دراساتمجتمع

ظاهرة البلطجة النسائية في مصر مقدمات أساسية

انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل واسع وخطير جرائم العنف والبلطجة، وأصبحت ظاهرة البلطجة في المجتمع المصري حديث الناس مؤخراً، فلقد تصاعدت حدتها ورتبت أخطاراً تحدق بالأفراد وتخل – في الوقت ذاته – بأمن وهيبة الدولة. لا شك أن هذه الظاهرة دخلت منطقة الخطر، وأصبحت بالفعل تمثل تهديداً لأمن الناس. (محمد سامي الشوا، 2005: 514)باتت أعمال البلطجة ومظاهرها تنتشر في مختلف حياتنا العملية المتمثلة في العديد من مظاهر الاستخدام الجائر للقوة، واستغلال النفوذ، والسيطرة، والسطوة، وفي ممارسة كافة أنواع الإكراه، والاستغلال، والابتزاز، واستخدام الثغرات القانونية في تقويض دعائم العدل وأمن المواطن وطمأنينته، والاستيلاء على المال العام، وتُعد البلطجة امتداداً لمظاهر وأشكال العنف في الشارع والمدارس والجامعات والمصانع والمؤسسات المختلفة. (يسرى دعبس، 1998: 1)

أصبحت البلطجة لا تقتصر على الرجال فقط، بل هناك بلطجيات يمارسن نفس المهنة، ويشتهرن بأسماء تثير الرعب، ويتم طلبهن لمهمات خاصة، ويتراوح سعر الواحدة منهن حسب الاسم الذي تحمله ويشير لقوتها وقدراتها البدنية والنفسية. أشارت إلى ذلك الدراسة الجنائية الميدانية عن البلطجة، فقد ارتفعت أسعار البلطجية من النساء ارتفاعاً كبيراً خلال انتخابات عام 2010، إذ تجاوزت نسبة 200 % عن تلك الأسعار السائدة في سوق البلطجة، قبل الانتخابات الأخيرة. فقد زادت تكلفة ” الردح السادة” من (800 – 2000) جنيه، و ” الفضيحة بجلاجل ” من (1600 – 2500) جنيه، و “هتك العرض” من (5000 – 6000) جنيه، و ” تسويد الدائرة ” [1] من (700- 900) ألف جنيه. وقد أشارت الدراسة إلى أن الطلب على فرق الردح السادة والردح بقلة الأدب والفضيحة بجلاجل كان الأكثر طلباً من المرشحين. (رامي متولي القاضى،2012: 44)

يمثل دخول العنصر النسائي أبرز مستجدات ظاهرة البلطجة في مصر، فلقد أكدت الدراسة الميدانية الحالية على وجود سيدات تحترف مهنة البلطجة، و توسع وانتشار “البلطجة النسائية ” في المجال السياسي، كما كشفت أن المرأة اقتحمت هذا المجال بقوة لافتة للنظر، وجميعهن من المسجلات خطر في سجلات الشرطة، خاصةً في المناطق العشوائية، ويزدهر سوق البلطجة النسوي في أوقات الانتخابات، للقيام بحماية لافتات ومؤتمرات المرشح وضرب المرشح المنافس والاعتداء على أنصاره وافتعال المشاجرات لمنع مؤتمراته وتقطيع صوره وإطلاق الشائعات بهدف إسقاطه، وأحياناً يقمن بتحصيل مستحقات أو ديون لأشخاص ضعفاء لا يقدرون على ذلك، وهناك بلطجة نسائية خاصة برجال الأعمال، وخاصة بأصحاب العقارات لطرد السكان، وأخرى خاصة بمشكلات الأزواج، ومشكلات الميراث، وأخيرة خاصة بالخصومات الشخصية.

كما أكدت الدراسة بأن ظاهرة البلطجة النسائية تطورت من العمل الفردي إلى تكوين جماعات إجرامية منظمة تتوافر فيها معايير التنظيم من تقسيم للعمل، وقيم ومعايير تمثل آليات الضبط التي تسير عليها عضوات الجماعة النسائية، وبذلك استطاعت المرأة أن تحقق المساواة مع الرجل في عالم البلطجة ليس فقط المساواة بل استطاعت أن تتفوق على الرجل عندما تمكنت من الحفاظ على بقاء جماعتها ودوام عملها الإجرامي، كما استطاعت أن تنشأ علاقات مع الجماعات الإجرامية الأخرى بشروطها الخاصة القائمة على مبدأ المنفعة، ونجحت في أن تحقق مكانة مرموقة بين الجماعات الإجرامية من خلال ممارستها لأعمال البلطجة لصالح فئات من قادة المجتمع من أصحاب السلطة، وهناك أماكن عشوائية في مصر مشهورة بإيواء هذه الجماعات النسائية الإجرامية المنظمة، ومنها على سبيل المثال منطقة ” الدويقة ” بحي منشأة ناصر غرب القاهرة.

إن اشتغال المرأة بمهنة البلطجة ونجاحها في تكوين الجماعات الإجرامية المنظمة واشتهار بعض المناطق بوجود هذه الجماعات ولجوء الكثيرين إليهن، هو أمر يترجم مدى ما أصاب المجتمع من انحراف، وإن هذه الفئة من النساء الأكثر خطورة على أمن المجتمع في الوقت الراهن لخطورة ما تلعبه من أدوار إجرامية في الخفاء.

أهمية الدراسة ومبرراتها:

تتناول هذه الدراسة ظاهرة البلطجة النسائية كجماعة تتميز بسلوك مهني منحرف تقوم به جماعة منحرفة من النساء، ومن ثم تسعى هذه الدراسة لمحاولة فهم هذه الجماعة المنحرفة التي تباشر أثراً أساسياً على أعضائها، ولأنها همزة الوصل بين المبتدئين في الإجرام وعتاة المجرمين، وهي التي تبطل أثر الضوابط الاجتماعية التي تباشرها الهيئات الاجتماعية السوية، وهي الوسط الذي يتم فيه تعلم أساليب الجريمة. كما تمثل الجماعة المنحرفة مجال تفاعل الأعضاء، وتحدد أنماط التفاعل بينها وبين غيرها من الجماعات. ويتم تحديد وتوزيع الواجبات والمسئوليات والحقوق لكل عضو في الجماعة، ويترتب على تقسيم العمل تحديد مجموعة من الأدوار المحدد مواصفاتها بدقة، ويعكس كل دور مكانة اجتماعية متميزة داخل الجماعة.

كما ينشأ عن هذا التفاعل نشاط وسلوك يعمل على الحفاظ على بقاء الجماعة واستمرارها وعلى إشباع الحاجات الأساسية لأعضائها، فالجماعة تشعر وتفكر وتعمل بطريقة تختلف تماماً عن الأفراد الذين يؤلفون هذه الجماعة، الأمر الذي يتطلب دراسة الظواهر الجماعية المنتظمة، ودراسة الاطراد في العلاقات الاجتماعية به.

كما ترجع أهمية الدراسة إلى تطور ظاهرة البلطجة إلى عصابات، وتحولها – من جريمة ذات طابع ذكوري، وفردي، وتلقائي “غير منظم ” – إلى جريمة منظمة لديها من القدرات والإمكانيات ما قد يؤهلها لمواجهة الدولة، وربما للتغلب عليها، وهذا التطور قد ينقل الصراع بين البلطجية والدولة إلى مستوى أكثر تعقيداً. فهذه الجماعات لم تعد تسعى إلى فرض سطوتها على الشارع فقط، وإنما على الدولة ذاتها، كما قد يتحول البلطجية إلى فاعل رئيسي في المجتمع، وفي العملية السياسية، بصورة قد تصل معها لأن يكونوا خصماً للدولة ذاتها. (أحمد محمود أبو زيد، 2012: 26 – 27)

الإجراءات المنهجية للدراسة:

تُعد هذه الدراسة من الدراسات الوصفية الاستطلاعية التي تهدف إلى التعرف على الثقافة الفرعية لجماعة البلطجة النسائية من حيث آليات الضبط الاجتماعي التي تحكم أفراد هذه الثقافة، وقواعد التعامل بين أفراد هذه الثقافة كجماعة وبين الجماعات الأخرى، وهي قبل ذلك – وبعده رؤية تحليلية تحاول تحليل ظهور ظاهرة البلطجة النسائية.

اعتمدت هذه الدراسة على منهجين في تناول ظاهرة البلطجة النسائية على النحو التالي:

1- المنهج الوصفي:

اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي لوصف ظاهرة البلطجة النسائية وتفسير ظهورها.

2- المنهج الأنثروبولوجي:

اعتمدت هذه الدراسة على المنهج الأنثروبولوجي في جمع المادة العلمية، وعلى الإخباريين لإيجاد عينة الدراسة والتعامل مع جماعة البلطجة النسائية.

3- الطريقة العامة للبحث:

اعتمدت هذه الدراسة على طريقة دراسة الحالة لتحليل جماعة نسوية تمارس البلطجة.

4- أدوات جمع البيانات:

(أ)- دليل المقابلة:

هو ورقة عمل تضم مجموعة من الأفكار الرئيسية -عن الحياة الجماعية لجماعة البلطجة النسائية، وظروف تكوين الجماعة، ومجالات ممارسة البلطجة – التي تندرج تحتها بعض الجمل الخبرية المفتوحة والمطروحة على المبحوث.

(ب)- المقابلات المتعمقة:

اعتمدت الدراسة على المقابلة المتعمقة كأداة لتطبيق دليل العمل الميداني، لكن كان الحكي في المقابلة له مشكلات منها: الاستطرادات الكثيرة التي يتضمنها فعل الحكي ذاته، ومحاولة الفرد عمل ما يشبه المونتاج لسيرة حياته، مؤخراً أحداثاً، مقدماً أخرى، متجاهلاً بعضها، مبالغاً في البعض الآخر، مما يساعد على رسم الصورة التي يريد توصيلها للباحث. لقد حاولت الباحثة الحد من هذه المثالب ببعض الطرق منها: الحد من الاستطرادات للعودة إلى القضايا محور الحوار، وأيضاً التقصي عن المعلومة ذاتها أو التفصيلية ذاتها أو الفرد ذاته من أكثر من مصدر في الوقت نفسه، وساعد الباحثة في ذلك الإخباري، والرجوع إلى الشخص ذاته على فترات متباعدة للحوار حول الموضوعات نفسها. رغم هذا، لقد ساعد الحكي من قِبل الأسئلة الموجهة إلى الباحثة من قِبل حالات الدراسة أن تدرك بشكل جلى تصورات عن المكان، عن البشر، وتضعها موضع المساءلة.

(ج)- الملاحظة:

فقد اعتمدت الدراسة على الملاحظة بدون مشاركة، الأمر الذي ساعد الباحثة في الكشف عن الموضوعات التي لا تستفيض حالات الدراسة في الحديث عنها ومنها: أثر ممارسة سلوك البلطجة على أهالي المنطقة، ردود الأفعال على سلوك البلطجة، تعامل جماعة البلطجة النسائية مع الشرطة.

5_ مجتمع الدراسة:

تم تطبيق الدراسة داخل منطقة “مربع المسجلين” بقرية الدويقة، حي منشأة ناصر أحد الأحياء شديدة العشوائية في القاهرة، يبلغ عدد سكانها (296380) فرد بنسبة 3.3% من سكان القاهرة. (الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، 2014: 15)

وتشتهر الدويقة بأنها مجتمع منعزل يضم “الناس الوحشة ” من الهاربين من العدالة وتجار الممنوعات والمقاولين من الباطن، ومع ذلك فإن منطقة الدويقة تضم مجموعات مختلفة من السكان وتوجد على الطريق المؤدى إلى الدويقة مساكن الإيواء المعروفة باسم الوحايد والإتنينات والتلاتات وهي مساكن أنشأتها الحكومة لإيواء الأهالي عام 1984، كما توجد منطقة أخرى تسمى سكن الأهالي وهي مساكن أقامها الأهالي على أرض بوضع اليد. وتعتبر أعلى منطقة في الدويقة من حيث الارتفاع هي مساكن الحرفيين التي أنشأتها الحكومة في الثمانينات لإسكان صغار الحرفيين والشباب، وتتميز هذه المساكن بأنها بلوكات سكنية كبيرة تتوفر بها المياه الجارية والكهرباء والصرف الصحي بخلاف منطقة الدويقة التي لا توجد بها مياه جارية ولا صرف صحي.

كما توجد أسفل البلوكات مجموعة من الورش والمحال التي أنشأتها الحكومة بكل بلوك من البلوكات، ومن اللافت للنظر أن هذه الورش والمحال غير مشغولة وهو الأمر الذي يدل على أن الحرفيين لم يستغلوا هذه الورش في القيام بأي أنشطة اقتصادية. كما تضم هذه المساكن بعض أسر الإيواء التي أضيرت في زلزال القاهرة بتاريخ 12/10/1992 في أحياء القاهرة القديمة مثل السيدة زينب والجمالية والدرب الأحمر والقلعة. ولا يوجد بمنطقة الدويقة أي خدمات سوى سوقين عامين هما سعد المصري والحرفيين، ولا يوجد نظام لجمع القمامة ولذلك يتم إلقاؤها في الجبل، وتعتمد المساكن التي لا توجد بها مياه جارية على شراء المياه التي تباع في جراكن تحملها عربات الجيب وتمر بها باللحى مرة صباح كل يوم. (هناء الجوهري، 2014: 67 – 68)

يشعر المهمشون عامةً وفي الدويقة كمنطقة عشوائية بالبؤس والإحباط والفاقة والإهمال؛ كوجه آخر للفقر في نوعية الحياة، إذن فهناك المجتمعات التي تعيش في غربة وتدنٍ ثقافي عن المناطق المحيطة مما يخلق عالماً مختلفاً عن جيرته، إضافة إلى الفجوة الطبقية بينه وبين الجار المتحضر غير المقدر لظروف المجتمع المجاور.

ويعاني معظم النازحين للعشوائيات خاصةً الدويقة من البطالة، ويعيشون في بيئة غير محابية تحتفظ بالرواسب الريفية في محيط مختلف.

كل ذلك يخلق نسقاً اجتماعياً مختلفاً، وتخلفاً ثقافياً يؤثر على الثقافة الأصلية مما يمنع التكيف الاجتماعي، ورفض الآخر. (المجلس القومي للخدمات والتنمية الاجتماعية،2013: 28)

وفيما يلي بعض من هذه الجوانب:

(1) منطقة الدويقة كمنطقة عشوائية غير آمنة:

منطقة الدويقة منطقة جبلية تُمثل خطورة على الحياة والمعيشة والصحة والاستقرار وفقاً للمعايير التالية:

قام صندوق تطوير المناطق العشوائية بتحديد معايير لتصنيف المناطق غير الآمنة حسب درجات الخطورة بما يتفق مع المعاهدات العالمية وعليه تم توجيه مشروعات التنمية لإحلال المساكن غير الملائمة واستبدالها بالمساكن الملائمة في مناطق آمنة على الحياة والصحة، وقد تم تقسيم المعايير إلى أربع مجموعات رئيسية تمثل درجة الخطورة وهي:

(أ)- مناطق مهددة للحياة (الدرجة الأولى):

هي المناطق التي تتعرض لظروف تهدد حياة الإنسان وهي كالتالي:

(1) – المناطق المعرضة إلى انزلاق الكتل الصخرية.

(2) – المناطق المعرضة للسيول.

(3) – المناطق المعرضة لحوادث السكة الحديد.

(ب)- مناطق السكن غير الملائم (الدرجة الثانية):

هي المناطق التي تتكون من مساكن ذات الصفات الآتية:

(1) – مباني تم بنائها باستخدام فضلات مواد البناء.

(2) – مباني متهدمة أو متصدعة.

(3) – مباني على أراضي دفن القمامة.

(ج)- مناطق مهددة للصحة (الدرجة الثالثة):

هي المناطق التي تهدد الصحة العامة كالتالي:

(1) – افتقاد المنطقة إلى المياه النظيفة أو الصرف الصحي المحسن.

(2) – مناطق تحت تأثير التلوث الصناعي الكثيف.

(3) – مناطق نشأت تحت الشبكات الكهربائية الهوائية.

(د)- مناطق عدم الاستقرار (الدرجة الرابعة):

هي المناطق التي يفتقد القاطنون بها إلى الحيازة المستقرة، وحائزي العقارات إلى حرية التصرف في ممتلكاتهم. (الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء،2013: 50)

بناء على معايير الخطورة ودرجة عدم الأمان تم تصنيف “منطقة الدويقة ” على أنها أكثر المناطق العشوائية غير الآمنة تمثل درجة الخطورة الأولى.

(2) – طبيعة الإسكان بمنطقة الدويقة:

ينتشر بمنطقة الدويقة إسكان الغرفة المستقلة ” الإيواء ” التي تتمثل في وحدات الثلاثة أمتار مربعة، ووحدات التسعة أمتار المربعة، في شكل بلوكات لها وحدات مياه مشتركة. وداخل إسكان البلوكات ما هو أدهي وأمر وأبعد مما نتصور، فأثاث الحجرة وأدوات الطبخ والطعام والغسيل أقل وأقذر مما يمكن تخيله، والكثافة السكانية بالدويقة شديدة حيث متوسط عدد المقيمين بالحجرة سبعة أفراد يتم فيها كل أنشطة حياتهم من أكل وشرب واستحمام ونوم وولادة ومذاكرة للأطفال الذين يذهبون للمدارس. (حاتم كمال، هشام محمد، 2010: 57)

(3) – طبيعة السكان بمنطقة الدويقة:

يشترك أغلب سكان الدويقة في صفة الأصل الريفي، من المهاجرين من القري الريفية بمحافظات الصعيد مثل محافظات: (سوهاج، وقنا، وأسيوط)، وقد تصل نسبة السكان من الأصل الريفي في أغلب الأحيان إلى 75 % من إجمالي سكان المنطقة.

(4) – وضع الأسرة والمرأة بمنطقة الدويقة:

ترتفع نسبة الأسر التي تعولها النساء لتصل إلى نحو 30 % وبصفة عامة فإن معاناة المرأة من الفقر يفوق معاناة الرجل نظراً لأنها الأقل حظاً من التعليم والإعداد والتأهيل والتدريب وفرص العمل. وتعمل المرأة بأعداد كبيرة في قطاع العمل غير المنظم وغير الرسمي، في أعمال لا تحتاج إلى مهارات وتقوم بها عادةً في منشآت صغيرة أو في داخل المنزل أو على الرصيف أو متجولة في الشوارع.

وتعيش المرأة في الدويقة في ظل أشكال متعددة من المعاناة التي تعبر عنها الظروف الاقتصادية والبيئية الصعبة، وعدم القدرة على السيطرة على الأبناء، كما تعانى نقصاً في معارفها الخاصة بالحقوق والواجبات، وما يمكن أن تحصل عليه أو تتمتع به من خدمات، فهي في الغالب لا تملك الأوراق الرسمية اللازمة للحصول على هذه الخدمات التي تصل أحياناً إلى مجرد وجود شهادة ميلاد فقط، وهذا ينعكس على أطفالهم فهم إما محجمين عن التعليم أو متسربين منه، ويقضون أوقاتهم في الشوارع أو في الأعمال الحرفية.( الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، 2008 : 19 )

(5) ارتفاع معدلات الجريمة والعنف بمنطقة الدويقة:

تسيطر على منطقة ” مربع المسجلين ” بالدويقة جماعات البلطجة المنظمة حيث لا سلطة للدولة أو الأمن عليها نظراً لشراسة هذه الجماعات وتحصنها وانتشارها بين كثير من مؤيديها في مناطق يصعب الوصول إليها؛ لأنها قد تتصف بالتحصين أو وعرة الطرق المؤدية لها وجهل الأمن بها. فقد أصبحت منطقة ” مربع المسجلين ” المصدر الرئيسي للعنف والبلطجة، بل هي مصدره حتى خارج نطاق تواجدها فأصبحت مأوى للمجرمين ومكان لاستئجار محترفي الإجرام، وتنتشر بها جرائم اغتصاب النساء، وخطف الأطفال، ورش بمياه النار، ومطاردة المواطنين البسطاء، والسطو على مرتباتهم تحت تهديد السلاح، وسُمى “بمربع المسجلين ” لأن أغلب سكانه من المسجلين خطر في السجلات الحكومية بالإضافة إلى المجرمين الآخرين بمنشأة ناصر والدويقة، فالذي يحقق منهم أعلى عدد من ” السوابق” يتم ترقيته وينتقل إلى السكن في “مربع المسجلين ” ويفتخر بكونه انتقل إلى الإقامة “بالمربع “.

(6) – إحجام سكان الدويقة عن اللجوء إلى الشرطة:

نظراً لانتقال سكان المناطق العشوائية خاصةً منطقة ” الدويقة “، إلى بيئاتهم الجديدة بشكل مفاجئ وإجباري، وانتشار أعمال البلطجة، والعنف في البيئة الجديدة، وإحساس هؤلاء بالقصور الأمني، تولد لديهم شعور بالقهر، وتقبل الظلم الواقع عليهم من جيرانهم، وعدم الإبلاغ عن بعض الجرائم، وقبول التسوية السلمية، وتسامح المتضررين قسراً خوفاً من البطش الذي قد يقع عليهم في حالة قيامهم بالإبلاغ. (المجلس القومي للخدمات،2013: 30)

عينة الدراسة:

اعتمدت الدراسة على عينة عمدية لجماعة البلطجة النسائية، وكان اختيار العينة وفقاً للمعايير الآتية:

أ- أن تكون العينة لجماعة إجرامية تقودها النساء البلطجيات.

ب- أن تكون الجماعة الإجرامية منظمة تتوافر فيها معايير التنظيم من: تقسيم للعمل، قيم ومعايير تمثل آليات الضبط التي تسير عليها هذه الجماعة.

ج- أن تمارس الجماعة مهنة البلطجة بصورة دائمة وفي مختلف المجالات.

د- أن يكون لتكوين الجماعة شروط ومعايير دون أن يرجع تكوين الجماعة إلى عامل الصدفة.

ه- تمارس الجماعة البلطجة كمهنة مستأجرة لصالح مختلف فئات المجتمع.

مفاهيم الدراسة الرئيسية:

أ-المفهوم القانوني للبلطجة:

1- مفهوم البلطجة:

أورد قانون العقوبات رقم 6 لسنة 1998 في الفقرة الأولى من المادة 375 مكرراً بيان بجريمة البلطجة في صورتها البسيطة. إذ نص على أنه: “مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد واردة في نص آخر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بنفسه أو بواسطة غيره باستعراض القوة أمام شخص أو التلويح له بالعنف أو بتهديده باستخدام القوة أو العنف معه أو مع زوجه أو أحد من أصوله أو فروعه أو التهديد بالافتراء عليه أو على أي منهم بما يشينه أو بالتعرض لحرمة حياته أو حياة أي منهم الخاصة وذلك لترويع المجني عليه أو تخويفه بإلحاق الأذى به بدنياً أو معنوياً أو هتك عرضه أو سلب ماله أو تحصيل منفعة منه أو التأثير في إرادته لفرض السطوة عليه أو لإرغامه على القيام بأمر لا يلزمه به القانون أو لحمله على الامتناع عن عمل مشروع أو لتعطيل تنفيذ القوانين أو اللوائح أو مقاومة تنفيذ الأحكام أو الأوامر أو الإجراءات القضائية أو القانونية واجبة التنفيذ،. متى كان من شأن ذلك الفعل أو التهديد به إلقاء الرعب في نفس المجني عليه أو المساس بحريته الشخصية أو شرفه أو اعتباره أو بسلامة إرادته.”

في حين أن جريمة البلطجة في صورتها المشددة استغرقت بقية فقرات المادة 375 مكرراً مع المادة 375 مكرر (أ) بأكملها. فقد نصت الفقرتان الثانية والثالثة من المادة الأولى على أنه:” وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين إذا وقع الفعل أو التهديد من شخصين فأكثر أو وقع باصطحاب حيوان يثير الذعر أو بحمل سلاح أو آلة حادة أو عصا أو أي جسم صلب أو أداة حارقة أو كاوية أو غازية أو منومة أو أي مادة أخرى ضارة.

وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين إذا وقع الفعل أو التهديد على أنثى أو على من لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة.”

وأردفت هذه المادة موضحة أنه في جميع الأحوال -أي في كافة الجرائم المنصوص عليها في المادة 375 مكررا عقوبات -يقضى “بوضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة المحكوم بها عليه.”(محمود صالح العادلى،2007: 7-8)

ويتضح من النص التشريعي أن المشرع قصد بيان مفهوم البلطجة إجرائياً من خلال الإحاطة بجميع صور الأفعال الإجرامية التي تندرج تحت مفهوم جرائم البلطجة وتأثيمها، وذلك تحقيقاً لأكبر قدر من الحماية لمصالح الأفراد. وهذا يقود إلى أن أي فعل إجرامي يتضمن صورة أخرى غير الواردة بالنص التشريعي، لا يندرج تحت مفهوم جريمة البلطجة مهما بلغت جسامة الأضرار الناجمة عنه، فتحديد المشرع لصور الأفعال الإجرامية للجريمة محل الدراسة لا ينبغي القياس عليه أو التوسع في تفسيرها. (هالة أحمد غالب أمين بحر،2001: 358)

2_ التعريف الإجرائي لمفهوم البلطجة:

يمكن تعريف البلطجة بأنها:” إثارة الخوف وعدم الاطمئنان لدى شخص أو أكثر باستعراض القوة أو التلويح باستخدام العنف أو التهديد بإلحاق الأذى بهدف إجبار المجني عليه أو الغير على إتيان فعل أو الامتناع عن فعل بالمخالفة للقانون”. (رامي متولي القاضى،2012: 23)

في ضوء ذلك يتم استعراض التعريف الإجرائي لمفهوم البلطجة النسائية:

بأنها سلوك مهني منحرف ومنظم تقوم به جماعة من النساء التي تنتمى إلى عائلات أو جماعات تحترف مهنة البلطجة، وتُعد البلطجة مهنة مأجورة ذات قيم ومعايير سلوكية مميزة لها، وتتضمن البلطجة أنماطاً سلوكية تٌعد انتهاكاً للقانون مصحوبة بالاستخدام المتعمد للعنف بكافة صوره وأنماطه.

تعددت أشكال ومظاهر البلطجة النسائية وفقاً لتعدد طبيعة المشاجرة والأدوات المستخدمة بها وتتمثل أهم مظاهرها في:

1_ البلطجة البدنية: بواسطة الضرب بالشوم والعصا، إحداث اصابات باستخدام أدوات حادة منها: المطواة، السنجة، البشلة، الساطور.

2_ البلطجة المعنوية: بواسطة رمى البلاء بإساءة السمعة، وتلفيق المحاضر.

3_ البلطجة اللفظية: بواسطة الردح والشرشحة، هما أكثر مظاهر البلطجة النسائية شيوعاً.

في ضوء ذلك يمكن استعراض تعريف “الردح والشرشحة “:

يعرف التراث الشعبي المصري ألواناً من الإهانات اللفظية، نذكر منها ” الردح والشرشحة ” يدخل طرفان أو أكثر، خاصةً من النساء، في نزاع شديد. ويكون موضوعه تبادل سب الوالدين أو الأهل أو الأموات والدين، فضلاً عن الألفاظ الخادشه للحياء أو ذات المعنى المُعيب. كما تعلو الصيحات والصرخات، وتخلع النساء أغطية الرأس موجهات وجههن للسماء داعيات على بعضهن بالسوء، خاصةً الدعاء بخراب البيت وقطع العيش والكساح والعمى، وقد يزيد سلوك النساء في النزاع، ويتصاعد، فيبدأ في التراقص والتصفيق بالأيدي بطريقة معيبة، وقد يأتين بالأيدي بحركات خادشه للحياء، وقلة منهن يشققن الجلباب، كما يستخدمن ” النأورة ” و” المعايرة “و”الشماته” كوسائل إضافية لتدمير قوة أحد أطراف الردح والشرشحة وقد يحوى الردح الادعاء بالباطل كوسيلة لكسب النزاع، خاصةً ما يمس الأخلاقيات.(أمال عبد الحميد،1991 : 267 ).

ب-المفهوم السوسيولوجي للبلطجة:

عرف (Olweus) البلطجة بأنها “تعرض شخص بشكل متكرر وعلى مدار الوقت إلى أفعال سلبية من جانب واحد أو أكثر من الأشخاص الآخرين وعندما يتعمد شخص إصابة أو إزعاج راحة شخص آخر، من خلال الاتصال الجسدي، أو من خلال الكلمات أو بطرق

أخرى.” Olweus,1996:p.265))

وفي تعريف آخر للبلطجة فأنها تعنى إشاعة الخوف والرعب بين الناس بقصد إكراههم واغتصاب حقوقهم وممتلكاتهم وفي بعض الأحيان أغراضهم. لا تعترف البلطجة بالقانون، فقانونها القوة واستخدام العنف والقوة والنفوذ والسلطة، بل استغلال ثغرات القانون وتعطيله لإدارة أهداف ممارسيها من أصحاب النفوذ والسلطة. فهي إذن مصطلح يعكس أو ينقض القانون والانضباط والنظام والاستقرار والأمان بتعبير آخر إنها تعنى أيضاً الانفلات وعدم الانضباط والفوضى والاستهتار وعدم الاكتراث بالضمير الجمعي للمجتمع وعدم الاعتداد بالقانون والاعتراف به، بل التحرر منه. (يسرى دعبس، 1998: 7_ 8)

تشمل البلطجة الأنشطة التي تمثل انتهاكاً للقانون مثل أعمال السرقة، والنهب، والاعتداء على الملكيات العامة والخاصة. كما تشمل الأعمال المصحوبة بالاستخدام المتعمد للعنف وبإلحاق الأذى الجسدي بالآخرين، والتي تهدف لتحقيق أغراض وأهداف خاصة بالبلطجي نفسه أو للآخرين، مقابل عائد مادي يدفع له. ويختلف البلطجي عن القتلة واللصوص سواء كانوا منظمين أو غير منظمين، من حيث إن البلطجي يستخدم العنف كوسيلة وليس كغاية، فهو يقوم بتأجير نفسه لمن يدفع له للقيام بممارسة هذا العنف ضد الآخرين لتحقيق غايات محددة، أو يستغل هو نفسه هذا العنف كوسيلة لتحصيل المكاسب المادية، كما أن لجوء البلطجي للعنف أمر حتمي، وليس ظرفياً كما هو الحال مع اللصوص. (أحمد محمد أبوزيد،2012: 26)

أنماط سلوك جريمة البلطجة:

1-الأنماط القانونية لسلوك جريمة البلطجة:

أ-استعراض القوة أمام شخص:

هي الصورة الأولى للتجريم والتي تنطوي على صدور فعل من أفعال العنف والقوة أمام المجني عليه، وتقدير ما إذا كان الفعل استعراضاً للقوة من عدمه هو أمر موضوعي متروك لتقدير قاضى الموضوع. ويتضح من عبارة النص أن المشرع الجنائي اكتفي بمجرد استعراض القوة، فهو لم يشترط أن يتحقق الأذى أو الضرر، كما أنه لم يشترط أن يقوم الشخص بنفسه باستعراض القوة بل يمكن بواسطة الغير أو عن طريق شيء مادي كالسلاح على سبيل المثال. (معوض عبد التواب،1988: 22)

ب-التلويح بالعنف:

الصورة الثانية هي التلويح بالعنف للمجني عليه، وهذه الصورة تتقارب في المعنى مع استعراض القوة، ولابد أن يكون التلويح بالعنف أمام شخص، وأيضاً لا يلزم أن يكون التلويح من الجاني مباشرة، وإنما يجوز أن يقع بواسطة غيره.

ج-التهديد باستخدام القوة أو العنف:

هي الصورة الثالثة التي تصدى لها المشرع الجنائي، ولكنه استلزم توافر شرطين الأول: التهديد باستخدام القوة والعنف، والثاني: أن يتم التهديد ضد المجني عليه أو زوجه أو أحد أصوله أو فروعه، وواضح من عبارة النص أن المشرع لا يشترط الاستخدام الفعلي للعنف فهو يجرم مجرد التهديد به، وبهذا يتضح أن المشرع الجنائي انتهج سياسة التوسع في التجريم، وذلك لإضفاء أكبر قدر من الحماية على المصالح المحمية.

د-التهديد بالافتراء:

تتضمن هذه الصورة أيضاً التهديد بالافتراء على المجني عليه أو زوجه أو أحد أصوله أو فروعه بما يشينه أو بالتعرض لحرمة حياته أو حياة أي منهم الخاصة. والافتراء هو الادعاء كذباً، أى ذكر كلام غير حقيقى يتعلق بسمعة المجني عليه أو أحد أصوله أو فروعه، ولم يجرم المشرع هذه الصورة فحسب وإنما ساوى بينها وبين التعرض لحرمة حياة الشخص الخاصة. (معوض عبد التواب، 1988: 26)

اكتفي المشرع بمجرد الافتراء فلم يشترط أن يكون الفعل جريمة سب كاملة، ولكن يكفي ذكر كلام غير حقيقى، إلا أنه اشترط أن يتعلق هذا الكلام بأمور شائنة تمس الشخص أو أحد أصوله أو فروعه أو تمس حرمة حياة أى منهم الخاصة. (إمام حسانين خليل، 1999 :402)

2-الأنماط السوسيولوجيا لسلوك جريمة البلطجة:

قدم الباحثون في علم الاجتماع عدة تصنيفات لسلوكيات البلطجة في ضوء عدد من المعايير على النحو التالى:

أ-الظهور:

حيث التفرقة بين البلطجة الصريحة (الظاهرة) وهي: السلوكيات العدوانية الصريحة التي تتجه بشكل مباشر إلى الضحية ولا تتضمن أشخاصاً آخرين، ومنها البلطجة البدنية والبلطجة اللفظية، في مقابل البلطجة الضمنية وهي سلوكيات لا تتم بشكل مباشر مثل البلطجة العلائقية (التي تظهر في العلاقات الاجتماعية).

ب- التقليدية:

حيث التمييز بين البلطجة التقليدية، والتي تشتمل على سلوك عدواني مقصود منه إلحاق الأذى بشكل متكرر عبر الزمن، إما عن طريق العدوان البدني أو اللفظي. في مقابل البلطجة غير التقليدية، والتي تستخدم الوسائل غير المباشرة كنشر الشائعات أو الاستبعاد من الجماعة أو الإغاظة.

ج-المباشرة:

حيث يمكن التمييز بين البلطجة المباشرة، أو ما يسمى “بلطجة الوجه للوجه” مثل البلطجة اللفظية (الشتائم، الاستهزاء، الإهانة، التعليقات المهينة، التعليقات العرقية أو الجنسية أو الدينية، والتحرش )، والبلطجة البدنية مثل ( الدفع، الضرب، الطرح أرضاً، الاعتداء البدني)، والبلطجة النفسية مثل (النظرات غير اللائقة، التهديدات، الترهيب، الابتزاز). في مقابل البلطجة غير المباشرة، ويشار إليها بالبلطجة الاجتماعية وتشتمل على النميمة، والنبذ، أو الإقصاء الاجتماعي.

د-آلية البلطجة:

حيث قسم بعض الباحثين البلطجة إلى ثلاث صور، وفقاً للآلية التي تستخدم في البلطجة وهي التحرش الجنسي (ويشتمل على استراق النظر، الاعتداء الجنسي، الإساءة الجنسية، الاتصال الجنسي غير المرغوب)، والنبذ، والمقالب.

ه-السياق أو المجال:

تحدث البلطجة، داخل المدارس، وداخل أماكن العمل، وداخل السجون، وداخل المنزل (والتي غالباً ما يطلق عليها مصطلح الإساءة) والبلطجة الإلكترونية (والتي تحدث باستخدام وسيط ثالث وهو الوسائط التكنولوجية الحديثة مثل الإنترنت والتليفون المحمول وغيرهما). (أحمد بدر، أسماء صلاح، منال زكريا،2012: 16)

في ضوء ما سبق يمكن تحديد وقياس البلطجة من خلال أربعة أنواع رئيسية من البلطجة:

أ-البلطجة البدنية: تتميز بالأفعال المادية للعدوان مثل: الضرب، واللكم، والدفع.

ب-البلطجة اللفظية: تتمثل في الاعتداءات المنطوقة والإغاظة.

ج-البلطجة العلائقية: تتميز بانتشار الشائعات التي تسئ إلى الآخرين.

د-البلطجة عبر الإنترنت أو الإلكترونية: باستخدام التكنولوجيا مثل الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني أو الاجتماعي Brank M., 2012: p. 214).).

3- خصائص السلوك الإجرامي لجريمة البلطجة:

يقوم السلوك الإجرامي في هذه الجريمة على استعمال القوة أو العنف، وهو ما أشار إليه نص المادة (375) مكرر عقوبات من أن البلطجة تتمثل في:” كل من قام باستعراض القوة أو التلويح بالعنف “. ويتسم هذا السلوك في الغالب – بأنه سلوك مهني وراثي فالبلطجي هنا ينتمى إلى عائلات تحترف مهنة البلطجة وترث هذه المهنة أباً عن جد، ويكون لجريمة البلطجة تخصصات ومواسم للعمل كموسم الانتخابات البرلمانية، وتظهر علامات الإجرام والخشونة على النساء المرتكبة لجريمة البلطجة”.(مجدى محمد جمعه،2013 : 77-78 )

يتميز السلوك الإجرامي لجريمة البلطجة بأنه سلوك جماعي منظم عبارة عن إجرام مجموعة من المحترفين يكونون عصابة أو جماعة تتخذ من البلطجة وظيفة أو حرفة، ويقوم كل فرد في هذه الجماعة بدور يسهم به فيها بوصفه فاعلاً أو شريكاً. (جلال ثروت،1972: 149)

تعكس جرائم البلطجة ثقافة مضادة يكون الصراع فيها هو العنصر الرئيسي لأنها ثقافة فرعية تتسم بخصائص سلوكية محددة بقصد الحصول على المنفعة الخاصة حتى إن كانت على حساب الالتزامات الأخلاقية التي أرست دعائمها المعايير والعادات والتقاليد المجتمعية. فالبلطجية هم جماعات رافضة لمعايير المجتمع لما يمثلونه من سلوك يهدد النظم الاجتماعية القائمة وما بها من تشريعات نظراً لأنهم يستخدمون العنف أحياناً كآلية تسعى لفرض ثقافة جانحة تحقق نوعاً من الخروج من مأزق المشكلات المجتمعية. (أحمد حسنى السيد، 2010: 99)

4- أهم سمات ثقافة المجرمين لجريمة البلطجة:

أرجع البعض ظهور ثقافة خاصة بالمجرمين إلى أن المجرمين يتميزون بسمة محددة هي أنهم جميعاً مشتركون في النشاط الإجرامي وأن سلوكهم الإجرامي يشير إلى مناهضتهم ومعاداتهم بدرجات متفاوتة للمعايير الرسمية، ويشير آخرون إلى التفاعل والاحتكاك بين المجرمين المحترفين ينتج عنه احساس بالتجانس والتوافق وأن التفاعل بين أولئك الذين تتماثل مشاكلهم أو يعيشون مشاكل متماثلة يعمل على التشجيع على الانسحاب من المعايير النظامية الرسمية، وبمجرد التحرر من المعايير والقواعد الشرعية يبتكر مثل هؤلاء الأفراد وسائل منحرفة تمكنهم من تحقيق النجاح.

وتأخذ هذه الوسائل شكلاً جماعياً عادة بحيث تميز الجماعة ككل ولا تقتصر على فرد واحد، وتتكون الثقافة الفرعية باعتبارها أساس لتحل مشكلة التكيف. (عبد الله عبد الغنى غانم،1991: 295)

5-خصائص جريمة البلطجة:

جريمة البلطجة من الجرائم التي ترتكب بواسطة فاعل واحد أو تأخذ الشكل الجماعي في ارتكابها، وهي في هذه الحالة الأخيرة تتسم بأنها:

(أ) – جريمة لجماعة مستبعدة اجتماعياً:

تتشكل الجماعة الهامشية أو (المستبعدة اجتماعياً) -حسبما يرى جينوجيرمانى- من مجموعة من الأفراد المهاجرين من الريف إلى المدينة، الذين يسكنون المناطق العشوائية، ومناطق الصفيح والبيوت المهجورة، ويأخذونها بشكل غير قانوني، ويحدد استبعادهم في علاقتهم بالنظام العام بعدة مجالات وهي: من حيث علاقتهم بسوق العمل يرى أنهم يعملون في أعمال تتسم باستخدام وسائل إنتاج بدائية ويتميز إنتاجهم بالضعف، وقد يعانون من البطالة، وبالتالي يلجؤون لممارسة أعمال غير مشروعة مثل: السرقة، والمخدرات، والبلطجة، والنصب، والدعارة. أما من حيث علاقتهم بالمجال الاستهلاكي، فهم لا يستطيعون الحصول على السلع الاستهلاكية والخدمات، وذلك بسبب ضعف دخولهم. وفي مجال المشاركة السياسية لا يشاركون في الانتخابات ولا في عملية اتخاذ القرار. Gino Germani, 1980: p. 3)).

ومن ثم يكونون جماعة منحرفة تتميز بالرفض الجماعي للنظام، الذي لا يشعرون بالانتماء له ولا يشاركون في قيمه، نظراً لشدة المعاناة من قسوة الظروف البنائية لمجتمع مارس عمليات مختلفة أدت إلى استبعاد هذه الجماعة، وبالتالي تأتى استجابتها في تبنى الأساليب غير المشروعة في تحقيق أهدافها. (أمل عبد الله محمد، 2005: 49)

(ب)-جريمة منظمة:

1- مفهوم الجريمة المنظمة:

تشير إلى سلوك اجتماعي يقوم به أعضاء تنظيم إجرامي، يمارس أنشطة خارجة على القانون، ويوجد في هذه التنظيمات الإجرامية تقسيم للعمل، وتحديد للأدوار، وتسلسل للمكانة والسلطة، ونسق للمعايير، وولاء تنظيمي واضح. وقد يكون لهذه المنظمات الإجرامية علاقات مع بعض العاملين في السياسة المحلية، أو مع قادة المجتمع الذين لهم تأثير كبير على السياسة العامة. (محمد عاطف غيث، 1979: 95)

2- طبيعة الجريمة المنظمة:

هي أكثر أنواع الإجرام جرأةً ووقاحةً في خرقها للقوانين ولأمن الناس وحياتهم وممتلكاتهم فضلاً عن كونها من أعسر الجرائم صعوبةً في السيطرة عليها وتحجيم نشاطها أو متابعته وتحديد كافة عناصرها. لذا يمكن القول إن من أسباب استمرارها وديمومتها وصيرورتها في المجتمع يرجع إلى تنوعها وتعددها فضلاً عن كونها تنظيماً يخدم أعضاءه مقدماً إيجابيات ومنافع لبعض الجماعات المرتبطة بها، فهي إذاً قوية ومؤثرة لدرجة أنها تستطيع ضمان وحماية القانون الفاسد ودوائره القانونية. (معن خليل العمر، 2013: 29).

3- صفات الجريمة المنظمة:

تضم الجريمة المنظمة أكثر من شخصين متعاونين فيما بينهم، ولكل واحد منهم مهام وواجبات محددة ومعينة تحدد له مسئولياته الإجرامية، ومدة النشاط الإجرامي لا تخضع لجدول زمني مقنن بل تكون مرنة حسب ظروف العملية الإجرامية، وتتضمن بعض أشكال التنسيق والضبط والسيطرة في فعالياتها الإجرامية، والعنف أحد وسائلها في تنفيذ العمليات الإجرامية فضلاً عن الوسائل الأخرى مثل التهويل والارهاب والتهديد والترهيب، وهدفها الأخير هو الحصول على منافع وفوائد مادية ونفوذ وسلطة داخل المجتمع وعلى مؤسساته الرسمية. (Bassioni, 1998: p. Xxviii)

4- عضوية الجريمة المنظمة:

تتمثل عناصرها المكونة كأعضاء فعليين فإنهم لا يكونون من المبتدئين في النشاط الإجرامي بل من المحترفين والمتسلحين بالمناعة تلقحوا بها منذ طفولتهم، تبدأ من مشاكستهم ونزاعاتهم وجنوحهم وانحرافهم في مرحلة حداثتهم ومرورهم بالمواقف البوليسية والمحاكم. أي لديهم سجلات رسمية في مراكز الشرطة، وملفات القضاء والمحاكم تكشف عن عوالمهم الخفية وجماعتهم المنحرفة وأسرهم المفككة. أي لم يصل عضو الجريمة المنظمة إلى العصابة بالخطأ أو فجأة بل عبر مراحل تاريخية لا تمثل الأوساط والبيئات السوية. جميع ذلك يبلور خبرة ودراية بالأعمال المنحرفة والمخترقة للقوانين التي تدفعه لأن يتصرف بجرأة ووقاحة عندما ينتمي إلى تنظيم يحقق أهدافه ومراميه التنشيئية المنحرفة. (معن خليل العمر، 2013: 29 -30)

5- محكات الجريمة المنظمة:

عند تمييز الجريمة المنظمة من غير المنظمة يمكن النظر إليها من الزوايا التالية: التخطيط، التنسيق، والعضوية، والكتمان أو الخفاء، والتدرج المتسلسل الهرمي، وعند توفر هذه المحكات المعيارية الخمسة في أية نشاط إجرامي يقوم به أكثر من مجرم عندئذ نستطيع أن نقول عليه (أي النشاط الإجرامي) بأنه تم تنفيذه من قبل عصابة إجرامية ذات تنظيم هيكلي. (Crrabine, 2004: p. 186)

6- الملامح المشتركة للجريمة المنظمة:

التنظيم الدقيق، وتقسيم العمل، والعنف غير المحدود، والقسوة الشديدة مع من يخرج على قواعد التنظيم، والولاء المطلق للقيادة والنشاط الإجرامي الواسع النطاق محلياً ودولياً في المجالات المتعددة، وإفساد الموظفين عن طريق الرشوة أو التهديد، وهدفها الأول جمع أكبر قدر من الأموال غير المشروعة. (محمد فتحي عيد، 2003: 686)

(ج)- جريمة لجماعة إجرامية منظمة:

1_ مفهوم الجماعة المنظمة:

يُعرف الفقيه الكندى Maurice Cusson الجماعة المنظمة: بأنها مؤسسة منظمة ومتدرجة من مجرمين متخصصين يخضعون لقواعد أمرة وتنظم المؤسسات غير الشرعية التي تسيطر عليها بفضل استخدامها المتواصل للعنف. ويتضح من هذا التعريف أن الجماعة الإجرامية المنظمة تتطلب توافر الخصائص التالية: هيكل تنظيمي وسلطة مركزية، قواعد ملزمة لأعضاء الجماعة، مجرمون متخصصون، تنظيم منهجي للعمليات، مزاولة الاحتكار، استخدام العنف، القسوة والتهديد. (طارق سرور، 2000، 62)

ووصف الجماعة في تلك الجرائم بأنها منظمة يعنى أن لها بناءً تنظيمياً قائماً لتحقيق أهداف بذاتها تعتمد على الأدوار المنوطة بأعضاء التنظيم، فلها صفة الاستمرار والتدرج الهرمي والمستويات القيادية والتآمر. (Kenny.D.J,Finckenauer. J.o, 1995: p.98)

ومن خلال تحديد سمات الجماعة في الجرائم المنظمة، والتي من أهمها خاصيتى التنظيم الهرمي والاستمرارية، وهذا مايميزها عن شكل الجماعة في الجرائم الجماعية الأخرى، التي لا تتم في إطار التنظيم. (Mnbela. Elliott,1952: p 136)

2_ طبيعة الجماعة الاجرامية المنظمة:

1- مرنة ومبتذلة ومعتدلة في تفاعلها مع أحداث المحيط التي تعيش فيه.

2- انتهازية في اصطياد الفرص التي تخدم مصلحتها الآنية.

3- متفاعلة مع التقلبات والتطورات والتغيرات التي تحصل في محيطها.

4- تتفاعل الجماعات الإجرامية المنظمة بعضها مع بعض دون أن تفقد كينونتها الإجرامية التي لا تتطابق مع الأخرى.

5- يعتمد نموها على درجة مرونتها في اكتساب المستجدات الطارئة في مجتمعها إذ كلما كانت مرنة في الاكتساب زاد ذلك في نموها والعكس صحيح.

6- لا يمثل عُمر الجماعة الإجرامية المنظمة ولا حجمها صفة من صفاتها.

7- التهديد والإيذاء يذهب إلى رؤساء الجماعات الإجرامية وليس إلى أعضائها.

8- تمثل الجماعة الإجرامية المنظمة لتكون نسقاً منظماً وليس تجمعاً بشرياً لكي تساير متطلبات العصر. (معن خليل العمر، 2013: 28 – 29)

3_ ديناميات وأنشطة الجماعة:

تعطى ديناميات الجماعة معنى لأنشطة الجماعة الاتجاه في خدمة الجماعة. تساعد ديناميات الجماعة القادة وأعضاء الجماعة على معرفة ما يحدث في الجماعة، سواء بوعي أو بدون وعى. الأنشطة الواعية هي الحاجات المعلنة لمختلف الأعضاء، هي الأهداف المعلنة، وأهداف الجماعة ككل، والخطط التي تضعها الجماعة لتحقيق هذه الأهداف. تتعلق الأنشطة غير الواعية بالاحتياجات غير المعلنة للأعضاء، والأهداف والغايات الخفية للأعضاء، والقضايا الشخصية غير المعروفة للأعضاء أو لقائد الجماعة. هناك أيضاً قوى تمارس على الجماعة من خارجها. تفاعل تلك القوى، وآثارها تحدد لماذا تسلك الجماعات على النحو الذي هي عليه في الاجتماعات الأولى للجماعة، من المهم أن يشعر كل فرد أن له موقعه الخاص به. ويحتاج كل الأعضاء فترة من الزمن لخلق هذا الفضاء الخاص بموقعه، ويوطدون أنفسهم قبل أن يستطيعوا العمل مع الجماعة. تبدأ كل جلسة أو مقابلة فردية بالتعارف من خلال تبادل الأسماء مع جميع الأعضاء والاسم هو مدخلنا لحياة شخص ما. تبادل الأسماء وسيلة لتحقيق وعى كل أعضاء الجماعة بالشخص المذكور اسمه، بل هو وسيلة بسيطة للاعتراف بوجود بعضهم البعض.

بعد تشكيل الجماعة لأول مرة، هناك فترة لاختبار أعضاء الجماعة للقائد لترى كيف أن ذلك الشخص صريح وأمين ومتحمل للمسؤولية. وسوف يختبر الأعضاء بعضهم البعض، وكذا قائد الجماعة بطرق مختلفة، بما في ذلك الأسئلة المباشرة، والاستماع، ومراقبة الاستجابات لأفعال ومشاعر الأعضاء، وأحيانا من خلال التحديات الصريحة.

4_ القيادة في الجماعة:

(أ)_ مفهوم القيادة في الجماعة:

التركيز هنا على دور القائد كمسهل للجماعة. يمكن لقيادة الجماعة الفعالة أن تحسن الفرص التي تعمل على نجاح الجماعة، والقيادة السيئة يمكن أن تحد من نجاح أي جماعة. القيادة الفعالة أمر حيوي لتحقيق الغرض الذي من أجله تم تأسيس الجماعة. تأمل بسيط في معايير وأدوار ووظائف القائد، وخصائص القائد الجيد يمكن أن تطرح فهماً أفضل لما يجب أن يقوم به المشاركون في الجماعة في علاقتهم بالقائد.

معايير الجماعة هي الإجماع الجمعي على سلوك، أو معايير السلوك التي تقبلها الجماعة. سوف تتأثر سلوكيات الأعضاء بمعايير الجماعة. وإن توحد الجماعة أمر ممكن إذا وافق جميع الأعضاء على الشروط التالية: تفاعل الأعضاء على قدم المساواة، تعظيم التفاعل الشخصي، لا يمارس أي عضو سلطة على الأعضاء الآخرين، تحجيم تنافس الأعضاء.

يستطيع القائد أن يساعد الجماعة أكثر لو أن نمط القيادة يناسب الجماعة. يجب أن يستخدم القائد الناجح القوة لتجنب التفكك، ودفع الجماعة إلى الأمام. يستطيع القائد أن يخدم الجماعة بصورة أفضل إذا سمح للجماعة أن تصوغ أهدافها. أيضا، يجب على القائد ألا يهيمن على أجندة الجماعة، وألا يستخدم الجماعة لتحقيق طموحات شخصية، هدف واحد من تجربة الجماعة هو زيادة قدرات الأعضاء على العمل بشكل مستقل عن الجماعة في نهاية الأمر. يحتاج القائد إلى توفير فرص وافرة لجميع الأعضاء لممارسة أنماطهم الخاصة بهم في صنع القرار داخل الجماعة نفسها. كتب أن كل من أدوار القيادة والأساليب تتباين فيما يتعلق بشكلية الوظائف والسلطة التي تمارسها. في الجماعات الأكثر رسمية، القائد مسئول عن أي شيء يحدث داخل الجماعة. في هذا الترتيب كل الأعضاء مسئولون عما يحدث في الجماعة.

(ب)_ دور القيادة:

تحدد وظيفة الجماعة دور القائد. لو أن مهمة الجماعة محددة، فالقائد في حاجة إلى معلومات كافية، ومعرفة بشأن مهمة الجماعة. لابد أن يمتلك قائد الجماعة المهارات الملائمة المطلوبة للقيام بالوظائف. لابد للقادة أن يمضون من خلال سلسلة من النجاحات الصغيرة. ينبغي على القائد أن يستفيد من الأنشطة ذات معدلات النجاح العالية للحفاظ على حركة الجماعة إلى الأمام. مسئوليات القادة جديرة بالثقة، للمساعدة على تسهيل نمو كل عضو بذاته، ونمو الجماعة، وللمحافظة على بيئة آمنة لجميع الأعضاء، وللتأكد من أن كل الأعضاء على وعى بالحاجة إلى السرية، ولمساعدة الأعضاء الصامتين على المشاركة في الجماعة بمنحهم فرص، وحتى يظل الأعضاء ملتزمين بالقيام بالمهام.

يعتقد بعض الكتاب أن كل دور ونمط من القيادة المذكورة أعلاه يتباين فيما يتعلق بشكلية الوظائف والسلطة التي تمارسها الأدوار. يتباين دور قيادة الجماعة في نواحي كثيرة من الجماعات ذات الشخص الواحد المسئول عن كل ما يحدث في الجماعة. بديلا عن نموذج القيادة أعلاه هو توزيع دور القيادة بين جماعة من الأعضاء. في ظل ذلك الترتيب كل الأعضاء مسئولون عما يحدث في الجماعة.

(ج)_ وظائف قائد الجماعة:

الجماعة المنتجة هي التي يتم فيها تحقيق الأهداف على كل من المستوى الفردي والعام للجماعة. والجماعة الناجحة أيضا هي تلك التي يوجد بها مسئولية استكشاف الذات، حيث يتم إرسال واستقبال تغذية مرتدة صادقة وملائمة. قبل أن تستطيع جماعة ما تحقيق تغذية مرتدة ملائمة من أعضائها، يجب أن يكون هناك سلوكيات واتجاهات مناسبة. يتم تحديد بعض الإرشادات التي يمكن أن تساعد على إعداد أفراد الجماعة لعضوية الجماعة. يمكن أن يمكنك ذلك من تطوير أسلوب القيادة الذي يتلاءم مع شخصيتك. تطرح الإرشادات وظائف القيادة. تتضمن وظائف القيادة تعليم الأعضاء المبادئ التوجيهية بشأن المشاركة الفعالة التي من شأنها تعزيز خدمة الجماعة البناءة.

1_ مساعدة الأعضاء على بناء الثقة، ومعرفة أن التعبير عن افتقادهم الثقة في الجماعة أمر مقبول.

2_ تشجيع الأعضاء على التعبير عن المشاعر المرتدة. عدم تشجيع استخدام كلمات غامضة. طريقة واحدة لأداء ذلك هو استخدام ” أن أصرح ” أن يقول بوضوح “ما أشعر به في تلك اللحظة” سوف يخلق هذا التأثير.

3_ الكشف عن الذات: أن يكون الأعضاء على علم وحذر بشأن ما يفصحون عنه. وللأعضاء الحق معرفة ما يسيطرون عليه، وما يكشفون عنه للجماعة لأنه لا توجد سرية مطلقة.

4_ يجب أن يكون الأعضاء نشطين، ولا يلعبون دور المراقب. كما يجب تشجيع الصامتين على التعبير عن مشاعرهم.

5_ يجب إعلام الأعضاء بالاضطرابات المحتملة في حياتهم خارج الجماعة. وينبغي على المشاركين في جماعة المناقشة أن يكونوا على وعى بأن عملية الجماعة ربما تغير علاقاتهم مع أشخاص من خارج الجماعة.

6_ لابد أن يشعر الأعضاء بأن قوتهم الشخصية تزداد طالما ينمون داخل الجماعة. فقد يتم اكتشاف أن آلاما مجهولة الهوية وغير معلنة منعتهم من عيش حياة مبهجة حقا. ربما يفتح استعراض خبره مؤلمة في الجماعة الباب لبعد مبهج لأعضاء الجماعة. ربما يتم اكتشاف الجانب الإبداعي من الذات من خلال أنشطة الجماعة مثل مهارة حرفية، أو الأغاني، أو قراءة الشعر، من قبل هؤلاء الذين أتيحت لهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم جسديا وماديا للمرة الأولى.

7_ ينبغي تشجيع الأعضاء على الإنصات بانتباه للآخرين؛ الإنصات عن قرب لما يقوله الآخرون، وقبوله أو رفضه بحذر.

8_ تجنب الأعضاء تسمية أنفسهم. الأشخاص الذين يمنحون أنفسهم أسماء معينة قد تكون هشة زائلة، واستخدام مثل هذه الأسماء بمثابة إخفاء وتمويه.

أخيرا القائد الجيد الذي لديه من الشجاعة والرغبة أن يكون نموذجا يحتذى به يهتم بأعضاء الجماعة، ولديه إيمان في عملية الجماعة، وصريح، ويريد من الآخرين أن يصبحوا على بينة من ثقافتهم، ولا يأخذ موقف المدافع عند التعامل مع الهجمات، لا تستبد به فكرة قوة الشخصية، لديه قدر كبير من القدرة على التحمل، لديه استعداد للبحث عن خبرات جديدة، يؤمن بإدراك الذات، لديه روح الدعابة، مبتكر، لديه تفانى، والتزام شخصي بالجماعة. (عدلي السمري، رولا السواقة، 2015: 241 _ 247)

(د)-جريمة ذات ثقافة فرعية:

يشير الاستخدام العام الأشمل لمصطلح الثقافة الفرعية إلى أن الفكرة الجوهرية لنظرية الثقافة الفرعية هي النظر إليها كحل جمعي، أو حل متجدد للمشكلات الناجمة عن طموحات الأفراد المحبطة، أو لوضعهم الملتبس في المجتمع الكبير. وهكذا تكون الثقافات الفرعية كيانات متميزة عن الثقافة الأكبر (الأم)، ولكنها تستعير منها رموزها وقيمها ومعتقداتها (وكثيراً ما تعرضها للتشويه، أو المبالغة، أو تقلبها رأساً على عقب). (جوردون مارشال، 2000، 520- 523)

وحدد Hagof. Reading اصطلاح الثقافة الفرعية بأنها الثقافة الخاصة بالطبقة أو الجماعة الاجتماعية والتي تتميز بأنها ثقافة مستقلة ومتغايرة عن الثقافة الكلية ولكنها لا تتعارض معها. (تهاني حسن، 1997: 88)

(ه)-جريمة ذات ثقافة فرعية منحرفة:

تشير إلى الأنماط الثقافية التي تختلف في بعض المظاهر وبخاصة القيم والمعايير والمعتقدات الأساسية عما يسود في الثقافة العامة للمجتمع، وهي أنماط تتميز باحتوائها على عناصر ثقافية منحرفة سواء على مستوى الطبقة أم الحي أم الشلة الصغيرة. ومن ثم يكون الانتماء إليها أحد الأسباب الرئيسية المسببة للجريمة والانحراف، وكلما كان التعارض بين النمط الثقافي العام وهذه الأنماط الثقافية الفرعية كبيراً وواضحاً كان الأفراد وبخاصة من المراهقين أكثر ميلاً إلى التحول إلى هذه الأنماط الانحرافية والدخول في الجماعات الهامشية والثقافات الفرعية المنحرفة لعدم توافر الثقافة التي تتكامل حول قيم أساسية مقبولة وإيجابية. (محمود أبو زيد، 2003: 241)

ويذهب البعض إلى أن مفهوم الثقافات الفرعية المنحرفة ينصرف بالدرجة الأولى إلى النظر لأساليب الاتصال والتفاهم والتبادل المشترك بين شلل التمرد، وجماعات العصيان، والعصابات الإجرامية، كوحدات منظمة إلى حد ما، ولها وجودها العيني المشخص، وتأثيرها على سلوك المنتسبين إليها. وفي ضوء هذا الفهم يصبح السلوك المنحرف مرتبطاً بأعراف الجماعة مع أنه ينسب إلى الفرد الفاعل، الذي تتحدد مسئوليته على أساس شخصي. (Floyed, 1972: p. 629)

وبالتالي فإن الثقافات الفرعية المنحرفة تُعد بمثابة أطراً للاتصال وتنظيم السلوك داخل جماعات المنحرفين، وتقرير الأداء الذي يأخذ صيغة توزيع الأدوار والمسئوليات بين المشاركين في الفعل، عبر حيز زمني معين، فضلاً عن أنها مواقع للعمل تحكمها شروط متعددة يسميها البعض “ظروف الموقف الإجرامي”. (Davis , 1991: p. 72)

وتشكل الثقافة الفرعية المنحرفة أطر مرجعية خاصة تتشكل أساساً من “القواعد ” و “الأصول” التي توجه السلوك، وتُعين الفرد على التكيف مع أوساط الاتصال التي يتعرض لها، بما تشتمل عليه تلك الأوساط من أدوات، وما تضمه من قيم ومعايير، فضلاً عن الرموز الثقافية بشتى مكوناتها، وفي مقدمتها لهجة الكلام الخاص، والأنساق اللغوية المغلقة التي تنتشر بين المنحرفين كجماعة، وتكتسب خصوصية وتفرداً. Harris ,1969: p. 268))

وفي ضوء ذلك تتصف الثقافة الفرعية المنحرفة بمجموعة من القيم تخالف القيم السائدة في المجتمع التي تتفق مع القانون، فهي ثقافة تحبذ وتنمى أنواعاً من السلوك عديمة النفع وسيئة المقصد أو الطوية ونافية للقانون. (Cohen , 1958: p. 20)


[1] تسويد الدائرة يعنى: عملية تزوير لبطاقات التصويت من خلال إعطاء الأصوات لمرشح بعينه في إطار عمل ممنهج يقوم به القائمون على العملية الانتخابية أنفسهم أو يسمحون بالقيام به من خلال الاستعانة بالبلطجية من النساء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى