تقاريرحقوقي

السجون المصرية بين السيطرة الأمنية وغياب الإشراف القضائي

تقديم

تمتلئ السجون المصرية ومقار الاحتجاز بانتهاكات حقوق السجناء، وينطبق على تلك السجون المقولة الشائعة “الداخل إليه مفقود والخارج مولود”، حيث يغيب الإشراف الحقيقي من جانب النيابة العامة والسلطة القضائية على إدارة السجون، التي تتبع وزارة الداخلية وقطاع مصلحة السجون، وبعضها يتبع مديريات الأمن بالمحافظات، وبعضها الآخر الذي يأخذ صفة السجون بموجب قرارات وزارة الداخلية يتبع جهات أمنية أو رقابية عليا مثل المخابرات العامة والرقابة الإدارية، فضلا عن وجود أماكن احتجاز غير قانونية بمقار الأمن الوطني ومعسكرات الأمن المركزي، وهو الاتجاه الذي ترفضه المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تفضل تبعية السجون لجهة مدنية وليست عسكرية.

ورغم نص قانون السجون 396 لسنة 1956 على عدد من الحقوق التي ينبغي توفيرها للسجناء والمحبوسين احتياطيا، إلا أن هذه النصوص تعد حبرا على ورق و يتم الضرب بها عرض الحائط ولا يتم تنفيذها، وتدار اغلب السجون التي يودع بها سجناء سياسيين من ضباط تابعين لجهاز الأمن الوطني وهو المسيطر والمشرف على إدارة السجن بشكل واقعي وليس مأمور السجن وحتى الأخير فيما يمارسه من صلاحيات يدير المجلس وفقا لقواعده وليس قواعد القانون، وهذا ما يتطلب تبعية السجن لهيئة قضائية مستقلة تختص بالتنفيذ العقابي، أو على الأقل تبعيتها لوزارة العدل.

تناقش هذه الورقة التحديات الرئيسية بالإطار الإداري والتنفيذي للسجون وكذلك مدى فعالية الإشراف القضائي والإداري على تلك الأماكن، التي تغيب فيها نظرة تأهيل السجناء عن العاملين والمشرفين عليه، حيث النظرة الأمنية هي الأساس، وغالبا ما ينظر إلى السجين على انه شخص مجرم ليس لديه أي حقوق، وتسعى السلطات المصرية إلى الإيهام بعكس ذلك، سواء من خلال الزيارات المعدة سلفا لبعض السجون والتي يلعب الإعلام دورا رئيسيا في الترويج لها، أو في افتتاح بعض السجون الجديدة باسم مراكز الإصلاح والتأهيل، والتي تغيب عنها كذلك كافة الضمانات بتغيير المعاملة العقابية سواء داخلها أو في السجون الأخرى.

فضلاً عن تناول مسالة أنواع السجون المصرية ومدى ملاءمتها لأنواع السجون في التجربة العالمية، ومدى قانونية تبعية السجون لوزارة الداخلية، والصلاحيات التي يتضمنها القانون السجون لوزير الداخلية في إنشاء أماكن احتجاز أخرى، وتعددية الجهات المشرفة على السجون من خلال عدد من المحاور:

المبحث الأول: أنواع ونظم السجون بين الخبرات الدولية والحالة المصرية

المبحث الثاني: تبعية السجون ومواصفات العاملين بإداراتها

المبحث الثالث: الإشراف القضائي والحقوقي على السجون وأماكن الاحتجاز

المبحث الرابع: حق السجين في الشكوى

خاتمة وتوصيات

المبحث الأول: أنواع ونظم السجون بين الخبرات الدولية والحالة المصرية

أولاً: الفقه العقابي وأنواع السجون:

اختلفت نظم السجون في بعض الدول عنها في البعض الأخر فاخذ بعضها بالنظام الجماعي، والبعض بالنظام الانفرادي، وفضل البعض نظاما يجمع بين مزايا النظامين السابقين كالنظام المختلط، وأخيرا اتجهت أغلب الدول إلى النظام التدريجي الذي يعد المحكوم عليه لمواجهة المجتمع بعد انتهاء مدة عقوبته.

ويقصد بالنظام التدريجي تقسيم فترة العقوبة السالبة للحرية إلى عدة مراحل تخفف بها قسوة النظام الذي يخضع له المحكوم عليه تدريجيا من المرحلة التالية مباشرة لدخول السجن حتى المرحلة السابقة على خروجه منه، واستهدف هذا النظام تحقيق غرضين الأول تشجيع المحكوم عليه على الخضوع لنظام السجن، واتخاذ مسلك سليم حتى يمكن أن يحظى ـ مكافأة له ـ بالخضوع لنظام أخف في المرحلة التالية، والثاني: التدرج بالمحكوم عليه من حياة سلب الحرية إلى حياة الحرية الكاملة التي سيمارسها بعد خروجه من السجن.

ويشير فقه علم العقاب إلى وجود عدد من أنواع المؤسسات العقابية أهمها:

1ـ المؤسسات المغلقة:

تقوم على أساس أن المجرم يمثل خطورة على المجتمع ولذلك يجب عزله تماما عنه والحيلولة بينه وبين الوصول إليه حتى انتهاء مدة العقوبة، ولذلك يراعي في مباني المؤسسات المغلقة أن تكون خارج المدن المأهولة بالسكان، وأن تحاط بأسوار عالية يكون من الصعب عليه اجتيازها، وتفرض حولها الحراسة المشددة، وتوقع العقوبة على من يحاول الهرب منها، كذلك يتميز بالنظام في داخلها بالصرامة والحزم في توقيع الجزاءات التأديبية على من يخالف النظم الداخلية لهذه المؤسسة، ولا يزال اغلب الدول يحرض على وجود هذا النوع من المؤسسات العقابية الذي يخصص لأخطر المجرمين.

ويؤدي خضوع المحكوم عليه للحراسة المشددة والنظام الصارم إلى فقدان المسجون ثقته بنفسه وشعوره بالمسئولية، كما أن عزله التام عن المجتمع يؤدي إلى اضطرابه نفسيا وعدم قدرته على التكيف مع المجتمع حينما تنتهي مدة العقوبة مما يتعذر تحقيق الهدف الأول من العقوبة وهو التأهيل، أيضا يعيب هذا النوع من المؤسسات كثرة تكاليفه المادية نظرا لاعتبارات بناءه المختلفة، فضلا عن تعيين عدد كبير من الحراس المسلحين لحراسته.

2 ـ المؤسسات العقابية المفتوحة:

تتميز بأنها لا تعتمد على أساليب مادية كالأسوار، والحراس، وإنما تعتمد على أساليب ذات جانب معنوي تتمثل في إقامة علاقة بين السجناء وبين إدارة المؤسسة العقابية على أساس الثقة فيهم، مما يشعرهم بالمسئولية فيحول دون إخلالهم بهذه الثقة، وعلى أساس إقناعهم بجدوى سلب الحرية باعتباره وسيلة لإصلاحهم.

وبذلك يتخذ شكل المؤسسات المفتوحة صورة مجمع يتكون من عدة مبان صغيرة لها أبواب عدة ونوافذ لا توجد عليه القضبان الحديدية التي تميز المؤسسات المغلقة، ولا يحيط بها أسوار عالية، وإنما يكتفي غالبا بوضع معالم توضح حدودها كسور خشبي صغير أو أسلاك شائكة، وقد لا يقوم عليها حراس وإن وجدوا يكونوا غير مسلحين، ويتوسط مباني هذه المؤسسة مبني يقوم على نمط المؤسسة المغلقة ويودع فيها من يوقع عليه جزاء تأديبي من نزلاء المؤسسة المفتوحة، وتقع المؤسسات المفتوحة غالبا في المناطق الريفية حتى يقوم النزلاء بأعمال الزراعة والصناعات المتصلة بها، ولا يمنع ذلك من إنشاء بعض الصناعات والحرف المستقلة عن الزراعة، والتي تساعد على تدريب كل من المحكوم عليهم على نوع العمل الذي يميل إليه ويطمع في مباشرته بعد خروجه من المؤسسة.

ويجب أن يراعي في هذه المؤسسات أن تكون قريبة من المدن، حتى يمكن الحصول بسهولة على مطالب واحتياجات الموظفين الذين يديرونها، وحتى يتيسر الانتقال إليها حيثما يسمح لبعض المحكوم عليهم بمزاولة العمل خارج المؤسسة، ولهذا النوع من المؤسسات أثره الكبير في تحقيق أغراض العقوبة فالقدر الكبير من الحرية الذي يمنح للمحكوم عليه يوقظ فيه الاعتداد النفسي والندم على الجريمة التي ارتكبها، والحرص على السلوك القويم حتى يثبت جدارته بالثقة التي وضعت فيه.

كذلك تحافظ هذه المؤسسات على صحة نزلائها النفسية والعقلية. كما أن نمط الحياة التي يحياها المحكوم عليهم وما يسود فيها من تعاون متبادل بين المحكوم عليهم وإدارة المؤسسة تكون بمثابة تدريب للمحكوم عليه على الحياة التي سيخرج عليها، بعد انتهاء مدة عقوبته مما يسهل له التكيف مع المجتمع، ومن أهم مزايا هذه المؤسسات أن تكلفتها تكون أقل على الدولة من تكاليف المؤسسات المغلقة.

بينما وجه البعض انتقادا لهذا النوع من المؤسسات أهمها أضعاف القيمة الرادعة للعقوبة، ولكن هذا النقد مردود عليه بان منع الحرية في ذاته يحقق ردع المحكوم عليه، كذلك اخذ عليها أنها تساعد على الهرب، ويمكن الرد على ذلك بان نزلاء هذه المؤسسات لا يودعون فيها إلا بعد فحص شامل لجوانب شخصيتهم، وبهذا يتأكد القائمين بهذا الفحص بأنهم أهل للثقة التي توضع فيهم. كذلك فان اغلب نزلاء هذه المؤسسات ممن تكون عقوبتهم قصيرة المدة أو ممن يكونون قد امضوا جزءا كبيرا من عقوبتهم طويلة المدة في مؤسسة مغلقة ثم دخلوا المؤسسة المفتوحة ليمضوا ما تبقى من هذه المدة فيها كمرحلة انتقال إلى حيث الحرية الكاملة، وليس من مصلحة المسجون الهرب لأن ذلك سيعرضهم لعقوبة تزيد مدتها عن المدة التي يحاولون الهرب منها أو لنقلهم على مؤسسة مغلقة.

3 ـ المؤسسات العقابية شبه المفتوحة:

يتوسط بين نوعي المؤسسات السابقة، فالحراسة فيه بسيطة وأقل منها في المؤسسات المغلقة، ويودع فيه المؤسسات المحكوم عليهم الذين تدل دراسة شخصيتهم على أن القيود الشديدة لا تجدي في إصلاحهم، كما انهم لا يوحون بالقدر الكافي من الثقة بما يؤدي لإيداعهم في مؤسسة مفتوحة، ويطبق النظام التدريجي غالبا في داخل هذا النوع من المؤسسات. فيودع المحكوم عليه في أول الأمر في درجة تشتد فيها الحراسة نسبيا، ثم ينقل إذا اثبت بحسن سلوكه جدارته بالتخفيف إلى درجة تقل فيه الحراسة، حتى ينتهي به الأمر إلى درجة أقرب ما تكون إلى المؤسسة المفتوحة[1].

ومثالها سجن المرج الذي أنشئ بناء على قرار وزير الداخلية في 2 أغسطس سنة 1956، ومعسكر العمل الذي أنشئ للمساجين في مديرية التحرير بناء على قرار مدير مصلحة السجون في 3 نوفمبر 1965 يودع بها المعسكر من تتوافر فيهم عدة شروط منها قصر مدة عقوبتهم أو الباقي منها بعد تمضية جزء منها في احد السجون المغلقة والصلاحية البدنية والصحية لحياة المعسكر، والعمل به إلا تقل أعمارهم عن عشرين عاما والا تزيد عن خمسة وأربعين عاما والا تكون لديهم دوافع للهرب أو لمحاولة الهرب والا يكون في هربهم خطورة على الأمن العام، ويعتبر نقل المسجون إلى أحد هذين السجنين ميزة منتح للمحكوم عليه في فترة سابقة على الإفراج عنه، ويوجد أيضا سجون تشمل مزارع كثيرة المساحة وتخضع نزلاؤها لنظام المؤسسات شبه المفتوحة ومن أمثلتها سجون الطريق الصحراوي والقطا ودمنهور[2].

ويميل المشرع المصري وإدارات السجون عموما بشكل أكبر إلى المؤسسات المغلقة، من حيث المباني المحاطة بالأسوار العالية، والنوافذ المغلقة إلا من فتحات صغيرة لا تسمح بالتهوية، وحراس أشداء يتواجدون على أبراج لحراسة السجن، وتشريعات تتميز بقسوة العقوبات التي يمكن أن توقع على النزلاء في حال مخالفتهم لقوانين السجون ولوائحه التنفيذية، ويمثل أكثر المؤسسات العقابية في مصر من النوع شديدة الحراسة وهو الذي يتميز بأشد أنواع المعاملة العقابية، وعلى الرغم من توجه الدولة إلى إنشاء مؤسسات في السنوات الأخيرة باسم مراكز التأهيل العقابي في وادي النطرون وغيرها، فان هذه المؤسسات تبدو استثناء من القاعدة، كما أنها لا يبدو أنها تحقق الضمانات الكافية لتحقيق غرض التأهيل، خاصة أنها بعيدا في الصحراء ولا زالت تابعة إداريا وعقابيا لوزارة الداخلية ومصلحة السجون. فضلا عن أنها بناءها يوحي بأنها مخصصة لسجناء من نوع معين وهم رجال الأعمال وموظفي الكبار في الدولة الذي تتم إصدار أحكام بسجنهم في حال مخالفة القانون مثلما كان سجن مزرعة طرة.

وتؤمن الإدارة المصرية كقاعدة أساسية بهذا النوع من السجون ويعتبر الدعامة الأساسية الرئاسية للنظام العقابي رغم العيوب الكثيرة التي تكشف عنه هذا النظام، وتأثيره السلبي على صحة المسجونين النفسية وإعادة إدماجهم في المجتمع، مرة أخرى بعد انقضاء مدة العقوبة، ومن التكاليف الباهظة التي تكبدها الدولية للأنفاق عليه، كما أن الأخذ بالمؤسسات المغلقة يؤدي إلى عدد آخر من النتائج السلبية أهمها:

ـ من جهة أخرى فإن هذا النظام السائد في مصر يؤثر على الإنفاذ الكامل لقواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء حيث يصعب تطبيق النظام الخاص لتصنيف السجناء إلى فئات، وبالتالي يؤثر على إفرادية المعالجة لأنه لن يودي إلى توزيع هذ الفئات على مؤسسات منظمة تستطيع كل فئة أن تأخذ فيها العلاج الذي يناسبها، لان نظام السجون المغلقة سيؤدي في التطبيق بشكل آلي إلى توزيع السجناء طبقا للعقوبة المحكوم بها سواء كانت سجن مشدد أو سجن أو حبس على أنواع السجون التي ينص عليها قانون السجون التي سنأتي على ذكرها لاحقا. وهو ما يؤدي لانتشار ظاهرة الاكتظاظ والتكدس داخل هذه السجون، والتي تصعب من مهمة الإدارة في أعمال مبدأ إفرادية المعالجة للسجناء[3].

ولم تتجاوز تجربة السجون المفتوحة في مصر سوى تجارب محدودة منها تجربة سجن القطا الزراعي، في ستينيات القرن العشرين حيث أقيم هذا السجن الواقع في منطقة القطّا غرب القناطر الخيرية التابعة لمحافظة القليوبية. بل إن سجن القطّا تم تعديل تخصيصه بقرار من وزير الداخلية حيث تدل تخصيص سجن التأهيل بالقطا العسكري ليكون سجناً عمومياً بمسمى “سجن التأهيل العمومي”، يُودع به الأشخاص الوارد ذكرهم بالمادة الثالثة من القانون 396 لسنة 1956 فى شأن تنظيم السجون. وذلك بموجب القرار رقم 1473 لسنة 2017

إلا أن بعض هذه السجون رغم أنها قد أنشئت كمؤسسات عقابية شبه مفتوحة منها سجن وادي النطرون بالطريق الصحراوي ومديرية التحرير إلا أن هذه المؤسسات حولت إلى مؤسسات عقابية مغلقة لاحقا.

ويوصي علماء العقاب بوجوب أخذ المشرع المصري بالمؤسسات المفتوحة نزولا على نتائج الدراسات العقابية الحديثة التي أثبتت الأهمية الكبيرة لهذه المؤسسات في تأهيل طوائف معينة من المحكوم عليهم.

ثانياً: أنواع السجون في القانون المصري

تنقسم السجون حسب القانون المصري على أربعة أنواع حسب شدة العقوبة ودرجتها

(1) ليمانات: يودع فيها الصادر عليهم الأحكام بعقوبة السجن المؤبد من الرجال، يوجد عدد كبير من الليمانات أبرزها ليمان طرة، ليمان أبو زعبل، ومن أمثلة القرارات المتعلقة بإنشاء الليمانات قرار وزارة الداخلية رقم 873 لسنة 2014 بإنشاء ليمان في المنيا بدائرة مديرية أمن المنيا يودع فيه الرجال المحكوم عليهم بعقوبتي السجن المؤبد والسجن المشدد. كما نص نفس القرار بإنشاء سجن عمومي بدائرة مديرية أمن المنيا بسمي (السجن شديد الحراسة بالمنيا) وذلك بتاريخ 16/3/2017.

(2) سجون عمومية. وتنفذ فيها الأحكام عدد من أنواع المحكومين هم: المحكوم عليهم بعقوبة السجن، والنساء المحكوم عليهن بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد، والرجال المحكوم عليهم بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد الذين ينقلون من الليمانات لأسباب صحية أو لبلوغهم سن الستين أو لقضائهم فيها نصف المدة المحكوم عليهم بها أو ثلاث سنوات أي المدتين أقل وكان سلوكهم حسناً خلالها، والمحكوم عليهم بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر إلا إذا كانت المدة الباقية وقت صدور الحكم عليهم أقل من ذلك ولم يكونوا مودعين من قبل في سجن عمومي.

ومن أمثلة قرارات إنشاء السجون العمومية، قرار وزير الداخلية رقم 1726 بإنشاء السجن العمومي للرجال رقم (1) بمنطقة القناطر الخيرية، وقرار وزير الداخلية رقم 1816 لسنة 2011 بإنشاء سجن عمومي بمنطقة سجون وادي النطرون يسمى السجن العمومي رقم (1).

(3) سجون مركزية. وتنفذ العقوبة في سجن مركزي على الأشخاص الذين لم يرد ذكرهم في المادتين السابقتين وعلى الأشخاص الذين يكونون محلاً للإكراه البدني تنفيذاً لأحكام مالية، على أنه يجوز وضعهم في سجن عمومي إذا كان أقرب إلى النيابة، أو إذا ضاق بهم السجن المركزي.

كما تنص المادة 95 من قانون السجون 356 لسنة 1956 على أن تظل السجون المركزية خاضعة للنظام المقرر لها حالياً إلى أن يتم إلحاقها بمصلحة السجون. وهي بذلك تابعة حتى الآن لمديريات الأمن في المحافظات المختلفة. و(تضم المحبوسين احتياطيا فى أماكن منفصلة عن غيرهم من المسجونين، وتضم المحكوم عليهم بفترة لا تزيد عن ثلاثة أشهر أو إذا ضاقت السجون العمومية بهم والعقوبات المالية، وضمنها سجون خاصة بالنساء. ومن أمثلتها سجن أبو قرقاص المركزي؛ وسجن المستقبل بالإسماعيلية. وحديثاً سجن 15 مايو المركزي؛ سجن النهضة)[4].

وقانوناً فأغلب نزلاء هذه السجون هم المحبوسين احتياطياً، أو ممن يقضون عقوبة بسبب أحكام مالية، لكن عملياً فالكثير من المحبوسين احتياطيا يودعون في السجون العمومية بدلاً من السجون المركزية نتيجة لتكدس السجون أو لقرب السجون العمومية من أماكن التحقيق وهي النيابة العامة.

ويخضع هذا النوع من السجون لإشراف وإدارة مديريات الأمن وليس قطاع السجون، كما لا تخضع للإشراف القضائي. وبعض هذه السجون ملحق بمديريات الأمن واغلبها ملحق بأقسام ومراكز الشرطة الموجودة على نطاق جغرافي أضيق في أحياء المحافظات. والتي لا تخضع لرقابة وإشرافي حقيقي سواء من جانب مديريات الأمن أو النيابة العامة.

ومن أمثلة القرارات المتعلقة بالسجون المركزية:

  • قرار وزارة الداخلية بإنشاء وتشغيل السجن المركزي بقسم شرطة الخصوص، بمديرية أمن القليوبية بتاريخ 31/3/2015. يكون نطاقه المكاني دائرة قسم شرط الخصوص.
  • قرار وزارة الداخلية رقم 1029 لسنة 2015 بإنشاء سجن مركز بقسم شرطة النهضة بمديرية أمن القاهرة ويشمل اختصاصه دائرة قسم الشرطة المشار إليه الصادر بتاريخ 22م3/2015
  • قرار وزارة الداخلية رقم 4284 لسنة 2016، بإنشاء سجن مركزي بمسمى سجن عتاقة المركزي بقسم شرطة عتاقة التابع لمديرة أمن السويس ويشمل اختصاصه دائرة مديرية أمن السويس. وذلك بتاريخ 3/11/2016.
  • قرار وزارة الداخلية رقم 1932 لسنة 2016 بإنشاء سجن مركزي بمديرية أمن القليوبية بمسمى السجن المركزي بمعسكر قوات أمن الخانقة. ويشمل اختصاصه دائرة مديرية أمن القليوبية.
  • قرار وزارة الداخلية رقم 954 لسنة 2012 الصادر في 3/5/2012 بشأن إنشاء السجن العسكري بقطاع الشهيد النقيب عمرو مسعد عبد الشافي التابع للإدارة العامة لمنطقة الأمن المركزي بحلوان، ويخصص السجن لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية المحكوم بها على أفراد هيئة الشرطة والمجندين التابعين لقوات الأمن المركزي لمدة لا تزيد على سنة.

(4) سجون خاصة تنشأ بقرار من رئيس الجمهورية، تعين فيه فئات المسجونين الذين يودعون بها وكيفية معاملتهم وشروط الإفراج عنهم. ويقصد بالسجون الخاصة تلك السجون التي تخصص لفئة معينة من الناس يحتاج أفرادها إلى معاملة خاصة تتناسب مع تكوينهم واستعدادهم وظروفهم مثل المحرمون الشواذ ومدمنو المخدرات والخمور، وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 238 لسنة 1990 بإنشاء تنظيم سجون خاصة بالمحكوم عليهم في جرائم المخدرات، ونصت المادة الأولى في هذا القرار على أن تنشأ سجون خاصة لتنفيذ العقوبات المحكوم بها في الجرائم المنصوص عليها في قانو مكافحة المخدرات واستعمالها والاتجار بها، وتحدد بقرار وزير الداخلية الجهات التي تنشأ فيها هذه السجون.

وتخصص تلك السجون لنوع معين من المحكوم عليهم لا لتنفيذ نوع معين من العقوبات المقيدة الحرية والاتجاه الحديث في نظم السجون وعلم العقاب يميل إلى إحلال السجون الخاصة محل السجون العامة القائمة على فكرة وضع المحكوم عليهم بعقوبة من نوع واحد في سجن واحد.

ولم يحدد المشرع الغرض من إنشاء هذا النوع من السجون الأمر الذي يرى البعض فيه ـ انه قد يؤدي لإساءة استخدام هذا النوع أو التعسف في استعماله في إنشاء السجون الخاصة لتنفيذ نوع معين من العقوبات لا تخصيصها لنوع معين من المحكوم عليهم خاصة وان إنشاءها يكون بقرار وليس بقانون، ويطالب هذا الراي بتعديل نص هذه الفقرة بحيث يكون إنشاء هذه السجون بقانون يحدد فئات المسجونين الذين يودعون فيها وشروط معاملتهم وشروط الإفراج عنهم، حتى لا ينحرف هذا النوع من السجون بالغرض الذي خصصت من أجله، ويكون بمنأى عن الأهواء السياسية يؤدي للعصف بنوع معين من المحكوم عليهم وتشديد معاملتهم وشروط الإفراج عنهم.

كما نصت المادة الأولى مكرر من القانون 396 لسنة 1956 على إيداع كل من يحتجز أو يعتقل أو يتحفظ عليه أو تسلب حريته في أحد السجون المبينة بالمادة الأولى أو ” أحد الأماكن ” التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية يسري عليه جميع الأحكام الواردة في هذا القانون على أن يكون حق الدخول فيها المنصوص عليها في المادة 85 للنائب العام أو من ينيبه من رجال النيابة بدرجة رئيس نيابة على الأقل.

ونص هذه المادة يتضمن استثنائيين من القواعد العامة على النحو الآتي:

الاستثناء الأول: جواز إيداع المحبوس احتياطيا والمعتقلين والمحكوم عليه في غير السجون المخصصة لذلك والمنصوص عليها في المادة الأولى، وبالتالي يجوز إيداع كل من يحتجز أو يعتقل أو يتحفظ عليه أو تسلب حريته على أي وجه في أي مكان يحدده وزير الداخلية بقرار منه كمعسكر أو عقار أو مبنى وزارة الداخلية أو المباحث العامة وتسري على هذه الأماكن جميع الأحكام الواردة بهذا القانون.

الاستثناء الثاني: قصر حق الإشراف القضائي المنصوص عليه على لنائب العام أو من ينيبه من رجال النيابة العامة بدرجة رئيس نيابة على الأقل. وقد تعرض هذا النص لعدد من الانتقادات:

أهمها: أن هذا النص أعطى وزير الداخلية سلطة إيداع أي شخص في ” أي مكان ” يراه ويحدد إقامته فيها ولم يقابل ذلك أي ضمانات للمودعين فيه، فلم يحدد فئات المسجونين الذين يودعون فيها أو كيفية معاملتهم ومعيشتهم خاصة وان القانون لم يهتم بتحديد معاملة أو المعيشة للمسجونين وترك ذلك للوائح الداخلية التي لم تعط معالم واضحة لمعاملة المسجونين وتركت ذلك لتعليمات غير منشورة تسمى ” بدليل العمل بالسجون ” الأمر الذي يمنع تطبيق أحكام القانون على هذه الأماكن الاستثنائية، ويصبح لغو لا قيمة ولم يضع أي ضمانة للمودعين، كما أن القانون لم يحدد نوع هذه الأماكن وهل تأخذ حكم الليمانات أو السجون العمومية أو المركزية أو السجون الخاصة، فكل ذلك لم يحدده القانون، وبهذا النص يضفي شرعية على بعض الأماكن الاستثنائية، ويدمجها على النظام القانون العام ولا يضع فيها أي ضمانات للمودعين بها

ـ أن قصر الإشراف القضائي على هذه الأماكن على النائب العام أو من ينيبه، يؤدي إلى إضعاف سبل الرقابة القضائية عليه، فان النائب العام بسبب كثرة وتعدد مسئولياته، لن ينتقل للتفتيش على هذه الأماكن، كما أن إجراءات ندب احد رؤساء النيابة قد تأخذ وقتا طويلا وقد تكون هذه الأماكن من الصعب الوصول إليها مما يفقد الإشراف القضائي اهم ميزاته وهو عنصر السرعة المباغتة، وهو غير متحقق في الإشراف القضائي على هذه النوع من الأماكن الذي قد يتضمن إيداع المحبوس احتياطيا أو يعتقل أو يتحفظ عليه ليكون عرضة للتنكيل أو التعذيب والوصول إليه صعب وزيارته شبه مستحيلة.

كمما أن هذا النص حرم رؤساء ووكلاء محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية وقضاة التحقيق ورئيس ووكيل محكمة النقض من حق دخول هذه الأماكن بالمخالفة للمادة 85 من القانون 396 بشأن تنظيم السجون.

ويطالب هذا الرأي بإلغاء هذا النص نظرا لأنها يؤدي إلى إضفاء الشرعية على الأماكن الاستثنائية التي تنتهك فيها كرامة وحريات الأفراد المحبوسين ويؤدي إلى خروج أماكن خاصة كمقار الأمن الوطني أو المعسكرات التابعة للأمن المركزي من الإشراف القضائي الكامل عليها، وهي الأماكن التي تزداد فيها ادعاءات التعرض للتعذيب والوفاة أثناء الاحتجاز[5].

أيضا، أعطت المادة الأولى من القانون لوزير الداخلية إصدار قرارات بتعيين الجهات التي تنشأ فيها السجون من كل نوع ودائرة كل منها. ومن هذه القرارات اعتبار بعض الأماكن الخاصة ببعض الأجهزة من الأماكن المرخص قانونا بإيداع المتهمين فيها ومنها قرار وزير الداخلية الأخير الصادر في شهر فبراير الماضي باعتبار جهاز المخابرات بالعاصمة الإدارية مكان مرخص قانوني لإيداع المتهمين فيها، بموجب قرار وزير الداخلية الصادر في 15 فبراير 2022، برقم 371 لسنة 2022، الذي ينص على «يعد مقر المخابرات العامة بالعاصمة الإدارية الجديدة من الأماكن المرخص بها قانوناً بإيداع المتهمين فيها، وذلك في القضايا التي تمس الأمن القومي وأمن الدولة، من جهة الخارج، وفقاً للضوابط القانونية المقررة في هذا الشأن.

وهو ذات التوجه السابق باعتبار المباني التابعة لهيئة الرقابة الإدارية من نفس الطبيعة القانونية، أي من الأماكن المرخص قانونا بإيداع المتهمين فيها ذلك في القضايا التي يتم ضبطها بمعرفة الهيئة وفقا للضوابط القانونية المقررة في هذا الشأن وذلك بموجب قرار وزير الداخلية 2038 لسنة 2013. وذلك بتاريخ 11/9/2013.

ونص القرار على عدد من أماكن الرقابة لإدارية بـ 27 محافظة، ونص كذلك على إلغاء قرار وزير الداخلية رقم 18877 لسنة 2004 بشأن تحديد غرف الحجز بمقار هيئة الرقابة الإدارية.

وتصعب النوعية من الأماكن الخاضعة لجهات أخرى لا يتبع وزارة الداخلية ولها قانونها ونظامها الخاص، القيام بعملية الإشراف القضائي على مثل هذه الأماكن خاصة في فترة الاحتجاز والتحقيقات الاستدلالية الأولى من جانب هذه الأجهزة، ولا يوجد أي ضمانة خاصة بإعمال حق هؤلاء المتهمين في الاتصال بمحاميهم أو زيارة ذويهم في هذه الفترة. بما يؤدي إلى سهولة الضغط المادي والمعنوي على هذه النوعية من المتهمين، في ظل غياب ضمانات الحق في الدفاع وحقهم في مساعدة محام.

تعديلات شكلية بالقانون:

صدر أخيرا القانون رقم 14 لسنة 2022 بتعديل القانون 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون، والذي تضمن عدة تعديلات على مسميات أنواع السجون السابق الإشارة إليها، وكذلك تعديل مسميات للقانون ذاته وإدارات السجون، حيث عدل من المسميات السابق الإشارة إليها لأنواع السجون والمنصوص عليها في المادة الأولى. وهو تعديل شكلي لم يحدث فارقا كبيرا في تغيير فلسفة العقاب في هذه المؤسسات.

حيث أشار التعديل في المادة الأولى من القانون إلى ثلاث أنواع من السجون هي -مراكز إصلاح وتأهيل عمومية بدلا من “الليمانات والسجون العمومية”، مراكز إصلاح جغرافية بدلا من “السجون المركزية”، كما أبقى على بديلا عن ” السجون الخاصة “، بمسمى مراكز إصلاح وتأهيل خاصة تنشأ بقرار من رئيس الجمهورية، ويحدد فيه فنات النزلاء الذين يودعون بها، وكيفية معاملتهم، وشروط الإفراج عنهم. مشيرا في صدر هذه المادة إلى خضوع هذه الأماكن للإشراف القضائي وتهدف إلى رعاية وتأهيل المحكوم عليهم اجتماعيا وثقافيا.

وأعطى في نص بديل للنص السابق لوزير الداخلية قرارا بتحديد الجهات التي تنشأ بها مراكز الإصلاح والتأهيل العمومية والجغرافية. كما أوكل التعديل للائحة الداخلية ضوابط وإجراءات إيداع المحكوم عليهم بالمراكز المشار إليها بالفقرة السابقة من هذه المادة.

وتنفذ الأحكام الصادرة ضد الأشخاص المودعين في مركز إصلاح وتأهيل عمومي، هم المحكوم عليهم بعقوبة السجن، والمحكوم عليهم بعقوبة الحبس لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر إلا إذا كانت المدة الباقية وقت صدور الحكم عليهم اقل من ذلك، كما تنفذ العقوبة في مركز إصلاح جغرافي على الأشخاص الذين لم يرد ذكرهم في البندين السابقين.

وكذلك استبدل التعديل بعض المسميات الخاصة بإدارات السجون من مسمى القانون ” في شان تنظيم السجون” إلى ” تنظيم مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعي”، ومن” قطاع السجون ” إلى ” قطاع الحماية المجتمعية “. الخ.

كما جاءت التعديلات الأخرى في مجال تشجيع النزلاء على الاطلاع والتعليم وتيسير الاستذكار وكيفية تمكين السجناء من حضور الامتحانات. إلا انه ل تضع ضمانات كافية لنيل هذه الحقوق.

أماكن الاحتجاز من غير السجون

حدد قانون السجون رقم 396 لسنة 1956، السجون المختلفة التي يودع بها السجناء على اختلاف أنواعهم، لكن صدر قرار سابق في يناير 1969 برقم 5 لسنة 1969، باعتبار أماكن الحجز الحالية الملحقة بالمراكز والأقسام أو نقط الشرطة أو إدارات البحث الجنائي أو فروعها من الأماكن التي يجوز أن يودع بها المسجونين والمتحفظ عليهم والمحجوزين وكل من تسلب حريتهم على أي وجه.

طبعا باستثناء مراكز وأقسام الشرطة المفترض أنها تخضع لرقابة النيابة العامة مع محدودية دورها، لكن هل تخضع الأماكن الأخرى للإشراف القضائي من أي نوع؟ وهل هي تمثل نوعا من السجون المركزية، حيث دأبت قرارات وزارة الداخلية على اعتبار بعض الأماكن الملحقة بمراكز وأقسام الشرطة سجونا مركزية.

وتشير المعلومات إلى أن عدد السجون المركزية يبلغ (122 سجنا): واغلب هذه السجون ملحقة بمراكز وأقسام الشرطة المختلفة في المحافظات. و، بينما يبلغ عدد أقسام ومراكز الشرطة (320 قسم ومركز): ويأتي اغلبها في محافظة القاهرة بـ 44 قسم شرطة بنسبة 13.75 %، يليها محافظة الدقهلية بـ 22 قسم ومركز بنسبة 6.87 %، يليها محافظة الجيزة بـ 20 قسم ومركز بنسبة 6.25 %، يليها محافظة الشرقية بـ 19 قسم ومركز بنسبة 5.93 %، ثم الإسكندرية في الترتيب التالي بـ 18 قسم شرطة بنسبة 5.62 %، يلها البحيرة بـ 17 قسم بنسبة 5.31 %، يليها القليوبية بـ 14 قسم بنسبة 4.37 %، يليها أسيوط بـ 13 قسم ومركز شرطة بنسبة 4.06 %، يليها محافظات ( المنوفية، كفر الشيخ، سوهاج، و قنا) بـ 12 قسم ومركز بنسبة 3.75 %،يليها محافظات (الغربية، شمال سيناء، المنيا ) بـ 11 قسم ومركز بنسبة 3.43 %.

بينما تبلغ سجون النساء أو التي تضم قسماً خاصاً بالنساء، 9 سجون وهي: (سجن القناطر، وسجن دمنهور، وسجن بورسعيد، وسجن المنصورة، سجن شبين الكوم، سجن طنطا، سجن المنيا العمومي، وسجن أسيوط، وسجن أبو قرقاص المركزي).

من جهة أخرى بلغ عدد السجون المصرية الرئيسية قبل ثورة يناير 43 سجنا، موزعة على 18 محافظة، بينما بلغ عدد السجون الجديدة التي صدرت قرارات بأنشائها بعد ثورة يناير وحتى الآن، أي خلال 10 سنوات، 35 سجنا، لتضاف إلى 43 سجنا رئيسيا كانوا يعملون قبل ثورة يناير، ليصبح عدد السجون الأساسية نحو 78 سجنا من مختلف الأنواع[6].

المبحث الثاني: تبعية السجون ومواصفات العاملين بإداراتها

تؤكد المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان وعلى وجه الخصوص قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء على عدد من الصفات والشروط والمهام الخاصة بالعاملين في المؤسسات العقابية ومن يديرونها أولها العقلية الحديثة التخصص، التفرغ، الصفة المدنية على النحو الاتي:

1/ اتصافهم بالعقلية الحديثة: حيث يجب ألا ينظر العاملون بالمؤسسة العقابية إلى المحكوم عليه بانه ” مجرم أثيم ” وإنما ينبغي النظر إليه على انه شخص لم يستطع التالف والتكيف مع المجتمع الذي يعيش فيه، وان من واجبهم مساعدته والعمل على إعادته مرة أخرى إلى المجتمع إنسانا سويا صالحا، ويتطلب ذلك أن يكون العاملون بهذه المؤسسات على قدر كبير من الثقافة القانونية والفنية المتعلقة بالمعاملة العقابية وأيضا بالدراسات الجنائية في علم الإجرام.

2/ التخصص: لا يقتصر هذا التخصص في العمل الفني أو الإداري الموكل إليهم القيام به، أو إنما ينبغي بالإضافة إلى ما سبق التخصص في ممارسة العمل في المؤسسات العقابية، عن طريقين: الأول: التدريب وهذا يتطلب إنشاء معاهد متخصصة لإعداد اشخص مؤهلين للقيام بالعمل داخل المؤسسات العقابية، وثانيا: الخبرة العملية تكتسب بالممارسة الفعلية داخل المؤسسة العقابية.

3/ التفرغ: يعني ألا يجمع العاملون في المؤسسات العقابية بين العمل فيها واي عمل أخر، بل التفرغ التام للعاملين في المؤسسة العقابية. وتعد المناصب الإدارية العليا داخل المؤسسة العقابية من اهم المناصب والوظائف التي يشترط بالنسبة إليها التفرغ التام. ويستثنى من شرط التفرغ بعض الوظائف التي يقوم بها العامل داخل المؤسسة العقابية بصورة عرضية كالأطباء مثلا.

4/ الصفة المدنية: في الفكر العقابي التقليدي انحصرت وظيفة العاملين في المؤسسات العقابية في مجرد منع المحكوم عليهم من الهرب والتصدي بكل حزم وشراسة لأي محاولة للخروج على النظام داخل المؤسسة، ولذلك كان من الطبيعي أن يكون العاملون بالمؤسسات العقابية من رجال الشرطة أو الجيش أو أشخاص ينتمون إلى مؤسسات ذات طبيعة أو صفة عسكرية، وحيث تتغير الوظيفة فيجب أن تتغير صفة العاملين بهذه المؤسسات إلى أشخاص ذوي صفة مدنية.

ـ تؤكد هذه الصفة على أهمية العلاقات بين العاملين والسجناء: والحقيقة أن اهم مظهر في السجن هو البعد الإنساني، بما أن السجون تعني أساسا بالأشخاص، واهم مجموعتين في أي سجن هما مجموعتي السجناء والعاملون القائمين عليهم، وبالتالي يكمن الأساس في الإدارة الجيدة للسجن في طبيعة العلاقة بينهما.

إذن دور العاملين بالسجون يجب أن يشمل عدة أدوار أهمها: معاملة السجناء بشكل لائق وإنساني وعادل؛ ضمان سلامة كل السجناء؛ السهر على تفادي فرار السجناء الخطرين؛ ضمان وجود النظام والسيطرة في السجون: منح السجناء فرصة استغلال وقتهم في السجن بشكل إيجابي بما قد يتضمن إعادة إدماجهم في المجتمع بعد الإفراج عنهم.

فموظفي السجون ليسوا مجرد حراس مهمتهم الوحيدة تتمثل في تجريد الأشخاص من حريتهم، وليسوا جلادين كذلك مهمتهم فرض عقوبات أكثر من ذلك المفروضة من طرف السلطات القضائية، بل عليهم الجمع بين الدور الاحتجازي والدور التعليمي والإصلاحي. وبذلك يتطلب العمل في السجن مزيجا فريدا من الصفات الشخصية والمهارات الفنية، موجودة في أي مهنة أخرى من القطاع العمومي. ويجب أن تكون لدي العاملين بالسجون الصفات الشخصية التي تمكنهم من التعامل مع السجناء بمن فيهن صعبي المراس الخطرون، ذلك بشكل حيادي إنساني عادل.

هذا يعني أن تكون عمليات التوظيف والاختيار صارمة حتى تتمكن المؤسسة من توظيف من تتوافر فيهم الصفات المناسبة دون غيرهم[7].

إذن يجب القيام بمهمة السجون في التحفظ على السجناء وحماية المجتمع من الجريمة بالتوازي مع الأهداف الاجتماعية الأخرى للدول ومسئولياتها الأساسية لتعزيز رفاهية وتنمية كل أعضاء المجتمع. مبدا 4 من المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء، وخلال أدائهم لمهامهم على مأموري الضبط القضائي احترام وحماية الكرامة الإنسانية والحفاظ على حقوق الإنسان واحترامها لدى جميع الأشخاص. (المادة 2 ـ مدونة السلوك لمأموري الضبط القضائي).

بالرغم من الصفة المدنية للسجون فانه يبقى نظام السجون نفسه مبني على أساس الانضباطية والتسلسل الهرمي كمؤسسة، فالسجون بطبيعتها ليست ديمقراطيات وتعمل بشكل صحيح، فيجب أن تكوين ثمة سلم واضح للقيادة وتسلسل الأوامر. وهذا ينطبق على معظم كبرى المؤسسات عموما وينطبق خاصة على بيئة السجون، حيث يجب أن يدرك الكل دوما احتمالية وقوع الاضطرابات وأعمال الشغب، ومن المهم وجود نظام ذو وضعية مدنية، ومع ذلك شديد الانضباطية.

5/ أهمية تدريب العاملين: تؤكد قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء على أهمية تدريب العاملين بالسجون، وبشكل خاص كبار المسئولين حيث يجب أولا العمل على تدريب هؤلاء العاملين بالشكل المناسب، حيث أن معظم الموظفين الجدد لا يملكون إلا خبرة أو معرفة قليلة أو منعدمة فيما يتعلق بعالم السجون، ويجب إيصال الرسالة بوضوح والتي مضمونها أن كل المهارات الفنية التي سيتم تعليمها لاحقا ترتكز على أساس الإيمان بكرامة وإنسانية كل من هم مرتبطين بالسجون، وذلك يشمل كل السجناء أيا كانوا و أيا كانت الجرائم التي حكم عليهم بسببها وكل العاملين و الزوار. ويحتاج ذلك إلى تلقى العاملين التعليم على المهارات الضرورية للتعامل مع البشر الآخرين بمن فيهم أولئك صعبي المراس وغرباء الأطوار للغاية، لكن بأسلوب لائق وإنساني.

يجب أن يتم اختيار العاملين بجدية، وتدريبهم بشكل مناسب والإشراف عليهم، و دعمهم، فالعمل في السجون يتطلب الكثير، فهو يطلب العمل مع رجال ونساء سلبت منهم حريتهم، وقد يعاني الكثير منهم من اضطرابات عقلية والإدمان، وقد يشكل بعضهم تهديدا على عام الشعب، في حين يكون البعض خطيرا, وسيحاول البعض الآخر جاهدا الفرار فلا أحد منهم يرغب في أن يكون في السجن.

كما ينبغي حصول كبار الموظفين بالسجون عل مستوى أعلى من التدريب وهذا ينطبق سواء إذا ما تم توظيفهم مباشرة عند ذلك المستوى أو تدرجوا حسب الرتبة، ولا يمكن الافتراض أن الخبرة كافية بمفردها لكي يكون الأشخاص عند مستويات اعلى في إدارة السجون. وتدريب العاملين المتخصصين لا سيما العاملين الطبيون. والالتزام بتطبيق كامل المسئوليات الأخلاقية لمهنتهم.

ومن ضمن معايير التأهيل التركيز على دور إدارات السجون الإيمان بعدد من الاعتبارات الرئيسية أهمها:

ـ الأخذ في الاعتبار الاحتياجات الفردية للسجناء، وخصوصاً الفئات الأضعف في بيئات السجون

ـ اتخاذ التدابير لحماية وتعزيز حقوق السجناء ذوي الاحتياجات الخاصة

ـ ضمان إعادة إدماج المسجونين في المجتمع بعد إطلاق سراحهم، بحيث يتمكَّنون من العيش معتمدين على أنفسهم في ظلِّ احترام القانون.(ق4)

فهل يحصل العاملين بالسجون المصرية بما فيها أقسام الشرطة التابعة اغلب لسجون المركزية بتدريب كاف للقيام بهذه الوظائف وتزويدهم بمهارات التعامل مع السجناء، بما يمنعهم من تجاوز واجباتها القانونية بممارسة التعذيب البدني أو المعنوي على السجناء والمحتجزين، قد يخضع بعضهم لتدريبات قانونية على حقوق الإنسان، إلا أنها لا يتم تطبيقها في الواقع العملي، حيث الضابط القوى والذي يخيف السجناء و يمارس عنفا سواء بدنيا أو لفظيا حتى ضدهم هو النموذج الذي ترى فيه الإدارة هو الأصلح وهو الذي يحقق الأمن الجنائي.

وينبغي التأكيد على إنَّ الحبس وغيره من التدابير التي تفضي إلى عزل الأشخاص عن العالم الخارجي تدابير مؤلمة من حيث إنها تسلب الفرد حقَّه في تقرير مصيره بحرمانه من حرِّيته. ولذلك لا ينبغي لنظام السجون، إلاَّ في حدود مبرِّرات العزل أو الحفاظ على الانضباط، أن يفاقم من المعاناة الملازمة لمثل هذه الحال (القاعدة 3)؛ وينبغي لنظام السجون السعي إلى التقليص الفوارق بين حياة السجن والحياة الحرَّة إلى أدنى حد. وهي فوارق من شأنها أن تهبط بحس المسؤولية لدى السجناء أو بالاحترام الواجب لكرامتهم البشرية. (القاعدة 5)

على هذا المستوى سنجد غيابا كاملا لمعايير التوظيف السابقة للعاملين في السجون سواء كبار العاملين أو صغار العاملين، فأغلبهم يتبعون لوزارة الداخلية من الجانب الشرطي، وقليل من المدنيين الذين لا يملكون أي سلطة حقيقية في التعامل مع المؤسسات العقابية، وهم تابعون للقيادات الأمنية المسيطرة على السجن بدءا بمأمور السجن ورئيس المباحث، والمسئولين التابعين للأمن الوطني الموجودين في السجن خاصة بالليمانات والسجون العمومية. ولا يوجد ما يمنع من وجود ضباط وجهت إليهم انتقادات سابقة في عملهم بمقار احتجاز أخرى سواء في ممارسة جرائم التعذيب أو القيام بالضغوط النفسية والمادية على السجناء. ورغم وجود توجه عقابي يشير إلى إنشاء إدارة قضائية تشرف على التنفيذ العقابي، إلا أن المشرع قد تجاهل هذه المطلب بشكل واضح.

أهمية وجود إدارة قضائية تشرف على التنفيذ العقابي:

يبرز اتجاه قانوني في الدراسات العقابية تشير إلى ضرورة إنشاء إدارة عقابية تتبع القضاء تشرف على التنفيذ العقابي للمحكوم عليهم داخل السجون والمؤسسات العقابية، إلا أنه لا يتم الأخذ بهذا المبدأ على إطلاقه داخل المؤسسات العقابية.

ويذهب الرأي الحديث في علم العقاب إلى ضرورة امتداد سلطة القضاء إلى الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي حتى الإفراج عن المحكوم عليه، وقد أدى إلى بروز هذا الاتجاه الذي لحق الجزاء الجنائي في صورتيه: العقوبة والتدبير الاحترازي كنتيجة لاعتبار التأهيل هو الغرض الأساسي للجزاء الجنائي.

فيما يتعلق بالعقوبة وجد نظام الإفراج الشرطي والبارول، ويعني كل منهما اطلاق سراح المحكوم عليه قبل انتهاء مدة العقوبة المحكوم بها، وتغيير مدة العقوبة بهذه الصورة يعتبر تعديلا للحكم القضائي وهو أمر لا يملكه غير القضاء نفسه، كذلك تتطلب مقتضيات التأهيل أحيانا تعديل النظام العقابي الذي يخضع له المحكوم عليه بنقله من درجة لأخرى، ولا شك أن هذا التعديل يمس حقوق المحكوم عليه الأمر الذي يطلب أن يعهد به إلى القضاء وحده، وفيما يتعلق بالتدابير الاحترازية فقد اتسع نطاق الأخذ بها في التشريعات الجنائية الحديثة نظرا لما لها من دور في مواجهة الخطورة الإجرامية، وتتميز هذه التدابير أنها غير محددة، وانها يجب أن تتغير سواء من حيث المدة أو النوع حتى تتلاءم من التغير الذي يطرأ على الخطورة الإجرامية، فإذا كان الحكم القضائي يحدد تدبيرا معينا فإنه لابد من تدخل القضاء بعد ذلك لتغيير نوع التدبير إذا اقتضى الأمر ذلك، أو لإنهاء مدته إذا ثبت انقضاء الخطورة الإجرامية لدى المحكوم عليه.

ويستند هذا الأمر إلى أن التعديل في مدة العقوبة أو التدريب والنقل من مؤسسة لأخرى أو من درجة لأخرى داخل المؤسسة الواحدة عمل قضائي يمس حقوق المحكوم عليهم فلابد أن يعهد به إلى القضاء، لا يجوز أن يترك شانه إلى الإدارة العقابية، لأن ذلك يعني ممارسة الإدارة لعمل هو من صميم اختصاص القضاء. وفي ذلك اعتداء واضح على مبدأ الفصل بين السلطات، وترك حقوق المحكوم عليهم فيها لاحتمال تعسف القائمين على إدارة المؤسسة العقابية[8].

وقد تأثر أغلب التشريعات الحديثة بهذا الاتجاه فقرر منح القاضي سلطة الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي، وإن اختلفت الأساليب التي انتهجتها هذه التشريعات استجابة لهذا الاتجاه.

كما أن وجود مؤسسة مختصة بذلك تشرف على التنفيذ العقابي بالسجون أمر يؤكد الضمانات الخاصة بحقوق السجين، وضمان عدم انفراد الجهات الأمنية في التعامل معه، سواء من ناحية اتخاذ عقوبات تأديبية أو عرفية في حال مخالفته للوائح وقانون السجون.

ولا زالت وزارة الداخلية تشرف على قطاع السجون حتى وإن تغيرت تسميته إلى قطاع الخدمة المجتمعية، وتشرف كذلك على عدد لا حصر له من الهيئات المفترض أنها أقرب للعمل المدني مثل قطاع الأحوال المدنية، وتراخيص السيارات، وإصدار جوازات السفر.

أزمة تبعية السجون لوزارة الداخلية:

تفضل الاتجاهات الدولية ومنها قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء أن تكون السجون تابعة لجهات مدنية وليست عسكرية أو أمنية، حيث إنها تنص على عدد من الجوانب الخاصة بالعاملين بالسجون وضرورة تأهيلهم ليكونوا عاملين في السجون. ومع تغير النظرة لدور المؤسسات العقابية واعتبارها مكانا للإصلاح والتهذيب. فقد ظهرت اتجاهات تنادي بضرورة أن يتصف العاملون في المؤسسات العقابية بالصفة المدنية لا العسكرية.

من ناحية أولى: ترتبط اعتبارات المعرفة الفنية والقدرة على القيام بالدور التهذيبي داخل المؤسسة العقابية بالصفة المدنية، أكثر من ارتباطها بالصفة العسكرية.

ـ من ناحية ثانية، ثبت أن قيام رجال الشرطة أو الجيش بالوظيفة العقابية يحول دون إمكان قيام علاقة من الثقة والتعاون بينهم مما سيحول دون الحصول على نتائج مثمرة من برامج المعاملة العقابية.

وبذلك استقر الراي الحديث في علم العقاب على ضرورة إبعاد العاملين في المؤسسات العقابية عن الصفة العسكرية لهم، ولكن هذا لا يمنع من إمكانية ارتداء العاملين زيا خاصا أو حملهم السلاح ليتمكنوا من أداء دورهم في حراسته.

يعتبر السجن جزء من منظومة العدالة الجنائية، وفي المجتمعات الديمقراطية يرسل الناس إلى السجن من طرف قضاة مستقلين تعينهم السلطات المدنية، وينبغي أن تكون السجون أيضا تحت تبعية السلطة المدنية

وهذا يعني بالضرورة وجود فصل تنظيمي واضح بين الشرطة وإدارات السجون، فالشرطة مسئولة عموما عن تحري الجرائم وتوقيف المجرمين، لدى اعتقال أو توقيف شخص ما يعني أن يمثل فور المستطاع أمام السلطة القضائية، ومن ثم يسلم لإدارة السجون. في العديد من البلدان تخضع إدارة الشرطة لوزارة الداخلية، في حين أن إدارة السجون موضوعة تحت سلطة وزير العدل، وهذه احدى السبل لضمان فصل السلطات، ولتأكيد العلاقة الوطيدة الواجب إنشاؤها بين السلطة القضائية ونظام السجون.

ينبغي في هذا الاطار التأكيد على فكرة فصل الشرطة عن السجون: ووضع إدارة السجون ضمن نطاق وزارة العدل تتأكد الصلة الوطيدة التي تربط بين النظام القضائي وعملية إيداع المواطنين بالحجز، كما أنها تفصل عمل الشرطة عن ذات الذي تقوم به أنظمة السجون، هذا أمر هام لان عملية التحقيق يجب أن تكون مستقلة عن عملية الحبس الاحتياطي خلال مرحلة الاتهام حتى لا يضع المشتبه بهم تحت الإكراه. فالشرطة في العديد من البلدان في الواقع وحدات عسكرية لها رتب عسكرية ومنظمة بشكل عسكري، ويمكن أن تستدعيها الحكومة إن اقتضى الأمر للعمل كقوة عسكرية، وهذا لا يتماشى بسهولة بالصفة المدنية التي يتطلبها الكادر الوظيفي بالسجون.

في البلدان الديمقراطية غالبا ما تكون إدارات السجون بمثابة سلطة عمومية موضوعة تحت سلطة وزارية بالحكومة، وأصبح من الشائع أن تكون وزارة العدل الوزارة الحكومية المسئولة عن السجون[9].

لكن لا يزال لدينا تصميم مستمر في الحالة المصرية على تبعية السجون لوزارة الداخلية، وبشكل خاص قطاع مصلحة السجون، والتي تشرف على الليمانات والسجون العمومية بينما تتبع السجون المركزية لمديريات الأمن في المحافظات، وقننت وزارة الداخلية تبعية بعض الأماكن لجهات أخرى جهات احتجاز للمخابرات العامة بالعاصمة الإدارية الجديدة، وأماكن احتجاز تابعة لهيئة الرقابة الإدارية بالمحافظات المختلفة، فضض عن اتساع أماكن الاحتجاز الأخرى مثل معسكرات الأمن المركزية ومقار الأمن الوطني على مستوى الجمهورية. التي يصعب متابعتها والرقابة عليها.، وهو ما يؤدي إلى غياب جهة موحدة تديل وتشرف على السجون بكافة أنواعها، وضمان وجود رقابة قضائية وإدارية كافية.

المبحث الثالث: الإشراف القضائي والحقوقي على السجون وأماكن الاحتجاز

تؤكد قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء على أهمية موضوع التفتيش على السجون من خلال النقاط التالية:

ـ وجود تفتيش منتظم لمؤسسات السجون وخدماتها: من خلال عمليات تفتيش داخلية أو إدارية تقوم بها الإدارة المركزية للسجون؛ وكذلك عمليات تفتيش خارجية تقوم بها هيئة مستقلة عن إدارة السجن، ممَّا قد يشمل هيئات دولية أو إقليمية مختصَّة. واستحدث هذا النص في التعديلات الأخيرة التي أجريت على تلك القواعد في 2015، ويكون هدف التفتيش التأكد من إدارة هذه المؤسسات طبقا للقوانين والأنظمة وبغرض تحقيق الأهداف الإصلاحية. وضمان حماية حقوق السجناء، ويُقدَّم عقبَ التفتيش تقريرٌ كتابي إلى السلطة المختصَّة. ويُولى الاعتبار الواجب لإتاحة الاطلاع العام على تقارير عمليات التفتيش الخارجي بعد استبعاد أيِّ بيانات شخصية تتعلق بالسجناء ما لم يُبدوا موافقتهم الصريحة على ذلك.

تبيِّن إدارة السجن أو غيرها من السلطات المختصَّة، حسب الاقتضاء، في غضون فترة زمنية معقولة، ما إذا كانت ستنفِّذ التوصيات المنبثقة عن التفتيش الخارجي. من ناحيته وردت عدة نصوص بالنظام القانوني المصري وتناول الإشراف القضائي والإداري على مرفق السجون جاء على النحو الاتي:

ـ الإشراف القضائي والإداري على السجون في القانون المصري:

هناك نوعين من الإشراف على السجون الأول قضائي من خارج السجن يتمثل في النيابة العامة وقضاة المحاكم الابتدائية والتابعين للسلطة القضائية، والنوع الآخر إداري داخل مصلحة السجون، وهناك نوع من الرقابة الخارجية يتمثل في دور المحافظين، والمجلس القومي لحقوق الإنسان. ومنظمات حقوق الإنسان التي لم تتناولها أبدا نص قانون السجون.

1 / الإشراف الخاص بالنيابة العامة والسلطة القضائية:

تضمن قانوني الإجراءات الجنائية والسجون عدد من الواجبات الخاصة بهذا الشأن. حيث تنص المادة 42 من قانون الإجراءات الجنائية على هذا النوع من الإشراف التابع للنيابة العامة وقضاة المحاكم. مؤكدا على دور أعضاء النيابة العامة ورؤساء ووكلاء المحاكم الابتدائية والاستئنافية زيارة السجون العامة والمركزية الموجودة في دوائر اختصاصهم. ولهم في سبيل ذلك الصلاحيات التالية:

ـ التأكد من عدم وجود محبوس بصفة غير قانونية

ـ الاطلاع على دفاتر السجن وعلى أوامر القبض والحبس واخذ صور منها.

ـ الاتصال باي محبوس وسماع أي شكوى خاصة به.

ـ التزام مديرو وموظفي السجن بتقديم المساعدة لحصولهم على المعلومات التي يطلبونها منهم.

كما اقر قانون السجون هذا المبدأ بشكل أشمل وأضاف للمهام السابقة مهام إضافية أخرى، كما قصر هذا الحق في هذا النص على التأكيد على دور النيابة العامة في هذا الإشراف من خلال:

ـ حق النائب العام ووكلائه في دوائر اختصاصهم في الدخول في جميع أماكن السجن في أي وقت للتحقيق من:

(1) أن أوامر النيابة وقاضي التحقيق في القضايا التي يندب لتحقيقها وقرارات المحاكم يجرى تنفيذها على الوجه المبين فيها.

(2) أنه لا يوجد شخص مسجون بغير وجه قانوني.

(3) عدم تشغيل مسجون لم يقض الحكم الصادر ضده بتشغيله فيما عدا الأحوال المبينة في القانون.

(4) عزل كل فئة من المسجونين عن الفئة الأخرى ومعاملتهم المعاملة المقررة لفئتهم.

(5) أن السجلات المفروضة طبقاً للقانون مستعملة بطريقة منتظمة.

وعلى العموم مراعاة ما تقضي به القوانين واللوائح واتخاذ ما يرونه لازماً بشأن ما يقع من مخالفات.

ـ قبول شكاوى المسجونين وفحص السجلات والأوراق القضائية للتحقق من مطابقتها للنماذج المقررة.

وعلى مأمور السجن أن يوافيهم بجميع ما يطلبونه من البيانات الخاصة بالمهمة الموكول إليهم القيام بها.(م 85) التعديل الأخير بموجب القانون 106 لسنة 2015

وقصر حق رؤساء ووكلاء محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية وقضاة التحقيق في الدخول في كل وقت في السجون الكائنة في دوائر اختصاص المحاكم التي يعملون بها. إلا انه لم يشملهم بالمهام السابقة. وكان أولى أن يعطيهم المهام المعطاة للنائب العام ووكلائه، إلا أنه قانون الإجراءات الجنائية يمثل القانون العام فيما يتعلق بالمعاملة العقابية فهو الذي تطبق نصوصه في حالة غياب هذه النصوص عن القانون الخاص وهو قانون السجون.

ـ حق رئيس ووكيل محكمة النقض حق الدخول في جميع السجون. وعلى إدارة السجن أن تبلّغ الملاحظات التي يدونونها إلى المدير العام. (م 86)

2 /الإشراف الإداري من جانب قطاع السجون:

فضلا عن ذلك أغطى قانون السجون لمساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون عدد من الحقوق الخاصة بالإشراف على مرفق السجن والتفتيش عليها في أي وقت.

ـ حق المفتشون والمفتشات التابعين لمصلحة السجون في التفتيش على السجون للتحقق من استيفاء شروط النظافة والصحة والأمن داخل السجن، ومن تنفيذ كافة النظم الموضوعة للسجن، ويرفعون تقاريرهم في هذا الشأن إلى مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون. (م 83)

3ـ الرقابة الإدارية من جانب الجهات الحكومية المحلية:

كما نص هذا القانون على رقابة من نوع أخر لكل من المحافظين أو المديرين، ومن غير الواضح أي نوع من المديرين يقصد هذا النص الوارد بموجب القانون 106 لسنة 2015. هل هو المقصود بها مديري المصالح الحكومية العامة في المحافظة أم نوع آخر؟ حيث نص على حق للمحافظين والمديرين في الدخول في السجون الكائنة في دوائر اختصاصهم في كل وقت، وعلى إدارة السجن أن تبلغ الملاحظات التي يدونونها إلى مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون. (م 84)

ولا يوجد إشارات إعلامية أو رسمية تشير إلى قيام المحافظين باستخدام هذا الحق في الرقابة على السجون التابعة لهم في محافظاهم.

ويلاحظ أن الدور الذي ينص عليه القانون لمفتشي ومفتشات السجون أو المحافظين والمديرين لا يتضمن حق هؤلاء بالاتصال بالسجناء وتلقى الطلبات والشكاوي منهم وتدقيقها، فالطائفة الأولى لا تملك سوى رفع تقاريرها الخاصة باستيفاء الشروط والنظافة والصحة والأمن داخل السجن، والثانية تبلغ ملاحظاتها إلى مدير عام السجون[10].

4/ حق المجلس القومي لحقوق الإنسان في زيارة السجون:

ـ أجاز قانون السجون 396 لسنة 1956 بموجب التعديلات التي أجريت في عام 2015 لأعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان زيارة السجون، إلا أنه قيدها بعدد من القيود منها ضرورة موافقة النائب العام.

وحدد دور أعضاء المجلس بتلقي الشكاوى من المسجونين وإعداد تقارير ورفعها لمساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون والنيابة العامة المختصة، وذلك وفقاً للإجراءات والضوابط التي تحددها اللائحة الداخلية. (م 73)

كما عدلت اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم السجون الصادرة برقم 79 لسنة 1961 ونصت على عدد من الإجراءات في شان هذا الإشراف حيث نصت المادة 76 مكرر وهي مادة مضافة للائحة” على انه يجوز لأعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان زيارة السجن وتفقد مرافقه وتلقى شاوي المسجونين، طبقا لأحكام المادة 73من قانون تنظيم السجون، وذلك بعد الحصول عل تصريح مسبق من النائب العام محددا به السجن المصرح بزيارته وأسماء الزائرين من الأعضاء مع تقديم التسهيلات اللازمة لتنفيذ تلك الزيارات وذلك في المواعيد التي تحددها إدارة السجن و خلال فترا ت العمل الرسمية، وتكون زيارة المسجونين بموافقة مسبقة من النيابة العامة محددا بها أسماء المسجونين المطلوب زيارتهم وبعد موافقة المسجون على إتمام الزيارة وتحديد الغرض من الزيارة على أن يلتزم الزائرون بالإجراءات التأمينية المتبعة داخل كل سجن.

وفي بداية نص المادة إشارة إلى مراعاة المادة 43 من قانون السجون التي تجيز منع الزيارة مطلقا أو مقيدا بالنسبة إلى الظروف في أوقات معينة لأسباب صحية أو أمنية. وهو ما يؤدي لإضافة قيود متعددة على هذا الحق. (نص هذه المادة تم إضافته بموجب قرار وزير الداخلية رقم 345لسنة 2017) وتكاد تجهضه تماما من خلال:

ـ أن هذا النوع من الزيارات يتطلب وجود قرارين من النيابة العامة لأعضاء المجلس القومي الأول تصريح مسبق من النائب العام يتضمن السجن المصرح بالزيارة وأسماء الزائرين. وإذا أراد أعضاء المجلس مقابلة المسجونين فعليهم الحصول على موافقة أخرى مسبقة من النيابة العامة يتحدد فيها أسماء المسجونين المطلوب زيارتهم ويتطلب كذلك موافقة المسجون على إتمام الزيارة وتحديد الغرض منها، مع الالتزام بالإجراءات التأمينية داخل كل سجن، وقد يؤدي النص لرفض إدارة السجن مقابلة السجين من الأساس رغم الموافقة التي قد يحصل عليها المجلس، فضلا عن أن النص يتجاهل حق أعضاء المجلس في مقابلة السجناء بشكل تلقائي أثناء زيارتهم وإجراء حوار معهم حول شكاواهم، كما أن ذلك أيضا يتجاهل قيام السجناء بطلب مقابلة أعضاء المجلس أثناء زيارتهم أيضا، وكما نرى فالنص تعمد وضع عقبات متعددة لإجهاض الهدف من النص الوارد في قانون تنظيم السجون.

كما أن الإشارة إلى المادة 43 من قانون تنظيم السجون الخاصة بحق إدارة السجن في منع الزيارة عن سجون معينة، يشير إلى استحالة زيارة أعضاء المجلس للسجون الممنوع عنها الزيارة بموجب قرار الوزارة، كما أن من حق الوزارة طبقا لهذا النص أن تتذرع بأسباب أمنية أو صحية تحول دون زيارة سجن معين أو سجين بعينه.

وإعمالا لهذه النصوص التي تتضمنها تعديل اللائحة، حدث إعاقة لتطبيق النص تطبيقا كاملا ونزيها، حيث صدرت إشارات عديدة في التقارير السنوية للمجلس القومي لحقوق الإنسان الأخيرة تشير إلى رفض حاسم ومستمر من قبل قيادات السجون قيام أعضاء المجلس بزيارة العنابر الخاصة بالسجن، بمبرر أن ذلك يتطلب إذنا خاصة من النيابة العامة.

على سبيل المثال تشير تقارير المجلس إلى بعض الملاحظات بهذا الشأن على النحو الآتي:

ـ أثناء زيارة أعضاء المجلس لسجن المنيا شديد الحراسة في 4/12/2019 واجه المجلس عدة معوقات منها:

ـ عدم السماح بزيارة العنابر، حيث أكد السيد مساعد وزير الداخلية انه لا يسمح بدخولها إلا بموافقة مسبقة من النائب العام.

ـ عدم وجود شكوى من قبل النزلاء، وكذلك وجود عدد كبير من قيادات وزارة الداخلية والسجن مما أعاق بعض أعضاء الوفد عن ملاحظة كل الأماكن في وقت الزيارة. وطالب المجلس بضرورة التنسيق مع الجهات المعنية قبل الزيارة لاستخراج تصريح بدخول العنابر لمقابلة أكبر عدد من السجناء وتعريف مشكلاتهم ورصد حالة العنابر.

ـ كما لاحظ المجلس بخصوص زيارة سجن جمصة شديد الحراسة / ليمان في 13/11/2019

ـ عدم تمكن إدارة السجن الوفد من تفقد العنابر والغرف الخاصة بالنزلاء للوقوف على مدى سعة السجن والقدرة الاستيعابية بدعوى أن النيابة العامة وحدها هي صاحبة الولاية، رغم أن رئيس الوفد قد أوضح أن موافقة النيابة العامة على زيارة السجن تشمل العنابر وغرف السجن ” الزنزانات” بما يحقق الهدف من الزيارة.

ـ وجود استعداد لاستقبال الزيارات تمثل في وجود الإعلام وطلاء حديث للجدران.

ـ خلو المكان المعد للزيارة من وجود سجناء حيث خلت القاعة إلا من شخص واحد أو شخصين.

ـ تواتر وجود بعض النزلاء في مرافق السجن من الورشات إلى المدرسة إلى فصول محو الأمية.

ـ ووردت ذات الملاحظة الخاصة برفض زيارة العنابر عند زيارة سجن بورسعيد العمومي في 30/10/2019، وزيارة سجن المرج في 23/10/2019، وأثناء زيارة سجن القناطر ـ نساء في 16/10 2019 بعدم السماح للبعثة بدخول العنابر الخاصة بالسجينات بدعوى أن هذا يتطلب إذنا مسبقا من النيابة العامة. وقوبل طلب زيارة العنابر بالرفض لنفس السبب بدعوى عدم الحصول على موافقة من النيابة العامة بزيارة العنابر، علما بان موافقة النيابة العامة على زيارة السجن تنطوي على الإذن بزيارة السجن بكل مرافقه وبلقاء السجناء ودخول العنابر دون تمييز.

وأكد المجلس أهمية السماح للبعثات دخول عنابر السجناء. كما أشارت ملاحظات المجلس إلى انه فيما يتعلق بأماكن الاحتجاز هناك أماكن احتجاز غير خاضعة لأي إشراف من جانب السلطات القضائية مثل مستشفيات الأمراض العقلية، وأوصى بالسماح بزيارة منظمات المجتمع المدني للسجون وأماكن الاحتجاز، والاستجابة لطلبات الصليب الأحمر الدولي بزيارة السجون.

من الواضح أن زيارة بعض أعضاء المجلس القومي وكذلك ممثلي المنظمات الحقوقية لا يقصد بها سوى للقيام بالتركيز الإعلامي الذي يستهدف إبراز احترام إدارة السجون لحقوق السجناء وهو المخالف لطبيعة ما يحدث، رغم أن الزيارات المعدة مسبقا والتصوير المجهز لبعض الأماكن كمكتبة السجن، كما تفصح الرفض الدائم لزيارة عنابر السجناء من جانب الإدارة إعداد إدارة السجون لهذه الزيارات سابقة التجهيز، وأهمية تلك الزيارات في عنصر المفاجأة، وان يمتلك ممثلي المنظمات الحقوقية الحق في لقاء السجناء بشكل منفرد، وزيارة العنابر للتأكد من مدى ملاءمتها لقواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء وقانون السجون ذاته، وحرية السجناء في إبداء شكواهم بحرية ودون تضييق من مشرفي السجن من العناصر الأمنية.

المبحث الرابع: حق السجين في الشكوى

تؤكد قواعد نلسون مانديلا والمبادئ الأساسية لمعاملة السجناء على حق السجناء في التزويد بالمعلومات وحقهم في تقديم الشكوى من خلال القواعد 54، 55، 56، 57 من خلال عدد من الالتزامات التي يقع على إدارة السجن الوفاء بها ومن أهمها:

ـ تزويد كل سجين، بقانون السجن واللوائح التنظيمية السارية في السجن؛

1ـ التعريف بحقوقه وواجباته، ومعلومات مكتوبة حول الأنظمة المطبقة على فئته من السجناء، وقواعد الانضباط في السجن، والطرق المرخص بها لطلب المعلومات وتقديم الشكاوى، إذا كان السجين أميا وجب أن تقدم له هذه المعلومات بصورة شفوية.

2ـ حق السجين في التقدم، بطلبات أو شكاوى إلى مدير السجن أو إلى الموظف المفوض بتمثيله.

3ـ حق السجناء بالتقدم بطلبات أو شكاوى إلى مفتش السجون خلال جولته التفتيشية في السجن.

4ـ حق كل سجين بتقديم طلب أو شكوى إلى الإدارة المركزية للسجون أو السلطة القضائية أو إلى غيرهما من السلطات، دون أن يخضع الطلب أو الشكوى للرقابة

5ـ حق السجناء في تقديم طلبات أو شكاوى إلى مفتِّش السجون خلال جولته التفتيشية في السجن. وتُتاح للسجين فرصة التحدث مع المفتِّش أو مع أيِّ موظف آخر مكلَّف بالتفتيش بحرِّية وبسرِّية تامة دون حضور مدير السجن أو غيره من موظفيه، وأكدت على عدد من الضمانات لهذه الشكوى أهمها:

ـ علاج الطلب دون إبطاء، وأن يجاب عليه في الوقت المناسب.

ـ حق الشخص المحتجز أو المسجون أو محاميه في تقديم طلب أو شكوى بشان معاملته ولا سيما في حالة التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

ـ حق الشاكي في تقديم تظلم لسلطة قضائية أو سلطة أخرى. في حالة رفض الطلب أو الشكوى أو وقوع تأخُّر وذلك بموجب المبدأ 33 من المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن.

ـ تُوضَع ضمانات تكفل للسجناء تقديم الطلبات أو الشكاوى بأمان، وبطريقة سرِّية إذا طلب الشاكي ذلك.

ـ حظر تعرَّض أيُّ سجين لأيٍّ من مخاطر الانتقام أو التخويف أو غير ذلك من العواقب السلبية نتيجة لتقديمه لطلب أو شكوى.

ـ علاج ادعاءات التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على الفور وتفضي إلى تحقيق فوري حيادي تجريه سلطة وطنية مستقلة.

4 – تنسحب الحقوق الواردة في الفقرات 1 إلى 3 من هذه القاعدة على محامي السجين. وفي الحالات التي يتعذَّر فيها على السجين أو محاميه ممارسة هذه الحقوق، يجوز لأحد أفراد أسرة السجين أو لأيِّ شخص آخر مُلِم بالقضية القيام بذلك.

وقد نصت عدد من القوانين المصرية على هذا الحق من خلال كل من قانون الإجراءات الجنائية وقانون تنظيم السجون ذاته، حيث أكد قانون الإجراءات الجنائية على حق كل مسجون في التقدم في أي وقت بشكوى كتابية أو شفهية لمأمور السجن في أي وقت. وطلب تبليغها للنيابة العامة. والتزام مأمور السجن بقبولها وتبليغها في الحال بعد إثباتها في سجل يعد لذلك فى السجن.

ولكل من علم بوجود محبوس بصفة غير قانونية، أو في محل غير مخصص للحبس أن يخطر أحد أعضاء النيابة العامة وعليه بمجرد علمه أن ينتقل فورا إلى المحل الموجود به المحبوس وأن يقوم بإجراء التحقيق وأن يأمر بالإفراج عن المحبوس بصفة غير قانونية وعليه أن يحرر محضرا بذلك. (م 43 من قانون الإجراءات الجنائية)

بينما لا يشير قانون السجون إلى حق كل سجين في تعريفه بالمعلومات المكتوبة على الأنظمة المطبقة على فئته من السجناء والطرق المرخص لها لطلب المعلومات وتقديم الشكاوى، وكل ما نص عليه بأن يعلق في مكان ظاهر على الباب المخالفات المحظور القيام بها من المسجون حسب المادة (93) والمذكورة في المادة السابقة عليها. بالتناقض مع ما ورد في المادة 73 من القانون أن يكون من ضمن السجلات الموجودة في كل سجن سجل للشكاوى والطلبات المقدمة من المسجونين.

وهذا نقص في القانون بغياب وجود نص يشير إلى تزويد كل سجين بمعلومات عن آلية تقديم الشكاوي وحقوقه وواجباته أو حتى قواعد الانضباط بالسجن أو الأنظمة المطلقة على فئته.

بينا تشير المادة 80 من قانون السجون إلى أنه يجب على مأمور السجن قبول أية شكوى جدّية من المسجون، شفوية أو كتابية وإبلاغها إلى النيابة العامة أو الجهة المختصة بعد إثباتها في السجل المعدّ للشكاوى. ومن الواضح أن هذا النص لم يلزم مأمور السجن إلا بقبول الشكوى ” الجدية” شفوية أو كتابية، وترك له سلطة تقدير هذه “الجدية” وإبلاغها إلى النيابة العامة أو الجهة المختصة بعد إثباتها، وبالتالي رخص له حجب الشكوى التي لا يرى عدم جديتها من النيابة العامة والجهات المختصة، وهو ما يتعارض مع المدة 43 من قانون الإجراءات الجنائية التي توجب عليه إبلاغ أي شكاوى كتابية أو شفهية إلى النيابة العامة[11].

ـ كما تنص المادة 73 من قانون السجون إلى حق مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون الإشراف على السجون والتفتيش عليها في أي وقت، و حق كل مسجون مقابلة من يُجرى التفتيش، والتقدم بأية شكوى بحرية وفي سرية تامة، وقيام مساعد الوزير أو من يفوضه بالتحقيق في الشكوى المقدمة إليه. ويقوم من يجري التفتيش اتخاذ الإجراءات ما يكفل منع أسبابها الجدية، وان يرفع مأمور السجن تقريراً بالحالات المهمة إلى وزير الداخلية والنيابة العامة المختصة.

وخلا القانون من إبداء الحق للمسجون في عرض الأمر على سلطة قضائية مختصة في حال رفض الشكوى أو التأخر في الرد عليها، لكن من غير الواضح التزام إدارة السجون بنظام واضح لقبول الشكاوى من المسجونين، وليس هناك أي معلومات تشير إلى وجود هذه الشكاوى من جانب المسجونين أو تلقيها من جانب إدارة السجون ذاتها، وكيفية التعامل معها.

بل إن عشرات التقارير الحقوقية تشير إلى قيام اسر السجناء ومحاميهم بتقديم عشرات الشكاوى إلى النيابة العامة، وإدارات السجون بخصوص الانتهاكات تقع لأقربائهم داخل السجن ولا يتم التحقيق فيها، ومن ضمنها شكاوي محامي الناشط علاء عبد الفتاح، وكذلك محمد أكسجين، ومحمد عادل وأحمد دومة، وهدى عبد المنعم، ومحمد الباقر، زياد العليمي. ومئات السجناء الأخرين الذين يعانون من التدوير لعدة قضايا بنفس الاتهامات وقبلها الاختفاء القسري لمدد تصل إلى شهور قبل عرضهم على النيابة العامة.

وإحدى هذه الحالات تشير إلى قيام جهات الأمن بمداهمة منزل السجين عبد الرحمن الشويخ واحتجزت والدته وشقيقته، بعد حوالى 24 ساعة من رسالة مسجلة لوالدة السجين، تطالب فيها بإنقاذ حياة ابنها من التعذيب والانتهاك الجنسي في سجن المنيا شديد الحراسة، في شهر إبريل 2021. حيث نشرت والدة عبد الرحمن الشويخ رسالة صوتية، تستغيث فيها من أجل إنقاذ حياة ابنها بعد إعلانه الإضراب عن الطعام، احتجاجاً على الاعتداءات الجنسية والجسدية التي طاولته من جنائي سجين بمباركة ومشاركة ضباط وعساكر في السجن[12]. ولم تقم النيابة العامة أو إدارة السجن بأي تحقيق في الفيديو والدة السجين ولم تحمي السجين من أي انتهاك متكرر لحقوقه داخل السجن.

في النهاية يحتاج الأمر لعدد من التعديلات الكافية لتغيير قانون السجون 396 لسنة 1956 بما يتواءم مع نصوص قواعد نلسون مانديلا لمعاملة السجناء خاصة بعد تعديلها عام 2015، فضلا عن إلغاء تبعية السجون لوزارة الداخلية، وإنشاء هيئة مستقلة تتبع وزارة العدل تدير قطاع السجون بمختلف أنواعها، تتبعها إدارة للشكاوي الخاصة بمحاميي المحبوسين أو أسرهم والنص على ضمانات خاصة بالتحقيق في هذه الشكاوي، برقابة إدارة قضائية للتنفيذ العقابي، وتغيير فلسفة السجون المقامة حاليا من السجون المغلقة إلى السجون المختلطة، بما يتواءم مع نظرة تأهيل السجين..

توصيات

على المستوى التشريعي والقانوني:

  • الحد من العقوبات السالبة قصيرة المدة، واستبدالها بالتدابير الاحترازية، والعقوبات المالية، والتشغيل خارج السجن، والتقليل من ظاهرة الحبس الاحتياطي للحد من ظاهرة اكتظاظ السجون. وكذلك إعادة النظر في أنظمة العفو وتحسينها بحيث تستفيد منها أكبر شريحة ممكنة من السجناء متى انطبقت عليهم الشروط، ولم يشكلوا خطراً على المجتمع.
  • تغيير قانون السجون 396 لسنة 1956 بما يتوائم مع نصوص قواعد نلسون مانديلا لمعاملة السجناء وإلغاء النص الخاص بحق وزير الداخلية في إيداع كل من يحتجز أو يعتقل أو يتحفظ عليه أو تسلب حريته في أحد السجون المبينة بالمادة الأولى أو ” أحد الأماكن ” التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير المشار إليه.
  • الأخذ بمبدأ التفريد التنفيذي للعقوبة أي بمبدأ تفريد المعاملة على أساس معاملة الفرد بما يلاءم تشخيص حالة المسجون وتحليل مشكلته واحتياجاته.
  • تحويل تبعية السجون إلى إدارة ملحقة بوزارة العدل لمسايرة هذا الاتجاه النظرة التأهيلية للمحتجزين. وتطبيق نظام الإدارة القضائية للإشراف على التنفيذ العقابي.
  • وجوب النص صراحة بقانون السجون على كافة أنواع السجون وفئات المسجونين الذين يودعون بها وطريقة معاملتهم وألَّا تكون هذه الصلاحية أو السلطة بيد رئيس الجمهورية أو وزير الداخلية.
  • حسن اختيار وتدريب موظفي المؤسسات العقابية والإصلاحية، وبذل الحوافز لهم، وتدبير سكناهم بأماكن ملحقة بالمؤسسات التي يعملون بها.
  • العمل بنظام الشرطة القضائية على أن تتبع وزارة العدل، ويعهد إليها بأعمال الضبطية القضائية، وسائر المهام التي تعين على سير العدالة وتنفيذ الأحكام.
  • تطبيق نظام قاضي التنفيذ العقابي لمتابعة تطبيق العقوبة الجنائية وتكون مهمته الإشراف على التنفيذ.
  • ضرورة اعتماد معيار نوعي لتحديد الطاقة الاستيعابية للسجون يأخذ بالاعتبار جملة من العوامل والظروف والعلاقات والأوضاع المادية والقانونية مثل:
  • المساحة الكلية للسجن، المساحة المخصصة لمرافق الخدمات، المساحة المخصصة لإدارة السجن، المساحة المخصصة لمبيت كل نزيل.
  • إدارة المركز بالنسبة لعدد النزلاء، نوعية ومستوى المرافق والخدمات وأشكال الرعاية المقدمة للنزلاء، واجبات الجهات المعنية بأوضاع السجون، مدد التوقيف (المحكومية) وكذلك العادات والقيم الاجتماعية، وغيرها من العوامل التي تمكن من تطبيق المعايير الدولية في بناء وإدارة السجون، ومعاملة السجناء.
  • ضرورة تحسين الرعاية الاجتماعية، المقدمة لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل مع تعزيز فعالية دور الأخصائي الاجتماعي في السجون، مع توفير نشرات تعريفية تعطى لكل نزيل عند دخوله أي من مراكز الإصلاح، والتأهيل تبين نوعية هذه الخدمات، وتعزيز برامج الرعاية اللاحقة، وإعداد النزيل للخروج.
  • حظر اتصال رجال السلطة بالمحبوسين احتياطياً، والمعتقلين والمسجونين وضرورة وضع جزاء جنائي رادع على مخالفة هذا الأمر.
  • إغلاق السجون غير القانونية ومنها تلك التابعة لمعسكرات الأمن المركزي، ومقار مباحث أمن الدولة.
  • حق منظمات حقوق الإنسان في زيارة كافة السجون بما فيه العنابر الخاصة بهم ومقابلتهم بشكل حر بعيدا عن وجود رقابة من جانب ضباط السجن. والاطلاع على سجل شكاوى المسجونين.
  • إعداد نظام خاص بالشكاوى، والتأكيد على حق السجين أو أسرته أو محاميه بالتقدم بشكاوي لإدارة السجن والجهة المشرفة عليه والقيام بتحقيق عاجل في هذه الشكاوي، وعمل تقرير بهذه الشكاوي يعرض على مجلس النواب ومنظمات حقوق الإنسان ويرسل للصحف.
  • تفعيل الإشراف القضائي من جانب النيابة العامة ورؤساء المحاكم الابتدائية والاستئنافية بشكل دوري، والتحقيق في أي شكوى يقدمها اسر السجناء والمحبوسين احتياطيا من خلال الانتقال إلى مقر السجن وسماع أقوال المسجون بشكل كامل، وتوفير الحماية للسجين الشاكي من أي عمليات انتقامية من جانب ضباط السجن.

الهامش

[1] د. آمال عثمان، أغراض الجريمة والعقاب، دار النهضة العربية، ص 332

[2] د. جاسم كاظم عبد الله جاسم: أحكام السجن والحبس في الفقه الإسلامي والتشريعات القانونية ـ بحث في مجلة كلية الدراسات الإسلامية للبنين بأسوان، نصف سنوية، يونيو 2021 ـ العدد الرابع

[3] عبد الله خليل: نظام السجون في مصر وحقوق المساجين على ضوء قوانين ولوائح السجون والمعايير الدولية لحقوق الأنسان، الدليل الأول، جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء، القاهرة. ص 45

[4] (هناك متسع للجميع.. سجون مصر قبل وبعد ثورة يناير: تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، )

[5] عبد الله خليل مرجع سابق: ص 43

[6] الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان : هناك متسع للجميع.. مرجع سبق ذكره

[7] مهم في هذا السياق مراجعة المادة 46، 48 من قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء، المبدأ رقم 4، من المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء )

[8] د. آمال عثمان مرجع سبق ذكره

[9] يراجع في هذا السياق أندرو كويل : منهجية حقوق الإنسان في إدارة السجون : كتيب للعاملين بالسجون، الطبعة الثانية.المركز الدولي لدراسات السجون. 2009.

[10] عبد الله خليل : مرجع سبق ذكره، ص 165

[11] عبد الله خليل مرجع سبق ذكره : ص 124

[12] الأمن المصري يعتقل والدة وشقيقة السجين عبد الرحمن الشويخ بعد تعذيبه : جريدة العربي الجديد، 27/4/2021

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى