fbpx
دراسات

مجزرة الروضة: عندما يغيب الشهود

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

ما قبل البدء:

الجمعة 24 نوفمبر 2017، كانت قرية الروضة الواقعة بمركز بئر العبد في محافظة شمال سيناء، على موعد مع مجزرة مروعة لم يكن يتخيل أشد الناس تشاؤماً أن تحدث، فبعد اعتلاء خطيب الجمعة منبر المسجد بالقرية، اقتحمت مجموعة من المسلحين القرية ومسجدها، ليطلقوا النار على كل من صادفهم من رجال خارج وداخل المسجد، مستهدفين كل المصليين وبشكل جماعي، ثم يقومون بحرق سيارات السكان المحليين المحيطة بالمسجد لمنع اسعاف أي من الناجين، مما أسفر عن مقتل 313 مواطن بينهم 26 طفل، وهو ما يشكل نسبة 25% من الذكور بالقرية، وهو ما يشكل تطوراً غير مسبوق في الأحداث في الجزء الشمالي من شبه جزيرة سيناء.

نحاول في هذا التقرير قراءة الحادث مُنطلقين من تاريخ القرية المستهدفة والطريقة الصوفية بها، وصولاً لرفع وإستعراض خريطة الفاعلين على الأرض، مع قراءة التناول السياسي والإعلامي المحلي والدولي له، للوصول إلى وضع احتمالات الجهات المنفذة ودلالات وتأثيرات ذلك.

أولاً: مسرح الجريمة

تتبع قرية الروضة إداريًا مركز بئر العبد بمحافظة شمال سيناء، ورغم ذلك فهي أقرب لمدينة العريش منها إلى مدينة بئر العبد، حيث تبعد عن مدينة العريش بمسافة تقارب الـ 20 كيلو متر، بينما تبعد عن الاتجاه الشرقي من مدينة بئر العبد مسافة 35 كيلو متر (1)، يبلغ عدد سكان القرية 2400 نسمة موزعين على 490 أسرة، ويشكل الذكور عدد 1200 شخص، بينما عدد النساء هو 1180 سيدة (2)، وتشكل عشيرة الجريرات “احدى بطون قبيلة السواركة ثاني أكبر قبائل شبه جزيرة سيناء” المكون الأساسي من سكان القرية، وبجانب ابناء العشيرة يسكن خليط متنوع من سكان الوادي الذين جاءوا إلى سيناء بعد رحيل الإحتلال الصهيوني، بالإضافة إلى النازحين من مناطق الإشتباكات والمهجرين من مناطق رفح والشيخ زويد، وبالقرية مسجد كبير لإقامة شعائر الصلاة وهو الذي تم استهدافه، ويقع بالقرب منه زاوية صوفية وهي التى تقام فيها ما يسمى “بالحضرة” والجلسات الخاصة بالصوفيين من ابناء القرية، بالإضافة إلى مضافة وهو مبنى يتم تخصيصه لإستقبال الضيوف القادمين للقرية أو المارين بها بالإضافة إلى المناسبات الخاصة بالعشيرة.

ثانياً: من المستهدف؟

يشتهر تمركز الطريقة الجريرية في قرية الروضة، واسم الطريقة نابع من اسم العشيرة التابع لها مؤسسها الأول الشيخ عيد أبو جرير المولود عام 1910، والطريقة مسجلة رسمياً في القانون المصري برقم 118 لسنة 1976 (3)، ومعروف أن الطريقة ترتبط بعلاقات قوية مع قيادة الجيش المصري والمخابرات الحربية، وترجع أصول هذه العلاقة لعقود طويلة حيث شارك ابناء الطريقة في تغطية انسحاب القوات المصرية اثناء العدوان الثلاثي عام 1956، بالإضافة لدعم ومساندة الجيش المصري في الفترة من 1967 حتى مابعد حرب اكتوبر 1973، وهو ما أدى إلى قيام قوات الإحتلال الصهيوني بإلقاء القبض على رئيس الطريقة الثاني الشيخ منصور أبو جرير عام 1974، ولقد اثنى الفريق أول محمد أحمد صادق، وزير الحربية المصري خلال الفترة ما بين 1971 و 1972، في مذكراته على الدور الذى قام به أبناء الطريقة في نقل المعلومات حول تحركات العدو الصهيوني (4).

ثالثاً: في وصف المجزرة:

وفق رواية إمام مسجد الروضة “محمد رزيق” (5)، فإنه بعد بدئه في خطبة صلاة الجمعة، وبعد بدء الخطبة بما يقارب الدقيقتين بدأ ضرب النار خارج المسجد، ثم اعقبه اقتحام مسلحين للمسجد واطلاق الرصاص بشكل عشوائي على كل المصلين، ثم تعمد قتل كل من بقى من الأحياء، إمام المسجد وهو تابع لوزارة الأوقاف يعمل في مسجد الروضة منذ عام 2015 وفق روايته، وطوال تلك الفترة لم يحدث تهديد له أو المكان، ووفق رواية أحد الضحايا الآخرين (6)، فإن بعد بدء الخطبة بدأ إطلاق نار من خارج المسجد، فإن المهاجمين كان عددهم حوالي عشر مهاجمين، كانوا ملثمين ويرتدون ملابس جيش ويحملون أعلام سوداء مكتوب عليها (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وأن الهجوم استمر أكثر من 30 دقيقة، وأن احد المهاجمين قال أن هذا هو جزاء من يهين المجاهدين.

ووفق رواية شهود عيان آخرين فإنه قد تم ايضاً إلقاء ثلاثة قنابل يدوية اثناء الهجوم على من حاول الفرار من نوافذ المسجد من المصلين، وانه قد تم مطاردة الفارين، يقول شاهد عيان آخر اسمه “عاطف” كان في دورة مياه المسجد هو وابن عمه للوضوء وعند بدء إطلاق النار اختبئا في الحمامات: “ان أحد المسلحين دخل إلى مكان الوضوء ودورات المياه، واطلقوا الرصاص على أحد المصلين في دورة المياه، ولكنه رحل بعد أن طلب منه مسلح آخر اتباعه لمكان ما”.

شاهد آخر اسمه “محمد” اربعيني السن، وكان يجلس في منتصف المسجد اثناء الخطبة، قال: “أن ما يقارب الـ 15 مسلحًا داخلوا المسجد، واطلقوا الرصاص من خلف المصلين الجالسين على الأرض، وكأنها عملية إعدام جماعي، والرصاص كان موجهًا على الرأس بشكلٍ مباشر، وأن أحد المسلحين أمر زملائه قائلاً “ما تترك حد يهرب اقتلوهم كلهم”، وأن حالة من التزاحم شديد حدثت في مقدمة المسجد، حيث حاول المصلين الهروب عبر غرفة المكتبة التي تحتوي على شباك يطل على الشارع وعلى ساحة المسجد القديمة، ولكن المسلحين ألقوا على التجمع قنابل يدوية سقط على إثرها عدد كبير من القتلى، وداخل غرفة المكتبة باغتهم أحد المسلحين من الشُرفة بعبوات ناسفة صغيرة قتلتهم جميعًا، وأشار إلى أن لهجة القتلة ليست مصرية ولا سيناوية، ولكنها أقرب إلى الشامية، وأن أجسامهم ضخمة عكس أجسام السيناويين الصغيرة، «ليسوا سواركة، ولا بياضية، ولا أرميلات، ولا ترابين، ولاعرايشية»، لافتًا إلى أنهم متمرسون جدًا في عمليات القتل، ولديهم مهارة عالية في التصويب، حيث كانوا يطلقون الرصاص من بعيد فتصيب هدفها في مقتل.

رابعاً: استهدافات سابقة:

بشكل عام عُرف عن الحركات الصوفية في مصر تأييدها للأنظمة الحاكمة منذ عهد جمال عبد الناصر وحتى الآن، ولكن ومع التغييرات السياسية التى حدثت في مصر مع قدوم الرئيس السادات والصحوة الإسلامية، بدأ تشكل بدايات تصادم بين التيارات الإسلامية الشابه والطرق الصوفية منذ السبعينيات، وكان يتم عقد المناظرات بين التيارات السلفية الناشئة وبين مشايخ صوفيين تابعين لمؤسسة الأزهر، ومنها المناظرة التى عقدت سنة 1983 بين بعض مشايخ الأزهر ومنهم الدكتور أحمد عمر هاشم وبين بعض من صاروا بعد ذلك من كبار مشايخ الدعوة السلفية مثل اسماعيل المقدم وغيره (7).

ولم تكن سيناء بمعزل عن ذلك، حيث بدأ انتشار الدعوة السلفية بها منذ أواخر التسعينات، ومع جلاء الاحتلال الصهيوني ثم الإنتفاضة الفلسطينية بدأ بعض ابناء القبائل في سيناء بالإقتناع بأفكار السلفية الجهادية وتكوين جماعات مسلحة لم تتصادم مع الطرق الصوفية حينها أو قوات الجيش المصري، حيث تركز قتالهم باتجاه استهداف القوات الصهيونية أو السياح القادمين من الأراضي المحتلة  للسياحة في جنوب سيناء، وظل الوضع هكذا حتى شهدت منطقة شمال سيناء موجة من الصدامات منذ 2011 وحتى اليوم:

  • كان أول مظاهر التصادم في شهر مايو عام 2011، حيث تعرض أحد الأضرحة بمقابر مدينة الشيخ زويد للتفجير.
  • في شهر يوليو لعام 2013 تعرض ضريحان تابعان للطريقة الجريرية للتفجير في قرية الروضة.
  • في أغسطس من نفس العام تفجير ضريح الشيخ سليم والشيخ حميد بقرية المزار بالعريش والقريبة من قرية الروضة، ومنطقة المغارة بوسط سيناء.
  • في شهر أكتوبر لعام 2016 اختطف مسلحون تابعين لولاية سيناء عدد من مشايخ واتباع فى قرى شيبانة والظهير بجنوب مناطق الشيخ زويد ورفح، ليعقد لهم جلسات استتابة انتهت بالإفراج عنهم مع تعهدهم بعدم العودة إلى اقامة الحضرات وغيرها.
  • قام التنظيم في نوفمبر 2016، بتفجير اضرحة لسيدتين (شميعة وصبيحة) بقرية المزار التابعة لمركز مدينة العريش والقريبة من قرية الروضة، وفي نفس الشهر اختطف التنظيم أحد رموز الطريقة وهو الشيخ/ سليمان أبوحراز 98 عاما، مع أحد اتباعه الشيخ/ اقطيفان المنصورى، ليقوم بقتلهم بالسيف بزعم أنهم يقومون بأعمال السحر والكهانة وليس بسبب أنهم صوفيين، ولقد قام بتنفيذ حكم الإعدام أقارب لهم منتمين للتنظيم(8 ).

وقد اظهر إصدار مرئي للتنظيم حمل اسم “نور الشريعة” مشاهد لهدم وتفجير الأضرحة بالإضافة إلى كل ماسبق، ولكن أبرز الأشياء التى وردت بشكل صريح من التنظيم هو ما نشرته جريدة “النبأ” والتي يصدرها تنظيم الدولة في عددها رقم 58، حيث نشرت حواراً مع من اسمته أمير الحسبة في ولاية سيناء، والذي وصف الصوفية بالمشركين وأن هدايتهم أحب إلى التنظيم من قتلهم، وقد قسم الطرق الصوفية في سيناء لطريقتين (الأحمدية، والجريرية)، وقال إن الطريقة الجريرية قد انشأها “الطاغوت الهالك/ عيد أبو جرير” وتتمركز في ثلاث زوايا اثنين خارج سيناء والثالثة في قرية الروضة وتتبعها زوايا كثيرة في في مناطق “أبو جرير، الطويل، الصباح، وغيره” وقد قال أمير الحسبة أنه سيتم القضاء على تلك الزوايا فور قدرة التنظيم على ذلك، معتبراً أن الطريقة الجريرية أعظم شركاً وضلالة من الطريقة الأحمدية حسب وصفه، وأن “الشيخ/ سليمان أبو حرز” الذي قتله التنظيم كان يتبع الطريقة، وأن الطريقة لها علاقات وطيدة بالنظام الحاكم بالإضافة لحب الكثير من المسئولين للطريقة.

خامساً: التناول الإعلامي للمجزرة:

كان لدينا ملاحظة عامة، وهو أن أول من أعلن عن الحدث وتحدث عنه، لم يكن قناة أو صحيفة مصرية، بل كانت قناة “سكاي نيوز” الإماراتية، وهي ليست المرة الأولى في الأحداث المتعلقة بسيناء، ولقد رصدنا التناول الإعلامي على ثلاث أصعدة، وسائل الإعلام المحلية، والدولية، والصهيونية، وهذا كالتالي:

1ـ وسائل الإعلام المحلية:

تناول الإعلام المصري لم يكن علي قدر الحدث منذ البداية، فلم يكن هو أول من أعلن عن الحدث كما ذكرنا سابقاً، بالرغم من حجمه الكبير، كما لوحظ فرض قوات النظام العسكرية لرقابة على الناجين من الحادث وعلى تحرك وسائل الإعلام، ولكن الأهم أن وسائل الإعلام تناولت الحدث كتناول أي حادث مهم ولكنه عابر، حتى أنها لم تقم بتغطية جنازات الضحايا ودفنهم، وقد حرصت وسائل الإعلام على التأكيد على عدة مضامين على النحو التالي:

(أ) أن الحادث يعد الأول من نوعه في مصر ضد مذهب ديني إسلامي.

(ب) أن الجماعات المسلحة تغير من إستراتيجيتها، فلقد انتقلت من مرحلة استهداف الضباط (جيش أو شرطة)، لتبدأ بإستهداف المسيحيين، ثم الآن المسلمين في المساجد، وهذا في اطار خطة تلك الجماعات لبث الخوف في نفوس المواطنين.

(ج) أن حادث مجزرة مسجد الروضة، لاترجع لعوامل سياسية بل مذهبيه، لأن الحادث تم ضد قرية يشتهر أن أغلبية أهلها يميلون للتدين الصوفي،  وأن مرتكبي الجريمة تأثروا بفتوى أصدرها “ابن تيمية” اتهم فيها الصوفيين بأنهم خارجون عن الدين الإسلامي.

(د) أن الجماعات المسلحة تحاول بث حالة من حالات الإحباط في الشارع المصري، وذلك بعد النجاحات الكبيرة التي يحققها الأمن المصري في محاربة الإرهاب وتحديداً بعد القضاء علي خلية الواحات.

(هـ) أن حادثة مسجد الروضة لن تكون الأخيرة، بل سيكون هناك موجات عنف أكبر حتي منتصف العام القادم، والذي يوافق فترة الإنتخابات الرئاسية (على الرغم من أنها ركزت على أن دوافع الحادث غير سياسية).

(و) استمرار غرس قناعة أن الحل للقضاء على الإرهاب في سيناء، لن يأت إلا بتنفيذ عمليات تهجير جماعية للمواطنين من محافظة شمال سيناء، لكي تتمكن قوات الجيش والشرطة من المواجهة.

(ز) اتهام جهات أجنبية بالوقوف خلف الجماعات المسلحة بالتحريض والتمويل من أجل القتل، حيث قدم “طارق محمود” المحامي بالنقض والدستورية العليا، بلاغاً (9 ) إلى المحامي العام الأول لنيابات استئناف الإسكندرية، حمل رقم قيد  6549 لسنة 2017، يتهم فيه كل من “تميم بن حمد” أمير قطر، و”رجب طيب أردوغان” رئيس تركيا، بالتحريض، وتقديم الدعم المادي واللوجيستي للمجموعة الإرهابية التي ارتكبت جريمة تفجير مسجد الروضة بالعريش، وهو سياق مقارب لما قاله الكاتب “أحمد عطا” (10 ) وهو باحث في بوابة الحركات الإسلامية ويكتب في موقع البوابة نيوز الذي يرأسه عبد الرحيم علي المعروف بقربة من أجهزة الأمن المصرية فضلا عن دولة الامارات، حيث قال: إن التغير في استراتيجية الجماعات الإرهابية يشير إلى وقوف أجهزة استخباراتية عسكرية تدعمها دعما لوجيستيا، واتهم المخابرات التركية بلعب دور رئيسي في دعم العناصر التكفيرية، لأن، علي حد قوله، المسؤول عن العمليات المسلحة القيادي المصري الإخواني الهارب في تركيا “علاء علي”، والذي تم إدراجه على قائمة الإرهاب للدول الأربع مصر السعودية الإمارات والبحرين”.

(ح) التحذير من أن هناك محاولات الفترة الحالية للدفع بالمصريين بالخروج بثورة مسلحة حتي لا تستكمل الفترة الرئاسية حتي منتصف العام القادم.

(ط) استغلال الحدث لرفع سقف القمع بإصدار قوانين جديدة، وهو ما يمهد له الإعلامي عمرو أديب (11 ) أحد أذرع النظام الإعلامية، حيث طالب بإعدام كل من يتعاطف أويقدم غطاء شعبيًا للإرهابيين، حيث قال: “آن الأوان إن أي حد يعمل غطاء شعبي أو أهلي للإرهابيين يتم إعدامه، وآن الأوان إن المتعاطفين يتم إعدامهم، أنت قاتل زيه بالضبط، وتروج لفكره، القتل بالكلمة أخطر من القتل بالرصاص”.

2ـ وسائل الإعلام الدولية:

تناولت وسائل الإعلام الدولية الحادثة على أنها تمثل إخفاقاً لنظام السيسي في مواجهة العنف الدموى في سيناء، وأن مرجع هذا إلى انتهاج النظام المصري سياسة القمع ضد معارضيه، مما أدى إلى أن اصبحت تلك السياسة هي المغذي الرئيسي للإرهاب في مصر في الفترة السابقة، و أن النظام لا يريد أن يعترف أنه يواجه في سيناء مشكلة تمرد (Insurgence ) و ليست مشكلة إرهاب فقط، و بالتالي لا يتعامل معها وفقا لاستراتيجية ملائمة لمكافحة التمرد (أو ما يطلق عليه في الأدبيات الأمنية الأمريكية COIN ) و بالتالي تستمر الظاهرة في التفاقم لعدم كفاءة النظام في التعامل معها. وقد أكدت الكثير من وسائل الإعلام الأجنبية على عدة مضامين كالتالي:

(أ) أن المذبحة اثبتت فشل سياسة السيسي التى كان يدعى فيها أنه لكي يقضي على الإرهاب يجب سحق المعارضة السياسية(12 ).

(ب) أن القوة الغاشمة والمزيد من استخدامها لن يجدي، حيث لم تجدي تلك القوة طيلة السنوات الماضية، وثبت عدم فاعليتها في الحل(13 ).

(ج) أنه يجب على النظام المصري أن يعتمد على سياسة تستهدف تعمير سيناء، وتحسين الأوضاع الإجتماعية، حيث أن القوة ليست هي الحل.

(د) الهجوم قد يشكل نقطة تحول تصب في صالح جهود النظام المصري للقضاء على “ولاية سيناء” إن كانت هي الفاعلة للمجزرة، مثلما حدث بعد مذبحة الأقصر والتى ساهمت في إثارة الرأي العام المصري ضد مرتكبي الحادث، مما أدى إلى الحد من التجنيد وجمع الأموال، وعزز حملة النظام المصري حينها لمكافحة الإرهاب، وهو ما قد يحدث في سيناء(14 ).

وبشكل عام فقد قابل النظام المصري كل الانتقادات التى وجهت له بعد الحادث من وسائل الإعلام الدولية، بأن تلك الانتقادات مؤسفة وتأتي في ظل تغطية غير محايدة ومزدوجة المعايير، وهذا ما عبر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، المستشار أحمد أبو زيد في رده على تغطية قناة الـ(CNN (15 وجريدة الجارديان.

3ـ وسائل الإعلام الصهيونية

حرصت وسائل الإعلام الصهيونية على إبراز تضامن الحكومة الصهيونية مع النظام المصري، بالإضافة إلى ذعرها من الحادث والفشل الأمني المصري الكبير رغم التعاون الاستخباراتي الذي توفره “اسرائيل” للنظام المصري. وجاء التناول ليركز على النقاط التالية:

(أ) احباط الدوائر الصهيونية والأمريكية من استمرار الفشل الأمني المصري، رغم قلة عدد مقاتلي التنظيم، ورغم الدعم الإستخباراتي الصهيوني، والمساعدة بالقصف بالطائرات بدون طيار(16 ).

(ب) غياب الحلول العسكرية والحكومية المصرية، في ظل ارتفاع عدد العمليات المسلحة في مصر إلى 1165 عملية مسلحة منذ احداث يوليو(17 ).

(ج) التضامن مع مصر، ووجوب تشكيل جبهة اقليمية موحدة لمحاربة الاخطار (18 ).

(د) إن تجنيد أهالي سيناء وإشراكهم في الحرب على الإرهاب هو الحل (19 ).

سادساً: من يقف خلف المجزرة:

نناقش هنا سيناريوهات التورط، وجهات التنفيذ المحتملة لهذه المجزرة، وقد حرصنا هنا على وضع جميع الفاعلين الميدانيين المحتملين مهما زاد أو قل احتمال وقوفهم خلف المجزرة، وما يرجح أو ينفي تورطهم، مع التأكيد أن المجزرة بالشكل الذي تمت به، هي الأولى من نوعها في شبه جزيرة سيناء، ولا يوجد سابقة لها لدى أى من الأطراف الفاعلة، ولكن ومع ذلك يخشى الكثيرون أنها قد تكون البداية لعمليات أخرى.

1ـ النظام المصري:

أشارت بعض أصابع الاتهام باتجاه النظام المصري ورئيسه عبد الفتاح السيسي، وهذا وفق نظرية البحث عن المستفيد، حيث يرى البعض أن الحادثة تصب بشكل مباشر في صالح النظام المصري وما يسميه بحربه على الإرهاب منذ يوليو 2013، يدعم هذا الطرح سوابق عديدة للنظام المصري في استهداف مدنيين في حوادث قتل جماعي متعددة، حيث يتربع النظام المصري الحالي على قمة ممارسي عمليات القتل الجماعي في تاريخ الدولة المصرية الحديثة، وأبرزها ما حدث بتاريخ 14 أغسطس 2013 عندما قامت قوات الأمن المصرية بارتكاب مذبحة راح ضحيتها ما يزيد عن 800 مواطن (20 ) في أحداث فض رابعة العدوية، أيضاً مئات الحوادث الأخرى المثبتة حقوقياً منذ عام 2011 وحتى الآن، والتى كان لشبه جزيرة سيناء نصيب كبير منها، حيث شهدت قيام قوات الجيش والشرطة بارتكاب حوادث تهجير قسري واعتقال واخفاء وتعذيب وقتل ضد المدنيين، وهذا عبر قواته بشكل مباشر أو عبر ميلشيات محلية كونتها قوات الجيش من البدو المحليين، واشتهرت باسم “المجموعة 103″، ونتطرق هنا إلى أشهر حادثتين في عام 2017:

الحادثة الأولى: #تسريب_سيناء “، وهو فيديو (21) مُسرب أذاعته قناة مكملين بتاريخ 20 ابريل 2017، يظهر قيام قوة من الجيش المصري بقيادة ضابط بالمخابرات الحربية(22)، وعناصر مسلحة محلية ترتدي زي الجيش المصري، بارتكاب جريمة حرب عبر تنفيذ عملية إعدام ميداني خارج إطار القانون لمجموعة من المعتقلين المدنيين أحدهم قاصر، مع الكشف أن هؤلاء المعتقلين الذين تم اعدامهم، كان المتحدث العسكري للجيش المصري قد أعلن بتاريخ 5 نوفمبر 2016 (23) عن قتلهم إثر اشتباكهم مع قوات الجيش، وقد وثقت حينها منظمة سيناء لحقوق الإنسان (24 )، أن الأشخاص الذين ظهروا في فيديو التصفية كانوا جميعهم معتقلين لدى السلطات المصرية في مقر الكتيبة 101 في شرقي مدينة العريش، بزنزانة يقبع فيها حوالي 18 شخصاً، وذلك حتى تاريخ 1 نوفمبر 2016، ثم جرى نقلهم فجر يوم الأربعاء بتاريخ 2 نوفمبر 2016، حيث قالت لهم القوات المسؤولة عن نقلهم أنها سترحلهم إلى سجن العازولي، وهو نفس التاريخ الذي وقعت فيه عملية الإعدام خارج نطاق القانون، ولقد افردنا للحادث وقتها مساحة خاصة في تقرير سيناء الشهري، في الجزء الخاص بقراءة لأهم أحداث شهر ابريل (25 ).

الحادثة الثانية: وهي ما قامت وزارة الداخلية المصرية بالإعلان عنه بتاريخ 13 يناير 2017، من قيامها بالإشتباك وقتل  10 شباب بتهمة الهجوم عل كمين المطافىء (26 )، وأعلنت الوزارة حينها عن اسماء 6 من أصل 10 أشخاص قتلتهم، ليتم اكتشاف أن من تم اعلان اسمائهم قد تم اعتقالهم مسبقاً وهم في قبضة قوات الأمن ومختفين قسرياً منذ فترة.

وهذا ما أظهره منشور قديم لوالدة أحد القتلى على موقع التواصل الإجتماعي الفيسبوك قبل الحادثة، حيث نشرت عنه في شهر أكتوبر 2016 (27 )، وهو ما أثبتته أيضاً منظمة العفو الدولية ( 28) عن وجود اعتقال قوات الأمن للقتلى واحتجازهم قبل الحادثة بشهور، بينما قامت منظمة الهيومان رايتس ووتش، بمراجعة الفيديو الذي نشرته وزارة الداخلية المصرية، واكتشفت ان الفيديو “ممنتَج بشكل كبير” وأن عملية المداهمة فيه مفبركة(29 ) وهو ما يعني أن هؤلاء الشباب قد تم اعدامهم بشكل غير قانوني.

وهنا طرح البعض اعتراض وجيه على هذا الرأي، وهو أن كل ما قد سبق ذكره من حوادث قام النظام المصري بالإعلان عنها وتبنيها بشكل واضح، مع إختلاف روايته بالطبع، ولا يوجد حوادث لم يُعلن عنها النظام المصري.

ولكن هذا الاعتراض مردود عليه عندما نستعرض الحادثة التالية من نفس شهر يناير 2017، حيث قامت قوات بالجيش الثالث الميداني باقتحام تجمع المثنى البدوي بمركز الحسنة بوسط سيناء، وقامت باعتقال أربعة شباب، هم (حسين حسن أبو غبوش 25 عام، وعياد سالم سليمان 44 عام، ومحمد عيد سلام 21 عام، وخالد محمد سلمان 22 عام)، وقامت بإخراجهم خارج المنزل وتغمية أعينهم وتقييد أيديهم ثم تصفيتهم أمام ذويهم وأطفالهم(30 )، وقد نشرت جريدة أخبار اليوم ( 31) وقتها أن مسلحين مجهولين هم من قتلوهم.

ولكن على الجانب الأخر فإن كل الحوادث السابقة جاءت في ظل رد النظام المصري على خصوم سياسيين له، أو بتنفيذ عمليات قتل في إطار الرد الانتقامي على أية عملية تستهدف قوات الأمن، فمثلاً حادثة تصفية الشباب العشرة بمدينة العريش، أتت بعد هجوم أستهدف كمين المطافىء، وحادثة تصفية 4 شباب بوسط سيناء أتت بعد قيام مسلحين بايقاف سيارة واعدام بعض المجندين بوسط سيناء.

ويتبقى هنا احتمال آخر، وهو أن تكون العملية قد تمت من قبل الميلشيات المحلية التابعة لقوات الجيش والمسماة “المجموعة 103″، ومن أشهر أعضائها “إبراهيم حماد” وهو الذي ظهر في فيديو ” #تسريب_سيناء ” وهو يقوم بتنفيذ عمليات الإعدام، وكانت آخر حوادث هذه الميلشيا بتاريخ 19 أكتوبر 2017 (32 )، عندما قامت تلك العناصر بسرقة بعض المحال التجارية بمدينة الشيخ زويد، ثم قامت بإبلاغ معسكر الزهور بوجود ارهابيين داخل المدينة يقومون بزرع العبوات الناسفة مما أدى إلى خروج حملة عسكرية من معسكر الزهور قامت باقتحام المدينة، وهذا من أجل التغطية على سرقتهم مجموعة من المحلات، ولكن السكان قاموا بإبلاغ قوات الجيش بحقيقة الأمر مما أدى إلى اعتقال ابراهيم حماد بشكل مؤقت قبل أن يتم الإفراج عنه.

وهنا يأتى سؤال لماذا قد تتورط ميلشيا محلية مشكلة ومساندة لقوات الجيش في هذه العملية؟

المتابع للوضع في سيناء يعلم أن قوات الجيش المصري وبعد عجزها عن التصدي بفاعلية لتنظيم ولاية سيناء، قامت وبالتعاون مع بعض المشايخ القبليين وأبرزهم “إبراهيم العرجاني، وموسى عبدالكريم الدلح” من قبيلة الترابين، بتشكيل مجموعات محلية متعددة من المسلحين هدفها حماية الكمائن والإرتكازات العسكرية، والمساعدة في عمليات المداهمات والإعتقال، وأخيراً تنفيذ أعمال قتالية ضد مناطق تواجد التنظيم، وتنشط تلك المجموعات في منطقتي رفح والشيخ زويد، ولقد حاول بعض المشايخ القبليين الموالين للحكومة وعبر ما اسموه “اتحاد قبائل سيناء” حشد القبائل لإعلان الحرب على تنظيم ولاية سيناء، وهو ما مثل استدراجاً لتنظيم ولاية سيناء، حتى أنه أطلق وصف “الصحوات” على قبيلة الترابين والتي تعد أكبر القبائل في سيناء، مما عد حينها نصراً للأجهزة الأمنية، ولكن وبعد مناصحات محلية للتنظيم كان أبرزها كلمة صوتية (33) لشخص اسمه “أبو هاشم الترباني” رفض فيها تسمية قبيلة الترابين باسم “الصحوات” ورفض هذا التعميم، وطالب التنظيم بأن يسمي من يحاربهم فقط ولا يعمم على كل أبناء القبيلة، فإن تنظيم ولاية سيناء تراجع عن هذه التسمية، مطلقاً على من يحاربه لفظ “صحوات موسى الدلح”، ليقوم بعدها التنظيم بتوجيه ضربة قوية للمسلحين التابعين لإتحاد القبائل بتاريخ 10 مايو 2017، وأدى لمقتل أحد ابرز قادته الميدانيين وهم “سالم أبولافي الترباني، وتامر الشاعر”، وهو ما رصدناه تفصيلاً في تقرير سيناء عن شهر مايو (34 ).

ومنذ ذلك الحين يسعى شيوخ القبائل المحليين ومنهم “موسى الدلح، وابراهيم العرجاني” لإثبات كفائتهم، محاولين دفع البيئة المحلية في شمال سيناء للإصطدام مع تنظيم ولاية سيناء، دون جدوى تذكر، نظراً لعدة عوامل، منها التعامل العنيف من التنظيم ضد كل من يستهدفه، وأيضاً والأهم هو حالة الكره الشديد الذي صار أهالي الشمال الشرقي من سيناء يشعرون بها ضد قوات الجيش والشرطة بسبب عمليات التهجير والقصف والقتل العشوائي ضدهم، بالإضافة إلى الإعتقال والإخفاء القسري.

وفي هذا السياق فإن حادثة مثل حادثة مجزرة مسجد الروضة تمثل عامل حشد قوى ضد تنظيم ولاية سيناء، ولقد كان أول رد فعل سريع بعد حادث مجزرة الروضة صادر عن اتحاد قبائل سيناء، حيث قامت مجموعات تابعة له بالإنتشار واغلاق بعض الطرق والمدقات الفرعية بجنوب رفح، وإصدر الاتحاد بياناً يدعو فيه لقتل كل من ينتمي للتنظيم، ودعا كل شباب ورجال قبائل سيناء للإنضمام إلى مقاتلي الإتحاد (35 ).

ولكن ورغم هذا الطرح، فإن مكان تنفيذ العملية يقع خارج نطاق سيطرة وحركة مقاتلي اتحاد قبائل سيناء وتحديداً من المسلحين التابعين لقبيلة الترابين والذين ينشطون في جنوب رفح، كما أن قرية الروضة ينتمى معظم سكانها لعشيرة الجريرات التابعة لقبيلة السواركة، ولو تورط الاتحاد في هذا وتم كشف الأمر فإن هذا سيعنى مجزرة بحق كل أفراده، بالإضافة إلى أن اخفاء اتحاد القبائل لأمر تورطه في هذه العملية أمر صعب، إلا في حالة قتل كل من قام بالعملية بعد تنفيذها.

2ـ جهات أجنبية:

المتهم الثاني  المحتمل في هذه المجزرة هي جهات أجنبية “مجهولة”، ويعزز تلك الفرضية، أن هذه الحادثة ليست  الأولى الغامضة في سيناء، فهناك مذبحتين سبقاها مازال الفاعل فيهما مجهولاً حتى الآن، وهما كالتالي:

الأولى: مذبحة رفح الأولى والتى حدثت في شهر مضان الموافق 5 أغسطس 2012، حيث اقتحم مسلحون كمين قرية الحرية بالقرب من معبر كرم أبو سالم بمنطقة رفح المصرية وقت الإفطار وقاموا بالإجهاز على ما يقارب ال 16 من العسكريين المتواجدين بالكمين، وفق المعلن (36 )، ثم قاموا بالإستيلاء على مدرعتين والقيام باختراق الحدود الفلسطينية المحتلة من جهة معبر كرم أبو سالم، بإحدى المدرعتين قبل أن يدمرها الطيران الصهيوني ( 37)، وحينها تداول السكان المحليون أن من كان يقف وراء الهجوم جهات أجنبية، بينما اتهمت شخصيات اعلامية مصرية بأن النظام الصهيوني متورط في العملية (38 )، ولكن دون وجود دليل ملموس على ذلك، حيث تكتمت الأجهزة الأمنية المصرية وعلى رأسها المخابرات الحربية على نتائج التحقيقات.

الثانية: مجزرة قرية خريزة بوسط سيناء، والتي حدثت حينما هاجم مسلحون يوم ١٤ سبتمبر ٢٠١٥، عرس بالقرية وقاموا بقتل العريس وعدد 11 شخصاً من المدعوين، وقاموا بخطف المواطن “زيدان إبراهيم التيهي” وهو شقيق “حسنين إبراهيم التيهي” الذي قتل سابقاً في قصف طائرة صهيونية في شهر أغسطس 2012، وقد علق تنظيم “ولاية سيناء” على تلك الحادثة متهماً ضمناً جهات أجنبية عن أرض سيناء بالسعي للوقيعة بين المجاهدين وأهالي سيناء، وحذر من الوقوع في هذا.

تلك الحوادث وغيرها هي ما دفعت الشيخ “عارف أبو عكر” أحد كبار شيوخ القبائل بمحافظة شمال سيناء إلى اتهام النظام الصهيوني بالوقوف خلف تلك الحادثة (39 ) وهذا عبر برنامج العاشرة مساء، وهو نفس الاتهام الذي أكده اللواء محمد رشاد وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق (40 ) في برنامج صباح دريم، أيضاً قالت الإعلامية المقربة للنظام “نشوى الحوفي” وعبر برنامجها بقناة الناس أن ما يحدث بسيناء ليس بعيداً عن خطة “جيورا أيلاند” الاسرائيلية لضم مناطق من سيناء ضمن التسوية في المنطقة (41 )، ولكن تظل تلك الإتهامات مكررة في كل الحوادث التى تحدث في سيناء حيث قيل مثلها في هجمات كثيرة أبرزها مذبحة رفح الأولى، وسط صمت الأجهزة الأمنية.

ولكن وبالنظر إلى طبيعة الحادثة والجهات المستفيدة منها، وما نقلناه سابقاً من دعوة محللين اسرائيليين للنظام المصري بأنه يجب عليه توظيف والإستعانة بالقبائل المصرية في الحرب في سيناء، وبقراءة تأثيرات الحادث، نجد أن الحادث لايصب في صالح التنظيمات المسلحة بل بالعكس يساهم في التحشيد محلياً ضدها، أيضاً صعوبة قيام النظام المصري بشكل مباشر بهذه العملية في قرية تمتلك العشيرة الرئيسية فيها صلات قوية بالأجهزة الأمنية، وهو ما يطرح احتمالية قيام جهة خارجية بالعملية في إطار خلق حالة رعب بين السكان المحليين تؤدى إلى زيادة حركة النزوح المحلية، بالإضافة إلى خلق حالة غضب محلي ضد التنظيمات المسلحة، تدفع القبائل للتعاون بفاعلية حقيقة مع قوات الأمن والجيش المصري في سبيل القضاء على التنظيمات المسلحة في سيناء، وهي مواجهة إن حدثت لن تؤدي فقط إلى اضعاف التنظيمات المسلحة، بل ستساهم في اضعاف القبائل واستنزاف أسلتحها وابنائها، وهو ما يصب بشكل مباشر في خدمة المصالح الصهيونية.

توجد دلائل على ذلك تاريخياً في مسألة ارتباط المذابح الجماعية بحركة التهجير ونزوح السكان، هو ما حدث  في فلسطين من عمليات مسلحة قامت بها العصابات الصهيونية ضد المدنيين بغرض التهجير ، فقد اقتحمت عصابات الهاغاناه بتاريخ 31-12-1947م  قرية بلدة الشيخ (يطلق عليها اليوم اسم تل غنان) ولاحقت المواطنين العزل، وقتلت العديد من النساء والأطفال حيث بلغت حصيلة المذبحة نحو 600 قتيل، وهو ما عرف لاحقاً باسم مذبحة بلدة الشيخ.

مذبحة أخرى حدثت بتاريخ 10-4-1948م عندما داهمت عصابات شتيرن والأرغون والهاغاناه قرية دير ياسين الواقعة غربي مدينة القدس وقتلت 360 فلسطينيا معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال، وقد عرفت المذبحة باسم مذبحة دير ياسين. وغيرها الكثير (42 )، لذلك قد تأتي حادثة الروضة في اطار تثوير القبائل ضد تنظيم ولاية سيناء، و خلق حالة رعب محلية تؤدي إلى موجة من الهجرة الجماعية، بالإضافة إلى الإصطفاف خلف النظام المصري والذي يدعم بشكل علني التحركات الصهيونية، فيما يُسمى بصفقة القرن والتى كان آخرها إعلان ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني، وتمثل الحادثة فرصة للتدخل العسكري و الامني بشكل كبير وعلني وفق النظرية الامنية الصهيونية القائمة على خلق الأزمات بالشكل الذي يسمح لها بذلك (43 ).

دلائل تدعم هذا الطرح:

1ـ ما نشرته القناة العاشرة الإسرائيلية في شهر أكتوبر 2016 (44 )، في تحقيق تلفزيوني عن انشاء الجيش الإسرائيلي وحدة عسكرية من المستعربين، يحرص ضباطها وجنودها على الظهور بمظاهر عربية من أجل التخفي، واظهر التحقيق عمليات تدريب يقوم بها عناصر الوحدة في عرض الصحراء، حيث نصب مخيم يحاكي مواقع لتنظيم “ولاية سيناء” تظهر فيه رايات التنظيم وترتفع منه أصوات التكبير، وقيام عناصر الوحدة باقتحام المخيم عبر إطلاق نار كثيف على الخيام وعلى مجسمات تحاكي عناصر تنظيم الدولة، وهو مايعني ان عناصر هذه الوحدة مجهزون لتنفيذ عمليات قتل داخل أرض سيناء، أيضاً أبرز التحقيق وجود تنسيق مع مواقع ثابتة للجيش المصري على طول الحدود، وأنه يتم تبادل المعلومات بشكل مباشر بين عناصر الوحدة وضباط وجنود الجيش المصري الذين يتمركزون في تلك المواقع، وهو ما يشير إلي قدر من حرية الحركة نتيجة هذا التعاون.

يعزز هذه الفرضية أمران: أولهما أن عدم وجود تاريخ مسبق بتعمد قتل مدنيين داخل مسجد ومنهم قتل الأطفال تحديداً سواء من المسلحين التابعين لولاية سيناء، أو من قوات الجيش المصري أو الأجهزة الأمنية أو الميلشيات المحلية التابعة لها (45 )، ايضاً شهادة الطفل إسلام محمد عبد الحميد (46 )، والتي قال فيها عن المسلحين “كلهم أجسامهم مخيفة، طول بعرض، حاجة غريبة مش بني آدمين طبيعيين، وكانت لهجتهم مش مصرية، وكانوا بيهزروا مع بعض وطول الوقت بيضحكوا، زي ما يكونوا بيعملوا مسابقة مين اللي يقتل أكثر، فواحد يقول لزميله أنا اللي قتلت ده، فالثاني يرد عليه: لأ أنا اللي قتلته، وكانوا ساعات بيشتموا بعض بألفاظ وحشة” (47 )، وهي أفعال غريبة على مقاتلي التنظيمات المسلحة المنتمية للتيار الجهادي.

2ـ وجود تعاون أمني استخباراتي بين النظام المصري والصهيوني قد يمرر مثل تلك العمليات، ولهذا التعاون دلائل معلنة كثيرة ومنها: ما صرح به جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في فبراير 2016 ( 48)، خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، عن تنسيق بشأن سيناء بين مصر وإسرائيل والأردن وامريكا، بل ان التنسيق تطور إلى موافقة “إسرائيل” لإختراق الطائرات الحربية المصرية للأجواء الفسلطينية المحتلة وتنفيذ عمليات إلتفاف لضرب مواقع المتمردين داخل أراضي سيناء (49 )، أخيراً والأهم ما كشفه البروفيسور الإسرائيلي أفرايم هرارة في مقال له بصحيفة إسرائيل اليوم عن طلب مصر من إسرائيل المساعدة الأمنية والاستخبارية في سيناء (50 )، وهو ما يعني سماح النظام المصري بوجود فرق عمل أرضية تابعه للنظام الصهيوني بالعمل داخل الأراضي المصرية في سيناء.

3ـ وجود سوابق حديثة ومعلنة لقيام قوات الإحتلال الصهيونية بتنفيذ عمليات قتل داخل الأراضي المصرية في سيناء، ومنها ما اعترف به وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان للإذاعة الإسرائيلية في فبراير 2017 (51 )، حيث أعلن عبر الإذاعة قيام “إسرائيل” بشن هجوم في سيناء عبر طائرة بدون طيار وقتل أشخاص، أيضاً في شهر ابريل 2017، ذكرت القناة العاشرة الإسرائيلية في تغريده لها التالي: “سيناء: استهداف منزل بجنوب مدينة رفح، بصاروخ طائرة بدون طيار اسرائيلية، لاستهداف شخص”.

سابقاً أيضاً: كانت مصادر أمنية اسرائيلية قد اعترفت لصحف غربية وإسرائيلية مثل يدعوت أحرنوت (52 )، وهآرتس (53 )، بتنفيذ ضربات عسكرية بدون طيار في سيناء.

4ـ مجزرة سابقة للمصلين في يوم الجمعة، حيث قامت طائرات بدون طيار يعتقد انها  صهيونية (54 )، بشن غارة جوية عقب صلاة الجمعة استهدفت منطقة العجراء جنوب مدينة رفح في شهر يناير 2017، مما أدى إلى مقتل حوالي عشرة من المواطنين امام المسجد بعد صلاة الجمعة، وقد تلافت وسائل الإعلام المصرية حينها ذكر الحادثة، بينما ذكرت قناة الجزيرة (55 ) أن القصف استهدف منزل المواطن حسين علي حسين السواركة في منطقة العجرا عقب صلاة الجمعه أثناء تجمع عدد من أفراد عائلة السواركة، وقد تم تداول مقطع فيديو (56 ) حينها يظهر حجم مأساة عائلات الضحايا.

ورغم كل ما سبق إلا ان البعض قد يشكك في نقطة قدرة قوات أجنبية على العمل بحرية داخل الأراضي في سيناء، إلا إن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني نشر في شهر ديسمبر 2016، حيث ذكر في تقرير يحمل عنوان “الحفاظ على العلاقات خلف الأبواب الموصدة” (57 )، حيث أوضح بشكل صريح بأن مصر لم تكتفي فقط بمنح إسرائيل تفويضاً مطلقاً لنشر طائرات بدون طيار فوق سيناء، بل ايضاً اعطت “إسرائيل” الإذن باستهداف المسلحين وفق استنسابها، وهو ما يعطي حرية حركة لجيش الإحتلال الصهيوني تحت بند استهداف المسلحين في سيناء.

3ـ تنظيم الدولة:

وهو الفرضية الأخيرة والأكثر قوة حتى الآن بناء على العديد من القرائن، فكثير من أصابع الإتهام تشير إلى فرع تنظيم الدولة في سيناء، لعدة أسباب منها: أن التنظيم الأم له سوابق في استهداف تجمعات صوفية في بلدان أخرى، ثانياً أن فرع التنظيم في سيناء “ولاية سيناء” له تواجد سابق في مركز بئر العبد حيث تتواجد قرية الروضة، حيث قام التنظيم بتاريخ 9 أغسطس بنصب كمين وقتل ضابط جيش و 3 أفراد شرطة بمنطقة ملاحات سبيكة التابعة لمنطقة بئر العبد (58 )، وبتاريخ 11 سبتمبر قام بتدمير رتل أمني بالقرب من قرية التلول بمنطقة ملاحات سبيكة التابعة لمنطقة بئر العبد، عندما فجر سيارة مفخخة بمنتصف الرتل ثم اشتبك واجهز على كل الناجين ( 59)، وهو ما يقطع الطريق على من ينفي أي تواجد للتنظيم في خارج مناطق رفح والشيخ زويد والعريش، ولكن تظل نقطة هامة وهي أن كل عمليات التنظيم في مصر، قام فيها باستهداف قوات وأفراد عسكريون تابعين للنظام المصري، أو مسيحيين في إطار ما يسميه أن الكنيسة قد نقضت عهد الأمان بتحالفها مع النظام العسكري، ولم تشهد مصر أو سيناء أي عمليات للتنظيم استهدف فيها بحوادث قتل جماعي طائفة منتمية للمسلمين، فما الذي يدفع البعض باتهامه بارتكاب مجزرة مسجد الروضة، خاصة في ضوء أثرها السلبي علي الحاضنة الشعبية المتكونة للتنظيم بدافع من الممارسات القمعية الشديدة للنظام المصري مع أهل سيناء؟

هنا تبرز عوامل أخرى دفعت لهذا الإتهام، منها:

القرينة الأولى: وهي أقوى القرائن التى يستدل بها من يتهم التنظيم، ما جاء في العدد 58 في جريدة النبأ التابعة للتنظيم في ديسمبر 2016، حيث وصفهم أمير الحسبة في التنظيم بأنهم مشركين، وخص بالذكر الطريقة الجريرية بأنها أشد الطرق شركاً في شمال سيناء، وذكر ان زاوية الروضة التابعة للطريقة  أكثر من مرة، وأنه حينما يتمكن منها جنود التنظيم فإنهم سيزيلوها، وأكد أن الصوفية في سيناء هم مشركون كفار دمائهم مهدورة نجسة، ولكن أيضاً هذا العدد تضمن قرائن أخرى، منها تأكيد مسئول الحسبة أن الأولوية في التعامل مع الصوفية هو دعوتهم للهداية قبل قتالهم، وأعطى مثال بذلك، ثم عاد وأكد أنه لايريد للطرق الصوفية إلا الهداية، ثم عندما أعاد وصفهم بالكفار وان دمائهم مهدورة فقد أكد أن دعوتهم واستتابتهم هو الذي يريده التنظيم لهم حيث يرجوا لهم الهداية، والأهم أن التنظيم في هذه المجلة أثبت بشكل قاطع أنه يعرف مواعيد تجمع الصوفية لإقامة حلقات ذكرهم، وذكر صراحة أنها تكون ليلة يومي الجمعة والإثنين، إذن لماذا لم يستهدف التنظيم تلك الحلقات؟! وقام بدلا من ذلك باستهداف مسجد بلال وقت صلاة الجمعة، بمن يوجد فيه من أشخاص من غير الصوفية، فضلا عن العشرات من الأطفال الأبرياء؟ هذا سؤال يضعف هذه القرينة حتى الآن. وقد قمت في الصورة التالية المأخوذة من العدد بوضع خطوط حمراء على كل النقاط السابق ذكرها، من قرائن إثبات ونفي.

القرينة الثانية: التسجيل الصوتي الذي نشرته قناة “منبر سيناء” على تطبيق التليجرام بتاريخ 27 نوفمبر، والذي تضمن محادثات لاسلكية أدعى المنبر انها قد جرت بين عناصر من تنظيم ولاية سيناء، يتحدثون فيها عن الهجوم، ثم يعلنون فيه التبني ومباركة الهجوم (تسجيل)، لكن التسجيل شكك البعض في صحته لأكثر من نقطة أولها أن القناة ادعت ان هذا التسجيل تم عقب الهجوم مباشرة، ولقد جاء في التسجيل ان عدد القتلى 305، وهو رقم لم يتم معرفته إلا بعد الحادث بساعات، حيث ذكر المنشور في بدايته أن عدد القتلى قد تجاوز المائتين، ولم يتم اعلان رقم 305 قتيل إلا قرب منتصف الليل بعد وفاة عدة مصابين، ثانياً تحدث التسجيل عن اغتنام أسلحة وذخائر، في حين أن روايات شهزد العيان من الناجين لم تشر لوجود أسلحة معهم أو حدوث اشتباكات مع المهاجمين، تضمن التسجيل ظهور صوت أحد اشهر اعضاء التنظيم وهو “الشيخ أبو اسامة المصري” الذي ظهر في اصدرارات قديمة للتنظيم، وهو شىء مستغرب حيث انها تعد المرة الأولى لظهوره بعد بيان تبني التنظيم لعملية استهداف الطائرة الروسية بصوته، وتحوله لمطلوب دولي.

القرينة الثالثة: صمت التنظيم حتى الآن عن الحادثة، فهو لم يسارع بالنفي كما حدث سابقاً في شهر سبتمبر 2015، حينما نفى تورطه في حادثة قرية خريزة بوسط سيناء، حينما هاجم مسلحون يوم ١٤ سبتمبر ٢٠١٥، عرس بالقرية وقاموا بقتل العريس و عدد من المدعوين، وقاموا بخطف المواطن “زيدان إبراهيم التيهي”.

وهذه القرينة تحديداً هي الأقوى وضوحاً ومنها أنطلق إلى السؤال التالي: هل من الممكن أن يكون التنظيم هو مرتكب هذه الحادثة؟

نعم، هو أحد المتهمين الرئيسين لعدة أسباب، منها أننا لاحظنا تطور في طرق عمل التنظيم منذ مقتل “أبو دعاء الأنصاري” والي التنظيم في سيناء، وتولى “الهاشمي” محله، حيث زاد معدل استهتار التنظيم بالمدنيين بشكل عام، عزز من ذلك فقدان التنظيم للعديد من قيادات الصف الأول والثاني في الضربات العسكرية التى شنتها ضده قوات الجيش المصري في عمليات حق الشهيد (3،4)، وهو ما ساهم في ضعف سيطرة التنظيم على مقاتليه، أضف إلى ذلك زيادة الضغط النفسي وعدم الإنضباط الإنفعالي لمقاتلي التنظيم نتيجة القصف الجوي المستمر والحملات المكثفة في ظل عدم القدرة على فتح جبهات خارج سيناء وانهيار التنظيم الأم، نقطة أخرى وهامة وهي تنامي نفوذ التيار الحازمي داخل تنظيم الدولة وهو تيار شديد التكفير ويحارب من قبل التنظيم الأم (60 ).

وهناك احتمالية نجاح تسرب بعض عناصر هذا التيار إلى فرع التنظيم في سيناء، وقد احتوى شهر نوفمبر 2017 على عدة وقائع قمنا برصدها، منها قيام التنظيم بتاريخ الجمعة 3 نوفمبر باقتحام منطقة النقيزات جنوب رفح واختطاف عدة أشخاص بعد صلاة الجمعة من قبيلة الترابين، وهو ليس الهجوم الأول من نوعه يستهدف مصلين بالخطف أثناء صلاة الجمعة، حيث سبقه هجوم مماثل قام به عناصر التنظيم على قرية الريسان بوسط سيناء يوم الجمعة 27 أكتوبر 2017 حيث اعتقل عدة مواطنين ليفرج عن 12 منهم بعدها بأيام بتاريخ 30 أكتوبر(61 ).

هناك أيضاً تطور آخر هام وهو قيامه بتاريخ 9 نوفمبر بإيقاف مجموعة من سيارات النقل الثقيل على طريق الحسنة بوسط سيناء والقيام بحرقها بدعوى العمل مع قوات الجيش، وهي حادثة تكررت أكثر من مرة ومنها أيام 16، 18، 27 سبتمبر (62 ) حيث أحرق التنظيم ما يقارب الـ 40 معدة، ولكن الجديد في هذه الحادثة أن التنظيم قام بإعدام 9 من السائقين (63 ) هم (عاطف محمد البغدادي 36 عاماً، عيد هنري 61 عاما، إبراهيم عيد عوض 31 عاما، سليمان عبدالمولي عباس محمد 27 عاما، معمر فكري دسوقي 47 عاما، محمد أشرف أحمد عوض 30 عاما، أحمد عبده على يوسف 50 عاما، خالد سامي مصيلحي غنيم 46 عاما، سيد على سيد مرسي 25 عاما)، وقد يتبادر سؤال هنا حول لماذا جزمنا بتورط التنظيم في حادثة اعدام السائقين رغم عدم تبنيه لها؟ سبب ذلك أنه قد قتل في نفس الحادثة المقدم/ ابراهيم حسين سيد أحمد، قائد عمليات الكتيبة 351 مشاه، والجندي/ محمد ممدوح السيد الروبي، حيث مرت سيارتهم في نفس توقيت توقيف  المسلحين لسيارات السائقين، ولقد تبنى التنظيم رسمياً عملية قتل المقدم وقام بنشر صوره له بعد مقتله، بينما تجاهل تبني قتل السائقين ولم يعلق على الحادثة.

حوادث سابقة:

حوادث أخرى سابقة تدل على غياب الإنضباط داخل التنظيم والإستهتار بأرواح المدنين الذي اصدر سابقاً بيانات واصدارات مرئية بأنه قد خرج للدفاع عنهم، وهو مايدل على تغير في فكر وقدرة التنظيم في الفترة الأخيرة، من حيث ضبط عناصره، بالإضافة إلى تدني اهتمامه بالحاضنة الشعبية أو المدنيين مقارنة بعامي 2014 و 2015، ومن أدلة ذلك ما حدث بتاريخ 19 يوليو 2017 عندما قام التنظيم بالدفع بعربة مفخخة تجاه كمين المحاجر الواقع على طريق مطار العريش، لتنفجر السيارة بعد التصدي لها من قبل أحد الدبابات، وقد أدى الإنفجار إلى مقتل واصابة عدد من العسكريين، ولكن العدد الأكبر من القتلى كان من المدنيين حيث قتل 7 مواطنين ممن كانت سياراتهم واقفة أمام الكمين تنتظر العبور، وكان من الضحايا سيدتين وطفلين (64) ،  و قد ترجع تلك الحوادث إلى تنامي التحاق بعض من المقاتلين ممن تركوا سوريا و العراق في أعقاب تراجع التنظيم هناك و التحاقهم بتنظيم الولاية في سيناء، أو ما رصد من غياب القدرة على فرض الانضباط على المنضمين الجدد من الشباب من السكان المحليين، حيث يغلب عليهم الرغبة في الثأر مع قلة التدريب وانعدام العلوم الشرعية .

وهناك حوادث أخرى، منها ما حدث بتاريخ 5 أغسطس 2017 عندما تعامل مسلحي التنظيم بعنف مع السكان المحليين بمنطقة طويل الأمير برفح، أثناء دفنهم جثمان الشاب (خالد أبو مليح) الذي أعدمه التنظيم بدعوى تعاونه مع قوات الجيش، حيث منع مسلحو التنظيم لأول مرة الأهالي من دفن الشاب بمقابر المسلمين بدعوى أنه مرتد، وهو ما أثار غضب الأهالي فقام مسلحي التنظيم بإطلاق النار مما أدى للإصابة أحد الأهالي بطلقة في رأسه واسمه (عبد الله ابو اجديع) وتوفي لاحقاً متأثراً بإصابته بتاريخ 10 أغسطس(64).

سابعاً: لماذا الصمت؟

يدافع أنصار التنظيم عن صمته  بالقول بأنه ليس مطالباً بالتعليق على المجزرة، ولكن هذا الأمر مردود عليه من عدة أوجه، أولاً قيام التنظيم بنفي حادثة سابقة في شهر سبتمبر 2015، عندما نفى تورطه في حادثة قرية خريزة بوسط سيناء، والتى حدثت بتاريخ ١٤ سبتمبر ٢٠١٥، وقتل فيها أكثر من 10 اشخاص في فرح محلي، إذن فإن للتنظيم سابقة نفي، ثانياً التنظيم يدعى أن أرض سيناء تمثل حدود ولايته، وانه قد جاء لنصرة أهلها، وله اصدارات سابقة للتعليق على أى حادث كبير يستهدف ويقتل فيه مدنيين، فلماذا يصمت عن هذه الحادثة وهي تعتبر أكبر حادثة قتل جماعي للمسلمين في سيناء؟، ثالثاً أن من مصلحة التنظيم نفي الحادثة واتهام جهات أخرى، وهو مايعزز من اسهمه في مواجهة قوات النظام المصري و يحافظ على حاضنته الشعبية، وايضاً ينهي حالة الإرتباك التي اصابت انصاره نتيجة شكهم أن التنظيم يقف خلف العملية.

ورغم ذلك فإن التنظيم لم يعلق على الحادث حتى الآن، وتجاهل جهازه الإعلامي التعليق عليها، في حين استمر في نشر اخباره اليومية عن نتائج اشتباكاته مع قوات الأمن والجيش، وهو ما يؤدي إلى الفرضية التالية: أن جزءا من التنظيم يتميز بقدر من الانفلات مسئول عن تلك الحادثة وهو مانرجحه، ولكن لم يكن هناك بالضرورة أمر بقتل المصليين في مسجد الروضة، وأن التنظيم يخشى عواقب إعلان ذلك، حيث أنه وإن أعلن أن هذا الاستهداف جاء و لو بطريق الخطأ فإن عواقب ذلك سيكون خسارته جزء كبير من حاضنته الشعبية المستهدفة في مصر، ايضاً سيعزز ذلك من حدوث انشقاقات قوية داخل التنظيم، و سيؤدى ذلك إلى اتحاد القبائل ضده سعياً للثأر للقتلى، وإن قام بالنفي فإنه سيؤدي إلى فقدان ثقة جنوده بالقيادة وأوامرها وتشككها في أى أوامر أخرى قد تكون خاطئة، وهو ما يضعف منه عسكرياً.

ويعزز فرضية أن هيكل التنظيم الرئيس لايرضى عن هذا الإستهداف أو لم يأمر به بهذا الشكل على الأقل، عدة عوامل أولها أن التنظيم وعبر حوار أمير الحسبة في جريدة النبأ، أظهر معرفته أن اجتماعات الصوفييين تتم ليلة الجمعة والأثنين، إذن فإنه إن أراد استهداف الصوفيين بالقتل فإنه سيهاجم اماكنهم ليلاً وليس وقت صلاة الجمعة، ايضاً أن التنظيم وعبر المجلة أكد أن الأصل هو استتابة الصوفية أولاً وليس قتلهم، للتنظيم حوادث سابقة كان يستطيع قتل فيها مدنيين يعملون في وظائف خدمية في النظام المصري، فعلى سبيل المثال عندما قام بتاريخ 4 يناير 2017، باقتحام جراج الديوان العام لمدينة العريش وقام بحرق سيارات شركة كير سيرفيس، واستولى على سيارتين، لم يقم بإعدام الموظفين والعاملين الذين كانوا بالمكان (65 )، أما بالنسبة للصمت فللتنظيم سوابق في الصمت ومنها حادثة قتله 9 سائقين في نفس الشهر، حيث صمت التنظيم عنها ايضاً وتبنى فقط مقتل المقدم في الجيش المصري كما ذكرنا سابقا.

يدفعنا كل ما سبق إلى وضع سيناريو إفتراضي للحادثة في حالة أن التنظيم هو من فعلها، وهو أنه قد حدثت حالة استدراج لعناصر التنظيم عبر ايصال معلومة عن وجود كمين يعد لهم داخل القرية، مما دفعهم لمهاجمة القرية في ذلك الوقت، وقد يكون مصدر هذه المعلومة أو ما يماثلها اختراق أمني للتنظيم كما تقول بعض المصادر المحلية أنه قد حدث سابقاً عندما قام عضو للتنظيم يحمل اسم “عيد ابو آذان الترباني” بدفع التنظيم بالإشتباك مع بعض ابناء قبيلة الترابين، قبل أن يكتشف التنظيم انه له صلات بالإستخبارات الصهيونية ويقوم بإعدامه، وهذه فرضيه  أولى، و يمكن من خلالها الجمع بين كلا السيناريوهين الثاني و الثالث (الأصابع الأجنبية و تنظيم الدوله).

و في نفس الإطار يمكن تعديل هذه الفرضية بعض الشئ بفرضية أخري هي أن مجموعة من التنظيم قامت بالعملية بشكل غير منضبط، سواء لأنها مكونة أساسا من مقاتلين أجانب غرباء عن المنطقة، أو قد تكون هذه المجموعه مخترقة أو تم استدراجها للقيام بمثل هذه المذابح في إطار دفع أهل سيناء للنزوح خارجها تسهيلا للسيناريوهات المصاحبة لصفقة القرن .

فرضية اخرى، هو محاولة التنظيم تكرار ما فعله في 27 أكتوبر و 3 نوفمبر عندما قام باعتقال مجموعة من المصليين اثناء صلاة الجمعة، لكي يقوم بالتحقيق معهم، ومحاولته تكرار ذلك في قرية الروضة، وقد تكون حدثت مقاومة اثناء اقتحامهم للقرية دفعتهم للتعامل بالقتل ضد كل رجال القرية، ويعزز ذلك أنهم مهيئون نفسياً بفتاوي سابقة أن القرية تتبع للصوفيين وأن الصوفيين مشركين دمائهم حلال (إلا أن تعمد قتل العشرات من الأطفال يقلل من احتمالية هذه الفرضية).

أيا كانت الفرضية الراجحة، يبقى أنه لم يحدث سابقاً أي استهداف للمسلمين في حوادث قتل جماعي كهذه في سيناء (66 )، وفي حالة ثبوت أن التنظيم يقف خلف هذه الحادثة بشكل كامل وليس جزئي، فستكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف مسلمين بالقتل بهذا الشكل الجماعي في سيناء، وهو ما يعنى حالة جديدة من التوحش ضد المدنيين قد تؤدي إلى موجات من الهجرة الجماعية لتلك المنطقة من سكان شمال سيناء، من جهة، ومن جهة أخرى، ستمثل تلك الحوادث نقطة قوة للنظام المصري حيث ستحشد خلفه المجتمع المحلي داخل سيناء ، وبدعم من المجتمع المصري من أجل القضاء على أكبر تمرد مسلح تواجهه الجمهورية المصرية منذ تأسيسها بعد الإنقلاب على الملكية سنة 1952.

ثامناً: استشراف مستقبلي:

تأتى حادثة مسجد الروضة في ظل تنامي الحديث عن ما يسمى صفقة القرن، والكشف عن وثائق سرية بريطانية عن قبول الرئيس السابق مبارك طلب أمريكي سنة 1983، بتوطين الفلسطينيين بمصر بشرط أن يكون ضمن اتفاق عمل لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي (67 )، وهو الأمر الذي لايمكن اتمامه إلا بالإهمال المتعمد لتعمير وتنمية شمال سيناء، وهو الأمر الذي حرص نظام مبارك على فعله، وهو المعنى الذي أكدت عليه  صحيفة “فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ” والتى ذكرت أيضاً إن اهتمام الرئيس السابق دكتور محمد مرسي بتنمية هذه المنطقة كان أحد أسباب الانقلاب عليه من وزير دفاعه آنذاك ورأس النظام الحالي عبد الفتاح السيسي الذي أعاد شمال سيناء لدائرة التهميش مجددا (68 )، وبناء على تلك المعطيات فإنه لا يوجد أى مؤشرات تدل على أن الأوضاع في شبه جزيرة سيناء قد تتجه إلى الهدوء خلال الشهور و السنوات القادمه، وهذا في ظل: رغبة بعض الفاعلين السياسيين في استمرار دائرة التهميش وانتهاك الحقوق الأساسية في اطار يدعم ما يسمى بصفقة القرن، يدعم ذلك غياب الحريات السياسية و عدم وجود دعم شعبي للسياسات الأمنية للدوله، قمع أمني غير مسبوق يولد رغبة مستمرة في الإنتقام، أوضاع اقتصادية متردية، بالإضافة إلى تشارك سيناء مع حدود مشتركة مع قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما يعني تأثرها بالأوضاع في الداخل الفلسطيني بشكل عام ايجابياً وسلبياً، هذا من جهة ومن جهة أخرى يجعلها هدف لكل التنظيمات الجهادية الراغبة في ايجاد موطن قدم لها في أقرب نقطة يمكن منها استهداف نظام الإحتلال الصهيوني.

ونحاول هنا أن نستشرف مآلات الواقع في سيناء خلال السنوات القادمة من خلال عدة سيناريوهات، كالتالي:

1ـ استمرار العمليات المسلحة على نفس الوتيرة:

يتمثل هذا السيناريو في استمرار وتيرة العمليات المسلحة في سيناء على نفس المنوال مع بروز فاعلين جدد في المشهد، فرغم أن تنظيم ولاية سيناء يعاني من فقدانه للكثير من كوادره وقياديه المدربين نتيجة الحملات العسكرية المتتالية بالإضافة إلي الضربات بالطائرات بدون طيار، وانخفاض الدعم المادي واللوجيستي الذي كان يقدم له من التنظيم الأم، إلا انه مازال يستطيع اعادة التكيف والتأقلم وفق المعطيات الجديدة وتوجيه ضربات موجعة ضد قوات الجيش والشرطة المصرية.

و على جانب آخر شهدت الأسابيع الأخيرة عودة أو استدعاء تنظيم جند الإسلام، والذي اعلن عن قيامه باستهداف مجموعة تابعة لتنظيم ولاية سيناء (69 ). وقد قامت قنوات داعمة لتنظيم القاعدة بإعادة نشر بيانات التنظيم والتي تعددت بعد ذلك حول برائته من عملية استهداف السائقين و مجزرة الروضة، كما يتوقع أن تحاول بعض القوى الخارجية مثل إيران وحركات سلفية جهادية في فلسطين ان تجعل الأمور داخل شبه جزيرة سيناء لا تتجه لا إلى الإنفجار و لا للهدوء، فمن جهة إيران فإن هدوء الوضع في سيناء لايصب في صالحها في الوقت الذي يبحث فيه النظام العالمي عن عدو جديد يتم محاربته وإيران مرشحه لهذا بشدة، هذا من جهة ومن جهة أخرى ترى الحركات الجهادية في فلسطين فضلا عن كل القوى الرئيسية فيها أن انفجار الوضع في سيناء قد يصب في صالح ما يسمى بصفقة القرن. أما “إسرائيل” فمن صالحها استمرار الصراع في سيناء، لكي يبقى الاستنزاف المستمر للجيش المصري في هذا الصراع.

أما بالنسبة لتنظيم الدولة فسيناء تمثل له بؤرة صراع هامة يحرص على بقائها وزيادة موطىء قدمه بها بشكل يسمح له بأن يجعلها قاعدة انطلاق لعملياته لداخل مصر ولداخل الأراضي الفلسطينية المحتلة لإحداث حالة زخم تساهم في استمرار انضمام مقاتلين له بعد فشله في سوريا و العراق، أما بالنسبة للنظام المصري فإنه يقوم باستغلال العمليات المسلحة في سيناء في استمرار جلب دعم وتأييد المجتمع الدولي له حيث انه يطرح نفسه كشريك في الحرب على الإرهاب، ايضاً يستغل الأحداث في سيناء كورقة تفاوض مع النظام الصهيوني من اجل مزيد من المكتسبات على الأرض له، ومن أجل استمرار تقديم “إسرائيل” الدعم السياسي له، واثناء ذلك هو يعيد تغيير الخريطة السكانية في شمال سيناء بما يخدم أي مشاريع مستقبلية تصب في صالحه.

2ـ تفجر الأوضاع:

بشكل يزيد كثيرا عن الوضع القائم، وهذا سيناريو مرشح حدوثه في أي وقت نظراً للتقلبات السياسية الحادثة حالياً في النظام الدولي و الإقليمي و حالة السيولة الإقليمية الواضحه، ورغبة لاعبيين اقليميين في حصد مكاسب سريعة، فالنظام الصهيوني يريد الإسراع بإنهاء القضية الفلسطينية، و النظام السعودي يشهد تغيير يطرح فيه ولي العهد محمد بن سلمان نفسه كملك مستقبلي عبر العديد من الأوراق ومنها ملف القضية الفلسطينية واشتراكة في صفقة القرن، والتي ظهر منها حتى الآن معلمين وهما (تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية ليتحول الممر المائي في تلك المنطقة من مياه أقليمية إلى مياه دولية، فضلا عن الموافقة الضمنية السعودية والمصرية بالصمت على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإعلانها عاصمة “لإسرائيل”)، بالإضافة إلى رغبة مصر في انهاء وجود أي حركات مسلحة إسلامية في قطاع غزة، مع رغبة النظام المصري في زيادة تدعيم نظامه سياسياً واقتصادياً.

كما يأتي مشروع نيوم والذي أعلن (70 ) ولي العهد السعودي أنه قد وقع مع رئيس  النظام المصري عبد الفتاح السيسي، اتفاقية بشأن منطقة حرة في شمال سيناء، بهدف  ربط شمال سيناء بمشروع نيوم السعودي، الذي ستتنوع منافذه مابين السعودية ومصر بشكل يخدم مدن دبي، والبحرين، والكويت، ومصر والأردن وكذلك دول البحر الأحمر والكثير من الأماكن في العالم بنفس الطريقة أو بطريقة أخرى. وبرتبط مشروع نيوم بشكل أو بأخر مع المشروعات المتسارعة للإنتهاء من تنفيذ سحارة ترعة السلام تحت قناة السويس بنسبة 100% ( )، والانتهاء من تنفيذ ترعة الشيخ جابر الصباح شرق قناة السويس بطول 86.500 كم والأعمال الصناعية عليها، والانتهاء من تنفيذ 12 من محطات طلمبات الرى والصرف بالمشروع، وايصال مياه النيل إلي شمال سيناء.

يضاف إلى كل هذا على الجانب الأخر رغبة تنظيم الدولة وتنظيمات جهادية أخرى من تعزيز وجودها في شبه جزيرة سيناء للإنطلاق منها لشن عمليات مسلحة سيرتبط جزء منها بالتطوارت الواقعة في المنطقة والمتعلقة بقضية القدس والمسجد الأقصى.

وأخيراً فإن الأوضاع الإقتصادية السيئة التي يمر بها قطاع غزة نتيجة الحصار المستمر منذ فترة طويلة، يزاد عليه محاولة إرغام الشعب الفلسطيني على التنازل عن حقوق طالما اعتبرها خطا أحمر، كل هذه العوامل تجعل المنطقة شديدة الحساسية وقابلة للإنفجار في أى وقت نتيجة اي تصرف مفاجىء خارج السياق، كما قد يجعل عددا من الأطراف تدفع إلى خروج الأوضاع عن السيطرة، ولكن يظل هذا الأمر سلاح ذو حدين حيث ان انفجار الأوضاع قد يؤدي لكارثة للنظام الصهيوني حيث أن أي خطأ  يؤدي إلى فقدان السيطرة على الحركات الجهادية على الأرض سيؤدي  إلى عمليات كثيرة وموجعة ضد قوات الإحتلال الصهيوني، كما قد تشكل تلك العمليات نقطة انفجار للشعوب تؤدي إلى مزيد من العمليات ضد النظام الصهيوني والنظم العربية الداعمة له والتي ستنشغل بطبيعة الحال في الدفاع عن نفسها مما سينعكس سلباً على “إسرائيل”.

3ـ تغير المشهد السياسي:

السيناريو الذي يبدو بعيدا في الوقت الحالي، ولكنه غير مستبعد بالكلية، هو حدوث تغيير جزئي في المشهد السياسي المصري، حيث أن أي تغيير يؤدي إلى اختفاء عبد الفتاح السيسي عن رأس السلطة، مع صعود شخص آخر ولو من داخل المؤسسة العسكرية، سيساهم في خفض حالة الإحتقان الداخلي، خصوصاً إن ترافق هذا مع حالة من العفو العام عن السجناء السياسيين ووقف تنفيذ احكام الإعدام ضد كل المتهمين، مع فتح المجال السياسي حتى لو بشكل مبدئي أمام القوى السياسية المختلفة، هذه المتغيرات إن ترافقت مع تغير في الإستراتيجية العسكرية للجيش المصري في سيناء من “مكافحة الإرهاب” إلى “مكافحة التمرد”، كل هذا سيؤدي تدريجياً إلى ضعف وجود وعمليات التنظيمات المسلحة في سيناء، وسيدفعها إلى حالة من الكمون مخافة القضاء عليها، وانتظار اتاحة فرصة جديدة لإعادة عملها، كما ستقل الحاضنة الشعبية لها، بل حتى المبرر لوجودها مع الوقت.

خاتمة:

مثلت حادثة مجزرة مسجد الروضة منعطفاً خطيراً في المشهد في الجزء الشمالي من شبه جزيرة سيناء، حيث تعد المجزرة هي الأولى من نوعها، من حيث نوعية الضحايا وعددهم وأسلوب التنفيذ، مما يرشح سيناريوهات استمرار مسلسل الدم و عدم الاستقرار في سيناء، سواء على وتيرتها الحالية أو بتصاعدها أن تكون هي الراجحة، إلا إذا حدثت انفراجة سياسية ما في المشهد المصري تعمل على ايجاد العوامل المناسبة للتعامل مع قضية العنف و عدم الاستقرار في سيناء بشكل مناسب.

وإذا كنا نرجح أن مجموعة من تنظيم ولاية سيناء (سواء مع وجود اختراق ما لها من عدمه) هي من يقف خلف الهجوم، فإننا لا يمكننا الجزم بذلك نظراً لعدم وجود أدلة قطعية الثبوت خصوصاً و أن الأجهزة الأمنية والإستخباراتية المصرية لا تسمح بوجود باحثين ميدانيين أو صحفيين مستقلين أو جهات حقوقية على أرض سيناء، بل وكما حدث في مجازر سابقة فإن ما يعلن يأتى كما جاء في بيان المتحدث العسكري بعد حادثة مسجد الروضة بقتل المتورطين في الحادثة والبحث عمن تبقى حياً للقضاء عليه (72 )، أى أنه .. “لا شهود”، ولن يكون هناك تحقيق جاد لمعرفة الحقيقة. وهنا يبقى السؤال المطروح: هل هي مفارقة جاءت بالحادثة بمحض الصدفة أم هو توافق أهداف، بين ما حرص المتحدث العسكري للمؤسسة العسكرية المصرية على التأكيد عليه من القضاء على كل من ارتكب المجزرة، وبين ما صرح به أحد المسلحين في وجه زملائه أثناء ارتكاب المجزرة “ما تترك حد يهرب اقتلوهم كلهم”؟ (73 ).

——————

الهامش

1 – ناجون من «الروضة»: هكذا وقعت المذبحة في 45 دقيقة، مدى مصر، الرابط

2 – وزيرة التضامن الاجتماعي/ غادة والي، قرية الروضة بها 1200 رجل واستشهد منهم 305 بمعدل أكثر من 25%، الوطن، الرابط

3 – 7 معلومات لا تعرفها عن الجريرية الأحمدية، أخبار اليوم، الرابط

4 – ما هى الطريقة الجريرية التى فجر الإرهابيون مسجد الروضة التابع لها بسيناء، اليوم السابع، الرابط

5 – إمام مسجد الروضة يكشف تفاصيل حادث الروضة، قناة ON E ، الرابط

6 – تفاصيل مذبحة مسجد الروضة بالعريش ، على لسان احد الناجين، جريدة البوابة، الرابط

7 – مناظرة بين مشايخ الدعوة السلفية وشيوخ الأزهر- سنة 1983، الرابط

8 – مصادر محلية

9 – بلاغ يتهم “تميم وأردوغان” بالتورط في تفجير “مسجد العريش”، البوابة نيوز، الرابط

10 – خبير يكشف أسباب عملية مسجد الروضة في هذا التوقيت ومن خلفها، Sputnik News ، الرابط

11 – عمرو أديب: يجب إعدام كل متعاطف مع الإرهاب و”الإخوان” لم تدين الحادث، برنامج كل يوم، الرابط

12 – بعد مذبحة المصلين، السيسي فشل في الوفاء بوعوده، النيويورك تايمز، الرابط

13 – أنظر: القوة الغاشمة للسيسي.. ما هي؟، واشنطن بوست، الرابط. وأيضاً: رد القبضة الحديدية على الهجمات الإرهابية غير فعال في مصر على الإطلاق، الجارديان، الرابط

14 – هل تكون مذبحة الروضة نقطة تحول ضد داعش؟، الجارديان، الرابط

15 – المتحدث باسم الخارجية المصرية: تغطية “CNN ” لحادث الروضة “مؤسفة كالعادة”، اليوم السابع، الرابط

16 – “مذبحة المصلين”فشل مصري مذهل يقلق إسرائيل، هارتس، الرابط

17 – 1165 عملية مسلحة منذ الانقلاب بمصر وتولي السيسي الرئاسة، عرب 48، الرابط

18 – بعد مجزرة المسجد، “إسرائيل”  تقف جنبا إلى جنب مع مصر، تايمز أوف اسرائيل، الرابط

19 – استمرار النزيف في الشرق الأوسط دون نهاية في الأفق، يديعوت أحرونوت، الرابط

20 – مصر ـ ينبغي إقرار تحقيق دولي في مذبحة رابعة، HRW ، الرابط

21 – تسريب يوضح كيف يتم قتل المصريين في سيناء بدم بارد بيد الجيش المصري ثم يعلن المتحدث العسكري مقتلهم في اشتباكات، قناة مكملين، الرابط

22 – مصر: مقاطع فيديو تُظهر الجيش ينفذ إعدامات في سيناء، HRW ، الرابط

23 – العملية ” حق الشهيد ” تدخل مراحلها الحاسمة لاقتلاع جذور الإرهاب، وزارة الدفاع المصرية، الرابط

24 – إعدامات جماعية تطال معتقلين لدى الجيش المصري في الكتيبة 101 بسيناء، منظمة سيناء لحقوق الإنسان، الرابط

25 – المشهد السيناوي 25 مايو 2017، المعهد المصري، الرابط

26 – بيان وزارة الداخلية المصرية، الصفحة الراسمية، الرابط

27 – منشور لوالدة أحد القتلى تثبت اختفائه قسرياً على يد قوات الأمن، الفيسبوك، الرابط

28 – المطالبة بفتح تحقيق عاجل في حادثة تصفية مواطنين بشمال سيناء، منظمة العفو الدولية، الرابط

29 – مصر: إعدامات غير قانونية محتملة في سيناء، HRW ، الرابط

30 – أنظر: اعتقال وتصفية أربعة شباب، سيناء24، الرابط. وانظر أيضاً: فيديو للضحايا بعد تصفيتهم، الرابط

31 – مقتل 4 شباب من بدو وسط سيناء برصاص مجهولين، أخبار اليوم، الرابط

32 – تطورات المشهد السيناوي شهر أكتوبر2017، المعهد المصري، الرابط

33 – كلمة عضو تنظيم الدولة أبوهاشم الترباني لقبيلة الترابين بسيناء، الجزيرة نت، الرابط

34 – المشهد السيناوي شهر مايو 2017، المعهد المصري، الرابط

35 – قبائل سيناء تتوعد مرتكبي حادث مسجد الروضة: سنلاحقكم في كل شبر، مصراوي، الرابط

36 – ليلة مصرية حزينة بعد مقتل 16 من خير أجناد الأرض، اليوم السابع، الرابط

37 – الجيش الإسرائيلي يعلن حالة الاستنفار القصوى، العربية نت، الرابط

38 – ليلة مصرية حزينة بعد مقتل 16 من خير أجناد الأرض، اليوم السابع، الرابط

39 – الموساد الاسرائيلي وقتل المصلين في مسجد الروضه في سيناء، الرابط

40 – وكيل المخابرات المصرية الأسبق: فتشوا عن اسرائيل فى دعم الارهابيين في سيناء، الرابط

41 – علشان تعرف إيه اللي بيحصل في سيناء، لازم تعرف إيه خطة إسرائيل المسماه بخطة “جيورا إيلاند”، قناة الناس، الرابط

42 – المذابح الإسرائيلية في فلسطين، موقع الجزيرة، الرابط

43 – 4 تحليلات لمذبحة المسجد الذي قتل فيه اكثر من 300، موقع هارتس، الرابط

44 – وحدة إسرائيلية خاصة ضد “ولاية سيناء”.. ما دور المصريين؟، عربي21، الرابط

45 –  يوجد حوادث سابقة لجيش والشرطة المصرية تم تعمد فيها استهداف دور عبادة، و مدنيين بالقتل، كما حدث في مسجد رابعة العدوية و مسجد الفتح في أغسطس 2013، ولكن كان هذا في إطار تظاهرات واعتصامات يرى النظام فيها تهديد مباشر على وجوده في الحكم.

46 – طفل نجا من “مذبحة الروضة”: “لهجة الإرهابيين مش مصرية وتسابقوا مين يقتل أكتر”، مصراوي، الرابط

47 – هذا بفرض صحة رواية الطفل، وانها ليست ناتجة عن اضطراب سلوكي جعله يتخيل ذها بعد المجزرة.

48 – كيري: هناك تنسيق بين مصر والأردن وإسرائيل بشأن الأوضاع بسيناء وغزة، الشروق، الرابط

49 – إسرائيل غير قلقة من إختراق طائرات حربية مصرية لأجوائها، تايمز أوف إسرائيل، الرابط

50 – صحيفة: مصر والأردن يستعينان بإسرائيل أمنيا وسياسيا، الجزيرة نت، الرابط

51 – وزير الدفاع الإسرائيلي يعلن تنفيذ غارة بطائرة بدون طيار في سيناء، سيناء24، الرابط

52 – سلاح الدفاع الإسرائيلي يقصف بالطائرات بدون طيار الإرهابيين في سيناء، يدعوت أحرنوت، الرابط

53 – تقارير: إسرائيل تبدأ العديد من هجمات الطائرات بدون طيار في سيناء، هآرتس، الرابط

54 – طائرة “اسرائيلية” بدون طيار تنفذ مجزرة بحق مواطنين مدنيين لحظة خروجهم من المسجد بعد صلاة الجمعة، سيناء24، الرابط

55 – ثمانية قتلى في قصف منزل برفح شمال سيناء، الجزيرة نت، الرابط

>56 – فيديو: سيدة من سيناء قتل طفلها الوحيد وتم اتهامه بالارهاب، سيناء24، الرابط

57 – الحفاظ على العلاقات خلف الأبواب الموصدة، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني، الرابط

58 – تطورات المشهد السيناوي شهر أغسطس 2017، المعهد المصري، الرابط

59 – تطورات المشهد السيناوي شهر سبتمبر 2017، المعهد المصري، الرابط

60 – خلافات داخل التنظيم.. البغدادي يأمر باستئصال “الغلاة الحازميين” فمن هم؟، نون بوست، الرابط

61 – تطورات المشهد السيناوي شهر أكتوبر2017، المعهد المصري، الرابط

62 – تطورات المشهد السيناوي شهر سبتمبر 2017، المعهد المصري، الرابط

63 – القائمة الكاملة لأسماء ومحافظات شهداء سيارات المواد البترولية بسيناء، المصري اليوم، الرابط، فيديو

64 – تطورات المشهد السيناوي شهر أغسطس 2017، المعهد المصري، الرابط

65 – سيناء: كمين المطافئ واستمرار نزيف الدماء، المعهد المصري، الرابط

66 – التنظيمات المسلحة في سيناء وإمكانيات التمدد داخلياً، المعهد المصري، الرابط

67 – وثائق سرية بريطانية: مبارك قبل طلب أمريكا توطين فلسطينيين بمصر مقابل إطار لتسوية شاملة للصراع مع إسرائيل، BBC ، الرابط

68 – كاتب ألماني: “صفقة القرن” أساسها دولة فلسطينية بسيناء، الجزيرة نت، الرابط

69 – تبني اتحاد قبائل سيناء نفس العملية قبلهم بتاريخ 12 أكتوبر 2017، وهو ما يثير الريبة حول عودة التنظيم وعلاقته بالأجهزة الأمنية.

70 – بن سلمان يكشف علاقة شمال سيناء بـ«نيوم»: وقعنا اتفاقية مع مصر قبل عام ونصف، المصري اليوم، الرابط

71 – الري: الانتهاء من تنفيذ سحارة ترعة السلام تحت قناة السويس، الشروق، الرابط

72 – بيان عسكري حول استهداف مرتكبي مجزرو مسجد الروضة، الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري للقوات المسلحة، الرابط

73 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close