قلم وميدان

لا أحد بريء: الجميع صافح الذئاب

في ميدان التحرير في 25 يناير 2011 كان يوم ميلاد للجميع، وحتى يوم التنحي 18 يوم هي فترة المهد بالنسبة للجميع، وهنا فقط كان الجميع بلا ذنب بلا خطيئة مثل الملائكة، حتى بدأ أول ذنب وأكبر إثم وهو ترك ميدان التحرير يوم التنحي، فاتسخت الصحائف بأول ذنب لأبناء المهد، وتوالت الأخطاء والكبائر والذنوب.

بدأ كل فصيل في أرض الميلاد ينصب منصة خاصة له ويكلم ويوجه أتباعه ومحبيه وهنا بدأت اللعبة الحقيقية، تشتت الجمع وتشرذم الرفقاء وتكونت الأحزاب ودخلت علينا السياسة تتبختر في أبهي صورها فجذبت أصحاب المشاريع الخيالية، التي انجذبت أبصارهم إلى التغيير، دون النظر إلى أقدامهم أين تدب وأين تدوس وعلى أي منحدر يقفون.

ففرغ الميدان ولبس الذئب وجه الحملان وصارت مهمته الأولي تصدير أكبر فصيل ليكون كبش الفداء لما هو آت، وحدث بالفعل ما لم يكن إطلاقا في الحسبان، وشرب الإخوان الكأس وصدروا كل ما يملكون لنجاح التجربة، عام كامل يقدمون ما يسعهم وما لا يسعهم لنجاح التجربة، ولكنهم أغضوا الطرف والسمع والبصر عن كل ما يحدث حولهم، وتركوا “الذئاب” تنهش في أبناء الجماعة وأبناء التحرير، ووضعوا ثقتهم في خونة من باب السياسة والدنيا تمر وتعدي أو من باب التنشئة علي حسن الظن، ولم يلاحظوا أبدا أنهم ليسوا في نشاط دعوي وإنما هنا نحن نتحدث عن مصر وحياة شعب كامل بكل طوائفه.

أما أبناء التحرير ورفقاء النضال وخاصة بعض أبناء التيار المدني فقد دخلوا في معارك شخصية ردا علي سياسات جماعة الإخوان غير الناضجة وتناسوا أنهم أيضا غير ناضجين في كثير من المواقف، بل صار عندهم شبق للتشويه والتهليل والعند مع جماعة الإخوان، فإن كان الإخوان قد تخاذلوا بتصريحاتهم في أحداث محمد محمود والعباسية ومجلس الوزراء، فأبناء التيار المدني حاصروا المقطم والاتحادية واندس بينهم الطرف الثالث لقتل الإخوان واشعال فتيل الأزمة، ولا أعفي هنا الإخوان وأنا منهم وحضرت أحداث الاتحادية، كيف لشعب يواجه شعب حتي ولو دون اشتباك؟ كيف لحشود غاضبة أن تقف أمام حشود غاضبة، كيف تجرأ الجميع أن يضع الزيت بجانب البنزين أين كانت العقول؟

وحشد أبناء التيار المدني مع الفلول والطرف الثالث والشرطة (قتلة شهداء يناير) حُملوا على الأكتاف وتبدلت الأحوال بين “يسقط يسقط حكم العسكر” إلى “يسقط يسقط حكم المرشد” وسعدت الحشود التي ملأت الشوارع في يوم 30 يونيو 2013 بالإطاحة بأول رئيس منتخب في تاريخ مصر.

وتوالت المظالم والمذابح بداية من المنصة والحرس الجمهوري ورابعه والنهضة وباقي المذابح والاعتقالات والتصفيات منذ 3 يوليو 2013 والاختطاف القسري، ولم تتوقف حتى لحظة كتابة هذه السطور، وطال الظلم الجميع بلا استثناء وكشرت الذئاب عن أنيابها وطالت كل من وقعت عليه عينها، وغاب الحق والعدل وساد الظلم والقتل والطغيان، وزاد الثكالي واليتامي والهموم.

كلماتي هذه ليست توصيف لما حدث فهذا كله عايشناه بأنفسنا بالأمس القريب ومازلنا نتجرع مراره حتي الآن، كلنا بلا استثناء، ولكن كلماتي لمن نصب نفسه للشماتة بعد سلسلة الاعتقالات الأخيرة التي يقوم بها السيسي ونظامه، هل نعبر عن فشلنا في مواجهة السيسي بهذه الطريقة، الشماتة والتشفي، وبالطبع لابد من تسويق الدين في الأمر بأن من أعان ظالما سلط عليه، وطالما أنت تعلم أن الظالم يسلط على المظلوم لماذا تعين أنت الظالم بالشماتة والسعادة بالتنكيل والبطش الذي نشهده كل يوم، هل نحن أيضا سُلط علينا الظالم لأننا أعاناه يوما ما!!

لماذا نعتبر كل من أيد الإطاحة بالرئيس مرسي وشارك في الانقلاب بأنه ليس له توبه سياسية وإنسانية، ألم يخطئ التيار الإسلامي وعلي رأسهم الإخوان وقلت كانوا حِسَانٌ النية، فما هي شروط التوبة عندك، بأن يؤيدوا الرئيس مرسي وعلي الجميع أن يطالب بالشرعية؟

أنا واحدة ممن انتخبوا الرئيس مرسي، فرج الله كربه، لا أتنازل عن صوتي الذي أعطيته له واعترف بأنه أول رئيس شرعي، ومع ذلك أندهش جدا من قصة من يرددون قصة في رقبتي بيعة للرئيس مرسي، أنا لم أبايع أحد وليس هناك بيعة أصلا، كانت هناك عملية انتخابية فقط، كيف تحولت المسميات بهذا الشكل.

لماذا السمت العام أيضا للتيار المدني أنهم لا ينظرون إلي ما نحن فيه الآن بأنهم أيضا كانوا سببا كبيرا فيه، بعد المشاركة في تظاهرات 30 يونيه التي جلبت لنا الانقلاب العسكري، ولماذا يصمت الإخوان علي من يوجهون الرأي العام بلجانهم الإلكترونية المنتشرة بشكل إجرامي لتغيير القناعات وتوجيه الرأي العام باستخدام أسوأ الوسائل لنشر الأفكار المريضة البعيدة كل البعد عن تربية الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية، مصر لن تكون عقل واحد وأيدولوجية واحد لأن أرض الواقع تثبت عكس ذلك.

لماذا لا يطالب الجميع بلا استثناء بالاعتراف الأول للشعب بأخطائهم السياسية والاعتذار عن أنهم كانوا لعبة في يد العسكر، حتى هذه اللحظة يُكابر البعض ويَحمل كل طرف على الآخر ذنب ما يحدث وما حدث، بل إن البعض اعتبر الكلام عن أحداث الماضي ليس له نفع وليس وقته؟ كيف له أن يكون ذلك ونحن نجني حتى الآن ثمار الماضي، ولا يوجد في السياسات شيء اسمه حسن النية، فالسياسة نتائج وليست نوايا، والمصارحة والمكاشفة أفضل ألف مرة من حالة التيه وغياب الحقائق وانعدام الوعي التي نعيشها كل يوم وتزداد سوءا فوق سوء، في حين أن عبد الفتاح السيسي المجرم الأول يُرسخ كل يوم أركانه في كل مكان، ولا أحد يتصدى له من دول العالم التي تتغني كل يوم بالديموقراطية والعدل، بل تُمد إليه يد العون من كل فجٍ عميق.

لن تُسترد بلادنا وحقوقنا إلا بأيدينا نحن.. ونحن فقط.. إذا فعلينا أن نجمع هذه الأيادي، طاهرة مخلصة متصافحة متجمعة مرة أخرى، ما يحدث الآن المفترض أنه يجمعنا لا أن يفرقنا. (1) .

——————

الهامش

( 1 ) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

أسماء شكر

باحثة وإعلامية مصرية، وحدة الدراسات الإعلامية، المعهد المصري للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى