ترجماتسياسة

أفريكان أرجومنتس: فشل دبلوماسية العسكر وتراجع الثقل المصري في القارة


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


نشرت أفريكان أرجومنتس، وهي منصة أفريقية للأخبار والتحقيقات والآراء، تقوم بتحليل القضايا التي تواجه القارة وإجراء التحقيقات الصحفية في القضايا المهمة، في 28 أغسطس 2024، مقالاً بعنوان “فشل الدبلوماسية العسكرية: الانقلاب المصري وتراجع الهيمنة في القارة الأفريقية“، لـ “حسام الحملاوي”، وهو صحفي ومدون ومصور وناشط اشتراكي مصري مقيم في ألمانيا.

يرى الكاتب أن الواقع أثبت الفشل الذريع لدبلوماسية العسكر، حيث تدهور وضع مصر كقوة إقليمية، وفرطوا في أرضها وغازها ومائها – بينما كان أنصار المؤسسة العسكرية في مصر، في الفترة التي سبقت انقلاب يوليو 2013، يروجون لسردية ضعف الرئيس المنتخب محمد مرسي والذي أدى إلى تدهور مكانة مصر في القارة الأفريقية، وفي نفس الوقت كانوا يصوّرون وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي بأنه أسد هصور، وأنه هو وضباطه وحدهم قادرون على استعادة مجد القاهرة كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتأمين حدود البلاد وحماية حصتها المشروعة المفترضة من موارد مياه النيل المهددة من قبل أديس أبابا.

وقد جاء المقال على النحو التالي:

دأب أنصار المؤسسة العسكرية المصرية في الفترة التي سبقت انقلاب يوليو 2013 على تداول ملصقات معالجة بالفوتوشوب بشكل سيء تصور وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي على هيئة أسد بينما ينظر إليه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وفي الوقت نفسه، كان الرئيس المنتخب محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين يُتهم بالضعف الذي أدى إلى تدهور مكانة مصر في القارة الأفريقية. وعلى النقيض من ذلك، كان المروجون للجيش أن السيسي وضباطه هم وحدهم القادرون على استعادة مجد القاهرة كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتأمين حدود البلاد وحماية حصتها المشروعة المفترضة من موارد مياه النيل التي يهددها حاكم طموح في أديس أبابا.. ولكن هذه لم تكن قصة نجاح على الإطلاق.

عسكرة وزارة الخارجية المصرية

وكانت العلاقة بين وزارة الخارجية المصرية وجهاز المخابرات العامة وثيقة، وتميزت بتداخل الاختصاصات. فمنذ أيامه الأولى، نجح جهاز المخابرات العامة في تكوين مجال نفوذ أكثر تجذراً في الخدمة الدبلوماسية، حيث هيمن على السياسة الخارجية تجاه جيران مصر وأماكن أخرى كذلك. ولم يتم فرض مثل هذا الاتجاه إلا في عهد اللواء عمر سليمان، الأمر الذي أثار استياء الدبلوماسيين في بعض الأحيان، وهو ما تم التعبير عنه بوضوح في مذكرات وزير الخارجية السابق أحمد أبو الغيط.

ولكن بعد انقلاب عام 2013، سارعت مؤسسات الأجهزة القمعية (جهاز المخابرات العامة والجيش والشرطة) إلى مد قبضتها على جميع مؤسسات الدولة، بما في ذلك وزارة الخارجية، كجزء من رؤية السيسي لعسكرة الخدمة المدنية والمجتمع. ولم يكن الاستيلاء على وزارة الخارجية من خلال تزويد صفوفها بمسؤولين أمنيين فحسب، بل كان كذلك من خلال إرسال دبلوماسيين صغار، بدءاً من عام 2017، إلى معسكر تدريبي أيديولوجي لمدة ستة أشهر في الأكاديمية العسكرية. حيث يتم التعامل مع الدبلوماسيين كمجندين، مهانين، مكسورين، ويتلقون ندوات حول نظريات المؤامرة الزائفة لحروب الجيل الرابع.

من النهر إلى البحر، الفشل هو كل ما نستطيع رؤيته

ولم يؤد الدفع نحو العسكرة والتغيير في ديناميكيات الإدارة بوزارة الخارجية إلى رفع مكانة النظام في أفريقيا، ناهيك عن مناطق نفوذ القاهرة التقليدية. بل على العكس من ذلك، يمكن للمرء أن يزعم أن الدولة العربية الأكثر اكتظاظاً بالسكان هي حالياً في أدنى نقطة في المنحدر الذي وصلت إليه فيما يتعلق بإبراز القوة الإقليمية؛ كما فشلت في الانتصار دبلوماسياً في كل تحدٍ واجهته.

وعلى الرغم من المحاولات المحمومة التي بذلتها مصر على مدى العقد الماضي لمنع إثيوبيا من بناء سد النهضة الكبير، الذي تعتبره القاهرة تهديداً استراتيجياً لمواردها المائية من نهر النيل، إلا أنها لم تتمكن من الانتصار في هذا الملف. فبعد جولات عديدة من المفاوضات المطولة، أعلنت الحكومة المصرية في ديسمبر 2023 أن المحادثات بشأن السد قد فشلت. والسد أصبح قيد التشغيل الآن.

وعلى الرغم من المساعي الحثيثة من جانب القاهرة لإدخال جنوب السودان في مجال نفوذها، صادقت الهيئات التشريعية في جنوب السودان مؤخراً على اتفاقية عنتيبي المدعومة من إثيوبيا هذا الشهر، مما يجعلها الدولة السادسة على نهر النيل التي تفعل ذلك، رغم أنف مصر والسودان.

وعلاوة على ذلك، فقد فاجأت إثيوبيا، الدولة غير الساحلية، مصر وبقية العالم في بداية هذا العام بتوقيع اتفاق مع “أرض الصومال” المنفصلة عن الصومال للحصول على حق الوصول إلى البحر الأحمر. وعارضت مصر الاتفاق بشدة، لكن ردها لم يتجاوز بعض التهديدات الشفهية والإدانات الفارغة.

وخلال هذا الشهر، وقّعت الحكومة المركزية في الصومال اتفاقية دفاع مشترك مع مصر؛ ومع ذلك، يقول عبد الرحمن ورسامي، وهو صحفي صومالي، “إنها خطوة رمزية جوفاء. فالأمر يتعلق الأمر بمحاولة السيسي إظهار أهميته، ومحاولة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود – الذي لا يسيطر على الكثير من أرض بلاده، بما في ذلك أجزاء من العاصمة نفسها – إظهار أن لديه أصدقاء. ولكن على أرض الواقع، لا شيء يتغير. ومن الصعب أن نرى مصر تهاجم إثيوبيا و “أرض الصومال” عسكريا، فكلاهما يتمتع بعلاقات وثيقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، الراعي الرئيسي للسيسي “.

كان تأمين قناة السويس الحيوية يعني دائماً أن مصر تسعى جاهدة لبناء هيمنتها الاستراتيجية على البحر الأحمر. ففي حرب عام 1973، فرضت البحرية المصرية، على سبيل المثال، حصاراً على إسرائيل بإغلاق مضيق باب المندب. وفي العقود التالية، عملت مصر دبلوماسياً وعسكرياً لضمان الملاحة البحرية السلسة عبر هذا الطريق البحري الحرِج.

لكن حملة الحوثيين في اليمن، في أعقاب اندلاع الحرب الأخيرة في غزة، تسببت في إحداث أزمة في التجارة العالمية واستنزاف عائدات العملة الصعبة من قناة السويس، والتي تشتد الحاجة إليها في ظل الأزمة الاقتصادية المستمرة في مصر. وعلى الرغم من التوسع الهائل في مشتريات الأسلحة الأجنبية (بما في ذلك الغواصات و الفرقاطات من ألمانيا)، فإن البحرية المصرية ليس لها أي دور يُذكر في احتواء التهديد وإزالة الاختناقات في حركة المرور البحرية.

فناء خلفي ضائع

وفي السودان، الذي كان يهيمن عليه تاريخيا جاره الشمالي – الذي كانت بصماته واضحة دائما في الانقلابات والتدخلات العسكرية والنزاعات السياسية الداخلية وعمليات المخابرات العامة – وقفت القاهرة موقف المتفرج، تراقب سقوط عمر البشير في عام 2019. ولم تتمكن مصر من التأثير على النتيجة السياسية للثورة آنذاك، والتي شهدت تدخل أديس أبابا، المنافس اللدود للقاهرة، للتوسط للوصول إلى تسوية بين المعارضة السودانية والجيش.

وبعد عامين، نفّذت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع انقلاباً ضد الحكومة المدنية، بضوء أخضر مصري، حسبما تم تناقله، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً في تهدئة البلاد.

وفي شهر إبريل 2023، تورط السودان في حرب أهلية بين الجيش وقوات الدعم السريع. تكبدت القوات المسلحة السودانية، المدعومة من القاهرة، خسائر مدمرة. وتجري الجهود الدبلوماسية لحل الصراع في دول مثل المملكة العربية السعودية والبحرين وجيبوتي، وليس مصر، التي ليس لها تأثير يذكر على عملية التفاوض. ولم تسفر المحاولة الوحيدة التي بذلتها القاهرة لاستضافة محادثات سودانية هذا الشهر عن أي شيء يُذكر.

وفي بداية الحرب الأهلية، استولى جنود قوات الدعم السريع على طائرات مصرية وأساءوا معاملة جنود مصريين في قاعدة مروي الجوية. وكانت مصر تهدف إلى إنشاء موقع استراتيجي متقدم في السودان لتهديد إثيوبيا، لكنها خسرت هذا الوجود العسكري بطريقة مهينة تم تسجيلها في مقطع فيديو وتداولها على الإنترنت، مما زاد الطين بلة. ومرة أخرى، تم فضح القاهرة كأسد عجوز بلا مخالب.

الدكتاتورية العسكرية وكسوف الهيمنة الإقليمية

وكان المكان الوحيد الذي استعرض فيه الجيش المصري عضلاته هو ليبيا المجاورة التي مزّقتها الحرب، من خلال حملة جوية قامت بها. وحتى تلك الغارات الجوية التي شنتها هناك لم ترجح الموازين على الأرض لصالح حلفاء السيسي. وعلى النقيض من الافتراض التبسيطي بأن النظام المفرط في العسكرة من المحتم أن يكون لديه سياسة خارجية شرسة، فإن حالة مصر هي مثال صارخ على كيفية تأثير حالة الافتقار إلى الشرعية السياسية محلياً على قدرة الدولة على فرض قوتها إقليمياً. فبعد إهدار مليارات الدولارات على مشاريع ضخمة وافتقاره من الدعم المحلي، أصبح نظام السيسي معتمداً بشكل أساسي على المساعدات الاقتصادية والسياسية من الخارج. وقد حد هذا في نهاية المطاف من قدرته على اتباع سياسة خارجية حازمة خشية أن يغضب رعاته.

وبصرف النظر عن حجم مشتريات الجيش المصري من الأسلحة، التي يتم تمويلها بشكل أساسي من خلال القروض من أوروبا، أو حجم قواته، فإنه موجّه بشكل أساسي نحو فرض النظام في الداخل وترسيخ النظام الدكتاتوري الذي يخدم امتيازات طبقة الضباط. حيث يعتبر أن أية مغامرات دبلوماسية أو عسكرية عنترية خارج حدود البلاد قد تؤدي إلى كارثة مربكة، وهو ما من شأنه أن يؤدي بدوره إلى المزيد من تآكل مكانة الجيش داخل مصر ويهدد أسس النظام الحاكم.


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى