بحوث

نظرية الثورة مداخل أساسية للتحليل

تمهيد

تهدف الدراسة لأجراء بحث تجريبي لبعض أسباب الثورة، حيث أن الدراسات السابقة درست أبعاد السلوك الصراعى داخل الأمم بهدف اكتشاف المتغيرات الأكثر تمثيلا للصراع الداخلي. ومن ثم تقوم هذه الدراسة باختبار الاهمية النظرية لهذه المتغيرات، وانطلقت الدراسة لاختبار فرضيتين أساسيتين، الأولى: أنه كلما ارتفع معدل الزيادة في الناتج الاجمالي القومي للفرد في المرحلة السابقة على الثورة وكلما ازدادت حدة التقلبات مباشرة قبل الثورة، كلما زادت مدة الثورة ودرجة العنف الثوري. والثانية: كلما انخفض مستوى التعليم قبل الثورة كلما زادت مدة الثورة ودرجة العنف بها.
وقدمت الدراسات تصنيفات للثورة وسببان محتملان لها وهما: التغيير في معدلات التنمية الاقتصادية، والتغيير في مستوى التعليم. تم اختبار هذين السببين فيما يتعلق بمدى ارتباطهما بخصائص معينة للثورة، ووجد أن هناك اختلافات اقليمية تنطوي على تمييز أساسي بين اثنين على الأقل من فئات التصنيف، وأخيراً تم تقديم فرضيات لتفسير بعض نتائج هذه الدراسة.
وتم استخدام مفهوم الثورة بطريقة مبهمة ولذلك في البداية لابد من طرح تساؤل ما هو مفهوم الثورة؟
بالنسبة للمدرسة الهيجلية: ساوت بين الفكرة الثورية والتغيير الذي لا يقاوم Irresistible ، وأن الثورة مظهر من مظاهر روح العالم في السعي المتواصل لتحقيق الكمال. وتقترب المدرسة الماركسية من ذلك ايضا بالرغم من تعارضها مع المثالية الهيجلية، إلا أنها رأت الثورة كمنتج لقوى التاريخ، وتبلغ ذروتها في الصراع الدائر بين البرجوازية والبروليتاريا.
أما حنا أرندت فتفسر الخبرة الثورية كنوع من “الاستعادةrestoration ” يحاول من خلالها الثائرون استعادة الحريات والامتيازات التي فقدت نتيجة استبداد الحكومة في فترة من الفترات. والحقيقة أن جوانب الثورة الأمريكية وبعض الثورات الحديثة المناهضة للاستعمار تقبل تفسير أرندت، حيث يرى الثوريون النخبة الاستعمارية كغرباء مغتصبي للحريات التي تمتعوا بها يوماً ما.
على الجانب الآخر استخدم توكفيل نهجاً امبريقياً لمشكلة الثورة، وعرفها على أنها الاطاحة بالنخبة المشَكلة بطريقة قانونية، تلك النخبة التي شرعت في فترة تغيير سياسي واجتماعي واقتصادي مكثف. أكمل كران برنتون التوجه الامبريقي بالتفرقة بين الانقلاب كإحلال بسيط لنخبة محل نخبة أخرى، وبين الثورات الكبرى كالثورة الفرنسية والثورة الروسية، وكان كلاً منهما مصحوباً بتغييرات اجتماعية وسياسية واقتصادية. ويسير في نفس هذا التوجه جورج بلانكستن بالتطبيق على أمريكا اللاتينية، ويرى ضرورة التمييز بين الانقلاب والثورة، ويضرب مثلا بالثورة المكسيكية التي أحدثت في النهاية نتائج جذرية في بنية المجتمع المكسيكي.
وبناءً على هذه التفرقة بين نوعين من أنواع الثورة تم استخدامها كأساس لتطوير المزيد من التصنيفات، فمثلا قدم هارولد لاسويل وابراهام كابلان مزيد من الصقل في تصنيف الثورات عن طريق تقديم ثلاث فئات لتصنيف الثورات وقاما بالتفرقة بين: 1- ثورات القصر، 2- الثورات السياسية، 3- الثورات الاجتماعية.
وقدم lieuwen Edwin تصنيف مشابه لكنه قدم (العسكرة السلبية أو الضارة (predatory militarism بدلاً من ثورات القصر، وهو شكل شائع للانقلابات في أمريكا اللاتينية. وتعكس هذه الأنواع الثلاثة للثورة بالترتيب ازدياد درجة التغيير التي يبدأها الثوار الناجحون.
أما جيمس روزيناو فقد قدم تصنيف للثورات:

  • حروب الملاك: personnel wars هي الحروب التي تخاض من أجل اشغال الادوار الموجودة في بنية السلطة السياسية، ويضرب مثلاً لذلك ثورات القصر أو العسكرة السلبية أو الضارة بأمريكا اللاتينية.
  • حروب السلطة: هي التي يتنافس فيها الثوار ليس فقط من اجل اشغال ادوار بنية السلطة السياسية وإنما تشمل ترتيباتها ايضاً، ويصنف الكفاح من اجل احلال نظام ديكتاتوري باخر ديموقراطي ضمن هذه الفئة.
  • الحروب الهيكلية: يهدف فيها الثوار لإدخال تغيرات اجتماعية واقتصادية في المجتمع وتعتبر الحروب التي تتضمن فصائل شيوعية مثالاً على الحروب الهيكلية. وتتضمن هذه الفئة عناصر من الفئتين السابقتين، فالتغييرات في اشغال ادوار الحكومة وكذا ترتيبات الادوار تحدث تلقائيا عندما ينجح الثوار في الحرب الهيكلية، وبالمثل فان حروب السلطة موجهه للملاك لان ترتيبات الادوار السياسية من النادر ان لم يكن مستحيلا ان تعدل دون تغيير في اشغال تلك الادوار.

وفي ترتيب روزناو للأنواع الثلاثة من الثورات فإن حروب الملاك هي الأقل من ناحية درجة التغيير الاجتماعي، وفي المنتصف حروب السلطة، وتحتل المرتبة العليا الحروب الهيكلية.
وقد اقترح هانتنجتون تصنيف الثورة لأربع فئات كالتالي: الحرب الداخلية، الانقلاب الثوري، الانقلاب الاصلاحي، ثورة القصر، واستخدم هانتنجتون مصطلح “الحرب الداخلية” بمعنى مختلف عما سبقته من دراسات منهجية، ولهذا السبب استخدم الكاتبان مصطلح “الثورة الجماهيريةmass revolution ” كبديل عن الحرب الداخلية لدى هانتنجتون.
مصطلح الثورة الشعبية وثورة القصر يعودا نسبيا لروزناو وهما ما أطلق عليهما “حروب الملاك والحروب الهيكلية”، في حين أن الانقلاب الاصلاحي والانقلاب الثوري يمكن وضعهم تحت عنوان حروب السلطة في تصنيف روزناو.
ووفقاً لهانتنجتون تعد الثورة التركية التي قام بها كمال اتاتورك مثالاً لما يسميه الانقلاب الثوري، في حين أن انقلاب 1955 في الأرجنتين يصنف ضمن الانقلابات الاصلاحية. ومعيار هذا التصنيف هو درجة التغيير في هيكل السلطة السياسية، فالشباب الأتراك طبقوا مراجعة كاملة للسلطة السياسية مما أدى إلى تأسيس الجمهورية وانتهاء الامبراطورية العثمانية، أما الثورة ضد بيرون في الأرجنتين فكانت محاولة لإصلاح سوء الإدارة الاقتصادية وعدم الرضا عن القوى السياسية الرئيسية مثل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وأدت إلى التمرد ضد ما أصبح سياسية تنفيذية قمعية.
مما سبق يتوصل الكاتبان إلى أن وجود عدة أنواع للثورة يرحج امكانية تفكيك الخصائص المختلفة للثورة.
وقد اقترح كارل دويتش أن درجة المشاركة الجماهيرية في الثورة ومدتها يمكن أن تكون أساسية لوصف التجربة الثورية، ويمكن إضافة خاصية ثالثة وهي عدد القتلى بسبب الثورة كنتيجة لدرجة التمسك العالية من قبل كلاً من الثوار وشاغلى المناصب بتحقيق أهدافهم، ومن ثم يكون عدد القتلى أثناء وبعد الثورة مقياساً لحدتها، وأخيراً يمكن أن تكون أهداف الثوار ذات أهمية في تحديد نوع الثورة ونتيجتها النهائية، فإذا كان للثوار التزام أيديولوجي لأهداف محددة، من ثم سيبدأ الثوار في إدخال تغييرات على الهيكل المجتمعي لتحقيق هذه الأهداف، أما إذا لم يكن لهم توجه أيديولوجي فربما ينووا استبدال شاغلى المناصب في هيكل السلطة السياسية دون اللجوء إلى تغييرات في بنية المجتمع.
ويوضح الجدول التالي تصنيف للثورات بناء المعايير الأربعة السابقة وهي: 1- المشاركة الجماهيرية، 2- المدة، 3- العنف الداخلي، 4- أهداف الثوار.

نوع الثورة المشاركة الشعبية المدة العنف الداخلي أهداف الثوار
الثورة الجماهيرية عالية طويلة مرتفع تغيير جوهري في هيكل السلطة السياسية والنظام الاجتماعي
الانقلاب الثوري منخفطة من قصيرة إلى متوسطة منخفض إلى متوسط تغيير جوهري في هيكل السلطة السياسية وبعض التغييرات المحتملة في النظام الاجتماعي
الانقلاب الاصلاحي منخفظة جدا قصيرة وأحياناً متوسطة منخفض تغيير متوسط في بنية السلطة السياسية
انقلاب القصر لا يوجد قصيرة جداً لا يوجد عمليا عمليا لا يوجد تغيير

بناء على التصنيف السابق في الجدول يقدم الكاتبان تعريفاً للثورة، ووفقاً لهما:
توجد الثورة عندما تقوم مجموعة من الثوار بطريقة غير قانونية أو /وبالقوة بتحدي النخبة الحكومية بهدف شغل ادورها في هيكل السلطة السياسية، وتنجح الثورة عندما يتمكن الثوار من شغل المناصب الاساسية في هيكل السلطة السياسية كنتيجة لتحدى النخبة الحكومية. إلا أن هذا لا يعنى انه بمجرد شغل الثوار لهذه الأدوار سيظل هيكل السلطة السياسية على حاله، فالتغيير في افراد النخبة الحكومية في كثير من الاحيان شرط مسبق لأجراء تغييرات جوهرية في البنية السياسية والاجتماعية. وإذا كان لدى الثورة أهداف لتغييرات سياسية واجتماعية كبرى فيجب أولاً ان يشغلوا دورا داخل الهيكل السياسي ليتمكنوا من تحقيق ما أرادوا. هذا التعريف يضع معيار ادنى لوجود الثورات.
ويقدم الجدول التالي قائمة توضيحية للأنواع الأربعة للثورة من قبل الكاتبين:

أنواع الثورات الأربع

  • الخط المنقط في الجدول يمثل فاصلاً بين الثورات الشعبية الناجحة والاخرى التي لم تكلل بالنجاح، بالاضافة إلى ذلك يتم رصد حالات من الثورات المناهضة للاستعمار والثورات الغير ناجحة نظرا للتشابه المحتمل بين هذه الثورات والثورات الشعبية
  • تشير التواريخ المحددة بين القوسين إلى العام الذي إما هزم فيه الثوار أو يتولى الثوار مناصب في هيكل السلطة السياسية
الثورة الشعبية الانقلاب الثوري الانقلاب الاصلاحي انقلاب القصر
الفرنسية (1789)
الأمريكية (1776)
الروسية (1917)
الصينية (1949)
الكوبية (1959)
الجزائرية (1962)
التركية (1919)
النازية (1933)
المصرية (1952)
العراقية (1958)
الأرجنتينية (1955)
السورية (1956)
الأردنية (1957)
التايلندية (1957، 1958)
البرمية (1958)
الفرنسية (1958)
الباكستانية (1958)
السودانية (1958)
الفنزويلية (1958)
التركية (1960)
جمهورية الدومنيك (1963)
الفنزويلية (1948)
البرازيلية (1955)
الكولومبية (1953،1957)
الهوندراسية (1956)
الجواتيمالية (1957)
الهايتية (1957)
السلفادورية (1960)

هذه الخطوة بمثابة خطوة توضيحية لازمة للانتقال للخطوة التالية وهي توفير مرجعيات تجريبية لاختبار اسباب الثورة. ويمكن تفسير اثنين من المعايير الأربعة للثورة وهما المدة والعنف الداخلي كخصائص مُعرِفة للثورة. ويمكن اعتبار كلاهما مقياس لحدة الثورة، فالعنف الداخلي على سبيل المثال موجود في أغلبية الثورات، فلو كانت أغلبية السكان لا تبالى بالتغييرات في أفراد النخبة الحكومية لحدثت ثورة قصر بمبادرة مجموعة من الثوار وسيواجهون معارضة من قبل النخبة الحاكمة فقط، ولأن نمط الصراع منظم ومحدود النطاق فسيكون عدد الوفيات في الحد الأدنى، وستكون مدة الثورة قصيرة. ومع ذلك إذا أعلن الثوار عن أهدافهم في المبادرة بتغيير البنى الاجتماعية فربما تتجه شريحة كبيرة من المجتمع لمعارضة أهداف الثوار، وهنا قد يزيد عدد الوفيات ومدة الثورة بطريقة تتناسب مع درجة التغيير المجتمعي المتوقع من قبل الثوار. وبالمثل تعد مدة الثورة مقياس محتمل لحدة الثورة، فالعديد من ثورات القصر في أمريكا اللاتينية كانت لفترة قصيرة وعدد القتلى كان محدود نسبيا. فالانقلابات غير الدموية تحدث دون وقوع قتلى لكن النخب الجديدة تتولى أدوارا رئيسية في بنية السلطة السياسية، وذلك على عكس الثورات كالثورة الفرنسية والروسية التي تميزت باستمرارها لمدة زمنية اطول وعدد قتلى أكبر.
الجدول التالي يوضح استخدام المدة الزمنية وعدد الوفيات الناتج عن العنف الداخلي كمقياسيين للثورة:

  • العمود الاول يرصد كل الثورات الناجحة ما بين عام 1955حتى ستينات القرن الماضي، ومعيار إدراج الثورات هنا هو انتهائها في وقت ما خلال تلك الفترة.
  • العمود الثاني يرصد اعداد الوفيات كنتيجة للعنف الداخلي لكل مليون نسمة في الفترة من (1950-1962). هناك بديل آخر يرصد عدد الأفراد الذين قتلوا أثناء فترة الثورة نفسها لكن لابد من الأخذ في الاعتبار أن عدد القتلى الذين سقطوا خلال انقلاب ثوري استمر يومين قد لا يكون مؤشراً دالاً على خصائص تلك الثورة، فعلى سبيل المثال قتل ثلاثون شخصا خلال الثورة العراقية عام 1958، كان منهم الملك فيصل ورئيس وزارئه، وتجلت حدة الثورة عندما قامت الجماهير بسحل جسد الملك في شوارع بغداد. فمقتل ثلاثون شخصا لايبدو انعكاس لدرجة الحدة، ومع ذلك باختبار عدد القتلى قبل وبعد الثورة سنجد أن العراق قد شهد ثاني أكبر عدد وفيات لكل مليون نسمة بالمقارنة بالثورات خلال الفترة من (1955-1960). وإدراج عدد الوفيات قبل وبعد الثورة قد يكون مؤشراً على الاحباطات التي تراكمت نتيجة لفترة طويلة من القمع. وتقع الثورة عامة بعد فترة من عدم الاستقرار.
  • مدة الثورة تحدد بنقطتين زمنيتين: اندلاع اعمال عدائية فعلية ضد نظام الحكم في السلطة، وشغل الثوار لمناصب في هيكل السلطة السياسية

الوفيات والفترة الزمنية للثورات الناجحة (1955-1960)

الثورة عدد القتلى الناتج عن العنف الداخلي الفترة الزمنية بالأيام
الكوبية 1959 2900 2190
العراقية 1958 344 3
الكولومبية 1957 316 7
الأرجنتينية 1955 217 86
البرمية 1958 152 1
الهوندراسية 1956 111 90
الفنزويلية 1958 111 21
الجواتمالية 1957 57 10
السورية 1956 44 2
الهايتية 1957 16 36
الباكستانية 1958 9 19
الأردنية 1957 7 15
التايلاندية 1957 3 1
التايلاندية 1958 3 1
السلفادورية 1960 2 50
البرازيلية 1955 1 2
التركية 1960 0.9 33
الفرنسية 1958 0.3 19

وتقترح هذه الورقة أن نوع الثورة يعتمد على درجة عدم الاستقرار السياسي السائد قبل حدوثها

اثنين من العلاقات الترابطية عن الثورة:

بعد توفير مرجعيات تجريبية لمفهوم الثورة ننتقل الآن إلى دراسة العلاقات الترابطية المحتملة.

المتغير الأول: العلاقة بين الثورة والتنمية الاقتصادية:

ظلت مشكلة تحديد الشروط المسبقة للثورة تحظى باهتمام المنظرين السياسين لفترة طويلة. فاقترح افلاطون ان اختلاف المصالح الاقتصادية يؤدي إلى التحزب السياسي و يساهم في عدم استقرار دولة المدينة. فالفقر وفقاً له ينتج الثورة بينما تنتج الثروة الرفاهية. ويتفق معه في الجوهر أرسطو الذي اقترح ان الفقر سبب الثورة السياسية. أما توكفيل فأشار إلى أن الفلاحين الفرنسيين قبل عام 1789 تمتعوا بدرجة عالية من الاستقلال الاقتصادي بالمقارنة بباقي الفلاحين الاوربيين. وبسبب الاستقلال والامن تظهر البغضاء والازدراء. وبذلك اختلف توكفيل عمن سبقوه. وفي الواقع لم يكن هناك كساد اقتصادي طويل الاجل قبل اندلاع الثورة الامريكية أو الثورة الروسية.
وبعد أن قام كرين برنتون بدراسة مستفيضة لأربع ثورات كبرى، توصل إلى نسق منتظم في وقوع هذه الثورات وهو ان المجتمعات محل الدراسة كانت تتمتع باقتصادات جيدة قبل اندلاع الثورات. وينطبق ذلك على الثورة الفرنسية والانجليزية خلال القرن السابع عشر والثورة الامريكية، وينطبق ذلك أيضاً في حالة روسيا حيث حققت تطور اقتصادي قبل اندلاع الحرب العالمية الاولى.
وبناءً على ما سبق يظهر تعارض بين نظريات افلاطون وارسطو من جانب وتوكفيل وبرنتون من جانب آخر. فبينما ترى المجموعة الاولى ان الفقر يؤدى إلى الثورة، ترى المجموعة الثانية ان الثورة تسبقها زيادة ملحوظة في التنمية الاقتصادية.
ويشير جيمس جيمس ديفيز إلى ان التركيب او التوليف الجزئي بين هذه المناهج قد يوفر تفسيرا أكثر شمولا بدلا من الفصل بينهم. فالثورات الكبرى تكون مسبوقة بزيادة مستقرة طويلة الاجل في التنمية الاقتصادية يتبعها تفاوت حاد وتغيير في اتجاه النمو قبل اندلاع الثورة مباشرة.
وبصورة أعم فانه يمكن ان ينظر إلى التنمية الاقتصادية باعتبارها جانب واحد من انجازات المجتمع. ومن ثم يتم استخدام مفهوم “الانجاز “Achievement ليعبر عن التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية في مفهوم واحد لخدمة أغراض البحث.
والمفهوم الثاني المرتبط بشكل وثيق بالإنجاز هو “التطلعات Aspirations “. فنتيجة تحقيق الاهداف على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي تكون مرئية لعامة الشعب. وترتبط الحريات الجديدة الممنوحة للشعب والطرق والمصانع والمتاحف ومستوى المعيشة الافضل بمستوى عالي من الانجاز، وايضا ميل لزيادة التطلعات.
ويفترض ذلك ان معدلات التغيير في الانجاز والتطلع مرتبطان. فاذا زاد الانجاز بمعدل معين فمن ثم يتطلع الشعب لاقتناء سلع اجتماعية بمعدل يتناسب مع الانجاز الذي تم تحقيقه. وبتمثيل ذلك بيانياً فإن الزيادة في التطلعات عبر الوقت تجعل منحدر هذا المتغير يقترب من معدل التغيير في الانجاز.
وفي حال انخفاض معدل الانجازات يُطرح هنا مفهوم ثالث وهو “التوقعات Expectations “. معدل التغيير في التوقعات سيقترب من تناقص معدل الانجاز. وقد تتأثر معدلات التوقعات بالواقع الحالي أكثر من معدل التطلعات. حيث تمثل التوقعات تغيير في النظرة الناجمة بالأساس عن انخفاض فوري في انتاج السلع الاجتماعية، بينما تتعلق التطلعات بصورة أكبر بطبيعة الامل والتفاؤل الناتج عن الاداء في المدى الطويل. ويمكن اعتبار المسافة بين المفهومين (الفجوة الثورية) مقياس لإمكانية حدوث ثورات عنيفة. وكلما زادت الفجوة الثورية كلما زاد احتمالية طول مدة وعنف الثورة.
للتدليل على انخفاض معدل التوقعات قبل الثورات الكبرى، استشهد ديفيز بالمحصول الزراعي الفقير في فرنسا (1788-1789) وهي الفترة التي اعقبت التطورات الاقتصادية التي شهدها العقد السابق على ذاك التاريخ. وهو مقارب ايضا لما حدث في انجلترا وامريكا. وتمثل الاوضاع في روسيا القيصرية عام 1917 قبل اندلاع الثورة مثالا للانهيار الاقتصادي. وإجمالاً تثبت الثورات الاربعة صحة فرضية ديفيز، ولكن السؤال هو مدى صحة تعميم هذه الفرضية، ويحتاج ذلك للتحليل منهجي يضم ثورات اخرى.

المتغير الثاني: العلاقة بين الثورة ومستوى التعليم

يفترض وجود علاقة ترابطية بين الثورة ومستوى التحصيل العلمي قبل اندلاع الاضطرابات، وقد وجد سيمور ليبست أن وقوع الثورات يرتبط سلبيا مع مستوى التعليم. وقام بتصنيف الدول وفقا لدرجة استقرارها ونوع النظام سواء كان ديموقراطيا او شموليا، ووجد أن النظم الديكتاتورية في امريكا اللاتينية والتى هي أكثر عرضه لانقلابات القصر تحتل أيضا مرتبة أدنى على مقياس التحصيل العلمى. وقد دعم هذا الاتجاه عدد من المحللين الذين وجدوا أن هناك ثلاثة متغيرات تتعلق بالتعليم ترتبط سلبا بامكانية حدوث الثورة. أحد هذه المتغيرات هو نسبة عدد التلاميذ في التعليم الأساسي إلى مجموع عدد السكان في المجموعة العمرية (5-14) عاماً. واتضح من البيانات من منتصف خمسينات القرن الماضي ان المجتمعات ذات المستوى التعليمي الادنى هي الاكثر عرضة لقيام الثورات.
وبذكر المفاهيم الرئيسية وطرق قياسها، فمن المفيد تلخيص المفاهيم قبل عرض النتائج:

  • تعرف الثورة اجرائيا بالعنف الداخلي والمدة.
  • يعرف الانجاز والتطلعات بمعدل التغيير في الناتج القومي الاجمالي للفرد عبر الوقت.
  • تعرف التوقعات بالانخفاض او التفاوت في اتجاه معدل التغيير في الناتج القومي الاجمالي للفرد.
  • يعرف مستوى التعليم نسبة عدد التلاميذ في المدارس الابتدائية إلى مجموع عدد السكان في المجموعة العمرية (5-14) عاماً.

وبناء على ذلك يقترح الكاتبان الفرضيات التالية:

  • كلما ارتفع معدل الزيادة في الناتج الاجمالي القومي للفرد في المرحلة السابقة على الثورة وكلما ازدادت حدة التقلبات مباشرة قبل الثورة، كلما زادت مدة الثورة ودرجة العنف الثوري.
  • كلما انخفض مستوى التعليم قبل الثورة كلما زادت مدة الثورة ودرجة العنف بها.

وقد تم اختبار مدى صحة هذه الفرضيات على 17 من الثورات الناجحة في الفترة (1955-1960).

البيانات والنتائج:

  • يتم عرض بيانات الفترة (1955-1960) في الجدول التالي، وتم استثناء الثورات غير الناجحة والثورات ضد الاستعمار. ويمثل العمود الثالث التغيير في معدل الناتج القومي الاجمالي لفرد، وهذه الارقام هي معاملات الانحدار التي حسبت لفترة سبع سنوات سابقة على كل ثورة. تم حساب الناتج القومي الاجمالي للفرد فى مقابل الوقت لكل دولة، وكانت المنحدرات خطية تقريبا. قيم هذه المعاملات قابلة للمقارنة حيث ان سنة الاساس موحدة (1953 = 100).
  • العمود الرابع يرصد نسب التعليم الأساسي. وترصد نتائج معاملات الارتباط في جدول لاحق. تم حساب هذه المعاملات في البداية عن كل الحالات في العمود الاول.

العنف الداخلي، معدل التغيير في الناتج القومي الاجمالي للفرد، ونسبة المسجلين في التعليم الأساسي

الثورة العنف الداخلي معدل التغيير في الناتج الاجمالي القومي للفرد نسبة المسجلين في التعليم الأساسي
الكوبية 1959 2900 43
العراقية 1958 344 6.86 19
الكولومبية 1957 316 2.79 30
الأرجنتينية 1955 217 -1.64 68
البرمية 1958 152 4.36 16
الهوندراسية 1956 111 1.64 27
الفنزويلية 1958 111 9.25 43
الجواتمالية 1957 57 0.64 23
السورية 1956 44 1.60 37
الهايتية 1957 16 20
الباكستانية 1958 9 0.96
الأردنية 1957 7 42
التايلاندية 1957 3 2.69 54
السلفادورية 1960 2 2.18 33
البرازيلية 1955 1 2.89 34
التركية 1960 0.9 2.43 33
الفرنسية 1958 0.3 4.11 78
  • يرصد الجدول التالي معاملات الارتباط الخاصة بنسب التعليم الأساسي للدول الاسيوية على حدة ودول امريكا اللاتينية على حدة.
  • العنف الداخلي تم تحويله لوغارتميا القيمتين (معدل التغيير في الناتج القومي الاجمالي للفرد، ونسبة المسجلين في التعليم الأساسي)

معاملات الارتباط بين التغير في الثروة ومستوى التعليم والعنف الداخلي

اجمالي الحالات أمريكا اللاتينية اسيا الشرق الأوسط
معدل التغيير في الناتج الاجمالي القومي للفرد 0.22
(14)
– 0.12
(7)
0.94
(6)
0.96
(4)
نسبة المسجلين في التعليم الأساسي -0.31
(16)
0.33
(9)
– 0.76
(6)
– 0.92
(4)

يجب مراعاة ان النتائج المحسوبة مقدرة بناءً على بيانات اجمالية للدول محل الدراسة، اي عدم وجود عينة عشوائية يتم تعميم نتائج معاملاتها على البيانات الاجمالية. وفي تلك الحالة لا يجوز تطبيق اختبارات صحة الفروض الخاصة بالمعاملات عند مستوي المعنوية المحدد significance level . الا انه سيتم التغاضي عن ذلك في الدراسة وتحديد مستوي ثابت لدرجة المعنوية عند 0.05% ومقارنته لقيمة محدد pvalue للحكم علي مدي صحة معامل المتغيرات احصائياً. كما سيتم تفسير مربع معامل الارتباط على انه نسبة التباين في المتغير المستقل التي يمكن تفسيرها من المتغيرات محل النموذج.
وطبقاً لما هو موضح اعلاه، فان معاملات العمود (1) و (2) غير قابلة للتعميم على المستوي الاجمالي من الناحية الاحصائية. في حين يمكن استخدام المعاملات في العمود (3) لصحة افتراض وجود ارتباط بين التغير في الثروة ومستوى التعليم والعنف الداخلي. وكما اقترح هايوارد الكر ان الاختلاف الثقافي بين الاقاليم يجعلنا نتعامل مع هذه العلاقات بحذر.
باختبار المقياس الأول للثورة وهو عدد الوفيات الناتج عن العنف الداخلي، نجد أنه بالنظر للنتائج فان العنف الداخلي في دول اسيا عامة والشرق الاوسط خاصة قد يكون له مدلول سياسي مختلف تماما عن مدلوله في دول امريكا اللاتينية. في الجدول الأخير تم تقسيم الدول إلى مجموعات (اسيا، امريكا اللاتينية والشرق الاوسط) في محاولة للحد من تأثير الاختلافات الثقافية. فرنسا هي الدولة الوحيدة التي لاتنتمى لأى من هذه المجموعات.
بالنظر للثورات الاسيوية نجد ان معامل درجة الارتباط بين معدل التغيير في الناتج القومي الاجمالي للفرد والعنف المحلى صحيح احصائيا ( قابل للتعميم) نظراً لحساب قيمة محدد p value عند 0.01% وهي بالتالي اقل من مستوي المعنوية المحدد 0.05% و له دلالة مهمة حيث انه مسئول عن 88 % من التباين في متغير العنف المحلي.
وترتبط نسبة التلاميذ في التعليم الأساسي سلبا مع العنف الداخلي ومعامل الارتباط غير صحيح احصائيا عند محدد pvalue يساوي 0.1 وهو اكبر من مستوي درجة المعنوية المحدد عند 0.05% ، في حين انه يفسر حوالى 58% من التباين في متغير العنف المحلي.
بالنظر للشرق الاوسط نجد ان درجة الارتباط بين معدل التغيير في الناتج القومي الاجمالي للفرد والعنف الداخلي له دلالة مهمة لانه صحيح احصائيا حيث ان قيمة محدد 0.05 pvalue تساوي قيمة درجة المعنوية المحددة عند 0.05% ، كما انه مسئول عن 92 % من التباين في متغير العنف الداخلي. أي أن معدل التغيير في الناتج القومي الاجمالي للفرد السابق على الثورة مرتبط ارتباط تام بمستوى العنف الداخلي. اما العلاقة بين نسبة الالتحاق بالتعليم الاساسي والعنف الداخلي فهي غير ذات دلالة احصائيا بسبب ان قيمة محدد pvalue تساوي 0.1 وهي أكبر من مستوي المعنوية 0.05% علي الرغم من انها تمثل 85% من التباين في متغير العنف المحلي.
تظهر معاملات الارتباط لأسيا والشرق الاوسط تفسيرا للتباين في كل الحالات. ونظرا لوجود عدد قليل من الحالات فينبغي قبول النتائج بحذر.
قبل ان تفترض ان 92% من التباين في العنف الداخلي بالشرق الاوسط بسبب معدل التغيير في التنمية الاقتصادية، نجد أنه لابد من بذل المزيد من الجهود لاختبار النتائج في المدى الطويل.
باختبار المقياس الاخر للثورة وهو المدة (عدد الايام) تم عمل معاملات ارتباط لحساب المدة ومعدل التغيير في الناتج القومي الاجمالي ومعدل الالتحاق بالتعليم الاساسي. ولم تكن النتائج ذات دلالة احصائية عند تحديد درجة المعنوية عند 0.05%. وربما تتمثل أحد الصعوبات القصوى في حساب الفترة.
ويلاحظ برنتون في دراسته للثورة الروسية والانجليزية انه ربما يكون من الافضل التعامل مع موضوع المدة أو الفترة الزمنية بطريقة نوعية بدلا من كمية. ويعكس تحليله ونتائج دراسته ان متغير الفترة الزمنية يصعب قياسه. وعلاوة على ذلك بمقارنة الفترات نرتكب خطأ توظيف وحدات مختلفة من التحليل في نفس الدراسة. فاستخدام نفس المدة او الفترة لا يعكس ثقل الاحداث التي وقعت في تلك الفترة، فمثلا حدوث انقلاب ثوري خاض خلاله الثوار حرب مريرة في فترة ثلاث ايام لا ينبغي ان تتساوى مع انقلاب قصر غير دموي لمدة ثلاثة ايام ايضا ويؤدى فقط إلى تغيير في افراد النخبة الحكومية. وقد يكون استخدام عدد الاحداث ذات الطابع المتشابهة في فترة زمنية محددة مقياسا أكثر ملائمة بدلا من استخدام الفترة الزمنية كمتغير مستمر. وفي هذه الحال يكون من المفيد التعامل مع متغير المدة الزمنية على انه ذو قيم متصلة خلال فترة محددة بدلا من تحديد قيم محددة للمتغير الزمني، مع افتراض حد فاصل لوجود دلالة للعنصر الزمني على التأثير في الدراسة. فاذا كانت قيمة المتغير الزمني اقل من هذا الحد، فانه المتغير الزمني يكون في غير محله لشرح الاحداث السابقة أو العواقب المترتبة على حدوثه. في خارج هذا النطاق قد تكون الفترة الزمنية ذات دلالة.
وكلما زادت فترة الثورة ادى ذلك لزيادة الاستقطاب بين الفصائل المتحاربة في المجتمع، فالفصائل التي ربما كان قادرا على تسوية خلافاتها عن طريق التفاوض في بداية النزاع تزيد العدوات بينهم مع مرور الوقت إلى حد الاستسلام غير المشروط من جانب واحد فقط من الفصائل والذي من الممكن أن ينهي الثورة.

الاختلافات في التوقعات: مؤشر جيني

التعريف الاجرائي لمفهوم التوقعات هو درجة اللامساواة في الدخل أو توزيع الأراضي، فإذا كان معدل الانجاز مرتفع وهناك عدم عدالة في التوزيع فمن الممكن ان تثار شريحة واسعة من المجتمع بسبب مظاهر الثروة الجديدة لدى شريحة محدودة من السكان.
التطلعات –التي تعتمد على الانجازات طويلة المدى- تميل إلى ان تكون أعلى، في حين أن التوقعات –التي تتأثر بالواقع الفوري- قد تكون أقل بسبب عدم المساواة الاقتصادية السائدة، مما يؤدى ال اتساع الفجوة الثورية بين التطلعات والتوقعات بسبب المستوى المرتفع من عدم المساواة في توزيع الأراضي، ومن ثم نتوقع احتمالية عالية لقيام الثورة.
مؤشر جيني هو مقياس لعدم المساواة يقوم بحساب المنطقة الواقعة بين منحنى لورنز الذي يمثل أي مستوى من التوزيع وخط المساواة المثالية. وعندما تكون عدم المساواة مرتفعة، تكون المنطقة الواقعة بين منحنى لورنز وخط المساواة المثالية كبيرة، ومن ثم يعكس مؤشر جيني قيمة كبيرة، والعكس صحيح، وبعرض مؤشر جيني في الدول المدرجة في مصدر البيانات يوضح التالي:

  • القيم في الدول التي شهدت ثورات ناجحة في الفترة من (1955-1960) موضحة في الجدول التالي (1)
  • عرض القيم في الدول التي لم تشهد ثورات ناجحة موضحة في الجدول التالي (2)

مؤشر جيني لقياس عدم المساواة في توزيع الأراضي

  • الثورات الناجحة
فنزويلا 0.909 كولومبيا 0.849 هوندراس 0.757
العراق 0.881 البرازيل 0.837 فرنسا 0.583
الارجنتين 0.863 السلفادور 0.828
جواتيمالا 0.860 كوبا 0.792
  • الثورات غير الناجحة:
بوليفيا 0.938 اسبانيا 0.780 ألمانيا الغربية 0.674 الهند 0. 522
تشيلي 0.938 نيو زيلندا 0.773 فيتنام الجنوبية 0.671 سويسرا 0.498
استراليا 0.929 اليونان 0.747 النرويج 0.669 كندا 0.497
كوستا ريكا 0.892 النمسا 0.740 تايوان 0.652 اليابان 0.470
بيرو 0.875 مصر 0.740 لوكسمبرج 0.638 الدنمارك 0.458
اكوادور 0,864 بورتو ريكو 0.738 هولندا 0.605 بولندا 0.450
جاميكا 0.820 بنما 0.737 فنلندا 0.599 يوغسلافيا 0.437
اورجواي 0.817 المملكة المتحدة 0.710 ايرلندا 0.598
ايطاليا 0.803 سرينام 0.709 بلجيكا 0.587
جمهورية الدومنيك 0,795 الولايات المتحدة 0.705 السويد 0.577
نياكراجوا 0.757 ليبيا 0.700 الفلبين 0.564

وعند اجراء اختبار t لجانب واحد فقط ( اي ان قيم المعامل المقدر من العينة يعد اكبر من او اصغر من القيمة الحقيقية لهذا المعامل في البيانات الاجمالية)، فانه تم حساب قيمة معامل الاختبار t value عند 2.641 بدرجة حرية للبيانات تساوي 48 وتعكس هذه المؤشرات توزيع الأراضي والذي يرتبط ايضا بتوزيع الدخل، وتكون العلاقة ذات دلالة احصائية عند p<.05 ومن ثم يمكن تفسير عدم المساواة كشكل اجرائي للتوقعات، وعامة فقد وقعت الثورات في المجتمعات التي يوجد بها معدل عال من عدم المساواة في توزيع الاراضي. واقترح روسيت علاقة بين مؤشر جيني وعدم المساواة والعنف الداخلي عند r=.44 في الاربع واربعون حالة.

خاتمة:

يوفر تحليل عدم المساواة في توزيع الاراضي الدعم التجريبي للعلاقة المفترضة بين الفجوة الثورية وخصائص العنف المحلى في الثورات. بالرغم من ذلك ففي حين أن هذة العلاقة الافتراضية ثبتت صحتها في الثورات الاسيوية فانها لم تثبت في امريكا اللاتينية في الوقت ذاته.

وتشير النتائج إلى بديلين:

  • اذا افترضنا ان مستوى العنف الداخلي هو مؤشر على نوع الثورة في امريكا اللاتينية، بناء على ذلك سنستنتج انه لاتوجد عمليا اى علاقة بين معدل التغيير في الناتج القومي الاجمالي للفرد ونوع الثورة. يؤدى هذا البديل إلى تفسير العلاقات على اساس الاختلافات الاقليمية
  • اذا افترضنا ان العنف الداخلي ذا صلة محدودة بثوارات القصر بأمريكا اللاتينية (وهو النوع السائد في دول أمريكا اللاتينية)، من ثم فإن العلاقة بين التغيير في معدل الناتج القومي الاجمالي للفرد وانواع الثورات الاخرى ليس غير فعال. الثورات التي وقعت في اسيا اخذت احد نوعين انقلابات اصلاحية او انقلابات ثورية. ومن ثم فان ثورات القصر تتأثر بصورة محدودة بالعنف الداخلي في حين ان الانواع الاخرى من الثورات تتأثر بالعنف. ومن هنا فان دراسة معدل التغير في الناتج القومى الاجمالي ومستوى التعليم مهم نظريا في دراسة الثورات بخلاف ثورات وانقلابات القصر.

التساؤل المطروح الان لماذا تتأثر ثورات القصر بالعنف الداخلي تأثيرا محدودا؟
يقترح بلانكستن ان احد اسباب تكرار انقلابات القصر في أمريكا اللاتينية هو البنية الاجتماعية للطبقات التي تمنح الطبقة العليا احتكارا للمشاركة في السلطة السياسية واستبعاد مجموعات اخرى، وتمثل الفوارق الطبقية في امريكا اللاتينية حاجزا بين النخبة من جهه (الطبقة الاقتصادية والاجتماعية والتى يعيين منها اصحاب المناصب السياسية العليا) والجماهير من جهه اخرى(المستبعدون من هذه الطبقة الاقتصادية والاجتماعية). بسبب هذا الحاجز من النادر ان تؤثر الاضطرابات في المجتمع العادي على عمليات الحكومة في معظم دول أمريكا اللاتينية، كما أن التغيير في معدل الناتج القومي الاجمالي للفرد ذا علاقة محدودة أو منعدمة بالعنف الداخلي، وفي نفس الوقت علاقة العنف الداخلى بثورات القصر محدودة.
أما الدول الاسيوية موضع هذه الدراسة فلم تشهد نفس الدرجة من الجمود الطبقي الموجود في أمريكا اللاتينة، ومن ثم فإن التغييرات الاقتصادية التي من شأنها أن تؤثر على العنف الداخلى تحدد نوع الثورة، ونفس الحجة تنطبق على العلاقة بين مستوى التعليم ونوع الثورة.
ومن ثم تكون القاعدة العامة أنه كلما زادت الحواجز بين النخبة والجماهير، كلما قل مستوى تأثير العنف الداخلى على نوع الثورة، والعكس صحيح فكلما زالت أو قلت الحواجز بين النخبة والجماهير كلما زاد تأثير أنشطة العامة على نوع الثورة. ويعد الهيكل الاجتماعي للمجتمع الفرنسي قبل 1789 مثالا على هذه العلاقات. فوفقاً لتوكفيل شهد القرن السابع عشر والثامن عشر قبل عام 1780 فصل طبقي بين طبقة النبلاء والبرجوازيين والفلاحين وفي ذلك الوقت لم تشهد فرنسا اضطرابات ثورية بينما شهدت انجلترا عدم استقرار سياسي واعتبرت فرنسا محظوظة في ذلك الحين لوجود حكومة قادرة على فرض الاستقرار السياسي. أما العقد السابق على عام 1789 فقد شهد تناقص فى حدة الجمود الطبقي ومن ثم حدثت اضطرابات. وبذلك توفر الحالة الفرنسية نموذج مقارن داخل دولة واحدة، فالحواجز بين النخبة والجماهير منعت الاضطرابات الاجتماعية من تعطيل العمليات الحكومية قبل عام 1780، وفي وقت لاحق وفقا لتوكفيل عندما اصبحت هذه الحواجز قابلة للاختراق حدثت ثورة شعبية.
ركزت النظريات الحديثة على اهمية العلاقة بين النخبة والجماهير، وفي هذا الصدد أكد لوبون وجاسيت ان النخبة الحكومية لكي تتمكن من ادء وظيفتها واتخاذ القرارت الرشيدة، فلابد من حماية النخبة من تأثير الاقناع الشعبي الذي يظهر في كثير من الاحيان في اشكال عنيفة.
أما ارندت فقد رأت ان الجماهير –دون حماية النخبة- قد يخضعون لعملية تجزأة يحدث من خلالها فصل بين الأفراد ويصبحوا فريسة سهلة للتصاميم الشمولية من قبل النخبة.
يقترح كورنهايزر ان وجود جماعة منظمة في مجتمع تعددي يمكن ان يكون بمثابة وسيط بين النخبة والجماهير، ومن ثم لايوجود مبرر لاختراق الطبقات. قد تكون الافكار الخاصة بالفوارق الطبقية والمجتمع التعددي قابلة للبحث في المستقبل لقياس تأثيرها على حدوث وأنواع الثورات، وباستثاء فرنسا فإن الدول المذكورة في الجدول السابق (الخاص برصد العنف الداخلي ومعدل التغيير في الناتج القومي الاجمالي للفرد، ونسبة المسجلين في التعليم الأساسي) لم تطور مجتمعات تعددية. ومع ذلك فقد يرتبط التطور التعددي للدولة بنوع الثورة.
وفي النهاية يقترح الكاتبان ان الثورات يمكن أن توضع في الترتيب التالي في شكل سلسلة متصلة:

  • ثورة شعبية
  • انقلاب ثوري
  • انقلاب اصلاحي
  • انقلاب قصر

تم اقتراح هذا الترتيب في الدول الاسيوية بناء على العلاقة بين التغير في الثروة ومستوى التعليم والعنف الداخلي. أما في أمريكا اللاتينية التي ينتشر بها ثورات القصر، فلا تظهر هذه العلاقات.
ثورات القصر هى الاقل في الترتيب السابق من حيث درجة التغيير في الحكومة والمجتمع، وتظهر البيانات السابقة امكانية استبعاد ثورة القصر من السلسلة السابقة، إلا أن الامر يحتاج لمزيد من المراجعة لتحديد امكانية استبعاد ثورات القصر من مفهوم السلسلة المتصلة، وسيكون الامر اكثر عقلانية اذا تم فحص أهداف الثوار.
نخلص إلى أن هذه الدراسة تقترح ان درجة العنف الداخلي تختلف باختلاف درجة التغير المنشود من قبل الثوار، ومن ثم فان السلسلة المتصلة التي نتحدث عنها هي بالاساس سلسلة متصلة من رغبات الانسان في التغيير تترجم إلى شكل محدد من اشكال العمل السياسي، فالثوار في ثورة القصر يهدفون لشغل أدوار في بنية السلطة القائمة، أما التغيير في النظام الاجتماعي أو في بنية السلطة السياسية فهو ليس ضمن برنامجهم. لذلك اذا أردنا قياس سلسلة متصلة من التغيير السياسي والاجتماعي، فثورة القصر قد لا تساهم في هذه القياسات.

تقييم:

  • في حين افترض الكاتبان أن السبب في قيام الثورة وفقاً لأرسطو تمثل في الفقر، ترى الباحثة أن الكشف عن أسباب الثورة وفقاً له بسبب الفصل بين السلطة السياسية والاقتصادية وليس كما ذكر في المقال، فوفقا لأرسطو على سبيل المثال تحدث الثورة أيضا في الأوليجاركية من جانب الأوليجاركيين المستبعدين من السلطة السياسية.
  • قام الكاتبان باختبار الفرضيات المقدمة باستخدم اسلوب تجريبي، وترى الباحثة أن ما تم تقديمه كان مقنعاً. وقاما بتحليل البيانات بطريقة موضوعية وتقديم الأسباب والحجج لإضافة أو حذف أي من العوامل المؤثرة في سياق البحث.

تعريف بالكُتاب:

ريموند تانتر: استاذ العلوم السياسية وباحث في مركز الشرق الأوسط بجامعة ميتشيجان. حصل على درجة الدكتوراة من جامعة انديانا. وعمل كأستاذ زائر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في عام 2001 كتب خلاله مقال بعنوان “الدول المارقة والدول الأقل المسؤولة، والدول المعادية” ليكون جزءا من كتاب بعنوان “الضلال الرشيد: الردع والدفاع” في الفترة 2001- 2002، ثم عمل كباحث مقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن وقام باختبار صحة أفكار الاختيار العقلاني في تفسير سياسات الولايات المتحدة تجاه إيران. ودرًس بجامعة انديان بلومينجتون والجامعة العبرية بالقدس جامعة نورثوسيترن وجامعة ستانفورد وجامعة جورج تاون، كما درَس مقررات عن الارهاب الدولي وانتشار اسلحة الدمار االشامل والصراع العربي الاسرئيلي ودفاع الصوريخ الباليستية. وتولى عدة مناصب تنفيذية، حيث عمل كمسشار للأمن القومي في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري ومجلس العلاقات الخارجية ووزارة الدفاع الأمريكية.
ويعمل الان كرئيس للجنة الأمريكية لحقوق الانسان واستاذ زائر في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى واستاذ فخري بجامعة ميتشيجان، ومن أشهر كتبه: “النظم المارقة”، “تحقيق التوازن في البلقان”، “تصنيف الشر”، “استرضاء اية الله وقمع الديموقراطية”.
مانوس ميدلارسكي: أستاذ العلوم السياسية بجامعة كولورادو. نال درجة الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة نورث ويسترن، درَس فى جامعة فورست ليك وكولورادو وروتجرز، وعمل كاستاذ زائر في قسم العلوم السايسة ومركز الدراسات السياسية لمعهد البحوث الاجتماعية بجامعة ميتشيجان، وترأس قسم العلاقات الدولية في جامعة كولورادو. عمل كرئيس لجمعية لدراسات الدولية، ومستشار للحكومة في كندا والولايات المتحدة وهولندا. وتركزت كتاباته في موضوع العلاقات الدولية وركزت مؤلفاته على موضوعات الحرب، والتطرف السياسي، والابادة الجماعية.
أشهر مؤلفاته: “في الحرب: العنف السياسي في النظام الدولي”، “تفكك النظم السياسة: الحرب والثورة من منظور مقارن”، “تطور اللامساواة: الحرب”، “بقاء الدولة والديموقراطية من منظور مقارن”، “فخ القتل: الابادة في القرن العشرين”، “القتل الجماعي في القرن العشرين ومابعده”( *).


( * ) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

أماني عبد اللطيف

باحثة دكتوراه في العلوم السياسية، مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى