أسيا وافريقيادراسات

جنوب شرق آسيا: دراسة جيوستراتيجية وأمنية

إن الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقة جنوب شرق آسيا لا تحتاج لمقدمات، فلطالما كانت و لا تزال قبلة الأنظار والاهتمام الإستراتيجي للعديد من الجيوستراتيجيات الدولية المتنافسة ولعدة قرون. هذه الأهمية متأتية من الموقع الجغرافي الهام، الأهمية الاقتصادية لرابطة الآسيان، إلى جانب أن الأمن الطاقوي العالمي يعتمد في شقه الأكبر على أمن الممرات البحرية المتواجدة بالمنطقة وعلى رأسها مضيق ملقا وبحر الصين الجنوبي. كل هذه العوامل جعلت من المنطقة بؤرة للتنافس الجيوستراتيجي المستقبلي بين أهم القوى العالمية الكبرى، لذا يتوقف مستقبل الأمن بإقليم آسيا الباسيفيك يعتمد على استقرار هذه المنطقة.

مدخل تمهيدي: لماذا منطقة جنوب شرق آسيا بالتحديد؟

تنقسم قارة آسيا إلى عدة نظم إقليمية فرعية: شرق آسيا، جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا، إضافة إلى روسيا في شمال القارة الآسيوية والأوروبية.  وقع اختيار هذه الدراسة للنظام الفرعي لجنوب شرق آسيا نظراً لتزايد أهميته كوحدة مهمة في النظام العالمي، وكذا نتيجة لثلاث تطورات مترابطة: [1]

1- زيادة القدرات والطموحات الوطنية للدول الإقليمية الرئيسية؛

2- الاعتمادات المتبادلة التي تم تأسيسها بدمج منطقة الآسيان في الاقتصاد العالمي؛

3- تحول منطقة جنوب شرق آسيا إلى مسرح لتنافس القوى العظمى على النفوذ.

أصول تسمية منطقة “جنوب شرق آسيا”

دخل مصطلح جنوب شرق آسيا معجم العلاقات الدولية كمنطقة جيوسياسية خلال الحرب العالمية الثانية بإقليم الباسفيك، عندما أطلق البريطانيون في حرب الحلفاء ضد اليابان على قيادتهم العسكرية الإقليمية التي تغطي سيلون (سيرلانكا اليوم)، سوماطرا، تايلاند، بورما والصين الهندية (لاووس، كمبوديا، فيتنام) تم إنشاء قيادة جنوب شرق آسيا (SEAC) سنة 1943 وكان مقرها بكاندي kandy  في Ceylon (سيريلانكا اليوم) .[2] تلك القيادة التي لا تتطابق جغرافيا بالكامل مع جنوب شرق آسيا الحالية، إلا أنها أعطت سياقاً سياسيا لمفهوم المنطقة ذات تماسك سياسي وإستراتيجي والتي كانت بالكاد يلمح إليها في رحلات السفر والاستخدام الأنثروبولوجي.

لكن من منظور جغرافي بحت، تم تحديد المنطقة في وقت سابق بكثير، حين أشار Scott Keltie في مقالته “بعض المشاكل الجغرافية” سنة 1897 إلى “شبه جزيرة المالاوي ومجموعة كبيرة من الجزر في شرق وجنوب شرق آسيا (سوماطرا، بورنو، الفلبين) كفراغات جغرافية سيتم اكتشافها.[3] خلال الحرب العالمية الثانية، لم يكن هناك معنى لمنطقة جنوب شرق آسيا مترابطة سياسيا واقتصاديا، بل كانت عبارة عن منطقة جغرافية حصلت من خلالها الدول الأوروبية وأمريكا على مناطق سيادية، كما أنه لم تكن هناك بنية جيوسياسية موحدة وشاملة لجنوب شرق آسيا، كان يطلق على المنطقة عدة تسميات: الهند البعيد Farther India، شرق الهندEast India، الهند الصينية Indo-China وشبه جزيرة مالاي Malay Peninsula والتي كانت تشير إلى المنطقة بأكملها أو جزء منها.[4]

مع بداية الحرب العالمية الثانية، كانت تايلاند الدولة الوحيدة المستقلة من بين دول المنطقة، بعد هزيمة اليابان سنة 1945 تعهدت الولايات المتحدة منح الفلبين استقلالها وكان ذلك سنة 1946، وبخسارة بريطانيا العظمى للهند سنة 1947، منحت بورما استقلالها سنة 1948 وحررت بريطانيا سنغافورة، ساراواك وشمال بورنيو البريطاني (صباح Sabah) سنة 1963 بدمجها مع مالايا في الاتحاد الفيدرالي الجديد لماليزيا وبعد عامين انفصلت سنغافورة عن ماليزيا.

وسنة 1950، تم تصنيف المنطقة مع الشرق الأقصى معاً، كما يتجلى ذلك في إطلاق اللجنة الفرعية لمجلس النواب وعلى المنطقة بالشرق الأقصى والباسيفيك. كما أطلق الصينيون على المنطقة اسم  Nanyang أو بحار الجنوب والتي تعكس علاقات الألفية الطويلة القائمة على أساس التجارة البحرية والهجرة. [5] وفي 1975 تحصلت فيتنام على استقلالها، وكذلك تيمور الشرقية وبعد شهر من استقلالها تم غزوها من طرف إندونيسيا ولم تسترجع استقلالها ألا في 2002 تحت رعاية الأمم المتحدة. تحصلت بروناي (المحمية البريطانية) على استقلالها عام 1984، واستقلت لاووس وكمبوديا سنة 1953.

واجه قادة الدول الجديدة لجنوب شرق آسيا نفس المهام: توطيد الحكم، ضرورة التأسيس لعلاقات عملية مع الحكام الاستعماريين السابقين على أساس المساواة في السيادة بدلا من التبعية الاستعمارية، استعادة العلاقات بين دول المنطقة والتي عرفت فتور خلال الفترة الاستعمارية والولوج إلى الأسواق المالية العالمية من أجل الوفاء بالوعد لسكانها بالتنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي.

المطلب الأول: الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقة جنوب شرق آسيا

إن الأهمية الجيوستراتيجية للمنطقة لا تحتاج لمقدمات، فقد كانت قبلة الأنظار والاهتمام الإستراتيجي للعديد من الجيوستراتيجيات الدولية المتنافسة ولعدة قرون. واستمدت هذه الأهمية بفعل عدة عوامل: الموقع الجغرافي، العامل الاقتصادي، والعامل الإستراتيجي.

الفرع الأول: الأهمية الجغرافية

نحاول من خلال هذا المطلب إبراز أهمية منطقة جنوب شرق آسيا، وهذا بالتركيز على الموقع الجغرافي والتنوع الديمغرافي.

أولا: جغرافية المنطقة: القرب الجغرافي هو المعيار الأساسي للمنطقة، على الخريطة تقع جنوب شرق آسيا داخل فضاء محصورة من الشمال بالصين ومن الشرق المحيط الباسيفيكي الهادئ ومن الجنوب الشرقي أستراليا، ومن الجنوب المحيط الهندي والجنوب الغربي خليج البنغال والهند.

   ما يقارب نصف مساحتها مياه، فهي تتألف من مجموعة من الجزر وأشباه الجزر والبحار الأرخبيلية ومضائق إندونيسيا، ماليزيا، سنغافورة، الفلبين، وبحر الصين الجنوبي، تختلف فيما بينها من حيث المساحة والشكل الجغرافي. هذه المياه هي الروابط البحرية والعسكرية بين شمال شرق آسيا وجنوب آسيا، الشرق الأوسط وأوروبا، هذه الأهمية الجيوستراتيجية هي أحد الاسباب التي جعلت جنوب شرق آسيا منطقة لتنافس القوى الكبرى. وتسمى أحيانا بأرخبيل الملايو Malay Archipelago والمعروفة الآن في المصطلحات السياسية بدول جنوب شرق آسيا.  ويراد بهذا المصطلح مجموعة الجزر التي يتألف منها الأرخبيل، هذا الموقع الجغرافي الهام وفر لها إمكانيات طبيعية وبشرية واقتصادية كبيرة.[6]

تقسم المنطقة عادة من حيث المظهر الجغرافي إلى قسمين مختلفين:[7]

  • نتوء قاري continental projection أو ما يعرف عادة بالبر الرئيسي Mainland. وتضم الدول التالية: كمبوديا، سنغافورة، وتشكل كل من كمبوديا، لاووس وفيتنام مجتمعة ما يسمى بشبه جزيرة الهند الصينية.
  • الدول البحرية أو ما يعرف بـ maritime land وهيسلسلة من الأرخبيلات تقع جنوب وشرق البر الرئيسي وتضم كل من إندونيسيا، الفلبين، سلطنة بروناي، ماليزيا، وتيمور الشرقية (كانت في السابق جزء من إندونيسيا) هذا التموقع سمح للمنطقة أن تكون همزة وصل بين آسيا والاقيانوس ومركز التقاء لثلاث دول كبرى: الهند، الصين واليابان.

كما تعتبر جنوب شرق آسيا أهم منتجي البترول والغاز الطبيعي وهو ما يمثل عامل تنافس على بحر الصين الجنوبي فرصة لاستغلال حقول البترول والغاز المتواجدة تحت قاع هذا البحر، نظراً لغنى البحر بالرواسب المعدنية: القصدير، النيكل، النحاس والذهب.

   من حيث النطاق المناخي، تقع دول جنوب شرق آسيا ضمن المناطق المناخية المدارية وشبه الاستوائية، ما يسمح لها بالاستفادة من أمطار موسمية تصل إلى أزيد من 2000 ملم سنويا ساعدت على انتشار زراعة الأرز. إلى جانب ذلك، يتميز المشهد الطبيعي لهذه المنطقة بثلاث عناصر مادية متمازجة: السلاسل الجبلية، السهول والهضاب والمياه في شكل بحار ضحلة وشبكات صرف واسعة.

الخريطة رقم 01: جغرافية منطقة جنوب شرق آسيا

جغرافية منطقة جنوب شرق آسيا

Source[8]: An American Strategy for Southeast Asia

1- الجغرافية البشرية

الحدود الجغرافية، تشابه المناخ، الخصائص البيئية المشتركة، فضلا عن الخصائص الطبيعية المشتركة لدول منطقة جنوب شرق آسيا ليست كافية لتعريف المنطقة سياسيا بل تستوجب قواسم مشتركة تتعلق بكيفية تصرف الدول اتجاه بعضها البعض والبيئة الدولية.

  • التنوع الإثني: أوضحت الخرائط العرقية والثقافية، أن القسم القاري لجنوب شرق آسيا يضم ثلاث مجموعات لغوية إثنية رئيسية:[9]
  • عائلة لغة أوسترو-أزياتيك Austro-Asiatic: وتشمل مون Mon، الخمرKhmer (الكمبودية) وفيتنامية.
  • مجموعة Tibeto-Burman: وتعتبر البورمية Burmese لغتها الأساسية.
  • المجموعات القبلية المتحدثة باللغة التايلاندية Tai: والقادمة من جنوب غرب الصين، ويتمركزون بعدد أكبر في تايلاندا، لاوس.

وفيما يتعلق بالقسم البحري لجنوب شرق آسيا، فترجع جذوره اللغوية العرقية إلى الهجرات الأسترونيزية Austronesian جنوبا من الوطن الساحلي للصين وتايوان إلى جنوب الهادئ.  ففي إندونيسيا لوحدها تم إحصاء بها أكثر من ثلاثة ألاف مجموعة لغوية عرقية مختلفة. تعتبر أجيال المهاجرين الصينيين مجموعة إثنية لا تقل أهمية هي الأخرى إلى جانب المزيج العرقي للسكان الأصليين لجنوب شرق آسيا، حيث يبلغ عددهم 25مليون أي أقل من 5% من مجموع سكان جنوب شرق آسيا.

  ب-التنوع الديني: تتطابق الاختلافات في المعتقدات الدينية والممارسات تقريبا مع التقسيم الجغرافي القاري-البحري للمنطقة. حيث يسود القسم البري ديانة ثيرافادا البوذية في ميانمار، تايلاندا، كمبوديا ولاوس، في حين يعتبر الإسلام الدين السائد في القسم البحري حيث يدين 40% من سكان المنطقة بالدين الإسلامي الذي جلبه التجار العرب والهنود إلى المنطقة مع بداية القرن الثالث عشر.

ولا تتوافق فيتنام والفلبين في خصوصياتهم مع قيم الأطراف الأخرى، فمختلف الديانات والطوائف بفيتنام تشترك في موالاتها لمطالب النظام اللينيني العلماني. وهي تتشكل من خليط من الديانات: ثيرافادا البوذية، ماهايا البوذية، المسيحية والكونفوشوسية. وفيما يتعلق بالفلبين، فأكثر من 90% من سكانها يدينون بالديانة المسيحية، إذ لا تزال تلعب الكنيسة الكاثوليكية الرومانية دوراً سياسيا مهماً. [10]

ج- الخصومات والعدوات التاريخية: بالرغم من حداثة تشكل دول جنوب شرق آسيا مقارنة بالنظام الدولاتي الحديث إلا أنها بقية محملة بإرث تاريخي طويل من الحروب، فعلى سبيل المثال دمرت الجيوش البورمية والتايلاندية أراضي بعضها البعض بالكامل لعقود طويلة. كما تصارعت خلال القرن التاسع عشر السلالات التايلاندية وفيتنامية من أجل السيطرة على كمبوديا. وخلال الحرب العالمية الثانية، استرجعت تايلاندا الأراضي الكمبودية، اللاووسية، البورمية والملاوية التي انتزعتها منها فرنسا وبريطانيا فيما سبق. ضف إلى ذلك، أن الماضي التحرري لتايلاند لا يزال يثير الشكوك بين جيرانها بخصوص طموحاتها دون الإقليمية بدليل الهجوم على السفارة التايلندية بنوم بنيه سنة 2003.[11]

وبالقسم البحري لجنوب شرق آسيا، أثارت العناصر الموالية للنظام الإندونيسي خلال حقبة سوكارنو المخاوف بين جيرانها، بأن إندونيسيا تسعى لاستعادة الحدود المزعومة لإمبراطورية Java Majapahit  للعصر الذهبي خلال القرن الرابع عشر.[12]

2- الجغرافيا السياسية والاقتصادية لجنوب شرق آسيا

مثلت التنوعات الإثنية الثقافية لجنوب شرق آسيا الأساس للعلاقات بين الدول الحديثة للمنطقة، إذ منذ استقلالها انتهجت دول المنطقة مسارات سياسية واقتصادية مختلفة.

  • التنوع السياسي: يمكننا أن نلمس التنوع السياسي والاقتصادي لدول المنطقة من خلال عدة معايير:
  • معيار الثقافة السياسية: لم توجد ثقافة سياسية مشتركة في جنوب شرق آسيا، إلى غاية 1990، كان التقسيم السياسي-الجزئي للمنطقة بين الشيوعية وغير الشيوعية. وبخصوص المؤسسات السياسية الرسمية كان هناك تفاوت بينها بشكل كبير: [13]

-الملكية المطلقة: بروناي.

-الملكيات الدستورية: ماليزيا، تايلاند، كمبوديا.

-الجمهوريات التمثيلية: إندونيسيا، الفلبين، سنغافورة، تيمور الشرقية.

-الدولة الاشتراكية: لاووس وفيتنام.

-المجلس العسكري Military Junta: ميانمار.

  • معيار التركيبة الحكومية: نفس الشي فيما يتعلق بالبنية التركيبية الحكومية التي عرفت هي الأخرى تنوع ملحوظ تمثل في:

-النظام الرئاسي: إندونيسيا، الفلبين.

-النظام البرلماني: كمبوديا، تيمور الشرقية، ماليزيا، سنغافورة وتايلاندا.

-الدول التابعة للقيادة اللينينية: لاووس، فيتنام.

-الديكتاتورية العسكرية: ميانمار، بروناي.

إلى جانب ذلك، ابتكر كل من Clark Neher  وRoss Marley  مقياساً للديمقراطية بجنوب شرق آسيا، حيث صنفت الدول وفقه إلى أربع فئات استنادا إلى مشاركة المواطنين، التنافس الانتخابي والحريات المدنية[14]: الديمقراطية (إندونيسيا)، الدول شبه ديمقراطية (ماليزيا، فلبين، تايلاند وتيمور الشرقية)، الدول شبه استبدادية (كمبوديا وسنغافورة)، الدول التسلطية- الاستبدادية (بروناي، لاووس، ميانمار وفيتنام).

إن التغيير السياسي هو عملية ديناميكية من الممكن أن تنتقل فيها الدول من التسلطية إلى الديمقراطية أو العكس. فعلى سبيل المثال كانت تايلاند دولة ديمقراطية في بداية الألفية لكن بعد الانقلاب العسكري لسنة 2006 تحولت إلى دولة تسلطية وفي 2008 أصبحت دولة شبه ديمقراطية. في حين انزلقت الفلبين من دولة شبه ديمقراطية إلى دولة شبه تسلطية، وتحولت كمبوديا نحو الاستبدادية، وإندونيسيا انتقلت من حكم سوهارتو العسكري-الأوليغارشي إلى الديمقراطية التمثيلية الهشة. وانتقلت لاووس وفيتنام وميانمار من قبضة الحكم العسكري القهري إلى الحكم شبه الديمقراطي.

  • مؤشر الحرية السنوي لمؤسسة فريدوم هاوس: هذا المؤشر الذي يقيس الحرية وفق معياري الحقوق السياسية والحريات المدنية، ويمنح الدول درجات من 1 إلى7 أين تمثل7أدنى الدرجات، لتحديد ما إذا كانت الدولة حرة، حرة جزئيا أو ليست حرة.[15] والجدول الموالي يوضح تلك المؤشرات لدول جنوب شرق آسيا حسب إحصائيات 2007 و2018.

جدول رقم01: مؤشرات الحرية لدول جنوب شرق آسيا لسنة 2007و 2018

 

الدولة

 

مؤشرات الحرية لسنة 2007

مؤشرات الحرية لسنة2018

الحقوق السياسية

الحريات المدنية

الحالة

الحقوق السياسية

الحريات المدنية

الحالة

إندونيسيا

2

3

حرة

2

4

حرة جزئيا

الفلبين

3

3

حرة جزئيا

3

3

حرة جزئيا

تيمور الشرقية

3

4

حرة جزئيا

2

3

حرة

ماليزيا

4

4

حرة جزئيا

4

4

حرة جزئيا

سنغافورة

5

4

حرة جزئيا

4

4

حرة جزئيا

كمبوديا

6

5

ليست حرة

6

5

ليست حرة

بروناي

6

5

ليست حرة

6

5

ليست حرة

تايلاندا

7

4

ليست حرة

6

5

ليست حرة

فيتنام

7

5

ليست حرة

7

5

ليست حرة

لاووس

7

6

ليست حرة

7

6

ليست حرة

ميانمار

7

7

ليست حرة

5

5

حرة جزئيا

المصدر: من إنجاز الباحثة اعتمادا على إحصائيات فريدوم هاوس لسنتي 2007  و2018.

يظهر الجدول أعلاه، أن إندونيسيا كانت الدولة الحرة الوحيدة في المنطقة سنة 2007، إلا أنها تراجعت وأصبحت حرة جزئيا سنة 2018، في حين سجلت ستة دول أدنى الدرجات فيما يتعلق بمؤشري الحريات السياسية والمدنية وهذا بالنظر إلى الأنظمة شبه الديمقراطية والتسلطية التي تحكمها.

وسنة 2018، سجلت ثلاث دول فارقا واضحا في مؤشرات الحرية: إندونيسيا؛ تيمور الشرقية وميانمار (المشار إليها باللون الرمادي)، في حين راوحت بقية الدول مكانها ولم تسجل أي تقدم ملحوظ فيما يتعلق بمؤشرات الحرية (المشار إليها باللون الأحمر).  وبالرغم من تحصل ماليزيا على نفس الدرجات، إلا أنها سجلت تقدما ملحوظا فيما يتعلق بالإصلاح الديمقراطي مع انتخابات 2018 وطرد رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق.

 ب-التنوع الاقتصادي: بعد نيلها للاستقلال، كان لدول جنوب شرق آسيا باستثناء بروناي وسنغافورة نفس المشاكل الاقتصادية. وعلى غرار الغالبية العظمى للدول الأفريقية والآسيوية، صنفت دول المنطقة كدول متخلفة، وفيما بعد أطلق عليها بالأقل تطورا، ومن ثم الدول المتطورة. هذه الوضعية تميزت بانخفاض نصيب الفرد من الدخل القومي، ضعف مستويات المعيشية وضعف مؤشرات الأداء الاقتصادي، لهذا احتل التطور الاقتصادي الأولوية لدى هذه الدول.

في البداية، اختيرت مسارات متباينة للتنمية صنفت تقريبا على أنها الاشتراكية ورأسمالية مختلطة. وبالرغم من تحول فيتنام ولاووس إلى إستراتيجيات السوق التي تعمل على دفع الاقتصاديات للدول المجاورة، إلا أنها لا تزال متخلفة عنها ولا تزال كل من كمبوديا، لاووس، ميانمار وتيمور الشرقية ضمن 50 دولة في قائمة الأمم المتحدة للدول الأقل تطوراً ويرتكز هذا التصنيف على: معدل الفقر المدقع، الضعف الهيكلي للاقتصاد وغياب القدرة التنموية [16].  يصنف البنك الدولي اقتصاديات الدول حسب دخلها وفقا لأربع أصناف، بالنسبة لدول جنوب شرق آسيا فهي مصنفة كالآتي:

  • الدول ذات الدخل المنخفض: كمبوديا؛ تيمور الشرقية؛ لاووس؛ ميانمار وفيتنام.
  • الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط: إندونيسيا؛ الفلبين؛ تايلاندا.
  • الدول ذات الدخل العالي والمتوسط: ماليزيا.
  • الدول ذات الدخل العالي: سنغافورة، سلطنة بروناي. [17]

والجدول الموالي يوضح معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي من سنة 2000 إلى 2017 لدول رابطة الآسيان

جدول رقم 02: معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول رابطة الآسيان 2000-2017

الدول

معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي %

المعدل السنوي

2000

2005

2010

2015

2017

2000-2017

بروناي

2.9

0.4

2.6

-0.4

1.3

0.8

كمبوديا

8.4

13.6

6.0

7.0

6.8

7.7

إندونيسيا

5.4

5.7

6.2

4.9

5.1

5.3

لاووس

5.8

7.3

8.1

7.3

6.9

7.1

ماليزيا

8.9

5.3

7.4

5.0

5.9

5.1

ميانمار

13.7

13.6

9.6

7.0

6.8

10.0

الفلبين

4.4

4.8

7.6

6.1

6.7

5.3

سنغافورة

8.9

7.5

15.2

3.0

3.6

5.3

تايلاند

5.4

4.2

7.5

3.0

3.9

4.0

فيتنام

6.8

7.5

6.4

6.7

6.8

6.5

رابطة الاسيان

6.0

5.8

7.5

4.8

5.3

5.3

               

Source[18]: The ASEAN Secretariat Jakarta

الملاحظ من الجدول أعلاه، التطور الإيجابي الذي عرفه الناتج المحلي الإجمالي لدول رابطة الآسيان خلال الفترة 2000-2017، وهذا عقب الانتعاش الاقتصادي من الأزمة المالية الآسيوية في 1998-1999 بمعدل نمو بلغ 6.0 % في عام 2000، واصل الناتج المحلي الإجمالي لرابطة أمم جنوب شرق آسيا نموه بشكل مطرد بمتوسط معدل سنوي بلغ 5.3 % حتى عام 2017.كما يتضح تباين نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بين الدول، حيث سجلت أعلى معدلات نمو سنوية خلال الفترة 2000-2017 في ميانمار (بنسبة 10.0 %)، تليها كمبوديا (7.7 %)، لاووس (7.1 %)، و فيتنام (6.5 %).

إلى جانب التنوع الاقتصادي بين دول المنطقة، تختلف فيما بينها من حيث المساحة، التعداد السكاني، تمركز الموانئ ماعدا بروناي ولاووس، الشيء الذي جعل منها معبرا للهجرات ومسلكا تجاريا مهم، وملتقى لكثير من التيارات الحضارية. فضلا عن أن التباين الجغرافي أسهم في غنى هذه الدول بالموارد الأولية وتنوعها وترتيبها ضمن أكبر وأقوى الاقتصاديات العالمية.

ويوضح المنحى البياني أسفله معدل النمو السكاني لدول رابطة الآسيان ما بين سنة 1980 و 2017، حيث بلغ إجمالي عدد سكان الرابطة 642.1 مليون في سنة 2017. مقارنة بسنة 1980، حيث بلغ تقريبًا 355.2  مليون. في المتوسط، زاد عدد سكان الآسيان بحوالي 7.5 مليون شخص سنويًا بين عامي 1980 و2017.[19] وترجع هذه الزيادة السكانية بالأساس إلى الزيادات الطبيعية وتوسعات العضوية ولا سيما خلال الفترة 1984-1999.

المنحنى البياني رقم 01: معدل النمو السكاني لدول رابطة الآسيان 1980-2017

معدل النمو السكاني لدول رابطة الآسيان 1980-2017

Source[20]: ASEAN Key Figures 2018

الفرع الثاني: الأهمية الاقتصادية

نجحت دول المنطقة باستغلال تنوعها وموقعها الجغرافي الهام بإقامة أكبر وأهم التكتلات الإقليمية وهي رابطة دول جنوب شرق آسيا أو الآسيان ASEAN والتي أصبحت من أهم التكتلات الاقتصادية في العالم وأهمها في القارة الآسيوية، تهدف إلى تحقيق تكامل متين بما يتماشى مع متطلبات وتحديات القرن الواحد والعشرين.[21]

أولا -رابطة دول جنوب شرق آسيا *الآسيان -ASEAN *

أٌنشأت الرابطة كنوع من الحلف السياسي عام  1967لمواجهة الشيوعية في المنطقة بمبادرة خمس دول: ماليزيا، إندونيسيا، سنغافورة، تايلاند، والفلبين وانضمت بروناي سنة 1984، وكان من أهم أهداف الرابطة إقامة منطقة تجارة حرة بين أعضائها يتم خلالها إلغاء كافة القيود الجمركية وغير الجمركية على تجارتها البينية كما تهدف إلى توثيق العلاقات مع دولاً أخرى لإقامة معها مناطق تجارة كاليابان، وكوريا الجنوبية وغيرها، الشيء الذي دفع بالصين في 29 نوفمبر 2004 إلى توقيع اتفاق تاريخي مع رابطة الآسيان يقضي بإقامة أكبر منطقة تجارة حرة في العالم والتي تعد سوقا لأكثر من 1.8 مليار نسمة.[22] وهو في نفس النهج الذي اتبعته بعض الدول كالهند، اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا و نيوزيلاندا، لتوثيق علاقاتها مع دول الآسيان وإقامة منطقة تجارة حرة مماثلة، وبالتالي إقامة سوق آسيوية موحدة بحلول عام .2020[23]  فنجد اليابان مثلا من أكبر الدول المستثمرة في دول الآسيان حيث jصل استثماراتها في ماليزيا 23.8% من جملة الاستثمارات الأجنبية.

هذا، واستفادت المنطقة من انخفاض أجور اليد العاملة المؤهلة، بالإضافة إلى الثروات الطبيعية الهائلة التي تتوفر عليها دول الرابطة.78.7% من الإنتاج العالمي للمطاط الطبيعي، 14.3% من إنتاج الأرز و6.7% من الثروات السمكية. إلى جانب الغاز الطبيعي وهو ما سمح برفع اقتصاديات دولها إلى صفوف الدول المصنعة حديثا، حيث تحتل بورصة سنغافورة المرتبة الثالثة عالميا من حيث حجم التداول، أضف إلى ذلك انفتاحها على العالم الخارجي.

فالرابطة لم تبقى تكتلا اقتصاديا معلقا على الدول الأعضاء بل وثقت علاقاتها مع دول أخرى، واعتمدت على سياسة موجهة للخارج لجذب رؤوس الأموال الأجنبية وجعل الآسيان كقاعدة إنتاجية تنافسية موجهة إلى خدمة السوق العالمية، خاصة بعد اتفاق أعضاءها على إقامة قاعدة أساسية لسوق موحد عام 2020، وبالتالي إقامة أكبر تكتل آسيوي قادر على مواجهة التكتلات الاقتصادية الكبرى كالاتحاد الأوروبي، منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (النافتا) وذلك تحت إطار ما يسمى “بالإقليمية المنفتحة”.[24]

الفرع الثالث: الأهمية الإستراتيجية

تتمتع المنطقة بأهمية إستراتيجية كبيرة حيث تقع المنطقة عند مفترق طرق أكثر ممرين بحريين حركة، حيث يربط ممر شرق-غرب المحيط الهندي والهادي، بينما يربط ممر شمال-جنوب أستراليا ونيوزيلاندا بشمال شرق آسيا. فالممران يشكلان عصب الحياة الاقتصادية لاقتصاديات شمال شرق آسيا والذي تستورد من خلالهما البترول والموارد الطبيعية وتصدر السلع لبقية دول العالم.[25] إذ تنقل هذه الممرات 50%  من التجارة العالمية و33%  من النفط العالمي، ما أهلّها لأن تصبح من المساهمين الرئيسيين في اتجاهات النمو الاقتصادي العالمي.

وبما أن معظم دول اتحاد الآسيان ذات طبيعة ساحلية وتفتقر لقواعد أرضية للتنقل Land-based transport  فأغلب التجارة البينية الإقليمية تعتمد على هذه الطرق المائية، زد على ذلك فكل سفن الشحن تقريبا يستوجب عليها المرور عبر أحد المضائق الثلاث أو ما يسمى بنقاط الاختناق chock points المتواجدة بالمنطقة: مضيق ملقا، مضيق سوندا، مضيق لومبوك وماكسار[26]. وهو ما توضحه الخريطة أدناه.

الخريطة رقم 02: نقاط الاختناق الرئيسية بجنوب شرق آسيا

نقاط الاختناق الرئيسية بجنوب شرق آسيا

Source[27]: Chock points: Maritime Economic Concerns in Southeast Asia

كما أن الدول الإقليمية الثلاث: ماليزيا، إندونيسيا وسنغافورة والتي تقع بمحاذاة هذه النقاط لها إمكانية التحكم في نسبة معتبرة من مجموع التجارة البحرية العالمية.[28]

من المنظور العسكري، تشكل هذه الطرق البحرية أهمية كبيرة كحركة القوات الأمريكية من غرب الباسيفيكي إلى المحيط الهندي والخليج الفارسي. فخلال الحرب الباردة، كان الهدف الأسمى للإستراتيجية الأمريكية هو الحفاظ على حرية الملاحة لسفنها العسكرية لهذه الطرق المائية.[29] إلا أنه ومع زوال التهديدات العسكرية العالمية لصالح الاعتبارات الاقتصادية، فإن الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين مطالبين بإيلاء اهتمام أكبر لسلسلة التهديدات المحتملة (التقليدية أو الحديثة)، حرية الملاحة والإبقاء على قدرة منع الخصوم المحتملين من الإبحار بحرية.

إضافة إلى قدرتها على مجابهة التهديدات العسكرية لحرية الملاحة، فللولايات المتحدة مصلحة إستراتيجية في الإبقاء على الثقة بين دول شرق آسيا، والتي تظل الضامن الجدير بالثقة لحرية الملاحة العالمية، في حين أن حجم التجارة الأمريكية التي تمر عبر هذه الطرق المائية قليلة، إلا أن حلفائها: اليابان، كوريا، أستراليا، الفلبين والدول الصديقة كسنغافورة تعتمد على الطرق البحرية بجنوب شرق آسيا.[30] فعلى سبيل المثال، أكثر من 40% من تجارة اليابان، أستراليا واتحاد الآسيان تمر عبر هذه المضائق.[31] هذا و تعتمد اقتصاديات الولايات المتحدة وحلفائها اليابان، كوريا الجنوبية، الفلبين، تايوان، أستراليا على استقرار منطقة جنوب شرق-آسيا، وعلى وجه التحديد أمن الممرات البحرية التي تعتمد عليها بشكل كبير في تجارتها وأمنها الطاقوي.

سنركز في هذا الإطار، على المكانة المركزية التي يتمتع بها كل من مضيق ملقا وبحر الصين الجنوبي في المعادلة الإستراتيجية المستقبلية لمنطقة جنوب شرق آسيا وآسيا- الباسفيك، على أن نتناول حالة التوتر القائمة في المضيق وبحر الصين الجنوبي بشكل مفصل في العنصر المتعلق بالتهديدات الأمنية.

أولا – مضيق ملقا: تعتبر سلامة الطرق البحرية مسألة حيوية بالنسبة للتزود العالمي بالهيدروكربون، فثلثي البترول الخام حالياً والمنتجات المشتقة المصورة تُنقل يومياً بواسطة الصهاريج،[32] فمن أصل 48 مليون برميل بترول خام هناك أكثر من 35 مليون برميل تمر يوميا عبر نقاط الاختناق والتي من أهمها على الإطلاق مضيق ملقا .إذ يعد من أهم الممرات الإستراتيجية المائية في العالم و أحد أهم ست نقاط الاختناق البحرية في العالم (مضيق هرمز؛ باب المندب؛ البوسفور؛ قناة السويس و قناة بنما) وهو أطول مضيق للملاحة البحرية في العالم، و لطالما شكل جزءا مهماً من الطرق التي تربط العرب بالصين والشرق الأوسط بجنوب شرق آسيا تجارياً منذ قرون.[33]

ويقع المضيق بين الأرخبيل الإندونيسي وماليزيا وسنغافورة، يعبره يوميا أكثر من 11 مليون برميل، أي ربع 4/1 حجم الخام العالمي باتجاه اليابان، الصين، كوريا الجنوبية والساحل الغربي للولايات المتحدة وبلدان أخرى من منطقة المحيط الهادئ. يبلغ طوله 800 كلم وعرضه 2.4كلم عند مضيق سنغافورة، ويُؤمن عبور أكثر من ثلث  3/1 التجارة البحرية العالمية، ووفقا للمنظمة البحرية الدولية، تبحر عبر المضيق حوالي 50 ألف سفينة سنويا، وتنقل حوالي 30%  من السلع التجارية العالمية و 80% من الاحتياجات النفطية لليابان، كما تمر عبره حوالي 11 مليون برميل يوميا ومن المتوقع أن تزداد أهميته خصوصا مع تزايد نقل النفط بحريا.

هذا، وتتواجد خلف هذا المضيق منطقة بحرية جيوستراتيجية تربط العالم البحري للشرق الأوسط بمنطقة شبه القارة الهندية بشمال شرق آسيا وهي بحر الصين الجنوبي، لهذا يمثل المضيق الشريان الحيوي في تأمين الحاجات النفطية للصين المستوردة من الشرق الأوسط وأفريقيا والتي تمر أغلبها منه وكذا واردات حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة كاليابان، كوريا الجنوبية وتايوان.

ثانيا -بحر الصين الجنوبي: ترجع الأهمية الإستراتيجية لبحر الصين الجنوبي إلى عدة عوامل:[34]

  • العامل الجغرافي: هو عبارة عن شبه بحر مغلق يحده من الشمال الصين وتايوان، من الشرق الفلبين ومن الجنوب بروناي وماليزيا ومن الغرب فيتنام، تقارب مساحته حوالي 5 ملايينكلم2 وهو ثاني أكثر ممرات العالم البحرية ازدحاما بسفن التجارة الدولية.[35]

ويقع البحر في طريق تجاري بحري شرياني يربط المحيط الهادئ مع المحيط الهندي، أوروبا، آسيا والشرق الأوسط وآسيا. وترتبط به خمسة من عشر أكبر طرق بحرية تجارية في العالم. يمر عبره ما يقارب من ثلث 3/1 سفن التجارة العالمية، وما يقارب من نصف 2/1 سفن النقل البحري، لهذا يعتبر البحر ثاني أشد الطرق التجارية الدولية ازدحاما بمعدل 150 إلى 200 سفينة يوميا،[36] كما يوجد بالبحر 536  ميناء بحري، اثنان منهما لسنغافورة وهونغ كونغ أكبر وأكثر الموانئ حداثة في العالم. الأمر الذي يجعل السيطرة على هذا البحر من خلالهما للتأثير على حركتي التجارة والملاحة العالميين.

وتعتمد اقتصاديات الدول المشاطئة على البحر والتي في معظمها اقتصادات صاعدة، على التجارة الخارجية كمصدر رئيسي للدخل القومي ومحور مهم في عملية النمو الاقتصادي بدءا من الصين، ومروراً بدول جنوب شرق آسيا في مقدمتها ماليزيا، سنغافورة، إندونيسيا، فيتنام، الفلبين وتايوان.

لهذا، هناك مصلحة أساسية لدى كل هذه الاقتصاديات في ضمان حرية تأمين حركة الملاحة البحرية والجوية في منطقة بحر الصين الجنوبي، وعدم هيمنة أو تحكم دولة محددة في هذا الممر المائي المهم.

  • العامل الاقتصادي: تكمن الأهمية الاقتصادية لهذا البحر تبعاً لتقارير تتحدث عن وجود احتياطات ضخمة من النفط والغاز أسفل قاع البحر. فهو يمثل شرياناً بحرياً حيوياً للتجارة العالمية، إذ تقدر قيمة البضائع التي تنقلها السفن بأكثر من 05 تريليونات دولار سنويا وهي قيمة تعادل ما يزيد على إجمالي الناتج المحلي للهند واتحاد الآسيان مجتمعة.[37]

ج- العامل الإستراتيجي: المتمثل في احتمال حدوث مواجهات عسكرية مستقبلية بين الصين والولايات المتحدة، نظرا لاحتياطات النفط والغاز التي يتوفر عليها البحر، وفي حالة تأكد هذا الاحتمال ستصبح منطقة بحر الصين واحدة من مسارح المواجهة المستقبلية المهمة.

ختاماً، إن الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقة جنوب شرق آسيا ليست وليدة اليوم بل هي قديمة قدم تاريخ المنطقة. لكن الملاحظ في الآونة الأخيرة هو تنامي هذه الأهمية بوتيرة متسارعة، حيث أصبحت المنطقة تشغل حيزاً مهماً في إستراتيجيات القوى الكبرى كالولايات المتحدة والصين وهو ما سنفصل فيه في العناصر القادمة. وهو ما أثبتته وستثبته الأيام القادمة، حيث تشير الدراسات إلى أنه من المتوقع أن تصبح المنطقة مسرحاً لتنافس القوى الكبرى كالولايات المتحدة والصين وبعض القوى الصاعدة كاليابان، الصين، الهند، وأستراليا.

ثالثا- الأهمية الجيوستراتيجية لبحر الصين الجنوبي

يقع بحر الصين بين المحيط الهادئ في الشرق والمحيط الهندي في الغرب، تبلغ مساحته حوالي 447.9 مليون كم مربع ويصل عمقه إلى 245.5 م، يحيط بالبحر 09 دول رئيسية: الصين، فيتنام، كمبوديا، تايلاند، ماليزيا، سنغافورة، إندونيسيا، بروناي والفلبين. يرتبط البحر بالمحيط الهادئ عبر مضيق تايوان وباشي وبالمحيط الهندي عبر مضيق ملقا، وبذلك يعد مضيق ملقا وباشي المضيقين الأكثر أهمية في ضوء تبادل المياه بين بحر الصين الجنوبي وباقي المسطحات المائية.[38] يضم البحر أكثر من 200 من الجزر المرجانية والحيود البحرية والحواجز الرملية، وهي محل خلاف مع الدول المجاورة لها وهو ما يوضحه الجدول الموالي:

الجدول رقم03: الجزر المهمة في بحر الصين الجنوبي

الجزيرة

أطراف النزاع مع الصين

ميستشيف

الفلبين

سبراتلي

تايوان، فيتنام، الفلبين، بروناي، ماليزيا، إندونيسيا

بارسيل

فيتنام

ناتونا

إندونيسيا

مكلسفيلد

تايوان، الفلبين

المصدر[39]: غليان آسيا: بحر الصين الجنوبي ونهاية هادئ مستقر 

ويتوفر البحر على موارد طاقوية هائلة أهمها: النفط والغاز إذ أشارت التوقعات أن موارد النفط المحتملة في هذا الإقليم تصل إلى أكثر من 213 مليار برميل وفي المقابل أشارت دائرة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى أن مجمل الاحتياطات المكتشفة وغير المكتشفة في بحر الصين الجنوبي وصل إلى 28 مليار دولار.[40]  وفيما يتعلق بالغاز الطبيعي، فهو أكثر مصادر الطاقة أهمية في البحر نظرا لاكتشافه في أغلبية دول هذا البحر (بروناي؛ إندونيسيا؛ ماليزيا؛ فيتنام وتايلاندا). وتباينت التوقعات احتياطي الغاز الطبيعي بالبحر حسب الجهات المسؤولة عن إصدارها، إلا أنه عموما تصل إلى 279 تريليون قدم مكعبة تتوزع الكمية الكبرى منها حسب الجدول الموالي:

الجدول رقم04: احتياطي الغاز الطبيعي ببحر الصين الجنوبي

الدولة

احتياط الغاز (تريليون م مربع)

إنتاج الغاز (تريليون قدم مكعب)

إندونيسيا

93

2613

ماليزيا

83

2218

الصين

80

1960

المصدر: من إنجاز الباحثة استنادا إلى المعلومات الواردة في كتاب: دياري صالح مجيد، بحر الصين الجنوبي: تحليل جيوبوليتيكي (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018)، ص. 28.

تشكل أهمية الموقع الجغرافي للبحر وكذا الموارد الطاقوية التي يزخر بها عناصر فاعلة في تحديد الأهمية الإستراتيجية لبحر الصين الجنوبي؛ عن كونه أقصر الطرق التي تصل بين المحيطين الهادئ والهندي؛ واحتواءه على أكثر خطوط الملاحة ازدحاما بحركة السفن في العالم، كل هذه المعطيات تتيح للدولة التي تهيمن على جزره وموارده الطبيعية القدرة على التحكم في واحد من أهم المواقع الجغرافية في المحيط الهادئ ومجمل النطاق الجيوبوليتيكي الأوسع الذي يطلق عليه عادة اصطلاح آسيا-المحيط الهادئ.[41]

الخريطة رقم03: الموقع الجغرافي لبحر الصين الجنوبي

الموقع الجغرافي لبحر الصين الجنوبي

Source[42]: South China

من ناحية أخرى، تبرز الأهمية الإستراتيجية للبحر من خلال مضيق ملقا الذي يؤمن نقل البضائع التجارية ما بين دول أوروبا وآسيا-الباسيفيك نظرا للأهمية الجيوستراتيجية الجيوبوليتيكية التي يتمتع بها بحر الصين الجنوبي، تحول إلى نقطة جوهرية في التنافس الأمريكي في غرب المحيط الهادئ. إذ منذ 2010، ارتبط بقضايا بالاستراتيجية أوسع ذات علاقة بالاستراتيجية البحرية للصين وأيضا بمستقبل الأمريكي في المنطقة.[43]

فضلا عن ذلك، فالأمن الطاقوي العالمي يعتمد في شقه الأكبر على أمن الممرات البحرية المتواجدة بالمنطقة. وبناءً عليه، فاللعبة الكبرى تكمن في التحول الإستراتيجي الذي ستشهده المنطقة ما يمكن أن يكون له تأثير إستراتيجي معتبر ليس على آسيا- الباسفيك فقط بل على العالم بأكمله.

المطلب الثاني: التصورات الأمنية للأمن والاستقرار بمنطقة جنوب شرق آسيا

إن الأهمية الإستراتيجية للمنطقة جعلت منها مسرحاً لتنافس العديد من القوى العالمية على رأسها الولايات المتحدة والصين، ونقطة التقاء مصالح هذه القوى وغيرها كاليابان والهند وأستراليا. وعلى أساس هذا التنوع في المصالح والرؤى، تنوعت التصورات الأمنية لتلك القوى في المعادلة الأمنية للحفاظ على الأمن والاستقرار بالمنطقة، في ظل تغيرات هامة تشهدها القارة الآسيوية بأكملها قد تعيد تشكيل النظام الدولي وصياغة العلاقات بين القوى الكبرى الفاعلة فيه.

ومن أجل رسم صورة أوضح للبيئة الأمنية بالمنطقة ومستقبل المعادلة الأمنية بها، سنكتفي في هذا المبحث بالتركيز على التصورات الأمنية لدول جنوب شرق آسيا، في حين سنفصل في التصورات الأمنية الصينية والأمريكية بشكل مستقل في المباحث القادمة، حيث أن لكل واحدة منها تصور خاص لمصالحها الأمنية والإستراتيجية وكذا سياسات وإستراتيجيات خاصة للتعامل مع معطيات البيئة الأمنية الإقليمية، وذلك بالشكل الذي يكفل لها مصالحها في النهاية بما في ذلك مسائل التعاون الإقليمي.

الفرع الأول: التصورات الأمنية لدول جنوب شرق آسيا

 لمنطقة جنوب شرق آسيا بنية إستراتيجية مهمة جعلتها تدخل في صلب الاهتمامات الإستراتيجية لكبرى القوى العالمية. عرفت البيئة الأمنية الإقليمية للمنطقة خلال الآونة الأخيرة تغيرات مثيرة للجدل بفعل تنامي التهديدات الأمنية التقليدية والشاملة المقوضة للاستقرار بالمنطقة، الشيء الذي دفع بدول المنطقة إلى صياغة تصورات أمنية وفقاً لمعطيات كل فترة ومتطلباتها هذه التصورات شكلت مجتمعة بنى الأمن الإقليمي. هذه الأخيرة تنوعت ما بين انتهاج بعض الدول لإستراتيجيات أمنية بشكل منفرد، واتجاه البعض للتحالف مع الولايات المتحدة وانضمام البعض إلى الأطر الأمنية الإقليمية متعددة الأطراف أو الاعتماد على دبلوماسية الآليات شبه الرسمية وكل هذا بهدف تحقيق الاستقرار الإقليمي.

أولا – الإستراتيجيات الأمنية لدول جنوب شرق آسيا  

سيتم في هذا الإطار التركيز على الإستراتيجيات الأمنية لكل من إندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، تايلاند، سنغافورة وفيتنام نظراً لأدوارها الرئيسية في القضايا الأمنية الإقليمية وكذا الحفاظ على توازن القوى والاستقرار الإقليمي. وما سيلاحظ أن هذه الدول تختلف في طريقة تقييمها للتهديدات والفرص المرتبطة بكل من الصين والولايات المتحدة، في حين تشترك في التفكير الإستراتيجي للنظام الإقليمي.

1- إندونيسيا: تعد إندونيسيا أكبر دولة أرخبيلية في العالم بتعداد سكاني قدره 220 مليون نسمة، يعيشون على 19.000 جزيرة وهي أكبر دولة إسلامية في العالم بها أكثر من 200 مجموعة لغوية وثقافية.[44] كانت إندونيسيا مستعمرة هولندية ونالت استقلالها سنة 1949 ومنذ ذلك الحين، ركزت سياساتها الدفاعية بشكل أساسي على التهديدات الداخلية المقوضة للاستقرار السياسي وتماسك البلاد، فكانت الأولوية الأولى هي بناء أمة تحت الرقابة المشتركة للحكومة والجيش. ووفقا للقانون رقم 3/2002 لوزارة الدفاع، فالهدف الرئيسي لسياسة الدفاع الإندونيسية هو حماية ودعم سيادة الدولة، الحفاظ على السلامة الإقليمية لجمهورية إندونيسيا الموحدة وضمان سلامة الشعب الإندونيسي من جميع أشكال التهديدات والاضطرابات.[45] لهذا تمثلت الأهداف الرئيسية للدفاع الإندونيسي وفقا للكتاب الأبيض للدفاع لسنة 2008 في:[46]

  • ردع جميع أشكال التهديدات ضد إندونيسيا وشعبها،
  • إحباط العدوان العسكري الخارجي،
  • السيطرة على التهديدات العسكرية التي من الممكن أن تكون لها أثار جانبية على السيادة الإندونيسية،
  • السلامة الإقليمية وأمن الأفراد،
  • الإسهام في الاستقرار الإقليمي والسلام الدولي.

كما أكد الكتاب على ضرورة تحسين إندونيسيا لموقفها الدفاعي لدعم وحدة الجمهورية في ظل استمرار التهديدات الرئيسية كالإرهاب والحركات الانفصالية، لهذا أدركت إندونيسيا الحاجة إلى تعزيز قدرات قواتها الدفاعية لمواجهة التهديدات الأمنية البحرية. بلغت ميزانية الدفاع 4.5 بليون دولار أمريكي لسنة2010، أين عرفت زيادة في الإنفاق العسكري من %0.9 إلى 2% من إجمالي الناتج المحلي وذلك بهدف حماية المصالح الاقتصادية والتجارية، إلى جانب ردع المطالب الصينية بالمنطقة الاقتصادية الخالصة الإندونيسية. هذا ويعد الجيش الإندونيسي أكبر قوة بتعداد 330 ألف جندي عادي و40 ألف جندي احتياطي.[47]ويوضح المنحى الموالي تصاعد الإنفاق العسكري لإندونيسيا للفترة ما بين 1990 -2015.

المنحنى البياني رقم02: الإنفاق العسكري لإندونيسيا للفترة ما بين 1990-2015

الإنفاق العسكري لإندونيسيا للفترة ما بين 1990-2015

Source[48] : Kevin Anlidge

كما أفادت تقارير بأن إندونيسيا تعتزم شراء طائرات من طراز C130J وF-16 باستخدام نظام التمويل العسكري الأمريكي الخارجي، كما ذكرت مجلة التكنولوجيا العسكرية بأن إندونيسيا وقعت مذكرة تفاهم مع كوريا الجنوبية لتطوير طائرة مقاتلة من طراز KX-F جيل 4.5.[49] وهو ما يسمح بتحديث القوات وبلغ تعداد القوات البحرية بـ 750 ألف فرد، ويضم سلاح البحرية 29 مقاتلة رئيسية مكونة من 08 فرقاطات و21 سفينة حربية و41 سفينة دورية ومقاتلات ساحلية مدعومة بـ 28 سفينة لوجيستية.[50]

هذا، وارتكزت إندونيسيا في تعاملها مع القضايا الأمنية غير التقليدية كمحدد لسياستها الأمنية الدفاعية باعتبارها جزء من قضايا الدفاع الوطني وعلى هذا النحو تقوم إندونيسيا بانتهاج خطة قائمة على تعزيز قدراتها الدفاعية بإدخال إصلاحات دورية على بنيتها العسكرية، وتتضمن هذه الإصلاحات ممارسة حظر على الجيش بمنع إشراك ضباط عسكريين في السياسة والأنشطة التجارية والفصل بين الأدوار العسكرية والشرطة. إلى جانب ذلك، تربط إندونيسيا بين سياساتها الأمنية ونشاطها الدبلوماسي باعتباره الخط الأول للدفاع وذلك بتفعيل التعاون الإقليمي والدولي. فعلى المستوى الإقليمي، تسعى إندونيسيا للعب دور ريادي ضمن اتحاد الآسيان إلى جانب تحسين الدبلوماسية الحدودية لتسوية النزاعات مع كل من ماليزيا، سنغافورة، الفلبين، فيتنام وتيمور الشرقية.

بالرغم من الأهمية الجيوستراتيجية والإمكانيات الاقتصادية الهائلة التي تتوفر عليها إندونيسيا، إلا أنها كانت عرضة للتطورات الجيوسياسية والتحديات الأمنية والوتيرة المتسارعة لتحديث الأسلحة على الصعيد الإقليمي والمتمثلة في:

  • تنامي القوة الصينية والذي يمثل أبرز جوانب التغيير الإستراتيجي في شرق آسيا.
  • تزايد النزاعات البحرية التي تمثل تحدياً كبيراً للأمن والتماسك الإقليمي لإندونيسيا، حيث أن التوترات بين الصين وبعض دول جنوب شرق آسيا عقدت العلاقات بين الجانبين وأضعفت روابط الوحدة داخل المنظمة الإقليمية.[51]
  • قلق الحكومة الإندونيسية من الوتيرة المتسارعة لتحديث الأسلحة على الصعيد الإقليمي، فالإنفاق الدفاعي بآسيا ارتفع بنسبة2% من 270.6 بليون دولار عام 2010 إلى 344.2 بليون دولار عام 2014.[52]
  • الرابطة المعقدة بين القضايا الأمنية التقليدية وغير التقليدية من شأنها أن تعقد المشهد الإستراتيجي في إندونيسيا.

لهذا، وبعد نهاية الحرب الباردة، ظهر الاستخدام العصري للدبلوماسية الدفاعية والذي تحولت في إطارها المؤسسة العسكرية إلى أداة للقوة الناعمة أو الإقناع لتحقيق أجندة دبلوماسية متنوعة. وأدرج العديد من الباحثين عدداً من الأنشطة ذات الصلة والتي يمكن للحكومة القيام بها في إطار الدبلوماسية الدفاعية على غرار:[53] الاتصالات الثنائية والمتعددة الأطراف بين مسؤولي الدفاع المدني وضباط الجيش السامين، تعيين ملاحق الدفاع بالدول الأجنبية، اتفاقيات التعاون الدفاعي الثنائية، نشر فرق التدريب، التدريبات العسكرية الثنائية أو متعددة الأطراف، توفير المعدات العسكرية وغيرها من المساعدات المادية.

في ذات السياق، التزمت الدبلوماسية الدفاعية الإندونيسية بثلاث مهام رئيسية:

1- تدابير بناء الثقة وتتضمن زيارات الدولة الرسمية، الحوارات والمشاورات، تبادل المعلومات، الشراكات الإستراتيجية، تبادل الموظفين والتدريبات العسكرية المشتركة.

2- تعزيز القدرات الدفاعية وتشمل المساعدة العسكرية، شراء الأسلحة،

3- تطوير الصناعة الوطنية الدفاعية تشمل نقل التكنولوجيا، تنمية التعاون والبحث والاستثمارات في المشاريع المشتركة. [54]

وأوكلت هذه النشاطات إلى الوكالات المكلفة إما قوات الدفاع الإندونيسية أو وزارة الدفاع، فخلال الفترة الممتدة من 1966 إلى 1998 هيمنت قوات الدفاع الإندونيسية على صناعة السياسة الخارجية بما في ذلك صنع السياسات تجاه الصين في السبعينات. لكن اليوم، تغير الوضع وأصبح عمل الضباط العسكريون مجرد “دبلوماسيين مخلصين” في إطار دبلوماسية الدفاع الثنائية ومتعددة الأطراف الإندونيسية. [55]

في ظل هيكل القوة المتغير بجنوب شرق آسيا، تبنت إندونيسيا إستراتيجية التحوط لتجنب أي حالة يتعين عليها أن تقرر التحيز لاحد من جانبي القوى الكبرى المتنافسة على حساب دولة أخرى.[56] وبالنظر لموقعها الجيوستراتيجي ومستوى القوة العسكرية، من المستبعد أن تنتهج إندونيسيا موقفاً عدائياً اتجاه دول أخرى، فهي تجمع ما بين آليات “المشاركة والتكامل الإقليمي” مع مقاربة “التوازن” الواقعية في شكل التحديث العسكري والتعاون الأمني مع الشركاء الإستراتيجيين. وبهذه الطريقة تحافظ الحكومة الإندونيسية على سلسلة كبيرة من الخيارات الإستراتيجية لتحقيق أجندة سياستها الخارجية والدفاعية.[57]

2- سنغافورة: سنغافورة جزيرة صينية تقع في بحر الملايا،[58] تبلغ مساحة 660 كم2، بتعداد سكاني يبلغ 5.077 مليون نسمة، تقع ضمن خطوط بحرية مهمة للاتصال الجيوستراتيجي بجنوب شرق آسيا. ساهمت عوامل الموقع الجغرافي، نقص الموارد الطبيعية والتعدد العرقي كلها في تشكيل السياسة الخارجية وكذا الدفاعية لسنغافورة والتي يحكمها منطق أولويات الدول الصغيرة والذي من ميزاته: الديناميكية، التغيير والتعديل المستمر.[59]

مر تطور السياسة الخارجية وكذا الدفاعية لسنغافورة بمرحلتين أساسيتين: مرحلة الحرب الباردة ومرحلة ما بعد الحرب الباردة. وفي كلتا المرحلتين اعتمد القادة السنغافوريين على تصورات المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية (البقاء، الأمن الوطني) إلى جانب المقترب البنائي.

أ-مرحلة الحرب الباردة: خلال هذه المرحلة، ركزت السياسة الخارجية لسنغافورة على كيفية ضمان بقاءها وأمنها الوطني ونموها الاقتصادي بدون تدخل خارجي فضلا عن كيفية إدارة انكشافيتها داخلياً وخارجياً. على المستوى الداخلي، مثلا البقاء والأمن الأهداف العليا للدول في ظل النظام الدولي الفوضوي وبالنسبة للدول الصغيرة كسنغافورة، فإن ضمان البقاء بمفهومه المادي والاقتصادي يعتبر أمراً مصيرياً[60]،كما أن افتقار سنغافورة للموارد الطبيعية وصغر الأسواق المحلية خلق عقبات ملازمة للنمو الاقتصادي. هذا إلى جانب، صعوبة مهمة ضمان التكامل الوطني والأمن الوطني داخل البناء الاجتماعي السنغافوري متعدد الأعراق. وتبنت سنغافورة في هذه الفترة المقترب الهوبزي لضمان أمنها، فركزت على تقوية وضعها الداخلي، حلّ القضايا الداخلية وتحسين قوتها الاقتصادية، السياسية والأمنية.[61]

ففي كتابه “سياسة سنغافورة الخارجية: التعامل مع الانكشافية”، أوضح مايكل ليفر Michael Leifer أن القادة السنغافوريين عالجوا قضايا السياسة الخارجية بنمط واحد، انطلاقا من التصور الواقعي التقليدي الذي يستوجب على الدول الصغيرة أن تتماشى مع العالم العدائي الخالي من حكومة مشتركة.[62]

وعلى المستوى الخارجي، أسهمت العوامل الجيوستراتيجية والتاريخية في تأصُل الانكشافية، فموقع سنغافورة كدولة صغيرة ذات أغلبية صينية مجاورة لأكبر جيرانها الملايويين، أسهم في تعميق حالة اللا أمن والتي تضاعفت بفعل ظروف انفصال سنغافورة عن ماليزيا الفيدرالية سنة 1965، فضلا عن العداوة التي أظهرتها إندونيسيا اتجاهها خلال وعقب أحداث Konfrontasi* أو المواجهة التي بقيت راسخة في أذهان القادة السنغافوريين. وعليه، شكلت الانكشافية مسألة جوهرية في السياسة الخارجية لسنغافورة.

إلى جانب هذا، صعّد تنافس القوي العظمى خلال الحرب الباردة من انكشافية سنغافورة. و انطلاقا من التصور الواقعي للسياسات الدولية المتضمن التسليم بالغايات و اقتناص الفرص، عرفت سنغافورة كيف تستغل ببراعة الفرص التي أحدثتها الحرب الباردة على الساحة الجيوسياسية والاقتصادية على حد سواء.[63] فجيو سياسياً، استحسنت سنغافورة نظام توازن القوى الإقليمي والذي كان لصالح بقاءها ورفاهيتها، واقتصاديا، نجحت في تأمين تدفق منتظم للاستثمارات الأجنبية وحرية الوصول للأسواق الغربية عن طريق تشكيل نفسها كمدينة عالمية global city  بمعنى إدماج نفسها بسرعة في اقتصاد السوق الدولي والموافقة على استضافة الشركات متعددة الجنسيات في وقت تشكك أغلب دول العالم الثالث فيها وبذلك استطاعت سنغافورة على جعل للدول الغربية حصة في بقاءها ورفاهيتها.[64]

مجمل القول، كانت فترة الحرب الباردة ونظام القطبين فترة استقرار نسبي لسنغافورة، إضافة إلى أن سلوكيات القوى العظمى خلال هذه الفترة منحت هامشاً معيناً من الفرص للدول الصغيرة لتعزيز ظروف استقرارها. وفي إطار سعيها لجذب اهتمام القوى الكبرى وردع أي هجوم محتمل، نجحت سنغافورة في تشكيل روابط تجارية قوية ليس مع الولايات المتحدة واليابان فقط بل مع الاتحاد السوفياتي والصين أيضا.[65]

ب-مرحلة ما بعد الحرب الباردة: كما سبق ذكره، فقد شكّل البقاء، الأمن الوطني والرفاه الاقتصادي جوهر أهداف السياسة الخارجية السنغافورية لفترة الحرب الباردة ساعدها في تحقيقها ذلك: القدرة الاقتصادية، القوة العسكرية، الجهاز البيروقراطي وطبيعة النظام السياسي. إذ مع نهاية الحرب الباردة، سيطر موضوعي الإقليمية في الميدان الاقتصادي وتوازن القوى الإقليمي في الميدان السياسي والأمني على السياسة الخارجية السنغافورية.

فيما يتعلق بموضوع الإقليمية، فكان تطورها بمنطقة جنوب شرق آسيا الركيزة الرئيسية لنجاح السياسة الخارجية السنغافورية. حيث، كرست الحكومة جهودها الدبلوماسية لتطوير هذا الميدان وأقر القادة الرسميين بإسهام اتحاد الآسيان في استقرار بيئتهم الأمنية الإقليمية.[66]كما أن الهياكل التدعيمية للاتحاد مثلت حجر الأساس للسياسة الخارجية لسنغافورة. [67] فضلا عن أن مقترب متعدد المستويات للاتحاد (المنتدى الإقليمي للآسيان، حوار شانغاريThe Shangri La Dialogue وقمة شرق آسيا) أسهم بشكل كبير في الاستقرار والأمن الإقليمين. وبالرغم من تشكيك بعض القادة السنغافوريين في مستقبل الآسيان، إلا أن سنغافورة كان لها الدور في تعزيز دور الاتحاد في القضايا الأمنية الإقليمية باستضافتها على سبيل المثال لقمة الآسيان الرابعة في جانفي 1992.

هذا، وكان للأزمة الاقتصادية بمنطقة GATT إضافة إلى نزعة إصلاحات السوق الموجهة بمنطقة جنوب شرق آسيا والنمو المثير للترابط التجاري والاستثماري بين شرق آسيا وجنوب شرقها، الفضل في دفع سنغافورة إلى الإمعان أكثر في فرص التجارة والاستثمار الإقليمي، تضمن ذلك: تطويره لأسواق جديدة بالمنطقة، تشجيعها للاستثمارات بشمال الصين، فيتنام، واتحاد الآسيان. فتصور سنغافورة للتعاون الإقليمي واسع ومرن، فالإقليمية بالمفهوم الاقتصادي تتكون من ثلاث مستويات: اتحاد الآسيان ASEAN، المستوى دون الإقليمي يضم سنغافورة، ماليزيا وإندونيسيا، والمستوى الإقليمي الكلي يشمل شرق آسيا وآسيا-الباسفيك. [68]أما ما تعلق بموضوع توازن القوى الإقليمي في الميدان السياسي والأمني، فيذكر أن سنغافورة اعتمدت في بدايتها على قوات الكومنولث لضمان أمنها وبتغير السياسة الدفاعية لبريطانيا عام 1968، اعتمدت سنغافورة على مجهودها الخاص تماشياً مع المقترب الواقعي للشؤون الخارجية لضمان أمنها الخاص.

 وعليه يقوم جوهر السياسة الأمنية الحالية لسنغافورة على دعامتين أساسيتين: الدبلوماسية والردع وذلك للحفاظ على قدر من الاستقرار والسلام في الجزيرة، فدعامة الدبلوماسية تنشُد تطوير والحفاظ على علاقات جيدة مع باقي الدول، في حين تسعى دعامة الردع إلى صدّ التهديدات والمساهمة في المرونة الإقليمية.[69] وقد شبه جوزيف ناي في كتابه “مستقبل القوة” سياسة الردع لسنغافورة بـ «لجمبري المسموم ” poisoned shrimpالذي يبتلع أي هجوم محتمل.[70]

 من جهة أخرى، تقوم السياسة الأمنية لسنغافورة على تعزيز الثقة، التعاون والحوار البناء مع القوات داخل وخارج إقليمها، حيث تركز سياسة الردع على مفهوم تعزيز الدفاع الجماعي المتضمن: الدفاع النفسي، الدفاع الاجتماعي، الدفاع المدني والدفاع العسكري، بهدف مواجهة القضايا ذات الصلة بمنطقة جنوب شرق آسيا بصفة خاصة أو ذات الاهتمام العالمي المشترك والتي تنحصر أساساً في مواجهة التهديدات الناشئة عن الإرهاب ونشاطات الجرائم العابرة للقوميات وكذا المساهمة في أنشطة الإغاثة الإنسانية.[71] إلى جانب ذلك، ترى سنغافورة أن التواجد الأمريكي بآسيا عامل مهم لموازنة صعود الصين والإبقاء على اليابان بمكانها وكذا الحفاظ على الوضع الأمني القائم بجنوب شرق آسيا، وعلى هذا الأساس وقعت سنغافورة مع الولايات المتحدة مذكرة تفاهم سنة 1990 تسمح بنشر القوات العسكرية الأمريكية بسنغافورة ومنذ ذلك الحين أصبحت سنغافورة شريكاً أمنياً أمريكياً مهماً في المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة، بعد أن وقعا الطرفان سنة 2005 على “اتفاقية الإطار الإستراتيجي والتعاون الدفاعي”.[72]

   ما يلاحظ، أن سنغافورة اكتفت بمستوى توقيع الاتفاقيات الأمنية ولم تتجاوزها إلى معاهدة أمنية رسمية.[73] وذلك لضمان أن الولايات المتحدة لن تغمرها بتواجدها كما حصل في كوريا الجنوبية واليابان، إضافة إلى أنها لا تريد أن ينظر إليها على أنها في حالة موازنة مع الولايات المتحدة، الشيء الذي يمكن أن تفسره الصين على أنه تحالف ضدها.[74] فسنغافورة اختارت أن تستفيد من الولايات المتحدة للتحوط اتجاه صعود الصين العدواني و التصحيحي، و هي بذلك تحاول أن تساعد الولايات المتحدة للحفاظ على تواجدها بمنطقة جنوب شرق آسيا، بينما تبقى هي قادرة على الإبقاء على علاقتها وتجارتها مع الصين. وفي الأخير، عملت سنغافورة على توجيه سياستها الخارجية والدفاعية لفترة ما بعد الحرب الباردة لتعزيز مؤسساتية الاقتصاد السياسي الإقليمي، بينما أبقت على الترتيبات الأمنية القائمة منذ فترة الحرب الباردة.

تعتبر سنغافورة أفضل مثال لكيفية استغلال صناع القرار للواقع الجيوبوليتيكي لتغلغل القوى العظمى بالمنطقة لصالحها. فمحدودية قوتها الجغرافية والعسكرية دفعها إلى تأسيس إستراتيجيتها الأمنية الإقليمية الواسعة بالدرجة الأولى على استعارة القوة السياسية والعسكرية من القوى الإقليمية.[75]

3- تايلاندا: سنركز في هذا الإطار على الإستراتيجية الأمنية لتايلاند، أما ما يتعلق بعلاقاتها وتحالفها مع الولايات المتحدة فسيتم التطرق إليه في عنصر سياسة التحالفات.  سعت تايلاندا منذ نيلها للاستقلال لصياغة إستراتيجية أمنية توافقية بين جوارها الإقليمي المضطرب ووضعها الداخلي المتقلب، حيث واجهت نزاعات حدودية مع كل من ميانمار وكمبوديا، ومن جهة أخرى تواجه تايلاندا الانفصاليين الجنوبيين “مسلمي الملايا”، لهذا رأت أنه من الواجب عليها العمل وفق ثلاث مرتكزات لبناء إستراتيجية أمنية متكاملة تمثلت أساساً في:[76]

  • تعزيز القدرات الدفاعية للقوات المسلحة،
  • تنسيق الجهود مع المؤسسات الحكومية الأخرى،
  • تعزيز علاقات التعاون الأمني مع دول الجوار الإقليمي والعالم.

ودفع تراجع التهديدات التقليدية لصالح تنامي التهديدات غير التقليدية إلى التركيز أكثر على إصلاح المنظومة العسكرية وتجهيزها بأحدث تقنيات الدفاع لتصبح أكثر كفاءة وقدرة على التعامل مع هذه القضايا، لهذا عملت تايلاندا على تعزيز التعاون الأمني مع دول الجوار كالصين واليابان، الهند إلى جانب العمل على زيادة النشاط التعاوني الأمني مع الولايات المتحدة. فلتايلاند تاريخ طويل في جذب وتسخير قوة الدول الكبرى في صياغة إستراتيجيتها الأمنية القومية والإقليمية، وهو الشيء الملاحظ في تحالفها مع الولايات المتحدة واصطفافها لاحقاً إلى جانب الصين للتعامل مع التهديد الفيتنامي بين عامي 1970 و1980.[77]

انتهجت بانكوك إستراتيجية مشابهة لسنغافورة، حيث استخدمت المؤسسات متعددة الأطراف والاتفاقيات التجارية لجذب القوى الكبرى إلى المنطقة كوسيلة لضمان الاستقرار، فوقعت على سبيل المثال اتفاقية التجارة الحرة FTA مع أستراليا، الصين والهند. كما سمح الموقع المثالي لتايلاند عند ملتقى طرق شمال شرق وجنوب شرق وجنوب آسيا أن تعزز من المؤسساتية الإقليمية.

إلى جانب هذا، تسعى كل من تايلاندا وسنغافورة إلى تشجيع الهند كقوة عظمى لإبداء الاهتمام بالمنطقة، إلا أن بانكوك بذلت جهداً دبلوماسياً مضاعفاً مقارنة بسنغافورة حيث حاول رئيس وزرائها ثاكسين شينا واتراThaksin Shinawatra بتشجيع الروابط مع جنوب آسيا من خلال المنظمات الاقتصادية مثل BIMSTEC (بنغلاديش، الهند، ميانمار، سيريلانكا والجمعية التعاونية الاقتصادية التايلاندية)، وكذا صياغة منتدى حوار عبر إقليمي جديد (الحوار التعاوني الآسيوي) والذي يجمع دول شرق وجنوب آسيا، إضافة إلى دول الشرق الأوسط.[78]

وكانت هذه التحركات بمثابة محاولات لتقوية الدور القيادي لتايلاند في الشؤون الآسيوية، بعد أن قام الانقلاب العسكري في سبتمبر 2006 بعزل الحكومة التايلاندية وتثبيط النشاط التايلاندي الإقليمي. وفي حوار مع أحد المستشارين الحكوميين التايلانديين أوضح أنه هناك اعتقاد مشترك بأن استغلال الموقع الإستراتيجي لتايلاند يساعد في استعادة الدور التقليدي لجنوب شرق آسيا كجسر إستراتيجي يربط بين أجزاء مختلفة من آسيا العظمى مما سيجعل المنطقة ككل أكثر استقرارا.[79] وفي السياق ذاته، أشار وزير الخارجية جورج يو George Yeo السابق لسنغافورة أن منطقة جنوب شرق آسيا تمثل جسراً ومنطقة عزل ما بين أعظم المناطق الحضارية للصين والهند، فلم تقم الصين ولا الهند بغزو أو احتلال المنطقة أبداً لأنها بمثابة منطقة عزل دون أن تعرقل حركة التجارة.[80]

تشترك سنغافورة وتايلاند في محاولة صناع القرار فيها بتحويل الواقع الجيوسياسي لاختراق القوة العظمى إلى فائدتهم، من خلال رفعهما لمستوى الأهداف الوطنية المتمثلة بتنويع العلاقات الثنائية مع القوى العظمى بالترويج لها كعناصر أساسية في سياسات إدارة الاستقرار الإقليمي.

4- الفلبين: بعد نيلها لاستقلال عن الولايات المتحدة سنة 1946، ارتكزت السياسة الخارجية للفلبين على ثلاث دعائم: حماية وتعزيز الأمن الوطني، ترقية وتحقيق الأمن الاقتصادي، حماية الحقوق وترقية رفاهية ومصالح الفلبين بالخارج، هذه الركائز دعمتها ثمانية حقائق للسياسة الخارجية من أهمها: الصين، اليابان والولايات المتحدة. [81]، لهذا أوضح الدستور الفلبيني في المادة 2 الفقرة 7 أن الفلبين ترفض الحرب كأداة للسياسة الوطنية وتدعم القانون الدولي وسياسة السلم، المساواة والعدالة.[82]

ولتحقيق أهداف سياساتها الخارجية، تعتمد الفلبين بشدة على اتحاد الآسيان حيث تشكل مبادئه حجر الأساس لسياستها الخارجية وكذا تسريع النمو الاقتصادي، التقدم الاجتماعي وتعزيز السلم والتنمية الإقليمين وكلها متضمنة في الدستور الفلبيني.[83]ولهذا، قامت الفلبين سنة 2008 بالمصادقة على ميثاق اتحاد الآسيان لدعم هذا المبدأ إلى حد أبعد، كما حاولت أن تتعامل مع نزاعها الحدودي مع الصين ببحر الصين الجنوبي حول جزر سبارتلي من خلال الإعلان المشترك بين الآسيان-الصين للشراكة الإستراتيجية للسلم والازدهار والذي أصبح يمثل السياق الإقليمي للتعامل مع الصين[84]، إلى جانب اعتمادها على اتحاد الآسيان في سياستها للتحوط. دفع ضعف قدرة القوات المسلحة الفليبينية في الرد على حادثة بحر الصين الجنوبي سنة 1995 ومؤخرا أحداث 11 سبتمبر 2001 وتنامي ظاهرة الإرهاب، الفلبين إلى إعادة مراجعة سياستها وقدراتها الدفاعية وقد أقرت الأوراق البيضاء لوزارة الدفاع سنة 1998 أنه نتيجة تركيز القوات المسلحة على عمليات مجابهة أعمال التمرد الداخلية تم إهمال الدفاع الخارجي للفلبين (مطالبة الجنوب الانفصال عن الشمال وتبنيها للعمل المسلح).

وعليه، ومنذ سنة 2004 اعتمدت الفلبين على تنفيذ برامج إصلاحية في مجالها الدفاعي بهدف تحسين قدراتها العسكرية لمواجهة الأخطار الناجمة عن البيئة الداخلية وكذا الخارجية المترتبة عن الجوار المتقلب.[85]ونتيجة الحاجة المستمرة للأمن والسعي الحثيث لعصرنة القدرات العسكرية، تضمنت الأوراق البيضاء للدفاع لسنة 2012 رؤية حول صيغة الإصلاح والتحول الدفاعي الفلبيني والتي تعكس تماما التوجه نحو الإصلاح والذي من شأنه تلبية الاحتياجات الأمنية لمرحلة القرن الواحد والعشرين التي تعرف تهديدات أمنية من نوع مغاير لما عهدته المنطقة. كما تضمنت هذه الأوراق أهم القضايا التي يجب أن يشملها الإصلاح الأمني الذي يتوقع أن يُفرز بحلول سنة 2028 قدرة الفلبين على مواجهة الأخطار الأمنية التالية:

  • الحفاظ على سلامة واستقرار الفلبين من التهديدات الخارجية والداخلية،
  • تأمين المجتمع ودعم السلطات المحلية،
  • الحد من تأثيرات الكوارث الطبيعية ومن صنع الإنسان،
  • دفع وتوسيع التعاون الأمني الدولي،
  • تعزيز نزاهة المؤسسات الدفاعية بالاشتراك في المبادئ المقبولة لإصلاح القطاع الأمني.[86]

دائما وفي إطار سعيها لضمان أمنها الداخلي والخارجي، قامت الفلبين بتحديد علاقاتها مع الولايات المتحدة، وذلك بعد إصدارها سنة 1991 لقانون حظر إقامة قواعد أجنبية على الأراضي الفلبينية، وعلى إثره أجبرت أمريكا على غلق قواعدها العسكرية بخليج سبيك Subic Bay وكذا القاعدة الجوية كلارك Clark Air Base.

تعتبر الفلبين وتايلاندا الدولتان الوحيدتان اللتان تتمتعا بتحالفات عسكرية رسمية مع الولايات المتحدة، وبالرغم من تراجع أهميتها خلال فترة نهاية الحرب الباردة، إلا أنهما أعادتا إحياء هذه التحالفات استجابة للنهوض الصيني. فعلى سبيل المثال، أعربت مانيلا عن أسفها بإنهاء اتفاقية القواعد العسكرية مع الولايات الأمريكية سنة 1991، وذلك بعد اكتشافها للمنشأة الصينية ودوريات التفتيش البحرية حول الشعب المرجانية Mischief Reef بجزر سبارتلي المتنازع عليها ببحر الصين الجنوبي،[87]وهو الشيء الذي دفع بمجلس الشيوخ الفلبيني سنة 1999 إلى التصديق على اتفاقية القوات الزائرة والتي أعادت تجديد التحالفات من خلال التدريبات العسكرية المشتركة سنة 2000.[88]

وبعد سنة 2001، دُعم التحالف إلى حد كبير أين تم نشر القوات المقاتلة الأمريكية سنة 2002 لتدريب ودعم القوات العسكرية الفلبينية في معركتها ضد أعمال التمرد لجماعة أبو سياف مينداناو والجماعة الإسلامية وهذا في إطار حربها ضد الإرهاب.[89]كما دأب الحليفين على إجراء تدريبات سنوية عرفت بـ Balikatan ببحر الصين الجنوبي، وساعد التحالف الأمريكي-الفلبيني النشط على ترسيخ التواجد الأمريكي بالمنطقة كرادع شامل، الأمر الذي منح الولايات المتحدة دور استشاري طويل المدى في عملية عصرنة القوات المسلحة الفلبينية.[90]

ومواصلة للتعاون بين الطرفين، أعلنت واشنطن في نهاية أكتوبر 2005 مضاعفة دعمها العسكري للفلبين من 30 مليون دولار إلى 55 مليون دولار، كما أعلن الطرفان في 2006 عن تأسيس اتفاقية أمنية جديدة والتي تغطي التعاون في مجال أعمال التمرد، القرصنة، الكوارث الطبيعية، الأمراض والتهديدات غير العسكرية. هذا وأسهم الدعم الأمريكي للإصلاحات الدفاعية في تغير دور القوات المسلحة الفلبينية (AFP) من العمليات الأمنية الداخلية إلى الدفاع الحدودي بما فيها تنمية القدرات الأمنية البحرية في سنة 2016. إلى جانب ذلك، تتلقى الفلبين حالياً ثالث أكبر مساهمة مالية للتمويل العسكري والتعليمي الدولي (IMEF) بمنطقة آسيا-الباسفيك.[91] وسنة 2007 أمدت الولايات المتحدة القوات المسلحة الفلبينية بـ 76 مليون دولار في شكل تجهيزات وخدمات التمويل، فالفلبين تأتي في المرتبة الثانية عشر لأكبر المستفيدين من التمويل العسكري الأجنبي للولايات المتحدة.

وعليه، تواصل الفلبين مساعيها لإصلاح منظومتها الدفاعية بالاعتماد على إسهام الولايات المتحدة لذا تسعى للحفاظ على معاهدة الدفاع المشترك لسنة 1952 من أجل الإبقاء على الترتيبات الأمنية التي تمكنها من إقامة تدريبات مشتركة مع الولايات لمتحدة الأمريكية لزيادة الكفاءات القتالية لقواتها وكذا لإحلال التوازن بينها وبين الولايات المتحدة. هذا، واستنادا إلى أوراق الدفاع والتقييم الدفاعي المشترك الأمريكي-الفلبيني، طور الفلبين برنامج إصلاح دفاعي DFP بهدف تنمية قدرات القوات المسلحة الفلبينية مروراً بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى (2011-2006) تهدف تعزيز القدرات للقيام بعمليات أمنية داخلية.

المرحلة الثانية (2017-2012) تشهد تحسين الدفاع الحدودي.

المرحلة الثانية (2023-2018): والتي ستشهد بدورها تقوية أكبر للدفاع الحدودي وكذا قدرات حفظ السلام.[92]

  إلى جانب هذا كله، فالسياسة الدفاعية بالفلبين تظهر بأن الفلبين تبنت سياسة التحوط لتلبي احتياجاتها الأمنية عن طريق التخطيط لزيادة قدرتها الدفاعية، ولكن في الوقت نفسه التأكيد على حاجتها أن تكون قادرة على طلب المساعدة من دول أخرى وبالتحديد الولايات المتحدة من خلال تحالفها الرسمي معها.[93]

5- فيتنام : تضع فيتنام لسيطرة الحزب الشيوعي فيتنامي VCP (الحزب الوحيد بالبلاد)، وقد حدد خلال اجتماعه الوطني العاشر سنة 2006 السياسة الخارجية الحالية لفيتنام، التي يتمثل هدفها الأساسي في الحفاظ على الاستقلال والاعتماد الذاتي من خلال التعاون والتطور السلمين. ووضعت رسمياً مهام السياسة الخارجية من أجل: الحماية المحكمة للبيئة الأمنية، إحداث أوضاع دولية ملائمة لتسريع التطور الاجتماعي-الاقتصادي للتصنيع الوطني، التحديث، البناء والدفاع الوطني.[94]

تتماشى السياسة الخارجية لفيتنام مع معظم دول الآسيان التي حرصت منذ نيلها للاستقلال على حماية سيادتها من التدخل الخارجي وأولت اهتماما لتطوير اقتصاداتها، مؤسساتها السياسية والمجتمع. ولتحقيق ذلك، تعتمد فيتنام على عضويتها باتحاد الآسيان ومنتدياته. ففي جانفي 2010، حاولت فيتنام بتوليها لإدارة الرئاسة الدورية للاتحاد حشد الدعم الإقليمي للردع الجماعي ضد التصرفات الصينية ببحر الصين الجنوبي، وكذا تنفيذ إعلان سلوك الأطراف الذي وقع في 2004. [95]

إجمالا، تنتمي فيتنام إلى عضوية 63 منظمة دولية من بينها الأمم المتحدة، منظمة التجارة الدولية، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى جانب احتفاظها بعلاقات مع 650 منظمة غير حكومية. وتعتبر الدبلوماسية خط الدفاع الأول لفيتنام، وقد أوضحت الأوراق البيضاء للدفاع الوطني لسنة 2009: “أن فيتنام تعتبر دائما أن المحافظة على بيئة سلمية ومستقرة من أجل التطور الاجتماعي والاقتصادي، التصنيع والعصرنة وإنشاء اقتصاد سوق اشتراكي موجه بمثابة المصلحة الوطنية العليا والهدف الثابت لسياستها الدفاعية الوطنية”.[96] وتضيف ذات الأوراق أن السياسة الثابتة لفيتنام تتمثل في حلّ النزاعات التاريخية وحديثة النشأة حول السيادة الإقليمية في البر والبحر من خلال الوسائل السلمية استنادا للقوانين الدولية. [97]

6- ماليزيا: تطورت السياسة الخارجية لماليزيا منذ استقلالها عن بريطانيا العظمى وجاء ذلك كردة فعل لانعدام الاستقرار الإقليمي بعد الاستقلال، تنافس القوى العظمى خلال الحرب الباردة والتغيرات الناتجة عن نهاية الحرب الباردة وصعود الصين وآسيا-الباسفيك كمركز نفوذ للاقتصاد العالمي. وترتكز السياسة الخارجية الماليزية على مبادئ:[98]

  • التعددية Multi-Lateralism: ترتكز على دعم ماليزيا لكل من الأمم المتحدة، الكومنولث البريطاني، قمة شرق آسيا والمنظمات الوطنية المتعددة والتي شيدت من الأعضاء الأساسيين لرابطة الآسيان والتي تجذب المشاركين الرئيسيين في آسيا-المحيط الهادئ وتربطهم بأوروبا وأمريكا اللاتينية.

تبنت ماليزيا المقاربة البنائية والمؤسساتية الليبرالية كنهج لجعل الدول أكثر تكافلا مع بعضها وترابطا والتعاون للإبقاء على الأمن العالمي. فعلى سبيل المثال، وبالرغم من الانتقادات التي وجهت للمنتدى الإقليمي لاتحاد الآسيان (ARF) وعجزه عن الارتقاء إلى منظمة أمنية إقليمية قادرة على تنسيق استجابات الدول ضد التهديدات الأمنية بآسيا، ترى ماليزيا بأن المنتدى مفيد كأي منظمة للتوافق مع القضايا بشكل أوضح والضغط على الدول الأعضاء للامتثال إلى مفهوم الآسيان لمنطقة السلم، الحرية والحياديةZOPFAN (Zone Of Peace, Freedom And Neutrality).[99] ومن الواضح أن هذه الإستراتيجية قد ساعدت ماليزيا للتحوط دبلوماسيا ضد تهديدات القوى الكبرى.

  • الإقليمية: تعتبر حجر الأساس لمقاربة ماليزيا في علاقاتها الخارجية، فهي تعتبر أحد الأعضاء المؤسسين لاتحاد الآسيان سنة 1967، وأبرزهم تأثيرًا وفعالية داخل الاتحاد، حيث عملت على ترقية “نهج الآسيان” المنادي باتخاذ القرارات بشكل توافقي وترقية مفهوم ZOPFAN. هذا إلى جانب عضويتها في العديد من الترتيبات الإقليمية على غرار اتفاقية الشراكة عبر باسيفيكيةTPP، التعاون الاقتصادي لآسيا-الباسفيك APEC، قمة شرق آسيا EAS. فانطلاقة هذه القمة سنة 2005 كانت باقتراح أولي من ماليزيا والصين بهدف استبعاد بعض القوى الإقليمية المحتملة كالهند، أستراليا ونيوزيلندا.[100]ماليزيا منذ إطلاق رئيس وزرائها مهاتير سنة 1981 لسياسة الاتجاه شرقاً كجزء من إعادة توجيه سياستها الخارجية من بريطانيا العظمى نحو شرق آسيا، تعتبر من الدول الرئيسية الداعمة لتشكيل قمة شرق آسيا للمساعدة على التعامل مع نمو الصين واليابان[101]. في إطار إستراتيجية التحوط، تحاول ماليزيا إلى استخدام المؤسسات الدولية لمواجهة الخطر الناتج عن صعود الصين واليابان واستجابة الولايات المتحدة لذلك.

إلى جانب ذلك، أسست ماليزيا في 2003 مركز جنوب شرق آسيا الإقليمي لمحاربة الإرهاب يجمع بين التدريب وبناء القدرات لعدد الدول والشركاء في المنطقة.[102]

  • التضامن الإسلامي: حافظ ماليزيا على هذا المبدأ من خلال عضويتها بمنظمة المؤتمر الإسلامي (OIC).

فيما يتعلق بالسياسة الدفاعية لماليزيا، فهي ترتكز على ثلاث قواعد أساسية: المصالح الإستراتيجية، مبادئ الدفاع ومفهوم الدفاع الشامل. والهدف من وراء ذلك هو الحفاظ على بيئة إقليمية دولية سلمية ومستقرة لدعم الأولوية العليا لماليزيا ومواصلة التطور الاقتصادي.[103]وبالنسبة للمصالح الإستراتيجية فهي تضم ثلاث مستويات:

  • المناطق المجاورة: الأرض، المياه الوطنية، مضيق ملقا، المنطقة الاقتصادية الخالصة، مضيق سنغافورة والممر المائي بين شبه الجزيرة الملاوية وصباح Sabah وسرواك Sarawak
  • المناطق الإقليمية: جنوب شرق آسيا، جزر أندمان Andaman وبحر الصين الجنوبي.
  • المناطق العالمية: الروابط التجارية العالمية، السلم العالمي وعدم عرقلة التجارة العالمية الماليزية[104].

 إلى جانب ذلك، ترتكز السياسة الدفاعية الماليزية إلى مبادئ الاعتماد الذاتي، التعاون الإقليمي والمساعدة الخارجية.

  • الاعتماد الذاتي: يدعو هذا المفهوم أن تكون ماليزيا قادرة على التعامل بشكل مستقل مع المشاكل الأمنية الداخلية والمنطقة الأمنية المباشرة وهو بذلك يعتبر حجر الأساس للسياسة الدفاعية لماليزيا.
  • التعاون الإقليمي: يرتكز إلى فرضية أن تهديد دول رابطة الآسيان هو تهديد لماليزيا والعلاقات الدفاعية الثنائية.
  • المساعدة الخارجية: تدرك ماليزيا بأنها لا تستطيع الدفاع عن نفسها ضد جميع التهديدات الأمنية، ففي وقت السلم هي بحاجة إلى الدعم المعنوي والمادي والتدريب العسكري لمواكبة التغيرات في العقيدة العسكرية، التكنولوجيا وتوفير المعدات العسكرية متقدمة كالطائرات المقاتلة والغواصات.

فالترتيب الرسمي الوحيد الذي وضعته ماليزيا في مجال الدفاع العسكري هو اتفاقية دفاع القوى الخمسة Five Power Defence Agreement (FPDA) إلى جانب ميثاق الأمم المتحدة الذي مازال يشكل الأساس لموقفها الدفاعي ويعطيها الحق في الدفاع عن نفسها ضد العدوان الخارجي.[105] وضماناً منها لمبدأ الاعتماد الذاتي، فهي تدعم المفهوم الواقعي للمساعدة الذاتية Self-help بدعمها لفكرة الردع و ذلك بواسطة الحفاظ على قوة دفاع ذات مصداقية تتمتع بقدرات قتالية فعالة لردع أي عدوان، فضلا عن الروابط الدفاعية المقربة بينها وبين دول الكومنولث في إطار الاتفاقية السابقة.

نخلص في الأخير، إلى أن اختلاف الموقع الجغرافي لدول جنوب شرق آسيا واختلاف أولوياتها أدى إلى تنوع واختلاف إستراتيجياتها الأمنية. فسنغافورة على سبيل المثال عرفت كيف تستغل الأوضاع الدولية لانطلاقها الاقتصادي وأن تصبح محطة للاستثمارات الأجنبية، إلى جانب استخدامها هي وتايلاندا للمؤسسات متعددة الأطراف لجذب القوى الكبرى كوسيلة لضمان الاستقرار. من جهتها، ارتكزت الاستراتيجية الأمنية لتايلاند على التوافق بين جوارها الإقليمي المضطرب ووضعها الداخلي المتقلب الى جانب تعزيز التعاون مع دول الجوار. وتبنت الفلبين سياسة التحوط لتلبية احتياجاتها الأمنية وكذا إصلاح منظومتها الدفاعية بالاعتماد على التمويل الأمريكي.

فضلا عن ذلك، تعد البنى الأمنية لدول المنطقة مقارنة بكوريا الجنوبية وأكثر نجاعة نظراً لذكائها في كيفية استغلال تنافس القوى الكبرى على أراضيها وتحويله إلى عامل استقطاب للاستثمارات الأجنبية والرقي الاقتصادي، وفي نفس الوقت استغلال العامل الاقتصادي كرادع وتحوط ضد التهديدات الأمنية وتقوية بناها الأمنية.

ثانيا- سياسة التحالفات: كان التقسيم دون الإقليمي لمنطقة المحيط الهادئ والهندي يمتد إلى شمال شرق وجنوب شرق وجنوب آسيا ضرورة بيروقراطية عملية للبنتاغون ووزارة الخارجية، ونتيجة للوضع الجيوسياسي للحرب الباردة. والواقع أن تجارب شمال شرق وجنوب شرق آسيا (التي تشكل في مجموعها شرق آسيا) في مرحلة ما بعد الحرب تشكلت بفعل القوة العسكرية المتفوقة للولايات المتحدة، أين مارست شكلاً من أشكال “القيادة بعيدة المدى” التي سمحت لها بممارسة نفوذ حاسم على المسار الإنمائي للمنطقة بالكامل.[106]

مع بداية الخمسينات، أقامت الولايات المتحدة سلسلة من الشراكات الدفاعية في موقع استراتيجي رئيسي عبر منطقة آسيا -الباسيفيك، عرفت بنظام “سان فرانسيسكو” للتحالفات الثنائية السياسية العسكرية، والذي لايزال يشكل سمة دائمة من سمات البنية الأمنية الإقليمية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. خلال تلك الفترة، شهدت البنية الأمنية بمنطقة جنوب شرق آسيا متغيرات ارتكزت في مجملها على:[107]

  • عدم وجود دول ذات طبيعة ديمقراطية خاصة في إندونيسيا وماليزيا اللتان تمثلان همزة الوصل بين شرق القارة وجنوبها.
  • وجود مصدر للتوتر في الفلبين التي ظهرت بها أصوات تنادي بإتباع النهج الاشتراكي.
  • الوضع المتقلب في فيتنام التي كانت تخوض حرباً ضد المستعمر الفرنسي.
  • وجود فراغ في البنية السياسية للدول المستقلة حديثاً تتطلب التعامل بسرعة بهدف قطع الطريق أمام تأثير الاتحاد السوفياتي، والتي تمثل هذه الدول الفضاء المناسب لنشر أهداف الشيوعية.

و بهذا، مثلت هذه المتغيرات أسساً ارتكزت عليها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لبناء تحالفات مع دول جنوب شرق آسيا، تقوم بالأساس على جعل المنطقة منسجمة مع التصورات الأمريكية وطموحاتها في الريادة العالمية، فضلا عن تكوينها لجدار صد أو حزام أمني لمواجهة الزحف الشيوعي وإبقاء هذا الفضاء خالياً من التوترات التي بدأت تشهدها شرق آسيا.[108] و تم إضفاء الطابع الرسمي على الوجود الاستراتيجي للولايات المتحدة من خلال معاهدات الدفاع مع الفلبين (1951) وتايلاند (1954)، و هذا في إطار إستراتيجية الموازن الإستراتيجي التي تقضي بتشكيل تحالفات أمنية مع دول معينة بالمنطقة و الاحتفاظ بقواعد أمامية في آسيا.

أ- التحالف الأمريكي-الفلبيني: تعد اتفاقية الأمن المتبادل بين الولايات المتحدة والفلبين جزء لا يتجزأ من شبكة الأحلاف الأمريكية في آسيا- الباسيفيك، فالبلدين يجمعهما ارتباط تاريخي مشترك بحكم مرحلة الاحتلال الأمريكي. ففي سنة 1946، وقع الطرفان اتفاق مُنحت بموجبه واشنطن قاعدتين عسكريتين هما كلارك Clark وخليج سوبيك Subic Bay، وذلك بعد أشهر فقط من نيل الفلبين لاستقلالها وفي 1947 أقامت أمريكا قواعد لها في جزيرة لوزون. ولإضفاء صفة القانونية على قواتها المتواجدة بالفلبين وقعت الولايات المتحدة اتفاقية الأمن المتبادل في أوت 1951، وهي عبارة عن تحالف دفاعي والذي بمقتضاه يعتبر أي هجوم مسلح ضد طرف منهما تهديداً لأمن وسلامة الطرف الآخر. كما تعهد الطرفان بتقديم المساندة في حال وجود تهديد مشترك طبقاً للنظم الدستورية المعمول بها في كلا البلدين.[109]

خلال فترة الحرب الباردة، كان الفتور الميزة الغالبة للعلاقات بين واشنطن ومانيلا نتيجة الإدراك السلبي بينهما وغياب التفاهم حول العديد من المسائل كالحاجات والقدرات المتبادلة. ومع ذلك حظي الحلف بأهمية كبيرة للولايات المتحدة حيث كان نوعاً من رد الفعل لإبقاء واشنطن على مقربة من مصادر التهديد في بحر الصين الجنوبي، خاصة بعد إقامة الصين لقواعد بحرية في هذا الفضاء.

 هذا وتمكنت أمريكا من خلال قواعدها المتواجدة بالفلبين، في إطار “اتفاقية القوات الزائرة” التي أبرمت عام 1998، التي منحت وضعا قانونيا لآلاف من الجنود الأمريكيين الذين تناوبوا على زيارة البلاد لإجراء التدريبات العسكرية وتقديم المساعدات الإنسانية من مواجهة التهديدات الأمنية بجنوب شرق آسيا كالمساعي التوسعية فيتنامية في تايلاند، إلى جانب التهديد البحري السوفياتي لخطوط المواصلات الحيوية للقوات الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، هناك مزايا أخرى زادت من أهمية هذه القواعد بالنسبة للولايات المتحدة نذكر من أهمها:[110]

  • الغطاء العسكري الأمريكي الممتد من كوريا إلى الفلبين مروراً باليابان، يضمن الدفاع عن غرب أمريكا وفي المراكز الهامة في شبكة إستراتيجيتها العالمية. وهو ما تأكد خلال حرب الخليج، حيث لعبت هاتان القاعدتان دوراً هاماً في انتشار القوات الأمريكية في المملكة العربية السعودية (عملية درع الصحراء).
  • تمثل القاعدتان أداة أساسية للحفاظ على توازن القوى في الإقليم، حيث بدت الأساليب الدبلوماسية معقدة بسبب الغموض الذي اكتنف أهداف الصين، اليابان والاتحاد السوفياتي.
  • تضمن القوات الأمريكية المتواجدة هناك سلامة الإمدادات الحيوية من الطاقة القادمة من الخليج.
  • تحظى قاعدة خليج سوبيك Subic Bay بأهمية جيوستراتيجية بالغة، وذلك بحكم موقعها الذي يسمح للقوات الجوية الأمريكية بتغطية مناطق غرب المحيطين الهادئ والهندي.
  • حماية المصالح الأمريكية بالفلبين تعد أمراً ضرورياً للحفاظ على دورها الإستراتيجي المهيمن في آسيا وبالضبط في إقليم جنوب شرق آسيا.

  وبنهاية الحرب الباردة، عرفت العلاقة بين الولايات المتحدة والفلبين العديد من التحديات:[111]

  • تمثل التحدي الأول في ضرورة أن يوضح ويعدل كلأهما الإدراك الخاطئ حول القدرات و النوايا للطرف الآخر، وذلك في ظل المتغيرات التي شهدتها بيئة الأمن الدولي.
  • أما التحدي الثاني فتمثل في ضرورة أن يتفهم كل طرف محدودية تعهدات الطرف الآخر بسبب طبيعة السياسيات الداخلية.

وبانهيار الاتحاد السوفياتي وانحسار المد الشيوعي وبدلاً من مراجعة وضعية القواعد الأمريكية بالفلبين، أوضحت الولايات المتحدة أنه لم يعد هناك داعي لتواجد قواتها هناك وعلى أثر قرار مجلس الشيوخ الفلبيني في سبتمبر 1991، أعلنت الولايات المتحدة عن سحب قواتها وذلك وفق مقتضيات ومتطلبات إستراتيجيتها في إقليم آسيا الباسيفيك وكذا منطقة جنوب شرق آسيا بعد الحرب الباردة والتي عرفت بـ “إستراتيجية حفظ التوازن عن بعد ” والتي تقضي بضرورة خفض التواجد العسكري الأمريكي بالإقليم و هو ما سنتطرق إليه في إطار الرؤى الأمنية الأمريكية بجنوب شرق آسيا.

وتبعاً لذلك، أكدت الولايات المتحدة ومن خلال قيادة PACOM أنها تسعى للتخلي عن قواعدها في جنوب شرق آسيا في إطار “إستراتيجية الأماكن لا القواعد” Places not Bases لانتشار القوات البحرية والجوية الأمريكية عبر المنطقة، عن طريق استعمال ميكانيزمات أكثر مرونة وأقل استعمالا للمعدات والهياكل الثابتة من أجل تواجدها العسكري.[112] من جهتها، أدركت الفلبين حقيقة القواعد الأمريكية المتواجدة بأراضيها بأنها لن تخدم مصالحها السياسية، بل هي موجهة للدفاع عن سلسلة جزر الباسيفيك في حال اندلاع نزاع بإقليم آسيا -الباسيفيك .

لقد خلف الانسحاب الأمريكي من الفلبين شرخاً في العلاقة الأمنية بين الطرفين، إلا أن أحداث 11 سبتمبر 2001 أعادة التأكيد على أن الفلبين مازالت تمثل بعداً إستراتيجياً مهماً في السياسة الأمريكية القائمة على الإبقاء على التحالفات التقليدية بالمنطقة. ففي حربها على الإرهاب، شهد الطرفان تنسيقاً أمنياً كبيراً لمواجهة تصاعد نشاطات الجماعات الإرهابية والقرصنة البحرية بالمنطقة، فصنفت الولايات المتحدة الفلبين على أنها شريك أمني خارج سرب الناتو في 2003 مما يعكس درجة الاعتماد الكبيرة للولايات المتحدة على الفلبين في مواجهة الظواهر الأمنية غير التقليدية.

حتى لو اقتصر الدعم الأمريكي للفلبين على الوسائل اللوجستية و العسكرية، فالفلبين تقر بأهمية تواجد الالة العسكرية الأمريكية لاعتبارات اقتصادية بالأساس حيث ارتفعت المساعدات الأمريكية العسكرية من 11.1 مليار دولار في 2007 إلى 30 مليار دولار في 2008 .[113] فإلى جانب المساعدات الاقتصادية التي توفرها الولايات المتحدة لمانيلا، هي تستفيد أيضا من مما تحصل عليه مقابل الخدمات التي توفرها للجنود الأمريكيين و التي تشكل جزءاَ هاماً من الدخل القومي الفلبيني، وهو ما جعل معظم القادة الفلبينيين الذين يدركون مقدار هشاشة الوضع الاقتصادي لبلادهم حريصين على الحفاظ على علاقاتهم الأمنية بالولايات المتحدة.[114]

 إن المتتبع لطبيعة المصالح الأمريكية المتغيرة والثابتة، يدرك بأن الولايات المتحدة ملزمة بالإبقاء على التحالف الأمريكي-الفلبيني رغم دوره النسبي في المنطقة، وذلك من خلال المحافظة على علاقات تفاعلية أكبر مع الدول المطلة على فضاء الباسيفيك. فالفلبين تمثل الرابط الجيوستراتيجي بين شمال شرق القارة ومنطقة بحر الصين الجنوبي التي تشهد تنامياً متزايداً للتهديدات الأمنية التي يمكن أن تشكل خطراً على الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة وبالتالي تحاول أمريكا خلق جسر يؤمن لها التواصل بين جنوب آسيا وشرقها وذلك للدور الذي تمثله الفلبين في الهندسة الأمنية الأمريكية لشرق آسيا ككل.[115]

إلا أنه في 11 فيفري 2020، أنهي الرئيس الفلبيني دوتيرتي رسميا العمل باتفاق القوات الزائرة بين جيشي البلدين، منفذا بذلك تهديده المتكرر بتخفيض مستوى التحالف الدفاعي بين البلدين. ونقل المتحدث سلفادور بانيلو، عن الرئيس دوتيرتي قوله: “حان الوقت لكي نعتمد على أنفسنا، سنعزز دفاعاتنا ولن نعتمد على أي دولة أخرى”.

ب- التحالف الأمريكي-التايلندي : تعود العلاقات الأمريكية مع تايلاند إلى حوالي 180 سنة، حيث تعتبر اتفاقية الصداقة أقدم رابط للولايات المتحدة معها وقد ارتبط الطرفان بتحالف أمني منذ توقيع الاتفاق المؤسس لحلف جنوب شرق آسيا SEATO. وبالرغم من حلّ هذا الأخير ونظراً للأهمية التي تمثلها تايلاند في جنوب شرق آسيا بحكم التصاقها بفيتنام، تم توسيع مبادئ حلف مانيلا ليشمل التعاون الأمني بين تايلاند وأمريكا في مجالات أوسع وذلك من خلال إعلان THE NET- RUSK الذي قدمت بموجبه تايلاند دعماً للولايات المتحدة في حربها ضد فيتنام.[116]وبعد نهاية الحرب الباردة وزوال التهديد الشيوعي، واصل الطرفان سياستهما مركزين على:

  • تفعيل الحوار الإستراتيجي بين الطرفين بشكل مستمر.
  • تقديم الولايات المتحدة المساعدات الاقتصادية، الأمنية والعسكرية لتايلاند ما بين 1964و،1975 مقابل استعمال قواعدها العسكرية.
  • تعزيز التعاون بين الطرفين لمكافحة التهديدات الأمنية غير التقليدية من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية.[117]

إلا أنه بعد إعلان عقيدة نيكسون 1969 والانسحاب الأمريكي من فيتنام، أنهت واشنطن وجودها العسكري من تايلاند بصفة رسمية ومن جهتها سحبت بانكوك قواتها من فيتنام، والأهم من ذلك أنها قامت بإنشاء شراكة إستراتيجية مع الصين وذلك كثقل موازن للقوة الإقليمية لكل من فيتنام والاتحاد السوفياتي آنذاك.[118]

مع نهاية الحرب الباردة، شهد الحلف الأمريكي التايلندي نوعاً من الفتور، حيث أصبحت الاهتمامات الأمنية التايلاندية وطنية أكثر منها إقليمية أو عالمية (انشغالها بتنامى القوة العسكرية لميانمار وتدفق اللاجئين من كمبوديا ولاووس). من جهتها، أولت اهتماما أكبر بالأجندة الأمنية المحلية للفلبين مقارنة ببانكوك. هذا، وقد عمقت الأزمة الاقتصادية الآسيوية سنة 1997 الهوة بين الطرفين بحيث رفضت الولايات المتحدة تقديم أي مساعدات مالية لتايلاند على عكس الصين، كما تقلصت معها صفقات شراء تايلاند للأسلحة الأمريكية وتراجعت معها التدريبات العسكرية المشتركة السنوية التي تعرف بـ Cobra Cold وتراجعت معها القوات الأمريكية والتايلاندية المشاركة إلى النصف.

 وبالرغم من كل ذلك الفتور، إلا أن العلاقة الأمنية التي تجمع الطرفين جعلت كل طرف أكثر اعتمادا على الطرف الآخر، فالولايات المتحدة ترى بأن تايلاند لا تزال قاعدة هامة تسهل من تحرك قواتها نحو مسارح عمليات بعيدة، بدليل أن أحداث 11 سبتمبر 2001 عززت الإستراتيجية الأمريكية القائمة على مواجهة مصادر التهديد. وبناءً على الاتفاق السابق بين الطرفين تم إمداد الولايات المتحدة بجسر جوي من تايلاند خلال عملية غزو أفغانستان واعتبرت الولايات المتحدة بذلك تايلاند شريكاً أمنياً خارج أطر حلف الأطلسي.[119]

إلى جانب هذا، وسعت الولايات المتحدة من علاقاتها الأمنية بالمنطقة لتشمل أبعاداً أخرى وذلك من أجل أن تشكل نسيجاً متشعباً من العلاقات يصعب تفكيكها، حيث واصلت مبادراتها الاقتصادية فوقعت اتفاقية التجارة الحرة مع تايلاند باعتبار أن التعاون الاقتصادي له أثار أكبر من العامل الأمني والعسكري الدفاعي، فتايلاند ثالث شريك اقتصادي للولايات المتحدة بعد اليابان والصين. ففي 2011 سجل حجم المبادلات التجارية بين الطرفين ارتفاعا كبيراً بلغ 35 مليار دولار.[120] من جهتها، ترى تايلاند بأن الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها وذلك من أجل موازنة القوة الصينية ومواجهة احتمالات عودة النزعة العسكرية لليابان، إلى جانب أن الولايات المتحدة تعد سوقاً نشطة للصادرات التايلندية. لهذا، فإن تايلاند لن تتنازل عن تحالفها مع الولايات المتحدة وذلك في نفس الوقت الذي تدعم فيه تقاربها الملحوظ مع الصين وهذا من خلال إتباع إستراتيجية التحوط في تعاملها مع الطرفين، فهي تدير علاقاتها مع واشنطن بشكل يسهل عليها التقرب من بكين.[121]

إن لتايلاند خبرة في إدارة علاقاتها مع القوى الكبرى من أجل تحقيق أمنها القومي والإقليمي، فهي تعتمد سياسة الجذب مع كل من الصين والولايات المتحدة. وفي هذ الإطار يمكن تأكيد أن هدف بانكوك من وراء تعزيز وتعميق علاقاتها مع بكين هو بالأساس من أجل دفع واشنطن نحو تحسين علاقاتها مع بانكوك، ولعل ما يجعل هذه الإستراتيجية أكثر فعالية هو الموقع الهام لتايلاند، إذ أنها تمثل جسراً يربط بين أجزاء مختلفة من آسيا أي شمال شرق آسيا وجنوب آسيا.[122]

إن اعتماد تايلاند على هذه الإستراتيجية في التعامل مع الصين والولايات المتحدة هو في الواقع توجه يتبناه باقي حلفاء الولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا،إذ يتفق أغلب المحللين على أن هذه الدول تتبع إستراتيجية مزدوجة للتعامل مع الصين .فهي من جهة تعتمد مشاركة واسعة مع بكين و لا ترغب في الوقوع في مواجهة مباشرة معها بحكم المصالح التي تجمعهما، لكنها في نفس الوقت تلجأ للتوازن المرن ضد أي احتمالات لاعتداءات صينية و محاولاتها لزعزعة الوضع الراهن،و يتم تحقيق هذا التوازن من خلال الوجود الأمريكي في المنطقة إلى جانب تعزيز و تحديث قدراتها العسكرية.[123] بمعنى أن دول جنوب شرق آسيا ترتكز على التواجد الأمريكي في المنطقة لموازنة تنامي القوة الصينية و التهديدات التي قد تمثلها لأمن و استقرار هذه الدول.

الفرع الثاني: الأطر الأمنية الرسمية وشبه الرسمية بمنطقة جنوب شرق آسيا

تنوعت الأطر الأمنية المتواجدة بمنطقة جنوب شرق آسيا ما بين الرسمية وشبه الرسمية، ولم تقتصر عضويتها على دول المنطقة فحسب بل تجاوزتها للدول المجاورة والدول الحليفة، والتي تهدف جميعها لحلّ النزاعات بالطرق السلمية حفاظا على السلم والاستقرار الإقليميين.

أولا -الأطر الأمنية الرسمية متعددة الأطراف: تعرف الأطر أو المقتربات الأمنية متعددة الأطراف على أنها سلوك تنسيقي يكون بين ثلاث دول أو أكثر، وهو يقوم على تعميم مبادئ القيادة الجماعية، ويسود اعتقاد بأن الأنظمة الأمنية متعددة الأطراف يجب أن تتضمن معيار عدم الاعتداء، توحيد القواعد المتعلقة باستعمال العقوبات من أجل ردع أو السماح بالاعتداء، واعتماد إجراءات جماعية من أجل تنفيذ هذه العقوبات. ويتمتع الأعضاء في مثل هذه الأنظمة تقريبا بنفس درجة التأثير والنفوذ والفوائد، وذلك على الرغم من وجود فوارق في مستويات القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية فيما بينها.[124]

خلال فترة الحرب الباردة، تم توقيع العديد من الاتفاقيات الأمنية الجماعية كاتفاقية الدفاع الجماعي لجنوب شرق آسيا في مانيلا سنة 1954 التي تمت بعد التسوية المؤقتة لحرب الهند الصينية، اتفاقية جنوب شرق آسيا SEATO الموقعة في بانكوك 1955، إلا أنها حلّت رسمياً في يونيو 1977 وبقيت الولايات المتحدة ملتزمة بعقد مانيلا للدفاع عن تايلاند، كما تم التوقيع على معاهدة ANZUS1951 كتحالف صغير الحجم.

أخذت هذه الاتفاقيات شكل الأحلاف العسكرية في مجملها، وشكلت جزءاً من البناءات الأمنية العالمية لاحتواء المد الشيوعي، لكن تم حل أغلبها. كان الاستثناء ضمن هذه التجارب متعلقا بتأسيس رابطة أمم جنوب شرق آسياASEAN  1967 التي واصلت ولا تزال تواصل تطورها حتى بعد نهاية الحرب الباردة، إلى جانب عدد من الأطر الأمنية الأخرى التي ظهرت في هذه المرحلة كاستجابة لمتطلبات البيئة الأمنية الجديدة.[125]انطلاقا من هذا، أظهرت دول الآسيان تفضيلها بشكل واضح للمقتربات متعددة الأطراف لحل المشاكل الأمنية الإقليمية تبعا لثلاث عوامل: [126]

1-إنتشار المشاكل العالمية التي لا يمكن حلها على المستوى الوطني،

2-عدم اليقين من مستقبل الدور الأمني الأمريكي بالمنطقة،

3-التوقع من أن إدراج الصين في الترتيبات الأمنية متعددة الأطراف سيكبح سلوكها ويحثها على الاخذ في الاعتبار مصالح الآسيان.

أ- رابطة أمم جنوب شرق آسيا Association of Southeast Asia Asian Nations

كما تم الإشارة إليه سابقا، تم إنشاء رابطة أمم جنوب شرق آسيا بموجب إعلان بانكوك 1967 كنوع من الحلف السياسي لمواجهة المد الشيوعي بالمنطقة، لذا اعتبرت الرابطة تجربة رائدة وفريدة في ميدان الأمن الإقليمي، إذ أرست إطار أمنى جماعي خاص يتواءم مع خصائص ومتطلبات دول هذه المنطقة وشكل قاعدة للدور الأمني للرابطة في جنوب شرق آسيا وجل إقليم آسيا-الباسفيك، وبني هذا الإطار على مبادئ ومعايير خاصة عرفت بـ”منهج الآسيان The ASEAN Way “.[127]

وهو عبارة عن نهج دبلوماسي، ظهر بين دول رابطة الآسيان عبّر من خلاله قادة دول المنطقة عن رفضهم لما رأوه أفكار غربية مستوردة حول الدبلوماسية والأطر متعددة الأطراف. يركز النهج الآسيوي على الصبر والتدرجية اللا رسمية البراغماتية وكذا الإجماع، وذلك عبر عملية سياسية طورتها رابطة الآسيان من خلال نزوحها نحو التشاور، وهو ميول غذته التفاعلات البينية الدائمة التي يؤكد معظم أطرافها على محورية اعتماد قيم آسيوية لمعالجة أي مشاكل آسيوية.[128] ومن أهم ميزات النهج الأمني الآسيوي الذي يطلق عليه أيضا الإقليمية المرنة أو الحوار المرن التركيز على عملية بناء الثقة من خلال التشاور، الحوار والشفافية.[129]

 وقد كان لإندونيسيا دور هام في بلورة جوهر نموذج الآسيان على هذا النحو، وذلك من خلال تطويرها لمفهوم المرونة القومية National Resilience الذي يتعامل مع فكرة الأمن من منظور لا يقتصر على شقه العسكري، بل تتحقق شروطه المثالية بإقامة نظام سياسي مستقر يعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، استنادا للعلاقة الطردية بين النمو الاقتصادي واستقرار النظام السياسي.[130]

ب- المنتدى الإقليمي للآسيان (ARF) The ASEAN Regional Forum

  بدأت بوادر هذا المنتدى بعد الاقتراحات التي قدمتها كل من أستراليا وكندا سنة 1990 لإنشاء مؤتمر آسيوي-باسيفيكي حول الأمن والتعاون على غرار مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا CSCE، ثم اقترحت اليابان الاعتماد على دور المؤتمر المشترك للآسيان مع شركائه لخلق إحساس بالأمان، لهذا قامت رابطة الآسيان بتولي زمام المبادرة ولعبت دورا رئيسيا وفعالا في إنشاء المنتدى.[131]

في جويلية 1994 ببانكوك تم إنشاء المنتدى الإقليمي للآسيان ARF كمسرح لحوار متعدد الأطراف لمناقشة القضايا الأمنية بإقليم آسيا-الباسفيك، وهو أيضا بمثابة تعبير مؤسساتي للالتزام اتجاه الأمن التعاوني. المنتدى عبارة عن تجمع سنوي لـ 22 وزراء خارجية يضم في عضويته إلى جانب دول اتحاد الآسيان كل قوى آسيا-الباسيفيك الرئيسية: الولايات المتحدة، الصين، اليابان، روسيا، أستراليا، الكوريتين (الشمالية والجنوبية)، كندا، الاتحاد الأوروبي، بنغلادش، كمبوديا، منغوليا، نيوزيلندا، باكستان، غينيا بيساو الجديدة. وهو بذلك يعتبر المحفل الإقليمي الوحيد في منطقة آسيا-الباسيفيك الذي يضم دول وقوى من كل المنطقة وخارجها، ويتم قيادته من طرف الأعضاء الأقل قوة، وهو الأمر الذي يعني قلب فكرة الأمن المنسق تماماً.[132] ركز المنتدى على مناقشة تدابير بناء الثقة والأمن، حتى عام 2009، أين أصبحت أهدافه الأساسية الدبلوماسية الوقائية وحلّ الصراعات. ويضم المنتدى أليتين غير رسميتين للدعم هما:

  • مجلس التعاون الأمني في آسيا-الباسيفيك.
  • معهد آسيان للدراسات الاستراتيجية والدولية.

تم تأسيس المنتدى الإقليمي للآسيان لإحداث نمط بنائي تنبئي للعلاقات في آسيا-الباسيفيك.[133] على خلاف المؤسسات الأمنية الأوروبية كمؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا (CSCE) وخليفته منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)، لا يعتبر المنتدى الإقليمي للآسيان عملية تفاوضية ولا بمنظمة للأمن الجماعي، بل تنحسر أهدافه فقط في تحسين المناخ الذي تجري فيه العلاقات الإقليمية في إطار السعي لإدارة المشاكل الثنائية ومتعددة الأطراف بشكل فعال. هذا التصور لهدف وغاية المنتدى انعكس جلياً في القيم والمهام المتضمنة في الميثاق التأسيسي للمنتدى الذي حدد كيفية صياغة نظام أمني جديد من الإقليم من خلال:[134]

– إعداد المنتدى لتطوير المراحل الثلاث الرئيسية: تعزيز تدابير بناء الثقة، تطوير آليات الدبلوماسية الوقائية، إعداد مقتربات لحل النزاعات.

– من الممكن أن ترتكز إجراءات المنتدى على معايير وممارسات اتحاد الآسيان، وتتخذ القرارات بالإجماع لا بالانتخاب بعد المشاورات المكثفة والدقيقة.

–  من المحتمل أن يلعب المنتدى دورا أمنيا استشاريا أساسيا محدد بشكل شامل ولن ينحصر في الناحية العسكرية الضيقة.

بناءً على ذلك، تطور المنتدى تماشياً مع التقاليد السياسية والخصائص الثقافية لـ “نهج الآسيان ASEAN Way” وكذا مفاهيم الآسيان للأمن الإقليمي ولكن بشكل معدل، المرتكزة على إحداث التوازن بين المكون الاقتصادي والمكون السياسي العسكري.

 عملت رابطة الآسيان من خلال طرح نموذج “الأمن التعاوني Cooperative Security كصيغة معدلة لمفهومها الأمني على توسيع نطاق المنتدى ليضم كل القوى الرئيسية في الإقليم، حتى لا يبدو الأمر كما لو كان تجمعاً موجهاً ضد أي منها. فالرابطة اختارت التعامل مع القوى المحيطة بها على أساس استيعاب مصدر التهديد لا على أساس التصادم معها، فبعض هذه القوى تعتبر أطرافاً يمكن التعاون معها وفي نفس الوقت هي مصادر تهديد إذا قررت ذلك ودخولها للمنتدى يجعل منها طرفاً في إطار تعاوني يمكن أن يرشد سلوكها وينطبق هذا الطرح على الصين.[135] فالكثيرون أكدوا أن إدماج الصين ضمن نظام إقليمي يعد أكبر محفز لإنشاء المنتدى، كما اعتبروا أن المنتدى الإقليمي للآسيان أداة فعالة تتمكن من خلاله بكين التأسيس لعلاقات بناءة مع دول المنطقة، وذلك بطريقة تخفف من حدة مخاوف هذه الدول من التنامي المطرد للقوة الصينية وأهدافها الإستراتيجية.[136]

 فأكبر حافز وراء إنشاء منتدى الآسيان وتطوير ممارسته ونشاطاته، هو حساسيات رابطة الآسيان من وجهات النظر الصينية المتعلقة بالتعاون الأمني متعدد الأطراف. فتاريخيا، تعاملت الصين مع الترتيبات الأمنية الإقليمية متعددة الأطراف بنوع من الفتور، فالقادة الصينيون اعتبروا المشاركة في هذه الترتيبات بمثابة اللعنة. هذا الموقف يعكس التصور الواقعي بأن على الصين الاعتماد على توازن القوى لحماية أمنها وتجنب مساومة سيادتها وحريتها في التصرف جراء تورطها بالانضمام إلى المنظمات متعددة الأطراف.[137]

والملاحظ بأن بيجين أظهرت مؤشرات للتخفيف من حدة معأرضتها لكذا نوع من الترتيبات، فقامت بتطوير مفهوم جديد للأمن اتجاه التعاون الأمني متعدد الأطراف من شأنه أن يحل تدريجيا محل الهندسة الأمنية الإقليمية  Regional Security Architecture السائدة بالمنطقة والمرتكزة بالأساس على التحالفات الثنائية الأمريكية.[138] هذا ما يفسر ترددها في الانضمام إلى أي مشروع متعدد الأطراف تقوده الولايات المتحدة أو اليابان،لذا فقبول الصين بقيادة الآسيان للمنتدى الإقليمي و مشاركتها فيه هو أقوى أوراق رابطة الآسيان في فرض دورها الدبلوماسي المركزي.[139] و يذكر أن الصين لم تقبل بالانضمام إلى المنتدى الا بعد فرضها جملة من الشروط كعدم إدراج مسألة تايوان ضمن قضايا المنتدى على اعتبار أنها قضية داخلية و عدم وضع النزاع في بحر الصين الجنوبي ضمن أجندة أعماله.

ومع ذلك، فالصين ترى في المنتدى وقيادة الآسيان له عاملا مهماً لضبط التوازنات الإقليمية بشكل لن تفرض من خلاله أي قوة كبرى رؤاها الخاصة بالأمن الإقليمي خاصة الولايات المتحدة، وبذلك قد يشكل المنتدى ألية فعالة لتحجيم دور شبكة الأحلاف الثنائية الأمريكية بالمنطقة. كما يأتي اعتراف الصين بأهمية دور الآسيان في إطار سعيها لإدراج الرابطة كفاعل إقليمي من أجل تكريس فكرة التعددية القطبية، على الرغم مما قد يتيحه ذلك من تزايد قوة الآسيان كمنافس اقتصادي.[140]

بالمقابل، رحبت الولايات المتحدة هي الأخرى بالدور المركزي للآسيان في إطار المنتدى، حيث تمكنت من تحقيق هدفها بإدماج الصين في الترتيبات الإقليمية لكبح مساعيها للهيمنة، انطلاقاً من إدراكها لقدرة الآسيان في التأثير على التوازنات الإقليمية وبالأخص لصالحها، لذا فهي تحرص على تطوير علاقاتها مع هذه الدول وجعلها جبهة صادمة دوماً في وجه النفوذ الصيني.[141]

 ما يلاحظ على الموقفين الأمريكي والصيني اتجاه منتدى الآسيان، أن القوى الكبرى تفضل دائما المقاربات الأمنية الثنائية بدلا من متعددة الأطراف، فالأولى تمنحها هامشاً أكبر من التفاوض وفرض السيطرة والمراقبة على القوى الصغرى، بينما الثنائية تكبح طموحاتها للهيمنة وتسمح للقوى الأضعف بتشكيل كتل مضادة لمصالح القوى الكبرى. وفي أغلب الأحيان، فإن انضمام القوى الكبرى لمثل هذه الترتيبات الأمنية بالأخص متعددة الأطراف إنما خدمة لمصالحها وأهدافها، فالصين مثلا تفض أن يبقى المنتدى الإقليمي للآسيان فضاء للحوار والنقاش فقط بدلا من أن يصبح ألية لحل النزاعات، الولايات المتحدة من جهتها أيضا تحرص على الإبقاء على فاعلية المنتدى في حدها الأدنى لكيلا تتأثر مصالحها في إطار التحالفات الثنائية.

في الواقع، لاقى مقترب الآسيان الأمن الإقليمي عدة صعوبات وتحديات، حيث ارتبطت معظم الصعوبات بالمشاكل الهيكلية التي تعانيها الآسيان خاصة بعد الأزمة الاقتصادية لسنة 1997 والتي انعكست أثارها على قدرة الآسيان لتعزيز نهجها متعدد الأطراف ضمن المنتدى.

في هذا السياق، ننوه على أن دول الآسيان وبوعي منها صممت الآلية المؤسساتية للمنتدى الإقليمي وفقا لأهداف، معايير، إجراءات وتجارب اتحاد الآسيان إلى درجة أن العيوب التي كانت تعاني منها الآسيان كمنظمة أمنية شبه إقليمية فعالة انعكست على الترتيبات الأمنية التعاونية للمنتدى الإقليمي. كما وشكلت التباينات الاقتصادية بين دول الآسيان القديمة والحديثة العضوية، وكذا تعاملها مع بورما وقضية كمبوديا والاختلافات حول كيفية حلّ النزاع القائم في جزر سبارتلي وبحر الصين الجنوبي، كلها مسائل اختبرت فيها قدرة الآسيان على إدارة النظام الإقليمي خاصة ما يتعلق بقضايا الأمن الشامل، وهو ما جعلها عرضة للضغوطات التي تفرضها القوى الكبرى من أجل التأثير على الأجندة الأمنية للمنتدى والخطوات والميكانيزمات الخاصة بمعالجة القضايا الأمنية، وهو ما وضع دور المنتدى بالأساس على المحك.[142] وفيما يتعلق بالتحديات، يشكل الوضع الأمني وتقاطع مصالح القوى الكبرى بمنطقة شمال شرق آسيا تحدياً كبيراً وتهديداً لمصداقياته، حيث أظهر المنتدى عجزه على التعامل مع قضيتي تايوان وشبه الجزيرة الكورية بسبب عدم تلاءم مقاربته الأمنية مع طبيعة النزاعين. ومن الملاحظ أيضا، أن دول شمال شرق آسيا غير راضية عن أسلوب المنتدى في تلبية احتياجاتها الأمنية وعن دور الآسيان في المحفل، لان عدم تكافؤ الأدوار يعوق مصالحها الإقليمية خاصة مع محدودية خبرة دول جنوب شرق آسيا بالقضايا الأمنية في الشمال.[143]

خلاصة القول، فإن المنتدى الإقليمي للآسيان وبعض البنى الأمنية الإقليمية لم ترقى بعد إلى ألية فعالة للتأسيس لنظام إقليمي. ففشل الآسيان بلعب دور في أي من المشاكل الخطيرة بالمنطقة في السنوات الأخيرة كأزمة تيمور الشرقية 1999، دفع بالعديد من المحليين الأمنيين بجنوب شرق آسيا للتساؤل حول أهمية الآسيان كمؤسسة للأمن الإقليمي. للعقود القادمة على الأقل، ستشكل المصالح الإستراتيجية لأبرز القوى كالولايات المتحدة، الصين واليابان البيئة الإستراتيجية بإقليم آسيا-الباسفيك. باستثناء حدوث تغيير رئيسي في العلاقات الجيوبوليتيكية وانهيار القيادة والإرادة السياسية الأمريكية، سيتوقف الحفاظ على التوازن الإستراتيجي بجنوب شرق آسيا على الالتزامات الأمنية الثنائية الأمريكية والحفاظ على توازن القوى المرتكز على الردع والقوة العسكرية الأمريكية، إضافة إلى قدرة واستعداد الولايات المتحدة للإسهام في الحفاظ على النظام والاستقرار الإقليمين.[144]

ج- قمة شرق آسياEAS : تعتبر قمة شرق آسيا (EAS)، التي عقدت لأول مرة في ديسمبر 2005، حوارًا مكملاً للترتيبات الأمنية الإقليمية الأخرى القائمة بمنطقة آسيا-الباسيفيك، وتهتم القمة بشكل أساسي بمسائل الأمن غير التقليدية: بناء الثقة، مفضلة “نهج الآسيان” لبناء المؤسسات الإقليمية، وفي مجالات الأمن غير التقليدية تهتم بـ: الاقتصاد، التعليم، الاستجابة الإقليمية للكوارث، الطاقة والبيئة، الصحة والاتصال.[145]

كان رئيس وزراء ماليزيا، مهاتير محمد، أول من طرح فكرة قمة شرق آسيا، انطلاقا من تمسكه برؤيته لمنظمة إقليمية تمثل آراء الدول الآسيوية فقط تم تأسيسها في البداية كقمة سنوية عقدها قادة شرق وجنوب آسيا، باعتبارها “المؤسسة الوحيدة التي يقودها القادة والتي تركز على القضايا السياسية والأمنية.” حدد اتحاد الآسيان جدول أعمال قمة شرق آسيا وجدولها الزمني، ووضع معايير العضوية، مع الانضمام إلى معاهدة الصداقة والتعاون لاتحاد الآسيان كشرط أساسي لعضوية القمة.

ثانيا: الأطر الأمنية متعددة الأطراف شبه الرسمية Track 02

يعد إقليم آسيا -الباسفيك من أكثر المناطق في العالم التي تشهد تنامياً متزايداً لهذا النوع من المؤسسات وذلك منذ منتصف التسعينات، حيث بلغ عددها حوالي تسعين مؤسسة وشكلت الأزمة الاقتصادية لسنة 1997 أحد أهم العوامل التي ساهمت في زيادة هذه النسبة.[146]

هذه الأطر عبارة عن أسلوب غير رسمي لمعالجة الصراعات، يشمل إجراء المفاوضات والنقاشات على مستوى مؤسسات المجتمع المدني وبين مراكز البحوث والمنظمات غير الحكومية واتحادات الطلاب والأكاديميين وبعض الشخصيات المرموقة.[147]

تختلف هذه الأطر من حيث الحجم، الشكل ومستوى المأسسة وتصنف إلى أطر اقتصادية وأمنية. تختلف هذه الأطر عن الأطر الرسمية التي يتم فيها التفاوض على مستوى الحكومات، حيث يتم الاعتماد عليها لأجل مناقشة القضايا السياسية والإستراتيجية الأكثر حساسية عند تداولها على المستوى الرسمي، كما تسهم هذه المؤسسات في تهيئة المناخ المناسب للقضايا مستعصية الحل مما يدفع بالأطراف المتنازعة إلى الوصول إلى توافق مساعد لحل النزاع.

و يعتقد أغلب الباحثين في مجال حلّ الصراعات بأن دبلوماسية المسار الثاني تؤدي إلى إقامة سلام دائم وبصورة أسرع لأنها تتبنى أسلوب المعالجة من أسفل قاعدة الهرم إلى قمته، مما يتيح للعناصر المحلية معالجة الصراعات.[148] و تعتبر مسألة تعزيز الثقة المتبادلة في الفضاء الآسيو-باسيفيكي ضرورية للتعامل مع طبيعة الصراعات الموجودة في المنطقة والتي تتميز بالتعقد والتشابك نتيجة الامتدادات العرقية والدينية واللغوية فيما بين المجتمعات الآسيوية من ناحية،والشكوك التاريخية فيما بين الدول الآسيوية والتي كرستها على الأغلب الممارسات الاستعمارية لبعض قوى الإقليم.[149]و تكمن أهمية هذه الآليات في تحقيق الاستقرار الإقليمي نظراً لأنها:

  • توفر النصائح للحكومات حول القضايا الخلافية، كما تعتبر ألية فعالة لبناء القدرات ونذكر على سبيل المثال إسهامات معهد الآسيان للدراسات الإستراتيجية والدوليةASEAN ISIS في بناء وتطوير الآسيان.
  • توفير الخيارات الدبلوماسية عند تعرقل المحادثات الرئيسة.
  • تعتبر مختبراً فعلياً لاختبار وتعميم الأفكار الجديدة كالعمل الذي قام به مجلس التعاون الأمني في إقليم آسيا-الباسفيك CSCAP بتطوير عمل المنتدى الإقليمي للآسيان من خلال تطويره لمفهوم “الدبلوماسية الوقائية”.
  • وملاءمتها لميولات دول المنطقة لمناقشة القضايا الأمنية.
  • تعمل على توفير الفرص لتقريب المسافات بين الأطراف المتنازعة، فمجلس التعاون الأمني مثلا سمح لبعض الخبراء السياسيين في الصين وتايوان بالتفاعل وتبادل وجهات النظر مما خلق نوعاً من التفاهم المتبادل بينهم.[150]

ونذكر على سبيل المثال لا الحصر أهم هذه الأطر شبه الرسمية التي كان لها الدور في تعزيز التعاون في كل المجالات بين دول المنطقة:

1-معهد الآسيان للدراسات الإستراتيجية والدولية ASEAN Institute for Strategic and International Studies.

أنشأ سنة 1988 بمبادرة من مجموعة من الباحثين والمعاهدة الخاصة لهدف تقوية التعاون في مجال البحث في المشاكل الأمنية والإستراتيجية الدولية، تدرجه سكرتارية الآسيان على أنه منظمة غير حكومية، كان له دور أساسي في إنشاء مجلس التعاون الأمني في آسيا-الباسفيك وهو بمثابة الأمانة للمجلس. وأسس المعهد سلسلة من الاجتماعات التي أصبحت مكانًا رئيسيًا لتبادل الأفكار، ليس فقط بين جنوب شرق آسيا ولكن أيضا مع الخبراء والمسؤولين الحكوميين من كافة أنحاء العالم. ويعقد المعهد طاولة مستديرة لآسيا والمحيط الهادئ (APR)، والتي تناقش موضوع بناء الثقة والحد من النزاعات، سنويًا في ماليزيا منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. كما ينظم المعهد أيضا ندوات ثنائية منتظمة مع مؤسسات مشابهة في الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والهند وأوروبا.

2-مجلس التعاون الأمني في آسيا-المحيط الهادئ

Council for Security Cooperation in The Asia-Pacific (CSCAP)

تم تأسيسه سنة 1993 من أجل توفير أرضية ذات طابع غير حكومي للمساهمة في الجهود المبذولة لبناء الثقة والتعاون الأمني على المستوى الإقليمي من خلال الحوارات والتشاور والتعاون وهو يلعب دوراً هاماً في ربط الجهود بين المؤسسات الأمنية المختلفة، كما أنه يشكل دعماً مباشراً للمنتدى الإقليمي للآسيان.[151]

يوفر المجلس آلية غير رسمية للباحثين والمسؤولين وغيرهم لمناقشة القضايا السياسية والأمنية والتحديات التي تواجه المنطقة. كما يقدم توصيات بشأن السياسات لمختلف الهيئات الحكومية الدولية، ويعقد اجتماعات إقليمية ودولية، ويقيم روابط مع المؤسسات والمنظمات في أنحاء أخرى من العالم لتبادل المعلومات والأفكار والخبرات في مجال التعاون السياسي – الأمني الإقليمي.

3-صيغة آسيان +3 (ASEAN+3) 

أسس هذا الإطار التعاوني سنة 1997 وهو يركز على التعاون في المجالين الاقتصادي والأمني، حيث توجد ثلاث محاور كبرى للنقاش داخل هذا الإطار: إنشاء منطقة تجارة حرة في شرق آسيا (EAFTA)، إرساء نظام تعاوني في المجال المالي، والأهم من كل ذلك العمل على تطوير هذا الإطار ليصبح ملتقى شرق آسيا.[152]

إن السعي نحو تطوير هذا الإطار إلى ملتقى إقليمي في شرق آسيا يفتح الأبواب واسعة أمام احتمالات قيام جماعة أمنية، ومن الواضح أن أغلب الأطراف خاصة اليابان والصين ودول جنوب شرق آسيا تولي أهمية كبرى لهذه المسألة على الرغم من غياب مسودة لهذا المشروع وعدم وضوح أي طرف ستكون له قيادة الجماعة.[153] وعلى الرغم من أهمية هذه الأطر في تعزيز التعاون والاستقرار الإقليمي، إلا أن هناك عدة انتقادات قد وجهت لها بسبب:[154]

  • أصبح أغلب هذه الأطر منحازة كثيراً للتوجهات الرسمية لبعض الأطراف، ما أدى إلى الحد من قدرتها على التفكير والتحليل البناء وعلى المراوغة مع الديناميكيات الجيوبوليتيكية للمسار الأول.
  • لم تفتح هذه الآليات المجال أمام المسار الثالث Track 3، بحيث يلعب المجتمع المدني دوره في دفع عجلة التعاون الأمني والتخفيف من حدة الخلافات كما هو الحال فيجنوب شرق آسيا.
  • عدم قدرتها على التحرك بسهولة وسرعة على نفس شاكلة المسار الأول، ففي حالة ظهور تهديدات أمنية جديدة لا تلجأ الحكومات إلى هذه الأطر لطلب النصح السياسي بسبب افتقاد وكالاتها فرصة بناء خبرة سياسية حول المسألة.

الهامش

[1] Donald E. Weatherbee, International Relations in Southeast Asia: The Struggle for Autonomy (USA, Rowman and Littlefield Publishers ,2009) p 04.

[2] Amitav Acharya, The Quest for Identity: International Relations of Southeast Asia, (Oxford University Press, 2000), pp 34.

[3] J. Scott Keltie, Some Geographical Problems, The Geographical Journal, Vol 10, No 3. (September 1897(, p 313.

[4]Barbara Waston Anday, Introduction to Southeast Asia, History, Geography and Livelihoods

 https://bit.ly/2N3eQpg  (accessed on 27/03/2017)

[5] Suryodipuro, Sidhartro R, Implications of Sino-American Strategic Competition on Southeast Asia’s Post-Cold war Regional Order, Master thesis of Arts in national Security Affairs, Naval post graduate school, Monterey, California, December 2003, p 11.

[6]بلال قرساس، التنافس الصيني- الياباني في جنوب شرق آسيا 1991-2012، مذكرة ماجستير غير منشورة (جامعة الجزائر03: كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية،2014)، ص57..

[7] William H. Frederick and Thomas R. Leinbach, Southeast Asia, Encyclopedia Britannica

https://bit.ly/39Eiqy2 (accessed on 26/06/2017).

[8] Michael Mazza, An American Strategy for Southeast Asia, American Enterprise Institute, August 2018, p 04.

[9] Donald E. Weatherbee, International Relations in Southeast Asia: The Struggle for Autonomy, Op. Cit., p 11-13.

[10] Ibid, p 13.

[11] Ibid, p 14.

[12] Ibid.

[13] Ibid, pp14-15.

[14] Clark D. Neher and Ross Marley, Democracy and Development in Southeast Asia: The Winds of Change (Boulder, Colo: Westview, 1995), p 194.

[15] Donald E. Weatherbee, Op. Cit., p15.

[16] Donald E. Wetherbee, Op. Cit., p 16.

[17] Ibid, p17.

[18] ASEAN Key Figures 2018, The ASEAN Secretariat Jakarta, p 30.  https://bit.ly/32fbrIh (accessed on 04/11/2018)

[19] ASEAN Key Figures 2018, The ASEAN Secretariat Jakarta, p 02.

 https://bit.ly/32fbrIh (accessed on 04/11/2018)

[20] ASEAN Key Figures 2018 Op. Cit. P 01

[21] خالفي علي، رميدي عبد الوهاب، “رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) ASEAN: نموذج الدول النامية للإقليمية المنفتحة”، اقتصاديات شمال إفريقيا، ع06،2009 ص 82.

[22] محمود الفقي، “رابطة دول الآسيان والصين أولى خطوات السوق الآسيوية الموحدة”، السياسة الدولية، م 40، ع159، جانفي2005، ص 225.

[23] خالفي علي، نفس المرجع، ص 84.

[24] نفس المرجع، ص ص 91-92.

[25] Sokolsky Richard, Angel Rabasa, The Role of Southeast Asia in U.S Strategy Toward China, Project Air Force, RAND, Santa Monica, 2000, p10.

[26] Ibid., p 11.

[27] John H. Noer, chock points: Maritime Economic Concerns in Southeast Asia (Washington D.C: National Defence University 1996)

[28] John H. Noer, Op. Cit., p 03.

[29] Ibid, p 11.

[30] Ibid, p 11.

[31] Ibid, p 12.

[32] فيليب سيبيل -لوبيز، الجغرافيات السياسية للبترول، مترجما (أبو ظبي: هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، 2013)، ص. 49.

[33] علي حسين باكير، تحولات الطاقة وجيوبوليتيك الممرات البحرية: مضيق ملقا نموذجا، مركز الجزيرة للدراسات

https://bit.ly/2WGrC01 (تم تصفح الموقع يوم 27/03/2017)

[34]محمد فايز فرحات، النزاع في بحر الصين الجنوبي والمصالح المصرية

(تم تصفح الموقع يوم 27/03/2017) https://bit.ly/2pIgh3B

[35] Carlyle A. Thayer, ASEAN, China and the Code of Conduct in South China Sea, SAIS Review of International Affairs, Vol33, No02, 2013, p 76.

[36] THI HAI YEN NGUYEN, Sino-American Interactions in South East Asia 1991-2015, implications for Vietnam, PhD Thesis, Faculty of Law, Humanities and the Arts University of Wollongong, 2015, P 66.

[37] جوناثان بيز كشاير ميلر، بحر الصين الجنوبي: بؤرة الصراع القادم، ترجمة كريم الماجري، مركز الجزيرة للدراسات، 06 جوان 2016.

https://bit.ly/2JN7x2W (accessed on 26/06/2017).

[38] دياري صالح مجيد، نفس المرجع، ص 19.

[39] علي حسين باكير، غليان آسيا: بحر الصين الجنوبي ونهاية هادئ مستقر، مراجعات، مركز الجزيرة للدراسات (تم تصفح الموقع يوم 15/07/2019) https://bit.ly/2T5GsMc

[40] نفس المرجع، ص 25.

[41] دياري صالح مجيد، مرجع سابق، ص 31.

[42] South China Sea  https://bit.ly/2GfJ5VO (accessed on 22/01/2019)

[43] Leszek Buszynski, the South China Sea:  Oil, Maritime, Claims, and U.S-China strategic rivalry, The Washington Quarterly, Vol 35, No 2. (Spring 2012), PP 139-140.

[44] Adrian Vickers, A History of Modern Indonesia (Cambridge, Cambridge University Press ,2005), p 01.

[45] Rizal Sukma, Indonesia’s Security Outlook, Defence Policy and Regional Cooperation, in Asia Pacific Countries Security Outlook and its Implications for the Defence Sector, The National institute for Defence Studies, Japan ,2010, p 09.

[46] Ibid, pp 9-10.

[47] Kevin Anlidge, Security in Southeast Asia, how are Southeast Asian Countries due to the Rise of China as a regional and Global Power? Master Thesis of Indonesian Relations, Victoria University of Wellington 2011, p 66.

[48] Kevin Anlidge. Op. Cit.

[49] Indonesia Defence Update, Military Technology, Vol 34, Issue 11,2003, p26.

[50] Rizal Sukma, Op. Cit., p 13.

[51] Rizal Sukma, Without Unity: No Centrality, Jakarta Post, 17 July 2012.

https://bit.ly/2UEyyKA (accessed on 29/03/2017)

[52] International Institute for Strategic Studies, The Military Balance (London, Routledge, 2015), p 209.

[53] Andrew Cottey and Anthony Foster, Reshaping Defence and Diplomacy: New Roles for Military Cooperation and Assistance, Adelphi Paper No 365, London, 2004, P 07.

[54] Evan A. Laksmana, Regional Order by other Means? Examining the Rise of Defence Diplomacy in Southeast Asia, Asian Security, Vol 8, No 3, 2012. P 262.

[55] Rizal Sukma, Indonesia and China: The Politics of a Troubled Relationship (London, Routledge, 1999), p 04.

[56] Evelyn Goh, Meeting the China Challenge: The U.S in Southeast Asia Asian Regional Security Strategies, Policy Studies 16 East West Center, Washington, 2005, P P2-3.

[57] IIS Gindrarsah, Indonesia’s Defence Diplomacy: Harnessing the Hedging Strategy against Regional uncertainties, RSIS Working Paper, Singapore, 9 June 2015, p 06.

[58] Amitav Acharya, Singapore’s Foreign Policy: The Search for Regional Order (Singapore, World Scientific, 2008), p 23.

[59] Bilveen Singh, Singapore: Foreign Policy Imperatives of a Small State (National University of Singapore, Centre for Advanced Studies), 1988.

[60] N. Ganesan, Singapore’s Foreign Policy Terrain, Asian Affairs: An American Review, Vol 19, No 02, 1992, P67.

[61] Amitav Acharya, Op. Cit., pp 14-15.

[62] Michael Leifer, Singapore’s Foreign Policy: Coping with Vulnerability (London, Routledge, 2000), P65

* كونفرونتاسي أو المواجهة 1963-1966: هي استجابة إندونيسيا لتشكيل اتحاد ماليزيا الناشئ عن عملية إنهاء الاستعمار البريطاني في جنوب شرق آسيا. تضمنت كونفرونتاسي عمليات توغل مسلحة وهجمات بالقنابل وأعمال تخريبية هدفت إلى زعزعة الاستقرار في الولايات التي كان من المقرر إدراجها في الاتحاد وهي سنغافورة وملايا وساراواك وبروني وشمال بورنيو والمعروفة حاليا باسم صباح. أنظر:

Indonesia announces Konfrontasi(confrontation), 20 Jan 1963 

https://bit.ly/2Vz9sg2 (accessed on 11/10/2018).

[63] Amitav Acharya, Op. Cit., p17.

[64] Amitav Acharya, Ibid.

[65] Tim Huvley, Defending the Lion City: The Armed Forces of Singapore (St. Leonard’s, NSW: Allen and Unwin, 2000), pp 3-4.

[66] Amitav Acharya, Op. Cit., p 24.

[67] Kevin Anlidge. Op. Cit., p 69.

[68] Amitav Acharya, Op. Cit., P 25.

[69] Defending Singapore in the 21st Century, Ministry of Defence, Singapore, 2000, p 12.

[70] Joseph S. Nye Jr, The Future of Power (New York: Public Affairs, 2011) p42.

[71] بن إسماعيل زكرياء، مرجع سابق، ص 144.

[72] Carlyle. A. Thayer, Southeast Asia: Patterns of Security Cooperation, Australian Strategic Policy Institute (ASPI), Australia, 2000, p 17.

[73] Simon S. C Tay, Asia Alone: The Dangerous Post-Crisis Divide from America (Singapore, Wiley, 2010) p 144.

[74] Kevin Anlidge, Op. Cit., p 75.

[75] Evelyn Goh, Great Powers and Southeast Asian Regional Security Strategies: Omni-Enmeshment, Balancing and Hierarchical Order, Institute of Defence and Strategic Studies, (IDSS), Singapore, 2005, p 10.

[76] بن إسماعيل زكريا، ص 143.

[77]Evelyn Goh, Op. Cit., p 11.

[78] Surakiart Sathirathai, Thailand and The United States: Two Centuries of Partnership, Speech to Asia Society, Washington D.C September 20, 2004

https://bit.ly/2AOWPUT(accessed on 20/10/2017). 

[79] Evelyn Goh, Op. Cit., p 128.

[80] Foreign Minister, George Yeo, The U.S Role in the Asian Dream, Asia week, April 20,2001.

https://bit.ly/2octCAA (accessed on 20/10/2017).

[81] Kevin Anlidge, Op. Cit., p 78.

[82] Philippine’s Department of Foreign Affairs: Philippine Foreign Policy

https://bit.ly/35GnYrd  (accessed on 11/10/2017).

[83] James Sentinel, Security Assessment South East Asia: External Affairs, Philippines, London, 2010, P 02.

[84] Ibid.. P 03.

[85] بن إسماعيل زكرياء، مرجع سابق، ص 142.

[86] Department of National Defence, Philippine Defence Transformation White Paper, Department of National Defence, Philippine, July 23, 2012, p p 5-7.

[87] Evelyn Goh, Great Powers and Hierarchical Order in Southeast Asia: Analyzing Regional Security Strategies, International Security, Vol 32, No3, (winter 2007/2008), p 134.

[88] Renato Cruz De Castro, The Revitalized Philippine-US Security Relations: A Ghost from the Cold War or an Alliance for the 21st Century, Asian Survey, Vol 43, No6 (November-December 2003), p 79.

[89] Rommel C. Banlaoi, The Role of Philippine-US Relations in the Global Campaign against Terrorism: Implications for Regional Security, Contemporary Southeast Asia, Vol 24, N02, (August 2002), p 300.

[90] Zhair Kun, What Underlies the U.S-Philippine Joint Military Exercise? Beijing Review, March 14, 2002, pp 8-9

[91] Carlyle A Thayer, Op. Cit., p 16.

[92] Kevin Anlidge, Op. Cit., p 85.

[93] Kevin Anlidge, Op. Cit., pp 80-81.

[94] Vietnam Foreign Policy,

https://bit.ly/30S3FDE (accessed on 20/10/2017).

[95] Andrew T.H Tan, Security Strategies in the Asia-Pacific: The United States Second Front in Southeast Asia, (New York, Palgrave Macmillan, 2011) p 152.

[96] Vietnam National Defence, Socialist Republic of Vietnam Ministry of National Defence, Hanoi, 2009, p 11.

[97] Ibid, p 12.

[98] Tang Siew Mun, Malaysia and Northeast Asia, in Abdul Razak Baginda, Malaysia’s Foreign Policy: Continuity and Change (Malaysia, Marshall Cavendish, 2007) p 92.

[99] Kevin Anlidge, Op. Cit., p 48.

[100] X, D and K, Op. Cit., p47.

[101] Sayed Hamid Alban, Op. Cit., p 10.

[102] Xenia Dormandy, Rory Kinane, Asia-Pacific Security: A Changing Role for The United States, Chatham House Report, The Royal Institute of International Affairs, London, April 2014, p 29.

[103] Kevin Anlidge, Op. Cit., p 50.

[104] Malaysian National Defence Policy (2011)

https://bit.ly/2LSuWS6 (accessed on 08/11/2017).

[105] Ibid.

[106] Mark Beeson and Diane Stone, Patterns of Leadership in the Asia-Pacific: A Symposium, The Pacific Review,
vol27, No. 4 ,2014, P 509.

[107] Robert Mc Mahon, Cold War: A Very Short Introduction (Oxford, Oxford University Press ,2003) p p 45-47

[108]  بن إسماعيل زكرياء، أبعاد التواجد العسكري الأمريكي في شرق آسيا والباسيفيك بعد نهاية الحرب الباردة، مرجع سابق، ص 88.

[109] Bruce Vaughn, US Strategic and Defence Relationships in the Asia -Pacific Region, CRS Report for Congress USA, Congressional Research Service, January 22 ,2007, p 23.

[110] خضر الدهراوي، “مستقبل القواعد الأمريكية في الفلبين في ظروف المتغيرات الدولية”، السياسية الدولية، ع107،1992 ص ص 242-244.

[111] Renato Cruz de Castro, Special Relations and Alliance Politics in the Philippine -US Security Relations 1990-2002, Asian Perspective, vol 27, No 1,2003, p141.

[112] William T. Tow, Assessing US Bilateral Security Alliances in the Asia Pacific’s Southern Rim: why San Francisco System Endures, Strategic Studies Institute, October 1999, p11.

https://bit.ly/2lKBzM4 (accessed on 10/07/2017).

[113] Renato Cruz de Castro, Chinese Soft -Power Statecraft in Southeast Asia, Issue and Studies, vol43,2007, p 109.

[114]  خضر الدهراوي، مرجع سابق، ص 244.

[115]  بن إسماعيل زكرياء، مرجع سابق، 89.

[116] ……., US Alliances and Emerging Partnerships in Southeast Asia out of the Shadows, a Report of the CSIS Southeast Asia Initiative, Center for Strategic and International Studies, Washington ,2009, p10.

[117] William T. Tow, Op. Cit., p 11.

[118] Ibid, p 14

[119] Bureau of East Asia and Pacific Affairs, United States Relations with Thailand, Fact Sheet, United States Department of State, July 3 ,2002

https://bit.ly/35h6263  (accessed on 24/07/2017)

[120] Census Bureau, trade in goods with Thailand, United States Commerce Department

https://bit.ly/30QsyQ4  (accessed on 24/07/2017)

[121] Evelyn Goh, Great Powers and Hierarchical Order in Southeast Asia: Analyzing Regional Security Strategies, Op. Cit., p 26.

[122] Ibid, pp 31-32.

[123] Ibid, p 02.

[124] Gregg Andrew Brazinsky, The United States and Multilateral Security Cooperation in Northeast Asia (Asian Perspective, Vol 32, No 2 (2008), p22.

[125] عبد المنعم طلعت، “ترتيبات الامن الإقليمية في النظام العالمي الجديد: نموذج شرق آسيا”، السياسة الدولية، ع126، 1996، ص 13.

[126] Paul Evans, The Prospects for Multilateral Security Cooperation in The Asia Pacific Region, The Journal of Strategic Studies, Vol 18, No3, September 1995, p 217.

[127] نسيمة طاجين، واقع الامن عن إقليم آسيا –المحيط الهادئ :1990-2007، مذكرة ماجستير غير منشورة (جامعة الجزائر، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، 2010)، ص 156.

[128] David Capine and Paul Evans, The Asia -Pacific Security Lexicon (Signapore, Institute of Southeast Asians Studies,2002), p p14-15.

[129] Sokolsky Richard, Angel Rabasa, The Role of Southeast Asia in U.S, p59.

[130] نسيمة طاجين، مرجع سابق، ص 37.

[131] عبد المنعم طلعت، ترتيبات الامن الإقليمي في النظام العالمي الجديد، مرجع سابق، ص 21.

[132]  طاجين نسيمة، مرجع سابق، ص 162.

[133] Walter Lohman, Guidelines for U.S Policy in Southeast Asia, Backgrounder, No2017, March 20, 2007, pp 5-6.

[134] Sokolsky Richard, Angel Rabasa, Op. Cit., pp 58-59.

[135]  طاجين نسيمة، مرجع سابق، ص 161.

[136] Jin Rolfe, Welcome in Asia: China Multilateral Presence, p 335

https://bit.ly/2VmIbxs  ( accessed on 23.07.2017).

[137] Sokolsky Richard, Angel Rabasa, Op. Cit., p59.

[138] Banning Garrett and Bonnie Glaser, Does China Want the U.S Out of Asia? CSIS Pacific Forum, PacNet Newsletter, No 22, May 30, 1997, p59.

[139] Amitav Acharya, recording Asia: cooperative security or concert of powers, institute of Defence and strategic studies, Singapore

https://bit.ly/2Vv4WiZ  (accessed on 23/07/2017)

[140] Jing Dong Yuan, Asia Pacific Security: China’s Conditional Multilateralism and Great Power entente, The Strategic Studies Institute, January 2000, p 25.

 https://bit.ly/339UJeg (accessed on 23/07/2017)

[141] G.V.C, Naidu Multilateralism and Regional Security: Can the ASEAN Regional Forum Really make a difference?, Asia Pacific Issues East West Center, No45, August 2000, pp 3-4

https://bit.ly/31UpbsF  (accessed on 23/07/2017).

[142] Amitav Acharya, Op. Cit., PP 8-9.

[143] G.V.C Naidi, Op. Cit., p 6.

[144] Sokolsky Richard, Angel Rabasa, Op. Cit., PP 61-62.

[145] Anisa Heritage, Interpreting the Obama Administration’s Rebalance Strategy: Sustaining U.S. hegemony in the Asia-Pacific, unpublished PhD Thesis (University of Kent, September 2016), P183.

[146] Desmond Ball and others, Track 02 Security Dialogue in The Asia Pacific: Reflections and future Directions, Asian Security, Vol 2, 2006, p 176.

[147] نسيمة طاجين، مرجع سابق، ص 177.

[148] Desmond Ball and Ohers, Op. Cit., P 180.

[149] هدى متيكس وآخرون، قضايا الامن في آسيا (القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2004)  ص 282.

[150] Desmond Ball and Ohers, Op. Cit..

[151] Jurgen Ruland, The Contribution of Track Two Dialogue Towards Crisis Prevention, ASIEN, No 85, October 2002, p08.

[152] Bae Geung Chon, Moving Forward with Korea’s, Northeast Asian Cooperation Initiative, Korea Focus, The Institute of Korean Studies, Vol 13, No 3, May-June 2005, p p 88-89.

[153] Timo Kivimaki and Jorgen Delman, The Security Situation in Asia: Changing Regional Security Structure? the Opportunities of The European Union to Play a Role in Asian Security Politic, Nordic Institute of Asian Studies, Copenhagen, June 2005,

https://bit.ly/2LUcLLD  (accessed on 18/07/2017).

[154] Desmond Ball and others, Op. Cit., p p181-182.

أمينة حلال

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الجزائر، باحثة متخصصة في الدراسات الصينية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى