Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
نحن والعالم

نحن والعالم عدد 11 ديسمبر 2025


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


يقوم هذا التقرير، الصادر عن المعهد المصري للدراسات، على رصد عدد من أبرز التطورات التي شهدتها الساحة الإقليمية والدولية، والتي يمكن أن يكون لها تأثيرات مهمة على المشهد المصري والعربي والإقليمي، في الفترة من  5 ديسمبر 2025 إلى 11 ديسمبر 2025.

من سورية التي احتفلت بذكرى سقوط النظام السابق وسط توترات مع إسرائيل نتيجة هتافات الجنود السوريين لغزة، وتحذيرات أممية من هشاشة عودة اللاجئين، إلى اضطرابات اليمن وتمدد الانتقالي وعودة الاصطفافات الإقليمية، مروراً بتوتّر تايلاند وكمبوديا وتصاعد الانقلابات في أفريقيا ومجزرة الفاشر، يشهد العالم لحظة غليان جيوسياسي غير مسبوقة.

 وفي موازاة ذلك، تتحرك القوى الكبرى لإعادة رسم النظام الدولي بين صعود الصين، وانكفاء الولايات المتحدة، وتوترات أوروبا الصناعية والرقمية. وبين الشرق الأوسط الذي يفتقد تسويات حقيقية، وأفريقيا التي تطالب بالعدالة التاريخية، وتركيا التي توسع نفوذها من الصومال إلى آسيا الوسطى، تبدو خريطة النفوذ العالمي في إعادة تشكّل عميقة.

وفي قلب كل هذه التحولات، تحذّر أوكرانيا من سلام هش قد يشعل حرباً أوسع، فيما تتقاطع الصراعات من الفاشر إلى كييف لتؤكد أن العالم يدخل مرحلة انتقالية تتصارع فيها الهويات، والتحالفات، وموازين القوة.

متابعات عربية

في السودان، تكشف صور الأقمار الصناعية عن أهوال غير مسبوقة في الفاشر، حيث تحوّلت المدينة إلى “مسلخ بشري” مع تقديرات دولية تتحدث عن عشرات الآلاف من القتلى و150 ألف مفقود، بالتزامن مع تمدد عسكري متسارع  لقوات الدعم السريع غرباً وجنوباً في ولايات كردفان الثلاث، مع دخول إثيوبي على الخط بما يهدد بإعادة رسم خريطة الإقليم.

 وعلى الضفة الأخرى من البحر الأحمر، يتغير المشهد اليمني جذرياً مع انسحاب سعودي مفاجئ من عدن، وصعود المجلس الانتقالي نحو السيطرة الكاملة على حضرموت والمهرة، ما يعيد فتح ملف الانفصال بقوة. وفي خضم هذا الاضطراب الإقليمي، يبرز تقارب سعودي–قطري استثنائي بإطلاق مشروع “قطار الرياض–الدوحة السريع”، كأضخم مبادرة ربط في الخليج، ما يعكس توجهاً نحو بناء تكتل اقتصادي متماسك مقابل ساحات صراع تزداد اشتعالاً حوله.

مجزرة الفاشر تتكشف بالأقمار الصناعية: المدينة تحولت إلى “مسلخ بشري” و150 ألفاً في عداد المفقودين

تكشف صور أقمار صناعية جديدة عن أبعاد صادمة للمجزرة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع (RSF) في مدينة الفاشر بشمال دارفور، حيث تحوّلت المدينة، وفق محللين، إلى “مسرح جريمة هائل” بعد ستة أسابيع من سقوطها بيد الميليشيا. وتُظهر الصور تجمعات ضخمة من الجثث في عشرات المواقع، بانتظار دفنها في مقابر جماعية أو حرقها في حفر أُعدّت خصيصاً لطمس الأدلة.

وتُعد الفاشر – آخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم – من أكثر المدن تضرراً منذ بدء الحرب في أبريل/نيسان 2023. وقد أبلغ باحثون بريطانيون أعضاءً في البرلمان أن “الحد الأدنى للتقديرات” يشير إلى مقتل 60 ألف شخص خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من سيطرة الدعم السريع، فيما لا يزال نحو 150 ألفاً من السكان مفقودين، دون مؤشرات على أنهم غادروا المدينة.

صور الأقمار الصناعية التي حللتها مختبرات جامعة ييل للأبحاث الإنسانية أظهرت أسواقاً خالية، شوارع مهجورة، وحظائر مواشٍ أُفرغت بالكامل، ما دفع مدير المختبر ناثانيال رايموند إلى القول: “الفاشر بدأت تشبه مسلخاً عملاقاً”.

وتتناقض هذه الحقائق مع تعهدات قوات الدعم السريع بالسماح للأمم المتحدة بالوصول إلى المدينة. فحتى الآن، ما تزال الفاشر مغلقة أمام المنظمات الإنسانية ومحققي جرائم الحرب، بينما تنتظر قوافل الإغاثة في بلدات مجاورة الحصول على ضمانات أمنية لم تُمنح بعد.

ومع وصول التقارير الأولى من ناجين إلى العالم الخارجي، ظهرت شهادات عن إعدامات ميدانية واحتجاز مجموعات صغيرة من السكان في مراكز اعتقال داخل المدينة، دون معلومات عن مصير الغالبية الساحقة.

الخبراء يؤكدون أن ما حدث في الفاشر قد يكون أسوأ جريمة حرب في النزاع السوداني الذي خلّف حتى الآن أكثر من 400 ألف قتيل وقرابة 13 مليون نازح، في ما وصفته الأمم المتحدة بأنه “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”.

كما أعاد تقرير جديد لمنظمة العفو الدولية تسليط الضوء على هجوم سابق للدعم السريع على مخيم زمزم للنزوح، تخللته عمليات قتل للمدنيين وخطف وتدمير واسع للبنية التحتية، في وقائع ترقى إلى جرائم حرب تستوجب تحقيقاً دولياً عاجلاً.

اشتداد المعارك في السودان… وتوسّع رقعة سيطرة الدعم السريع غرباً وجنوباً وسط مخاوف من انعكاسات إقليمية

تتواصل المواجهات العسكرية في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، في وقت شهدت فيه جبهات القتال خلال الأيام الماضية تغيّرات ميدانية لافتة، أبرزها تقدّم الدعم السريع في ولايتي غرب وجنوب كردفان. وقد أعلنت القوات سيطرتها على مدينة بابنوسة ومقر الفرقة 22 التابعة للجيش بعد معارك استمرت أسابيع، قبل أن تمتد العمليات نحو الجنوب لتصل إلى أطراف مدينة هجليج النفطية الاستراتيجية، التي تقول قوات الدعم السريع إنها بسطت نفوذها عليها، بما يشمل الحقول النفطية ومقر اللواء 90.

ويمثل سقوط هجليج، في حال تثبّت السيطرة عليه، تحولاً مهماً في مسار الصراع، بالنظر إلى قيمتها الاقتصادية ودورها في خطوط نقل النفط من جنوب السودان إلى موانئ التصدير. وتقدّر مصادر ميدانية أن هذا التطور سيُضعف إيرادات الحكومة السودانية ويمنح الدعم السريع ورقة ضغط إضافية في ميزان القوة.

ويتزامن هذا مع تزايد المؤشرات على تصاعد المعارك في عمق ولايات كردفان الثلاث، حيث تستعد قوات الدعم السريع، بالتنسيق مع قوات الحركة الشعبية–شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، لعمليات محتملة باتجاه كادوقلي والدلنج في جنوب كردفان، وهما مدينتان تحتضنان مقرّات عسكرية رئيسية للجيش، بينها الفرقة 14 واللواء 54. ويخشى مراقبون من أن يؤدي سقوطهما إلى إعادة رسم خريطة السيطرة في كامل الإقليم، وربما فتح الطريق نحو الأبيض، عاصمة شمال كردفان، ما سيمنح الدعم السريع نفوذاً واسعاً يمتد حتى حدود ولايات النيل الأبيض.

وفي موازاة التطورات الميدانية، برزت تقارير تتحدث عن تعقّد المشهد الإقليمي المحيط بالسودان، مع إشارات إلى دور إثيوبي متزايد في مناطق النيل الأزرق ودعم عسكري لقوات متحالفة مع الدعم السريع، إلى جانب اتهامات بتدخلات إماراتية  متنامية في السودان واليمن والقرن الإفريقي. ويخشى خبراء من أن يؤدي اتساع نطاق التداخلات الإقليمية إلى تحويل الحرب السودانية من صراع داخلي إلى ساحة نفوذ متشابكة، قد تطال تأثيراتها أمن البحر الأحمر، واستقرار الجنوب السوداني، وتوازنات المياه بين مصر وإثيوبيا.

وبينما يستمر القتال في ولايات كردفان، يرى محللون أن الصراع يتجه إلى مرحلة أكثر حساسية، مع احتمالات تصعيد عسكري واسع قد يمدّد أمد الحرب، ويعيد رسم الخريطة السياسية والأمنية في المنطقة، وسط غياب مؤشرات على تسوية قريبة أو حوار شامل بين الأطراف المتنازعة. (شاهد) (شاهد)

انسحاب سعودي مفاجئ من قصر عدن… والمجلس الانتقالي يتحرك للسيطرة على حضرموت وإعلان “دولة الجنوب”

بعد يومين فقط من سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على حقول النفط في حضرموت، كشف مصدر حكومي يمني لـ “د ب أ” أن السعودية سحبت قواتها بشكل كامل من قصر معاشيق الرئاسي في عدن وعدد من المواقع الأخرى جنوبي اليمن، في خطوة مفاجئة تُنهي وجوداً أمنياً استمر لسنوات داخل العاصمة المؤقتة.

وبحسب المصدر، فإن الرياض “لم تعد ترى ضرورة للوجود العسكري المباشر”، خصوصاً بعد استكمال تدريب وتسليح قوات يمنية محلية أبرزها “قوات درع الوطن”، التي انتشرت خلال الأيام الماضية في مواقع استراتيجية بالمهرة وحضرموت، وتخضع لقيادة رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي.

الانتقالي يصعّد: اعتصام مفتوح في حضرموت للمطالبة بالانفصال

وفي تطور موازٍ، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي عن إطلاق اعتصام مفتوح في مدينة سيئون بدءاً من فجر الأحد، للمطالبة بـ”إعلان دولة الجنوب العربي”. وقال محمد عبد الملك الزبيدي، رئيس فرع الانتقالي في وادي حضرموت، إن الاعتصام يستهدف “احترام إرادة شعب الجنوب” من قبل السعودية، ودول التحالف، والمجتمع الدولي.

كما أعلن المجلس عن اعتصام متزامن في المُكَلّا، داعياً أنصاره للمشاركة في “تحرك سيبقى مستمراً حتى تحقيق مطالب الاستقلال”.

سيطرة على حقول النفط… وترسيخ النفوذ في أكبر محافظات اليمن

وتأتي هذه التحركات بعد إعلان النخبة الحضرمية – الموالية للانتقالي – سيطرتها على حقول النفط في هضبة حضرموت، إثر خلافات داخل قوات حماية حضرموت التابعة لحلف قبائل المحافظة، والتي كانت قد استولت على الحقول قبل أسبوع.

بهذه السيطرة يصبح المجلس الانتقالي على مشارف بسط نفوذ كامل على حضرموت، المحافظة الأكبر مساحة في اليمن والعمق الجغرافي والاقتصادي الأهم في الجنوب.

مشهد جديد يتشكل

يرى مراقبون أن انسحاب السعودية، تزامناً مع تصعيد الانتقالي، قد يعكس إعادة تموضع إقليمي أو محاولة لنقل العبء الأمني إلى قوات يمنية محلية. ومع استمرار توسع الانتقالي ميدانياً وسياسياً، يقترب الجنوب من مرحلة حاسمة قد تعيد فتح ملف الانفصال بقوة غير مسبوقة منذ 2015.

الانتقالي الجنوبي: حضور كامل في محافظات الجنوب… ومعادلة نفوذ جديدة تتشكل في اليمن

أكد عمرو البيض، المسؤول البارز في المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني، أنّ المجلس بات موجوداً في جميع محافظات جنوب اليمن، بما في ذلك العاصمة المؤقتة عدن، في تصريح يعكس حجم التحولات السياسية والعسكرية التي شهدتها المنطقة خلال الأيام الماضية.

وأوضح البيض، وفقاً لوكالة رويترز، أنّ أعضاء الحكومة المعترف بها دولياً غادروا عدن دون أي مطالبة من المجلس، في مؤشر على تغيّر موازين السلطة داخل المدينة التي كانت مركزاً رئيسياً لعمل الحكومة اليمنية خلال سنوات الحرب.

حضرموت… نقطة التحول الكبرى

وجاء هذا التصعيد السياسي بعد أيام قليلة من عملية ميدانية أطلق عليها اسم “المستقبل الواعد”، تمكنت خلالها القوات الجنوبية من بسط سيطرتها على معسكرات المنطقة العسكرية الأولى في وادي وصحراء حضرموت وتمديد نفوذها باتجاه محافظة المهرة. وتم لاحقاً تسليم تلك المواقع إلى قوات درع الوطن الموالية للحكومة، والمدعومة من السعودية.

يعتبر المجلس الانتقالي هذه التحركات معالجة جذرية لاختلالات أمنية وعسكرية استمرت لعقود. وقال المتحدث باسم المجلس أنور التميمي إن القوات التي كانت تسيطر على شمال حضرموت والمهرة “مرتبطة بالأفغان العرب ومحسوبة على الإخوان المسلمين”، معتبراً أنها حولت المنطقة إلى ممرات لتهريب السلاح والمخدرات للحوثيين، فضلاً عن كونها بؤراً لتأجيج التمرد.

معادلة نفوذ جديدة في جنوب اليمن

تشكّل هذه التطورات مرحلة مفصلية في إعادة رسم خارطة النفوذ جنوب اليمن. فسيطرة الانتقالي الجنوبي على معظم المحافظات الجنوبية، وتراجع الحكومة خارج عدن، يعكسان انتقال الجنوب إلى مرحلة سياسية أكثر وضوحاً في تموضع القوى.

كما تمثل هذه التحولات تحدياً جديداً للجهود الإقليمية والدولية الساعية لدعم مسار التسوية الشاملة في البلاد، خصوصاً مع استمرار النفوذ الحوثي في الشمال وتفاقم الانقسام بين المكونات اليمنية.

وبينما يرفع الانتقالي سقف حضوره السياسي والعسكري، تتجه الأنظار إلى ما إذا كانت هذه المرحلة ستؤسس لتفاهمات جديدة داخل الجنوب… أم إلى مزيد من التعقيد في المشهد اليمني المتشابك.

السعودية وقطر تطلقان أضخم مشروع ربط إقليمي… “قطار الرياض–الدوحة السريع” يدخل مرحلة التنفيذ

شهدت الرياض توقيع اتفاقية تنفيذ مشروع قطار السعودية/قطر السريع بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في خطوة تُعد نقلة استراتيجية في مسار التعاون الخليجي، وتعكس مستوى غير مسبوق من الشراكة الاقتصادية والتنموية بين البلدين.

وجرى توقيع الاتفاقية خلال أعمال المجلس التنسيقي السعودي–القطري بين وزير النقل السعودي صالح الجاسر ونظيره القطري محمد بن عبدالله آل ثاني، في لحظة وصفها مراقبون بأنها تؤسس لمرحلة “تكامل إقليمي جديد” يرتكز على البنية التحتية الذكية.

مشروع عملاق بطول 785 كم… وساعتان فقط بين الرياض والدوحة

يمتد القطار الكهربائي فائق السرعة لمسافة 785 كيلومتراً، رابطاً الرياض بالدوحة عبر محطات رئيسية تشمل الهفوف والدمام، إضافة إلى الربط المباشر بين مطار الملك سلمان الدولي ومطار حمد الدولي، ليشكل أول ممر حديدي سريع يعزز الحركة بين العاصمتين.

وتتجاوز سرعة القطار 300 كم/ساعة، ما يقلّص زمن الرحلة إلى نحو ساعتين فقط، ليصبح الممر الأسرع في تاريخ التنقل الخليجي الحديث، ويدعم السياحة، وتنقل رجال الأعمال، والتكامل التجاري بين البلدين.

فوائد اقتصادية كبرى… و10 ملايين راكب سنوياً

من المتوقع أن يخدم القطار أكثر من 10 ملايين مسافر سنوياً، مع توفير 30 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة، إلى جانب دعم قطاعي اللوجستيات والسياحة بشكل كبير. وتشير التقديرات الرسمية إلى أن المشروع سيحقق أثراً اقتصادياً يتجاوز 115 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي للبلدين بعد اكتماله.

يرسخ المشروع أيضاً توجهات الاستدامة البيئية عبر تقليل الانبعاثات الكربونية وتبنّي أحدث تقنيات السكك الحديدية والهندسة الذكية، ضمن رؤية مشتركة لنقل أكثر كفاءة وابتكاراً.

انطلاقة نحو شبكة خليجية متكاملة

يمثل القطار السريع حجر أساس في مشروع أكبر يهدف لربط دول مجلس التعاون عبر شبكة سكك حديد موحدة، بما يعزز التكامل الاقتصادي ويحوّل المنطقة إلى مركز تنقل متطور وعالي الكفاءة.

ويُنتظر اكتمال المشروع خلال ست سنوات، ليصبح أحد أهم المشاريع الاستراتيجية التي تعكس عمق العلاقات السعودية–القطرية وتطلعاتهما نحو مستقبل اقتصادي مترابط وأكثر ازدهاراً.

سورية

تتوحّد سورية هذا الأسبوع على وقع احتفالات غير مسبوقة بذكرى سقوط نظام الأسد، حيث امتلأت الساحات من دمشق إلى حلب بهتافات النصر، فيما حاولت القيادة الجديدة ترسيخ خطاب “القطيعة التاريخية” وبناء دولة ما بعد الاستبداد.

 لكن مشاهد الجنود السوريين وهم يهتفون لغزة، مع عروض عسكرية حاشدة ومنضبطة، أثارت قلقاً إسرائيلياً، أدى إلى اجتماعات أمنية عاجلة واحتمال تقديم احتجاج رسمي لدمشق، في مؤشر على أن الاحتفال السوري الداخلي يحمل انعكاسات إقليمية حساسة.

 وفي الخلفية، حذّرت الأمم المتحدة من أن نقص التمويل يهدّد عودة ملايين اللاجئين ويعرقل إزالة الألغام وإعادة تشغيل المستشفيات، ما يُظهر هشاشة التعافي وسط احتفالات التحرير. وبين نشوة النصر  وتحديات الواقع، تبدو سورية واقفة عند مفترق حاسم بين ترسيخ الاستقرار أو مواجهة موجة جديدة من الضغوط الإنسانية والسياسية.

سورية تتوحّد في الذكرى الأولى لسقوط الأسد… احتفالات غير مسبوقة تعمّ البلاد وعرض عسكري كبير

شهدت المدن السورية، وفي مقدمتها دمشق وحلب وحمص واللاذقية وحماة، احتفالات واسعة في الذكرى الأولى لسقوط نظام بشار الأسد، في حدث أطلق عليه المواطنون اسم “ذكرى النصر والتحرير”. مشاهد الفرح الجماعي، التي امتدّت لأيام، عكست لحظة نادرة من الوحدة الوطنية بعد أكثر من خمسة عقود من الحكم الأمني والانقسام السياسي.

في العاصمة دمشق، احتشد مئات الآلاف في ساحة الأمويين وعلى الطرقات المؤدية إلى موقع العرض العسكري المركزي. استعرض الجيش السوري الجديد وحداته وصواريخه المحمولة على الأكتاف، بينما حلق المظليون فوق الحشود، يظهر خلفهم جبل قاسيون في صورة بدت لكثيرين رمزاً لتحوّل تاريخي في البلاد. ورفع المواطنون الأعلام ورددوا هتافات “الحرية والنصر”، وسط أجواء غلب عليها الشعور بالانعتاق من إرث النظام السابق.

الرئيس أحمد الشرع شارك في الفعاليات الرسمية، بدءاً من صلاة الفجر في الجامع الأموي، في رسالة سياسية تهدف إلى تأكيد وحدة الدولة والمجتمع في مرحلة ما بعد التحرير. وفي تصريحاته، شدّد الشرع على أن العام الأول كان “عام الاستماع للمواطنين وتهيئة الأرض لإعادة البناء”، متعهداً باستمرار مسار المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار.

وقال الشرع إنه تم “وضع رؤية واضحة لسورية كدولة قوية تنتمي لماضيها التليد ومستقبلها الواعد”، مشددا على التزامه بالعدالة الانتقالية.

وأضاف -في خطاب بمناسبة الذكرى الأولى لسقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد– إن “حقبة النظام البائد كانت صفحة سوداء في تاريخنا”، مشيراً إلى أن السوريين فقدوا الشام -درة الشرق- لأكثر من 5 عقود، من قِبل من حاول سلخها عن عمقها التاريخي.

وفي حين بارك الشرع للسوريين جميعاً “ذكرى التحرير من الطغيان والاستبداد وعودة الوطن إلى أهله شامخا حراً عزيزاً”، فقد أعلن عن “قطيعة تاريخية مع موروث النظام البائد ومفارقة دائمة لحقبة الاستبداد إلى فجر جديد قوامه العدل والإحسان والمواطنة والعيش المشترك”.

وأشار الرئيس السوري إلى أن النظام المخلوع عمد إلى زرع الفتنة والتفرقة بين أبناء الشعب السوري، وصنع حاجزاً بين السلطة والشعب.

واتهم الشرع النظام السابق بالإمعان في إفقار الشعب وتجهيله وحرمانه من حقوقه، “حتى باتت الكلمة جريمة والإبداع وصمة عار وحب الوطن تهمة وخيانة”، مشيرا إلى أن “عقد المواطنة تحول إلى صك عبودية” على يد هذا النظام.

وتابع الشرع أن حكومته تخطو خطوات لبناء سورية جديدة، لافتا إلى أن “نهاية معركتنا مع النظام البائد هي بداية لمعركة الجد والاجتهاد”.

وشدد -في هذا الإطار- على التزامه بالعدالة الانتقالية لضمان محاسبة كل من انتهك القانون وارتكب جرائم بحق الشعب السوري مع الحفاظ على حقوق الضحايا وإحقاق العدالة.

وأكد الشرع على أنه تم دمج القوى العسكرية المختلفة في جيش موحد ما أسهم بتحقيق الأمن والاستقرار.

وقال الرئيس السوري: استقبلنا الوفود وزرنا البلدان وأسهمت الدبلوماسية السورية في تغيير جذري لصورة وطننا في الخارج وجعله شريكا موثوقا لدول المنطقة والعالم.

وختم بالإشارة إلى عقد شراكات إستراتيجية في مجالات عدة بينها الطاقة لتعزيز التعافي الاقتصادي.

إسرائيل تبحث تداعيات هتافات الجنود السوريين لغزة: اجتماعات أمنية وتوجه لاحتجاج رسمي

كشفت إذاعة جيش الاحتلال، أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عقدت خلال الساعات الأخيرة سلسلة اجتماعات مكثفة بعد انتشار مقاطع مصوّرة تُظهر جنوداً من الجيش السوري الجديد وهم يهتفون لغزة ويصفون إسرائيل بـ “العدو”، وذلك خلال الاحتفالات الواسعة في سوريا بذكرى سقوط نظام الأسد.

مشاهد لافتة في الاحتفالات السورية

وبحسب الإذاعة، فقد رصدت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عروضاً عسكرية أقيمت في مدن سورية متعددة، ظهر فيها الجنود وهم يرددون شعارات من قبيل:

  • غزة، غزة، شعار النصر والصمود
  • ويا غزة نحنا معاكِ للموت
  • طالعلك يا عدو طالع

وتعتبر تل أبيب أنّ هذه الهتافات تتجاوز إطار الاحتفال الداخلي، وتحمل رسائل عدائية مباشرة في توقيت حساس إقليمياً.

اجتماعات أمنية وقرارات قيد الدراسة

وخلال الـ 24 ساعة الماضية، ناقش كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أهمية ودلالات هذه التسجيلات. وبحسب التقديرات التي نقلتها الإذاعة، تستعد إسرائيل لاتخاذ خطوات رسمية، من بينها:

  • إرسال احتجاج دبلوماسي إلى دمشق
  • مطالبة الحكومة السورية بإدانة الهتافات التي وردت في المقاطع
  • بحث ما إذا كانت هذه الشعارات تعبّر عن توجه رسمي أم مبادرات فردية من وحدات عسكرية.

تصنيف أمني لطبيعة النظام الجديد

ونقلت إذاعة الجيش عن مسؤولين أمنيين قولهم إنّ التعامل مع النظام السوري يتم وفق مبدأ الحذر والريبة، وأن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تنظر إلى طبيعة النظام على أنها “جهادية متطرفة”، مشيرين إلى أن أي تطور في سلوك الجيش السوري الجديد يُتابَع بدقة.

دلالات سياسية وعسكرية

وتقول مصادر إسرائيلية إن هذه المشاهد تمثل سياقاً مقلقاً لتل أبيب، خصوصاً في ظل صعود قيادة سورية جديدة وهتافاتها المؤيدة لغزة، في وقت تبحث فيه إسرائيل عن تثبيت معادلات ردع عبر الحدود الشمالية.

الأمم المتحدة تحذّر من أن نقص التمويل يهدّد مسار عودة اللاجئين السوريين

حذّرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن التراجع الحاد في التمويل الدولي قد يعرّض الاستقرار الهش في سورية للخطر، ويثني ملايين اللاجئين عن العودة إلى مدنهم وقراهم بعد عام على سقوط نظام بشار الأسد. وأكدت المفوضية أن أكثر من 3 ملايين سوري عادوا بالفعل منذ ديسمبر/كانون الأول 2024، بينهم 1.2 مليون لاجئ عبر الحدود و1.9 مليون نازح داخلياً، إلا أن خمسة ملايين لا يزالون في الخارج يواجهون مصيراً غامضاً.

المفوض السامي فيليبو غراندي تساءل عمّا إذا كان المجتمع الدولي مستعداً لدعم العودة الطوعية وإعادة الإعمار، محذّراً من أن غياب التمويل الكافي قد يدفع بعض العائدين إلى التراجع والعودة مجدداً إلى دول الجوار. وأشار إلى أن معظم اللاجئين موجودون في الأردن ولبنان وتركيا، ولا تزال احتياجاتهم الأساسية غير مغطاة في ظل الضغوط الاقتصادية على تلك الدول.

بيانات الأمم المتحدة تكشف عن تمويل لا يتجاوز 29% من خطة الاستجابة الإنسانية البالغة 3.19 مليارات دولار لعام 2025، في وقت تخفض فيه الولايات المتحدة ودول مانحة أخرى مساعداتها الخارجية. ويقول مسؤولون إن انتهاء الحرب جعل سورية “تخرج من إطار الطوارئ”، مما قلّل من أولوياتها على جداول المانحين رغم استمرار الاحتياجات الإنسانية الضخمة.

وتبرز جهود إزالة الألغام والذخائر غير المنفجرة كعقبة رئيسية أمام عودة اللاجئين. فبحسب منظمة “الإنسانية والإدماج”، لم يتجاوز التمويل المتاح لهذه الجهود 13% من حجمها المطلوب، في حين تسببّت الألغام منذ سقوط النظام في أكثر من 1500 إصابة وقتيل. وتعمل فرق الهندسة العسكرية بإمكانات بدائية، وقد فقدت بالفعل عدداً من أعضائها أثناء تطهير مناطق واسعة في إدلب وحلب وحماة.

كما حذّرت منظمة الصحة العالمية من فجوة خطيرة في القطاع الصحي، إذ يعمل 58% فقط من المستشفيات بكامل طاقتها، بينما يعاني بعضها من انقطاع الكهرباء الذي يهدّد سلامة اللقاحات وسلاسل التبريد.

ويؤكد مسؤولو الإغاثة أن نقص التمويل يعيق التعافي ويهدد الاستقرار الاجتماعي، ويضع مستقبل ملايين السوريين—العائدين والمقيمين—على المحك في مرحلة ما بعد الحرب.

أمريكا

في انعطافة حادّة تعيد رسم دور الولايات المتحدة عالمياً، تكشف استراتيجية الأمن القومي الجديدة للرئيس ترامب عن انتقال واشنطن من دور “الشرطي الدولي” إلى قوة إقليمية تركّز على الجوار، وتُعمّق القطيعة مع أوروبا والشرق الأوسط.

 وبينما تشن الإدارة أعنف انتقاد للاتحاد الأوروبي وتحذّر من “محو حضاري”، تتبدّد في الوقت نفسه نافذة التغيير في الشرق الأوسط نتيجة التردد والبطء الأميركي في استثمار لحظة ما بعد الحروب. وفي عالم يموج بالتحولات، تبدو الولايات المتحدة بصدد إعادة تعريف أمنها… لكن بثمنٍ قد تدفعه مناطق كانت تعتمد عليها لعقود.

الاستراتيجية الأمنية الأمريكية الجديدة — تحوّل جذري يعيد رسم خريطة أولويات واشنطن

في خطوة تُعدّ إحدى أكثر التحولات وضوحاً في السياسة الأمريكية خلال العقدين الأخيرين، أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب عن استراتيجية أمن قومي جديدة تركّز على إعادة توجيه القوة الأمريكية نحو النصف الغربي من العالم، مع تقليص الدور التقليدي لأوروبا والشرق الأوسط، ورفع الأهمية الاستراتيجية لتأمين الحدود، وقف الهجرة، وصون التفوق الاقتصادي والعسكري الأمريكي.

يأتي هذا التحوّل بعد سنوات من عقيدة أمن قومي ركزت على “المنافسة الكبرى” مع الصين وروسيا، ليطرح ترامب رؤية مختلفة جذرياً؛ رؤية تعيد تعريف معنى “الأمن” من منظور داخلي وإقليمي، أكثر منه منظوراً عالمياً توسعياً.

أولاً: أوروبا لم تعد في مركز الحسابات — نقد حاد للسياسات الأوروبية وتوسّع الناتو

على خلاف استراتيجيات الإدارات السابقة، يشنّ ترامب هجوماً مباشراً على السلوك السياسي للاتحاد الأوروبي، متهماً إياه بالانفصال عن القيم الديمقراطية عبر:

  • سياسات بيئية يعتبرها “مبالغاً فيها”
  • قيود على حرية التعبير
  • فرض أعباء تنظيمية تخنق الاقتصاد
  • إدارة سياسات هجرة تغير “الطابع الحضاري” للقارة.

وترى الوثيقة أن أوروبا تعاني من تآكل اقتصادي وحضاري، متحدثة عن “إمكانية محو حضاري” إذا استمرت القارة في مسارها الحالي.

كما تعتبر واشنطن أن توسع الناتو خلق تصوراً خاطئاً بأن عضويته مفتوحة بلا حدود، مطالبة بـ:

“إنهاء الانطباع، ومنع الواقع، بأن الناتو تحالف قابل للتوسع الدائم.”

هذه الصيغة تُعدّ رسالة واضحة إلى أوكرانيا وجورجيا، إضافة إلى إشارة ضمنية إلى رغبة الإدارة في تجنّب مواجهة مباشرة مع روسيا.

ثانياً: إحياء مبدأ مونرو — التركيز الأكبر على الأميركيتين

تُعيد الاستراتيجية تشكيل سياسة الولايات المتحدة على أساس إحياء مبدأ مونرو (1823)، الذي يرفض تدخل القوى الخارجية في القارة الأميركية.
لكن النسخة الترامبية منه تتجاوز مجرد الرفض، لتشمل:

  • منع الهجرة غير الشرعية بكل الوسائل المتاحة، ويشمل ذلك إعادة توزيع الوجود العسكري وتركيزه على مراقبة المسارات البحرية والبرية.
  • محاربة الجريمة والتهريب العابر للحدود، بما في ذلك استهداف ما تقول واشنطن إنها سفن تهريب المخدرات قبالة فنزويلا وكولومبيا.
  • منع أي نفوذ أجنبي في البنية التحتية الحيوية، خاصة النفوذ الصيني والروسي في أميركا اللاتينية.
  • تحويل الاهتمام العسكري والمالي نحو نصف الكرة الغربي، على حساب شرق أوروبا والشرق الأوسط.

هذا التوجه يمثل انقلاباً على عقود من الهيمنة الأمريكية المعولمة، والعودة إلى صيغة تقول إن “الأمن يبدأ من الجوار”.

ثالثاً: الشرق الأوسط — نهاية مرحلة “العبء المستمر”

تعلن الوثيقة بوضوح أن الشرق الأوسط لم يعد محور السياسة الأمريكية، ليس لأنه فقد أهميته، بل لأنه — بحسب ترامب — لم يعد “مصدراً دائماً للخطر”.
وتدعو واشنطن إلى:

  • إنهاء سياسة “فرض الديمقراطية”
  • قبول الأنظمة كما هي
  • دعم الإصلاح عندما يحدث “عضوياً”
  • الحفاظ على شراكات أمنية واقتصادية دون تدخل مباشر.

وترفض الوثيقة فرض “نموذج ديمقراطي أمريكي” على الدول، معتبرة ذلك عبئاً أيديولوجياً ضاراً.

هذه المقاربة تختلف تماماً عن حقبة بوش وأوباما، وحتى بايدن، وهي تقترب من سياسة “اللا-تدخل البراغماتي”.

رابعاً: الصين وتايوان — تقليل الاعتماد، وزيادة ردع بكين

رغم تقليل الدور العالمي، تبقي الاستراتيجية على تايوان أولوية، مؤكدة:

  • ضرورة منع أي محاولة لتغيير الوضع بالقوة
  • أهمية الحفاظ على التفوق العسكري الأمريكي
  • مطالبة الحلفاء في آسيا (اليابان، كوريا الجنوبية) بتحمل مسؤولية أمنية أكبر.

وفيما يتعلق بالصين، تطالب واشنطن شركاءها التجاريين بإجراءات لإعادة موازنة الاقتصاد الصيني وتقليل فائض إنتاجه العالمي.

خامساً: الاقتصاد كمحور رئيسي للأمن القومي

تتبنى الإدارة مفهوماً جديداً للأمن القومي قائماً على:

  • إعادة التصنيع داخل الولايات المتحدة
  • تقليل الاعتماد على سلاسل توريد أجنبية
  • دعم القاعدة الصناعية الدفاعية
  • الحفاظ على التفوق في التكنولوجيا والموارد الحيوية.

سادساً: التناقضات الداخلية — “استراتيجية غير منسجمة مع سلوك الرئيس”

يشير محللون في مجلس العلاقات الخارجية (CFR) إلى أن الوثيقة تحتوي تناقضات جوهرية، خصوصاً:

  • كيف يجتمع “اللا-تدخل” مع إعادة إحياء مبدأ مونرو؟
  • كيف تدعو واشنطن لعدم فرض قيم سياسية بينما تطالب أوروبا بتغيير سياساتها الداخلية؟
  • لماذا نُشرت الاستراتيجية ليلاً دون خطاب رسمي أو حملة تواصلية؟

وتقول الباحثة ريبيكا لسنر:

“لا يمكن لأي وثيقة مكتوبة أن تضبط أو توجه سياسة ترامب الخارجية — فهي بطبيعتها اندفاعية وانتهازية.”

إعادة صياغة دور أمريكا في العالم

تكشف استراتيجية الأمن القومي الجديدة عن تحول عميق في نظرة الولايات المتحدة لدورها العالمي:

  • من “الشرطي الدولي” إلى “قائد إقليمي مدعوم بالهيمنة الاقتصادية”
  • من الانخراط العالمي إلى تعزيز القلاع الداخلية
  • من الدفاع عن الديمقراطية إلى البراغماتية الصارمة.

الشرق الأوسط بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية

أما بالنسبة للشرق الأوسط، فقد يشهد تحوّلاً لافتاً في طبيعة الأعباء ودور المنطقة في الاستراتيجية الأمريكية. فمع تراجع أهمية النفط كمحرّك رئيسي للسياسات الدولية وتحوّل الولايات المتحدة إلى مُصدّر للطاقة، إلى جانب إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، باتت دوافع التركيز التقليدية أقل حضوراً.

ورغم استمرار الصراعات، يشير المشهد الراهن إلى مستوى أدنى من التهديدات مقارنة بما تعكسه العناوين، إذ أضعفت الضربات الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023 والعملية الأمريكية “مطرقة منتصف الليل” في يونيو 2025 قدرات إيران، فيما أسهم وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن في تخفيف حدّة التعقيد في الملف الإسرائيلي–الفلسطيني.

وعلى جبهة أخرى، لا تزال سوريا نقطة توتر محتملة، لكن الدعم الأمريكي–العربي–الإسرائيلي–التركي قد يفتح الباب أمام استقرارها وإعادة دمجها في النظام الإقليمي. في الوقت نفسه، تتجه واشنطن إلى مقاربة مختلفة تقوم على الاستثمار والتعاون في مجالات تتجاوز الطاقة التقليدية، مثل الذكاء الاصطناعي والتقنيات الدفاعية والطاقة النووية، مع تعزيز سلاسل التوريد وتوسيع الأسواق في الشرق الأوسط وإفريقيا.

 وبينما يواصل شركاء المنطقة جهودهم في مكافحة التطرف، تؤكد المقاربة الأمريكية الجديدة ضرورة احترام خصوصيات الأنظمة المحلية وتشجيع الإصلاح التدريجي بدلاً من فرض نماذج جاهزة من الخارج.

ورغم تقلص مركزية الشرق الأوسط في التخطيط الأمريكي طويل الأمد، تبقى مصالح حيوية مثل أمن الملاحة في مضيق هرمز والبحر الأحمر، وحماية إمدادات الطاقة، ومنع استخدام المنطقة منطلقاً لتهديد المصالح الأمريكية، وضمان أمن إسرائيل، ما قد يستوجب تدخلاً مباشراً عسكرياً أمريكياً إذا هددت قوى معادية للولايات المتحدة تلك  المصالح الحيوية.

وتجمع الإدارة الحالية على أهمية توسيع دائرة الاتفاقات الإبراهيمية باعتبارها رافعة للاستقرار، فيما يعكس اجتماع شرم الشيخ الأخير قدرة واشنطن على توظيف شراكاتها العربية لتعزيز فرص السلام والتطبيع. وبهذا، ينتقل الشرق الأوسط تدريجياً، طبقاً للاستراتيجية الجديدة من كونه مصدراً دائماً للأزمات إلى ساحة محتملة للتعاون والاستثمار وإعادة تشكيل العلاقات الأمريكية بما يخدم أولوياتها المستجدة.

تعليق المعهد المصري

بشكل عام فإن الوثيقة تعكس بوضوح السياسات التي بدأ ترامب في تنفيذها بالفعل على مدار الأشهر الماضية منذ توليه الرئاسة للفترة الثانية، بصرف النظر عن التناقضات التي رصدها مجلس العلاقات الخارجية على سبيل المثال، أو غيره من المحللين، فمثل هذه الوثائق، تعكس عادة الكثير من التناقضات بين الكلام والفعل.

التعليق المهم لدينا هو أن المذكور في الإستراتيجية فيما يتعلق بتقليص الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، وتراجع الاهتمام الأمريكي بهذه المنطقة، كما ذكرت أغلب التحليلات، لا نراه دقيقاً. فهذا التراجع في التدخل المباشر لم يكن ليتم لولا التقدير الأمريكي بأن إسرائيل، الحليف الأول للولايات المتحدة على مستوى العالم، تقترب من تحقيق الهيمنة الكامنة على المنطقة كوكيل موثوق به يحافظ على المصالح الأمريكية فيها، بمساعدة ومشاركة حلفاء أخرين في المنطقة، خاصة في منطقة الخليج كأولوية، ثم مصر والأردن.

 وفي هذا الإطار نشير إلى ما ذكرته الوثيقة نفسها بعدم السماح لأي قوة معادية للمصالح الأمريكية بأن تسيطر على المنطقة، بدون الإشارة إلى أية قوة محددة، بل هكذا بالمطلق، بصرف النظر ما إذا كانت هذه القوى تشمل إيران، أو الصين، أو روسيا، أو  أية حركات إسلامية أو وطنية تواجه النفوذ الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة، أو غير ذلك، فخط الرجعة للتدخل سيكون موجودا دائماً.

 إذا قدرت المؤسسة الأمريكية أن التدخل العسكري ضروري لمصلحة إسرائيل، أو أن المصالح الإستراتيجية في المنطقة تتعرض لأي تهديد، فلن تتردد في ذلك، كما فعلت منذ أشهر قليلة بالمشاركة في توجيه ضربة عسكرية قوية لإيران، فضلاً عن الدعم غير المحدود الذي تقدمه لإسرائيل منذ بدء معركة طوفان الأقصى، سواء أثناء ولاية بايدن أو ترامب.

واشنطن تنتقد أوروبا وتحذّر من “محو حضاري” في استراتيجية ترامب الجديدة للأمن القومي

أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وثيقة الأمن القومي الجديدة، التي توجّه انتقادات غير مسبوقة للاتحاد الأوروبي، متهمة دوله باتباع سياسات “نخبوية ومعادية للديمقراطية” في مجالات البيئة وحرية التعبير، ومحذّرة من أن استمرار هذا النهج يهدد أوروبا بـ “محو حضاري”.

وتقول الوثيقة إن أوروبا “فقدت ثقتها الحضارية” وإن قوانينها البيئية وتنظيماتها العابرة للحدود تقوّض الإبداع والاقتصاد، مشيرة إلى تراجع حصة أوروبا من الاقتصاد العالمي من 25% إلى 14% منذ عام 1990.

وتتّهم الإدارة الأمريكية بروكسل بفرض قيود على الخطاب السياسي، وبانتهاج سياسات هجرة “تغيّر تركيبة القارة”، إضافة إلى انخفاض معدلات الولادة وتآكل الهوية الوطنية.

كما تعلن الاستراتيجية عن ما تسميه “التفسير الترامبي لمبدأ مونرو”، الهادف لتعزيز السيطرة الأمريكية على النصف الغربي للكرة الأرضية، مكافحة الهجرة والتهريب، ومنع التوسع الأجنبي في أميركا اللاتينية. وتشير إلى احتمال إعادة توزيع القوات الأمريكية وزيادة حضور خفر السواحل والبحرية في المنطقة.

وفي ملف الصين، تؤكد الوثيقة ضرورة مواجهة فائض قدراتها الصناعية، ومنع تهديداتها في مضيق تايوان، باعتبار الجزيرة نقطة استراتيجية لطرق الملاحة العالمية.

أما الشرق الأوسط، فاعتبرته الوثيقة لم يعد “عبئاً دائماً” على السياسة الأمريكية، داعية إلى التعامل مع دوله “كما هي”، وتشجيع الإصلاح حين يظهر “من الداخل”، مع استمرار الشراكات الأمنية والاقتصادية.

فرص التحوّل في الشرق الأوسط تتبدّد… والولايات المتحدة تُهدر اللحظة الحاسمة

رغم أن الحروب التي اجتاحت الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين خلّفت دماراً واسعاً في غزة ولبنان وسوريا وإيران، فإنها فتحت في الوقت ذاته نافذة نادرة للتغيير. غير أن هذه الفرصة، وفق خبراء ومسؤولين إسرائيليين، بدأت تتلاشى بسبب غياب المتابعة والبطء الأميركي في استثمار التحولات التي أحدثتها الحرب.

مسؤول بارز في وزارة الدفاع الإسرائيلية قال إن “كل شيء عالق”، موضحاً أن إسرائيل حققت مكاسب عسكرية كبيرة ضد حماس وحزب الله وإيران، لكن غياب العمل السياسي أضاع إمكانيات تحويل الانتصارات العسكرية إلى إنجازات استراتيجية. والنتيجة أن غزة لا تزال تحت سيطرة حماس في نصف مناطقها، ولبنان لم يستعد سيادته كاملةً من حزب الله، فيما تواصل إيران إعادة بناء قدراتها.

مبادرة السلام التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد وقف الحرب في غزة كانت من المفترض أن تشكل خارطة طريق لإعادة الإعمار ونزع سلاح الفصائل عبر قوة استقرار دولية و“مجلس سلام” للإشراف على إعادة البناء. لكن الخطة تعثرت بعدما تراجعت دول كانت مستعدة للمشاركة، ورفض المانحون التمويل قبل ضمان الأمن. وحتى مقترحات جاريد كوشنر ببناء مناطق سكنية بديلة في الجزء الخاضع للسيطرة الإسرائيلية لم تلقَ قبولاً واسعاً.

لبنان يمثّل فرصة ضائعة أخرى. فبعد انتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيساً بدفع أميركي، كان يُنتظر أن يستعيد لبنان سيادته عبر انتشار كامل لقواته ونزع سلاح حزب الله. لكن التنفيذ بقي منقوصاً، وإسرائيل عادت إلى سياسة “جزّ العشب” دون حل جذري.

وفي سوريا، يتردد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الدخول في تسوية أمنية تقودها واشنطن مع الرئيس أحمد الشرع، رغم ضغط ترامب لإنجاز اتفاق يحدّ من الاحتكاك المتكرر بين البلدين.

أما إيران، فبرغم تضررها في الحرب، لم تُواكب الضربات العسكرية باتفاق سياسي يحد من نفوذها. ورغم رسائل غير مباشرة حملها وسطاء خليجيون إلى واشنطن بشأن استئناف الحوار، لم تتحول هذه القناة بعد إلى مسار تفاوضي فعلي.

ويختتم الخبر بأن طموح ترامب في لعب دور الوسيط الشامل يبقى مرهوناً بقدرته على تحويل المبادرات السياسية من وعود إلى نتائج ملموسة، قبل أن تغلق نافذة التغيير في الشرق الأوسط نهائياً.

تركيا

تتزايد الهشاشة في القرن الإفريقي مع تحذير استخباراتي تركي من انزلاق الصومال نحو مرحلة خطرة رغم تعاظم الحضور التركي الأمني والاقتصادي، فيما يشير تقييم صندوق النقد لتركيا إلى مكاسب ملموسة يقابلها طريق طويل قبل السيطرة على التضخم.

وفي آسيا الوسطى، تتقدم أنقرة كقوة صاعدة تعيد تشكيل موازين النفوذ بين موسكو وبكين، ما يدفع واشنطن لإعادة حساباتها تجاه دور تركيا المتنامي هناك.

وعلى الضفة الأوروبية، تشعل خطط اليونان لنشر صواريخ دقيقة في جزر إيجة غضب أنقرة، مهددة بعودة التوترات التاريخية بين البلدين إلى الواجهة. وبين هذه الملفات المتشابكة، تبدو تركيا في قلب مشهد جيوسياسي معقد يراوح بين فرص التمدد الخارجي وتحديات أمنية واقتصادية متزايدة في محيطها القريب والبعيد.

تقييم استخباراتي تركي يحذّر من تزايد هشاشة الصومال رغم تعاظم الدور التركي

حذّر تقرير صادر عن الأكاديمية الوطنية للاستخبارات في تركيا من أن الصومال يدخل مرحلة من الهشاشة المتصاعدة، رغم توسع النفوذ التركي العسكري والاقتصادي في البلاد. وجاء التقرير، المعنون بـ“نموذج شراكة متعدد الأبعاد”، ليقدم تقييماً قائماً على بيانات ميدانية وسجلات دبلوماسية حول واقع الدولة الصومالية والمخاطر التي تهدد استقرارها وشراكتها مع أنقرة.

وفقاً للتقرير، يشكل الخطر الأول استمرار نشاط حركة الشباب، التي استعادت نفوذها في 2023 رغم المكاسب التي حققتها العمليات المشتركة عام 2022. ومع محدودية قدرات الجيش الوطني، يحذّر التقييم من أن الصومال يظل غير قادر على تأمين أراضيه دون دعم خارجي.

أما الخطر الثاني فيتمثل في ضعف النظام الفيدرالي، مع دستور غير مكتمل وصراعات مستمرة بين مقديشو والولايات، خصوصاً بونتلاند وجوبالاند، مما يعرقل صنع القرار الوطني ويؤثر على تنفيذ المشاريع التركية.

ويشير التقرير إلى الخطر الثالث المرتبط بضعف مؤسسات الدولة واعتمادها على المانحين، إذ ما تزال البرامج التنموية تعاني تأخراً في التنفيذ رغم تخفيف أعباء الديون عبر إصلاحات دولية.

كما يسلط الضوء على الخطر الرابع: الصدمات المناخية، فموجات الجفاف المتكررة تزيد من انعدام الأمن الغذائي وتوفر بيئة خصبة للتجنيد والتطرف.

أما الخطر الخامس فيجمع بين التنافس الجيوسياسي الإقليمي وحملات التضليل الإعلامي، وخاصة بعد أزمة مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال عام 2024. ويرى التقرير أن هذه التوترات تُهدد الملاحة في باب المندب وخليج عدن وتؤثر على صورة الوجود التركي.

ورغم إشادته بتحسينات البنية التحتية والتعاون الأمني الذي قد يعزز قدرات الجيش الصومالي بحلول 2030، يؤكد التقرير أن هذه المكاسب تبقى هشّة أمام المخاطر الخمسة.

ويختتم التقييم برسالة حاسمة: استقرار الصومال مرتبط بقدرتها على بناء مؤسسات قوية، معالجة التهديدات الجهادية، وإدارة التوازنات السياسية، وإلا ستظل شراكتها مع تركيا محاطة بعدم اليقين، رغم الاستثمارات التركية الضخمة التي تجاوزت مليار دولار، ودورها المتنامي في الدفاع والبنى التحتية والطاقة.

قراءة متوازنة في تقييم صندوق النقد الدولي لاقتصاد تركيا — مكاسب واضحة وتحديات باقية

يعود تقييم صندوق النقد الدولي لتركيا ليشعل نقاشاً قديماً–جديداً حول معنى التقارير الدولية وحدودها. فبينما يحمل صندوق النقد إرثاً ثقيلاً من “الشروط القاسية” في العالم النامي، يبقى تأثيره على ثقة المستثمرين وتوجهات الأسواق حقيقة لا يمكن تجاهلها. وفي تقريره لعام 2025، قدّم الصندوق نظرة مركّبة: إشادة بتحسن الاستقرار المالي، وتحذيرات واضحة بأن الطريق نحو خفض التضخم لا يزال طويلاً وشاقاً.

يرى التقرير أن السياسات الأخيرة — من التشديد النقدي إلى ضبط المالية العامة — ساهمت في احتواء بعض المخاطر وتعزيز الانضباط الاقتصادي. لكنه يلفت إلى أن تضخم الأسعار ما يزال مرتفعاً بما يكفي لترك الاقتصاد “معرضاً للصدمات”، وأن الحفاظ على الزخم الإصلاحي سيكون أكثر صعوبة من تحقيق مكاسب أولية. ويشبّه التقرير هذا التحدي بمرحلة فقدان الوزن: فالتراجع الأولي في التضخم نسبياً أسهل، لكن “الكيلوغرامات الأخيرة” تتطلب التزاماً أكبر وصبراً أطول.

التوصيات الخمس التي يطرحها الصندوق — في السياسة المالية، والسياسة النقدية وسعر الصرف، وهيكل الدخل، والاستقرار المالي، والإصلاحات الهيكلية — ليست وصفات جاهزة بقدر ما هي إطار تحليلي يهم المستثمرين بقدر ما يهم صانعي السياسات. فالتقرير يؤكد أن نجاح تركيا المستدام يعتمد على الانضباط، وإدارة التوقعات، وتعزيز المصداقية، إلى جانب إصلاحات مؤسسية تضمن استدامة المكاسب.

ويشير التحليل إلى أن تعامل تركيا مع الصندوق يجب ألا يُختزل بين الرفض العقائدي والقبول المطلق؛ فالتجربة التاريخية — خصوصاً ما بعد 2001 — أظهرت أن التوصيات الخارجية لا تعمل إلا عندما تُترجم إلى سياسات محلية تتناسب مع البنية الاقتصادية والمؤسساتية للبلاد.

في النهاية، يدعو التقرير إلى قراءة موضوعية: صندوق النقد ليس نبياً ولا خصماً، بل مرآة خارجية تُظهر ما قد يخفى عند النظر من الداخل. والحفاظ على الاستقرار في المرحلة المقبلة سيتطلب من تركيا عدم الاكتفاء بما تحقق، بل تعميق الإصلاحات وتعزيز الثقة—لأن معركة التضخم الأصعب لم تبدأ بعد.

لماذا يجب على واشنطن أن تراقب تنامي النفوذ التركي في آسيا الوسطى؟

تشهد آسيا الوسطى — الغنية بالطاقة والمعادن، والمحصورة بين روسيا والصين وإيران — سباقاً متسارعاً بين القوى الإقليمية والدولية. وبينما تبقى موسكو وبكين اللاعبَين الأكبر، فإن تركيا نجحت خلال العقدين الأخيرين في بناء حضور اقتصادي وثقافي وسياسي متنامٍ، جعلها أحد أكثر الفاعلين نفوذاً في المنطقة. وهذا التطور، وفق تقرير جديد، يجب أن يستوقف صُنّاع القرار في واشنطن.

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، سعت أنقرة لاستثمار الروابط اللغوية والثقافية مع دول المنطقة، لكن حضورها الفعلي لم يتعزز إلا بعد عام 2010، حين تحولت سياستها إلى نهج أكثر براغماتية: شراكات اقتصادية، تعاون أمني، ونفوذ ثقافي وإعلامي عبر TRT والمنح التعليمية والمشاريع التنموية. وبرز دور منظمة الدول التركية (OTS) التي أصبحت منصة مركزية للتقارب الاقتصادي واللوجستي بين تركيا ودول آسيا الوسطى.

اقتصادياً، تعمل أكثر من 4,000 شركة تركية في المنطقة، مع توسّع كبير في قطاعات البناء، المصارف، الطاقة، والنقل. وفي الملف الأمني، أصبحت المسيّرات التركية ( Bayraktar، Anka، Akinci) عنصراً رئيسياً في تحديث جيوش كازاخستان وأوزبكستان وقرغيزستان، ما منح أنقرة نفوذاً جديداً يتجاوز الدور التقليدي لروسيا.

وتطرح هذه التحركات معضلة لموسكو: فتركيا لا تشكل تهديداً مباشراً يبرّر المواجهة، لكنها تدفع دول آسيا الوسطى نحو استقلالية اقتصادية وسياسية أكبر، وهو ما يقلق الكرملين. أما الصين فتبقى اللاعب الاقتصادي الأكبر، لكن أنقرة تملأ مساحات لا ترغب بكين أو موسكو في شغلها بالكامل.

بالنسبة لواشنطن، يرى التقرير أن النفوذ التركي لا يتعارض جوهرياً مع أهدافها: تقليل اعتماد آسيا الوسطى على الصين وروسيا، تعزيز الاستقرار، وتطوير ممرات الطاقة والتجارة نحو أوروبا. ويوصي الخبراء بأن تعمل الولايات المتحدة مع أنقرة، وليس بمعزل عنها، عبر تنسيق دبلوماسي، دعم مشاريع النقل والطاقة، وتوسيع التعاون الاستخباراتي والأمني.

ويخلص التقرير إلى أن تركيا، رغم محدودية مواردها مقارنة بروسيا والصين، أصبحت لاعباً لا يمكن تجاهله — وأن تجاهل واشنطن لهذا الدور يعني خسارة فرصة استراتيجية في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية وتحولاً.

خطط اليونان لنشر صواريخ في بحر إيجة تشعل غضب أنقرة

تصاعدت حدة التوتر بين اليونان وتركيا عقب تصريحات وزير الدفاع اليوناني نيكوس ديندياس حول اعتزام أثينا نشر صواريخ دقيقة التوجيه على جزر بحر إيجة، في خطوة اعتبرتها أنقرة تهديداً مباشراً ستتم مواجهته “بكل حزم”.

ديندياس، الذي كشف عن ملامح عقيدة دفاعية يونانية جديدة خلال مؤتمر عسكري، وصف تركيا بأنها “التهديد الأكثر خطورة” لبلاده، وأكد أن حماية الجزر لن تعتمد فقط على البحرية، بل ستتكامل مع منظومات صاروخية متحركة يتم وضعها في مواقع استراتيجية. وأوضح أن هذه الأنظمة، التي يُتوقع أن تُزوَّد بها اليونان من إسرائيل، ستمنح أثينا القدرة على “إغلاق بحر إيجة من البر”، وتحرير القوات البحرية من ضغوط الجغرافيا الضيقة.

هذه التصريحات أثارت ردوداً غاضبة في أنقرة. مصادر في وزارة الدفاع التركية وصفت تصريحات ديندياس بأنها “تصعيدية وغير واقعية”، وأنها تتناقض مع أجواء الانفراج التي سادت بعد الاتفاق الأخير بين الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس.

ونقلت صحيفة “حرييت” التركية عن مسؤولين قولهم إن أنقرة تتابع “بدقة واهتمام” الأنشطة العسكرية اليونانية، مذكرين بأن تركيا ملتزمة بجعل بحر إيجة “منطقة سلام واستقرار”، لكنها لن تتردد في “تحييد أي تهديد موجّه ضدها بشكل حاسم”.

وأضاف المسؤولون أن القوات المسلحة التركية لا تشكل تهديداً لأي دولة طالما لا تمارس تلك الدولة عملاً عدائياً، لكن تركيا “تملك القوة والإرادة للتعامل مع أي تهديد محتمل”.

وتعيد هذه التطورات إحياء التوترات القديمة بين البلدين الحليفين في الناتو، والمرتبطين بنزاعات ممتدة حول الحدود البحرية، وتسليح الجزر، ومجالات السيادة الجوية. وتأتي الخطوة اليونانية ضمن سباق تسلّح متسارع في شرق المتوسط، ما ينذر بمرحلة جديدة من التصعيد إذا لم تنجح قنوات الحوار السياسي في احتواء الأزمة.

متابعات إفريقية

إدانات أفريقية وتدخل نيجيري مباشر لإحباط محاولة انقلاب في بنين… وهدوء حذر في كوتونو بعد عزل فاشل للرئيس تالون

شهدت بنين الأحد واحدة من أخطر محاولات الانقلاب في غرب أفريقيا، بعدما أعلن عسكريون بقيادة المقدم باسكال تيغري عبر التلفزيون الرسمي عزل الرئيس باتريس تالون والسيطرة على السلطة. وأظهرت لقطات بثّتها قنوات محلية اشتباكات وإطلاق نار في شوارع العاصمة الاقتصادية كوتونو، بينما بدت أغلب الطرقات خالية تماماً من المارة تحت انتشار مكثّف للدبابات والقوات الموالية للحكومة.

الاتحاد الأفريقي و “إيكواس” يدينان بشدة

سارعت كل من مفوضية الاتحاد الأفريقي و المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) إلى إدانة ما وصفته بـ “الانتهاك الصارخ للدستور وتقويض إرادة الشعب”، داعين إلى احترام النظام الديمقراطي ودعم الحكومة الشرعية. وأشادت إيكواس بقدرة الجيش البنيني على “استعادة النظام”، لكنها أعلنت لاحقاً أنها ستُرسل قوات احتياط إقليمية لدعم بنين ومنع أي محاولات انقلاب جديدة.

الحكومة: الرئيس بخير… و14 موقوفاً

وأكد متحدث باسم حكومة بنين أن الرئيس تالون “بخير وفي مكان آمن”، مشيراً إلى اعتقال 14 عسكرياً متورطين في التحرك الانقلابي، وأن الأمور باتت “تحت السيطرة الكاملة”.

نيجيريا تتدخل عسكرياً بطلب من بنين

وفي تطور لافت، أعلنت نيجيريا – القوة الأكبر في غرب أفريقيا – أنها نفّذت غارة جوية دقيقة في كوتونو، ونشرت قوات برية داخل الأراضي البنينة بطلب رسمي من حكومة تالون.

وذكر بيان للرئاسة النيجيرية أن طائرات سلاح الجو دعمت القوات البنينة في إبعاد الانقلابيين من معسكر كانوا يتمركزون فيه والسيطرة مجدداً على مبنى التلفزيون الرسمي. كما وافقت أبوجا على نشر وحدات مراقبة جوية واستجابة سريعة داخل المجال الجوي لبنين.

وأكد البيان أن القوات النيجيرية “ما زالت متمركزة في مواقع استراتيجية” لحماية النظام الدستوري.

تصاعد الانقلابات في غرب أفريقيا

تأتي محاولة الانقلاب في بنين وسط موجة انقلابات هزّت المنطقة خلال السنوات الأخيرة في النيجر وبوركينا فاسو ومالي وغينيا، إلى جانب المحاولة الفاشلة الشهر الماضي في غينيا بيساو، ما يرفع مستوى القلق الإقليمي بشأن هشاشة الأنظمة الديمقراطية في غرب أفريقيا.

هدوء حذر في العاصمة

وفي الساعات اللاحقة، عادت الحياة تدريجياً إلى بعض أحياء كوتونو، بينما بقيت الطرق المؤدية إلى القصر الرئاسي والمطار تحت طوق أمني مشدد. وأكّد مصدر عسكري قريب من الرئيس أن “المدينة والبلاد تحت أمان تام”.

إثيوبيا تخطو نحو التهدئة: اتفاقية سلام أولى بين حكومة أمهرة وفصيل من ميليشيا فانو

أحرزت إثيوبيا تقدّماً لافتاً – لكنه لا يزال هشّاً – على مسار نزع فتيل التوتر في إحدى أكثر ساحاتها الداخلية اضطراباً، بعد توقيع اتفاقية سلام حاسمة بين حكومة ولاية أمهرة الإقليمية وفصيل من ميليشيا “فانو”، هو منظمة أمهرا فانو الشعبية . (AFPO)

ويُعدّ هذا الاتفاق، الذي جرى بوساطة ورعاية كلٍّ من الاتحاد الأفريقي و منظمة إيغاد(IGAD) ، أول تفاهم رسمي يتم التوصل إليه منذ اندلاع المواجهات قبل أكثر من عامين، وهي فترة شهدت زعزعة عميقة للاستقرار في منطقة تُعدّ من الأكبر والأكثر تأثيراً في البلاد.

خطوة مهمة… ولكن محفوفة بالتحديات

وصف مسؤولون في حكومة أمهرة الاتفاق بأنه يمثل “فرصة أساسية للإغاثة والأمن”، مؤكدين أنه يمكن أن يمهّد الطريق لخفض العنف وعودة الخدمات إلى المناطق المتضررة. وتأتي هذه الخطوة في سياق مساعٍ حكومية لاحتواء التمرد المتصاعد الذي تقوده فصائل فانو، والذي تحوّل إلى واحدة من أخطر الأزمات الأمنية للحكومة الفدرالية بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد.

لكن محللين سياسيين حذّروا من أن الأثر الفعلي للاتفاق قد يكون محدوداً ما لم تتعامل أديس أبابا مع جذور الأزمة، وعلى رأسها:

  • المظالم السياسية المتعلقة بعلاقة أمهرة بالحكومة المركزية
  • الانفلات الأمني وتعدد الفصائل المسلحة
  • اتهامات التهميش الإداري وغياب التمثيل
  • التوترات الإثنية الإقليمية في ظل النزاعات الحدودية المستمرة.

ويرى مراقبون أن نجاح الاتفاق يتوقف على قدرة الحكومة على تطبيق إصلاحات واقعية تمنح سكان أمهرة شعوراً بالأمان والتمثيل الحقيقي، إضافة إلى إدماج قوات فانو في هياكل الدولة أو إيجاد ترتيبات أمنية بديلة.

تداعيات إقليمية محتملة

يشير الخبراء إلى أن استقرار أمهرة سيكون عنصراً محورياً في الحفاظ على وحدة إثيوبيا التي تواجه أزمات متزامنة تشمل:

  • هشاشة الوضع في تيغراي بعد الحرب
  • نزاعات أوروميا المسلحة
  • توترات حدودية مع السودان
  • تأثيرات أزمة سد النهضة على الأمن الداخلي.

وبالتالي، فإن أي تهدئة في أمهرة ستنعكس إيجاباً على المشهد الوطني، لكنها ستظل خطوة أولى في طريق طويل ومعقد.

الدول الأفريقية تدفع نحو الاعتراف بجرائم الاستعمار ومطالبة بالتعويضات في مؤتمر الجزائر

دفعت دولٌ أفريقية، باتجاه تبنّي موقف قاري موحّد يعترف رسمياً بجرائم الحقبة الاستعمارية ويطالب بتجريمها ومعالجتها عبر آليات تعويضية، وذلك خلال مؤتمر رفيع المستوى عُقد في العاصمة الجزائرية.

وشارك في المؤتمر قادة ودبلوماسيون من مختلف أنحاء القارة، بهدف متابعة قرار للاتحاد الأفريقي صدر مطلع العام الجاري، يدعو إلى تحقيق العدالة التاريخية وتعويض ضحايا الاستعمار، في خطوة اعتبرها مراقبون بداية تحول كبير في الخطاب السياسي والحقوقي داخل القارة.

ورغم أن العديد من الممارسات المرتبطة بالاستعمار—مثل العبودية، والتعذيب، والعمل القسري، والفصل العنصري—جرّمتها الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها معظم الدول، فإن ميثاق الأمم المتحدة لا يذكر الاستعمار صراحةً كجريمة، بل يكتفي بحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة. وكان هذا الغياب أحد أبرز النقاط التي ناقشها القادة في قمة الاتحاد الأفريقي في فبراير الماضي، حيث طُرح مقترح لتعريف الاستعمار رسمياً بـأنه “جريمة ضد الإنسانية”.

ويعتقد خبراء اقتصاد وتنمية أن الإرث الاقتصادي للاستعمار كان كارثياً على القارة الأفريقية، إذ تُقدّر بعض الدراسات حجم النهب المنظّم للموارد الطبيعية خلال العقود الاستعمارية بـ تريليونات الدولارات. فقد استغلت القوى الأوروبية المواد الخام الأفريقية—من الذهب والمطاط والماس إلى المعادن الثقيلة—بأساليب وُصفت في تقارير تاريخية بـ”الوحشية”، ما أدى إلى إثراء الاقتصادات الأوروبية وترك السكان المحليين في حالة فقر وبُنى اقتصادية مُنهكة.

ويأمل مؤيدو المقترح أن يسهم الاعتراف الدولي بالاستعمار كجريمة موجبة للتعويض في إعادة التوازن التاريخي، وتعزيز مسار العدالة التصحيحية للقارة الأفريقية، بينما يرى معارضون أن الطريق لا يزال طويلاً ومعقداً في ظل غياب توافق عالمي حول آليات التعويض.

متابعات دولية

تصاعد القتال بين تايلاند وكمبوديا ومخاوف من انهيار وقف إطلاق النار الذي رعاه ترامب

تشهد الحدود التايلاندية–الكمبودية واحدة من أخطر موجات التصعيد منذ صيف هذا العام، وسط تزايد المخاوف من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الهش الذي توسط فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يوليو/تموز. وتجددت المواجهات بين الجانبين الثلاثاء، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى وتفاقم التوتر في منطقة تعاني أصلاً نزاعات تاريخية تتجاوز القرن.

وأعلن الجيش التايلاندي مقتل جنديين إضافيين في الاشتباكات الليلية، ليرتفع العدد إلى ثلاثة جنود منذ استئناف القتال الأحد. في المقابل، أكدت السلطات الكمبودية مقتل سبعة مدنيين، بينما قالت وزارة دفاعها إن حصيلة الضحايا المدنيين منذ الاثنين ارتفعت إلى تسعة قتلى وأكثر من عشرين جريحاً.

كمبوديا اتهمت تايلاند بخرق الهدنة، وقال رئيس الوزراء السابق هون سين إن بلاده التزمت بـ“مهلة 24 ساعة” لإجلاء المدنيين قبل أن تشن “هجوماً مضاداً دفاعياً”، مضيفاً أن “كمبوديا تريد السلام لكنها لن تتخلى عن أراضيها”. وأكد أن امتلاك قواته لمخابئ محصنة وطائرات مسيّرة يمنحها تفوقاً دفاعياً.

من الجانب التايلاندي، أعلنت وزارة الدفاع أن كمبوديا تستخدم المدفعية الثقيلة وقاذفات صواريخ وطائرات مسيّرة لإسقاط القنابل، مؤكدة أن الجيش “سيُدافع عن سيادة البلاد بكل الوسائل اللازمة”. وفي مؤتمر صحفي، وصف متحدث عسكري الكمبوديين بأنهم “يستهدفون القرى المدنية بذريعة الدفاع”.

وقد أجلى البلدان مئات الآلاف من سكان المناطق الحدودية، فيما تتواصل العمليات العسكرية في خمس مقاطعات تايلاندية، أبرزها بوريرام وتراط.

ويأتي هذا التصعيد بعد أسابيع من تعليق بانكوك إجراءات خفض التصعيد المتفق عليها في القمة الإقليمية التي حضرها ترامب، وذلك عقب إصابة جندي تايلاندي بلغم أرضي اتهمت كمبوديا بزرعه. وتعد اشتباكات هذا الأسبوع الأعنف منذ مواجهات يوليو التي استمرت خمسة أيام وأسفرت عن مقتل 48 شخصاً ونزوح 300 ألف مدني، قبل تدخل واشنطن.

وتتنازع الدولتان منذ عقود على سيادة مناطق حدودية غير مرسمة تمتد على طول 817 كيلومتراً، حيث تشعل المعابد القديمة الحس الوطني لدى الطرفين، وتدفعهما إلى مواجهات متكررة كان أبرزها تبادل قصف مدفعي عام 2011.

قمة بوتين–مودي تؤكد صلابة الشراكة الروسية–الهندية رغم الضغوط الغربية

في زيارة وُصفت بأنها اختبار للعلاقات في ظل مرحلة دولية معقدة، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قمتهم السنوية في نيودلهي، موجهين رسالة واضحة بأن الشراكة بين البلدين أقوى من الضغوط الغربية ومساعي عزل موسكو بسبب حرب أوكرانيا. فقد استقبل مودي ضيفه الروسي شخصياً في المطار، في خطوة نادرة بروتوكولياً تؤشر إلى متانة العلاقة وإرادة سياسية للحفاظ عليها.

القمة شهدت توقيع سلسلة مذكرات تفاهم توسّع التعاون في مجالات الطاقة والزراعة والدواء والنقل، إلى جانب اتفاق على هدف تبادل تجاري طموح يبلغ 100 مليار دولار بحلول عام 2030. وفي أبرز رسائلها، أعلن بوتين استعداد بلاده لتزويد الهند بشحنات نفط “غير منقطعة”، متحدياً العقوبات والرسوم التي فرضتها واشنطن على نيودلهي بسبب استمرارها في شراء النفط الروسي المخفّض.

الهند، التي لعبت تاريخياً دوراً متوازناً بين الشرق والغرب، لم تمارس ضغوطاً على موسكو بشأن أوكرانيا، بل جدّد مودي موقفه المعلن بأن “هذا ليس زمن الحروب”، مؤكداً دعم بلاده لأي مسار يؤدي إلى السلام. في المقابل، شدد بوتين على أن التعاون العسكري والفضائي والذكاء الاصطناعي بين البلدين سيستمر دون تأثر بالتقلبات الجيوسياسية.

وتأتي القمة في لحظة تواجه فيها نيودلهي ضغوطاً أميركية متصاعدة، من اتهامات بتمويل “آلة الحرب الروسية” إلى فرض رسوم جمركية مضاعفة. ورغم ذلك، يرى محللون أن الهند تسعى للحفاظ على ما تسميه “الاستقلال الاستراتيجي”، عبر التمسك بعلاقتها مع موسكو دون الإضرار بشراكتها مع واشنطن.

ختاماً، تعكس قمة نيودلهي واقعاً دولياً جديداً: تعددية في التحالفات، تراجعاً في قدرة الغرب على فرض عزلة، وتمسك الهند بمقاربة “التوازن المرن” في عالم يتجه نحو مزيد من الاستقطاب.

هل تتحول الصين إلى “حليف أوروبا” في زمن الجمود الدولي؟

تشهد أوروبا تحوّلاً استراتيجياً لافتاً في مقاربتها للصين، في ظلّ تعثر الجهود الأميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وتراجع الثقة الأوروبية بالدور الأميركي التقليدي في ضمان الأمن القاري. زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بكين في ديسمبر 2025 جاءت لتكرّس هذا التحوّل؛ إذ بدا واضحاً أن أوروبا باتت تنظر إلى الصين ليس فقط كقوة اقتصادية، بل كفاعل قادر على التأثير في مستقبل النظام الدولي.

الصين، التي صعد نفوذها منذ إصلاحات دينغ شياو بينغ وصولاً إلى مبادرة “الحزام والطريق”، تمتلك اليوم أدوات ضغط اقتصادية وسياسية واسعة، وتقدّم نفسها كقطب موازٍ للولايات المتحدة. ومع تعزيز استقلالها الصناعي والتكنولوجي، أصبحت بكين لاعباً لا يمكن تجاوزه في الملفات الكبرى، من آسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط ثم أوروبا.

الأزمة الأوكرانية شكلت نقطة انعطاف مفصلية. فبعد تسريب خطة سلام أميركية – روسية من 28 بنداً، شعرت العواصم الأوروبية بأن واشنطن باتت مستعدة لتجاوز مصالح أوروبا، ما دفعها للبحث عن بديل قادر على الضغط على موسكو. هنا برزت الصين، بوصفها صاحبة التأثير الأكبر على الاقتصاد الروسي؛ إذ تستحوذ على النسبة الأوسع من صادرات الطاقة الروسية، وتشكل شرياناً اقتصادياً حاسماً لبقاء موسكو في مواجهة العقوبات الغربية.

بالنسبة لأوروبا، الانخراط مع الصين يُعتبر وسيلة مزدوجة: أولاً لجرّ بكين نحو مفاوضات سلام تُنهي الحرب في أوكرانيا، وثانياً للضغط على واشنطن عبر إظهار أن النفوذ الأميركي في القارة لم يعد مضموناً. أما الصين، فترى في هذا الانفتاح فرصة لتوسيع نفوذها داخل أوروبا وتعميق انشقاق محتمل بين ضفتي الأطلسي.

زيارة ماكرون إلى بكين ليست حدثاً دبلوماسياً عابراً، لكنها لحظة سياسية تُعيد رسم خرائط التحالفات. فأوروبا العالقة بين حرب طويلة في الشرق وتراجع أميركي في الغرب، قد تجد في الصين شريكاً براغماتياً… لكنه شريك يحمل بدوره مشروعاً دولياً ينافس المشروع الأميركي.

أوروبا تدرس إجبار الصناعات على تقليل اعتمادها على الصين

في تحول لافت في السياسة الصناعية الأوروبية، أعلنت المفوضية الأوروبية عن استراتيجية جديدة بقيمة 3 مليارات يورو تهدف إلى تقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الواردات الصينية من المعادن والمواد الخام الحيوية، وسط مخاوف متزايدة من “تسليح” بكين لسلاسل الإمداد العالمية. وكشف المفوض الأوروبي للصناعة، ستيفان سيجورنيه، أن الاتحاد لا يستبعد إجبار الشركات قانونياً على تنويع مصادرها إذا لم تستجب طوعاً.

البرنامج الجديد، ReSourceEU، يسعى إلى “إزالة المخاطر” من سلاسل الإمداد الأوروبية عبر دعم ما بين 25 و30 مشروعاً استراتيجياً يشمل استخراج المعادن، إعادة تدوير المغناطيس المستخدم في السيارات الكهربائية، ومنع خروج خردة الألمنيوم خارج التكتل. كما سيُنشأ صندوق تمويل سنوي بقيمة 2 مليار يورو عبر البنك الأوروبي للاستثمار لمساعدة الشركات على تجاوز إغراء الأسعار الصينية المنخفضة.

المفوضية حذّرت من أن هشاشة سلاسل الإمداد ظهرت بوضوح مؤخراً عندما عطّلت الصين صادرات الرقائق الإلكترونية رداً على تحركات هولندية استهدفت شركة “نيكسبرِيا”. وقال سيجورنيه إن “الاعتماد المفرط على الصين أصبح تهديداً جيوسياسياً واقتصادياً”، وإن الاتحاد “سيحتفظ بحق التدخل التشريعي” إذا لم تتحرك الصناعات بسرعة.

ولبدء التنفيذ، وافق الاتحاد على تمويل مشروع لاستخراج الموليبدينوم في غرينلاند ومنجم لليثيوم في ألمانيا، إضافة إلى إعداد منصة أوروبية لتجميع الطلبات وبناء مخزونات مشتركة من المواد الحيوية. كما ستُفرض قيود جديدة على صادرات خردة الألمنيوم والنحاس اعتباراً من 2026.

وتعكس الأرقام حجم الأزمة: من أصل 20 ألف طن من المغناطيس الدائم التي تستوردها أوروبا سنوياً، يأتي 85% منها من الصين. كما يعتمد الاتحاد بنسبة 78% على الليثيوم القادم من تشيلي، ما يزيد هشاشة الصناعات المرتبطة بالتحول الأخضر.

ويأتي هذا التحرك الأوروبي وسط سباق عالمي متسارع لتقليل هيمنة الصين على المعادن الحيوية، إذ سبق أن لوّحت بكين بفرض قيود جديدة على صادرات المعادن النادرة قبل تعليقها مؤقتاً ضمن اتفاق الرسوم بينها وبين إدارة ترامب، في هدنة لا تتجاوز 12 شهراً.

الصين تعزز قبضتها على سوق العناصر النادرة… والعالم يبحث عن بدائل

تسير الصين بخطى ثابتة لترسيخ تفوقها في السيطرة على العناصر النادرة، المواد الحيوية المستخدمة في الصناعات العسكرية والإلكترونيات والطاقة النظيفة. ويعتمد هذا التفوق على شبكة معقدة من ضوابط التصدير، أنظمة تراخيص طويلة، وتأخيرات إدارية تضغط على الشركات العالمية وتزيد من اعتمادها على المورد الصيني الوحيد تقريباً.

ورغم أن الصين لا تمتلك وحدها المناجم الأكبر، إلا أن قوتها الحقيقية تتمثل في هيمنتها على 90% من قدرات المعالجة العالمية — وهي المرحلة الأكثر تعقيداً وكلفة في سلسلة الإنتاج. كما تدير بكين سلسلة توريد متكاملة من الاستخراج إلى التصنيع، ما يجعل المنافسة معها شديدة الصعوبة.

في المقابل، بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها تحركات واسعة لبناء سلاسل توريد بديلة عبر شراكات دولية وتمويل ضخم لمشاريع المعالجة. لكن هذه الجهود ما تزال تواجه تحديات تقنية وزمنية كبيرة.

وتفضّل العديد من دول الجنوب التعاون مع الصين نظراً لسرعة التمويل والتنفيذ مقارنة بالنماذج الغربية التي تفرض شروطاً تنظيمية معقدة.

ورغم استمرار تفوق بكين، تشير دراسات حديثة إلى أن تنويع سلاسل التوريد—خصوصاً في أستراليا وكندا والبرازيل—قد يحد تدريجياً من نفوذ الصين بحلول 2030، بينما يظل مستقبل المنافسة مفتوحاً أمام تطورات تكنولوجية وأزمات جيوسياسية محتملة.

صراع الهويات الرقمية بين واشنطن وبكين وبروكسل… ومعركة تشكيل مستقبل الإنترنت

يشهد العالم اليوم تحوّلاً جذرياً في فهم الإنترنت، لم يعد يجري التعامل معه كفضاء محايد أو أداة تقنية، بل كـساحة صراع جيوسياسي تُحدّد من خلالها الدول هويتها، وقوتها، وموقعها في النظام الدولي.
وفي قلب هذا التحوّل تقف ثلاث قوى كبرى — الولايات المتحدة، الصين، والاتحاد الأوروبي — كل منها تسعى لفرض نموذجها الخاص لرؤية المستقبل الرقمي.

الولايات المتحدة: سردية “الإنترنت الحر

ترتكز الرؤية الأمريكية على مفهوم انفتاح الفضاء السيبراني، حيث تُطرح الشركات الرقمية الكبرى كقوى مبتكرة تقود السوق دون تدخل مباشر من الدولة.
هذا النموذج — الذي غذّته الصحافة والروايات الإعلامية لسنوات — صنع صورة للإنترنت بوصفه مساحة بلا حدود، وأتاح لشركات مثل Google وMeta أن تتحول إلى لاعبين عالميين يصوغون قواعد اللعبة الرقمية.

لكن تلك السردية تواجه تحديات كبيرة بعد الفضائح المتكررة المتعلقة بالخصوصية والتلاعب بالمعلومات، مما أعاد طرح سؤال: هل يمكن للسوق وحده أن ينظّم نفسه؟

الصين: هندسة فضاء سيبراني قائم على السيطرة

على النقيض تماماً، تبني الصين نموذجاً يقوم على:

  • الرقابة الشاملة
  • هندسة تدفق المعلومات
  • سيادة الدولة الكاملة على الإنترنت.

إطلاق نظام الهوية السيبرانية الوطني في 2025 يمثّل ذروة هذا التوجّه، حيث تُدمج عشرات المنصات بقاعدة بيانات حكومية مركزية تُتيح للدولة إدارة هويات المستخدمين والتحكم في مسارات المعلومات.

الإعلام الصيني يلعب دوراً مباشراً في تبرير هذا النموذج عبر خطاب يؤكد أن الأمن القومي يتطلب سيطرة الدولة على الإنترنت.
ويُصدّر هذا النموذج عبر “طريق الحرير الرقمي”، بوصفه نموذجاً جاهزاً للدول الباحثة عن حلول أمنية.

الاتحاد الأوروبي: المسار الثالث بين الحرية والتنظيم

يحاول الاتحاد الأوروبي شق طريق وسط بين النموذجين الأمريكي والصيني، عبر تطوير منظومة تنظيمية صارمة تستند إلى:

  • حماية الخصوصية (GDPR)
  • ضبط المنصات الرقمية DSA )وDMA (
  • تعزيز الشفافية والمسؤولية.

المثير أن هذا النهج لم يبقَ داخل حدود الاتحاد، بل أصبح أداة نفوذ عالمية تُعرف بـ “تأثير بروكسل”، حيث تتبنّى دول عديدة — في الجنوب العالمي تحديداً — المعايير الأوروبية لضمان الوصول إلى الأسواق الدولية.

ذاكرة الإنترنت: من حلم الانفتاح إلى سياسات السيادة الرقمية

على مدى عقود، ارتبطت صورة الإنترنت بفكرة الحرية والانفتاح. لكن هذه الذاكرة الجماعية تتراجع الآن أمام صعود خطاب “السيادة الرقمية” الذي تتبناه قوى كبرى كالصين وروسيا، وتستفيد منه أنظمة سلطوية لتعزيز سيطرتها الداخلية.

حتى داخل أوروبا، بدأت نقاشات جديدة تتسع حول مخاطر المنصات الأجنبية وتمدد الشركات غير الأوروبية، خصوصاً بعد فضائح TikTok وHuawei.

دول الجنوب العالمي: نموذج هجين بين بروكسل وبكين

تشير البيانات إلى أن أكثر من 160 دولة اعتمدت قوانين لتنظيم البيانات وحماية الخصوصية.
لكن معظم هذه الدول — مثل البرازيل، إندونيسيا، وكينيا — تتجه إلى نموذج مزدوَج يجمع بين:

  • معايير أوروبية لحماية البيانات
  • وبرامج سيادة رقمية وطنية تتيح للحكومات مستويات أعلى من السيطرة.

وهو ما يعكس حقيقة أن المعركة حول الإنترنت لم تعد بين ثلاث قوى فقط، بل أصبحت عالمية.

سباق عالمي لصياغة الهوية الرقمية

يكشف التحليل أن مستقبل الإنترنت يُصنع اليوم عبر صراع بين ثلاث سرديات كبرى:

  • أمريكا: حرية وانفتاح وابتكار
  • الصين: سيادة صارمة وتوسع تكنولوجي
  • أوروبا: حماية الحقوق وتنظيم السوق.

الإعلام يلعب دوراً أساسياً في ترسيخ هذه الرؤى، وفي صياغة الذاكرة الرقمية للمجتمعات.
ومع اشتداد المنافسة على التحكم بمستقبل التكنولوجيا، تبدو الحاجة أكبر إلى نموذج عالمي يوازن بين الأمن والحرية، ويمنع تحوّل الفضاء الرقمي إلى ساحة صراع بلا قواعد.

تحذير أوكرانيا للغرب: السلام السيئ سيقود إلى حرب أكبر

في الوقت الذي تتقدّم فيه القوات الروسية بخطواتٍ بطيئة، ولكن ثابتة على جبهات الشرق والجنوب، تُطلق أوكرانيا تحذيراً غير مسبوق إلى العواصم الغربية: التهدئة السريعة ليست حلاً… بل وصفة لحرب أكبر قد تشتعل في قلب أوروبا.

هذا التحذير لا يأتي من المحللين العسكريين فقط، بل من واقع يومي يعيشه ملايين الأوكرانيين الذين اعتادوا النوم على أصوات الانفجارات وصفارات الإنذار. في كييف وحدها، تحوّلت الليالي الباردة إلى سلسلة من النزول المتكرر نحو الملاجئ، حيث يحاول المدنيون التشبّث بما تبقى من “حياة طبيعية” تحت ظل حرب مفتوحة.

لكن ما يجري تحت الأرض لدى المدنيين، يقابله فوق الأرض مشهد أشد تعقيداً: خطوط جبهة متماسكة لكنها منهكة، ونقص في الذخائر والمعدات، وجيش روسي يستغل كل ثغرة ليضغط أكثر على دفاعات كييف.

ومع ذلك، تؤكد أوكرانيا أنها لم تفقد إرادتها. بل على العكس، “المرونة” أصبحت سلاحاً بحد ذاتها. القوات الأوكرانية تُبدّل تكتيكاتها، تطوّر أسلحة محلية، وتُدخل أفكاراً جديدة لتعويض نقص الدعم.

الصراع الداخلي: حرب على جبهتين — روسيا والفساد

إحدى أهم النقاط التي يلفت إليها المقال هي أن أوكرانيا تخوض حرباً مزدوجة:

  • حرب ضد روسيا على الجبهات العسكرية
  • وحرب داخلية ضد فساد متجذّر منذ عقود.

هذا البعد الثاني يسهم في فهم موقف كييف من “السلام السريع”. فالديمقراطية التي تحاول أوكرانيا ترسيخها هي بالضبط ما يعتبره بوتين تهديداً مباشراً لسلطته.

السلام… ولكن بأي ثمن؟ صوت الشارع الأوكراني

من كييف إلى خاركيف، ومن لفيف إلى أوديسا، تتردد اليوم عبارة واحدة:

“نريد السلام، لكن ليس سلاماً مذلولاً.”

يقول أحد السائقين: “أبناؤنا لا يقاتلون فقط ليحموا أرضاً، بل ليضمنوا عدالة ما بعد الحرب.”

ويعلّق آخرون بأن التضحيات التي دُفعت — آلاف القتلى، ملايين المهجّرين، مدن مدمّرة — لا يمكن أن تُختزل باتفاق مؤقت “يشبه هدنة لا تُنهي شيئاً”.

فالأوكرانيون يعرفون أن وقف إطلاق النار ليس سلاماً، والانسحاب التكتيكي ليس حلاً دائماً.

لماذا يُحذّر الأوكرانيون من “سلام سيّئ”؟

لأنهم يدركون 4 حقائق أساسية:

1. روسيا لا تريد أرضاً فقط، بل تريد إنهاء الهوية الأوكرانية.

بوتين لا يخفي مشروعه: أوكرانيا “ليست دولة حقيقية” — بحسب روايته — بل جزء طبيعي من “العالم الروسي”. أي قبول بتنازل عن السيادة يعني ترسيخ هذه النظرة وإلغاء الكيان الأوكراني على المدى الطويل.

2. انتصار روسيا سيعني انهيار النظام الأمني الأوروبي.

الغزو الحالي يعيد تشكيل قواعد ما بعد الحرب العالمية الثانية.

إذا رُخّص لروسيا بتغيير الحدود بالقوة، فستصبح القواعد التي قام عليها النظام الدولي بلا قيمة.

3. الاستبداد سيتمدّد عالمياً.

أي هزيمة لأوكرانيا أو اتفاق مجحف سيعطي إشارة لأنظمة العالم: “افعلوا مثل روسيا… ولن يعاقبكم أحد.”

4. الغرب لن يكون في مأمن.

روسيا صعّدت عملياتها الهجينة:

  • هجمات إلكترونية
  • تحريض سياسي
  • اختراقات أمنية
  • دعم مجموعات متطرفة
  • حملات إعلامية تستهدف الاتحاد الأوروبي مباشرة.

وتؤكد كييف أن الخط الدفاعي الأول عن أوروبا يبدأ داخل أوكرانيا، كما تطلب سلاماً يضمن سيادتها، ويحافظ على النظام الدولي، ويمنع روسيا من فرض منطق القوة على العالم. أما خيار “السلام السريع بأي ثمن”، فترى أوكرانيا أنه بوابة لحرب لا يمكن لأحد تحمّل نتائجها.

إسرائيل استخدمت تقنيات شركة “بالانتير” في الهجوم الذي نُفِّذ عبر أجهزة النداء في لبنان

كشف تقرير صحفي جديد أن إسرائيل استعانت بتقنيات شركة الذكاء الاصطناعي Palantir خلال الهجوم الذي استهدف عناصر من حزب الله في لبنان عبر أجهزة نداء مفخخة عام 2024، وهو الهجوم الذي أسفر — وفق تقارير دولية — عن مقتل مدنيين وإصابة الآلاف.

ففي سبتمبر/أيلول 2024، انفجرت أجهزة نداء (pagers) كانت مزروعة بعبوات ناسفة في أماكن عامة داخل لبنان، ما أدى إلى مقتل 12 شخصاً بينهم طفلان واثنان من العاملين الصحيين، وإصابة نحو 2,800 آخرين. وبعدها بأيام، وقع هجوم ثانٍ عبر أجهزة لاسلكية مفخخة أدى إلى مقتل 25 شخصاً وإصابة أكثر من 600 آخرين.

وذكرت وكالة أسوشييتد برس أن الهجومين خلّفا إصابات مروّعة بين المدنيين، بينما اعتبرت الأمم المتحدة حينها أن ما حدث “قد يشكل جرائم حرب” تشمل القتل العمد، واستهداف المدنيين، وإطلاق هجمات عشوائية تنتهك الحق في الحياة، مشيرة إلى أن “500 شخص على الأقل أصيبوا بجروح خطيرة في العين، إضافة إلى إصابات بالغة في الوجه والأطراف”.

كما صرّح المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ليون بانيتا بأن الهجمات “لا شك أنها شكل من أشكال الإرهاب”.

 دور Palantir كما يكشفه كتاب جديد

و يكشف كتاب جديد بعنوان: “الفيلسوف في الوادي: أليكس كارب، بالانتير، وصعود دولة المراقبة” لصحفي “نيويورك تايمز” مايكل ستاينبرغر، أن إسرائيل استخدمت تقنيات الشركة في تلك العملية.

ويشير المؤلف إلى أن “الموساد كان يستخدم تكنولوجيا بالانتير” قبل اندلاع حرب غزة، وأن الشاباك والجيش سعيا للحصول على برامج الشركة بعد هجوم 7 أكتوبر. وبسبب الطلب المتزايد، أرسلت الشركة فريقاً من المهندسين إلى تل أبيب، ووسّعت مكاتبها لاستيعاب محللي الاستخبارات الذين احتاجوا إلى تدريب مباشر.

الكتاب يؤكد أن برامج Palantir استُخدمت في:

  • عمليات ميدانية في غزة
  • عمليات عسكرية في لبنان عام 2024 استهدفت قيادات في حزب الله
  • عملية “غريم بيبر” التي فجّرت أجهزة النداء وأجهزة الاتصال، مما أدى إلى إصابة مئات من عناصر حزب الله وتشويههم، بحسب وصف المؤلف.

شهادات أممية حول دور الشركة

فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وثّقت بدورها دور الشركة في حرب غزة، مشيرة إلى تصريحات سابقة لمديرها التنفيذي الذي قال إن “معظم من استُهدفوا كانوا إرهابيين”، وهو ما رأت فيه ألبانيزي دلالة على علم الشركة باستخدام تقنياتها في عمليات عسكرية مثيرة للجدل.

موساد سابق: أجهزة مفخخة “في دول عديدة”

وفي مقابلة حديثة، قال الرئيس الأسبق للموساد يوسي كوهين إن إسرائيل تمتلك معدات مراقبة وأجهزة مفخخة مشابهة “في كل الدول التي يمكن تخيلها”، في تصريح أثار قلقاً إضافياً بشأن نطاق هذه الممارسات.

ويشير كثيرون إلى أن تورط شركة بحجم Palantir — المرتبطة بعالم الاستخبارات والذكاء الاصطناعي — في عمليات من هذا النوع، يجعل التداعيات السياسية والقانونية أكثر حساسية.


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى