ترجمات

بلومبيرج شركات إسرائيلية في السعودية

البداية ‏

صموئيل بار الذي أغرق نفسه حتى النخاع في تفسير كل مفردات الإرهاب، باستخدام تقنيات التحليل ‏الواسعة النطاق، والتي تتعامل مع مدرسة ‏القرآنيين ‏ومنتقدي الكتاب المقدس، قال أنه تعرف على كلمات بعينها تدعو إلى الجهاد استخرجها من عبارات تكررت كثيرا على أشرطة ‏الجهاديين أمثال: مجاهدي حماس، كعبارة “النصر مع ‏الصابرين”، ومجاهدي القاعدة، الذين استخدموا عبارات من قبيل “إلهي، اقتلهم ولا ‏تذر فيهم أحداً”.

بار – ذو الاثنين وستين عاما، أشعث الشعر، ‏ خرج من الخدمة الحكومية عام 2003، وسط تنامي العمليات الارهابية وانتشار ‏الموت في العالم، فوجد في ذلك تجارة لابد وأن يغتنمها، فقام بتأسيس شركة تقوم بجمع البيانات وتحليلها وأسماها ب “انتوفيو-‏‎IntuView” ‏وظيفتها اختراق الظلام وتحليل الرسائل الاعلامية الاجتماعية لمواجهة التهديدات الارهابية، وهي النسخة الاسرائيلية من ‏تكنولوجيا أمريكية عرفها العالم حديثا تدعى ” بالانتير -‏Palantir‏ ” وهي تكنولوجيا متقدمة متخصصة في جمع وتحليل البيانات‏. ‏

ملاحظة: بالانتير هو برنامج تقدمه شركة بلانتير، وينبثق عنه أهم برنامجين في تحليل البيانات: بالانتير جوثام ‏Palantir ‎Gotham ‎‏ (المختص بتحليل ‏بيانات كل ما يخص الإرهاب وتستخدمه وزارة الدفاع الأمريكية) ‏ وبالانتير متروبوليس ‏‎Palantir ‎Metropolis. وقد باع بار خدمات شركته (انتوفيو) إلى الشرطة وإلى وكالات الاستخبارات في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة. ‏

السعوديون هم من أتو إليّ:

هكذا وصف “بار” بداية تعامله مع المملكة، حيث كانت البداية منذ عامين عبر رسالة الكترونية، أرسلها شخص ينتمي إلى مستويات عليا في السلطة في المملكة العربية السعودية، دعاه فيها لمناقشة مشروع محتمل عبر “سكايب”، وكان السعوديون قد سمعوا عن التكنولوجيا الجديدة، وأرادوا مساعدته على تحديد هوية الإرهابيين المحتملين، فقط كانت هناك مشكلة واحدة، وهي إخفاء الهوية الإسرائيليةل “الانتوفيو” ولو مؤقتا حتى استتباب الأمور، إلا أنه وصف هذه الخطوة بالهينة، وبمشكلة ليست بالعويصة.

 

رواد الفيس بوك وتويتر والأسرة المالكة على برنامج المسح الالكتروني يوميا !!

بعد أن استطاع “بار” اخفاء هوية الشركة الاسرائيلية عن المسئولين السعوديين، أخذت “انتوفيو” في عمل تحريات مكثفة عن الجهاديين السعوديين، باستخدام إحدى برامجها والذي يدعى “انتوسكان -IntuScan”، والذي يمكنه معالجة 4 ملايين من بيانات رواد مواقع التواصل الاجتماعي عبر الفيس بوك وتويتر في اليوم الواحد! ثم توسعت هذه المهمة لتشمل بحوث الرأي العام على أفراد الأسرة المالكة ذاتهم في السعودية!

وهنا يقول بار: “الموضوع ليس وكأنني ذهبت أبحث بنفسي عن هذه المعلومات”، ولكنني ما زلت غير مصدق لهذا المنحنى الذي جعلني أمضى حياتي أحلل أعداء اسرائيل، فهم جاءوا إلي!”.

 

علاقات في الخفاء

وأضاف: “إذا كان البلد الذي سنمده بالبيانات ليس معاديا لإسرائيل فسوف نتعامل معه ونساعده”. ويقول: “أنه يلتقي بحرية هذه الأيام مع السعوديين وغيرهم من عرب الخليج، في المؤتمرات الخارجية والمناسبات الخاصة، لتعزيز التعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات الاستخبارية، كما أن سبل التعاون بين إسرائيل وعدد من الدول العربية آخذة في الازدهار، حتى لو لم يجلبوها إلى العلن.

ويضيف قائلا، على صعيد المواقف المتباينة، كان من المخطط أن ألقي كلمة في مؤتمر ينعقد في لندن، إلا أن المنظمين رفضوا ذلك عندما نمى إلى علمهم قدوم مسؤول سعودي ذو شأن إلى المؤتمر، فرهبوا أن أظهر بجانب المسئول على العلن، رغم أنني والمسئول السعودي كنا على اتفاق مسبق بأن نتناول الغداء سويا في مطعم مغربي قريب من المؤتمر، ثم القدوم اليه سيرا على الأقدام!

“لقد كانوا يسعودون السعوديون ” هكذا وصف بار ما حدث.

 

لا وجود للمقاطعة العربية:

يضيف بار: دعنا نقر أن السلام لم يعم منطقة الشرق الأوسط إلى الآن، والعلاقات القائمة بين دول المنطقة حاليا، ليست سوى علاقات مصالح ناجمة عن التقاء مصالح مشتركة ضد تهديدات بعينها: مثل تهديد القنبلة النووية الإيرانية -والإرهاب الجهادي-والتمردات الشعبية. وفي ظل تراجع أميركا عن أداء دورها المعتاد في المنطقة، فإن “انتوفيو” لديها الصلاحيات اللازمة من الحكومة الاسرائيلية لمساعدة أي بلد لا يحمل عداءً لإسرائيل، في مواجهة المخاوف والتهديدات من إيران والجماعات الإسلامية المتشددة.

“إذا كان البلد الذي يطلب المساعدة ليس معاديا لإسرائيل فسوف نساعده” ويضيف بار قائلاً: “فقط سوريا ولبنان وإيران، والعراق خارج نطاق هذا التعاون”.

“مقاطعة عربية مع اسرائيل؟!” يتعجب بار قائلاً: “لا وجود لها، السعوديون والدول العربية الغنية بالنفط سعيدة للغاية بدفع ثمن مساعداتنا لهم ”

 

أمن الشبكات أصبح جاهزا للتعاون:

“في عام 2012، عندما اخترق متسللون أنظمة الكمبيوتر الخاصة بشركتي أرامكو السعودية والنفط الوطنية، دُعيت الشركات الإسرائيلية إلى إصلاح أعطال واختراقات المتسللين، حتى أن بعضا من تلك الشركات أخذت تعاقدات خارجية مستمرة معهم” حسبما ذكر إيريل مرغليت – صاحب رأس مال وعضو في البرلمان الإسرائيلي-في مقابلة أواخر يناير في اسرائيل.

وحين التقى رودي جولياني -رئيس بلدية مدينة نيويورك السابق، ومستشار ترامب في أمور الشبكات -مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو نيابة عن الرئيس دونالد ترامب، قال: “نتوقع أكثر من ذلك، وأرى مجالات من التعاون تتخطى ذلك بكثير”.

 

السعوديون ينكرون

رفض مسؤولون سعوديون التحدث بشكل رسمي أو علني حول العلاقات الممكنة مع إسرائيل، عديد من الأسئلة والاستفسارات أرسلت بالبريد الالكتروني إلى وزارة الداخلية في المملكة وإلى سفارتها في واشنطن، تحمل التساؤل السابق، لم يتم الرد عليها. وبعث مصدر في الرياض-أصر على عدم الكشف عن هويته-بالبريد الإلكتروني، بيانا ينفي فيه وجود أي علاقات تجارية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، قائلاً: “فيما يتعلق بتكنولوجيا نظم الدفاع، المملكة العربية السعودية لا يمكنها التعامل أبدا مع إسرائيل في هذا المجال أو في أي مجال آخر. علاوة على ذلك، الحس السليم يقول لنا أنه من أجل أن تحصل المملكة العربية السعودية على أي منظومة سلاح، يجب أن تعتمد اجراءات بعينها للشراء، بموجب اتفاقات التجارة الموقعة مع الدول الشقيقة والصديقة التي تقوم بتصنيع تلك النظم، والحائزة على شهادات التصدير الرسمية والمعتمدة من حكوماتهم، ومن المؤكد أن إسرائيل ليست من بين تلك الدول التي لها علاقات تجارية مع المملكة “.

 

الشركات الاسرائيلية تعالج زحام مكة:

المقاطعة العربية لإسرائيل، معمول بها – نظريا -منذ تأسيس الدولة اليهودية عام 1948، وهي تلزم معظم الدول العربية بمقاطعة جميع الأعمال التجارية مع إسرائيل. ولقد حرصت العديد من الدول على التعامل مع اسرائيل من قبل وسطاء في بلدان أخرى، ولكن حجم ونطاق النشاط الإسرائيلي الآن في ستة بلدان على الأقل الخليج، بلغ مبلغاً أن أصبح من الصعب إخفاؤه.

واحد من مؤسسي شركات الأمن الشبكي الاسرائيلي الأكثر انتشارا في أوروبا والولايات المتحدة، استطاع بناء بنية تحتية من الأمن الشبكي في دولة الامارات العربية المتحدة بأكثر من 6 مليارات $ بأيدي مهندسين إسرائيليين. نفس هذه الشركات تعمل في السعودية ولكن بوظيفة تختلف عن مثيلتها في الامارات، حيث تعمل على معالجة وإدارة الزحام في مكة المكرمة. كما تعمل شركات إسرائيلية أخرى في منطقة الخليج تحت مسميات شركات وهمية، على تحلية مياه البحر، وحماية البنية التحتية، والأمن الشبكي، وجمع المعلومات الاستخبارية.

 

الخداع لمن يرفض التعاون!

“كل الشركات الكبيرة نشطة، وبعض الصغيرة كذلك”. هكذا أقر شبتاي شافيت، الذي كان يدير الموساد 1989-1996، وهو رئيس شركة أمن إسرائيلية في أثينا، “لا نقدم تفاصيل عمن أو كيف نفعل هذا، المرء لا يكسر الغصن الذي يجلس عليه، فقط الحذر واجب عندما يتعلق الأمر بمبيعات الأسلحة”.

يقول عمال مصنع “نيو هامبشاير” لنظم “إلبيت الأمريكية”، وهي شركة تابعة لشركة “البيت سيستمز”، أكبر شركة دفاعات أمنية اسرائيلية، كان هناك إجراءات معينة عندما يزورنا عملاء من الكويت وقطر والمملكة العربية السعودية، اذ يخفي المديرون علامات “إلبيت” والخرائط الإسرائيلية والكتابات العبرية، وحتى يذهب بهم الأمر إلى مسح أسماء الموظفين الذين يحملون أسماء اسرائيلية ظاهرة للعيان ولو مؤقتاً”.

ريتشارد وولف، كان يعمل في هذه المنشأة لمدة 15 عاما وحتى عام 2013، أقر بأنهم كانوا يزيلون العلامات الإسرائيلية حتى من بعض المكونات التي تدخل في الصناعة. في حين نفي عامل سابق آخر هذا الأمر، ودافع قائلا: “أنظمة إلبيت الأمريكية، صرحت في بيان سابق، أنه ليس من سياسة الشركة إخفاء اسم شركة البيت أو غيرها من الشركات التي تتعامل مع إسرائيل.

 

حادث اغتيال وراء الكشف عما تفعله اسرائيل في السعودية

كريس كريمر، أحد الفنيين في شركة إلبيت والذي عمل فيها لمدة 12 عاما وساعد في بناء النظام، وُجد ميتاً قبل عامين في غرفة فندقه في المدينة العسكرية في تبوك، في الفترة التي كان يقوم فيها بأعمال الصيانة لنظام الدفاع الصاروخي للمملكة، وكشف النقاب عما تفعله شركة بيت في المملكة العربية السعودية.

كريمر ذكر في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، إنه ذاهب لمساعدة الجيش السعودي بإجراء تجربة حية على صواريخ استهداف “تاو – TOW” طورتها “إلبيت”، غير عالم أنها المرة الأخيرة التي سيدون فيها حرفاً. واعتبرت السلطات السعودية حادث مقتل كريمر في بيان أصدرته أنه “انتحار”، في حين رفضت عائلة كريمر هذا البيان جملة وتفصيلا.

وفي بيان آخر عن الواقعة صدر في إسرائيل، لم تحدد “إلبيت” ماذا كان يفعل كريمر في السعودية، واكتفى بأن يذكر أن كريمر كان يعمل على “المنتج الأمريكي” مع التشديد على عدم وجود تكنولوجيا إسرائيلية فيه.

ومن جهة أخرى، صرح مصدر سعودي في بيان أرسل بالبريد الالكتروني: “فيما يتعلق بوفاة المواطن الأمريكي، هذه المسألة لها أبعاد جنائية وقضائية، لا تتدخل الحكومة السعودية في هذه الحالات، ويعين لهم هيئات جنائية وقضائية، للنظر فيها، وفقا للقوانين التي تحكم هذا النوع من الحالات”(1).

———————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

Jonathan Ferziger, Peter Waldman, How Do Israel’s Tech Firms Do Business in Saudi Arabia? Very Quietly, Good deals (and plausible deniability) make good neighbours, Bloomberg, 2-2-2017.

بلومبيرج: شركات إسرائيلية في السعودية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى