المجلس الأطلسي: أين تقف العلاقة بين مصر وإسرائيل وسط وقف إطلاق النار في غزة

نشر “المجلس الأطلسي“، وهو مؤسسة أمريكية بحثية غير حزبية مؤثرة في مجال الشؤون الدولية، حيث يوفر المجلس منتدى للسياسيين ورجال أعمال ومفكرين عالميين، وتدير المؤسسة عشرة مراكز إقليمية وبرامج وظيفية تتعلق بالأمن الدولي والازدهار الاقتصادي العالمي، في 9 أكتوبر 2025، مقالاً بعنوان: “أين تقف العلاقة بين مصر وإسرائيل وسط آمال وقف إطلاق النار في غزة؟”.
كاتبة المقال هي “شهيرة أمين”، وهي زميلة أولى غير مقيمة في مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي، حيث تركز على مصر والاقتصاد والطاقة والوصول إلى المياه وقضايا المرأة. تقول الباحثة إنه رغم إدانة القاهرة الشديدة للضربة الإسرائيلية في الدوحة، تجنبت القيادة المصرية حتى الآن التصعيد إلى مواجهة عسكرية أو قطع كامل للعلاقات الدبلوماسية بينها وبين “إسرائيل”. وترى الكاتبة أن هذا الموقف يعكس المصالح الاستراتيجية لمصر المتمثلة في: أمن الحدود، ومنع امتداد الحرب إلى مصر، والمصالح الاقتصادية.
وتضيف الباحثة أن مصر تواصل في غضون ذلك جهود الوساطة بين “إسرائيل” و حركة حماس، بينما تستغل نتائج قمة الدوحة لتعزيز نفوذها الإقليمي؛ كما تستغل القاهرة الضربات الإسرائيلية الأخيرة في الدوحة لتعزيز صورتها في الداخل، حيث يغلب على الرأي العام المصري مناصرة القضية الفلسطينية.
وتصل الكاتبة إلى نتيجة مفادها أنه بعيداً عن الخطاب الناري الذي أطلقته قمة الزعماء العرب والمسلمين ، إلا أنها لم تصل إلى حد التهديد باتخاذ أي إجراءات انتقامية ضد “إسرائيل” جراء اعتدائها الأخير على الدوحة، والذي استغلته القاهرة من أجل تعزيز نفوذها في الإقليم.
وقد جاء المقال على النحو التالي:
في خطابه في قمة الدوحة الطارئة الشهر الماضي، والتي جاءت رداً على الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مسؤولي حركة المقاومة الإسلامية – حماس في قطر، وصف رأس الدولة المصري عبد الفتاح السيسي “إسرائيل” لأول مرة بـ “العدو”.
كما أدان السيسي الهجوم على الدوحة ووصفه بأنه عمل “متهور” وأنه “يمثل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي”، وحذّر الشعب الإسرائيلي من أن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “تُهدد اتفاقية السلام مع مصر” و”تجعل المزيد من التطبيع مع دول المنطقة أمراً مستحيلاً”.
ولكن بصرف النظر عن الخطاب الناري الذي صدر عن قمة القادة العرب والمسلمين، إلا أن القمة امتنعت عن التهديد باتخاذ أي إجراءات انتقامية ضد “إسرائيل”. ومع ذلك، فقد غيّر الهجوم الإسرائيلي على الدوحة ديناميكيات العلاقات بين تل أبيب والقاهرة، ويُعزى ذلك على الأرجح إلى مخاوف من أن تكون مصر هي المحطة التالية كهدف في مرمى نيران إسرائيل.
وعلى الرغم من تبادل الاتهامات اللاذعة بين الطرفين وتزايد مشاعر العداء تجاه “إسرائيل”، إلا إنه لا تزال معاهدة السلام التي استَشهد بها السيسي في حديثه قائمة، حيث كانت قد أُبرمت بينهما عام 1979.
ويُجادل بعض المحللين، مثل عماد جاد، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، بأن القيادة المصرية ليست مستعدة ولا حتى راغبة في تعريض معاهدة السلام للخطر أو توسيع هوة الخلاف مع “إسرائيل”.
حيث قال جاد: “لا يزال التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل قوياً، ومصر أحد الأطراف المشاركة في المفاوضات للتوصل إلى حل دبلوماسي لأزمة غزة”.
وقد أدت حرب غزة إلى توتر العلاقات الإسرائيلية المصرية بشكل عام – لا سيما منذ قيام “إسرائيل” بالاستيلاء على محور فيلادلفيا في مايو 2025، بقصد مُعلن، وهو تدمير الأنفاق التي زعمت تل أبيب أن حماس استخدمتها لتهريب الأسلحة إلى غزة.
ومع ذلك، يُعرب عماد جاد عن تفاؤله بشأن حل أزمة غزة عبر القنوات الدبلوماسية، وهي خطوة قال إنها “ستنزع فتيل التوترات بين مصر وإسرائيل وتُعيد العلاقات إلى ما كانت عليه قبل حرب غزة”.
وهناك مؤشرات أخرى على حدوث انفراجة، منها الإعلان هذا الأسبوع عن إنجاز المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بعد مفاوضات في مصر.
وقد قال لي اللواء سمير فرج، كبير الاستراتيجيين في المجلس الاستشاري للأمن والدفاع في مصر: “هذا يعني أنه لن يكون هناك أي حديث عن إعادة توطين الفلسطينيين، وهي القضية التي تُسبب التوترات مع مصر”.
معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية
سمحت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي وُقعت عام 1979 في البداية بتمركز 450 فرداً فقط من أفراد الأمن بأسلحة خفيفة في المنطقة “ج” (أقرب منطقة إلى الحدود الإسرائيلية) بشمال سيناء، ولكن عُدِّلت الفقرة بعد انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005 للسماح بنشر 350 جندياً إضافياً.
وفي عام 2018، أعطت “إسرائيل” مصر الضوء الأخضر لمضاعفة عدد القوات في شمال سيناء لدعم الجيش المصري وقوات الأمن في جهود مكافحة التمرد ضد جهاديين تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وقد أدت بادرة حسن النية هذه إلى توطيد العلاقات وتعزيز التعاون الأمني بين مصر و “إسرائيل”.
لكن المخاوف تتزايد الآن في القاهرة بعد أن تعهد نتنياهو بنبرة فيها تحدٍّ “بملاحقة حركة حماس في كل مكان”. وفي مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو في القدس منتصف سبتمبر، حذّر نتنياهو حماس من أن قادتها وأعضاءها “لا حصانة لهم في أي مكان”، مؤكداً أن “لـ ’إسرائيل‘ الحق في الدفاع عن نفسها خارج حدودها“.
وقد زاد هذا التحذير المخيف من مخاوف القاهرة من احتمالات وقوع هجوم إسرائيلي مماثل يستهدف حركة حماس داخل مصر؛ والتي غالباً ما تستضيف كبار قادة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية، بصفتها وسيطاً في مفاوضات السلام بين “إسرائيل” وحماس إلى جانب قطر والولايات المتحدة.
وعلى إثر ذلك، قابلت القاهرة تهديد نتنياهو بتحدٍّ مماثل؛ إذ أفادت التقارير أن القيادة المصرية حذّرت واشنطن من “عواقب وخيمة” في حال تم استهداف قادة حماس داخل مصر. وتعهد مسؤول أمني مصري كبير، تحدث في تصريح خاص لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، بأن أي هجوم من هذا القبيل سيُعتبر إعلان حرب، وسيُقابل “بالقوة“.
ولم يستبعد عماد جاد تماماً احتمال اندلاع الحرب، وحثّ إسرائيل على عدم دفع مصر إلى حافة الهاوية. وحذر كذلك من أن “مصر سترد على الأرجح على أي هجوم تشنه القوات الإسرائيلية على أراضيها”، مضيفاً أن أي محاولة من جانب إسرائيل لتهجير الفلسطينيين قسراً إلى شمال سيناء “قد تعني نهاية معاهدة السلام”.
مخاوف من الحشد العسكري
ومن بين نقاط الخلاف الأخرى بين القاهرة واتل أبيب ادعاء “إسرائيل” بوجود حشد عسكري مصري في شمال شبه جزيرة سيناء قرب حدودها المشتركة مع “إسرائيل” والحدود بين مصر وغزة. ففي اجتماع مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في الخامس من أكتوبر لمناقشة أمن الحدود، حثّ السيسي الجيش على البقاء في حالة تأهب قصوى – ومن المرجح أن القاهرة قلقة من نزوح جماعي محتمل للفلسطينيين إلى مصر.
وقد أثار الحشد العسكري المصري المزعوم أيضاً قلقاً في إسرائيل، وفقاً لتقارير إعلامية تم تداولها في وسائل إعلام مثل وورلد إز وان نيوز WION و ميدل إيست آيMiddle East Eye . وفي غضون ذلك، اتهم يحيئيل ليتر، السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، مصر بـ “انتهاك خطير للغاية” لمعاهدة السلام مع إسرائيل، مشيراً إلى بناء قواعد “لا يمكن استخدامها إلا للعمليات الهجومية”.
كما طلب نتنياهو من إدارة ترامب الضغط على مصر لتقليص وجودها العسكري في شبه جزيرة سيناء، وفقاً لتقرير أكسيوس الأخير نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين لم يُكشف عن هويتهم.
في غضون ذلك، نفى حسام الحملاوي، الباحث والصحفي المصري الذي يُصدر نشرة إخبارية أسبوعية إلكترونية تُركز على الأمن والسياسة المصرية، مزاعم الحشد العسكري المصري ووصفها بأنها “أخبار كاذبة”. وقال: “لا يمكن نشر قوات في سيناء دون تنسيق مُسبق مع إسرائيل”.
كما يُصرّ الحملاوي أيضاً على أن “الأمور تسير كالمعتاد بين مصر وإسرائيل”، مستشهداً باتفاقية غير مسبوقة بقيمة 35 مليار دولار وقّعها حقل ليفياثان الإسرائيلي للغاز الطبيعي في شهر أغسطس لتزويد مصر بالغاز الطبيعي.
ويُجادل الحملاوي قائلاً: “إذا كانت مصر وإسرائيل تُرسّخان علاقاتهما في مجال الطاقة، فلا يُمكن أن تكون العلاقات بينهما متوترة كما تُصوّرنا بعض وسائل الإعلام”.
وقال مصدر أمني تحدث معي شريطة عدم الكشف عن هويته إن استمرار وجود القوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة منزوعة السلاح سابقاً، الممتدة على طول أربعة عشر كيلومتراً على طول الحدود بين غزة ومصر – على الرغم من مطالب القاهرة المتكررة بـ انسحاب “إسرائيل” من هذا الممر الاستراتيجي – قد وضع أيضاً ضغطاً كبيراً على العلاقات بين مصر وإسرائيل، وأشار إلى أنه سبب آخر لتعزيز القوات المصرية في شمال سيناء.
إرث الحرب في غزة
كانت إسرائيل قد كثّفت هجماتها على مدينة غزة منتصف شهر سبتمبر في أعقاب هجومها على الدوحة الشهر الماضي، مما أجبر آلاف العائلات الفلسطينية النازحة أصلاً على النزوح من جديد جنوباً قرب الحدود المصرية.
وقد أثار هذا التصعيد مخاوف في مصر من سعي إسرائيل إلى “تطهير غزة” (كما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد اقترح في شهر يناير) من خلال تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين قسراً ونقلهم إلى شبه جزيرة سيناء، وهي خطة رفضتها القاهرة رفضاً قاطعاً.
وقد أعرب السيسي، في مناسبات عدة، عن معارضته للخطة، مجادلاً بأن تهجير الفلسطينيين “سيؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية“. وقد انتقد المسؤولون المصريون ووسائل الإعلام الحكومية فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء ووصفوها بأنها “تهديد وجودي“.
ورغم إدانة القاهرة الشديدة للضربة الإسرائيلية في الدوحة، تجنبت القيادة المصرية حتى الآن التصعيد إلى مواجهة عسكرية أو قطع كامل للعلاقات الدبلوماسية. ويعكس هذا المصالح الاستراتيجية لمصر والتي تتمثل في: أمن الحدود، ومنع امتداد الحرب إلى مصر، والمصالح الاقتصادية.
وفي غضون ذلك، تواصل مصر الوساطة بين إسرائيل وحماس، وتستغل نتائج قمة الدوحة لتعزيز نفوذها الإقليمي. كما تستغل القاهرة الضربات الإسرائيلية في الدوحة لتعزيز صورتها في الداخل المصري، حيث يغلب على الرأي العام في مصر مناصرة القضية الفلسطينية.
ومن ناحية أخرى، مثّلت الضربة التي وجهتها “إسرائيل” للدوحة خطأً استراتيجياً في التقدير من جانب إسرائيل، إذ أضعفت الثقة مع حلفاء عرب جدد كانوا قد طبّعوا علاقاتهم معها، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة.
ومن المرجح أن تعيد دول أخرى لم تُطبّع علاقاتها معها بعد، مثل المملكة العربية السعودية، تقييم تكاليف هذه الخطوة. وقد ازدادت حدة الانتقادات لسياسات نتنياهو – على المستوى المحلي والدولي – واكتسبت المسيرات المؤيدة للفلسطينيين قوةً، وبدأت تكسب مؤيدين جدداً. ويتحدى الإعلام الدولي والرأي العام العالمي بشكل متزايد رواية إسرائيل ومزاعمها حول “الدفاع عن النفس”. وبتصرفاتها الأحادية، أضاعت تل أبيب بالفعل بعض المكاسب السياسية والدبلوماسية التي حققتها على مر السنين الماضية. وإذا لم تغير “إسرائيل” من نهجها هذا، فإنها تُخاطر بالانزلاق إلى الدخول في عزلة إقليمية أكثر عمقاً.




