قلم وميدان

السعودية وإيران اختلاف رؤى وتوافق نتائج

ترتكز السياسة الخارجية الإيرانية على مجموعة من العوامل العقائدية والإثنية التي توظفها في صراعها مع السعودية لاختراق دول المنطقة . فيتمثل العامل العقائدي الإيراني في ترويج ونشر المذهب الشيعي الجعفري بدول المنطقة وبطرق ووسائل عدة، أبرزها دعم المليشيات المسلحة الموالية لها كنظام بشار الأسد وحزب الله في لبنان وحركة الحوثي في اليمن وحـركة الوفاق في البحرين والحشد الشعبي في العراق. ومن أبرز الأسباب التي دفعت بإيران إلى هذه الإستراتيجية هو تحقيقها للتوسع الخارجي والدفاع عن الهوية القومية والثقافية الفارسية، وما تقوم به اليوم إيران في بعض دول الشرق الأوسط يظهر بوضوح مدى استغلال السلطات الإيرانية لهذا العامل في التوسع الخارجي، إضافة إلى محاولة السيطرة على الأقليات الإثنية في دول الجوار كأوراق تفاوضية تستخدمها في صراعها مع الغرب.

هذه السياسات المتبعة من إيران تجاه دول المنطقة السنيّة جعلها في تنافس محتدم وتوتر دائم مع جارتها السعودية التي تدعي أنها تقف في وجه المشروع الإيراني الطائفي لحماية المكوّن السني ذات الأغلبية في دول المنطقة من خلال مجموعة من السياسات والتكتيكات والتي في غالبها لم تكن محسوبة ومتهورة ساهمت -بوعي أو غير وعي- في خلق شرخ في المعسكر السّنّي. وأبرز هذه السياسات:

  1. تجريم السعودية جماعة الإخوان المسلمين ودعمها للانقلاب العسكري ضدهم في مصر في يوليو 2013 رغم أنهم سنّة ومنتخبين ديمقراطيا.
  2. اعتبارها حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين منظمة إرهابية من خلال تصريحات السفير السعودي في الجزائر سامي بن عبد الله الصالح في يوليو الماضي، وقد ساهمت السعودية في الحصار المفروض على قطاع غزة لعدة سنوات.
  3. فرضها حصارا خانقا على دولة قطر “السنية” ودفعها إلى إعادة بعث العلاقات القطرية-الإيرانية.
  4. احتفاظها بعلاقات في أدنى مستوياتها مع تركيا “السنية” ذات القيادة “الإخوانية” بعد تردي تلك العلاقات عـقب الانقلاب العسكري في مصر.

إن هذه السياسات السعودية العدائية اتجاه دول وفواعل وازنة في المعسكر السني في المنطقة ساهمت في خلق شرخ كبير في الصف السني-السني وأعطت للمشروع الإيراني في المنطقة دفعا إلى الأمام لا إلى كبح جماحه، بحيث ساهم صراعها مع تركيا وقطر في تراجع المعارضة السورية جغرافيا وعسكريا في مقابل سيطرة النظام السوري وحلفائه الإيرانيين والمليشيات الطائفية على أجزاء واسعة من سورية، إضافة إلى أنها دفعت بتركيا وقطر وحركة حماس بإعادة صياغة علاقاتها مع إيران بعيدا عن التجاذبات الطائفية والسياسية ومراعاة لمصالحها.

من جهة أخرى فقد ساهم التقارب السعودي- الصهيوني، من خلال ما يتردد عن الزيارة السرية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتل أبيب، وتواصل نخب ومسؤولين سعوديين كاللواء المتقاعد أنور عشقي ورئيس الاستخبارات السعودي السابق الأمير تركي الفيصل مع الصهاينة في إضفاء نوع من القبول الشعبي لشعارات إيران عن المقاومة ومناهضة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية بالرغم من أنها ظلت لعقود طويلة شعارات فقط.

إن هذه السياسات السعودية تجاه الفواعل السنية في المنطقة لم تكن في واقع الأمر أقل خطراً على السّنّة من إيران وسياساتها، بل إنها منحت إيران أوراق اختراق لدول المنطقة لم يكن لها كسبها بكل تلك السهولة. فالسعودية بعدائها لجماعة الإخوان المسلمين ودولة قطر وحركة حماس وتصنيفهم في خانة الإرهاب، ساهمت في إعادة صياغة علاقات تقارب وتعاون بين هذه القوى وإيران على أساس المصلحة والبراغماتية، لا على أساس طائفي وهذا شيء إيجابي -لم تهدف له السعودية إطلاقا-، لكن الشيء السلبي في الموضوع هو تشرذم الدول السنية في مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة وتأزم الملف السوري واليمني والليبي وغياب حلول واضحة في الأفق لهذه الملفات.(1 )

———————-

الهامش

( 1 ) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى