لماذا تنجح المقاومة المدنية؟ -2
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
دراسة موسعة، يقوم المعهد المصري للدراسات بترجمتها حصرياً، ونشرها في حلقات، بعنوان: المنطق الاستراتيجي للكفاح السلمي، إعداد: ماريا ج. ستيفان وإريكا تشينويث
اختبار النظرية
توصل رونالد فرانسيسكو وآخرون إلى أن عمليات القمع التي يقوم بها النظام تؤدي إلى نتائج عكسية وتزيد من الحشد ضده، في حين وجد باحثون آخرون تباينا في آثار القمع على حشد الجماهير. وقد يتوقف التسامح مع القمع الحكومي على نوع المقاومة التي يمارس العنف ضدها: هل هي مقاومة مسلحة أم مقاومة لاعنفية. وهذه الديناميكية تنعكس في الفرضية 1.
الفرضية 1: استعداد النظام لاستخدام العنف يزيد من احتمالية النجاح للمقاومة اللاعنفية، ولكنه يضر بالمقاومة العنيفة.
يعتبر عصيان الأوامر سلوكاً غير طبيعي لأفراد قوات الأمن. وتوفرالشواهد على وجود انشقاقات داخل صفوف الجيش سوف يوحي بأن النظام لم يعد يملك زمام الأمورولا يجد التعاون والطاعة من أهم دعامة له يستمد منها الدعم. وعادة ما تكون المقاومة اللاعنفية أكثر قدرة على تحويل الولاءات بين قوات أمن النظام، في حين يرجح أن تتسبب المقاومة المسلحة في تحفيز هذه القوات على التئام صفوفها والوقوف صفاً واحداً ضد جماعات العنف. الفرضية 2 تنطوي على هذا التنبؤ.
الفرضية 2: للمقاومة اللاعنفية ميزة نسبية على المقاومة العنيفة في التسبب في تحولات الولاء داخل قوات الأمن.
وبالإضافة إلى كسب التعاطف وإمكانية تكريس شرعيتها، فإن المقاومة اللاعنفية التي تتعرض للقمع العنيف قد تتلقى كذلك دعماً من جهات خارجية. وفي حين أنه يتجاوز نطاق هذه الدراسة أن نقوم بتصنيف جميع أشكال المساعدة الخارجية التي يمكن أن تُقدم للمقاومة اللاعنفية، فإن الحكمة المأثورة تشير إلى أن العقوبات الدولية التي تستهدف نظاما قمعيا ينبغي أن تقدم الدعم للمقاومة اللاعنفية. وتتوقع الفرضية 3 أن تستفيد المقاومة المدنية من الدعم الخارجي.
الفرضية 3: إن العقوبات الدولية ضد الأنظمة القمعية والدعم العلني للمقاومة يفيد المقاومة اللاعنفية وليس المقاومة العنيفة.
وأخيرا، فمن المرجح أن يكون هناك دعم خارجي للأنظمة ضد المقاومة المسلحة، حيث أن العالم يعتبرها منافسا غير شرعي للنظام القائم. وقد تتلقی الأنظمة القمعية أیضا مساعدات من حلفائها ضد أنشطة المقاومةاللاعنفيه . ويُتوقع أن تؤدي هذه الديناميكيات إلى تقليل احتمال فرص النجاح هذه الأنشطة بسبب الموارد غیر المتناسبة بالنظر إلى ما تحصل عليه الدولة من أموال. وتقرر الفرضية 4 ھذا العامل.
الفرضية 4: الدعم الخارجي للنظام المستهدف يضر بالمقاومة العنيفة والمقاومة اللاعنفية على حد سواء.
تصميم ومنهجية البحث
هناك ثلاثة أهداف للبحث:
أولاً: تحديد أي من نوعي المقاومة – المقاومة اللاعنفية أم المقاومة العنيفة – له سجل أفضل في تحقيق أهدافه المعلنة؟
ثانياً: استكشاف المتغيرات ذات الأهمية في المساهمة في النتائج التي يحققها كل نوع من أنواع المقاومة.
ثالثا: تحديد ما إذا كانت العوامل الهيكلية تؤثر على فشل المقاومة اللاعنفية أو نجاحها.
ولتحقيق هذه الغاية، قمنا ببناء مجموعة بيانات لنتائج صراع المقاومة اللاعنفية والعنفية (نافكو)، والتي تتضمن بيانات مجمعة عن 323 حملة من حملات المقاومة العنيفة وغير العنيفة من عام 1900 حتى عام 2006.
ونُعرف حملة المقاومة بأنها سلسلة من التكتيكات الملحوظة والمستمرة التي تقوم بها عناصر المقاومة سعيا إلى تحقيق هدف سياسي. ويمكن أن تستمر الحملة في أي مكان وتتراوح مدتها من بضعة أيام إلى أن تصل إلى سنوات. وللحملات قيادة واضحة، وغالبا ما تحمل أسماء تميزها عن أعمال الشغب العشوائية أو الأعمال الجماعية العفوية. وعادة ما تكون للحملات نقاط بداية ونهاية معروفة، فضلا عن أحداث متميزة على مدار تاريخها. ويستند اختيارنا للحملات وتاريخ البداية والانتهاء إلى عينة توافقية يتم التوصل إليها عبر مصادر متعددة.
إن وصف واحدة من الحملات بأنها “غير عنيفة” وأخرى بأنها “عنيفة” هو أمر في غاية الصعوبة. وفي كثير من الحالات، هناك حملات يمكن اعتبارها “لاعنفية” و”عنيفة” في آن واحد، وذلك بين مختلف المجموعات المتنافسة. وعلاوة على ذلك، تستخدم بعض الجماعات أساليب كل من المقاومة اللاعنفية والمقاومة العنفية على مدار وجودها، كما هو الحال مع المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا. إن توصيف أي حملة تقوم بها المقاومة على أنها عنيفة أو غيرعنيفة هو بمثابة تسطيح لمجموعة معقدة من أساليب المقاومة.
ولمعالجة هذه الصعوبات، وضعنا بعض معايير الإدراج لكل فئة من هذه الفئات. وقد تم في البداية جمع قائمة المعايير الخاصة بالحملات اللاعنفیة من خلال مراجعة موسعة للكتابات المتوفرة حول الحركات اللاعنفیة والحرکات الاجتماعیة. ثم قمنا بتأکید ھذه البیانات باستخدام مصادر متعددة، بما في ذلك الموسوعات ودراسات الحالة والفهارس الشاملة حول المقاومة المدنیة اللاعنفیة لأبریل كارتر وھوارد کلارك ومایکل راندل. وأخیرا، تم توزیع الحالات على الخبراء في النزاع اللاعنفي وطُلب منھم تقييم ما إذا كانت الحالات قد تم توصيفها على النحو الملائم بأنها صراعات لا عنفية كبرى، وكذلك أي من هذه النزاعات قد تم حذفها تماماً. وقد تم استخدام نفس الطريقة عندما كان يقترح الخبراء حالات إضافية. وتشمل مجموعة البيانات الناتجة عن ذلك حملات مقاومة رئيسية تم تصنيفها بشكل مبدئي أو بشكل نهائي على أنها مقاومة لاعنفية. وصُنفت الحملات التي اُرتكب فيها قدر كبير من العنف بأنها مقاومة عنيفة. وتستمد البيانات المتعلقة بالحملات العنيفة في المقام الأول من تحديثات كريستيان جليديتش في عام 2004 لقاعدة بيانات الارتباطات الحربية بشأن الحروب الداخلية، وكذلك من قائمة كاليف سيب للعمليات الرئيسية لمكافحة التمرد من أجل الحصول على معلومات عن النزاعات بعد عام 2002.
أما وحدة التحليل فهي السنة القُطرية التي وصلت فيها الحملة ذروتها. وتُعَد ملاحظة الحملة هي السنة القطرية التي تشتمل على “ذروة” الحملة. وفي العديد من الحالات، استمرت الحملة لمدة عام واحد فقط، ولذلك فإن سنة الذروة هنا واضحة. وفي حالات أخرى، استمرت بعض الحملات سنوات عديدة، وفي هذه الحالة يتم تحديد ذروة الحملة بمعيار1:
(1) السنة التي شارك فيها معظم الأعضاء في الحملة؛
أو معيار2:
(2) في حالة عدم وجود معلومات العضوية، يتم تحديد الذروة على أنها السنة التي انتهت فيها الحملة بسبب قمعها، أو تشتيتها، أو نجاحها.
ويتم تحديد نتائج هذه الحملات على أنها “نجاح” أو “نجاح محدود” أو “فشل”. ويجب أن تكون الحملة قد استوفت معيارين لكي يتم تصنيف الحالة “نجاحا”:
(1) أن هدفه المعلن قد وقع في غضون فترة معقولة (سنتين) من نهاية الحملة؛
(2) أن يكون للحملة أثر ملموس على النتيجة.
ويحدث “نجاح محدود” عندما تحصل الحملة على تنازلات كبيرة (مثل الاستقلال الذاتي المحدود أو تقاسم السلطة المحلية أو تغيير في القيادة دون عقد انتخابات، وذلك في حالة الدكتاتورية على الرغم من أن الأهداف المعلنة لم تتحقق بالكامل (أي حدوث استقلال أو تغيير للنظام من خلال انتخابات حرة ونزيهة. ويتم تصنيف الحملة على أنها حالة “فشل” إذا لم تحقق أهدافها أو لم تحصل على تنازالت كبيرة.
ولاختبار الفرضيات الأربعة السابقة، قمنا بجمع بيانات عن متغيرات مستقلة متعددة. وأنشأنا متغيرا وهمياً لعنف النظام، وهو متغير ثنائي يحدد ما إذا كان النظام يستخدم العنف للقضاء على الحملة. ونحن ندَعي بأنه من المرجح أن تحدث نتائج عكسية عندما يقوم النظام بقمع عنيف لحملة للمقاومة اللاعنفية، كنتيجة للغضب المحلي والدولي الذي ينجم عن هذا النشاط. ولذلك، يكون لقمع النظام أثر إيجابي على احتمالات النجاح لحملات المقاومة اللاعنفية ويقلل من فرص النجاح بالنسبة الحملات المقاومة العنيفة.
وقد أنشأنا متغيرا مزدوجا آخر يحدد الانشقاقات بين قوات الأمن في النظام. ولا يشمل هذا المقياس لا يحدد الانشقاقات الفردية الروتينية، بل يُعنى بالحالات المنهجية واسعة النطاق من الامتناع عن تنفيذ أوامر النظام. وتُعتبر انشقاقات الأمن مقياساً صارما لتحول الولاء داخل النظام، ولا تُحتسب تحولات الولاء عند موظفي الخدمة المدنية أو البيروقراطيين. ويشمل هذا المعيار الصارم عمليات الانقسام التي تحدث حتى نهاية الحملة، ونتوقع أن يكون لها تأثير إيجابي على احتمال نجاح الحملة.
المتغيرات المستقلة التالية هي درجة الدعم الخارجي لحملة المقاومة وللنظام الخصم. ويمكن حساب الحصول على الدعم الخارجي لحملة المقاومة من خلال متغيرين منفصلين: رعاية دولة أجنبية للحملة، والعقوبات الدولية المفروضة على النظام. لذلك، أدرجنا متغيرا يشير إلى ما إذا كانت الحملة قد تلقت مساعدات مادية علنية (عسكرية أو اقتصادية) من دول أخرى لمحاربة النظام؛ ومتغير آخر يشير إلى ما إذا كان النظام هدفا للجزاءات الدولية، وعلى وجه التحديد فيما يتعلق بسلوكه تجاه حركة المقاومة. بالإضافة إلى ذلك، أنشأنا متغيرا مزدوجا يشير إلى ما إذا كان النظام قد تلقى مساعدة عسكرية علنية من دولة خارجية لمحاربة الحملة.
وأخيرا، قمنا بتضمين عدة متغيرات تحَكم. وقد جادل بعض الباحثين بأن الأنظمة الديمقراطية ينبغي أن يكون لها قدر أكبر من التسامح مع المعارضة، وكذلك الابتعاد بشكل أكبرعن استخدام العنف من أجل القضاء على المعارضة المحلية. وبالتالي، يكون كلا النوعين من المقاومة العنفية واللاعنفية أكثر فاعلية ضد أهداف في الدول الديمقراطية عنها ضد أهداف في الدول الاستبدادية. ولتقييم هذه التأثيرات، استخدمنا نتائج تم تسجيلها قبل عام واحد من نهاية الحملة. وبعد ذلك، تم حساب فترة النزاع المسجلة في أيام، لأن المدة قد تؤثر على نتائج الحملة. كما تم تضمين متغيرات وهمية (دمى) للحرب الباردة (1949-1991) وما بعد الحرب الباردة (1992-2006).
النتائج التجريبية
ولتقييم آثار كل متغير مستقل على احتمالية نجاح الحملة، استخدمنا نموذج “الانحدار اللوجستي متعدد الحدود”، والذي يقارن النتائج المحتملة التي تؤدي إليها المتغيرات المستقلة المختلفة وتشمل: “النجاح” أو “النجاح المحدود” أو “الفشل”. وتُنَظِر الفرضيات المذكورة آنفاً لآثار نوع المقاومة الأساسي الذي صنفت عليه الحملة، والعنف الموجه نحو الحملة، والعقوبات الدولية للنظام، والدعم الدولي للحملة، ودعم الدول الأجنبية للنظام المستهدف في حال احتمالية نجاح الحملة.
ويبين الجدول رقم1 آثار نوع المقاومة على نتائج الحملات في الحالات التي كان رد فعل النظام المستهدف يتصف بالعنف. وتعطينا النتائج في الجدول 1 عدة ملاحظات مثيرة للاهتمام:
أولا، في مواجهة عمليات القمع التي تشنها النظام، فإن احتمالية تفوق الحملات اللاعنفية في تحقيق النجاح الكامل على الحملات العنيفة، والتي تعرضت أيضاً لقمع النظام، تبلغ ستة أضعافها. كما أن احتمالية تقديم الأنظمة القمعية تنازلات محدودة للحملات اللاعنفية تتفوق بحوالي اثني عشر ضعفا عنها في الحملات العنيفة. وتدعم هذه النتائج الفرضية 1.
ثانيا، الانشقاقات تمثل أكثر من أربعة أضعاف فرص نجاح الحملة، مما يعطي مبررا لمزيد من الدراسة للفرضية 2.
ثالثا، على الرغم من أن الحملات التي تتلقى دعما من دول أجنبية تزيد من احتمالية نجاحها ضد خصمها القمعي بأكثر من ثلاثة أضعاف، إلا أن العقوبات الدولية ليس لها تأثير يذكر على نتائج هذه الحملات. ولذلك فإن الفرضية 3 تتلقى دعما جزئيا في هذا السياق. ولأن الدعم الخارجي للنظام المستهدف لا أهمية له، فليس هناك ما يدعم الفرضية 4. وكما هو متوقع، فإن للدولة المستهدفة تأثير إيجابي على احتمالية نجاح الحملة. ولا تؤثر مدة الحملة على فرص النجاح الكامل، إلا أن الحملات الأطول زادت من فرص النجاح المحدود. فالحملات التي وقعت منذ الحرب الباردة كانت أكثر نجاحا من الحملات التي وقعت قبل الحرب الباردة – ربما بسبب تأثيرات التعلم بين المقاومين.
لاختبار الفرضية 2 بعناية أكبر، استخدمنا نموذج الانحدار اللوجستي المتعدد الحدود لتقدير تأثيرات أساليب المقاومة اللاعنفية على احتمالية وقوع الانشقاقات بين قوات الأمن. ويدل الجدول الثاني على أن أساليب المقاومة اللاعنفية تؤثر تأثيراً ضعيفاً على انشقاقات قوات الأمن، على عكس توقعاتنا. ولا يمكن أن تُشكل الإجراءات الصارمة لتحولات ولاء قوات الأمن آليات بديلة للتغيير، مثل تحولات الولاء لموظفي الخدمة المدنية أو البيروقراطيين. وقد تحدث هذه التحولات في الولاء عندما لا يحدث انشقاق في قوات الأمن، كما هو الحال في العديد من ثورات 1989 في أوروبا. ومع ذلك، حدثت حالات انشقاق في الحملات العنيفة الناجحة بلغت نحو 32 في المائة، وفي الحملات الناجحة للمقاومة غير العنيفة بلغت النسبة 52 في المائة.
الجدول 1. تأثيرات نوع المقاومة على نتائج الحملة في حالات وقوع إجراءات عنيفة من النظام.
وأخيرا، لتحديد المتغيرات الأكثر أهمية بالنسبة للمقاومة اللاعنفية والعنفية، قمنا بتصنيف آثارها حسب نوع الحملة. ويبين الجدول 3 النتائج.
أولاً، تؤيد النتائج للفرضية 1 إلا إن العنف الذي تمارسه الأنظمة ضد حملات المقاومة ليس له أثر إحصائي على نتائجها. وعلى الرغم من أن الحملات اللاعنفية أو العنيفة لا تستفيد من القمع، فإن الجدول 1 يشير إلى أن هناك احتمالية أكبر أن تحقق الحملات اللاعنفية النجاح في مواجهة عنف النظام عن الحملات العنيفة.
الجدول 2. آثار نوع المقاومة على احتمال وجود انشقاقات كبيرة في قوات الأمن
ثانيا، الأرقام تؤيد الفرضية الثانية، حيث إن انشقاقات قوات الأمن تجعل احتمالية نجاح الحملات اللاعنفية تتفوق بستة أضعاف عن الحملات العنفية التي لا تحدث فيها حالات انشقاق. أما بالنسبة للحملات العنيفة، فإن مدى تأثير انشقاقات قوات الأمن على نتائج الحملة يكاد لا يذكر.
ثالثا، تدعم الأرقام بنسبة ضعيفة القليل من الدعم الفرضية 3. إن دعم الدولة الخارجي العلني لحملة ما ليس له تأثير على نجاح الحملات اللاعنفية. أما بالنسبة للحملات العنيفة، فهي تضاعف تقريبا فرص نجاحها (53). ونتائجنا متشابهة فيما يتعلق بالجزاءات الدولية، التي لا تؤثر على احتمال نجاح الحملة اللاعنفية. إنهم يزيدون أكثر من ضعف احتمال أن يحقق الصراع العنيف أهدافه. رابعا، الفرضية 4 لا تتلقى أي دعم. فالمساعدات المباشرة لنظام مستهدف لا تضر بالحملات اللاعنفية أو العنيفة
وهناك تفسير محتمل لهذه الاختلافات هو أن الدعم الخارجي للحملة اللاعنفية – سواء بشكل علني من خلال الدعم المادي من دولة ما أو من خلال العقوبات الدولية على النظام – يمكن أن يقوض الجهود المبذولة لتعبئة الدعم الشعبي المحلي، حيث يعتمد نشطاء الحملة بشكل كبير جدا على الدعم الخارجي بدلا من الدعم المحلي وبالتالي تفقد قاعدتها الشعبية. كما أن تلقي المساعدة الأجنبية المباشرة قد يساهم أيضا في نزع الشرعية عن الحركة المحلية غير العنيفة. وهناك تفسير آخر محتمل هو أن العقوبات الدولية على الأنظمة يمكن أن تقلل من الموارد المتاحة للناشطين في الحملة – والتي يمكن أن تشمل أعدادا هائلة من السكان المدنيين – مما يجبرهم على إعادة توجيه تكتيكاتهم للتعويض. وقد تكون الحملات العنيفة أقل تأثرا بالعقوبات الدولية، حيث تستطيع استخراج مواردها بالقوة من الأراضي الخاضعة لها. وعلاوة على ذلك، فإن الحملات المسلحة لا تعتمد مثل الحملات اللاعنفية على المشاركة النشطة للسكان على نطاق واسع. وهكذا، فإن الدعم الخارجي للحركات اللاعنفية قد يؤثر عليها سلباً ويؤدي إلى نزع شرعيتها أكثر مما يفعل مع حركات المقاومة المسلحة..
يكشف تحليل متغيرات التحكم عن بعض النتائج المثيرة للاهتمام أيضا، ويتمثل ذلك في:
أولاً: تؤثر الدولة المستهدفة تأثيرا متغيرا على نتائج الحملة. فزيادة وحدة واحدة في نتائج النظام يزيد من فرص نجاح حملة غير عنيفة بنسبة 23 في المائة وحملة عنيفة بنسبة 7 في المائة تقريبا. وتتفق هذه النتيجة مع الكتابات حول التكاليف المحلية للحرب، التي تقول بأن لدى الأنظمة الديمقراطية حساسية كبيرة تجاه المطالب الأساسية.
ثانياً: كلما استمرت الحملة لفترة أطول، كلما قل احتمال أن تحقق المقاومة نجاحا كاملا. وينطبق ذلك بوجه خاص على الحملات اللاعنفية، على الرغم من أن الآثار الموضوعية لذلك ليست كبيرة. وتزيد احتمالات أن تحقق الحملات العنيفة نجاحا جزئيا كلما استمر الصراع، ولكن إطالة المدة لا يؤثر سلباًعلى فرص تحقيقها للنجاح.
ثالثاً: كانت فرص نجاح حملات المقاومة اللاعنفية التي وقعت خلال الحرب الباردة أقل من تلك التي وقعت قبل أو بعد الحرب الباردة. وعلى العكس من ذلك، ازدادت فاعلية الحملات العنيفة ضد خصومها خلال الحرب الباردة وبعدها.
وباختصار، فإن فرص نجاح حملات المقاومة اللاعنفية في مواجهة قمع الأنظمة من حملات المقاومة العنيفة. ويبدو أن الحملات اللاعنفية تستفيد أكثر من الضغوط المحلية (أي الانشقاقات)، في حين أن الحملات العنيفة تستفيد أكثر من الضغوط الخارجية (أي العقوبات على الأنظمة وتلقي المساعدات المقدمة من جهات أجنبية). وفي حين أن متغير الانشقاقات يرتبط دائما إيجابيا باحتمال نجاح الحملة، فإن من الضروري إجراء مزيد من التحليل لتحديد ما إذا كانت أساليب المقاومة اللاعنفية أكثر احتمالا من الطرق العنيفة لإحداث عصيان مدني واسع النطاق، على أنه بالتأكيد يختلف عن الانشقاقات التي تحدث وسط قوات الأمن. غير أن هذه النتائج مقيدة بتصميم البحث، مما يمنع من تأسيس نطاق للسببية بسبب عدم مراعاة البعد الزمني. وكذلك فإن متغيراتنا هي في معظمها فئوية، مع التغاضي عن الحساسية تجاه درجات مختلفة من القمع، والانشقاقات، والدعم الشامل. ولذلك سوف نستكشف هذه القضايا بشكل أكبر من خلال التحليل النوعي عن طريق دراسات الحالة…. يتبع ([1])
([1])الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.