الشرق الأوسطترجمات

واشنطن بوست: لماذا فاجأ سقوط الأسد واشنطن؟


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في 13 ديسمبر 2024 مقالاً بعنوان: “لماذا فاجأ سقوط الأسد واشنطن؟” لـ ” شادي حميد”، وهو كاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست وعضو هيئة التحرير بها، والباحث في الدراسات الإسلامية في معهد فولر ومؤلف للعديد من الكتب، بما في ذلك “مشكلة الديمقراطية” و”الاستثنائية الإسلامية”.

يقول شادي حميد إن النظام السوري نجح في فرض هالة عن قدرته على البقاء في الحكم في غياب إرادة الشعب؛ ولكن الوحشية التي تعامل بها نظام بشار الأسد مع شعبه لم تكن أبداً علامة قوة، بل كانت في الحقيقة علامة ضعف، فالنظام السوري لم يكن بمقدوره الحكم إلا باستخدام القوة لأنه يفتقر من الأساس إلى أي مصدر آخر للشرعية.

ويضيف حميد أن الأنظمة الاستبدادية، مثل نظام الأسد، التي تعتمد على الدعم الأجنبي، قد تستمر لفترة طويلة، ولكنها حتماً لا تستمر إلى الأبد؛ “فكلما طالت مدة بقاء مثل هذه الأنظمة، كلما زادت احتمالات سقوطها”.

وقد جاء المقال على النحو التالي:

تظل الأنظمة الاستبدادية مستقرة إلى أن يحين وقت زوالها – وعندها يكون قد فات الأوان. ويمكننا أن نطلق على تلك الظاهرة “أسطورة الاستقرار الاستبدادي”.

فعلى مدى عقود من الزمان، لم يكن المسؤولون الأميركيون والأوروبيون يشعرون بالارتياح تجاه الفوضى الحتمية التي يفرضها التغيير الديمقراطي. وهذا على وجه التحديد هو السبب وراء قيامهم بتقويض الحركات المؤيدة للديمقراطية في العالم العربي بشكل عام، بما في ذلك من خلال دعم حلفائهم المستبدين بمليارات الدولارات على شكل مساعدات عسكرية. وبطبيعة الحال، فإن الحرية والديمقراطية تثيران بعض الإرباك والفوضى. وما المانع في ذلك؟

إن الدروس المستفادة من زوال حكم بشار الأسد – الذي ظل قابعاً في السلطة لنحو ربع قرن من الزمان – مُدمِّرة، ولكنها أيضا دروس لا يبدو على الإطلاق أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد تعلموها. فقبل أسابيع فقط، كانت الحكومات العربية لا تزال تتحرك بولع شديد لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد. وفي عام 2023، صوّتت لصالح استعادة عضوية سوريا في جامعة الدول العربية. وبعد الانتهاء من المراجعة الداخلية للسياسة تجاه سوريا، أشارت إدارة بايدن إلى أنها لن تقف في طريق التطبيع (مع نظام الأسد) منذ ذلك الوقت فصاعداً.

وفي عام 2024، أرسلت اثنتان من أقرب حلفاء أمريكا المستبدين في المنطقة، الإمارات و السعودية، سفراء لهم إلى دمشق لأول مرة منذ اثني عشر عاماً. وفي الوقت نفسه، اختارت ثماني حكومات أوروبية التحرك في اتجاه مماثل. ودعت الاتحاد الأوروبي قبل خمسة أشهر فقط إلى “مراجعة وتقييم” سياسته فيما يخص العزلة تجاه النظام السوري.

ولكن على الرغم من التردد الذي أبدته إدارة بايدن، فإن نهج عدم التدخل في التعامل مع الأسد كان منطقياً في السياق الأوسع للسياسة الأميركية في المنطقة. ففي نهاية المطاف، كانت سوريا “هادئة” – تلك الكلمة الخطيرة التي يحبها المسؤولون الأميركيون كثيراً.

لقد كان – ولا يزال – السؤال الأساسي هو نفسه: إذا تشكلت دولة ضد إرادة شعبها، فهل يمكن أن تكون هذه الدولة قوية حقاً؟ بهذا الخصوص، لعالم السياسة نزيه أيوبي تمييز مفيد بين الدول “القوية” و”الشرسة”، مشيراً إلى أنه من السهل دمج الاثنتين. وفيما يتصل بالديكتاتوريين الوحشيين، فقد كان بشار الأسد وحشياً بشكل غير عادي، وكان مسؤولاً عن قتل مئات الآلاف من السوريين خلال الحرب الأهلية التي عمّت البلاد.

ولكن ما فات المسؤولين الأميركيين، كما هي العادة في كثير من الأحيان، هو أن الأنظمة الاستبدادية تكون شرسة ولكنها تبقى هشّة. حيث تُخفي تحت قوتها الظاهرية ضعفاً أساسياً.

وهذه حكاية قديمة، وهو ما يجعل من المحبط حقاً أن نضطر إلى التنازع بشأنها كل بضع سنوات. ففي عام 2011، مع انتشار الاحتجاجات في مختلف أنحاء العالم العربي، وجد المسؤولون الغربيون أنفسهم في حيرة من أمرهم إزاء سرعة التغيير. وكما وثقت في كتابي “مشكلة الديمقراطية“، عادت الولايات المتحدة بسرعة إلى موقفها الافتراضي: مفضِّلة وهم الاستقرار الاستبدادي على عدم اليقين المحيط بالتغيير الديمقراطي. وقد دفع العرب أنفسهم ثمن هذا الاختيار، كما هو الحال دائماً.

ومن بين أسباب تردد الولايات المتحدة حماية إسرائيل من أي معارضة محتملة. وكما قال لي أحد كبار مساعدي الرئيس باراك أوباما ذات يوم: “إن الديمقراطية قادرة على جلب منظمات معادية لإسرائيل إلى السلطة، وهي المنظمات التي سوف تهدد أمن إسرائيل. وإلا فلماذا نهتم بالأمر إلى هذا الحد؟”. ووصف مارتن إنديك، وهو شخصية بارزة في إدارتي كلينتون وأوباما، التزام أميركا بعد الحرب الباردة بتعزيز الديمقراطية في كل مكان باستثناء هنا (في منطقة الشرق الأوسط) بأنه “استثنائية الشرق الأوسط“.

الواقع أن هذا النمط يتكرر باستمرار، لأن صناع السياسات الأميركيين يبدو عاجزين عن تصور مستقبل بديل للشرق الأوسط. فكل إدارة (باستثناء إدارة دونالد ترامب) تأتي وتقول أشياء لطيفة عن الحرية والديمقراطية. وكل منها ينتهي بها المطاف إلى التصالح مع فكرة ما أسماه أوباما سراً بـ “المستبدين الأذكياء“. ولكن المستبدين الأذكياء، كما اتضح بعد ذلك، ليسوا أذكياء إلى هذا الحد – إنهم فقط بارعون في إقناع العالم بأنهم لا غنى عنهم أبداً. ربما كان الأسد هو الشيطان الذي عرفناه، ولكن المشكلة مع الشياطين هي أنهم شياطين.

لقد كان نظام الأسد حتى أسابيع قليلة مضت يفرض هالة من القدرة على الديمومة في الحكم حتى إن أشد منتقديه صخباً بدأوا بالفعل في قبولها. ومن السهل أن نركن إلى الرضا عن الذات وأن نستسلم لذلك. وأنا أعلم يقيناً أنني كنت كذلك. ولو طلبت مني قبل أشهر أن أذكر حدثاً غير متوقع، لما خطر ببالي أبداً حتى أن أفكر في سقوط الدكتاتورية في سوريا.

في هذا السياق، أتذكر تجربة أجراها أحد أصدقائي، وهو أستاذ جامعي. فقبل أشهر من اندلاع الانتفاضات العربية في عام 2011، سأل طلابه عن الحكومة العربية الأكثر ترجيحا للسقوط. وكان هذا تمريناً “ممتعاً”، فهو مجرد افتراض. ولكن بعد كل شيء، لم يكن أحد من المراقبين يعتقد أن أي شيء سوف يحدث في أي وقت قريب. وكان قد طُلب من كل من طلابه الخمسين باختيار دولتين اثنتين من بين عينة من مائة دولة. والغريب أنه لم يذكر أي منهم من المائة دولة تونس، المكان الذي بدأ منه الربيع العربي.

إن مجرد رؤية أن الحقائق تبدو ثابتة في اللحظة الحالية لا يعني أنها ثابتة في الحقيقة. ويتعين على كل منا، كمراقبين، أن يصحح هذا التحيز تجاه “الوضع الراهن”.

إن الخيال البشري المتسع عادة ما يصبح أكثر محدودية بسبب خيبات الأمل في الحياة والسياسة. وعندما كنا نأمل لفترة طويلة (دون تحقق شيء)، ننسى كيف يمكن أن يتحقق الأمر. وهذه آلية معقولة تماماً للتكيف؛ فلا شيء يكسر الروح البشرية أكثر من الهجمات المتواصلة على ايماننا بإمكانية وجود مستقبل آخر.

وفي حالة سوريا، لم يكن الركود الوحشي لنظام الأسد ــ والشعور بالهدوء الذي بدا أنه يجلبه ــ قائما على الدعم الداخلي الحقيقي، بل على الأسلحة الروسية والدعم الإيراني. وعندما اضطرب هذا الدعم، بسبب استنفاذ قوى الجيشين في البلدين بسبب الحروب مع أوكرانيا وإسرائيل، أصبح الأساس الضعيف دائماً أكثر ضعفاً. وبدأ النظام يتصدع. ثم انهار تماماً.

وهذا ما يجعل نموذج الاستقرار جذاباً وخطيراً في الوقت نفسه: فهو يخلط بين الوحشية والقوة. ولكن الوحشية ليست قوة؛ بل هي علامة على الضعف، فهو نظام لا يستطيع الحكم إلا بالقوة لأنه يفتقر إلى أي مصدر آخر للشرعية. وكلما طالت مدة بقاء مثل هذه الأنظمة، كلما زادت احتمالات سقوطها. والواقع أن الأنظمة الاستبدادية مثل نظام الأسد التي تعتمد على الدعم الأجنبي قد تدوم لفترة طويلة. ولكنها بالتأكيد لا تدوم إلى الأبد ــ ولا تستطيع ذلك.


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى