تقديرات

إدلب: المنطقة العازلة ـ اتجاهات ومسارات

قضى الاتفاق الروسي التركي بخصوص المنطقة العازلة في إدلب، أن يكون الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2018 هو الموعد النهائي لانسحاب ما أطلق عليه “مجموعات إرهابية”، ولــسحب السلاح الثقيل من كافة الفصائل في ذلك الحيز الجغرافي، الذي تم تحديده كمنطقة منزوعة السلاح بعمق يتراوح ما بين 15 إلى 20 كلم من أراضي سيطرة المعارضة. في حين أن القوات الحكومية السورية، ستبقى في مواقعها على الطرف المقابل لخطوط التماس، وليست مجبرة على سحب أي قطعة من معداتها العسكرية ثقيلة كانت أم خفيفة، ولا حتى تقليص أعداد عناصرها .
لكن مع عدم انسحاب الفصيل الذي يسيطر على الثلثين من مساحة هذه المنطقة أو تسليم سلاحه الثقيل وهو “هيئة تحرير الشام”، تم تمديد مهلة الانسحاب التام. ذلك ان الأطراف المعنية بالاتفاق الروسي – التركي أدركت أن تطبيقه يحتاج مزيدا من الوقت، مع تأكيدها على أن اتفاق المنطقة العازلة ما زال ساريا. حيث أعلن الكرملين في (16 اكتوبر/تشرين الاول 2018)، أن الاتفاق الذي ينص على إنشاء منطقة عازلة في محافظة إدلب بشمال غربي سوريا “قيد التنفيذ”. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: “بالاستناد إلى المعلومات التي نحصل عليها من عسكرينا، يتم تطبيق الاتفاق، وجيشنا راضٍ عن الطريقة التي يعمل بها الجانب التركي1 “.
يُذكر أن مطلب المنطقة العازلة جاء بعد عدة لقاءات ومشاورات متلاحقة منذ قمة سوتشي الثلاثية (روسيا – تركيا – إيران) في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، إلى قمة سوتشي الثنائية ما بين الرئيسين التركي والروسي في 17 سبتمبر/أيلول 2018، حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه توصل مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان إلى “قرار جاد بشأن إدلب السورية”، خلال قمة ثنائية عقداها في منتجع سوتشي.
وقال: “قررنا إقامة منطقة منزوعة السلاح بين مقاتلي المعارضة وقوات الحكومة السورية بحلول 15 اكتوبر/تشرين الاول المقبل”، مشيرا إلى ان القوات الروسية والتركية ستراقب المنطقة المنزوعة السلاح، وذلك انطلاقا من أهم بنود قمة سوتشي2017 2 والتي أكدت على أن:

  1. سيُعمل على الحفاظ على منطقة خفض التصعيد في ادلب، وسيتم تعزيز مواقع المراقبة التركية لمواصلة عملها.
  2. سيتخذ الاتحاد الروسي جميع التدابير اللازمة لضمان تجنب العمليات العسكرية والهجمات على إدلب وسيتم الحفاظ على الوضع الراهن.
  3. سيتم إنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق يتراوح بين 15-20 كم في عمق منطقة التصعيد.
  4. سيتم تحديد الخطوط الدقيقة للمنطقة منزوعة السلاح من خلال مفاوضات لاحقة.
  5. سيتم إزالة كافة الجماعات الإرهابية المتطرفة من المنطقة المنزوعة السلاح قبل 15 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
  6. سيتم سحب جميع الدبابات وراجمات الصواريخ والمدفعية والهاون العائدة لكافة الأطراف المتنازعة من المنطقة العازلة قبل 10 تشرين الأول/ أكتوبر.
  7. ستقوم القوات المسلحة التركية والشرطة العسكرية التابعة لقوات الاتحاد الروسي بدوريات منسقة وبعمليات الرصد مع الطائرات بدون طيار على طول حدود المنطقة المنزوعة السلاح بهدف ضمان حرية حركة السكان المحليين والبضائع واستعادة العلاقات التجارية والاقتصادية.
  8. استئناف السير والعبور على الطرق أم 4 التي تربط حلب باللاذقية، وأم 5 التي تربط حلب بحماه قبل نهاية العام 2018.
  9. سيتم اتخاذ التدابير الفعالة لضمان نظام مستدام لوقف إطلاق النار في منطقة حفض التصعيد في إدلب، وفي هذا الإطار، سيتم تعزيز مهام مركز التنسيق المشترك بين إيران وروسيا وتركيا.
  10. تأكيد الجانبان مجدداً عزمهما على مكافحة الإرهاب في سوريا بكل أشكاله ومظاهره.

أولاً: جدل المفاهيم

لا بد من التمييز بداية، ما بين المنطقة العازلة أو منزوعة السلاح، ومناطق خفض التصعيد والمناطق الآمنة، إذ لكل من هذه المصطلحات معنى مغاير. أما الأخيرة وهي المنطقة الآمنة فقد كانت مطلبا تركيا قويا في 2014 وذلك بغية حماية المدنيين من جهة وقطع الطريق على التمدد الكردي على حدودها الجنوبية.
كما كان مطلبا شعبيا منذ بداية الثورة حيث خرج الشعب في مظاهرة “جمعة المنطقة العازلة” في 2 يناير/كانون الثاني 2011. والهدف منها منطقة آمنة بالمفهوم القانوني الصحيح، تشكل ملاذا للمدنيين وهو ما لم يتم طوال سني الثورة بل قُتل منهم مئات الآلاف، بينهم 19.811 ألف طفل و12.513 امرأة وفقا للمرصد السوري لحقوق الانسان.3
“المناطق الآمنة” مصطلح لم يرد حرفيا في اتفاقيات جنيف الأربع 1949، أو في البروتوكولات الاضافية 1977، بل وردتْ ثلاثة أنواع من المناطق تدل عليها: مناطق طبية، مناطق محايدة، مناطق منزوعة السلاح. لكن يمكننا اعتبار المنطقة الآمنة safety zone : انها منطقة محددة باتفاق لا يقوم بموجبه أطراف النزاع المسلح بنشر قوات عسكرية فيها أو تنفيذ هجمات عليها. يتم إنشاؤها بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي. ويمكن أن تشمل مناطق حظر الطيران. تهدف هذه المناطق إلى حماية المدنيين الفارين من القتال، وتسهيل حصولهم على المساعدات الإنسانية. قد يُدافَع عنها بقوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة أو قوات أخرى معنية بالصراع. وتكون لأهداف إنسانية.
أما المنطقة العازلة Buffer zone ومن انواعها المنطقة منزوعة السلاح de-militarized zone : المنطقة العازلة هي مساحة معينة من الإقليم الأرضي لدولة ما تحددها الأمم المتحدة أو أطراف دولية بغرض السيطرة عليها عسكريا وفرض الحماية والوصاية الامنية عليها تحت مسمى حماية السلم والامن الدولي. ويحظر فيها وجود أي مقاتلين أو أسلحة أو معدات أو مرافق عسكرية والتي لا يجوز أن تنطلق منها أي أعمال أو نشاطات عدوانية تساند أو ترتبط بالعمليات العسكرية. وفي حالة انشاء منطقة عازلة في ادلب كان بعد سلسلة اتفاقات روسية تركية ايرانية كما رأينا . تقام المنطقة العازلة لأهداف سياسية وعسكرية.
لكن هل المنطقة الآمنة، آمنة فعلا، وهل المنطقة العازلة ستحول دون استئناف العمليات العسكرية؟
فضلا عما ستعانيه المناطق الآمنة من المشاكل ذاتها التي تعانيها مخيمات النازحين، إذ قد لا يكون السكان قادرين على الوصول إلى العمل أو مزارعهم مثلا، ما يزيد اعتمادهم على المساعدات الغذائية والمياه وباقي الخدمات مثل الرعاية الصحية، أظهرت التجارب الدولية أن “المناطق الآمنة” نادرا ما تبقى آمنة.
وغالبا ما تشكل خطورة كبيرة على المدنيين داخلها. إذ يمكن وقوع “مناطق آمنة” تحت هجوم متعمد ويؤدي وجود العسكريين أحيانا بين المدنيين أو عبر استخدام المنطقة الآمنة لشن هجمات إلى جعل المنطقة هدفا عسكريا، بدل كونها منطقة آمنة حقا4 ، فكيف مع وجود مجموعات يصنفها الطرف الآخر “ارهابية”؟
باختصار، المناطق الآمنة لحماية المدنيين والفقراء تاريخيا لها سجل سيئ من سريبرينيتشا في البوسنة والهرسك، إلى كيبيهو في رواندا، وصولا إلى مولايتيفو في سريلانكا. فقد أظهر سقوط سريبرينيتشا وضواحيها أمام قوات صرب البوسنة في أوائل يوليو/تموز 1995 ضعف التزام المجتمع الدولي المعلن بحماية المناطق التي أعلنها “مناطق آمنة تحت حماية الأمم المتحدة” عام 19935 .
في حين أن مناطق خفض التصعيدde-escalation zone : هي مساحات معينة تعمل دول وأطراف ما على تخفيف وضبط الأعمال القتالية فيها، ومنح السكان فيها ظروفا أكثر أمنا. وهي أقل تأمينا وحماية من المناطق الآمنة أو المناطق العازلة التي تقام عادة في مناطق تتعرض لحروب وصراعات داخلية.
في سوريا، قامت مناطق خفض التصعيد بعد ان وقّع في أستانا 4 مايو/ايار 2017 كل من روسيا تركيا وايران، كدول ضامنة لمراقبة نظام وقف إطلاق النار في الجمهورية العربية السورية على إنشاء مناطق لتخفيف التصعيد مسترشدة بأحكام قرار مجلس الأمن 2254 بهدف وضع نهاية فورية للعنف وتحسين الحالة الإنسانية وتهيئة الظروف الملائمة للنهوض بالتسوية السياسية للنزاع في الجمهورية العربية السورية 6 .

ثانيا: المواقف الدولية من المنطقة العازلة

بعد ان استردت قوات النظام السوري بمساندة القوات الروسية والميليشيات الايرانية أغلب المناطق التي خسرها، وآخرها في درعا، توجهت الانظار نحو المعركة الأهم والأخطر… إلى ادلب اخر معاقل الثورة السورية وملاذ أكثر من ثلاث ملايين مدني. فكان الحديث عن معركة شاملة ومفصلية يعتبر القائمين على اتفاق المنطقة العازلة انهم جنبوا ادلب حمام دم كبير بإفشالها. واليوم مع تأجيل مدة انتشار “القوات الضامنة” وعدم انسحاب هيئة تحرير الشام أو تسليم سلاحها الثقيل نرصد مواقف الاطراف العسكرية وما يتوقع لهذه المنطقة ومصير الثورة السورية تلقائيا، اذ يشكل هذا الاتفاق مدخلا لأنهاء الصراع بنسبة كبيرة جدا.

روسيا:

تحرص كل الحرص على تحقيق اتفاق استانة لاعتبارات متعددة اولها عدم رغبتها في افشال تحالفها مع تركيا، إذ يعد ذلك مخالفا لمصالحها في المنطقة، خاصة ان فشله سيؤدي إلى تقارب مع الولايات المتحدة الامريكية لاعتبارات متعددة في خارج الملف السوري حتى. كما أنها من خلال تطبيق اتفاق المنطقة العازلة تعمل على الحد من هجمات الثوار بطائرات دون طيار على مواقعها العسكرية من جهة، وتخفف من أي تفوق ميداني لصالح إيران بظل التفوق العددي لقوات الأخيرة البرية والمحلية الموالية لها.

تركيا:

تتمثل المخاوف التركية مما سينجم عن العمليات العسكرية التي سيقوم بها النظام السوري وحلفاؤه في ادلب من مجازر ستطال المدنيين وموجات لجوء جديدة، فضلا عن انهاء الثورة السورية بإستهداف اخر معاقل المعارضة بحرب شاملة وتفوق لوجستي للنظام وحلفاؤه. أما أمنيا وسياسيا تتمثل الخسارة الاكبر لتركيا في تهديد وجودها ضمن مناطق درع الفرات وغصن الزيتون التي تشكل سدا بمواجهة الميليشيات الكردية والمشروع الكردي شمال سوريا عموما.

إيران:

كان الموقف الايراني مناهضا للمنطقة العازلة بداية، فقد اعتبر كبير مستشاري رئيس البرلمان الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن إيجاد أي منطقة عازلة في سوريا هو بمثابة عدم احترام لسيادة سوريا واستهداف لوحدتها. وأضاف أن هدف ما سماه المحور الأميركي الإسرائيلي هو جمع من وصفهم بالإرهابيين المطرودين من العراق ودمشق وحلب في المنطقة العازلة. كما أشار إلى أن تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا لن يكون إلا بالقضاء على الإرهابيين، وفق تعبيره. بل يجب إبعادهم عن مفاوضات جنيف حتى يتم التوصل إلى حل سياسي لـ الأزمة السورية7 . الا أن أعلنت إيران مؤخرا عن عدم مشاركتها في أي عملية عسكرية محتملة في محافظة إدلب، بجانب نظام بشار الأسد وروسيا.
وخلال القمة الثلاثية الأخيرة في طهران بين رؤساء تركيا وروسيا وإيران، وعلى غير المتوقع، اتسم الخطاب الايراني في القمة بالليونة والدبلوماسية. حيث شدد الرئيس الإيراني على ضرورة حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب .
واكتفى الرئيس الإيراني قال إنه “لا بد من اجتثاث الفلول الإرهابية في إدلب، وأنه على جميع الإرهابيين إلقاء السلاح ووقف عملياتهم، لكنه لم يبد اعتراضا على مطالبة تركيا إعلان الهدنة8 .

النظام السوري:

لم يكن النظام السوري يرغب الا بدخول ادلب، بحيث يعتبر ان هذا سيكون انتصاره الساحق على المعارضة السورية وسيؤمن له مكاسب اكبر بكثير مما سيحصل عليه عبر طاولة المفاوضات عقب تطبيق اتفاق المنطقة العازلة. واليوم ومع تأخر التطبيق الفعلي للمنطقة العازلة، من انتشار للقوات التركية والروسية أو سحب السلاح الثقيل لهيئة تحرير الشام. صرح وزير الخارجية السوري وليد المعلم الاثنين (15 اكتوبر/تشرين الاول الجاري) تعليقاً على الاتفاق: ” يجب أن ننتظر رد الفعل الروسي على ما يجري هناك “، إلا إنه أكد “في الوقت ذاته، ” أن قواتنا المسلحة جاهزة في محيط إدلب”.

مواقف القوى الثورية

على الطرف المقابل نجد ان الثوار قد انقسموا ما بين رأيين أو ثلاث، طرف رافض بالكلية لاتفاق المنطقة العازلة، وطرف مؤيد وطرف يلتبس تحديد موقفه بوضوح لا بل أنه منقسم على نفسه.

الطرف الموافق على مضامين اتفاق المنطقة العازلة

وفي مقدمتهم جبهة تحرير سوريا والحكومة المؤقتة في مناطق درع الفرات، فترى جبهة تحرير سوريا “أن ترسيم المنطقة العازلة هو حل مرحلي وليس نهائي، ولذلك فإن الدخول التركي للمناطق المحررة بحدودها الآنية هو قرار دولي ولن يتم الانسحاب الا بقرار دولي آخر.
كما صرح النقيب ناجي المصطفى المتحدث الرسمي للجبهة الوطنية للتحرير، بأن النقاط العسكرية التابعة لفصائل قوى الثورة السورية ستبقى تحت سيطرتها وبكامل جاهزيتها لن النظام السوري والميليشيات الموالية لا تلتزم بالعهود والمواثيق”9 .

الطرف المتحفظ أو المناهض لاتفاق المنطقة العازلة

يُعد موقف هيئة تحرير الشام الفصيل المهيمن على ثلثي المنطقة العازلة الاكثر تعقيدا فيما يتعلق بالاتفاق، فالهيئة المنقسمة داخليا في هذا الملف، أعلنت ليل انتهاء المهلة المحددة لخروج الجماعات المتشددة انها آثرت “تأجيل إبداء موقف مما يجري، للتشاور والتواصل مع باقي المكونات الثورية في الشمال المحرر، ونخبه في الداخل والخارج”.
وأنها تثمن الجهود التركية لحقن دماء السوريين دون ذكر تركيا، إلا أنها تؤكد على تمسكها بجهادها وسلاحها: “إننا لن نحيد عن خيار الجهاد والقتال سبيلًا لتحقيق أهداف ثورتنا المباركة، وإن سلاحنا هو صمام أمان لثورة الشام، وشوكة تحمي أهل السنة وتدافع عن حقوقهم”. كما أكدت على حمايتها للمهاجرين الذين اتووا لنصرة الشعب السوري10 .
وهذا ما دفع البعض لاعتبار البيان موافقة ضمنية لاتفاق المنطقة العازلة في الوقت الراهن، والبعض الآخر يراه رفضا، خاصة وأن أهم بند باتفاق المنطقة العازلة تركز عليه روسيا هو “خروج المتشددين أو العناصر الارهابية”، اذ تؤكد روسيا على أن أي عمل عسكري من قبل الطرف الثوري سيواجه بالقو. حيث أعلن النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، مؤخرا، أن روسيا وتركيا، لديهما كل الأسباب للبدء بالقضاء على الإرهابيين، في حال قاموا بانتهاك حدود المنطقة العازلة المقرر إقامتها في إدلب السورية . فقال جباروف، وهو جنرال في جهاز الأمن الفدرالي الروسي، لوكالة “سبوتنيك”: “لقد وجدنا طريقة معقولة للخروج من الوضع الصعب، إقامة منطقة عازلة ستسمح بتجنب التماس المباشر بين الإرهابيين والجيش السوري”11 .
لكن تيار ثان داخل الهيئة بقيادة المصري “أبو اليقظان المصري” يرفض الاتفاق ويعتبره تعطيلا للجهاد ومدخلا للهزيمة لا مفر، وكذلك فصائل متشددة أصغر.
كما جاء موقف إحدى أبرز فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي “جيش العزة” رافضا بنود الاتفاق أو بمعنى ادق متحفظا على الاتفاق حتى تحقيق بعض المطالب، مؤكداً في بيان أصدره، أنه “يرفض تسيير دوريات الاحتلال الروسي على كامل اراضينا المحررة، ورفض فتح الطرق الدولية وفك الخناق عن إيران والنظام وانطلاق تجارتهم الا بعد إطلاق سراح المعتقلين من مسالخ الموت لدى النظام. واننا نهيب بإخواننا الثوار أن يصغوا إلى مطالب جماهير الثورة في مظاهراتهم العظيمة في الشمال المحرر كاملا”12 .
ولم يكن كل هذا خروجا عن المطالب الشعبية الثورية، فقد جاء الرفض الشعبي في ادلب يصب بهذا الاتجاه حيث خرجت المظاهرات في الشمال المحرر تحت شعار أن “لا بديل عن إسقاط الأسد” وذلك بعد ظهر يوم الجمعة الرابع عشر من سبتمبر/ أيلول الماضي، تركزت في أكثر من مئتي نقطة؛ للتنديد بتهديدات نظام الأسد وحليفه الروسي باجتياح المنطقة مدعوما بالمرتزقة الإيرانيين . كما أتت هذه المظاهرات بالتزامن مع التصريحات الروسية التي أكدت وجود تنظيمات إرهابية، في مدينة إدلب يجب القضاء عليها، في حين تستمر تركيا بإرسال التعزيزات العسكرية لنقاط المراقبة المنتشرة في كل من إدلب وريف حماة الشمالي.

ختاماً

انطلاقا من التجارب السابقة في هدن ومناطق خفض التصعيد في سوريا، اتضح ان النظام السوري لا يلتزم بمواثيقه وعهوده، مبررا أي انتهاك بملاحقة أو متابعة مجموعات إرهابية، أو من باب حقه بالرد على هجوم حصل داخل مناطقه. لكن اليوم مع انتشار قوات روسية – تركية في تلك المناطق فهذا سيجعله بمواجهة مباشرة معها مما سيشكل له نوع من الردع ان التزمت القوات الضامنة بالاتفاق!
وعليه تجد تلك الفصائل على اختلافها أن لها الحق والأولوية بحماية سلاحها ونقاطها وتأمين جهوزيته في المناطق التي تلي حيز المنطقة العازلة رغم ثقتها بالطرف التركي وبعضها متحفظ على سحب سلاحه الثقيل منها عينها. فما الذي يمنع الطيران النظامي والموالي له من تعقب الجماعات التي ييعتبرها ارهابية ما بعد هذا الحيز وكيف للمعارضة الرد بظل قوات الفصل التركية الروسية.
أما على الصعيد السياسي، فمن المرجح تكثيف المشاورات للعمل على اندماج حكومة الانقاذ والحكومة المؤقتة أو هيئة تحرير الشام مع جبهة تحرير سوريا في ظل غموض حول نتائج هذه المشاورات للاختلافات الكبيرة بينهما. كذلك تثار هنا مسألة التعامل مع الاطراف الرافضة لكل هذا الاتفاق وبالتالي دخول القوى الثورية في صراع فيما بينها وهي بغنى عنه. خاصة وأن النظام، روسيا وإيران ينتظرون فرصة “لملاحقة وتعقب المجموعات الإرهابية” في داخل إدلب.
ويبقى السؤال الأهم، ما الذي ستجنيه المعارضة ما بعد هذا الاتفاق بتجميد آخر جبهات القوى الثورية؟(13 ).


الهامش

1 جريدة الشرق الاوسط، 17 اكتوبر 2018. الرابط .

2 قمة روسية تركية إيرانية عقدت في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بمنتجع سوتشي الروسي بين رؤساء روسيا فلاديمير بوتين، وتركيا رجب طيب أردوغان، وإيران حسن روحاني، وتركزت حول مساعي وخطوات حل الأزمة السورية من خلال تسوية سياسية تنهي الحرب في سوريا، ويشمل ذلك تنظيم مؤتمر حوار تشارك فيه كل المكونات السورية، وتعزيز وقف إطلاق النار، وزيادة المساعدات للمتضررين من الحرب .
وأضاف البيان أن “رؤساء الدول الثلاث يؤكدون أن إنشاء مناطق خفض التصعيد.
وشدد الرؤساء على أن مناطق خفض التصعيد المنشأة في سوريا عقب عملية أستانا تعتبر فعالة للغاية، مؤكدين أنها ساعدت على خفض العنف، والقضاء على المعاناة الإنسانية، ومنع تدفق اللاجئين، والبدء بالعمل حيال تحضير الظروف المواتية من أجل عودة اللاجئين والنازحين بشكل آمن.

3 وذلك حتى مارس/اذار 2018.

4 هيومن رايتس وتش، أسئلة وأجوبة حول المناطق الآمنة والنزاع المسلح في سوريا، الرابط .

5 هيومن رايتس وتش، المرجع السابق.

6 مجلس الأمن، القرار رقم 2254، رقم الوثيقة : S/RES/2254 ، الرابط .

7 الجزيرة – الاخبار، طهران: المنطقة العازلة مس بسيادة سوريا، الرابط .

8 الاناضول، هل أنهت قمة طهران الجدل حول العملية العسكرية في إدلب، الرابط .

9 نوار اوليفر، اتفاق المنطقة العازلة في ادلب، مركز عمران للدراسات، 2018، ص 3.

10بيان هيئة تحرير الشام، ثورة الشام لن تموت، 14 اكتوبر/تشرين الاول 2018.

11 سبوتنيك عربي، موسكو تتحدث عن مصير المسلحين الذين سينتهكون “المنطقة العازلة” في إدلب، الرابط .

12 بيان جيش العزة، الصادر بتاريخ: 29 سبتمبر/ايلول 2018.

13 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

الوسوم

بدرية الراوي

باحثة في العلوم السياسية والقانون الدولي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى