلامية الأخرى، كما سأستعرض بنيتها التنظيمية، والقمع الأمني الذي دفعها دفعا للدخول في صدام مسلح مع النظام، كما سأناقش محاور عمل الجناح العسكري للجماعة وأبرز عملياته، والاستراتيجية الأمنية التي اتبعها نظام مبارك في مواجهة الجماعة، وصولا إلى تناول مبادرة وقف العنف وما نتج عنها، ثم أختم الدراسة بتحليل موجز لتجربة الجماعة.
جذور النشأة
ازدادت نزعة التدين ورقعة الحرية عقب انكسار المشروع القومي الناصري عام 1967 ثم موت جمال عبدالناصر عام 1970 الذي مثّل “موتا لمبادئه”[1]. وقد دشن تولي السادات للحكم “بداية لتحول سياسي جديد في مصر، فقد انتهى العصر الروسي وبدأ العصر الأميركي”[2]. وقضى السادات على مراكز القوى في حركة التصحيح (15 مايو 1971) وحدَّ من تسلط أجهزة الأمن والمخابرات على المشهد العام[3]، مما أتاح مساحة واسعة من الحرية للإسلاميين.
في تلك الأجواء نشأت الجماعة الإسلامية كحركة اجتماعية في الوسط الطلابي الجامعي عام 1971 دون أن تكون لها مرجعية فكرية أو شرعية محددة إنما تأثرت بروافد دينية متنوعة كالجمعية الشرعية وأنصار السنة وبعض العلماء والدعاة والمفكرين كمحمد الغزالي وسيد سابق ويوسف القرضاوي فضلا عن كتابات المودودي وسيد قطب[4].
وتأسست أولى نويات الجماعة بكلية طب القصر العيني بجامعة القاهرة تحت اسم “لجنة التوعية الدينية”[5] المتفرعة عن اللجنة الثقافية باتحاد الطلبة، وكان من أبرز مؤسسيها د. عبدالمنعم أبو الفتوح، ثم تحول اسمها إلى “الجمعية الدينية”. وامتد نشاطها إلى جامعات أخرى كجامعة أسيوط على يد صلاح هاشم[6] ورفاقه[7].
واقتصر نشاط “الجمعية الدينية” في البداية على إقامة حلقات تلاوة للقرآن ودروس للتجويد وإلقاء للمواعظ قبيل المحاضرات وتعليق مجلات حائط وتوفير الحجاب للطالبات دون الانخراط بشكل مباشر في العمل السياسي، ثم دخل أفرادها انتخابات اتحاد الطلاب بكلية طب القاهرة عام 1973 وفازوا بخمسة من لجان الاتحاد الست، ومن ثم تحولت كلية طب القاهرة إلى مركز عام للنشاط الإسلامي بجامعة القاهرة وبقية جامعات مصر[8].
وتغير اسم اللجنة الدينية إلى “الجماعة الإسلامية” عام 1973 تيمنا بالجماعة الإسلامية الباكستانية التي كان يتزعمها آنذاك أبو الأعلى المودودي[9]. وسيطرت نزعة سلفية على شباب الجماعة، فأطلقوا لحاهم واعتادوا دخول الجامعة بالجلباب، كما انتشر النقاب بين الطالبات، وأطلقت الجماعة سلسلة إصدارات بعنوان “صوت الحق” تتضمن إعادة نشر أبرز إصدارات مشاهير الدعاة والمفكرين الإسلاميين، كما برز استخدام القوة في التغيير كمكون أساسي لدي أفرادها، فيقول عبدالمنعم أبو الفتوح “استخدام العنف كان مقبولا والاختلاف حول توقيته وجدواه فحسب”[10].
ويؤكد صلاح هاشم أن نظام السادات لم تكن له يد في تأسيس الجماعة، ولكنه سمح لها بالعمل دون تضييق كي يوجد معادلة توازن مع خصومه من الناصريين واليساريين، وأقر هاشم أن محافظ أسيوط محمد عثمان كان يدعم معسكرات الجماعة ماليا من صندوق المحافظة ولكن دون أي يشترط أي شروط أو أن يعطي أي توجيهات[11].
كان لكل كلية أمير يُختار بالتوافق، ولكل جامعة أمير، وتم لاحقا تدشين مجلس أمراء للجماعة على مستوى الجمهورية، عُقدت اجتماعاته الشهرية في مسجد كلية طب القصر العيني، وفي عام 1977 أنتخب حلمي الجزار كأمير لأمراء الجماعة الإسلامية على مستوى الجامعات[12].
شاركت الجماعة في “انتخابات اتحاد الطلبة عام 1977 لتفوز بأغلبية مقاعد مجالس 8 جامعات حكومية من أصل 12 جامعة كانت قائمة آنذاك، وحصلت على أقل من النصف في مجالس الجامعات الأربع الباقية”[13].
نظمت الجماعة معسكرات في العطل الدراسية، وأقامت ندوات دينية استضافت فيها جمهرة من أبرز الدعاة والعلماء على الساحة مثل الشيوخ “عبد الحميد كشك وأحمد المحلاوي وحافظ سلامة وصلاح أبو اسماعيل ومحمد الغزالي وعمر عبد الرحمن”[14]. وانتشرت بين صفوف أتباعها كتب متنوعة في العقيدة والتفسير والحديث والأخلاق من قبيل “معارج القبول” للشيخ حافظ حكمي وتفسير ابن كثير، و”رياض الصالحين والأربعين النووية” للإمام النووي و”جامع العلوم والحكم” لابن رجب الحنبلي، و”منهاج المسلم” لأبي بكر الجزائري، فضلا عن الكتب الفكرية والحركية لسيد قطب والمودودي وفتحي يكن وأنور الجندي وسعيد حوى وغيرهم. ولم يخل يوم جامعي من إقامة “اعتكاف أو زيارة قبور أو معرض للكتاب أو جولات للأمر بالعروف والنهى عن المنكر، كما صُرفت أموال اتحاد الطلبة في خدمة الطلاب لأول مرة من خلال دعم الكتب الجامعية والمذكرات وملازم الامتحانات والرحلات العلمية ومعسكرات الجوالة”[15].
ويعطي قيادي الجماعة علي الشريف[16] صورة عن المعسكرات الإسلامية التي كانت تعقد آنذاك قائلاَ: “كان يحضر قرابة 600 فرد في كل معسكر، وكنا غالبا نعقد معسكرين رئيسيين في السنة، واحد في إجازة نصف السنة والآخر في إجازة آخر السنة، وكان المعسكر الكبير يستمر قرابة الأسبوعين أما المعسكرات الأخرى فمدتها غالبا أسبوع واحد. ينقسم برنامج المعسكر إلي قسمين تربوي وعلمي، فالتربوي يشمل قيام الليل وصوم النهار وأذكار الصباح والمساء وتلاوة القرآن، أما القسم العلمي فيشمل تدريس الفقه وأصوله والحديث ومصطلحه والتفسير وعلومه والسيرة والتاريخ الإسلامي والعقيدة والرقائق، كما تُعقد محاضرات يوميا بعد صلاة العشاء وطابور الصباح، ثم تُوزع الجوائز في آخر المعسكر علي الفائزين في المسابقات”[17].
شهدت جامعات وجه قبلي تغيرات هامة ارتبطت بانضمام عناصر شبابية جديدة للصف القيادي بالجماعة بدءا من انضمام أسامة حافظ عام 1974 وصولا إلى عام 1979 الذي شهد انضمام عصام دربالة وعاصم عبدالماجد[18]. ووقع حادث بسيط في جامعة أسيوط عام 1978 كان له ما بعده ففي “بداية العام الدراسي قام الشيوعيون بتعليق مجلات حائط تهاجم تطبيق الشريعة، وأراد عناصر الجماعة تمزيق تلك المجلات، فرفض أمير الجماعة أسامة عبد الحميد القيام بذلك، وحدثت مشادة بينه وبين رفاقه أسفرت عن عزله وتعيين ناجح إبراهيم بدلا منه، وناجح هو من نقل دعوة الجماعة من داخل أسوار جامعة أسيوط إلى خارجها”[19].
تزايدت وتيرة معارضة الجماعة لنظام السادات عقب عقده اتفاقية كامب ديفيد، ومن ثم نظَّمَتْ الجماعة عام 1979 “مؤتمرا حاشدا حضره قرابة 30 ألف شخص في ميدان ناصر بأسيوط تنديدا باستقبال شاه إيران في مصر، وخطب في المؤتمر كرم زهدي وناجح إبراهيم وأسامة حافظ”[20] وعقب انتهاء المؤتمر انطلقت مسيرة حاشدة ردد المشاركون فيها هتافات من قبيل “يا سادات يا جبان يا عميل الأمريكان” فتصدت لها الشرطة وقتلت عضو الجماعة عنتر كمال وهو أول قتيل للجماعة على يد الشرطة[21].
مع ازدياد مناهضة الجماعة للسادات، بدأ التضييق الحكومي على أنشطتها، فتم حل اتحاد الطلبة عام 1979، وأًلغيت اللائحة الانتخابية الطلابية، واعْتُقِل بعض الطلبة من بينهم كرم زهدي وأبو العلا ماضي، الذي يروي أنه “في السجن دارت مناقشات حول مقترحَيْن أحدهما لكرم زهدي يقترح فيه تأسيس تنظيم مستقل له جناح عسكري، والآخر يقترح الانضمام للإخوان كتنظيم سلمي له تاريخ وامتداد بالرغم من الملاحظات عليه”[22].
في تلك الآونة تقارب قادة جماعة الإخوان المسلمين -الذين خرجوا من السجون مطلع السبعينات بعد 20 سنة- مع العديد من قيادات الجماعة، ونجحوا سرا[23] في استمالتهم بنهاية السبعينات إلى صفوفهم كعبدالمنعم أبو الفتوح وعصام العريان وحلمي الجزار من جامعة القاهرة وإبراهيم الزعفراني وخالد داوود من جامعة الإسكندرية، ومحيي الدين عيسى وأبو العلا ماضي من جامعة المنيا، وخيرت الشاطر من جامعة المنصورة. فوهب الإخوان لهؤلاء الطلبة “الفكرة والمشروع والتاريخ، بينما وهب الطلبة للإخوان جسد التنظيم الذي أقاموه بالجامعات”[24]، أما الخلافات البسيطة حول مسائل الهدي الظاهر فحلها قادة الإخوان بإطلاق لحاهم[25].
سرعان ما اكتشف بقية قادة الجماعة الإسلامية عام 1980 انضمام رفاقهم سرا للإخوان[26]، فانفصلت مجموعة من جامعة الاسكندرية وأسست “الدعوة السلفية” بالإسكندرية، ورفضت مجموعة الصعيد الانضمام إلى جماعة الإخوان لاعتبارهم إياها “جماعة مداهنة تخلت عن الجهاد، وتحاول استيعاب الشباب الجهادي ضمن صفوفها ليمنحها النظام شرعية الوجود، ويسمح لها بمعاودة النشاط”[27].
استمرت مجموعة الصعيد في العمل تحت اسم الجماعة الإسلامية، وشكلت مجلس شورى يتكون من 15 شخصا من أبرزهم “كرم زهدي وصلاح هاشم وأسامة حافظ، وحمدي عبدالرحمن، وفؤاد الدواليبي وناجح إبراهيم وعاصم عبدالماجد وعصام دربالة وطلعت فؤاد قاسم وعلي الشريف”[28].
حاولت العناصر المنضمة لجماعة الإخوان الاستمرار في العمل تحت اسم الجماعة الإسلامية مع رفع شعار الإخوان “سيفان بينهما مصحف والآية الكريمة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) بينما رفعت المجموعة الأخرى شعارا عبارة عن مصحف يخرج منه سيف واحد والآية الكريمة (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله). ودارت بين المجموعتين صراعات على إدارة المساجد التابعة للجماعة قبل الانشقاق، ولكن أدى توجه مجموعة الصعيد لاستعمال القوة في انكار المنكرات، إلى ابتعاد المجموعة المنضمة للإخوان عن استعمال اسم الجماعة، لتعمل تحت مظلة الإخوان بشكل كامل”[29]. اتسع نشاط الجماعة في طورها الجديد ليشمل حل مشاكل المواطنين، وضرب المجرمين وقطاع الطرق ممن يفرضون إتاوات على الناس.
التحول للعمل المسلح
لم تمتلك الجماعة الإسلامية الطلابية رؤية واضحة أو مشروعا محددا للتغيير إلى أن التقى أبرز قادتها ورئيس مجلس شوراها كرم زهدي عام 1980 بالقيادي الجهادي محمد عبد السلام فرج[30] الذي قدم طرحا جديدا مثل نقلة نوعية للتيار الجهادي على المستويين الفكري والتنظيمي:
المستوى الفكري:
قدم فرج أطروحة شرعية وفكرية قوية عام1980 في رسالته “الفريضة الغائبة” تناول خلالها حكم إقامة الدولة الإسلامية، وقال إن حكام عصرنا لا يحملون من الإسلام إلا الأسماء، وقارن بينهم وبين حكام التتار في عهد ابن تيمية مؤكدا وجوب قتالهم، ثم تناول مناهج التغيير لدى الجماعات الإسلامية المختلفة بالنقد، وقال إنه لا تغيير حقيقي إلا بالقتال، وصك الجملة التي تحولت إلى شعار للتيار الجهادي المصري بأن قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد.
المستوى التنظيمي:
تبنى فرج الرأي القائل بأن الانقلاب العسكري لابد أن تصحبه تحركات شعبية مؤيدة له. وسعى لتجميع قادة المجموعات الجهادية في عمل مشترك مما أحدث نقلة كمية كبيرة في أعداد أفراد تنظيمه.
اقتنع كرم زهدي بمشروع فرج وأقنع بقية رفاقه في الجماعة الإسلامية بالاندماج في يناير1980 مع تنظيم فرج الذي كان يضم عبود وطارق الزمر ونبيل المغربي وغيرهم[31]. وتم تأسيس مجلس شورى جديد يضم فرج وعبود وقادة الجماعة الإسلامية، واشتهر التنظيم الجديد باسم تنظيم الجهاد[32]. اختار مجلس الشورى الشيخ عمر عبد الرحمن أميرا للتنظيم في يونيو عام(1981)[33]. ويذكر علي الشريف تفاصيل ذلك قائلا “جلسنا نتشاور في اختيار عالم كبير ليقود هذا التنظيم المسلح كي يضبط حركته بالشرع الحنيف، واستعرضنا عددا من كبار العلماء في مصر.. وبعد مناقشات ومداولات اخترنا الدكتور عمر عبد الرحمن لأنه كان عالما جليلا ويحاضر في مساجدنا ومعسكراتنا، ولا يخشي في الله لومة لائم، ذهبنا إليه في منزله وعرضنا عليه الأمر فتردد أولا ثم أكثرنا عليه الإلحاح فوافق”[34]. وآخذ قادة التنظيم في انتقاء عناصر تتوافر فيها صفات (الصلاح والتقي- الولاء التام للجماعة -السرية العالية – الذكاء والفهم – الشجاعة والإقدام) من أجل الانضمام للتنظيم السري المسلح.
التدريب
أسس التنظيم معسكرا بصحراء البلينا في سوهاج بالصعيد، واستقدم عدة ضباط من الموالين له لتدريب عناصره. ويشرح قائد المعسكر علي الشريف البرنامج التدريبي قائلاً: “الدورة التدريبية مدتها 15 يوما تُدرس فيها أولا العلوم العسكرية نظريا (التخطيط للعمليات العسكرية – الزحف –الإغارة – الانسحاب – المخابرات – أنواع الأسلحة الخفيفة – القنابل وأنواعها – الكمائن – الإسعافات الأولية) ثم بعد ذلك يُدرس عمليا فك وتركيب واستخدام الأسلحة الخفيفة من بنادق ومسدسات ورشاشات وقنابل، كما يجري التدريب على قيادة السيارات والدراجات البخارية، فضلا عن دراسة فقه الجهاد بشكل مفصل”[35].
الهجوم الأول على الشرطة
وقع أول هجوم من الجماعة على الشرطة، إثر احتجاز الأمن لقيادي الجماعة علي الشريف عقب هدم عناصر الجماعة لسور أقامته إدارة جامعة أسيوط حول المدينة الجامعية لمنع دخول أي شخص ليس مقيدا بها. فقام عناصر الجماعة بقيادة كرم زهدي بمهاجمة قسم شرطة نجع حمادي، وتكبيل حراسه، وإخراج الشريف عنوة[36].
التمويل
لتوفير الأموال اللازمة لتسليح التنظيم، قامت الجماعة بعمل أسواق خيرية في محافظات الصعيد لتوظيف عوائدها في التمويل، ولكن لم تتوفر سوى مبالغ ضئيلة. وفي يونيو 1981 وقعت أحداث الفتنة الطائفية بالزاوية الحمراء وأسفرت عن مقتل 17 شخصا وإصابة آخرين. وعقب تلك الحادثة اجتمع مجلس شورى التنظيم وقرر تمويل أنشطته عبر الاستيلاء على أموال تجار الذهب النصارى الداعمين للكنيسة، وعرض التنظيم الأمر على الشيخ عمر عبدالرحمن الذي أفتى “بمشروعية ذلك شرط استخدام الأموال فيما ينفع المسلمين دون استخدامها في الأغراض الشخصية، لأنه يجوز قتل النصراني المحارب وآخذ أمواله”[37].
وبالفعل قاد علي الشريف في يونيو 1981 فريقا مكونا من 6 عناصر للهجوم على 3 محلات ذهب بنجع حمادي أثناء صلاة الجمعة تلافيا لوجود مسلمين من المصلين قرب المحلات في ذلك التوقيت، وأسفر الحادث عن مقتل 8 مواطنين نصارى، والاستيلاء على خمسة ونصف كجم ذهب، تم انفاقها على شراء سيارات ودراجات بخارية وبنادق آلية ومسدسات وبعض حاجيات معسكر التدريب من أغطية وأطعمة وأدوات طبخ[38].
اغتيال السادات وأحداث أسيوط عام1981
في تلك الآونة تصاعدت إجراءات السادات القمعية، إذ أصدر قرارا باعتقال 1536 شخصية عامة مطلع سبتمبر1981 بينهم عدد من القيادات الطلابية. وخطب أمام مجلس الشعب قائلا “لن أرحم بعد الآن” واستخف ببعض الدعاة فقال عن الشيخ المحلاوي “مرمى في السجن زي الكلب”، ووصف النقاب بالخيمة. تلك التطورات جعلت اغتيال السادات من أولويات فرج ورفاقه قبل أن يفتك بهم ويكرر معهم التجربة الناصرية مع الإخوان[39].
نجح فرج في ربط معظم المجموعات الجهادية بمخططه المتمثل في اغتيال السادات، والسيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون لبث بيان يطالب الشعب بتأييد الثورة الوليدة بالتزامن مع مظاهرات يقودها الجهاديون بالميادين الرئيسية. ولم ينجح من المخطط سوى اغتيال السادات يوم 6أكتوبر عام1981. وأدى حدوث خلل في التواصل بين مجموعات وجه بحري بقيادة فرج ومجموعة الصعيد، إلى ظن قادة الصعيد أن عملية المنصة ألغيت لعدم وصول تأكيد لهم بتنفيذها، ومن ثم لم يتحركوا آنذاك، ولكن عندما وقعت عملية المنصة، اجتمع قادة الصعيد وتشاوروا في تنفيذ الجزء المنوط بهم من الخطة، وأقنع كرم زهدي رفاقه بالسعي للسيطرة على أسيوط بينما كان عصام دربالة رافضا لذلك لعدم جاهزية الجماعة لتنفيذ عمل بهذا الحجم. تم تكليف علي الشريف برسم خطة الهجوم على مدينة أسيوط، والتي تم اختيارها لأن الجماعة الإسلامية تتمتع فيها بثقل كبير داخل الجامعة وخارجها، كما أن أسيوط تقع وسط الصعيد، فيسهل الانتقال منها شمالا إلى المنيا وجنوبا إلي سوهاج وهما من معاقل الجماعة، وقد سرد الشريف في مذكراته تفاصيل الخطة والأحداث قائلا “كان لمدينة أسيوط أربعة مداخل رئيسية شمال وجنوب وشرق وغرب فتم تكوين أربع مجموعات لإغلاق مداخلها:
المجموعة الأولي: مجموعة حمدي عبد الرحمن ودورها الاستيلاء على نقطة شرطة اللاسلكي الموجودة بجوار نقطة المرور شمال المدينة ومنع أي قوات شرطة من الدخول إلي المدينة.
المجموعة الثانية: مجموعة ناجح إبراهيم ودورها الاستيلاء على قسم أول أسيوط ونقطة مرور الغرب وعدم السماح لأي قوات بدخول المدينة من طريق الغرب.
المجموعة الثالثة: مجموعة كرم زهدي ودورها الاستيلاء على معسكرات الأمن المركزي أمام كلية التجارة، والاستيلاء على نقطة مرور شرق أسيوط ومنع أي قوات تحاول دخول المدينة من الشمال.
المجموعة الرابعة: مجموعة علي الشريف ودورها الاستيلاء على مديرية أمن أسيوط وقسم ثان وقتل عناصر الشرطة المتواجدين داخل عربات الأمن المركزي المتمركزين أمام مركز ناصر، والاستيلاء على نقطة مرور أسيوط الواقعة في الجنوب. وكانت هي المجموعة الأكبر نظرا لكثرة المهام الملقاة على عاتقها، وضمت بين عناصرها عاصم عبد الماجد، وفؤاد الدواليبي، وطلعت ياسين وغيرهم.
تمثلت الخطة بعد الاستيلاء على هذه المراكز الرئيسية في استخدام مكبرات الصوت بالمساجد لحث الجماهير على الانضمام للثورة الإسلامية، ثم تعبئة الجماهير بعد إعطائها السلاح، والانتقال بها إلى المحافظات المجاورة للسيطرة عليها.
نجح عناصر الجماعة في الاستيلاء على مديرية الأمن وقسم ثان ووُزع السلاح المغتنم على باقي أفراد المجموعة، وقُطع الطريق الجنوبي للمدينة، وفتش عناصر الجماعة العربات الداخلة والخارجة من مدينة أسيوط.
أثناء الاشتباكات أصيب علي الشريف بسبع رصاصات، وأصيب عاصم عبد الماجد بثلاث رصاصات هشمت إحداها ركبته. فتولي قيادة المجموعة فؤاد الدواليبي، وانسحب بها من مديرية الأمن عائدا إلى قواعده في الجبال والقري المحيطة بأسيوط، بينما تم القبض على الشريف وعبد الماجد من مستشفى أسيوط الجامعي أثناء تلقيهما العلاج. كما انسحبت بقية المجموعات، إثر إصابة معظم عناصرها، إذ بُترت يد عصام دربالة وأصيب ناجح إبراهيم برصاصة في قدمه، وتمكن الأمن من القبض على معظمهم خلال أيام… وتم نقل قادة الجماعة المقبوض عليهم في طائرة هليكوبتر إلي القاهرة”[40].
شارك في أحداث أسيوط 35 عنصرا يمتلكون 7 بنادق آلية وبعض المسدسات والقنابل اليدوية[41]. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل 7 من أفراد الجماعة وما يزيد عن ستين من أفراد الشرطة. وأُعدم على خلفية اغتيال السادات محمد فرج والأربعة الذين نفذوا عملية المنصة (خالد الإسلامبولي – عبد الحميد عبد السلام – حسين عباس- عطا طايل) وصدرت أحكام متفاوتة على بقية المتهمين، وكان المؤبد من نصيب قادة الجماعة البارزين.
تداعيات اغتيال السادات
خارج السجون اتسع نطاق المتعاطفين مع التيار الجهادي لنجاحه في كسر حاجز الخوف من السلطة بقتله للسادات في عملية استغرقت 40 ثانية، وحرصت الجماعة الإسلامية على تأكيد هذا المعنى في سياق ذكرها للمكتسبات التي نتجت عن حادث المنصة قائلة “أثبتت الأحداث أن الحركة الإسلامية على الرغم من ضآلة إمكاناتها وقلة عددها وعدتها، قادرة على إحداث الفعل المؤثر بل الموجع والقادر على التغيير، كما دفعت الأحداث إلى طرح قضايا بعينها على رجل الشارع المسلم من قبيل الخروج على الحكام المبدلين للشرع، وقتال الطوائف الممتنعة عن شرائع الإسلام، وأوجدت تجاوبا كبيرا مع الفهم الإسلامي الجهادي بين الشباب المسلم وبالأخص في الجامعات والمدارس، مما انعكس على استعدادهم النفسي والفكري للمواجهة، كما أدت إلى الافراج عن المعتقلين السياسيين والمفكرين والرموز الذين سبق اعتقالهم في قرارات سبتمبر”[42].
تحول الجهاديون بعد أحداث 1981 إلى لاعب فاعل في الساحة الإسلامية والمشهد العام، مما دفع نظام مبارك إلى السعي لاحتواء هذا التمدد من خلال توسيع رقعة الحريات، والسماح للإخوان بالمشاركة في الانتخابات النيابية عام 1984، وزيادة مساحة الدروس الدينية بالتلفزيون الرسمي.
خلافات السجون وانشطار المجموعات الجهادية
تشكل في السجن هيكل تنظيمي بزعامة عبود الزمر يضم قادة المجموعات الجهادية المعتقلة على خلفية أحداث 1981، وضم مجلس شورى التنظيم كلا من “أيمن الظواهري وطارق الزمر وناجح إبراهيم وعصام دربالة”[43]. ولكن سرعان ما حدثت خلافات بين مجموعة الجماعة الإسلامية والمجموعات الجهادية الأخرى، لأن الأخيرة كانت تضم ضباطا بالجيش وعناصر لها خبرات تنظيمية، بينما الجماعة الإسلامية كان قادتها أصغر سنا ومن طلبة الجامعات، رشحت الجماعة الشيخ عمر عبدالرحمن لإمارة التنظيم، ففجر الرائد عصام القمري[44] قضية عدم مشروعية ولاية الضرير وانتهى النزاع بتشرذم التنظيم المراد إنشائه لعدة مجموعات، وعودة الجماعة الإسلامية لتعمل بشكل منفصل.
استراتيجية الجماعة الإسلامية[45]
وفقا للقيادي أسامة حافظ فإن الجماعة استوعبت أحد أبرز دروس أحداث 1981، والمتمثل في أن عدم وجود قواعد شعبية داعمة للجماعة وكافية لإشعال الثورة الإسلامية، يُعد من الأسباب الرئيسية لفشل خطتها آنذاك، ومن ثم رأت الجماعة تأجيل المواجهة الحتمية مع الدولة بضعة سنوات إلى أن يتاح لها بناء قواعد كبيرة في مختلف المحافظات. ونظرا لتنوع الأحكام الصادرة ضد قادة وكوادر الجماعة من السجن 3 سنوات وصولا للمؤبد، فقد تبنت الجماعة خطة متدرجة تقضي بأن يتولى المفرج عنهم بعد 3 سنوات أي عام 1984 مسئولية نشر الدعوة على نطاق واسع في أنحاء الجمهورية، ثم يتولى المفرج عنهم بعد 5 سنوات إحكام الهيكل التنظيمي للجماعة، ثم يتولى المفرج عنهم بعد 7 سنوات أي عام 1988 تأسيس جناح عسكري يتولى حماية الجماعة من بطش الأمن. هذا التسلسل (نشر الدعوة، الإحكام التنظيمي، تأسيس الجناح العسكري) تم تنفيذه بالفعل ولكن دون وجود رؤية استراتيجية للجماعة بخصوص وسيلة التغيير التي تتبناها.
التأطير المنهجي
بعد تفكك تنظيم الجهاد داخل السجن، وعودة الجماعة الإسلامية للعمل بشكل منفصل، حرص قادتها على تأطير منهجها، فأصدروا “ميثاق العمل الإسلامي” عام 1984 مؤكدين فيه على سلفية المعتقد وتبنيهم لثلاثية “الدعوة كأداة لتغيير المفاهيم، والحسبة كأداة لتغيير المجتمع، والجهاد كأداة للتغيير عندما لا تجدي الدعوة ولا تكفي الحسبة”[46].
غلاف ميثاق العمل الإسلامي
البنيان التنظيمي
تواكب إصدار الميثاق مع إعادة بناء الجماعة تنظيميا على يد رموز الصف الثاني مثل (صفوت عبدالغني، علاء محيي الدين، ضياء فاروق، طلعت ياسين همام، أحمد عبده سليم، ممدوح علي يوسف، مصطفى حمزة، علي الديناري)[47]– الذين استفادوا من توثيق علاقتهم مع كثير من المعتقلين على خلفية اغتيال السادات فضموهم لصفوفهم[48]. واعتمدوا العمل الدعوي العلني في المساجد والجامعات، فضلا عن تقديم الخدمات في المناطق الشعبية، ومدوا نطاق التواجد الجغرافي للجماعة من القرى إلى المدن، ومن الصعيد إلى القاهرة الكبرى وبعض محافظات وجه بحري، فتحولت أحياء عين شمس وإمبابة والعمرانية إلى معاقل قوية للجماعة التي بلغ من نفوذها أن صارت أجهزة الأمن تحيل مشاكل المواطنين إلى قادتها لحلها[49].
اتسم الهيكل التنظيمي للجماعة بالمركزية الشديدة، إذ قبع على رأسها مجلس للشورى يضم القادة المؤسسين سواء كانوا داخل السجون أو خارجها، فكان من قادتها بالسجون (كرم زهدي، ناجح ابراهيم، أسامة حافظ، عصام دربالة، عاصم عبدالماجد، علي الشريف، فؤاد الدواليبي، حمدي عبدالرحمن) وخارج السجن (رفاعي طه، طلعت فؤاد قاسم، عبد الآخر حماد، صلاح هاشم). وانضم لهذا المجلس لاحقا عبود وطارق الزمر عام (1992)[50] من داخل سجنهما عقب عدم نجاح محاولاتهما لتشكيل جبهة تضم كافة الجماعات الإسلامية بالساحة[51].
مقتطف من العدد (22-23) من مجلة المرابطون
تلي مجلس الشورى العام، مجلس شورى بالمحافظات يضم (الأمير العام – أمير لجنة الدعوة – أمير لجنة التربية- أمراء المراكز- أمير لجنة الإعلام). وتمثل دور كل لجنة في التالي[52]:
اللجنة الدعوية: تشرف على الأنشطة الدعوية من قبيل المواعظ، الدعوة الفردية، فصول التقوية، مجلات الحائط بالمساجد. وتضم عددا من المجموعات الفرعية وفقا للشكل التالي:
مجموعة الدعوة الفردية: تختص بدعوة الأصدقاء والأقارب والمعارف.
مجموعة دعوة الفئات: تختص بدعوة أصحاب المؤهلات العليا كالأطباء والمهندسين.
مجموعة إعداد شؤون الدعوة: تختص بإعداد المؤتمرات واللقاءات وتوزيع الخطباء على مساجد الجماعة، وتحديد المواعظ والعناوين الملقاة.
مجموعة الإشراف على المساجد: تختص بالإشراف على إقامة الشعائر في المساجد التابعة للجماعة، وتنظيم الحلقات الدعوية بالمساجد وتنظيفها.
لجنة التربية: تختص بتربية أفراد الجماعة إيمانيا، وحثهم على أداء النوافل وقيام الليل.
اللجنة المجتمعية: تختص بجمع التبرعات وتوزيع المساعدات العينية مثل (الدقيق، السمن، الفول، الأرز) على الأسر المحتاجة، وحل مشاكل المواطنين، وتنظيم معارض للسلع، وترميم وبناء المساجد، وإقامة الأفراح الإسلامية بأسعار مخفضة.
اللجنة الإعلامية: تختص بعمل المعارض والمجلات والمنشورات والإعداد للحفلات والأفراح والمؤتمرات.
أمير المراكز: يشرف على ما ينفذ داخل المدن والمراكز من أعمال، وتتبعه اللجان الأخرى.
المساجد كمعاقل للجماعة
اعتبرت الجماعة المساجد التي تشرف عليها بمثابة مراكز للنشاط، فهى التي تُعقد فيها اللقاءات والمؤتمرات والمعسكرات، وتُوزع عبرها التبرعات، ويُقضى فيها في المشاكل بين الناس.
المكون الفكري والشرعي
اتسم تكوين الجماعة الشرعي والفكري بأنه ذو سمت تراثي سلفي، إذ اعتنت بتدريس كتب ابن تيمية وابن القيم، وتفسير ابن كثير والعقيدة الطحاوية ومعارج القبول لحافظ آل حكمي، ونيل الأوطار للشوكاني، ورياض الصالحين للنووي فضلا عن الكتب المعاصرة ككتب سيد قطب[53].
أ- الاصدارات المكتوبة
اعتنت الجماعة بتقديم بحوث ودراسات تعبر عن توجهاتها المنهجية وخياراتها الشرعية ورؤيتها الفكرية، فأصدر قادتها العديد من الإصدارات التي كانت تتفاعل مع القضايا المثارة في الساحة الإسلامية آنذاك:
-عندما قدمت بعض الأوساط السلفية تنظيرات شرعية تصف فيها العمل الجماعي بأنه بدعة، نشرت الجماعة إصدار “وجوب العمل الجماعي”.
– عندما تحالفت جماعة الإخوان المسلمين مع حزبي العمل والاحرار في انتخابات مجلس الشعب عام 1987أصدرت الجماعة بحث “الحركة الإسلامية والعمل الحزبي”.
– عندما انتشرت بعض أفكار الغلو، نشرت الجماعة “الرسالة الليمانية في الموالاة”[54].
– عندما أثارت بعض التيارات الإسلامية النقاش حول مدى شرعية مواجهة النظام الحاكم، نشرت الجماعة بحث “الطائفة الممتنعة”.
– عندما بدأت شرارة المواجهات مع نظام مبارك عام 1986نشرت الجماعة في العام التالي رسالة “حتمية المواجهة” التي بررت فيها الصراع مع النظام الحاكم بأربعة أسباب تتمثل في وجوب “خلع الحاكم الكافر المبدِّل لشرع الله، وقتال الطائفة الممتنعة عن شرائع الإسلام، وإقامة الخلافة وتنصيب خليفة للمسلمين، وتحرير البلاد واستنقاذ الأسرى ونشر الدين”[55].
– كما أصدر قادة الجماعة إصدارات أخرى مثل: أصناف الحكام وأحكامهم، كلمة حق، العذر بالجهل، جواز إنكار المنكر باليد لآحاد الرعية. ويُعد كتاب “ميثاق العمل الإسلامي” من أول وأبرز إصدارات الجماعة إذ نشرته عام 1984 ليكون بمثابة دستور لها، مما يستدعي تناول بعض المقتطفات منه:
– وضحت الجماعة أهمية الميثاق قائلة “نقدم ميثاق العمل الإسلامي تبيينا وتوضيحا وتذكيرا بأسس وأصول شرعية ما كان لها أن تغيب عن أي حركة إسلامية يهمها أن تلتزم وتنضبط في كل أمورها بالشرع الحنيف”. وقالت أنه يجيب عن العديد من التساؤلات الخاصة بالجماعة من قبيل “ما هي غايتنا التي نسعى إليها؟ ما هي عقيدتنا التي ندين بها؟ ما هو فهمنا الذي نتحرك به؟ ما هو طريقنا لتحقيق هذه الأهداف؟ ما هو زادنا؟ لمن يكون ولاؤنا؟ ومن نعادي؟ من الذي نقبله داخل صفوفنا؟ ومن الذي نرده ونرفضه؟ ولم؟”. ثم قدمت الإجابة قائلة:
“غايتنا: رضا الله تعالى بتجريد الإخلاص له سبحانه وتحقيق المتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم.
عقيدتنا: عقيدة السلف الصالح جملة وتفصيلا.
فهمنا: نفهم الإسلام بشموله كما فهمه علماء الأمة الثقات المتبعون لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم.
هدفنا: تعبيد الناس لربهم، وإقامة خلافة على منهاج النبوة.
طريقنا: الدعوة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الجهاد في سبيل الله من خلال جماعة منضبطة حركتها بالشرع الحنيف، تأبى المداهنة أو الركون، وتستوعب ما سبقها من تجارب.
زادنا: تقوى وعلم، يقين وتوكل، شكر وصبر، زهد في الدنيا، وايثار الآخرة.
اجتماعنا: لغاية واحدة، بعقيدة واحدة، تحت راية فكرية واحدة.
ولاؤنا: لله ورسوله وللمؤمنين، وعداؤنا للظالمين”.
– وعبرت عن نظرتها لواقع العالم الإسلامي وتصورها لمنطلقات حل أزماته قائلة “هذه الأمة التي سادت بالإسلام ردحا طويلاً من الزمان، امتدت خلاله خلافتنا لتظل معظم البلدان تقودها بكتاب الله، ها هي اليوم تتجرع كأس المذلة والهوان، وقد أضحى مجدها وعزها أنشودة قديمة يتغنى بها ويتسامر الأبناء، ها هي تسقط وتتمزق خلافتها إلى دويلات، منها ما اقتطعه النصارى، ومنها ما اقتنصه اليهود، ومنها ما استولى عليه الملاحدة وعبدة الأوثان، وأما ما بقي منها يحمل اسم الإسلام فقد علاه حكام علمانيون.. إننا كمسلمين أعمق فهما وأنفذ بصيرة من أن تستهوينا محاولات الإصلاح الجوفاء التي تملأ العالم اليوم، إن مشكلة الناس الأساسية ليست نقص الموارد، وليست الظلم المنتشر فوق الربوع، وليست هي الحروب الفتاكة، وليس مرجعها إلى اختلال صور توزيع الثروة، ولا إلى غياب الديمقراطية. إن مشكلة الناس الأساسية؛ أنهم يرفضون أن يكونوا عبيدا لله، أو يجهلون هذه القضية. وإن نقطة البدء الصحيحة؛ هي العمل الدائب الجاد الواعي لإعادة الناس لربهم لتعبيدهم لخالقهم… وما عدا ذلك فسعي ضال وضائع وجهد مفقود”.
ب- الإصدارات الصوتية:
لم تكتف الجماعة بالإصدارات المكتوبة، فأصدر قادتها داخل السجون عدة إصدارات صوتية مثل:
الخلافة، شهيد الحسبة[56]، الطائفة الممتنعة، التعذيب، رسالة من خلف الأسوار، الانتفاضة، التحدي، إعلان الحرب على مجلس الشعب، حتمية المواجهة، من نحن وماذا نريد، الموالاة، الخلافة أو الخذلان.
إعلان للجماعة عن إصداراتها بالعدد (12) من مجلة المرابطون
جـ- المجلات:
أصدرت الجماعة بعض المجلات مثل مجلة صوت الأزهر التي صدر منها عددان فقط، كما أصدرت عام 1990 ببيشاور مجلتها الشهرية المرابطون[57].
مجلة صوت الأزهر
مجلة المرابطون
نظرة الجماعة لنظام مبارك
لم تكتف الجماعة بتقديم نظرة شرعية ومنهجية لنظام مبارك كالتي قدمتها في “ميثاق العمل الإسلامي” و”حتمية المواجهة” إنما حرصت أيضا على تقديم نظرة سياسية واقتصادية ومجتمعية عبر عنها القيادي رفاعي طه قائلا “النظام المصري تمحورت سياستهالداخليّة حول الفساد والاستبداد، وسياسته الخارجيّة حول الخيانة والمهانة، فعلى المستوى الاقتصادي نجد ارتفاع معدّلات البطالة، توقّف كثير من الصناعات الوطنيّة، بيع القطاع العام، التغلغل الأجنبي في مختلف القطاعات الاقتصاديّة، التملّك الأجنبي لمعظم أصولنا الاقتصاديّة، أو تملّكها من قبل أهل الحكم وذويهم وتحويلها إلى ملكيّات خاصّة يحرم الشعب من الانتفاع بها.
أمّا على الصعيد الأخلاقي فإشاعة الفاحشة، ونشر الانحلال، وإفشاء الفساد صارت سياسات حكوميّة ثابتة.. وجاءت سياسة تجفيف المنابع المعتمدة في العشر سنوات الأخيرة كبلورة للممارسات الحكوميّة في هذا الاتّجاه، وهي سياسة لا تهدف فقط إلى حرب كلّ ما هو إسلامي وأخلاقي بل تعمد إلى إحلال الفجور والضلال محلّ القيم والأخلاقيّات حتّى على مستوى مناهج التعليم فضلاً عن وسائل الإعلام. فارتفعت معدّلات الجريمة، وشاع في الشباب الإدمان وبرزت في مصر – ولأوّل مرّة – ظاهرة الاغتصاب، حتّى باتت تقع في الشوارع والميادين العامّة دون نكير من أحد.
كما انتشر الفساد والمحسوبيّة وصارت الرشاوى هي القانون المتحكّم في جميع العلاقات والمعاملات، وشاعت قضايا الفساد في أوساط الحكم إلى حدّ لم يقدروا على إخفائه أو التستّر عليه، فاضطرّوا إلى التضحية بالبعض ذرّاً للرماد في العيون.
أما على الصعيد السياسي؛ فما عرفت مصر في كلّ تاريخها الحديث سياسة أفشل من حقبة مبارك، فهو الذي تولّى قيادة العرب إلى حتفهم، وبينما جعل يلوك بالليل والنهار دعاوى السلام المزعوم مع إسرائيل، طفق يمارس السياسات العدائيّة ضدّ شعوب شقيقة في العراق والسودان.. لذلك علينا أن نؤكد اليوم – كما أكدنا في مناسبات سابقة – إن تحرير القدس لن يتم إلا عبر تحرير القاهرة، وإن تحرير القاهرة من العلمانية والردة والعمالة؛ لهو البوابة الحقيقية لتحرير القدس”[58].
مظاهر نشاط الجماعة في الجامعات
اهتمت الجماعة بطبيعة نشأتها بالعمل الدعوي في الجامعات وبالأخص في جامعات وجه قبلي التي انتسب لها معظم قادتها، واعتنى عناصرها بإقامة معسكرات إسلامية، وأسواق خيرية لبيع السلع، ومعارض للكتب، فضلا عن الاحتساب داخل أسوار الجامعة والمدن الجامعية على المنكرات، وتُعد قافلة تغيير المنكر من أبرز معالم أنشطة الجماعة الإسلامية بالجامعات، إذ كانت تبدأ مراسمها بأداء عناصر الجماعة لحركات صفا وانتباه[59].
التمويل
مول عناصر الجماعة أنشطتهم من خلال دفع اشتراكات شهرية، وجمع التبرعات من الأهالي في حملات طرق الأبواب، ومن صناديق التبرعات بالشوارع، ومن العوائد المالية لمعارض الملابس والكتب والسلع المخفضة وشوادر الجزارة التي أقامتها الجماعة[60].
بدء المواجهات
ازداد انزعاج الحكومة من توسع نشاط الجماعة إثر نجاح مسؤول قسم الدعوة صفوت عبدالغني في نقل تمركزها إلى قلب القاهرة رفقة زميله مسؤول القسم الإعلامي علاء محيي الدين الذي حقق شعبية عبر نشر مقالاته بجريدة الشعب. فدشن وزير الداخلية زكي بدر إثر توليه لوزارة الداخلية في مارس 1986 سياسة حصار المساجد، ففي 28 إبريل 1986 اقتحم الأمن مسجد الرحمن بأسوان، وأطلق القنابل المسيلة للدموع داخله أثناء مؤتمر عقدته الجماعة، ثم اقتحم مسجد الرحمن بالمنيا في نفس الشهر، وحدثت صدامات متعددة مع قوات الأمن حول مساجد الجماعة في أسيوط والمنيا وأسوان سوهاج والقاهرة. ورفع بدر شعار “الضرب في سويداء القلب” ورفعت الجماعة بالمقابل شعار “مساجدنا معاقلنا” و”مساجدنا خط أحمر”[61].
بدأ مسلسل الدم في إبريل عام 1986 إثر قيام شرطي بقتل الطالب بكلية التجارة شعبان راشد أثناء تعليقه إعلانا عن اللقاء الأسبوعي للجماعة بمسجد الجمعية الشرعية بأسيوط[62]، وهو أول قتيل للجماعة منذ أحداث1981. وقد حاول مبارك تهدئة الوضع، فأمر بنقل شعبان للعلاج بمستشفى المعادي العسكري قبل أن يتوفى متأثرا بإصابته، كما صدر حكم بسجن الشرطي القاتل لمدة 5 سنوات، ولكن لم يلبث الأمن في أكتوبر من نفس العام إلا وقتل الطالب بكلية التربية سيد تقي الدين أثناء اقتحام مسجد الجمعية الشرعية بأسيوط، وتوالى مقتل عناصر الجماعة على يد الشرطة. ردت الجماعة على التصعيد الحكومي بتدشين مظاهرات واسعة ثم أصدرت عام 1987رسالة “حتمية المواجهة” التي قالت فيها “تتكرر مأساة الحاكم الكافر في كل عصر مع المسلمين الضعفاء.. لهذا كان حتما أن تخرج السيوف من أغمادها، ويشتعل البارود ويطلق الرصاص، ويقوم المجاهدون لدفع الظلم والجبروت، ورد العنف بالعنف والقوة بالقوة… فإما الجهاد والمواجهة والقتال، وإما الأسر والذل والهوان”[63].
كما رحبت الجماعة في بيان رسمي أصدرته بالعمليات التي شنتها الجماعة المشهورة إعلاميا باسم “الناجون من النار” قائلة “لاشك أن الرصاص الذي انطلق يوم 2/5/1987 على حسن أبوباشا أمام منزله بالعجوزة، ثم ذلك الذي انهمر على مكرم محمد أحمد في 3/6/1987، والآخر الذي انطلق على النبوي اسماعيل في 9/7/1987، ثم ذلك الذي انهمر في11/7/1987 بموقعة الخرقانية[64] وبعده في 24/7/1987بسنتريس[65]. لاشك أن أثر هذه الرصاصات لم يقف عند الإصابات التي أحدثتها… لقد فضحت هذه الرصاصات قاعدين رضوا بالقعود مع الخوالف، وأذهبت غيظ قلوب الآلاف من المستضعفين في الأرض.. لقد خلعت تلكم الرصاصات قلوب طغاة متجبرين وقالت في لغة واضحة إن القوة هي الحل الوحيد”[66].
استمر تصاعد الأحداث فقتلت الشرطة في مارس 1988عضو الجماعة محمد قطب إثر اشتباكات على خلفية مشاركته في الإنكار على عرض مسرحي بقرية كودية الإسلام بديروط. وفي يوليو 1988 نجح عناصر تنظيم الجهاد (عصام القمري وخميس مسلم ومحمد الأسواني) في الهرب من سجن ليمان طرة، فتعرض قادة الجماعة الإسلامية المتواجدين بذات السجن للتضييق، وأرادت الجماعة أن تعقد في شهر أغسطس مؤتمرا بمسجد آدم بعين شمس لتسليط الأضواء على معاناة قادتها بالسجون، فمنع الأمن عقد المؤتمر، واقتحم المسجد ليقتل 6 من أعضاء الجماعة ويصيب العشرات.
وفي شهر ديسمبر من نفس العام وردت معلومات للأمن عن مسيرة سلمية تنوي الجماعة تنظيمها انطلاقا من مسجد آدم إلى القصر الجمهوري بالقبة للإعراب عن تأييدها للانتفاضة الفلسطينية[67]، فداهمت الشرطة مجددا المسجد، ونفذت حملات اعتقال واسعة في أحياء عين شمس والمطرية والألف مسكن، وأثناء الأحداث قام عضو الجماعة شريف الشريف بذبح ضابط الشرطة عصام شمس. وردت الشرطة باعتقال 300 سيدة وفتاة من أقارب عناصر الجماعة الهاربين بحي عين شمس قبل أن تتمكن من قتل شريف مع رفيقين له[68]. واستمر اقتحام قوات الأمن للعديد من مساجد الجماعة خلال العام 1988، فردت الجماعة بتنظيم مظاهرات ضخمة في ساحة الأزهر وميدان رمسيس ردد خلالها عناصرها هتافات من قبيل “قوم يا راكع، قوم يا ساجد، حسني دمر المساجد”. وخلال الفترة الممتدة من عام 1986 وصولا إلى عام 1990 اقتحم الأمن “قرابة 40 مسجدا تابعا للجماعة وقتل 70 من أفرادها خلال تصديه لأنشطتها”[69].
ندوات الحوار ومحاولات الاحتواء
مع تأزم الأوضاع سعت الحكومة في نهاية الثمانينات إلى احتواء عناصر الجماعة بالتوازي مع تحجيم نشاطهم عبر الضربات الأمنية، فعرضت على قادتها إبلاغها بالمنكرات كي تتعامل معها السلطات المعنية بشكل قانوني، بل واتخذ مجلس محلي أسيوط قرارا بحظر بيع الخمور في جميع المحلات العامة بالمحافظة، والغاء كافة التراخيص السابق صدورها[70].
كما دعمت الحكومة عقد ندوات ومناظرات بين بعض الشيوخ الرسميين مثل المفتي سيد طنطاوي ووزير الأوقاف محمد علي محجوب وبين قيادات الجماعة. وتعددت هذه المناظرات، وكان من أبرزها مناظرة في مسجد الجمعية الشرعية بأسيوط بين المفتي ووزير الأوقاف من جهة، وبين عبد الآخر حماد وأحمد عبده سليم وطلعت ياسين همام من جهة أخرى. كما عُقدت مناظرة في مسجد الجمعية الشرعية بالمنيا عام 1989 بين المفتي ووزير الأوقاف، وقياديي الجماعة صفوت عبد الغني وعلي عبدالفتاح. ودارت المناظرة حول فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما نقلت وزارة الداخلية بعض المعتقلين من سجن طرة إلى مقر دار الإفتاء للحوار مع المفتي ووزير الأوقاف، فاستقبلهما المعتقلون بالهتاف “يا علماء اتقوا لله…لا حوار مع الإكراه” ومن ثم أداروا ظهورهم للمنصة، فانفجر طنطاوي غاضبا قائلا: دي قلة أدب! وصاح أحد لواءات أمن الدولة قائلا لعناصر الجماعة: لا نافع معكم حوار، ولا نافع معكم علماء، لا نعرف كيف نتصرف معكم[71].
وفي 2 مارس 1989 نقلت الداخلية عددا من المعتقلين إلى مجمع البحوث الإسلامية ليلتقوا بالشيخين الشعراوي والغزالي في حضور وزير الأوقاف محمد علي محجوب لتدور بينهم محاورة ومناظرة[72].
وفي خضم تلك المناظرات غير المجدية، عُقد مؤتمر بالأزهر في يناير 1989 ألقى في نهايته الشيخ الشعراوي بيانا موقعا من الشيخين الغزالي والطيب النجار تضمن قولهم “نحن نعتقد في إيمان المسؤولين في مصر، وأنهم لا يردون على الله حكما، ولا ينكرون للإسلام مبدأ، وأنهم يعملون على أن تبلغ الدعوة الإسلامية مداها تحقيقا وتطبيقا”[73].
إنشاء الجناح العسكري
مع استمرار التضييق الأمني، بدأت الجماعة عام 1988 تؤسس جناحا عسكريا بقيادة ممدوح علي يوسف من أجل أن يوفر لها مظلة حماية. وأنشأت معسكرا تدريبيا بأفغانستان تحت إشراف عدلي يوسف وأمير المنيا علي عبدالفتاح اللذان قُتلا هناك عام (1990)[74]. وتوافد شباب الجماعة على الساحة الأفغانية للتدرب تحت غطاء السفر لأداء الحج والعمرة للتدرب[75].
الثأر وغياب استراتيجية التغيير
سعت الجماعة لتطبيق الشريعة الإسلامية دون أن تتناول في أدبياتها وسيلة تغيير معينة تتبناها كالثورة الشعبية أو الانقلابات العسكرية. ويشرح أحد أبرز صقورها رفاعي طه رؤيته لطريقة التغيير التي يراها قائلا أنها تتمثل “في اعتصام الجماعات الإسلامية بقول الله عز وجل {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} ثم الشروع في حشد طاقات الشعب المصري بكافة طوائفه، وفي مقدمتهم الجيش والعلماء – سواء كانوا من علماء الأزهر أو علماء الجامعات المصرية الأخرى بمختلف تخصصاتهم – ثم مناهضة النظام في ثورة لا تتوقف حتى يخلع هذا النظام من جذوره”[76]. وانتهجت الجماعة العمل المسلح في إطار ردع الأمن، والرد على تجاوزاته تجاه أفرادها[77].
محاولة اغتيال زكي بدر ثم إقالته
نفذت الجماعة أولى عملياتها الكبيرة بمحاولة اغتيال وزير الداخلية زكي بدر بتفجير سيارة مفخخة أسفل كوبري الفردوس بالقاهرة في 16/12/1989، ولكن أدى تعطل المفجر إلى احباط العملية. ثم أُقيل زكي بدر من منصبه في 11 يناير 1990 إثر نشر جريدة الشعب في 9 يناير وقائع اجتماعه بأعضاء هيئة التدريس الجامعي في مدينة بنها، والذي قال خلاله “يجوز للحاكم أن يقتل ثلث الناس في سبيل أن يحيى الثلثين في أمان.. وأنا عاوز أقتل 1% فقط من الشعب” كما وجه في كلامه سبا مقذعا لعدد من الشخصيات العامة والوزراء، مما دفع مبارك لإقالته.
عهد عبد الحليم موسى واشتعال الصراع
بمجرد تولي عبد الحليم موسى للوزارة سارع للإدلاء بتصريحات إلى مجلة المصور في 19 يناير 1990 قال خلالها “هؤلاء لا هم جماعات، ولا هم من الدين في شيء.. إنهم شراذم اعتنقوا أفكاراً خاطئة” ومن ثم اعتمد سياسة (الضرب في المليان) حتى أنه قتل في أول 3 شهور من عهده 34 عنصرا من الجماعة، وهو عدد أكبر من عدد قتلى الجماعة طوال عهد زكي بدر والذي بلغ 29 قتيلا خلال 4 سنوات.
بالرغم من قسوة موسى إلا أنه سعى للقاء أمير الجماعة الإسلامية الشيخ عمر عبد الرحمن في مكتبه بالوزارة مطلع عام 1990 لوضع حدود تعمل الجماعة خلالها، وقال للشيخ عمر: “حينما تتكلمون في الصوم والصلاة نكون معكم، أما إذا تكلمتم في الخلافة الإسلامية، فإن كل منا يسير في طريق، وإننا نؤذيكم ونمنعكم”[78].
فشل اللقاء في تحقيق النتائج المرجوة، ومن ثم اعتمد موسى سياسة الاغتيالات السرية لقيادات الجماعة، ووقع التحول الدراماتيكي في الأحداث باغتيال المتحدث الإعلامي للجماعة د.علاء محيي الدين عاشور[79] في 2 سبتمبر 1990 بواسطة كواتم للصوت أثناء سيره في الشارع بترسا في الجيزة[80] عقب تلقيه مع صفوت عبد الغني تهديدات سابقة من الأمن بترك القاهرة والعودة للصعيد[81]، وأصدرت الجماعة عقب مقتله بيانا بعنوان “ومضى عهد الكلام”.
حادث اغتيال المحجوب وتداعياته
لم يتأخر ثأر الجماعة كثيرا، فردت في 12 أكتوبر 1990 باغتيال رئيس مجلس الشعب رفعت المحجوب في عملية نفذها 4 مسلحين وسط القاهرة على كورنيش النيل بالقرب من ميدان التحرير، ونجحوا في تصفية المحجوب وسائقه وأغلب طاقم حراسته فضلا عن عميد شرطة حاول توقيف أحد المسلحين أثناء هروبه. هز الحادث وهروب منفذيه أركان نظام مبارك الذي ظن لفترة من الوقت أنه من تنفيذ مجموعات أجنبية محترفة.
وصلت للأجهزة الأمنية لاحقا معلومات تشير لضلوع قيادي الجماعة ممدوح علي يوسف في تنفيذ الحادث، وقد كان مطلوبا للأمن لضلوعه في محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق زكي بدر. تم القبض على ممدوح صبيحة يوم 27 أكتوبر 1990 في منزل كان يعيش به بهوية مزورة[82]، وتعرض لتعذيب وحشي اعترف خلاله بأنه سيلتقي عصر يوم القبض عليه بمجموعة من منفذي عملية الاغتيال بالقرب من كلية هندسة القاهرة، فأعد الأمن كمينا للمجموعة التي بادرت للاشتباك عند محاولة القبض عليها، فقُتل اثنان من عناصرها (محمد صلاح ومحمد عبد الفتاح) وتم القبض على محمد النجار إثر إصابته بطلق ناري في رقبته، فضلا عن توقيف عنصر رابع تواجد معهم (عادل مسلم).
تحت التعذيب كُشِفَتْ الشبكة المنفذة للحادث والتي ضمت 28 فردا بزعامة ممدوح علي يوسف وصفوت عبد الغني، واتضح أن العملية كانت تستهدف موكب وزير الداخلية الذي اعتاد المرور من هذه المنطقة في ذلك التوقيت أثناء ذهابه من بيته بالدقي إلى مقر الوزارة، ولكن مرور موكب المحجوب جعل المهاجمين يستهدفونه ظنا منهم أنه موكب موسى لتشابه سيارات الموكب وعددها[83].
كما فوجئت أجهزة الأمن بحيازة تلك الشبكة لكميات من الأسلحة الآلية والمسدسات والقنابل والأوراق المزورة التي تشمل: بطاقات شخصية، شهادات دراسية، شهادات خدمة عسكرية، رخص دراجات بخارية، كارنيهات نقابية، وأخرى تابعة للمخابرات الحربية. مما دل أن الجماعة الإسلامية دخلت طورا جديدا في المواجهة، ومن ثم بدأت السياسة الأمنية تتجه لمزيد بطش. وبلغ عدد المعتقلين من الجماعة على خلفية الحادث 5 آلاف معتقل[84]. وفي تلك الأثناء تمكن صفوت عبد الغني من الهرب في 19/4/1991 أثناء ترحيله لحضور امتحاناته الجامعية بمحافظة المنيا، فتحول بهروبه إلى أسطورة بين عناصر الجماعة، قبل أن تتمكن قوات الأمن من القبض عليه لاحقا في يوليو (1991)[85].
أثناء المحاكمة لم يتوان صفوت عن تهديد نظام مبارك قائلا “بدأنا بالمحجوب، ولن يهدأ لنا بال حتى نأتي برأس حسني مبارك، وبقية القيادات”[86]. وعقب سجن ممدوح علي يوسف تولى قيادة الجناح العسكري للجماعة مصطفى حمزة لمدة عامين (1990-1992) قبل أن يغادر مصر، ولم يخلفه قائد عام آخر، إنما تولت قيادات محلية في كل محافظة قيادة المجموعات المسلحة[87].
من اليمين: ممدوح علي يوسف ثم صفوت عبد الغني ويقف خلفهما عزت السلاموني.
حادث صنبو وتفجر الصراع في أسيوط عام (1992)[88]
دخل الصراع بين الجماعة ونظام مبارك منحى جديدا دمويا بدءا من عام 1992 إثر أحداث عزبة منشية ناصر بقرية صنبو التابعة لمركز ديروط بمحافظة أسيوط، ففي 9 مارس 1992 وقع اشتباك بين عائلتين مسلمة ونصرانية على خلفية نزاع على بيع منزل، وسقط 3 قتلى (2 مسلمين وثالث نصراني). أحد القتلى كان تابعا للجماعة الإسلامية، فرد أمير الجماعة بالقرية جمال هريدي على الحادث بالهجوم في 4 مايو على المتهمين بالضلوع في أحداث مارس مما أسفر عن مقتل 13 مواطنا نصرانيا فضلا عن اثنين من المسلمين.
وفي يوم 19 يونيو 1992 منعت قوات الأمن عقد ندوة للجماعة عقب صلاة الجمعة بمسجد الرضوان بقرية صنبو، وقتلت عضوين من الجماعة أحدهما أمير الجماعة الشيخ عرفة درويش مما أدى لاندلاع أعمال شغب واسعة بالقرية طالت منازل النصارى. وردت الجماعة على الحادث في اليوم التالي قبل دفن أميرها بقتل مواطنين قبطيين بديروط، واستهدفت سيارة مأمور مركز ديروط العقيد محمد نجيب مما أسفر عن إصابته ومقتل جنديين من مرافقيه. وآخذت الهجمات والهجمات المضادة تتصاعد، وبلغت ذروتها بتصفية قوات الأمن لسبعة من شباب الجماعة في شقة بمنقباد في أسيوط في أغسطس 1992.
مسلسل الثأر المتبادل بين الجماعة والأمن عبر عنه بجلاء هتاف قيادي الجماعة عزت السلاموني أثناء محاكمته في قضية اغتيال المحجوب “يا علاء يا محيي الدين خدنا بتارك من الظالمين”[89]، وتعهد الجماعة بالثأر من اعتداء أجهزة الأمن على زوجات قادتها المتهمين في قضية المحجوب في بيان بعنوان “لبيك يا أختاه”[90] قائلة “لبيك سنثأرن..لبيكن سننتقم”. وقولها في مجلتها المرابطون “إن جراح التعذيب على أجساد شباب الجماعة الإسلامية، لم ولن تندمل إلا بمرهم واحد، أحد مكوناته الأساسية، دماء هؤلاء الجلادين وأسيادهم واشياعهم”[91]. وصدقت الجماعة تهديداتها بأفعالها فقتلت في مايو 1993 رقيب الشرطة طه عبد الله الذي سبق له قتل عضوها شعبان راشد عام 1986. وردت على تصفية الأمن لعناصرها في ديروط، باغتيال رئيس مكتب أمن الدولة بديروط المقدم مهران عبد الرحيم ونجله.
ولم تتهاون الجماعة في القضاء على من يساعد أجهزة الأمن في توقيف عناصرها، ومن أشهر تلك الوقائع تصفية الجماعة لناظر مدرسة قرية موشا بأبوتيج، واسمه عيسى أحمد في 21 يوليو 1993 إثر تكريمه من وزير الداخلية بمكافأة مالية وبندقية آلية لجهوده في القبض على طالب الطب حازم بخيت وتسليمه للشرطة إثر اغتيال حازم لشرطي يعمل بمباحث أمن الدولة. وفي نفس اليوم قتلت الجماعة بديروط الصيدلي فيليب باسيليوس لمثوله كشاهد إثبات في قضية ضد عناصرها. أما في محافظة المنيا فقتل عناصر الجماعة أحد المرشدين، ثم علقوا رأسه على شجرة رفقة بيان يحذر المتعاونين مع الشرطة من المصير نفسه.
الحملات الأمنية الواسعة ومجازر المساجد
من جهتها شنت الأجهزة الأمنية حملات مداهمة واسعة لمناطق نفوذ الجماعة، من أبرزها الحملة على إمبابة في 9 ديسمبر 1992 والتي شارك فيها 12000جندي و500 ضابط، وأسفرت عن اعتقال 1780 شخص وفقا لما أعلنه وزير الداخلية في مؤتمر صحفي في 25 ديسمبر. ثم انتقلت الحملة في أول يناير 1993 إلى منطقة عين شمس بـالقاهرة حيث أسفرت في ليلتها الأولى عن القبض على 67 شخصاً[92]. وشهد عام 1995 وحده 4800 حملة أمنية استهدفت اعتقال عناصر من الجماعة[93]. فضلا عن فرض حظر التجوال بعدة مدن في الصعيد مثل ديروط وملوي، وتجريف زراعات القصب على ضفاف النيل بأسيوط والمنيا وقنا.
كما بدأت الحكومة في انهاء تواجد الجماعة بالمساجد، واستصدرت فتوى من شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق بأن “مساجد الجماعة مساجد ضرار يجوز اقتحامها واعتقال روادها”[94]. ووقعت عدة حوادث دموية من أبرزها مجزرة مسجد الرحمن بأسوان، ففي 9 مارس 1993 سُرق سلاح حارس إحدى الكنائس بأسوان، ورغم استنكار الجماعة الإسلامية بأسوان للحادث إلإ أن قوات الأمن اقتحمت مسجد الرحمن في نفس الليلة بصلاة العشاء، وقتلت 8 من عناصر الجماعة واعتقلت 98 آخرين[95].
محاولات الوساطة عام (1993)
مع اشتعال المواجهات سعى عدد من العلماء والمفكرين مثل: محمد العوا وعبد الصبور شاهين والشيخ الشعراوي وعبد الحي الفرماوي وفهمي هويدي للتوسط بين الحكومة والجماعة. واجتمعت لجنة الوساطة مع وزير الداخلية في 6 إبريل 1993وطالبته بتخلي الشرطة عن ممارساتها القمعية العشوائية ضد المواطنين، وبالإفراج عن المعتقلين غير المدانين، وطلب الوزير من أعضاء اللجنة أن يمهلوه بضعة أيام للرد عليهم، وبعد بضعة أيام أقيل موسى في 18إبريل. وأشارت جريدة “مايو” التابعة للحزب الوطني الحاكم إلى أن “إقالة اللواء عبد الحليم موسى جاءت نتيجة بعض التجاوزات، وكان آخرها أنه أجرى من تلقاء نفسه اتصالات مع ما يسمى لجنة الحكماء من دون استشارة رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء”.
فور تولي حسن الألفي لوزارة الداخلية أدلى بتصريح لجريدة الأخبار في 19 إبريل قال فيه “إن مواجهة الخارجين على القانون لا تحتمل المساومة أو التفاهم” وقامت الجماعة في 20 إبريل أي اليوم التالي لتوليه منصبه باستهداف وزير الإعلام صفوت الشريف مما أسفر عن إصابته إصابة طفيفة.
وبالرغم من تصريحات الألفي أصدرت الجماعة بيانا في 22 إبريل 1993 أعلنت فيه عن قبولها الحوار مع السلطة من أجل تحقيق أهدافها المتمثلة في الإفراج عن المعتقلين ووقف التعذيب في السجون وإلغاء قانون الطوارئ وعدم القبض على أسر الهاربين كرهائن وإطلاق حرية الدعوة. وطلبت لجنة الوساطة الاجتماع إلى الوزير الجديد، ولكنه تجاهل الطلب، وأذن لمصدر أمني أن يصدر تصريحاً جاء فيه “إن قبول حوار مع الجماعات المتطرفة يعني إضفاء الشرعية عليها والاعتراف بها، وهذا أمر غير ممكن”[96].
الاستئصال وبدء الإعدامات
مع تولي حسن الألفي لمنصب وزير الداخلية، اعتمد سياسة أمنية تعتمد على توسيع دائرة المواجهة[97]. ووعد بالانتهاء من مسألة (التطرف) في مدة لا تتعدى شهرين[98]. ومن ثم بدأت الأجهزة الأمنية تشن حملات قمع لعناصر الجماعة شملت الفصل النهائي لطلاب الجامعات والمدارس الثانوية المنتمين لها، وفصل أو نقل جميع الموظفين المحسوبين عليها، واعتقال أسر المطلوبين كرهائن، وتحطيم منازل عناصرها، فضلا عن تجاهل تنفيذ القرارات القضائية الخاصة بالإفراج عن المعتقلين. كما دخلت أميركا على خط دعم نظام مبارك، فاستقبلت في 28 إبريل 1993 وفدا قضائيا رفيع المستوى برئاسة المشرف العام على نيابات أمن الدولة في زيارة استمرت ثلاثة أسابيع للاطلاع على سبل استخدام الوسائل الحديثة في جمع الأدلة والتعرف على نظم المحاكمة وقوانين مكافحة الإرهاب. كما نظم مكتب التحقيقات الفيدرالية دورات تدريبية متخصصة لفرق مكافحة الإرهاب التابعة لجهاز مباحث أمن الدولة[99].
وبدأ تنفيذ قرارات الإعدام الصادرة عن المحاكم العسكرية[100]، ففي 13 يونيو 1993نُفذ الحكم في شريف حسن[101] المتهم في قضية (العائدون من أفغانستان)، ثم أعدم حسن بدران يوم 23 من الشهر نفسه لاتهامه بقتل ضابط الشرطة علي خاطر. ثم أعدم 7 أفراد في 8 يوليو 1993 لاتهامهم في قضية ضرب السياحة[102]. وفي 17 يوليو 1993 أعدم خمسة من المتهمين بتنفيذ محاولة اغتيال صفوت الشريف، وفي مطلع نوفمبر 1993 أُعدم محمود صلاح ومصطفى عوني لاتهامهما بقتل نقيب الشرطة أحمد البلتاجي بالقاهرة، وتوالت عمليات إعدام عناصر الجماعة ليبلغ عدد المعدمين خلال عهد مبارك 88 فردا.
أسيوط خط المواجهة الأول[103]
مثلت أسيوط عموما وبالأخص مدينة ديروط خط المواجهة الأول بين الجماعة ونظام مبارك منذ اندلاع الصدام عقب أحداث صنبو عام 1992. فكتب ابن مدينة ديروط ناجح إبراهيم رسالة بعنوان “رسالة إلى القابضين على الجمر” قال فيها “لقد أصبحت ديروط الآن أشبه بسراييفو أو الضفة الغربية وغزة في فلسطين، ولكن الفارق بين الاثنين، أن اليهود والنصارى هم الذين يحاصرون إخواننا في فلسطين وسراييفو، أما في بلدتنا الحبيبة ديروط، فأبناء جلدتنا ومن يتكلمون بألسنتنا ومن يحمون بلادنا هم الذين يفعلون بنا أسوأ مما يفعله اليهود والنصارى، وهذا هو قدر أمتنا المسلمة، وهذا هو حالها مع حكامنا العلمانيين الذين يسومونها سوء العذاب”[104]. ورفع عناصر الجماعة في مسيراتهم شعار “ديروط: ملحمة رجال- مقبرة نظام- وعبرة لمن يعتبر”[105].
صورة من مسيرة للجماعة
وبالمقابل حولت قوات الأمن أسيوط إلى ساحة حرب، فاستعانت في15 مارس 1993 بطائرتي هليكوبتر لأول مرة في تمشيط المناطق الزراعية بمركز البداري وقامت 27 مجموعة قتالية تابعة لوزارة الداخلية في 17مارس 1993 بتفتيش 200 شقة مفروشة في مدينة أسيوط، ودارت اشتباكات عنيفة في حي فريال مع مجموعة من عناصر الجماعة يتزعمهم أمير الجناح العسكري بأسيوط أحمد زكي الشريف[106] وانتهت حملة المداهمات بمقتل الشريف و8 من رفاقه، فضلا عن مقتل 3 عناصر شرطة(ضابط وجنديين) وإصابة 20 آخرين. وذكرت التقارير الأمنية ان المجموعة المحاصرة مع الشريف والمكونة من 4 عناصر أطلقوا قرابة 4 آلاف رصاصة وفجروا 20 عبوة ناسفة أثناء الاشتباك الذي استمر 9 ساعات ولم ينته سوى باستهداف محل إقامتهم بقذائف الأر بي جي[107].
بيان نعي الجماعة الإسلامية لقائدها أحمد زكي الشريف
ثأرت الجماعة لمقتل أحمد زكي في 11 إبريل باغتيال مساعد مدير أمن أسيوط اللواء محمد الشيمي وسائقه وحارسه الخاص والاستيلاء على أسلحتهم. كما ركزت الجماعة على تصفية العاملين بمباحث أمن الدولة فقتلت منهم 4 أمناء شرطة في 3 حوادث متفرقة بمحافظة أسيوط خلال شهر سبتمبر 1993، كما اغتالت في نفس الشهر العقيد دكتور نبيل جيد مدير مستشفى سجن أسيوط، ثم اغتالت في الشهر التالي مقدم أمن الدولة السابق أبوبكر عزمي بمدينة أبوتيج.
ومن ثم ردت قوات الأمن في 6 ديسمبر 1993 باقتحام مسجد الرحمة التابع للجماعة بأسيوط واعتقلت 333 من المتواجدين بداخله، وردت الجماعة في 19 ديسمبر باغتيال مفتش الداخلية بمديرية أمن أسيوط العميد محمد طعيمة و5 آخرين من ضباط وجنود الشرطة.
أحداث المنيا وأسطورة كدواني
أفرج الأمن عن قيادي الجماعة أسامة حافظ عام 1992، وحرص أسامة على هدوء الأجواء في محافظة المنيا التي يشرف علي نشاط الجماعة بها، ولكن سرعان ما تم اعتقاله مجددا عام 1994. ثم اشتعلت الأحداث بالمحافظة إثر تصفية الأمن لعضو الجماعة رجب عبدالحكيم أثناء هروبه من القوات التي داهمت منزله. ردت الجماعة على الحادث بتوزيع بيان بعنوان “واحتدم الصراع بملوي”[108] قالت فيه “أيها الطواغيت: يا يهود العرب وصرب المسلمين، لقد تكشفت عمالتكم وبدت عورتكم..اسمعوا وأنتم في النزع الأخير (الإعدام، التعذيب، إعادة الاعتقال) بداية قبوركم التي تحفرونها بأيديكم “.
ومن ثم اشتعلت مواجهات قُتل خلالها قائد الجناح العسكري للجماعة بالمنيا بشير كمال. وبدأ القائد الجديد فريد سالم كدواني في تنفيذ عمليات نوعية دموية ضد الشرطة. ففي يناير 1995 قام بمداهمة وتفتيش قطار قرب مدينة أبوقرقاص وقتل 6 من عناصر الشرطة المتواجدين على متنه. وفي ديسمبر 1995 نجح كدواني ومجموعته في الالتفاف على قوات الشرطة التي حاصرتهم في حقول قصب السكر بملوي، وهاجموها من الخلف فقتلوا 4 شرطيين بينهم قائد قوات الأمن المركزي بشمال الصعيد اللواء جمال فائق وشقيقه المقدم مجدي فائق والملازم رضا والي. كما هاجم كدواني في نفس الشهر سيارة شرطة في أبوقرقاص مما أسفر عن مقتل المقدم حسين الورداني. وفي23 إبريل 1996 قام بعمل كمين وهمي قرب أبوقرقاص وأنزل 11 شرطيا من سيارات الأجرة وقتلهم ومن جهتها فرضت الأجهزة الأمنية حظرا للتجول على مدينة ملوي من أكتوبر 1994 إلى مارس1996[109].
الجناح العسكري للجماعة ومحاور عمله
ظلت الجماعة تمارس نشاطها الدعوي العلني في ظل أجواء الصراع بين جناحها العسكري وأجهزة الأمن، ولم تتم عسكرة الجماعة ككل. وتولى الإشراف على جناحها العسكري ممدوح علي يوسف (1988-1990) ثم خلفه عقب توقيفه إثر حادث المحجوب مصطفى حمزة[110] الذي غادر مصر عام1992 وظل مشرفا على العمليات من الخارج، بينما تولى قيادة العمليات بالداخل طلعت ياسين همام[111] وعدد من القادة بالمحافظات مثل فريد كدواني[112] ورفعت زيدان[113].
تجنب الجناح العسكري للجماعة تنفيذ عمليات خارج مصر، وشذت عملية واحدة عن ذلك، وهى محاولة اغتيال حسني مبارك في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا عام 1995. كما شارك بعض عناصر الجماعة في القتال بأفغانستان والبوسنة، فقُتل10 منهم في أفغانستان منذ بدء مشاركتها هناك وصولا إلى أغسطس(1991)[114]، كما قُتل القيادي أنور شعبان بكرواتيا في ديسمبر 1995م أثناء مساهمته في الدفاع عن مسلمي البوسنة والهرسك. أما على مستوى الداخل المصري، فيذكر عضو الجماعة محمد خليل الحكايمة إحصائية بعدد عمليات الجماعة وفقا للتالي[115]:
أما إحصائية وزارة الداخلية المصرية عن عدد عمليات الجماعة فتذكر أنها بلغت 1314 عملية خلال الفترة الممتدة من عام 1992 إلى 1997، سقط خلالها 471 عنصرا من الجماعة فضلا عن إعدام 88 آخرين[116]. ويمكن تحديد ملامح العمل العسكري لدى الجماعة في المحاور التالية:
1- استهداف رموز النظام السياسية والأمنية والثقافية
قتلت الجماعة رئيس مجلس الشعب رفعت المحجوب عام1990 والكاتب العلماني فرج فودة (عام 1992)[117] واللواء رؤوف خيرت مسؤول مكافحة التطرف الديني بجهاز مباحث أمن الدولة عام 1994.كما استهدفت وزير الإعلام صفوت الشريف عام (1993)[118]، وقائد المنطقة العسكرية المركزية عام (1993)[119]، وأصابت الروائي المعروف نجيب محفوظ (عام 1994)[120]، واستهدفت حسني مبارك عدة مرات من أبرزها في أديس أبابا عام 1995، بينما أحبطت أجهزة الأمن عملية أخرى استهدفت تفجير طائرة مبارك إثر تفخيخ مدرج مطار سيدي براني على يد مجموعة من ضباط الجيش المنتمين للجماعة[121].
2-استهداف ضباط وأفراد الشرطة بالصعيد[122]
نظرا لثقل الجماعة بالصعيد فقد ركزت عملياتها فيه، وبالأخص في أسيوط التي بلغ عدد قتلى الشرطة فيها خلال عامي (1992- 1993) 43 شرطيا بينهم 7 ضباط منهم مساعد مدير الأمن اللواء محمد الشيمي، ومفتش الداخلية العميد محمد طعيمة، ورئيس مكتب أمن الدولة بديروط المقدم مهران عبدالرحيم. كما قتلت الجماعة عام 1994 قائد قوات الأمن بأسيوط العميد شيرين فهمي، أما في محافظة قنا فقد قتلت الجماعة عام 1993 كلا من مساعد مدير الأمن اللواء عبدالحميد غبارة ومفتش الداخلية العميد محمود الديب كما قتلت مساعد فرقة شمال سوهاج العميد عمر مصطفى، وغيرهم الكثير من صغار الضباط وعناصر الشرطة.
3-استهداف السياح والبنوك للضغط على النظام
أصدرت الجماعة بيانا في 30 سبتمبر 1992 تحذر فيه السياح من القدوم إلى مصر[123]، ومن ثم استهدفت في اليوم التالي باخرة تقل140سائحا ألمانيا بإطلاق النار عليها قرب أسيوط مما أسفر عن إصابة 3 مصريين، ثم تتابعت حوادث استهداف البواخر السياحية وأتوبيسات نقل السياح، فقُتلت السائحة البريطانية شارون هيل وأصيب آخرون بهجوم في ديروط في 21 أكتوبر 1992. كما شنت الجماعة هجوما دمويا على أتوبيس سياحي أمام فندق أوربا بالهرم عام 1996 مما أدى لمصرع 18 سائحا يونانيا، ونفذ 6 من عناصرها هجوما في نوفمبر 1997 على منطقة الدير البحري بالأقصر مما أسفر عن مقتل 62 شخصا بينهم 58 سائحا و3 من عناصر الشرطة.
جدول بعمليات استهداف السياح في مصر (1992-1997)
وقد عبر القيادي رفاعي طه عن فلسفة الجماعة في استهداف السياح قائلا “تعرضت الجماعة للسياح كعمل موجه ضد النظام وليس للزوار، وقد حذرت في عشرات البيانات الصادرة عنها القادمين إلى مصر من الذهاب إليها”[124].
وشنت الجماعة قرابة 5 هجمات على البنوك[125]من أبرزها استهداف بنك التنمية الزراعية في مدينة طما بسوهاج في مايو 1996 مما أسفر عن مقتل العقيد عصام الزمزمي ومجند يرافقه. كما نفذت الجماعة سلسلة من العمليات خلال الفترة من فبراير1993 الى يونيو 1993 استهدفت إحراج نظام مبارك أمنيا عبر وضع عبوات ناسفة أمام مقار الشركات الحكومية والبنوك والفنادق والأماكن العامة في القاهرة الكبرى[126].
4-استهداف النصارى
اشتهرت الجماعة بخصومتها للنصارى واستهدافها لهم، وعبر القيادي رفاعي طه عن فلسفة الجماعة في هكذا أفعال قائلا “قضيّتنا من الأقباط واضحة، رجالنا لا يستهدفونهم إلاّ إذا ارتكبوا ما يصنّفهم ضمن النظام الحاكم، أو إن ثبت تآمرهم على الإسلام والمسلمين”. ومن ثم قامت الجماعة بالعديد من العمليات ضد الأقباط من أبرزها قتل 14 قبطيا في قرية صنبو بأسيوط عام 1992، وقتل 5 أقباط بينهما راهبان في الهجوم على دير المحرق بالقوصية في أسيوط عام 1994. وقتل 12 قبطيا في الهجوم على كنيسة ماري جرجس بأبي قرقاص عام 1997 وقتل 12 آخرين بنفس العام في أحداث عزبة داوود بنجع حمادي[127].
العلاقة مع الجماعات الإسلامية الأخرى
نظرا لتبني الجماعة الإسلامية أطروحات صدامية مع نظام مبارك، واعتماد هذه الأطروحات كقضايا محورية يجتمع حولها المؤيدون في ظل الواقع الصعب والطاحن، فقد انعكس هذا على توتر علاقاتها بالجماعات الإسلامية الاخرى التي تتبنى الإصلاح التدريجي مثل جماعة الإخوان المسلمين، أو بعض التيارات السلفية التي تركز على صلاح الفرد وتربيته وتتجنب تناول القضايا الساخنة، ولم تسلم علاقة الجماعة بالمجموعات الجهادية هي الأخرى من بعض المناوشات حول مناهج التغيير ووسائله.
1- نظرة الجماعة الإسلامية للإخوان المسلمين
اختلفت الجماعة الإسلامية مع جماعة الإخوان، ووجهت لها نقدا في رسالة “نحن والإخوان” تناول العديد من القضايا مثل الحاكمية وعدم تكفير الحكام المبدلين للشرائع، والاعتراف بشرعية الحكومات والأنظمة السياسية والمؤسسات الدستورية العلمانية القائمة في العالم الإسلامي، والموقف من الانتخابات النيابية والمشاركة فيها، والتعامل مع الأحزاب السياسية العلمانية. وإثر ترشح الإخوان لمجلس الشعب عام 1987 ضمن تحالف مع حزبي العمل والاحرار، أصدرت الجماعة الإسلامية رسالة “الحركة الإسلامية والعمل الحزبي” ورسالة “إعلان الحرب على مجلس الشعب”. كما أفتى الشيخ عمر عبدالرحمن في حواره مع مجلة المرابطون بعدم جواز المشاركة في المجالس النيابية قائلا “لاشك أن دخول هذه المجالس التشريعية، التي تشرع من دون الله، وتُعد ركنا من أركان النظم العلمانية الكافرة، هي حرام شرعا، ولا يجوز الإدلاء بالأصوات في هذه المجالس، ولا الدعوة اليها، ويأثم من يفعل ذلك طائعا مختارا والله أعلم”[128].
ولم تقتصر أوجه الخلاف حول القضايا المنهجية والشرعية بل امتدت لتشمل النزاع على إدارة المساجد ومصليات العيد وإلقاء الكلمات والدروس. ومن جهتها شنت جماعة الإخوان هجوما حادا على الجماعة الإسلامية، وتبرأت من عملياتها واصفة إياها بالعمليات الإجرامية، كما في تصريح المستشار مأمون الهضيبي تعقيبا على اغتيال المحجوب إذ قال “إن الإخوان المسلمين يرفضون هذه الجريمة الهمجية، واصفا المحجوب بأنه من أنبل الشخصيات التي تعامل معها بمجلس الشعب”[129].
ب- العلاقة بالتيارات السلفية
وجهت الجماعة انتقادات مبطنة للتيارات السلفية التي تقصر مفهوم التدين على قضايا لا تزعج النظام الحاكم، فقالت في “ميثاق العمل الإسلامي” أثناء حديثها عن الإسلام “فهذا يراه عبادات وشعائر، ويرفض أن يخرج بدعوته خارج نطاق الصلوات والأذكار، وكأن الجهاد والحسبة والحكم بشرعة الإسلام قد نسخها ناسخ. وآخر لا يحدثك إلا عن تنقية الاعتقاد من الشعوذات والخزعبلات؛ ويكثر من الجدل والمناظرات، بينما يغض الطرف عن السلاطين العلمانيين المبدلين لشرع الله الخارجين عن ملة الإسلام. وثالث يرى الإسلام تعلما وحفظا ومدارسة، أما الدعوة والحسبة والجهاد فحاشاه وكلا. ورابع يدعو الناس للسنن الظاهرة، ولهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في المأكل والمشرب واللباس والنكاح، أما هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد والقتال والحكم والقضاء، فإن بينه وبينه بعد المشرقين…إننا نعلم من دين الله تعالى كما علمنا علماء أمتنا؛ أن الجهاد قد يستحيل في وقت لعدم الاستطاعة، فيسقط وجوبه في هذا الحين، ولكن يجب الإعداد والاستعداد، حتى إذا وصلنا لحد الاستطاعة قمنا بالجهاد الواجب”[130].
جـ- العلاقة بالمجموعات الجهادية
أما المجموعات الجهادية التي تبنت نمط العمل السري واختارت الانقلابات العسكرية كوسيلة للتغيير، فقد نالت نصيبها من انتقادات الجماعة التي قالت في ميثاق العمل الإسلامي “وخامس يعد العدة ويجمع السلاح ويرفع عقيرته؛ الجهاد.. الجهاد، وقد نسي أن يربي الرجال الذين يصلحون لحمل السلاح والذين سيقودون بعد ذلك البلاد والعباد… إنه لا يكفينا أن نتحول جميعا إلى كتيبة مسلحة تشهر السلاح في كل موطن، ولا تعرف كيف تدعو الناس وكيف تربيهم على هذا الدين، لا تعرف متى ترفق ومتى تصفح، لا تعرف إلا السيف والسنان، غافلة أو متغافلة عن أن هناك من تكفيه كلمة زجر ولا تصح معه ضربة سيف”[131].
كما وُجدت خلافات شرعية حول مشروعية ولاية الضرير ومسألة العذر بالجهل ورغم تقارب قيادات الجماعة الإسلامية بالخارج مع جماعة الجهاد خلال حقبة التسعينات، إلا أن محاولات الاندماج بينهما لم تكلل بالنجاح. ويرجع د. الظواهري أسباب ذلك “إلى إصرار قيادات الجماعة الإسلامية أن يكون لأعضاء مجلس الشورى المحبوسين بالداخل الرأي الأول والأخير في الأمور الشرعية والتنظيمية والقرارات المهمة”[132].
د-العلاقة بجماعات الغلو والتكفير
هاجمت الجماعة الإسلامية جماعات الغلو فقالت في الميثاق” تعود فرقة الخوارج للظهور بشتى مدارسها وتنبعث فيها الحياة من جديد، تعود لتخلع الإسلام عن كل الخلق وتصمهم بالكفر”[133]. وأصدرت عدة إصدارات مكتوبة تفند أطروحات الغلو كما في “الرسالة الليمانية”.
إنهاك الجماعة وتجربة المراجعات
لم تنجح عمليات الجماعة في ردع بطش الشرطة ضدها، فاقتحم الأمن مساجدها، واعتقل قرابة 20 ألف من أعضائها والمتعاطفين معهم، ودشن سياسة الاعتقال المفتوح، وقتل 434 من أعضاءها في مواجهات خلال الفترة الممتدة من عام 1993 إلى 1997[134]. وأُعدم 88 من عناصرها، ووفاة المئات منهم في السجون نتيجة التعذيب والإهمال الطبي، إذ كانوا يتعرضون بشكل يومي “للجلد والصعق بالكهرباء، وإبقاء الفرد عاريا أو شبه عاري على أرضية زنزانة عارية من كل شيء”[135] فضلا عن ندرة الطعام والشراب “فغذاء اليوم الكامل للسجين لا يكاد يكفي لوجبة واحدة، وهو ممنوع من الدواء، رغم حرمانه من الشمس والهواء وإرغامه على البقاء في زنزانته مغلقةٌ عليه أربعاً وعشرين ساعة، مما ساعد على تفشّي الأمراض الصدريّة والجلديّة، مع تعمد قطع المياه عنه لفترات طويلة”[136].
لم يكتف الأمن بهذه الانتهاكات، فمنع المعتقلين من رؤية أهاليهم لأعوام طويلة بدءا من عام 1993 إذ لم تكن الزيارات مسموحة سوى في سجني الوادي الجديد، ووادي النطرون. بالتوازي مع تعرض الأهالي للتضييق في الزيارات عبر اشتراط الحصول على إذن مسبق بالزيارة، فيحدّد لهم موعد بعد مدّة تتراوح بين شهرين أو شهر ونصف، وبعد أن تأتي الأسر لموعدها المحدّد؛ لا يُسمح بالزيارة إلا لأوّل عشر أسر وصلت إلى السجن، أمّا الأسر نفسها فقد تعرضت للإنهاك؛ لاعتقال أبنائها لسنوات طويلة، وقطع مرتّبات الموظفين منهم، وازدادت حالات الطلاق.
وبالتوازي مع تدهور أوضاع الجماعة داخل مصر، تعرضت الجماعة بالخارج لهزة قوية باختطاف أحد أبرز قادتها طلعت فؤاد قاسم في سبتمبر عام 1995 من كرواتيا على يد المخابرات الأمريكية وتسليمه إلى مصر ليختفي إلى الأبد. كما تعرضت ملاذاتها في السودان واليمن وأفغانستان للتضييق إثر محاولة اغتيال حسني مبارك بأديس أبابا وأحداث 11 سبتمبر[137].
لم تحظ الجماعة بدعم شعبي كاف أثناء صراعها مع النظام، بل وتعرضت للنقد الحاد من قبل العديد من الجماعات والتيارات الإسلامية. ووصلت لحائط مسدود. فأعلن قادتها التاريخيون من داخل سجنهم مبادرة لوقف العنف من طرف واحد في 5 يوليو عام 1997 عبر بيان تلاه من داخل قفص المحاكمة محمد الأمين عبد العليم قال خلاله “يناشد القادة التاريخيون للجماعة الإسلامية إخوانهم من قيادات الجماعة وأفرادها ايقاف العمليات القتالية والبيانات المحرضة عليها داخل مصر وخارجها دون قيد أو شرط، وذلك لمصلحة الإسلام والمسلمين”.
لم يحظ إطلاق قادة الجماعة للمبادرة بتجاوب حكومي، كما رفضها عدد من قادتها بالخارج مثل رفاعي طه ومحمد الإسلامبولي. ومن ثم أشرف رفاعي طه على تنفيذ مجموعة من الجناح العسكري لحادثة الأقصر في نوفمبر 1997، مما دفع قيادي الجماعة بالخارج أسامة رشدي[138] لنشر بيان إعلامي ندد فيه بالحادث قائلا “تدعوني أمانة الكلمة وشجاعة الرأي لأعلن عن عميق أسفى وحزني لما وقع في الأقصر وسقوط هذا العدد الضخم من الضحايا الأبرياء ومهما كانت الدوافع والمبررات فإنه لا يوجد مبرر يدعو لهذا القتل العشوائي الذى يعد سابقة لا مثيل لها ويتناقض تماما مع الأدبيات الشرعية والسياسية للجماعة الإسلامية التي كانت تستهدف صناعة السياحة وليس السياح الاجانب” مضيفا “أن هؤلاء الاخوة قاموا بعملهم هذا من تلقاء أنفسهم”. وهو ما رفضه رئيس مجلس شورى الجماعة بالخارج والمتحدث باسمها رفاعي طه قائلا “ما حدث في الأقصر لم يكن انفلاتا ولا إحباطا، بل قامت به المجموعات المكلفة بمثل هذه الأعمال داخل الجماعة. إن حادث الأقصر جاء كمحاولة من الجماعة لفك أسر قادتها”[139].
إثر هذا الحادث والتراشقات الإعلامية بين رفاعي طه وأسامة رشدي، أصدر مجلس شورى الجماعة بالخارج في 8 ديسمبر 1997 بيانا ندد فيه بحادث الأقصر[140]. واستقال رفاعي طه من منصبه، كما طلبت منه الجماعة سحب تأييده لإنشاء الجبهة العالمية لمواجهة اليهود والصليبيين في مارس عام 1998، فانسحب منه معلنا أن الأمر لم يتعد التوقيع على بيان يندد بقصف الولايات المتحدة للعراق وفُهم على غير الحقيقة أنه اعلان انضمام للجماعة إلى تلك الجبهة[141]. بارك الشيخ عمر عبدالرحمن المبادرة عبر بيانه أصدره في أكتوبر 1998 بعنوان “واعتصموا بحبل الله جميعا” ثم سحب تأييده بعدها بثلاث سنوات لاستمرار نظام مبارك في القمع وعدم الإفراج عن المعتقلين. وفي يناير 1999 استقال أسامة رشدي ورفاعي طه ومحمد الإسلامبولي من مجلس شورى الجماعة بالخارج، ليتولى رئاسته مصطفى حمزة[142]. ومن ثَمَّ أصدر مجلس الشورى الجديد في 28مارس 1999 قرارا بتأييد المبادرة ووقف العمليات[143].
لخص رفاعي طه تجربة المواجهة قائلا: “لم تَدَّعِ الجماعة يوما أنها أقوى من النظام في قوتها وعدتها، ولكنها أقوى بإذن الله في استمساكها بالحق.. وأبت الجماعة أن تكون لقمة سائغة، وقالت إذا قدر لنا أن نُمضغ فلنكن اللقمة التي تسد الحلق فتصيبه بغصة وقد تقتله.. وهكذا لما استفرغنا الوسع وبذلنا الجهد واستنفذت المواجهة أسبابها أوقفناها، وقد كُلم النظام منا كما كُلمنا، ولسنا سواء فنحن طلاب حق دافعنا عن ديننا ومساجدنا وأنفسنا، وهم تجبروا وطغوا”[144].
استمرار القمع الأمني رغم إعلان المبادرة
بالرغم من الموقف أحادي الجانب من جهة الجماعة بوقف العمليات إلا أن الأمن استمر في تنكيله بها، فنفذ أحكاما بالإعدام بحق 12 من عناصرها[145]، وقتل في حادثين منفصلين 8 من كوادرها بمحافظة المنيا في مارس 1998 على رأسهم القيادي حسن أحمد عبده الذي سبق له الاشتراك في الحرب بالبوسنة ومن قبلها أفغانستان، وهو ما دفع قائد الجناح العسكري بالمنيا فريد كدواني للرد في 22 مارس 1998 بتنفيذ عملية أسفرت عن مقتل 4 عناصر شرطة، ولم يلبث الأمن إلا وقتل كدواني رفقه 3 من مساعديه بمداهمة في العمرانية بالجيزة في سبتمبر 1999[146]، كما قتل الأمن في أكتوبر 2000 أحد آخر قادة الجناح العسكري علاء عبد الرازق عطية.
أحداث سبتمبر وتفعيل المبادرة
مثلت أحداث سبتمبر 2001 طوق النجاة للجماعة، إذ سارع النظام المصري لتفعيل المبادرة عقب الهجمات بشهر واحد فقط أي في أكتوبر 2001 وفقا لشهادة كرم زهدي[147]، فالمبادرة “أزالت نحو 15000 عضوا من الجماعة من معسكر مؤيدي القاعدة وحلفائها”[148]. ومن ثم بدأ الأمن يخفف من معاناة المعتقلين، فسمح لهم برؤية أهلهم والجلوس معهم وجها لوجه لأول مرة منذ سنوات، ثم صدرت في يناير 2002 أولى المراجعات على هيئة 4 كتب تحت عنوان “سلسلة تصحيح المفاهيم” وهي:
1- مبادرة وقف العنف: رؤية واقعية ونظرة شرعية.
2- تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء.
3- حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين.
4- النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين.
فند قادة الجماعة في تلك الكتب أطروحاتهم السابقة، كما أجرى الصحفي مكرم محمد أحمد حوارات مع قادتها داخل السجون ونشرها بمجلة المصور[149]، كذلك فقد نشر عبد اللطيف المناوي[150] لقائين في 2003 مع رئيس مجلس شورى الجماعة كرم زهدي أقر خلالهما بأن ما فعلوه كان خطأ، وأن ما حدث كان فتنة، ووَصَفَ السادات بالشهيد. ثم تلاحقت إصدارات الجماعة التي انتقدت في العديد منها تنظيم القاعدة. مثل “نهر الذكريات” و”تفجيرات الرياض: الأحكام والآثار” و”استراتيجية القاعدة: الأخطاء والأخطار”.
عارض بعض قادة الجماعة بالخارج الأطروحات الجديدة الصادرة عن القيادات المسجونة، فأصدر محمد الإسلامبولي بياناً نشرته جريدة الشرق الأوسط في 4 يوليو 2002 قال خلاله: “لا يحق لإخوة السجن -مع شدة تقديري لمكانتهم- أن يتخذوا مثل تلك القرارات الهامة في تاريخ الجماعة، من تراجعات فكرية، دون مشورة من إخوانهم في الخارج، ودون موافقة من الدكتور عمر عبد الرحمن أمير الجماعة، وبناءً عليه فأقول وأنا مطمئن؛ إن التصريحات التي أدلت بها قيادات السجن تعبر عن أصحابها ولا تعبر عن الجماعة”.
بدأ خروج قادة وعناصر الجماعة من السجون بشكل تدريجي خلال السنوات التالية مع تقييد حريتهم في العمل العام، فخرج حمدي عبد الرحمن عام 2001، وخرج ممدوح علي يوسف وكرم زهدي عام 2003، وخرج أسامة حافظ عام 2004، وخرج صفوت عبد الغني وناجح إبراهيم عام 2005، بينما لم يخرج عبود وطارق الزمر إلا بعد ثورة يناير نظرا لمطالبتهما بالسماح لهما بالعمل السياسي.
جهود القاعدة لإفشال المبادرة
مع توالي انتقادات الجماعة في إصداراتها لتنظيم القاعدة، سعى التنظيم للتشغيب على المبادرة. فأصدر عضو الجماعة الإسلامية محمد الحكايمة[151] عدة بيانات ندد فيها بالمبادرة قائلا “إننا لو تتبعنا مراحل وسلم التنازلات والتراجعات التي حدثت من هؤلاء الإخوة المتراجعين، نجد أن الأمر كان في البداية عبارة عن مجرد هدنة لوقف القتال، ثم تطور هذا الموقف إلى تصريحات وبيانات قرر فيها الإخوة أنهم لن يرجعوا إلى الجهاد في سبيل الله مرة أخرى، ثم بعد ذلك أصلوا هذه التراجعات في أبحاث شرعية خالفوا فيها الفكر والمنهج الأساسي للجماعة، ثم بعد ذلك صرح كبار الإخوة ببيانات متكررة لكل عملية من عمليات المجاهدين؛ أنها لا تجوز شرعاً، ثم طوروا هذه البيانات إلى أبحاث شرعية، حتى وصل بهم الأمر إلى القول بعدم جواز قتال اليهود والنصارى في أي مكان في العالم في عصرنا الحالي”[152].
ثم قال الحكايمة في بيان أصدره في ربيع الآخر عام 1427 هجريا موقعا إياه باسم المكتب الإعلامي لتنظيم القاعدة في أرض الكنانة “بالأصالة عن نفسي، وبالنيابة عن الثابتين على العهد من أعضاء الجماعة الإسلامية المصرية الثابتين على منهج وخط الجماعة الأصيل، الذي يأبى المداهنة أو الركون، وعلى رأسهم رمز الصمود والثبات جبل الجهاد الشامخ فضيلة الشيخ محمد شوقي الإسلامبولي حفظه الله؛ أُعلن انضمام الثابتين على العهد من الجماعة الإسلامية إلى تنظيم قاعدة الجهاد..”.
لم تلق جهود الحكايمة تجاوبا من عناصر الجماعة. ولم يلبث أن قُتل بغارة أمريكية على وزيرستان عام (2008)[153].
ملامح الاستراتيجية الأمنية في مكافحة الجماعة الإسلامية
أصدرت وزارة الداخلية المصرية عام 2012 دراسة بعنوان “مكافحة الارهاب والتطرف وأسلوب المراجعة الفكرية” من إعداد الرائد محمد حمزة تناول خلالها الاستراتيجية الأمنية التي تم تنفيذها لمواجهة الجماعة الإسلامية، سأتناول مقتطفات منها نظرا لأهميتها مع ابقاء المصطلحات المستخدمة في الدراسة على ما هي عليه قدر الإمكان:
1-محور المواجهة الأمنية المحترفة، ويشمل:
-الرصد المبكر لعناصر الجماعة والأوعية التنظيمية التي يتمحورون بداخلها، والعمل على تجنيد بعضهم، وإقناعهم بالتعاون مع الأجهزة الأمنية للوقوف على معلومات عن تحركاتهم بشكل مسبق.
-المواجهة الشاملة وإجهاض كافة مظاهر أنشطة الجماعة العلنية، وإنهاء سيطرة عناصرها على مراكز النشاط، واختراق هياكلهم التنظيمية، وقطع روابط اتصالاتهم، وتوجيه أوجه الدعم القانوني للإجراءات الأمنية والفنية في قضايا الارهاب، والعمل على سرعة فصل القضاء فيها، والتنسيق مع الدول التي تأوي عناصر الجماعة لإلقاء القبض عليهم. وتجفيف منابع تمويلها. والسيطرة على أنشطة واتصالات قادة الجماعة داخل السجون، واخضاعهم لآليات متنوعة تستهدف بمجموعها تخليهم عن منظومتهم المتشددة وعودتهم لصفوف المجتمع.
2- محور تصحيح المفاهيم المتشددة
عبر إحياء فكرة المراجعة لدى قادة الجماعة داخل السجون وبالأخص في القضايا التي أثارت جدلا فقهيا كبيرا مثل (الحاكمية، الحسبة، الجهاد، المواطنة، السياحة الأجنبية) بالتواكب مع مواصلة العمليات الأمنية في مواجهة الفلول الهاربة المتبقية من كوادر الجماعة.
تزويد القادة المؤسسين للجماعة (بطريقة فنية) بأمهات الكتب الفقهية والمعاصرة، مما ساعدهم على إصدار كتب تعبر عن تعديلهم لمنظومتهم الفكرية، وتؤكد على عدد من الأمور من بينها:
أ- أن الجهاد وسيلة وليس غاية ولا يجوز الخروج على الحاكم لما يترتب على ذلك من مفاسد عظيمة.
ب- تحريم قتال رجال الأمن أو ممارسة العنف ضدهم أو نعتهم بأوصاف شرعية متشددة باعتبار أنهم من مقومات الوطن الواجب دعمها ومساندتها في أدائها لمهامها.
ج-الاسقاط على تنظيم القاعدة لعدم مشروعية أفكاره، ومناشدة أبناء الأمة الإسلامية معارضة ممارساته لما تحدثه من أضرار بالغة بمصالح المسلمين وقضاياهم المصيرية خاصة القضية الفلسطينية.
د- تفعيل مضامين تلك المؤلفات لدى بقية عناصر الجماعة من خلال السماح لقادتها بزيارة السجون المختلفة لشرح توجهاتهم الجديدة عبر خطة زمنية متدرجة امتدت لأكثر من عامين، ثم توزيع كميات ضخمة من تلك الإصدارات الجديدة داخل السجون وخارجها، بل وخارج مصر وبالأخص في اليمن والسعودية، ثم السعي لاحقا لتوسيع دائرة انتشار كتب المراجعات من خلال إنشاء موقع إلكتروني للجماعة على شبكة الإنترنت بالعربية[154]، يفند عبره قادتها منظومة العنف والتطرف بأسلوب ديني معتدل يستند على أسس شرعية، فضلا عن مد المواجهة لتشمل مخاطبة أبناء الجاليات الإسلامية الناطقة باللغة الانجليزية عبر إنشاء واجهة للموقع بالإنجليزية.
هـ – الإفراج عن المعتقلين بشكل تدريجي بعد التأكد من ثبوت تحولهم للعمل السلمي وانعدام أية خطورة محتملة لهم في المستقبل.
الجماعة الإسلامية بعد ثورة يناير
مع اندلاع ثورة يناير 2011، أيد بعض قادة الجماعة مثل عصام دربالة وصفوت عبدالغني والعديد من كوادرها المشاركة في فعاليات الثورة، بينما رفض ذلك آخرون مثل ناجح إبراهيم الذي كتب مقاله الشهير “ارحموا عزيز قوم ذل” على موقع الجماعة في 2 فبراير 2011 منافحا فيه عن حسني مبارك. وحدثت اشكالات داخل الجماعة تعود جذورها إلى الموقف من المبادرة، إذ رأى بعض قادتها مثل رفاعي طه أن “مبادرة وقف العنف أطلقتها بعض قيادات الجماعة، مثل ناجح وكرم، ولم تطلقها الجماعة، و أن مرحلة المبادرة كانت تحتاج إلى إدارة أفضل ممن كانوا يديرونها داخل الجماعة، لأنها لم تكن إدارة على المستوى المطلوب”[155].
ومع تزايد النزاعات، أصدر رئيس مجلس شورى الجماعة كرم زهدي قرارا بتجميد عضوية عصام دربالة وفصل صفوت عبدالغني، بينما نجح الأخيران في عقد جمعية عمومية وانتخابات داخلية أسفرت عن الإطاحة بكرم زهدي وناجح إبراهيم من منصبيهما، وتولى دربالة قيادة الجماعة. كما خرج قادة الجماعة المتبقون داخل السجون كعبود وطارق الزمر ورفاعي طه ومصطفى حمزة، وعاد إلى مصر أبرز قادتها بالخارج مثل محمد الإسلامبولي وأسامة رشدي، وبدأت الجماعة تلتئم من جديد خلف قيادتها الجديدة، ومن ثم أسست عام 2011 حزب “البناء والتنمية”.
وفازت بخمسة عشر مقعدا من مقاعد مجلس النواب في انتخابات 2011. وبدأت تعود للمشهد العام بعد غياب طويل، وإن كان تأثيرها تراجع بشكل كبير عن عقود السبعينات والثمانينات نتيجة المدة الطويلة التي قضاها معظم قادتها وأفرادها بالسجون مما أثر على متطلباتهم الحياتية، ولوجود خلافات بينية حول المبادرات وحجم التنازلات المقدم فيها، بالإضافة لضعف القدرة على تجديد دماء الجماعة بعناصر شبابية جديدة.
ما بعد الانقلاب
عقب الانقلاب العسكري منتصف 2013 انضمت الجماعة إلى تحالف دعم الشرعية، وأدت أثناء اعتصام رابعة العدوية دورا سياسيا بارزا مضادا للدور التآمري لحزب النور. ثم عقب الفض تعرض العديد من قادتها وكوادرها للاعتقال مثل قائد جناحها العسكري سابقا مصطفى حمزة ورئيس حزب البناء والتنمية نصر عبد السلام[156] والقيادي البارز صفوت عبد الغني، بل ومات بعضهم في السجون عام 2015 مثل أمير الجماعة عصام دربالة والقيادي عزت السلاموني. ولم تلبث الجماعة أن تعرضت لمحاولات انقلاب داخلي فاشلة قادتها عناصر محسوبة على الأجهزة الأمنية تحت اسم “تمرد الجماعة الإسلامية”.
وتجرأ البعض على تصفية عناصر من الجماعة على خلفية ثأرية، فقُتل عام 2014 قيادي الجماعة جمال هريدي بقرية صنبو بديروط[157]، و قُتل عام 2013 عضو الجماعة علي راتب في قرية “تنده” التابعة لمركز ملوي بمحافظة المنيا، علي يد فردين زعما أنه قتل شقيقهما في أحداث التسعينيات[158].
كما سافر العديد من قادة وكوادر الجناح العسكري السابق للجماعة إلى خارج مصر، وقُتل أبرزهم الشيخ رفاعي طه في الشام عام 2016 بغارة أمريكية، كما قُتل أبو العلا عبد ربه[159] ومحمد عباس في الشام[160] عامي 2017، و2018.
يتولى قيادة الجماعة حاليا المهندس أسامة حافظ ويساعده عدد من القادة التاريخيين مثل عبود الزمر، ولكن مازالت الجماعة تتعرض لتهديدات مستمرة بحظر حزبها وتصفية نشاطها. وتظل تجربتها تجربة فريدة تقارب 45 سنة، تعرضت خلالها لضربات أمنية كاسحة، ومرت بتحولات وتطورات متنوعة تستحق التأمل والاستفادة من عبرها ودروسها.
تحليل تجربة الجماعة الإسلامية
تأسست الجماعة الإسلامية كحركة طلابية مجتمعية تتفاعل مع الشأن العام، ولم تنشأ كجماعة سرية ذات خلفية عسكرية مثل مجموعات الجهاد، مما ساهم في عدم استمرارها طويلا في تبني العمل المسلح، لتعود للانخراط مجددا في العمل المجتمعي والسياسي عقب الثورة.
1- لم تسع الجماعة للمواجهة في سنوات نشأتها الأولى إنما فرضها نظام السادات إثر سعيه لتقليم أظافر الجماعة عقب محاولتها نقل دعوتها وأنشطتها من داخل أسوار الجامعة إلى الشارع.
2- ساهمت الجماعة في نشر حالة من التدين المجتمعي، وإحياء شعائر تعبدية غائبة مثل الحجاب وأداء صلوات العيد في الخلاء، فضلا عن نشر الوعي بقضايا شرعية وفكرية هامة لم تكن مطروحة سابقا مثل الحاكمية والجهاد والدولة الإسلامية.
3- نجحت الجماعة في تربية عناصرها على معاني السمع والطاعة، وقدمت نماذج مميزة لشباب لا يعرف الخوف أو يهاب الموت، ويتسم بدرجة جيدة من الوعي.
4- اهتمت الجماعة بقضايا الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون أن تمتلك تصورات محددة لإسقاط النظام أو إقامة دولة. ودخلت في صراع عنيف مع نظام مبارك على أرضية ثأرية تغيب عنه الرؤية الاستراتيجية، فكان عناصر الجماعة يمارسون نشاطهم الدعوي العلني في مناطق تواجدهم في ظل اشتعال المواجهات بالقرب منهم. فبينما كانت مدينة ديروط تشتعل، استمر العمل الدعوي العلني في بقية مراكز محافظة أسيوط. مما ممكن الأجهزة الأمنية من تركيز جهودها على المناطق الأكثر خطورة، وسهل عليها تصفية مجموعات الجماعة بشكل تدريجي.
5- أثناء اشتعال الصراع مع نظام مبارك، تفرقت قيادات الجماعة عبر 3 مستويات، داخل السجون، وخارج السجون داخل مصر، وخارج مصر، مما صعب التواصل بينهم وتنسيق المواقف ودراسة الأحداث، إلى أن فرضت القيادة التاريخية داخل السجن رؤيتها عبر تبنيها لمبادرة وقف العنف، التي تطورت لدى بعض القادة إلى اعتبار السادات شهيدا ومبارك وليا للأمر.
6- دخلت الجماعة ساحة العمل العالمي إثر مساهمة بعض عناصرها في الحرب بأفغانستان والبوسنة واستهدافها للسياح الأجانب، مما دفع أميركا لاستهداف كوادرها، فخطفت عضو مجلس شورى الجماعة بالخارج ورئيس لجنتها الإعلامية طلعت فؤاد قاسم من كرواتيا عام 1995 وسلمته للحكومة المصرية ليختفي نهائيا، كما خطفت أميركا بالتعاون مع سوريا رئيس مجلس شورى الجماعة السابق رفاعي طه عقب أحداث سبتمبر وسلمته إلى مصر عام 2001، ثم اغتالته أميركا لاحقا في غارة جوية بالشام عام 2016، فضلا عن حبس أميركا لأمير الجماعة الشيخ عمر عبدالرحمن منذ عام 1993 إلى وفاته عام 2017.
8- نجحت الجماعة في الثمانينات والتسعينات في بناء هيكل تنظيمي متماسك، ولكن أدت تجربة المبادرات، والمواقف المتتالية المتراجعة لعدد من قادتها التاريخيين إلى تخلخل هيكل الجماعة، وضعف الثقة بين الكوادر والقادة.
9- تمكنت الجماعة عقب الثورة من استعادة جزء من نشاطها وحيويتها، وساهمت قدر طاقتها في صنع المشهد العام استنادا إلى رصيدها التاريخي، ولكنها لم تتحول إلى لاعب رئيسي نظرا لافتقادها لقطاعات شبابية جديدة قادرة على مواصلة المسيرة.
10- رصيد الجماعة الإسلامية التاريخي أكبر من تأثيرها الميداني حاليا لعدة أسباب منها أن أعضاء الجماعة كانوا في عنفوان شبابهم في العقود الماضية بما مثله ذلك من ميل للمغامرة وخوض للتحديات، ثم عقب عقود من التنكيل والاعتقالات والتصفيات خرج عناصرها من السجون إثر المبادرات ليواجهوا مشاكل عديدة حياتية في ظل متابعة أمنية لصيقة. ويصعب أن تخوض الجماعة تجربة المواجهات مجددا، فهى أقرب حاليا لممارسة أدوار الوساطة والتهدئة ([161]).
—————
الهامش
[1] أيمن الظواهري، فرسان تحت راية النبي، ط 2 (القاهرة: دار أشبيلية، 2011)، ص17.
[2] المرجع السابق، ص18.
[3] في أحداث 15 مايو قُبض علي رئيس المخابرات العامة أحمد كامل ورئيس المباحث العامة حسن طلعت.
[4] عبد المنعم أبو الفتوح، شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر(1970 – 1984)، تحرير حسام تمام، ط2 (القاهرة: دار الشروق، 2012)، ص67. وحوار صلاح هاشم، موقع إسلام أون لاين، بتاريخ 2 أكتوبر 2010.
[5] عبد المنعم أبو الفتوح، ص40 .
[6] مهندس خريج جامعة أسيوط، من أقدم مؤسسي الجماعة الإسلامية عام 1972.
[7] حوار صلاح هاشم مع موقع إسلام أون لاين.
[8] عبد المنعم أبو الفتوح، ص43.
[9] عبد المنعم أبو الفتوح، ص47، بينما يذكر صلاح هاشم في حواره مع موقع إسلام أون لاين أن اللجنة الدينية تأسست عام 1972 وتحول اسمها إلى الجماعة الإسلامية عام 1975.
[10] عبد المنعم أبو الفتوح، ص65.
[11] حوار صلاح هاشم مع موقع إسلام أون لاين، مصدر سابق.
[12] انظر: أبو العلا ماضي، جماعات العنف المصرية وتأويلاتها للإسلام، ط1 (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2006)، ص16.
[13] أبو العلا ماضي، ص 16.
[14] لمزيد من التفاصيل عن نشأة الجماعة الإسلامية، انظر: شهادة علي الديناري على موقع الجماعة الإسلامية بعنوان: لمحة تاريخية عن نشأة الجماعة الإسلامية.
[15] شهادة علي الديناري، مصدر سابق.
[16] علي الشريف مواليد 1956- من نجع حمادي بمحافظة قنا- أحد القادة التاريخيين للجماعة الإسلامية- وقد نشر مذكراته في 4 مقالات بجريدة الموجز في ديسمبر 2012 ويناير 2013، وفق الترتيب التالي : المقال الأول، الثاني، الثالث، الرابع.
[17] لمزيد من التفاصيل انظر: مذكرات علي الشريف، المقال الأول.
[18] كرم زهدي مواليد 1953- أسامة حافظ مواليد 1954 – رفاعي طه مواليد 1954- ناجح ابراهيم مواليد 1955- عصام دربالة مواليد 1957- عاصم عبد الماجد مواليد 1958.
[19] – للمزيد من التفاصيل عن تلك الفترة انظر: حوار صلاح هاشم مع موقع إسلام أون لاين.
[20] – مذكرات علي الشريف، المقال الأول.
[21] – “عنتر والشاه“، مجلة المرابطون، العدد (22- 23)، إبريل ومايو 1992.
[22] – أبو العلا ماضي، ص19.
[23] أبو العلا ماضي، ص18.
[24] انظر: عبد المنعم أبو الفتوح، ص91.
[25] المرجع السابق- ص79.
[26] يؤكد الموقع الرسمي للجماعة الإسلامية حدوث هذا الانفصال عام 1980 في موضوع بعنوان: انعقاد أول جمعية عمومية للجماعة الإسلامية بأسيوط عام 1980.
[27] “الإرهاب فرض والقوة واجبة“، مجلة المرابطون، العدد 1، مايو 1990.
[28] مذكرات علي الشريف، المقال الأول.
[29] لمزيد من التفصيل انظر: أبو العلا ماضي، ص20، 21؛ وشهادة أسامة حافظ في: سلوى العوا، الجماعة الإسلامية المسلحة في مصر (1974- 2004)، ط1 (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2006)، ص83.
[30] لمزيد من التفاصيل عن نشأة التيار الجهادي في مصر انظر: أحمد مولانا، الحركات الجهادية المصرية، دراسات سياسية، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 26 يوليو 2017.
[31] مذكرات علي الشريف، الموجز، 28/12/2013؛ اعترافات ناجح ابراهيم عام1981ضمن: مختار نوح، موسوعة العنف في الحركات الإسلامية المسلحة، ط1 (القاهرة: سما للنشر والتوزيع، 2014)، ص498.
[32] تنظيم الجهاد الذي نفذ أحداث 1981 بقيادة محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر مختلف عن جماعة الجهاد التي تأسست عام 1988 بقيادة سيد إمام وأيمن الظواهري، لمزيد من التفاصيل عن التنظيمين انظر: أحمد مولانا، الحركات الجهادية المصرية، مرجع سابق.
[33] انظر: اعترافات عاصم عبد الماجد في التحقيقات معه عام1981، في: مختار نوح، ص492.
[34] انظر مذكرات علي الشريف، الموجز، 3/1/2013.
[35] المصدر السابق.
[36] مذكرات علي الشريف، الموجز، 28/12/2013.
[37] اعترافات ناجح ابراهيم أمام النيابة عام 1981، في: مختار نوح، ص500.
[38] للمزيد من التفاصيل انظر شهادة علي الشريف، الموجز، 10/1/2013.
[39] شهادة ناجح ابراهيم في: سلوى العوا، ص 93.
[40] للمزيد من التفاصيل انظر مذكرات علي الشريف، الموجز، 10/1/2013.
[41] حوار مع محمد الإسلامبولي حول أحداث أكتوبر 1981، مجلة المرابطون، العدد 6، أكتوبر1990، وقد تنوعت التشكيلة الجغرافية للمهاجمين ما بين محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا.
[42] للمزيد من التفصيل انظر: الحدث والأثر، المرابطون، العدد 6، أكتوبر 1990.
[43]) عبد المنعم منيب، دليل الحركات الإسلامية المصرية، ط1(القاهرة: مكتبة مدبولي، 2009)، ص100،101.
[44] قيادي جهادي ورائد بسلاح المدرعات، نجح في الهروب من سجن طرة وقُتل في اشتباك عام 1988.
[45] انظر شهادات أسامة حافظ وصفوت عبد الغني وممدوح يوسف في: سلوى العوا، ص110، 114.
[46] ميثاق العمل الإسلامي، نسخة إلكترونية.
[47] خرج صفوت عبد الغني من السجن عام 1984. وخرج رفاعي طه وضياء فاروق وعثمان السمان عام 1986 بينما خرج ممدوح علي يوسف وطلعت فؤاد قاسم ومصطفى حمزة وخالد حنفي عام 1988.
[48] بلغ عدد المعتقلين على خلفية اغتيال السادات 7 آلاف معتقل. محمد مورو، تنظيم الجهاد: أفكاره- جذوره– سياسته، ط1(القاهرة: الشركة العربية الدولية للنشر والإعلام، دون تاريخ)، ص139.
[49] تصريح لوزير الداخلية اللواء حسن الألفي في: مدحت فؤاد، خارج السلطة وأسرار الداخل: اعترافات الألفي، ط1 (القاهرة: المكتب العربي للمعارف 1998)، ص25.
[50] أوردت المرابطون خبر انضمام عبود وطارق للجماعة في عددها (٢٢، ٢٣)، إبريل ومايو ١٩٩٢.
[51] سبق لعبود الزمر إصدار وثيقة بعنوان “مشروع الجبهة الإسلامية” دعا فيها إلى اندماج الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد والإخوان في كيان واحد، ولم تلق الوثيقة تجاوبا عمليا. انظر تفاصيل الوثيقة في: جريدة الوسط اللندنية بتاريخ 13 / 9 / 1993.
[52] للمزيد من التفاصيل عن لجان الجماعة وأنشطتها انظر كتاب عضو الجماعة السابق ماهر فرغلي، الخروج من بوابات الجحيم، ط1 (القاهرة: الانتشار العربي، 2012) ص32، 33، 54، 55.
[53] مذكرات علي الشريف، مصدر سابق.
[54] نسبة إلى سجن ليمان طرة الذي كُتبت فيه الرسالة.
[55] حتمية المواجهة، نسخة إلكترونية، عام 1987.
[56] – نعت فيه عضو الجماعة محمد قطب الذي قُتل على يد الشرطة عام 1988 أثناء إنكاره على إحدى الحفلات الموسيقية بأسيوط.
[57] – انظر أعداد من المجلة على الرابط، وللمزيد من التفاصيل عن مجلة صوت الأزهر انظر: ماهر فرغلي، ص92.
[58] – مقتطفات من حوار “رفاعي طه” مع مجلة نداء الإسلام عام 1418 هجريا، منشور في: منبر التوحيد والجهاد.
[59] للمزيد عن أنشطة الجماعة داخل الجامعات انظر: ماهر فرغلي، ص49، 50،110.
[60] المرجع السابق، ص110، 121.
[61] المرجع السابق، ص 34.
[62] للمزيد من التفاصيل عن حوادث استهداف عناصر الجماعة انظر: يا نظام مبارك.. ويحكم ماذا جنى أطهارها؟، المرابطون- العدد 8- ديسمبر 1990.
[63] رسالة حتمية المواجهة، نسخة إلكترونية.
[64] اشتباك الخرقانية تم إثر مداهمة منزل يتحصن به كوادر الجماعة ولكنهم نجحوا في الفرار منه عقب اشتباك أسفر عن مقتل أمين شرطة وإصابة 26 عنصر أمن آخرين.
[65] اشتباك سنتريس حاصرت خلاله قوات الأمن المنزل الذي يتواجد فيه القيادي محمد كاظم عبد القوي فرفض الاستسلام، وحدث اشتباك أسفر عن مقتله.
[66] ماهر فرغلي، ص 93.
[67] محمد خليل الحكايمة، تاريخ الحركات الجهادية في مصر: التجارب والأحداث (1964-2006)، نسخة إلكترونية.
[68] هما خالد إسماعيل وأشرف درويش.
[69] يا نظام مبارك.. ويحكم ماذا جنى أطهارها؟، المرابطون، العدد 8، ديسمبر 1990.
[70] أحمد عمر، أسيوط مدينة النار: أسرار ووقائع العنف، ط1 (القاهرة: سفنكس للنشر، 1994)، ص 17.
[71] ماهر فرغلي، ص95.
[72] انظر تفاصيل اللقاء في حوار مع قيادي الجماعة أسامة رشدي
[73] اشتهر هذا البيان باسم البيان الثلاثي. انظر: ماهر فرغلي، ص100.
[74] أوردت الجماعة بدءا من العدد الثالث والرابع من مجلتها المرابطون خبر مقتلهما ضمن قصة مقتل القيادي خالد حنفي بأفغانستان في سلسلة تقارير بعنوان” يوميات طبيب في بغمان” وهو طبيب مواليد ١٩٦١، وكادر سياسي بارز بالجماعة .
[75] ماهر فرغلي، ص124.
[76] حوار رفاعي طه مع وكالة رويترز عام 1420 هجريا.
[77] انظر شهادات عدد من قيادات الجماعة في: سلوى العوا، ص 124.
[78] – تفاصيل لقاء الشيخ بالوزير وردت ضمن لقاء الشيخ عمر مع مجلة المرابطون –العدد الثاني– يونيو ١٩٩٠.
[79] – علاء محيي الدين عاشور هو ابن عم نقيب المحامين سامح عاشور.
[80] – (يا نظام مبارك.. ويحكم ماذا جنى أطهارها؟)- المرابطون- العدد 8- ديسمبر 1990. ولمزيد من التفاصيل عن حيثيات قتله انظر شهادة صفوت عبد الغني في: سلوى العوا، ص(129- 131)- وشهادة قيادي الجماعة عزت السلاموني،موقع محيط 3/9/2014.
[81] – انظر تفاصيل التهديدات الأمنية لصفوت وعلاء في: سلوى العوا، ص129.
[82] أقام ممدوح علي يوسف بهوية مزورة تحمل اسم حسين مصطفى في منطقة المعصرة قرب حلوان وفقا للمعلومات المتضمنة في حيثيات الحكم في قضية اغتيال المحجوب: http://old.qadaya.net/node/525
[83] – تم تقديم 28 متهما في القضية إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، والتي لم تأخذ باعترافات المتهمين لتعرضهم للتعذيب، فحكمت في يونيو عام 1993 على 10 متهمين بالسجن مددا متفاوتة لاتهامهم بحيازة أسلحة وتزوير مستندات رسمية وقضت ببراءة 17 آخرين فضلا عن مقتل المتهم ياسر عبد الحكيم قبل صدور الحكم- للمزيد عن خلفيات قضية المحجوب: انظر حيثيات الحكم على الرابط التالي: http://old.qadaya.net/node/525
[84] – أخبار المرابطين في العالم – المرابطون- العدد 8- ديسمبر 1990.
[85] – سبق لصفوت الهرب أيضا من قسم شرطة مركز المنيا عام 1988، لمزيد من التفاصيل عنه انظر: عبد السلام الواحاتي، صفوت عبد الغني: من أسرار اغتيال المحجوب إلى تفاصيل المحاكمة والبراءة، ط1 (القاهرة: سفنكس للنشر، 1994).
[86] – أخبار المرابطين في العالم، مجلة المرابطون، العدد (14-15)، يوليو وأغسطس 1991.
[87] – سلوى العوا، ص 133.
[88] للمزيد من التفاصيل عن أحداث أسيوط انظر: أحمد عمر، مرجع سابق.
[89] عبد السلام الواحاتي، ص280.
[90] لبيك يا أختاه، مجلة المرابطون، العدد 9، يناير 1991.
[91] ملف مصر، مجلة المرابطون، العدد 21، فبراير 1992.
[92] عبد العزيز الشيخ، مصر بدأت الحرب فمتى تنتهي؟، مجلة السنة اللندنية، العدد 31، ذي القعدة 1433.
[93] سلوى العوا، ص 143– نقلا عن تقرير الحالة الدينية عام 1995.
[94] حوار رفاعي طه مع عبد اللطيف المناوي عام 1999، في: عبد اللطيف المناوي، شاهد على وقف العنف: تحولات الجماعة الإسلامية في مصر، ط1 (القاهرة: أطلس للانتاج والنشر الإعلامي، 2005) ص293.
[95] ماهر فرغلي، ص 158؛ أحمد عمر، ص89.
[96] للمزيد عن تفاصيل لقاءات اللجنة بالوزير وأسباب فشل الوساطة انظر ملف: “بعد فشل الحوار مع الحكومة المصرية: عند الطغاة الكلام عند نفاد السهام“، مجلة السنة اللندنية، العدد 32.
[97] للمزيد عن استراتيجية حسن الألفي الأمنية انظر: الوسط اللندنية، 19/7/1993.
[98] شريف العمراوي، ملف بعد فشل الحوار مع الحكومة المصرية، مجلة السنة اللندنية، العدد الثاني والثلاثين، محرم 1414 هجريا.
[99] انظر: عبد الرحيم علي، المقامرة الكبرى، ط1 (القاهرة: المحروسة للنشر، 2002) ص160.
[100] لمزيد من التفاصيل عن أحكام الإعدام بحق عناصر الجماعة انظر: عبد الحكيم عفيفي، موسوعة تاريخ الإعدام السياسي في مصر، ط1 (القاهرة، مكتبة مدبولي الصغير، 1997).
[101] شريف حسن هو شقيق زوجة د. أيمن الظواهري التي تزوجها عقب مقتل زوجته الأولى عام 2001.
[102] السبعة هم: بسطاوي أبو المجد، وسعد أبو المجد وأشرف عبد ربه، ودراوي إبراهيم، وأحمد رضوان، وعبد الهادي الصغير، وعبد الحميد الزقمان.
[103] – للمزيد من التفاصيل عن أحداث أسيوط انظر: أحمد عمر، مرجع سابق.
[104] ماهر فرغلي، ص159.
[105] المرجع السابق، ص161.
[106] مدرس إبتدائي– مواليد إبريل 1968. انظر: أحمد عمر، ص 95.
[107] – المرجع السابق، ص (91-95).
[108] مدينة ملوي هى أحد المدن التابعة لمحافظة المنيا.
[109] للمزيد من التفاصيل عن عمليات الجماعة بمحافظة المنيا انظر:صحيفة الديار اللبنانية : 1/1/1996، 16/2/1997
الحياة 25/1/1998، الحياة 30/3/1998- الشرق الأوسط 10/2002؛ وانظر: ماهر فرغلي، ص (165-170).
[110] سلمته إيران إلى مصر عام 2004، وخرج من السجن عقب ثورة يناير، وتم اعتقاله مجددا عقب فض اعتصام رابعة عام 2013.
[111] قتل عام 1994، اتهمته أجهزة الأمن بالإشراف على عدد من العمليات منها اغتيال مسؤول التطرف الديني بجهاز أمن الدولة اللواء عبد الحميد خيرت، وتمكنت أجهزة الأمن من القبض عليه حيا وتصفيته يوم 25 إبريل 1994، وفي اليوم التالي قامت أجهزة الأمن بتوقيف أحد أبرز محامي الجماعة عبد الحارث مدني من مكتبه، متهمة إياه بلعب دور الوسيط بين طلع وقيادات الجماعة المسجونين، ولم يلبث عبد الحارث أن مات تحت التعذيب، فدشنت نقابة المحامين تظاهرات واسعة وعزمت تنظيم مظاهرة إلى قصر عابدين الرئاسي احتجاجا على الحادث، وانتهت الأزمة بفرض الحراسة القضائية على نقابة المحامين . للمزيد انظر: ملف عن قضية مقتله بموقع اليوم السابع بتاريخ 27 إبريل 2009.
[112] قتل عام 1999- الحياة اللندنية، 8 /9/1999.
[113] أخبرني بشكل شخصي أحد كبار قادة الجماعة أن رفعت زيدان ظل مصيره مجهولا لسنوات، إلى أن عثُر على عظام بمغارة بأسيوط في منطقة حدث بها آخر تواصل مع رفعت، وثبت من خلال تحليل الحمض النووي للعظام أنها تعود له.
[114] وصية شهيد، مجلة المرابطون، العدد (14- 15)، يوليو وأغسطس 1991.
[115] محمد خليل الحكايمة- مرجع سابق.
[116] الرائد محمد حمزة، مكافحة الارهاب والتطرف وأسلوب المراجعة الفكرية، ط1 (القاهرة: وزارة الداخلية المصرية،2012) ص16.
[117] قال الشيخ محمد الغزالي أثناء شهادته في قضية اغتيال فرج فودة “إن فرج فودة بما قاله وما فعله كان في حكم المرتد، والمرتد مهدور الدم، وولي الأمر هو المسؤول عن تطبيق الحد، وإن التهمة التي ينبغي أن يحاكم بها الشباب الواقفون في القفص ليست القتل، وإنما الافتئات على السلطة”. ماهر فرغلي، ص 145.
[118] عبد الحكيم عفيفي، ص273.
[119] عبد الحكيم عفيفي، ص 275.
[120] للمزيد عن حادث استهداف نجيب محفوظ انظر: الحوار مع “عمرو إبراهيم” أحد منفذي الحادث.
[121] تمت محاكمة 19 عضوا على ذمة الحادث، أعدم منهم ضابطان هما: مدحت الطحاوي وحمادة عبد الكريم، للمزيد عن الحادث انظر الشرق الأوسط 5/4/2003.
[122] لمزيد من التفاصيل عن تلك العمليات انظر: أحمد عمر، مرجع سابق.
[123] انظر تقريرا مفصلا بحوادث استهداف السياح في مصر على الرابط التالي:
[124] عبد اللطيف المناوي، ص290.
[125] محمد خليل الحكايمة، نسخة إلكترونية.
[126] انظر: عبد المنعم منيب، التنظيم والتنظير، ط1 (القاهرة: مكتبة مدبولي، 2010)، ص 102.
[127] انظر تفاصيل حادث كنيسة ابو قرقاص، برواية الأقباط، على الرابط، وتفاصيل حادث دير المحرق برواية الأقباط على الرابط
[128] لقاء مع فضيلة الدكتور عمر عبد الرحمن، المرابطون، العدد 2، يونيو 1990.
[129] انظر: عبد السلام الواحاتي، ص55
[130] ميثاق العمل لإسلامي، نسخة الكترونية.
[131] المرجع السابق.
[132] أيمن الظواهري، ص310، 312.
[133] ميثاق العمل الإسلامي، نسخة الكترونية.
[134] – تصريح لوزير الداخلية حسن الألفي في: مدحت فؤاد، ص85.
[135] – ماذا يحدث وراء السجون؟.- المرابطون – العدد (3-4)- يوليو 1990. وقد مارست الأجهزة الأمنية ضد معتقلي الجماعة الإسلامية أساليب التحطيم والقهر التي تحدث عنها رئيس المخابرات العامة السابق “صلاح نصر” في الجزء الثاني من كتابه (الحرب النفسية- معركة الكلمة والمعتقد).
[136] للمزيد عن أوضاع المعتقلين بالسجون آنذاك : انظر لقاء رفاعي طه مع مجلة نداء الإسلام عام 1418 هجريا.
[137] إثر القبض على مجموعة من عناصر جماعة الجهاد نفذت محاولة اغتيال رئيس الوزراء عاطف صدقي عام1993، تبين أن قيادة الجماعة المتواجدة باليمن أشرفت على تدبير الحادث، مما أدى إلى تضييق الحكومة اليمنية على عناصر الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، وإثر تنفيذ الجماعة الإسلامية لمحاولة اغتيال مبارك بأثيوبيا انطلاقا من السودان، تعرضت الحكومة السودانية لضغوط أدت إلى ابعاد الجهاديين المصريين منها، ثم عقب أحداث سبتمبر تعرض عناصر الجماعة الإسلامية بأفغانستان للتضييق مع غيرهم من الجهاديين، وللمزيد من التفاصيل. انظر: أحمد مولانا، الحركات الجهادية المصرية، مصدر سابق.
[138] لمزيد من التفصيلات عن موقف أسامة رشدي من المبادرة انظر فصل “أسامة رشدي بين القبول والرفض” في: عبد اللطيف المناوي، ص110، 112.
[139] لقاء رفاعي طه مع وكالة رويترز عام 1420 هجريا.
[140] لقراءة نص البيان انظر: عبد اللطيف المناوي، ص94
[141] للمزيد من التفاصيل عن خلفية انسحاب رفاعي طه : المرجع السابق، ص95.
[142] عبد اللطيف المناوي، ص270.
[143] نهر الذكريات: المراجعات الفقهية للجماعة الإسلامية، ط1 (القاهرة: مكتبة التراث الإسلامي، 2003)، ص7.
[144] عبد اللطيف المناوي – ص287.
[145] سلوى العوا، ص172.
[147] نهر الذكريات، ص35.
[148] عمر عاشور، تحوّلات الجماعات الإسلامية المسلّحة وأسبابها، مركز كارنيجي، 2009.
[149] – أجرى مكرم4 لقاءات نشرها في مجلة المصور في 21 يونيو 2002، 28 يونيو 2002، 5 يوليو 2002، 8 أغسطس 2003، ثم جمعها في كتاب بعنوان “مؤامرة أم مراجعة”.
[150] انظر نصوص لقاءات عبد اللطيف المناوي مع كرم زهدي في كتاب “شاهد على وقف العنف”.
[151] – عرف الحكايمة نفسه بأنه أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية في مدينة أسوان، وعضو اللجنة الإعلامية بالخارج، للاطلاع على لقاءاته وبياناته وإصداراته انظر هذا الرابط
[152] لقاء محمد الحكايمة مع مؤسسة سحاب التابعة لتنظيم القاعدة عام 1427 هجريا.
[153] أعلنت الإدارة الأمريكية مكافأة قدرها مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد في القبض على الحكايمة، وقتلته بغارة جوية على وزيرستان مطلع نوفمبر 2008، الشرق الأوسط ، 2/11/2008.
[154] تم إطلاق الموقع الإلكتروني الجديد للجماعة عام 2006.
[155] – حوار رفاعي طه مع موقع الانتباهة عام 2012 .
[156] أفرج عنه لاحقا عام 2016.
[159] شارك أبو العلا عبدربه في حادث اغتيال “فرج فودة” وخرج من السجن عقب ثورة يناير، للمزيد عنه، انظر الرابط
[160] ذكرت بعض المواقع أن محمد عباس كان أميرا للجماعة الإسلامية في عين شمس، انظر الرابط
([161]) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات
الوسوم