تداعيات كوفيد-19 على المكافحة الدولية للإرهاب البيولوجي
مقدمة:
تطورت أساليب الحرب بتطور التكنولوجيا والأدوات المستخدمة فيها وكان استخدام الميكروبات المختلفة التي قد تسبب تسمما كبيرا أو تؤدي إلى الوفاة تحت اسم الأسلحة البيولوجية التي نجد صور استخدامها في التاريخ الإنساني في مختلف المدنيات القديمة، حيث كان كل من الإغريق والرومان والفرس يلوثون مياه الشرب للجهات المعادية إما بجثث الحيوانات النافقة أو المتعفنة أو حتى بجثث القتلى من البشر[1].
مع التقدم التكنولوجي والعلمي في مجال الأحياء برزت العديد من العلوم التي ساهمت في تطور البشرية في مجال صناعة الأدوية والعلاج خاصة من بعض الأمراض المستعصية، وصاحب ذلك طفرة في صناعة الفيروسات والميكروبات وهو ما أدى إلى بروز خطر جديد عدى ذلك الذي أصبح مألوفا عند الدول في خوض حروبها وهو خطر الإرهاب البيولوجي، هذه الجريمة التي تعد من أخطر التهديدات المحدقة بالأمن الإنساني والسلم الدولي.
جاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة تحت عنوان الإتحاد في مواجهة الإرهاب توصيات استراتيجية عالمية لمكافحة الإرهاب الصادر بتاريخ 27 إبريل 2006 أن التكنولوجيا الحيوية قد أصبحت سلاح ذو حدين فبواسطتها يمكن القضاء على الأمراض المعدية التي تعصف بملايين البشر كما يمكن أن تكون كأداة لإنتاج السموم والمكروبات التي يمكن أن تستعمل كسلاح في الهجمات الإرهابية، ولهذا بات من الضروري تعزيز قدرات الدول لمنع حيازة المنظمات الإرهابية للمواد السامة البيولوجية والاستعداد لأي عمل إرهابي قد تستخدم فيه هذه الأسلحة وتجنيب النظم الصحية العالمية من استخدامات هذه الأمراض كسلاح بيولوجي لبلوغ أهدافها[2].
من هذا المنطلق تبرز أهمية هذه الدراسة خاصة في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها البشرية جمعاء متمثلة في الجائحة العالمية كوفيد-19، وهو الأمر الذي جعل الحديث عن الحرب البيولوجية حديث العام والخاص ويتزايد يوما عن يوم، فإلى غاية كتابة هذه الأسطر لازالت الشكوك قائمة حول انتشار المرض كوفيد-19 وفرضية الإرهاب البيولوجي لازالت قائمة طالما أن فكرة نشأة الفيروس في مختبرات صينية أو أمريكية طرحت بكثرة ولازالت تطرح من طرف دول عظمى عبر تصريحات مختلف مسؤوليها.
الإرهاب البيولوجي يشكل ظاهرة تؤرق المجتمع الدولي الذي سعى جاهدا عن طريق منظماته من أجل الحد من الإرهاب عموما والبيولوجي خصوصا، عن طريق سن اتفاقيات تكمل بعضها بعضا من أجل مكافحة الإرهاب والحد من استخدام الأسلحة البيولوجية وأيضا حمايتها من أيدي الإرهابيين.
لا شك أن الفترة التي تخللتها جائحة كورونا وضعت الدول أمام تقييم للاستعداد الفعلي للإرهاب البيولوجي خاصة مع الأضرار الكبيرة التي تكبدها العالم جراء انتشار هذا الوباء، كذلك أبرزت العديد من المنظمات الدولية مخاوفها بشأن المكافحة المستقبلية لهذا النوع من الإرهاب، وعليه أطرح إشكالية دراستي ماهي انعكاسات جائحة كوفيد-19 على الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب البيولوجية؟
للإجابة عن هذه التساؤلات استعملت المنهج الوصفي في التعريف بالظواهر والإحاطة بمفاهيمها، كما انتهجت المنهج التحليلي في التطرق لمختلف اليونيهب الغامضة في الموضوعـ والتطرق إلى الآراء الفقهية، مع توظيف المنهج التاريخي في العديد من المواضع التي تناولت فيها تجريم الإرهاب والسوابق التاريخية للإرهاب البيولوجي، وعليه تم تقسيم البحث إلى قسمين:
المبحث الأول: الإطار المفاهيمي للإرهاب البيولوجي
شهد العصر الحديث العديد من الأوبئة التي خلفت خسائر مادية وبشرية للمجتمع الدولي كان بعضها نتيجة للعوامل الطبيعية والبعض الآخر اشتبه في كونه من صنع الإنسان لأخيه الإنسان، ولا شك أن هذه الأفعال من أخطر الظواهر على البشرية جمعاء لان الاستخدام السيء للتقنيات المستحدثة في مجال الفيروسات والميكروبات يؤدي إلى عواقب وخيمة وهو ما يعرف بالإرهاب البيولوجي الذي يحتاج إلى الإحاطة بتعريفه (المطلب الأول)، وأيضا المرور بأهم الحوادث المتصفة بكونها عمليات إرهابية (المطلب الثاني).
المطلب الأول تعريف الإرهاب البيولوجي
تعد مسألة التعريف من أهم المسائل التي تساهم في القضاء على ظاهرة معينة، لأن ذلك فيه حصر للأفعال وإدخالها ضمن دائرة اللا مشروعية، وهو ما لم يتحقق في جريمة الإرهاب الدّولي التي بقيت دون تعريف بالرغم من خطورتها التي تهدد كيانات دولية بأكملها،
الفرع الأول: تعريف الإرهاب
تعريف الإرهاب يعد من أعقد الأمور للنظر فيها سواء بالنسبة للأشخاص أو القوى السياسية أو الدّول التي تواجهها، بالإضافة إلى تداخل الاعتبارات السياسية مع الاعتبارات الموضوعية الأخرى وتباين الأهداف فيلتبس الأمر ويزداد الغموض ويصعب التمييز[3]،و لا شك أن صعوبة التعريف ألقت بظلالها على الجهود الداخلية والدّولية لمكافحة هذه الظاهرة، على اعتبار أن حصر الأفعال يوافق مبدأ الشرعية الذي يصعب تطبيقه على جريمة الإرهاب الدّولي، لكن هذا لم يمنع المجتمع الدّولي من محاربته في عديد المناسبات وتحديد الأفعال التي تشكلها، محاولة لحدها على نطاق دولي، ويؤيد جانب من الفقه فكرة عدم البحث عن تعريف محدد للإرهاب لأن إيجاد معايير للتعريف هو أمر بالغ الصعوبة، وإن كان افتقاده يقود إلى نوع من الحيرة والغموض لكن هذا الجانب يرى أيضا أن مجرد وجود صعوبة في التعريف ليس مدعاة للتخلي عن المحاولة ولكنه يبقى ممكنا[4]، فظهرت بعض المجهودات على مستوى الفقهاء والمواثيق الدّولية حاولت إعطاء تعريف لها.
فعرف الإرهاب أنه فعل عنيف منظم يرتكب بقصد نشر الرعب والخوف والرهبة والفوضى في المجتمع كوسيلة من وسائل التهديد الموجه إلى الدّولة (الفئة الحاكمة) أو الجماعات السياسية أو الأحزاب أو المؤسسات الاقتصادية أو الأقليات الدينية [5].
وفي الواقع فإن هذا التعريف يتجه فقط إلى اِستعمال العنف في حين أنه هناك طرق حديثة للإرهاب يذكر منها الإرهاب الإلكتروني الذي يكون في صورة الجريمة الناعمة، ولا يتطلب استعمال العنف والقوة لتحقيق أغراضه، وأيضا الإرهاب البيولوجي الذي يكون في صورة هادئة دون اللجوء إلى التفجيرات المدوية أو استعمال أسلحة القتال التقليدية.
عُرّف الإرهاب أيضا أنه قيام جماعة من الأفراد أو الدّولة بأعمال تتسم بالعنف أو التهديد به بطريقة عمدية منظمة ضد فرد أو جماعة أو دولة أو ممتلكات عامة أو خاصة، ويترتب عليها إثارة الخوف والرعب والفزع عند عامة الناس، وذلك بقصد تحقيق أهداف معينة لصالح القائمين بهذه الأعمال [6].
كما تم تعريفه أنه أعمال العنف غير المشروعة التي تتسم بالجسامة أو التهديد بها ضمن مخطط فردي أو جماعي من شانها إحداث الخوف والفزع في نفوس مجموعة من البشر، وينتج عن هذه الأعمال قتل وإصابة المدنيين الأبرياء لترهيب المستهدفين من أعمال العنف غير المشروعة، وقد ترتكب هذه الأفعال من فرد أو جماعة أو دولة ضد فرد أو جماعة أو دولة لإجبارهم بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل معين، وغالبا ما يكون الهدف سياسيا [7].
ما يؤخذ عن هذا التعريف انه وضع عبارة غير مشروعة دون تحديد المعيار الذي تقاس عليه المشروعية، وكذلك حصر المستهدفين في المدنيين في حين أن العسكريين أيضا هدف وضحايا للجريمة الإرهابية.
كما تم تعريفه بأنه مجموعة من الأعمال التي تقوم بها جماعات معينة لتحقيق أهداف معينة في دولة معينة لتحقيق أهداف معينة سواء أكانت سياسية ـم اقتصادية وباستخدام أساليب مختلفة ترعب الطرف المقابل وبالتالي تخبره على تحقيق أهدافها[8]
لكن صعوبة التعريف لم تمنع الهيئات الدّولية بمعية الدّول من بذل جهود للحد منها، عن طريق البحث عن تعريف لهذه الظاهرة وهو ما تجلى في عديد المواثيق الدّولية التي تعد أهمها اتفاقية جنيف الخاصة لمنع وقمع الإرهاب في 16 نوفمبر 1937 [9].
تضمنت هذه الاتفاقية تعريفين للإرهاب أحدهما تعريف وصف وسلط الضوء على الظاهرة ككل، والآخر ركز على الأفعال التي تعد إرهابا فعرفته بانه الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة والتي تكون من شانها إثارة الفزع والرعب لدى شخصيات معينة أو جماعات من الناس أو لدى الجمهور[10].
بالرغم من أن هذه الاتفاقية هي أول اتفاقية خاصة بالجريمة الإرهابية، إلا أنها أسست لمحكمة جنائية دولية ضد الإرهاب، وألزمت الدّول بمتابعة ومعاقبة مرتكبي الجريمة الإرهابية [11].
تلت هذه الاتفاقية العديد من الاتفاقيات الدّولية الخاصة بصورة معينة من صور الجريمة الإرهابية كما أن الجهود الإقليمية للدول أصبحت في تزايد، وجدير بالذكر أن الجريمة الإرهابية أخذت معنى جديد بعد تفجيرات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، ومع المستجدات الدّولية برزت العديد من المنظمات الإرهابية وتزايدت هذه الجريمة بصورة مرعبة في السنوات الأخيرة.
الفرع الثاني: تعريف السلاح البيولوجي
الأصل العام في العلوم هو التعامل مع الكائنات الحیة بالصفة الوظيفية العلمیة والتشریحیة والتطورية إلا أن توجه البحوث إلى إفراز تطبيقات للعلوم البيولوجية تتوجه إلى صناعة الشر، ومن ذلك على سبیل المثال الأسلحة البيولوجية أو القنبلة البيولوجية. فالوسائل النافعة قد یساء استعمالها لتصبح ضارة بحسب الاستخدام ومثال ذلك الأبحاث التي تجري في مجال المكروبات والفيروسات فهي تهدف بحسب الأصل لصالح البشرية غبر انه من الممكن أن یساء استخدامها فتتحول إلى قنابل جرثومية[12].
وتعتبر الأسلحة البيولوجية من الأسلحة الخطرة ذات التدمير الشامل، والتي لا يمكن إذا ما استخدمت السيطرة على نتائجها، فهي لا تفرق بين المقاتلين والمدنيين، ويمكن أن تتسبب كمية صغيرة من هذا السلاح بهلاك عدد كبير جدا من البشر والكائنات الحية من الحيوان والنبات[13].
تعرف الأسلحة البيولوجية بانها أسلحة تتكون من كائنات حية معدية تعيش وتتكاثر وتزداد خطورتها بمرور الزمن، يمكن استخدامها بواسطة الدول أو الإرهابيين أو المخابرات دون الوصول إلى الفاعل [14].
عرفها معهد ستوكهولم لأبحاث السلاح بأنها: كائنات حية مهما كان نوعها وطبيعتها، أو مشتقة منها، تنقل العدوى، وتسبب المرض والموت للإنسان والحيوان والنبات، وهي تعتمد في تأثيراتها على قدرتها على التكاثر السريع جد ً وهي تعد أخطر فعالية من الأسلحة الكيماوية وأشد فتكاً، مثل جرثومة “الجمرة الخبيثة” التي تؤدي إلى وفاة 90 % من حالات الإصابة بها، وهي تحول نفسها في ظروف بيئية معينة: كالحرارة والضغط والرطوبة [15].
كما تعرف أيضا بأنها عوامل بيولوجية أو جرثومية أخرى أو سمية بغض النظر عن أصلها أو طريقة إنتاجها من أنواع وبكيمات ليس لها أي مبرر لأغراض وقائية أو حمائية أو أغراض سلمية كما تعرف بأنها أسلحة أو معدات أو وسائل اتصال الغرض منها استعمال هذه العوامل أو السمات لأغراض عدائية في صراع مسلح[16]، ولابد في هذا السياق من التفريق بين العامل الجرثومي الممرض وبين السلاح الجرثومي أو البيولوجي إذ أن هذا الأخير يعني اتحاد العامل الممرض بحامل له مثل قذيفة أو طلقة أو صاروخ أو رذاذ [17].أهم أنواعها نجد:
أ. البكتيريا المسببة للمرض: وهي عبارة عن كائنات حية صغيرة جد اً، وتسبب الكثير من الأمراض الخطيرة مثل: الطاعون، والحمى المتموجة.
ب. الفيروسات: هي أصغر الكائنات الحية، وتسبب مرض الجدري والحمى الصفراء.
ج. سموم الميكروبات (التوكسنيات): وتشبه البكتيريا من ناحية الحجم والشكل وتسبب الكثير من الأمراض.
د. الفطريات: من أصل نباتي ومعقدة التكوين، وتسبب التهابات حادة في الرئة[18].
وعليه يمكن تعريف الإرهاب البيولوجي بأنه ذلك الاستخدام المتعمد لبعض الكائنات الحیة الدقيقة والتي تعرف اختصارا باسم المكروبات وكذلك إفرازاتها السامة بهدف إحداث المرض أو القتل الجماعي للإنسان، أو ما یمتلكه من ثروة نباتیة أو حیوانیة، أو تلویث لمصادر المیاه أو الغذاء أو تدمیر للبیئة الطبیعیة التي یحیى فیها والتي قد یشملها التدمیر لعدة سنوات[19]. كما یعرفه بعض الفقه بانه الاستزراع أو النشر المتعمد للكائنات الممرضة من البكتريا، أو فطريات أو فیروسات ونواتجها السامة أو أي مواد ضارة أخرى ناتجة عنها، بهدف نشر المرض في الإنسان أو الحیوان أو النبات مما یؤدي إلى القضاء علیهم[20]ـ كما يعرف أيضا بأنه الأسلوب المتعمد الذي تمارسه بعض الجماعات باستخدام الكائنات الحية وسمومها وذلك لتحقيق هدف معين وهو نشر المرض في الإنسان والحيوان والنبات للقضاء عليها [21].
كما يقصد بالإرهاب البيولوجي إطلاق عوامل بيولوجية أو مواد سمية عن عمد بغرض إلحاق الأذية بالكائنات البشرية أو الحيوانية أو النباتية أو قتلها لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية عبر ترهيب الحكومات أو السكان المدنيين أو إخضاعهم بالقوة [22].
المطلب الثاني: كوفيد-19 صورة للإرهاب البيولوجي
شهد العالم انتشارا كبيرا لكوفيد-19 خلال مدة زمنية قصيرة مخلفا أضرارا كبيرة سواء في الأرواح أو في المجال الاقتصادي أو جميع مجالات الحياة حتى أنه وصف بأخطر وباء منذ 100 عام، ولكن ليس أول جائحة عرفتها البشرية، فهناك العديد من الأمراض التي انتشرت في العالم في فترات مختلفة نتيجة لاستخدام مسبباتها كسلاح بيولوجي من طرف الإرهابيين سواء كانوا دولا أو أفرادا (الفرع الأول) والإشكالية في فيروس كورونا المستجد تبدأ من كون فرضية كونه سلاحا بيولوجيا تم إطلاقه عمدا أو خطا مطروحة (الفرع الثاني).
الفرع الأول: تاريخ حوادث الإرهاب البيولوجي
لم تكن الأسلحة البيولوجية بالتقدم المشهود به الآن لذلك فصور الإرهاب البيولوجي تطورت وفق تطور استخدام التكنولوجيا الحيوية من أجل ارتكاب هذه الجريمة ففي القديم كانت الوسائل تقليدية تتمثل في تلويث المياه بالجثث النافقة والموتى الذي كانوا يعانون من أوبئة، أو التي أصابتها أمراض أما العصر الحديث فقد شهد العديد من الحوادث ففي القرن الثامن عشر عرف الناس الأمراض المعدية المختلفة واستخدامها كسلاح في الحروب غلى الرغم من عدم معرفتهم بأسبابها وكيفية حدوثها[23].
وقد ثبت استخدام الألمان لبكتيريا الانتراكس العضوية في بوخارست برومانيا من أجب نشر العدوى بين الخيول والماشية للأعداء والتي كانت أحد الأسلحة في الحرب المتمثلة في مخزون الغذاء[24].
وهي البكتيريا التي تسبب مرض الجمرة الخبيثة أو مرض الحمى السوداء التي تصيب بشكل رئيسي الحيوانات لاسيما أكلات الأعشاب وينتقل للإنسان غالبا غير انه لم يظهر منذ بداية القرن العشرين ليعود مجددا في بداية القرن الواحد والعشرين إثر هجمات 11 سبتمبر[25].
من ناحية أخرى فإن محاكمات طوكيو لمجرمي الحرب اليابانيين أسفرت عن اعتراف العلماء باستخدامهم أسلحة بيولوجية 12 مرة في هجمات على 11 مدينة صينية مستهدفة هذه الهجمات الآبار ومصادر المياه والطعام من خلال الانتراكس، الكوليرا، السالمونيلا، االشيجيلا، الطاعون[26].
وقد عرفت السنوات الأخيرة نوعا حديثا من الإرهاب البيولوجي هو ذلك النوع الذي يستهدف حياة الأشخاص ويستنزف أموالهم عن طريق الفيروسات المصنعة مخبريا والتي سببت أمراضا انتشر بعضها بسرعة فائقة مثل إنفلونزا الخنازير وأيضا إنفلونزا الطيور إذ أن الشركات العظمى تقوم بإطلاق هذه الفيروسات وتطلق له مصلا أو لقاحا من أجل الربح السريح فكانت بعض اللقاحات يتم إطلاقها حتى دون تجارب سريرية[27].
الفرع الثاني: فرضية “كوفيد-19 “وباء ناجم عن سلاح بيولوجي
أكد العلماء في عديد المناسبات منذ ظهور الوباء وجود فرضية كون الفيروس المستجد كورونا مصنع مخبريا نظرا لاحتوائه على عديد الصفات من الفيروسات المسببة للأمراض التنفسية وأيضا بعض صفات مرض الإيدز خاصة في طريقة مهاجمة الخلايا البشرية والتخفي. لكن لا يمكن تأكيد فرضية تطوير الأسلحة (البيولوجية) الذكية ومنها فيروس كورونا المستجد والذي يأتي في سياق جيل من الحروب البيولوجية، ففي عام 2018 تم تسجيل براءة الاختراع لفيروس (كورونا) في الولايات المتحدة الأمريكية بينما قامت الصين في عام 2003، وعلى يد العالم البيولوجي تشونغ نان شان الرئيس السابق للهيئة الطبية في الصين والعالم، ويعد مرجعا في علم الفيروسات المتعلقة بـالتنفس، الذي كان وراء اكتشاف فيروس سارس الشبيه بفيروس (كورونا)، فقد كان له تصريحات خطيرة أعقاب تفشي فيروس كورونا في ووهان وهي أن الفيروس ليس صيني المصدر[28]، مما يرمي الكرة في ملعب أخر التقطتها الولايات المتحدة الأمريكية لتعبر تصريحات الرئيس دونالد ترامب ومختلف المسؤولين الأمريكيين عن توجيه التهم إلى الصين كون الفيروس سمي بالفيروس الصيني وان المختبرات التي في ووهان هي مصدر انتشاره العالمي.
هناك العديد من الخصائص التي تبين أي نوع من الكائنات الدقيقة هو الأمثل لاستخدامه كسلاح بيولوجي من أهمها سرعة انتشاره، إحداث العدوى مدى السمية التي يحدثها والثبات في الأجواء المتقلبة كذلك سهولة تصنيع وتخزين كميات كبيرة منه في حالة نشطة والقدرة على أحداث المرض بشكل حاد ومؤثر ومميت[29]، وهي الصفات التي يلاحظ اجتماع بعضها في فيروس كورونا المستجد إذ أن صعوبة مواجهة الوباء تتمثل في سرعة انتشاره وصعوبة احتوائه كما انه على الرغم من نسبة وفاة المصابين به التي تعد قليلة بالمقارنة مع السارس والإيبولا إلا أنه حصد عددا كبيرا من الأرواح منذ ظهوره ما يجعل ويعزز فرضية استخدامه كسلاح بيولوجي، مما سبق يمكن إيراد خصائص الأسلحة البيولوجية كما يلي:
-فعالة بدرجة كبيرة لأنها تعيش لتنقل العدوى لفترات طويلة بعد إطلاقها كما أنها لا ترى بالعين المجردة فلا يتم معرفة وجودها وهو ما ينطبق على الفيروس المستجد إذ أنها لا ترى بالعين المجردة كما انه منذ أول ظهور لها لم يتم تحديد سمات معينة لانتقاله.
-وسائل إطلاقها سهلة ومتعددة فقذ يكون عن طريق الرذاذ أو القنابل أو أي وسيلة أخرى غير مشكوك فيها [30].
– سلاح يستهدف كل ما هو حيوي ويحفظ المنشآت الحضرية والمباني المدنية والعسكرية للعدو ولا يحطمها بل يحافظ أيضا على الأبنية والتحصينات والمعامل والمحطات بمعنى أن أرض الخصم الموبوءة تصبح خالية من الأحياء لكنها تبقى محافظة على خصائصها الحضرية[31]، وهو ما تحقق في مختلف الأسلحة البيولوجية المستخدمة قديما أو حديثا، كما يمكن استقراؤه من مخلفات الجائحة العالمية كورونا المستجد إذ أن الدول شهدت اقتصاداتها انهيارا كبيرا خاصة تلك الدول العظمى وهو ما عزز فرضية استعمال الفيروس ضد هذه الدول من اجل القضاء على اقتصادها وبالتالي القضاء على قوتها.
– إن السلاح البيولوجي قابل للتغيير لأنه مصنع مخبريا فبالرغم من كون إطلاق الفيروس عمدا لازالت محل شك واستبعاد إلا أن فرضية تصنيعه مخبريا طرحت من طرف العديد من المختصين كونه يجمع العديد من الصفات التي تتوافر في فيروسات أخرى.
المبحث الثاني: الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب البيولوجي
أدرك المجتمع الدولي خطورة استخدام الأسلحة البيولوجية من طرف الأشخاص المجرمين وسعيا لتجنيب البشرية كوارث من هذا النوع تم سن العديد من الاتفاقيات وإصدار العديد من القرارات على الصعيد الدولي (المطلب الأول) ـ وأيضا إنشاء العديد من المنظمات الدولية التي اسند لها ضمن مهامها الأخرى مكافحة الإرهاب البيولوجي وتداعياته (المطلب الثاني)
المطلب الأول: الصكوك الدولية
مثلت مختلف الصكوك الدولية خطوة جبارة في مكافحة جريمة الإرهاب الدولي البيولوجي والسعي نحو الحد من امتلاك هذه الأسلحة وكان ذلك قبل الحرب العالمية الأولى من خلال بداية تقنين قواعد الحرب، وهي الصكوك التي لم تفلح في الحد من الحرب ولم تجنب البشرية خطرها فتم التطرق إلى ضرورة التدخل من أجل حظر استخدام هذه الأسلحة بعد انتهائها (الفرع الأول)، لكن الأمم المتحدة بمختلف هيئاتها ساهمت بدور فعال في تحقيق بعض لهداف مكافحة الجريمة والوقاية منها (الفرع الثاني).
الفرع الأول: الجهود قبل الهيئة الأممية
أبرم مؤتمر لاهاي الثاني عام 1907 مسفرا عن عقد 15 اتفاقية يتضمن معظمها قوانين الحرب وعاداتها وأعرافها[32]، وتعتبر في مقدمة الاتفاقيات الدولية التي حظرت استخدام القوة وكان موضوعها بشان اقتضاء الديون، حيث كانت الدّولة الدائنة تقوم بمحاصرة الدّولة المدينة وتستولي على سفنها وتقصف موانئها لعدم تمكنها من سداد ديونها لتدهور أحوالها السياسية والاقتصادية[33]، وهو ما تضمنته الاتفاقية الثانية لمنع استخدام القوة لإجبار الدّولة المدنية على الوفاء بديونها وقد استثنت حالة رفض هذه الأخيرة التحكيم لحل النزاع [34]، فقد جاء في اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية على المحظورات المنصوص عليها في اتفاقيات خاصة، يمنع بالخصوص استخدام السم أو الأسلحة السامة[35].
أدى استخدام الأسلحة الكيماوية خلال الحرب العالمية الأولى إلى توقيع بروتوكول جنيف حول حظر استخدام الغازات الخانقة، السامة، أو غيرها من الغازات والموارد البكتريولوجية في الحرب، وقد أعلن البروتوكول على أن: “استخدام الغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات وما يشابهها من سوائل أو أدوات قد تمت إدانتها من جانب الرأي العام بالعالم المتحضر…، ومن أجل قبول هذا الحظر عالميا كجزء لا يتجزأ من القانون الدولي ولكي يصبح ملزما وجزءا من ممارسات الدول، يعلن أن الدول المتعاقدة تقبل هذا الحظر وتوافق على مدة ليشمل الوسائل البكتريولوجية في الحروب وتقبل أن تلتزم بذلك وفقا لشروط هذا الإعلان[36].
ولقد كان استخدام هذه الفئة من الأسلحة محظورا بمقتضى بروتوكول جنيف لعام1925 دون أن يحظر إنتاجها أو تخزينها أو حيازتها أو نقلها، وهو ما اعتبر تقصيرا من جانب هذا البروتوكول، حيث أتاح لليابان فرصة استخدام الأسلحة البيولوجية ضد الصين في أوائل الأربعينات في انتهاك صارخ للمعايير القانونية الدولية، ومن بين ما استعملته اليابان نجد الكوليرا والجمرة الخبيثة والطاعون، وتبلغ تقديرات عدد الصينيين الذين لقوا حتفهم بفعل الأسلحة البيولوجية مئات الآلاف[37].
وقد جاء في هذا البروتوكول أن استعمال الغازات الخانقة أو السامة وكل ما شابهها من مواد سائلة أو معدات في الحرب أمر يدينه عن حق الرأي العام في العالم المتمدن. وأن حظر هذا الاستعمال سبق الإعلان عنه في معاهدات تعد غالبية ومن أجل أن يقبل هذا الحظر على المستوى العالمي كجزء من القانون الدولي ويكون ملزما من حيث الضمير والممارسة لدى الدول[38]، يعلن المتفاوضون: أن الأطراف السامية المتعاقدة طالما أنها ليست أطرافا في المعاهدات التي تحظر هذا الاستعمال، تقبل هذا الحظر وتوافق على تمديده ليشمل وسائل الحرب الجرثومية وتوافق أيضا على أن تلتزم إزاء بعضها البعض بأحكام هذا الإعلان[39].
الفرع الثاني: الجهود في ظل هيئة الأمم المتحدة
قدمت الأمم المتحدة استراتيجية لمكافحة الإرهاب الدولي وقد شددت هذه الاستراتيجية على خطر الأسلحة البيولوجية في استخدامها من قبل الإرهابيين، لكن العيب الذي يرد على هذه الاستراتيجية لأنها لم تحدد معنى الإرهاب، وبذلك تبقى موضوع خلاف بين الدول، إضافة إلى ذلك أن الفشل في الحصول على إجماع الدول بشان هذه الاستراتيجية ليس سببه عدم التفاهم حول الاستراتيجية وإنما حول تحديد مقبول من الجميع لكلمة الإرهاب خاصة من دول الشرق الأوسط، حيث يتم تصنيف الذين يعتبرهم البعض إرهابيين على أنهم مقاومين أو مقاتلين من أجل تحقيق الحرية من قبل البعض الآخر[40].
وحُرر نص الاتفاقية أثناء مؤتمر لجنة نزع السلاح ثم اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة لاحقا وفُتح باب التوقيع على الاتفاقية في لندن وموسكو وواشنطن يوم 10 إبريل 1972، ودخلت حيز التنفيذ يوم مارس عام 1975، عززت الاتفاقية الخاصة بالأسلحة البيولوجية على نحو كبير هذا الحظر بتحريم تطوير الأسلحة البيولوجية وإنتاجها وتخزينها والاحتفاظ بها ونقلها. وفيما يختص بالتطورات الجديدة في التقنية البيولوجية والتهديدات المحتملة، تغطي هذه الاتفاقية جميع العناصر البيولوجية التي ” ليس لها مبررات وقائية أو خاصة بالحماية أو الأغراض السلمية الأخرى”، كما تتضمن وسائل تسليم مثل هذه العناصر، وقد بينت الاتفاقية في ديباجتها الغاية والأسباب بالنص على أن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، تصميما منها على العمل من أجل تحقيق تقدم فعلي نحو نزع السلاح العام[41].
وقد بينت الاتفاقية في ديباجتها الغاية والأسباب بالنص على أن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، تصميما منها على العمل من أجل تحقيق تقدم فعلي نحو نزع السلاح العام الكامل، بما في ذلك حظر وإزالة جميع أنواع أسلحة التدمير الشامل، واقتناعا منها بان حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية البيولوجية وإزالة هذه الأسلحة، عن طريق تدابير فعالة سييسر الوصول إلى نزع للسلاح عام وكامل في ظل مراقبة دولية فعالة.[42]
تماشيا مع مقتضيات هذه الاتفاقية وضرورة ملاحقة الأشخاص مرتكبي جرائم باستعمال الأسلحة البيولوجية تم تعديل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لتصبح لديها الولاية القضائية لتلك الدول التي قبلت التعديل لمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جريمة حرب متمثلة في استخدام أسلحة تستخدم عوامل جرثومية أو عوامل بيولوجية أخرى أو مواد سامة أيا ما كان أصلها أو وسيلة إنتاجها [43].
على صعيد آخر أبرمت العديد من الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب تم فيها التطرق إلى الإرهاب بكل أشكاله بما فيها الإرهاب البيولوجي مثل اتفاقية منع ومعاقبة الإرهاب 1973، والاتفاقية الأوروبية الخاصة بقمع الإرهاب 1977، والاتفاقية الدولية لمناهضة اخذ الرهائن، الاتفاقية المتعلقة بقمع التدخل غير المشروع في خدمات الطيران المدني الدولي بعد أن تزايدت أعمال العنف ضد الطيران المدني[44].
يمكن القول بان مكافحة الإرهاب البيولوجي لا تقتصر على تخصيص ميزانيات جديدة لمكافحته وإنما يجب تعزيز التعاون بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والجامعات ومع مختلف الدول لقطع دابر هكذا إرهاب خاصة أن هذا النوع من الإرهاب عملية سهلة للغاية ولا يحتاج إلى إمكانيات معقدة أو كادر متخصص وإنما يستطيع أي شخص ممارسة هذا النوع من الإرهاب فمثلا هناك تعاون أمريكي سويسري في هذا المجال[45].
كان لمجلس الأمن أيضا دور في مكافحة الإرهاب البيولوجي عن طريق بعض القرارات والتي استهدفت الإرهاب عموما والحد من استعمال أسلحة الدمار الشامل من بينها الأسلحة البيولوجية خصوصا، واهمها القرار 1373 الذي كان نتيجة للهجمات الإرهابية على برجي التجارة العالميين ولا يقتصر هذا القرار على إدانة مظاهر الإرهاب المحددة في أنحاء معينة من العالم بل يتصدى أيضا للإرهاب لوصفه ظاهرة عامة إذ أن هذا الأخير يلاحظ وثيق الصلة بين الإرهاب وحركة نقل المواد النووية والكيميائية والبيولوجية وغيرها من المواد التي تترك آثارا مميتة مؤكدا على ضرورة تعزيز التعاون الدولي والإقليمي في هذا المجال[46].
ركز في نفس السياق أيضا القرار 1540 على أسلحة الدمار الشامل بما فيها البيولوجية والتي تمتلكها جهات غير رسمية أو غير حكومية موكدا أن امتلاكها تهديد للأمن والسلم الدوليين[47]، إذ سعى إلى التوجه إلى الأخطار التهديدية التي يشملها صكوك عدم الانتشار الموجودة آنذاك وخاصة ما تعلق بالتجار غير المشروع بالأسلحة البيولوجية ووسائل إيصالها وما يتعلق بها من مواد[48].
المطلب الثاني: دور المنظمات الدولية
عهد المشرع الدولي في مكافحة الإرهاب البيولوجي إلى بعض المنظمات المتخصصة في هذا المجال، سواء عن طريق الحد من استخدام السلاح البيولوجي وتطوير الأنظمة الصحية لمجابهة الأخطار المحتملة للأمراض والأوبئة التي تسببها الهجمات البيولوجية (الفرع الأول) أو عن طريق التحقيق في احتمالات ارتكاب هذه الجريمة وأيضا ملاحقة مرتكبيها عم طريق المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الفرع الثاني).
الفرع الأول: منظمة الصحة العالمية
خلال تأسيس الأمم المتحدة سنة 1945 أولى الدبلوماسيين المجتمعين آنذاك أهمية إنشاء منظمة الصحة العالمية وتم إقرار دستورها وفق مؤتمر الصحة العالمي المنعقد في نيويورك في الفترة من 9 يونيه الى 22 يوليه 1946، ووقعه في 22 يوليه 1946 ممثلو 61 دولة، إذ بدأ عمل المنظمة منذ هذا التاريخ الذي أصبح يحتفل فيه حاليا بيوم الصحة العالمي، ودخل حيز النفاذ في 7 إبريل 1948، تعمل وفق ستة أقاليم لكل إقليم مكتب خاص.
إن مهام منظمة الصحة العالمية في التصدي لخطر الإرهاب البيولوجي تكون بإنشاء قاعدة بيانات شاملة ووحيدة بشان الحوادث البيولوجية تركز على تحسين نظم الصحة العامة في الدول وتعترف بالحاجة إلى الجمع بين الأطراف لكفالة عدم استخدام نواحي التقدم في مجال التكنولوجيا البيولوجية لاغ أرض إرهابية أو أغراض إجرامية أخرى بل للمصلحة العامة[49]، وفي هذا الاطار تشجع الاستراتيجية العالمية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار 30/288 منظمة الصحة العالمية على تعزيزها للمساعدة التقنية للدول من أجل التعويض بنظمها الصحية للوقاية من الإرهاب البيولوجي والتأهب لمجابهته[50].
كما أن المنظمة تعرضت للنقد من طرف الدول العظمى في طريقة تسييرها للازمة وأنها لم يعد باستطاعتها تقديم الكثير للبشرية في مجال الصحة وبالتالي عدم قدرتها على مجابهة الخطر المتمثل في الإرهاب البيولوجي لان الأمم المتحدة عهدت لهذه المنظمة في عديد المناسبات بالسعي لترقية النظم الصحية كوسيلة وقائية للخطر البيولوجي غير أن الأرقام والتصريحات المختلفة لمسؤولين المنظمة اتسمت بالتذبذب.
ومما لا شك فيه أن الوباء العالمي كوفيد-19 انعكس سلبا على معنويات الدول في مجابهة هكذا أخطار وفي آن واحد خلق ثقة لدى الإرهابيين في كمية الخسائر التي يتكبدها المستهدف بالسلاح البيولوجي وهو ما يشهده العالم حاليا من ركود وانهيار اقتصادي.
الفرع الثاني: المنظمة الدولية للشرطة الجنائية
أوجد المجتمع الدولي جهاز شرطي دولي يسمى بالإنتربول وهو اختصار لعبارة منظمة الشرطة الجنائية الدولية والتي تتولى متابعة المجرمين والقبض عليهم في حال فرارهم من دولة إلى أخرى لأجل التنصل من المتابعات الجزائية.
يمكن تعريفها بانها عبارة عن منظمة دولية حكومية دائمة، تتمتع بالشخصية القانونية الدولية، والأهلية القانونية اللازمة للقيام بمهامها، تم أنشاؤها من قبل مجموعة من الدول بمقتضى وثيقة أطلق عليها اسم “الدستور” بغرض الإشراف والتنسيق، ودعم التعاون الدولي بين أجهزة الشرطة في مجال مكافحة الجريمة [51].
تشارك وحدة الإنتربول لمنع الإرهاب البيولوجي بإمكاناتها المتخصصة في عدد من المشاريع الرامية إلى الحد من تهديد أيّ عمل إرهابي يُرتكب باستخدام مواد بيولوجية كأسلحة. ويركز جزء رئيسي من هذا البرنامج على تنظيم دورات محددة الهدف لتدريب أجهزة إنفاذ القانون على سبل منع الاعتداءات الإرهابية البيولوجية والتأهب لها ومواجهتها. وتشمل هذه الدورات التدريب على بناء القدرات وحلقات عمل وتمارين بالمحاكاة لا يقتصر هدفها على إقامة تعاون على الصعيدين الوطني والإقليمي فحسب، بل تعزيز نهج متعدد الوكالات في هذا المجال أيضا. وإحدى الفوائد الرئيسية لهذا الأمر هي توطيد التعاون بين أجهزة إنفاذ القانون وسائر القطاعات – مثل قطاع الصحة العامة والأوساط الأكاديمية – ما يسهل تبادل المعلومات وإرساء ممارسات عمل موحدة وتنسيق عمليات مشتركة معها وبالإضافة إلى إعداد التقارير الاستخبارية وتعميمها يقوم موظفون متخصصون في المنظمة بتقييم الاحتياجات على الصعيد الوطني أو الإقليمي وتقديم دعم عملياتي للأنشطة التي تنفذها أجهزة إنفاذ القانون في الميدان[52].
الخاتمة
في ختام هذا البحث نستخلص بعض النقاط:
-ليس هناك تأكيد أو نفي بان فيروس كورونا المستجد هو صناعة بشرية وانه وجه من أوجه الإرهاب البيولوجي بالرغم من تحقق جملة من الخصائص في التي تتوافر في السلاح البيولوجي في هذا الفيروس والمرض الذي يسببه.
-على الرغم من خطورة الإرهاب البيولوجي إلا أنها تفتقر إلى إثراء العنصر التشريعي الوطني والدولي خاصة في آليات التعاون الدولي للحد من هذه الظاهرة، فتبقى اتفاقية 1972 تحتاج إلى مواكبة المستجدات الحديثة، وأيضا تلك القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي ذا صبغة سياسية أكثر منها تشريعية في الحد من انتشار أسلحة البيولوجية، وهو ما يبرز من خلال تصريحات الدول في مجال الفيروس من تراشق اتهامات.
-القى عدم تعريف الإرهاب في اتفاقية ذات طابع أممي بظلاله على مكافحة الإرهاب عموما والبيولوجي خصوصا.
ضربت جائحة كورونا دعائم الاطمئنان الدولي الذي ساد قبلها بقدرة الدول على مواجهة أي هجمة بيولوجية إذ أن أعتى نظم الصحة العالمية سقطت مخلفة العديد من الخسائر كما انه في آن واحد بعث برسالة تحفز الإرهابيين للقيام بمختلف العمليات التي من شانها أن تسبب أمراضا أو أوبئة محققة ما لا يتوقعه الإرهابي نفسه من خسائر للفئات المستهدفة.
لتكون دراستنا مثمرة نقدم بعض المقترحات:
يحتاج مجال الصناعة الحيوية والبيولوجية مزيدا من الاهتمام الدولي لأنه دون إيجاد تعاون دولي حقيقي سيكون من الصعب جدا التحكم في هذه الأسلحة لذلك يفضل إعادة النظر في كل الصكوك الدولية ومواءمتها مع ما يعيشه المجتمع الدولي، خاصة أن العديد من الدول التي وقعت عليها وصادقت لازالت تقوم بتجارب في هذا المجال وتملك مختبرات تعرض البشرية أجمع للخطر.
الهامش
[1] – مصطفى عاشور، الميكروبات والحرب البيولوجية، منشأة المعارف، الإسكندرية، دون سنة، ص 6.
[2] – عباسة الطاهر، مجاهدي التوفيق، خطر الإرهاب البيئي على أمن الدولة وتجريمه في التشريعات الجنائية المقارنة، مجلة البحوث العلمية في التشريعات البيئية، المجلد، العدد2، جوان 2018، ص 218.
[3] – محمد حسن محمد علي حسين، جرائم الإرهاب الدّولي، دون طبعة، دون بلد نشر، منشأة المعارف،2013، ص 41
[4] – محمد حسن محمد علي حسين، مرجع سابق، ص 57.
[5] – علي جميل حرب، نظرية الجزاء الدّولي المعاصر نظام العقوبات الدّولية ضد الدّول والأفراد الجزء الأول، الطبعة الأولى، بيروت، منشورات الحلبي الحقوقية، 2013، ص 511.
[6] – أسامة حسين محي الدين، جرائم الإرهاب على المستوى الدّولي والمحلي، دون طبعة، مصر، المكتب العربي الحديث للكتابة، 2009، ص 102
[7] – محمد حسن محمد علي حسين، مرجع سابق، ص 132.
[8] – هها محمد أيوب ذيبان، الإرهاب الدولي البيولوجي مجلة جامعة تكريت للعلوم الإنسانية، المجلد 17، العدد8ـ 2010، ص509.
[9] – أبرمت هذه الاتفاقية إثر اغتيال ملك يوغسلافيا في مرسيليا في أكتوبر 1934 على يد أحد الثوريين الكروات وهي أول محاولة دولية لتقنين جرائم الإرهاب، على الصعيد الدّولي وقد وضعت من طرف 24 دولة، وصادقت عليها دولة واحدة هي الهند، راجع إمام حسنين عطالله، الإرهاب والبنيان القانوني للجريمة دون طبعة، الإسكندرية، دار المطبوعات الجامعية، 2004، ص 166.
[10] – أسامة حسين محي الدين، مرجع سابق، ص 60، وأيضا إمام حسنين عطالله، مرجع سابق، ص 166.
[11] – سبقتها بعض الاتفاقيات التي أشارت إلى جرائم الإرهاب منها على سبيل المثال : الاتفاقية الدّولية بشان تسليم المجرمين والحماية ضد الفوضوية 1903، المؤتمر الأول لتوحيد قانون العقوبات في وارسو 1927، المؤتمر الثالث لتوحيد القانون الجنائي ( بروكسل 1920 )، المؤتمر الرابع لتوحيد القانون الجنائي باريس 1931، المؤتمر الخامس لتوحيد القانون الجنائي ( مدريد 1933 )، المؤتمر السادس لتوحيد القانون الجنائي ( كوبنهاجن 1935 ) لمزيد من التفصيل حول هذه المؤتمرات راجع: عصام عبد الفتاح عبد السميع مطر، الجريمة الإرهابية، دون طبعة، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة،2008،ص،ص 31، 32.
[12] – محمود صالح العادلي، الجريمة الدولية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2003، ص51.
[13] -نعمان عطالله الهيتي، قواعد وأليات التعامل مع الأسلحة المحرمة دوليا، دون طبعة، دار رسلان للطباعة والنشر، سوريا، 2016، ص9.
[14] -عبد الهادي مصباح، الأسلحة البيولوجية والكيميائية، الطبعة الأولى، الدار المصرية اللبنانية، أكتوبر 2000، ص 24.
[15] ميمونة عبدربّه محمّد جبرين، الرّؤية العربّية للإرهاب وأثرها على النّظام الإقليميّ العربيّ، ماجستير، جامعة ال البيت، 2016، ص112.
[16] – دون مؤبف، الاطار القانوني الدولي لمكافحة الإرهاب الكيميائي والبيولوجي والإشعاعي والنووي، مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، متاح على الرابط: https://bit.ly/2XPOX10 تاريخ الاطلاع 22جوان 2020.
[17] – مصطفى قرة الخولي، خفايا السلاح البيولوجي الطبعة الأولى، مؤسسة رسلان علاء الدين للطباعة والنشر، دمشق، ص 43.
[18] – ميمونة عبدربّه محمّد جبرين، مرجع سابق، ص113.
[19]– أحمد محمد علي، الإرهاب البيولوجي خطر یداهم البشرية، مكتبة نهضة، مصر، دون طبعة، 2002، ص7.
[20] – الحسن محمد إبراهيم، الأسلحة الكيماوية والجرثومیة والنووية، مطابع الفرزدق التجارية، الریاض, 1986، ص37..
[21] – مها محمد أيوب ذيبان، مرجع سابق، ص510.
[22] – https://www.interpol.int/ar/4/5/7
[23] – عبد الهادي مصباح، مرجع سابق، ص 48
[24] – المرجع نفسه، ص 49.
[25] – مصطفى قرة خولي، مرجع سابق، ص65.
[26] – عبد الهادي مصباح مرجع سابق، ص50
[27] – مها محمد أيوب ذيبان، مرجع سابق، ص515.
[28] -فؤاد الكنجي، كورونا سلاح بيولوجي بين الواقع والافتراض، متاح على الرابط
تاريخ الاطلاع 22 جوان 2020 الساعة 15.30
[29] – عبد الهادي مصباح مرجع سابق، ص 28.
[30] – المرجع نفسه، ص25.
[31] – مصطفى قرة الخولي، مرجع سابق، ص 43.
[32] – تضمنت اتفاقيات لاهاي ما يلي: الاتفاقية الخاصة بالتسوية السلمية للخلافات الدّولية، الاتفاقية الخاصة بتحريم استخدام القوة لتحصيل الديون التعاقدية، الاتفاقية الخاصة ببدء العمليات العدائية، الاتفاقية الخاصة قوانين وأعراف الحرب البرية، الاتفاقية الخاصة بوضع لسفن التجارية للعدو عند بدء العمليات العدائية، الاتفاقية الخاصة بتحويل السفن التجارية إلى سفن حربية، الاتفاقية الخاصة بوضع الغام تحت سطح
البحر، الاتفاقية الخاصة بالقذف بالقنابل بواسطة القوات البرية خلال وقت الحرب، الاتفاقية الخاصة بتطبيق مبادئ جنيف خلال الحرب البحرية الاتفاقية الخاصة ببعض القيود على ممارسة الحق في الأسر أثناء الحرب البحرية، لاتفاقية الخاصة بإنشاء محكمة دولية للغنائم، الاتفاقية الخاصة بحقوق وواجبات المحايدين في الحرب البحرية، إعلان تحريم إطلاق القذائف والمتفجرات من البالونات، مشروع اتفاقية خاصة بإنشاء محكمة للتحكيم.
[33] – كفاح مشعان العنزي، المسؤولية الدّولية لرؤساء الدّول والحكومات عن ارتكاب الجرائم الدّولية في إطار نظام روما الأساسي الخاص بإنشاء المحكمة الجنائية الدّولية، أطروحة دكتوراه، كلية الدراسات العليا، جامعة القاهرة، دون تاريخ، ص 65.
[34] – محمد حسن محمد علي حسين، جرائم الإرهاب الدّولي واختصاص المحكمة الجنائية الدّولية بنظرها، دون طبعة، الإسكندرية، منشأة المعارف، 2013، ص788.
[35] – المادة 23 من الاتفاقية الخاصة بقوانين وأعراف الحرب البرية.
[36] – سعد الدين مراد، الحظر والقيود على الأسلحة الحديثة في إطار القانون الدولي الإنساني، مجلة جيل حقوق الإنسان العدد 24، متاح على الرابط
[37] -سعد الدين مراد، مرجع سابق،
[38] – نعمان عطالله الهيتي، مرجع سابق، ص10.
[39] – بروتوكول بشأن حظر استعمال الغازات الخانقة والسامة أو ما شابهها والوسائل الجرثومية في الحرب، جنيف، 17 جوان 1925.
[40] – مها محمد أيوب ذيبان، مرجع سابق، ص518.
[41] – نعمان عطالله الهيتي، مرجع سابق ص10.
[42] – المرجع نفسه، ص 11.
[43] – المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي تم إقراره بمؤتمر روما الدبلوماسي سنة 1998، تم تعديله بالمؤتمر الاستعراضي الأول في 2010 بعاصمة أوغندا وخلت التعديلات حيز النفاذ في 2017.
[44] – للاطلاع على هذه الاتفاقيات واتفاقيات أخرى راجع دون مؤبف، الإطار القانوني الدولي لمكافحة الإرهاب الكيميائي والبيولوجي والإشعاعي والنووي، مرجع سابق.
[45] – مها أيوب، مرجع سابق، ص517.
[46]– دون مؤلف، الاطار القانوني الدولي لمكافحة الإرهاب الكيميائي والبيولوجي والإشعاعي والنووي، مرجع سابق.
[47] – القرار 1540 الصادر عن مجلس الأمن اعتمد في إبريل 2004 بالإجماع.
[48] – دون مؤلف، الإطار القانوني الدولي لمكافحة الإرهاب الكيميائي والبيولوجي والإشعاعي والنووي، مرجع سابق.
[49] – مها أيوب، مرجع سابق، ص 519.
[50] – عباسة الطاهر، مجاهدي التوفيق، مرجع سابق، ص 219.
[51]-بشارة عبدالمالك، آلية الإنتربول في مكافحة الجريمة، مذكرة ماجستير، جامعة خنشلة،2010، ص 6.
[52]– وحدة منع الإرهاب البيولوجي للإنتربول، الرابط https://www.interpol.int/ar/4/5/7/3 تاريخ الاطلاع 12 جوان 2020.