fbpx
أمني

حماة الشريعة بين الرسائل والمشاهد الغائبة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد:

بتاريخ 11 فبراير 2018، نشر تنظيم الدولة إصدار مرئي جديد لفرعه في سيناء، استعرض فيه وعلى مدار 23 دقيقة و8 ثواني مشاهد متعددة، يأتي الإصدار بالتزامن مع ذكرى تنحي مبارك، وإعلان المؤسسة العسكرية المصرية إطلاق العملية الشاملة سيناء 2018، فما الذي يحاول منتجو الإصدار إرساله؟ وكيف يساهم السيسي في تفاقم الأزمة المصرية؟ وهل استطاع السيسي أن يُجنب مصر مصير كمصير سوريا والعراق كما وعد؟ أم أنه يسير بالبلاد لنفس المصير؟

في ذكرى التنحي:

حرص تنظيم الدولة على خروج الإصدار في توقيت معين يوافق ذكرى تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وهي الذكرى التي اعتبرها الثوار والحركات السياسية انتصاراً على المؤسسات القمعية التابعة للنظام المصري حينها، ليأتي الإصدار بمعاني تتحدث حول مفهوم الحاكمية ووجوب أن تكون المرجعية في الحكم لشرع الله وهاجم الإصدار الديموقراطية والمؤمنين بها لأنها تسمح للتشريع بما يخالف الإسلام، واستدل على ذلك بآيات قرآنية، واعتمد الإصدار أسلوب اقناع يعتمد على مقارنة أقوال من يراهم خصومه ممن صاروا مؤيدين للعملية الديموقراطية، فاستشهد بتصريحات لرأس الدعوة السلفية بالإسكندرية “ياسر برهامي”، وبين تناقضه في فتاويه الخاصة بالديموقراطية قبل وبعد الثورة، وكذلك الشيخ محمد عبد المقصود الذي أيد بعد الثورة جماعة الإخوان المسلمين، فجاء منتجو الإصدار بفتوى له من قبل الثورة تحدث فيها عن حكم انتخابات مجلس الشعب والدستور وتكفيره لهذا، ثم تناقضه في هذا بعد الثورة، وبالمثل أيضاً أظهر الشيخ مصطفى العدوي وهو يدعو للانتخابات الرئاسية.

وقد عمل الإصدار في تقديمه واستدلاله بالنقاط السابقة لكي يصل لأول رسائله من الإصدار وهي أنه لا يمكن للشريعة الإسلامية أن تأتي من خلال الديموقراطية، وأن الثورة قد فشلت نتيجة فساد استدلالات وعقول من قادوا الثورة وهو ما أدى لوصول السيسي للحكم، وهو ما اعتبره الإصدار عقوبة من الله لسلوك غير الطريق الصحيح، حيث أنه لن يأتي نصر سوى بالجهاد وأنه لا طريق لتحكيم الشريعة سوى الجهاد، لذلك كان من الطبيعي أن يحرص الإصدار على ارسال رسالة تحذير بأنه سيستهدف المقار الانتخابية والعاملين عليها.

السيسي ودماء الانتقام:

رغم ما ذكره السيسي سابقاً قبل توليه رئاسة الجمهورية من خطر استهداف المدنيين في سيناء، إلا أن أفعاله من بعد الثالث من يوليو 2013 أتت بعكس هذا، حيث أطلق يد الأجهزة الأمنية والعسكرية لتنكل بكل مُعارض له في مصر عامة وسيناء خاصة، وهو ما تصادم مع الطبيعة الخاصة لأهل سيناء، مما ساعد في اشعال تمرد مسلح ضد الأجهزة الأمنية والعسكرية، وهو تمرد تحول جزء منه لمبايعة تنظيم الدولة لاحقاً، وبشكل مقصود أو غير مقصود فإن عبد الفتاح السيسي والمؤسسات الأمنية والعسكرية المصرية تقوم وعبر اظهارها للعلاقات الحميمية بين عبد الفتاح السيسي والنظام الصهيوني، وأيضاً عبر القتل العشوائي للمدنيين وحملات التهجير القسري، تقوم بخلق حالات من الثأر والانتقام داخل المجتمع المصري وتحديداً من خلال شريحة الشباب، وهو ما يصب في جزء منه لصالح التنظيم حيث حرص التنظيم عبر الإصدار على إبراز العلاقة الحميمية بين السيسي ونتنياهو، ومشاهد قتل الأطفال وتدمير المنازل والمساجد على يد قوات الجيش المصري.

مع قيام أحد جنود التنظيم بالتوعد للسيسي والجيش بالانتقام مما يفعله في منازل المسلمين من هدم وغيره، لينتقل الإصدار إلى استعراض جزء من محاولة التنظيم التصدي ومنع عمليات تهجير سكان رفح عبر استهداف القوات والآليات المشتركة بها، وهنا يقدم التنظيم نفسه على أنه هو الوحيد الذي يحاول حماية المسلمين في سيناء ومصر.

الجيش الفاشل:

حرص مقدمو الإصدار على اظهار مدى فشل وسوء كفاءة المؤسسة العسكرية المصرية، وهذا عبر الاستهزاء بها بطرق متعددة ومنها:

  • مشاهد تقدم عسكريين على أقدامهم أمام مدرعة كشف الألغام، بدلاً من تقدم المدرعة، ليتم استهداف المشاة بشكل سهل.
  • مشاهد لعربات لمضادة للعبوات والكمائن نوع MARP وهي عربات شديدة التحصين، وهي تتقدم باحثة عن العبوات بينما يكون أحد أبوابها مفتوحاً وهو ما يلغي فاعليتها من ناحية التحصين، وهو ما يظهر عند تفجير العبوة بها، وهذا يدل إما على أن الأفراد القائدين لهذه العربات غير مؤهلين فنياً، أو أن جهاز التبريد الخاص بالمدرعة لا يعمل مما يؤدي إلى قيام أفرادها بفتح بابها.
  • الاستهزاء بمدرعة كشف المتفجرات، حيث أظهرت الدقيقة 11 و38 ثانية من الإصدار مشهد وقوف سيارة الكشف عن المتفجرات بجوار عبوة ناسفة لتتقدم مدرعة أمامها ليتم تفجيرها بعبوة أخرى ثم يتم بعدها تفجير العبوة التي بجوار سيارة كشف المتفجرات.
  • الكشف عن عملية رصد طائرة وزير الدفاع والداخلية ومراقبتهم لها لوقت طويل قبل أن يتم استهدافها، وهو ما يظهر حجم فشل أكبر مؤسستين أمنية وعسكرية في مصر في تأمين رؤسائها.

النموذج:

جاء الإصدار ليظهر اهتمام التنظيم بمصر بصفة خاصة حيث تزداد فيها المظالم والقمع المرتكب من قبل أجهزة النظام مع عجز المعارضة عن تقديم أية بدائل، وهو ما يشكل عامل تفجر عند فئة الشباب التي تفتحت أعينها في ثورة 25 يناير على التخلص من قيود الأجهزة الأمنية وقمعها، ليقدم الإصدار نموذجاً من الشباب، ومن داخل الفئة الأكبر من معارضي النظام، جماعة الإخوان المسلمين، وهو الشاب “عمر الديب”، وتقديمه كنموذج قدوة للشباب الباحث عن الثأر من المؤسسات العسكرية والأمنية في مصر، مع استعراض التغطية غير الدقيقة لحادثة مقتله من بعض وسائل الإعلام، ليرسل التنظيم رسالة لمن استبد به اليأس من كثرة المظالم بأن هناك من لا يُخدع بمثل تلك القنوات وتلك النخب السياسية، ولكنه اختار طريقاً آخر استطاع فيه أن يذوق طعم النصر والقصاص، وهو ما برز في عبارات الإصدار التي جاءت مهاجمة لجماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من القوى السياسية المعارضة للنظام، ومن تلك العبارات: “إن السلمية عار وإن القتال طريق الأبرار”، “وكما أن قوات الأمن والجيش تقتل فإنهم يقتلون ويشردون”.

ويلاحظ في الإصدار أن التنظيم قد اقتطع بعض المقاطع الإعلامية لضرب مصداقية القنوات المعارضة للنظام، والتي يعتبرها التنظيم قنوات معادية له مثلها مثل القنوات التابعة للنظام المصري، حيث يشترك الطرفين في مهاجمة التنظيم، وتعمد التنظيم في المشاهد المقتطعة أن يبرز رواية توهم المشاهد أن  “عمر الديب ” قد تعرض للتصفية الجسدية، وهنا تأتي رواية التنظيم لتصب وتخدم الرواية التي يصرح بها دوماً رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي على أنه لا يوجد شيء أسمه مختفين قسرياً، وأن حقيقة هؤلاء أنهم شباب انضموا لتنظيم الدولة، وهذا بالرغم من تصريح والد  “عمر الديب ” الدكتور إبراهيم الديب بان ابنه لم يتعرض للاختفاء القسري حيث ذكر هذا الأمر صراحة في لقائه  التلفزيوني بتاريخ  8  أكتوبر  2017  ، حيث قال نصاً  “لا أعلم إذا كان ابني عمر تم اختفائه قسريًا أم لا، وعلمت بخبر استشهاده من وسائل الإعلام ” ، بالإضافة إلا أن جميع المؤسسات الحقوقية المعنية بملف المختفين قسرياً في مصر لم تتحدث أو تنشر سابقاً عن تعرض عمر الديب للاختفاء القسري، وكل ما تمت الإشارة له فقط هو فتح تحقيق في تعرض تلك المجموعة للتصفية الجسدية بعد القاء القبض عليهم أحياء، وهو أمر مجرم وفق القانون المصري .

مشهد غائب لحماة الشريعة:

لماذا يتعمد التنظيم تجاهل مذبحة مسجد الروضة والتي قتل فيها 314 من المصلين داخل المسجد، وحرص الجميع على التبرؤ منها إلا هو؟ ليأتي الإصدار الجديد الذي يحمل عنوان حماة الشريعة ليضع تساؤلاً حول كيف يقدم التنظيم نفسه على أنه حامي للشريعة، ثم يقوم بتجاهل أكبر حادثة استهداف مسجد والمصلين بداخله بالقتل؟

وكانت بعض المصادر المؤيدة للتنظيم تُبرر هذا الصمت سابقاً، بشدة القصف الذي يتعرض له التنظيم مما يجعل إصدار بيان حول الحادثة أمر صعب، بالإضافة إلى انقطاع الاتصالات، ولكن ومنذ الحادثة أخرج التنظيم وأصدر عدة مقاطع مصورة وإصدارات مرئية، منها الفيديو الخاص باستهداف طائرة وزيري الداخلية والدفاع في مطار العريش، ومشاهد من هجومه على كمين أمني غرب مدينة العريش وأيضاً الهجوم على كمين البرث بجنوب رفح في إصدار مرئي للتنظيم الأم ضخم حمل عنوان “لهيب الحرب2″، ثم الإصدار الأخير “حماة الشريعة” والذي تضمن مشاهد حديثة بل وختم بمشاهد من بداية الحملة العسكرية التى تُشن الآن على سيناء، فلماذا يصمت التنظيم عن التعليق على حادثة المسجد؟ أم إنه، ووفق مصادر محلية، يحاول تجاوز الحادثة نظراً لتورط عناصر من التنظيم بها؟

أسئلة غائبة:

بالنسبة لتنظيم الدولة، يمكن من الإصدار ملاحظة حجم التطور والتغير الذي يمر به تنظيم الدولة في سيناء، وهذا من خلال المقارنة بين لغة خطاباته الإعلامية في عهد متحدثه السابق “الشيخ أبو أسامة المصري” ورئيسه السابق “أبو دعاء الأنصاري”، وما بين من حلَّو محلهم مؤخراً، حيث كان التنظيم في عهد السابقين يحرص على التحدث بلغة خطاب تخاطب كل من تأذي وتضرر من أي مجزرة أو جريمة قتل كمثل رابعة العدوية وغيرها، ولكن نشاهد في الإصدار الجديد إبراز لصورة بعض قتلي اعتصام رابعة العدوية مع تعليق صوتي بأن هذا هو جزاء الإيمان بالديموقراطية، فهل يشهد التنظيم مرحلة جديدة من التوحش نتيجة مقتل قادته الأوائل؟ أيضاً رغم أن الإصدار حمل اسم “حماة الشريعة” إلا أنه تجنب التعليق والبيان حول أكبر حادثة استهدفت المصليين في سيناء بالقتل في قرية الروضة، وهو ما يعده الكثير دليل تورط في المذبحة، وأن التنظيم لا يبرز في خطابه الإعلامي إلا ما يخدم قضيته.

على جانب آخر تحدث الإصدار عن قرب الفتح في سيناء وهذا بجوار تبيانه سوء عاقبة الديموقراطية، ولكن التنظيم تجاهل عن عمد أو تناسى أن تجربته بمدينتي الموصل والرقة في العراق وسوريا، مازالت ماثلة في الأذهان، وأنه وبالرغم من القتال المستميت الذي خاضه التنظيم بهما إلا أنه في النهاية لم يستطع الصمود أمام الضربات الجوية التي سوت معظم المدينتين بالأرض مما أدى لإنهاء وجود التنظيم ومقتل الآلاف من المدنيين، والسيطرة على المدينتين من قبل قوات متعددة، فهل يريد منتجو الإصدار لسيناء مصيراً مشابهاً لمصير الموصل والرقة؟ وهل الإشكالية تكمن دوماً في حصر وسائل التغيير بين الديموقراطية أو الثورة السلمية أو حمل السلاح؟

بالنسبة للمؤسسة العسكرية المصرية، ألا تمثل المشاهد الواردة في الإصدار بيان لمدى فشل الحلول الأمنية القائمة على القمع والقتل والتهجير؟ وهل يمكن لمؤسسة فشلت في حماية وزير الدفاع والداخلية، أن تنتصر في مواجهة أكبر تمرد مسلح تشهده مصر في السنوات الأخيرة؟

أيضاً كيف سترد المؤسسة العسكرية على التحدي الذي أعلن التنظيم عنه في الثواني الأخيرة في الإصدار، عن قرب اخراج إصدار جديد حول العملية العسكرية الشاملة “سيناء2018″، يتضمن مشاهد منها، أم أن المؤسسة العسكرية لم تعد تهتم بصورتها الذهنية في ظل سيطرة رئيس النظام المصري عليها وتحويله لها لأداة قمع داخلية؟

ختاماً:

لا يمكن تجاهل مآلات سياسة نظام عبد الفتاح السيسي العسكري في سيناء، حيث ساهمت في تفجر الأوضاع هناك وزيادة حجم المظالم وهو ما ترتب عليه ثارات مجتمعية ستستمر لفترة من الزمن، وأمام تفاقم معدلات القمع والانتهاكات والقتل والتهجير والقبض العشوائي والإخفاء القسري وغياب العدالة القضائية، فإن مصر تتجه نحو مزيد من تفاقم الأزمات التي ستؤدي إلى خلق حالة من الغضب الداخلي المستعد للانفجار عند أول فرصة سانحة، وهو ما يعني أن مصر قد تكون قد بدأت السير على خطى سوريا والعراق، بسبب ممارسات نظامها العسكري، وحاكمه عبد الفتاح السيسي (1).

————–

الهامش

1 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تعليقًا على أسباب تمرد هؤلاء الشباب ومنها الحركات الامنية المهينة والمهددة لأهالى سيناء
    وجب الإشارة إلى شهادات الأهالى وبعض رؤساء القبائل على حسن التعامل المباشر، والتعاون المقصود لإيصال المساعدات، وعدم مداهمة البيوت التي بها نساء فقط
    وهو تغيير يسترعى الاهتمام والإشارة والشكر، لأنه ربما مخالف بعض الشيء عن تصريحات الرئيس نفسه ونوايا حرم المطار والتجريف والتفريغ والتهجير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close