تقاريرمجتمع

استعادة الآثار المصرية من الخارج: الواقع والمأمول

بداية؛ يمكنني تقسيم الآثار المصرية الموجودة بالخارج، إلى نوعين:

الأول: الآثار المصرية التي تم الاستيلاء عليها وتهريبها إلى الخارج، على مدار تاريخنا الطويل، بداية من عصر الرومان الذين حملوا من مصر كل ما تمكنت أيديهم من اقتناصه، وصولا إلى العصر الحديث الذي غرفت فيه الدول الأجنبية من آثار مصر كل ما طاب لهم. وهي تلك الآثار المعروضة حاليا بمتاحف العالم المختلفة أو منتشرة بميادين العواصم الدولية، والتي يبلغ عددها في أقل تقدير طبقا لإحصاءات دقيقة؛ مليون قطعة[1]. وهذه القطع المعروضة بتلك المتاحف – وطبقا للقوانين الدولية – تعتبر آثارا مصرية من حيث الاسم فقط، أما ملكيتها فتعود للمتاحف التي تضمها.

ثانيا: الآثار المصرية التي نراها ونسمع عنها بشكل دائم، وهي تُعرض للبيع بمزادات علنية بدول أمريكا وأوروبا وغيرها. وهذه النوع، غير مسجل بالمتاحف الدولية، كما أنه غالبا ما يكون غير مسجل بالمتاحف المصرية، وهذا النوع أسهل في العمل على استعادته من النوع الأول. 

وهنا في هذا التقرير، نتناول موضوع استعادة الآثار المصرية من الخارج خلال محورين اثنين، كالتالي:

المحور الأول: ونتعرف من خلاله على الواقع الحالي لعملية استعادة الآثار المصرية من الخارج.

المحور الثاني: ونسعى من خلاله للعمل على وضع آلية مقترحة لكيفية السعي نحو عملية الاستعادة.

المحور الأول: واقع عملية استعادة الآثار المصرية

في الحقيقة؛ أنه كلما ذاع خبر عن سرقة وتهريب الآثار المصرية إلى الخارج، كلما سارعت الحكومة في الإعلان عن سعيها الحثيث لاستعادة الآثار من الخارج. فمؤخرا وعندما ثارت قضية مشاركة مدير متحف اللوفر السابق في بيع قطع آثار مصرية لمتحف لوفر أبو ظبي ومتحف متروبوليتان للفنون بنيويورك، تجاهلت وزارة الآثار الخبر بشكل شبه كامل فيما صرحت – في الوقت ذاته – على لسان المشرف العام على إدارة الآثار المستردة بالمجلس الأعلى للآثار، بأن مصر نجحت في استعادة 29 ألف قطعة أثرية خلال 5 سنوات[2]. كما سبق وأعلن المجلس الأعلى للآثار؛ أن الدولة نجحت خلال عام 2021م في استعادة 115 قطعة أثرية من فرنسا، و5000 قطعة من الولايات المتحدة الأمريكية.[3]

كما ذكر وزير السياحة والآثار – خلال مشاركته في المؤتمر الإقليمي الأول الخاص بـ “مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في التحقيقات المعنية بجرائم الفن والآثار” – أن الدولة نجحت على مدار السنوات الأخيرة من استعادة آلاف القطع الأثرية والعملات المعدنية من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وإنجلترا وألمانيا وسويسرا وبلجيكا وهولندا والنمسا والدنمارك وقبرص، وكندا والمكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، ولبنان والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، وغيرها.[4] وإن ذِكرِ الوزير لكل تلك الدول؛ لهو دليل كافٍ؛ يبين مدى تغول عملية سرقة وتهريب الآثار إلى الخارج.  

ولا ننكر، أن ما تقوم به إدارة الآثار المستردة بالمجلس الأعلى للآثار من جهد لاستعادة آثار مصرية من الخارج هو أمرٌ جيد، لكن أيضا يمكننا أن نبين أن هذا الجهد لا يتناسب إطلاقا مع ما يجب أن تكون عليه هذه الإدارة، هذا من جانب. ومن جانب آخر فإن الأرقام التي تذكر الإدارة أنها استطاعت إعادتها خلال السنوات الأخيرة؛ فإنه يمكنني أن أقول إن التدليس واضح جدا في ذكر تلك الأرقام، فعندما تقول الإدارة إنها استعادت أكثر من 29 ألف قطعة أثرية خلال السنوات الخمس الأخيرة، فإنه كان لا بد أن توضح لنا أن هذا الرقم منه ما لا يقل عن 21 ألف عملة معدنية صغيرة كانت ضمن ما يقرب من 22 ألف قطعة تم ضبطها في إيطاليا بعد تهريبها بحاوية دبلوماسية من ميناء الإسكندرية[5]. هذا غير أرقام أخرى تم استعادتها ليس بجهد من الإدارة قدر ما هي جهود من إدارات مكافحة التهريب بموانئ الدول الأجنبية؛ مثل الـ 36 قطعة التي تم إعادتها من إسبانيا بعد أن ضبطتها السلطات بميناء فالينسيا قادمة من الإسكندرية[6]. كما أن هناك أرقاما أخرى لقطع تم عادتها من طرف تلك الدول دون تدخل منا؛ مثل الـ 425 قطعة أثرية مصرية التي أُعلن أن الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، حاكم إمارة الشارقة، بالإمارات العربية المتحدة، قد أهداها لمصر.[7] وهي قطع تنتمي لحقب تاريخية عديدة من تاريخ مصر.

كما أن إدارة الآثار المستردة بالمجلس الأعلى للآثار، وبالرغم من إعلانها الدائم بأنها تتابع عن كثب المزادات الخارجية، وما يُباع فيها من آثار مصرية، وأنها تسعى لإيقاف بيع تلك القطع وإعادتها، إلا أن الواقع يدل على عكس ذلك؛ فقد استطاعت صالة مزادات كريستيز في لندن مؤخرا، بيع 14 قطعة أثرية مصرية بقيمة إجمالية تصل إلى ما يقرب من 8 ملايين يورو، منها تماثيل لأوزيريس حورس وآمون وأنوبيس، إضافة إلى عدد من التماثيل النادرة؛ منها تمثال حجري لأب جالس وابنه الصغير يقف بجواره يعود عصر الدولة القديمة قبل 4400 عام، والذي بيع بمفرده بأكثر من 6 ملايين يورو. فهذا المزاد لم يتبين لنا أن إدارة الآثار المستردة كانت تعلم عنه شيئا[8]، خاصة أنه وبعد إتمام عملية البيع صرّح مدير إدارة الآثار المستردة بأن هناك إجراءات تتم حاليا بشأن القطع الأثرية المصرية التي تم بيعها، وأن انتهاء المزاد وبيع القطع لا يدعو للقلق لأننا “شغالين على القضية بالفعل ونتابع المزاد من قبل أن يبدأ ولدينا ملف كامل عن القطع الأثرية التي بيعت بالمزاد ولم نتفاجأ بالمزاد”[9] على حد قوله.

والحقيقة أن دار كريستيز دار شهيرة وعريقة، وهي لا تبيع أي قطع أثرية بدون امتلاك الأوراق الثبوتية الخاصة بها وفقا ما اشترطته القوانين الدولية الخاصة بالاتجار في الآثار والتحف، فتمثال الأب الجالس وابنه الصغير الواقف بجواره، تُظهر وثيقة إثبات الملكية الخاصة به – الموجودة بكريستيز – أنه يعود لدبلوماسي بريطاني؛ يُدعى “جيمس بورتر”، كان قد تقلد منصب السفير البريطاني لدى الدولة العثمانية خلال الفترة ما بين (1746- 1762م) … وأن هذا الدبلوماسي قام بإهداء التمثال إلى الملك البريطاني جورج الثالث، ثم تبرع به بعد ذلك إلى رجل الدين الإنجليزي “توماس ورسلي”، والذي ظل محتفظا بالتمثال منذ ذلك الحين في قصره بمدينة هوفنهايم هول بالمملكة المتحدة.[10]

 لكن قد تكون الأوراق الثبوتية غير صحيحة، وهذا كثيرا ما يحدث، مثل ما وقع من تدليس أوراق بيع قطع آثار مصرية خلال السنوات والشهور الأخيرة إلى متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك ومتحف اللوفر بباريس، حين قُدّم مدير متحف اللوفر السابق “جان لوك مارتينز” بتهمة التآمر لإخفاء أصل قطع أثرية سُرقت من مصر بعد عام 2011م، والمساعدة في بيعها لمتحف لوفر أبو ظبي عام م2016م مقابل ملايين اليوروهات.[11] كما وضعت النيابة العامة في نيويورك يدها على خمس قطع أثرية مصرية كانت في حوزة متحف متروبوليتان، يُحتمل أن تكون في الأساس قطعا مسروقة، منها رسم لوجه امرأة يعود تاريخه إلى ما بين عامي 54 و68 بعد الميلاد، وتبلغ قيمته نحو مليون ومائتي ألف دولار، وأعلنت النيابة الأمريكية أن هذه الخطوة تندرج ضمن “التحقيق نفسه” الذي أطلقته فرنسا تجاه مدير متحف اللوفر السابق. وأكد متحف متروبوليتان على أنه اشترى بالفعل القطع الأثرية الخمس بين عامي 2013 و2015م، لكنه اعتبر نفسه قد وقع ضحية لعصابة إجرامية عالمية منظمة.[12]

بل إن التحقيق الفرنسي الأمريكي توسع بخصوص القطع الأثرية المصرية المسروقة، فشمل التابوت الذهبي للكاهن المصري نجم عنخ والذي كان معروضا بمتحف متروبوليتان بنيويورك عام 2017م، إذ تم تهريبه بشكل غير قانوني بعد ثورة يناير 2011م، عن طريق حاوية بحرية إلى دبي بالإمارات العربية المتحدة، ثم تصديره بفاتورة مزورة إلى ألمانيا، ومنها إلى فرنسا ثم إلي الولايات المتحدة، وبفحص شهادة التصدير المقدمة إلى وزارة الصناعة والتجارة الفرنسية اُكتشف أنها مزورة، فالطوابع الملصقة عليها لا تتوافق مع تلك التي استخدمتها السلطات المصرية في الفترة المعنية، وقد صادرت السلطات الأمريكية التابوت الحجري في فبراير 2019م وأعادته إلى مصر[13].

ويُعد نجاح مصر في استعادة هذا التابوت من أبرز النجاحات[14]، فقد شككت مصر في مستندات ملكية التابوت، وقدمت دعاوى إلى المحكمة العليا في مانهاتن بنيويورك بهذا الخصوص، إلى أن قضت المحكمة الأمريكية بأحقية مصر في استعادته. وكان التابوت الذي يبلغ طوله مترين، والمغطى بصفائح من الذهب، يخص الكاهن المصري نجم عنخ بالقرن الأول قبل الميلاد، مدفونا بالمنيا بصعيد مصر.[15] 

وفي 2019م بيعت 20 قطعة أثرية مصرية بدار كريستيز للمزادات بلندن أيضا، منها تمثال حجري من الكوارتز البني في هيئة رأس توت عنخ آمون يبلغ ارتفاعه 28.5 سنتيمترا، وقد بيع بما يقرب من 6 ملايين دولار، بالرغم من اعتراض القاهرة حينذاك على عملية البيع ومطالبتها لندن ومنظمة اليونسكو لإيقاف عملية البيع، ومخاطبتها لدار كريستيز بضرورة الاطلاع على المستندات[16]، إلا أن كريستيز أكدت أنها أجرت عمليات تدقيق معمقة للتحقق من مصدر القطعة ووضعها القانوني، وقالت: إن القطعة ليست موضع تحقيق ولم تكن كذلك في السابق ولم تثر أي مخاوف حيالها مع أن وجودها معروف في شكل واسع.[17]

هذا هو واقع عملية استعادة الآثار المصرية من الخارج، واقع مفزع يتمثل في؛ أن المتاحف الدولية تزخر وتتزين بآثارنا المصرية. وأن المزادات الدولية العلنية لبيع آثارنا لا تتوقف. وأن ضبط آثار مصرية بموانئ ومطارات دول أجنبية بعد مرورها من موانئ ومطارات مصرية يزداد اتساعا رغم أنه أمر مخجل., ومع كل ذلك تخرج إدارة الآثار المستردة بالمجلس الأعلى للآثار بين الحين والآخر، لتعلن أنها أعادت آلاف القطع!!

المحور الثاني: كيفية السعي نحو استعادة الآثار المصرية

وطبقا للتقسيم السابق الذي وضعناه بخصوص الآثار المصرية بالخارج، فإن عملية الاستعادة أيضا تتوقف طبقا لكل نوع منهما على حدة، كالتالي:

فبالنسبة للنوع الأول؛ الخاص بالآثار المصرية التي تم الاستيلاء عليها وتهريبها إلى الخارج، على مدار تاريخنا الطويل، والمعروضة حاليا بمتاحف العالم المختلفة، فهذه القطع وطبقا للقوانين الدولية – كما ذكرنا آنفا – فهي آثار مصرية من حيث الاسم فقط، أما ملكيتها فتعود لتلك المتاحف والدول.

والحقيقة المؤلمة، أنه يجب أن نوضح؛ أنه ليس من المنطق الآن وبعد مرور عقود بل وقرون طويلة على تهريبها إلى دول العالم المختلفة، ليس من المنطق أن نطالب بإعادة كل تلك القطع، فهناك متاحف عالمية قامت خصيصا على آثارنا المصرية، كما أنه ليس من المنطق أو المعقول أن نطالب بإغلاق تلك المتاحف، لكن يمكننا في هذه الحالة أن نقوم بالآتي:

  • أن نبدأ بمطالبة تلك المتاحف بإعادة القطع الأثرية الفريدة كحجر رشيد المعروض بمتحف لندن، ورأس نفرتيتي المعروض بمتحف برلين.
  • مطالبة المتاحف العالمية بإعادة قطع الآثار المصرية المكررة بتلك المتاحف إلى مصر.
  • كما يمكن السعي نحو العمل على أن تكون لنا سلطة إشرافية بالمتاحف التي تحوي آثارا مصرية، من أجل متابعتها، والتأكد من حسن تأمينها.
  • محاولة استغلال الأحداث الطارئة التي تتعرض فيها المتاحف الأجنبية التي تحوي آثار مصرية للضرر، كالأضرار الناتجة عن الحروب، أو الحرائق، أو التشويه المتعمد من قبل متطرفين وعابثين، ومطالبة تلك المتاحف بضرورة مشاركتنا في تأمين آثارنا والحفاظ عليها.
  • وبعد السعي والضغط المستمر، من أجل أن تصبح لنا يد إشرافية لنا على آثارنا المصرية بالمتاحف الدولية، يمكننا التوصل إلى تفاهمات بشأن الحصول على نسبة من عائدات ما تدره الأنشطة السياحية المرتبطة بتلك الآثار. ولو وصلنا إلى مثل هذا اتقاف في يوم من الأيام، نكون قد فزنا بأهم جولة من جولات الصراع نحو إعادة آثارنا المنهوبة.

أما النوع الثاني: الخاص بالآثار المصرية التي نرى ونسمع عنها بشكل دائم، وهي تُعرض للبيع في مزادات علنية بدول أمريكا وأوروبا وغيرها، أو تلك التي ضُبطت بدول أجنبية بعد عملية تهريبها من مصر، وهي آثار غير مسجلة بالمتاحف الدولية، كما أنها غالبا ما تكون غير مسجلة بالمتاحف المصرية، وهذا النوع أسهل في العمل على استعادته من النوع الأول، وإن اختلفت من حالة لأخرى، كالتالي:

  • فلو كانت القطع الأثرية المعروضة بتلك المزادات أو المضبوطة بالدول الأجنبية أثناء عملية تهريبها أو بعدها، مسجلة بسجلات وزارة الآثار المصرية وموثقة توثيقا جيدا، ففي هذه الحالة من السهل جدا على السلطات المصرية العمل على استعادتها بمجرد إثبات أنها مُسجلة بدفاترها.
  • أما إذا كانت القطع الأثرية غير مسجلة بسجلات الآثار المصرية، واستطعنا إثبات أنها خرجت من مصر بطريقة غير شرعية، ففي هذه الحالة ومع استخدام الوسائل القانونية والدبلوماسية، فيمكننا أيضا القدرة على استعادتها، ولنا تجارب ناجحة في هذا المضمار من قبل.
  • وفي حال إذا كانت قطع الآثار المعروضة بالمزادات الدولية والمضبوطة أثناء عملية التهريب وبعدها بالدول الأجنبية، مصرية شكلا ومضمونا، ولم نستطع إثبات أنها خرجت من مصر بطريقة غير شرعية، فإنه وطبقا للقوانين الدولية الخاصة بحماية التراث، لا يمكننا العمل على استعادتها، وهذا كثيرا ما يحدث.

والحقيقة أن هناك قطع آثار مصرية تُعرض بمزادات، وهي في الأساس خارج مصر منذ عقود طويلة، بل وبعضها من قرون، وهذه القطع لم تكن المتاحف الدولية قد تمكنت من ضمها لأنها إما كانت في مجموعات خاصة لبعض ناهبي آثار مصر، أو اقتناها أشخاص وظلت عائلاتهم تتوارثها من بعدهم إلى أن قرروا بيعها أخيرا.     

ولكيلا تقع آثارنا تحت هذا النوع الأخير، فيجب العمل على:

  • من الضروري أولا؛ إيجاد إدارة واعية ومخلصة للعمل على استعادة الآثار المصرية من الخارج. وإن قيام وزارة الآثار بإنشاء “إدارة الآثار المستردة” منذ سنوات لهو أمر جيد، لكن الحقيقة؛ إن الأمر أكبر من لجنة بهذا الحجم والكيفية، فعملية استعادة الآثار المصرية من الخارج أمر ضخم وفي غاية الأهمية، ولا بد من تبنيه من أعلى سلطة في الدولة، ولذا فأقترح إيجاد لجنة قومية لاستعادة آثار مصر تُهيأ لها كل الكفاءات البشرية المطلوبة والإمكانات العلمية والمالية والقانونية والدبلوماسية التي تجعلها قادرة على تحقيق الهدف منها. وحبذا لو تبدأ عملها بالإعداد لحملة قومية منظمة لاستعادة آثارنا بالخارج.
  • ضرورة نشر الوعي بأهمية آثارنا وتراثنا وضرورة الحفاظ عليه، فهو يمثل الهوية المصرية، وشاهدٌ على تاريخ عريق، ويجب أن تُستخدم في عملية الوعي هذه كل الوسائل سواء الإعلامية والثقافية والتعليمية، وغيرها.
  • من المهم الإسراع في عمل حصر علمي ودقيق بكل القطع الأثرية المفقودة من مخازن ومتاحف الآثار، ولا يكفي ذكر رقم وهمي بكمية المفقودات دون تحديد تلك القطع تحديدا واضحا من حيث شكلها ووصفها والمكان الذي فُقدت منه وتاريخ فقدانها، كي تستطيع إدارة الآثار المستردة العمل على تتبع تلك القطع والعمل على إعادة أي منها حال ظهورها في أي معرض أو مزاد دولي.
  • متابعة المزادات والمعارض الخارجية التي تحوي آثارا مصرية، قبل بدئها، وخاصة أن دور المزادات تعلن عن معارضها قبل افتتاحها، ويمكننا أن نتتبع ذلك بكل دول العالم من خلال بعثاتنا الدبلوماسية المنتشرة في كل البلاد. 
  • القضاء على أسباب تهريب آثارنا إلى الخارج، وهذا موضوع كبير يحتاج إلى تفصيلات عديدة، سبق وأن ذكرناها في عدة تقارير سابقة، منها أنه يجب القضاء على عمليات التنقيب غير الشرعي للآثار من قبل المواطنين، والمتاجرة فيها، وتهريبها للخارج.
  • متابعة المنافذ البرية والبحرية والجوية وضبطها، كي لا يتمكن أحد من تهريب أي قطع أثرية خارج البلاد. وقد فعلت خيرا وزارة الآثار منذ سنوات حين أنشأت وحدات أثرية بعدد كبير من تلك المنافذ، غير أن تلك الوحدات ما تزال مهمتها محدودة تتمثل – فقط – في الكشف عن أي مضبوطات يتم عرضها عليها وبيان أثريتها من عدمه.    
  • كما يجب العمل على إيجاد تشريعات قانونية محلية تمنع وتحظر وتعاقب كل من تسول له نفسه العمل على تهريب آثارنا إلى الخارج سواء كان مواطنا أو مسؤولا، فالقانون 117 لسنة 1983م الخاص بحماية الآثار وتعديلاته، ما يزال يحمل الكثير من الثغرات التي بإمكانها التي تسمح بعمليات التهريب أو لا تعاقب عليها المعاقبة المأمولة.
  • يجب أيضا مراقبة عمل البعثات الأجنبية، والتأكد من عدم حمل أفرادها أية قطع أثرية أثناء مغادرتهم البلاد بعد إنهاء أعمالهم الموسمية.
  • السعي نحو تعديل الاتفاقات والقوانين الدولية الخاصة بالحفاظ على التراث، فالاتفاقات الدولية بهذا الخصوص ومنها اتفاقية اليونسكو لعام 1970م الخاصة بوضع تدابير لحظر ومنع استيراد وتصدير الممتلكات الثقافية، فهي وإن سعت نحو إعادة الآثار إلى موطنها الأصلي، وحظرت تصدير واستيراد الآثار بغير الطرق الشرعية، فإنها غير كافية للحفاظ على الآثار وعدم بيعها في الأسواق الدولية، كما أنها – أي اتفاقية اليونسكو – غير قادرة على العمل من أجل إعادة آثارنا التي هُربت خارج البلاد قبل تاريخ العمل بالاتفاقية عام 1972م.

والحقيقة أن اتفاقية اليونسكو المذكورة ورغم مطالبتنا بتعديلها، إلا أنها تتضمن العديد من المواد التي يمكن أيضا استغلالها في إعادة بعض آثارنا المصرية التي خرجت بشكل غير رسمي بعد ذاك التاريخ؛ فالمادة السابعة منها؛ حثت الدول الأعضاء وألزمتهم، بضرورة اتخاذ كافة التدابير اللازمة، لمنع المتاحف والمؤسسات المماثلة القائمة في أراضيها من اقتناء ممتلكات ثقافية واردة من دولة أخرى طرف في الاتفاقية. كما حظرت استيراد الممتلكات الثقافية المسروقة من متحف أو من مبنى أثري بشرط أن تكون تلك الممتلكات مدرجة في قائمة جرد المؤسسة المذكورة. أما المادة التاسعة، فحرصت على أن تتعاون الدول الأطراف فيما بينها على العمل على إعادة الآثار المنهوبة، حيث جاء فيها: لكل دولة طرف في هذه الاتفاقية يتعرض تراثها الثقافي لخطر نهب المواد الأثرية أو الإتنولوجية أن تستعين بالدول الأخرى المعنية. في حين أن المادة العاشرة، وضعت حدا صريحا في كيفية مراقبة ومتابعة المزادات العالمية، والعمل على عدم تغولها، حيث ألزمت الدول الموقعة على الاتفاقية بالعمل على الحد من حركة انتقال الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، وألزمت تجار الأثريات، بإمساك سجل يثبت فيه مصدر كل ملك ثقافي، واسم المورد وعنوانه، وأوصاف وثمن كل قطعة تباع.

بل إن المادة الحادية عشرة من اتفاقية يونسكو 1970م نصت صراحة على أنه: “يعتبر عملا غير مشروع تصدير الممتلكات الثقافية ونقل ملكيتها عنوة، كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة لاحتلال دولة أجنبية لبلد ما”. فهذه المادة يمكننا لو استغللناها صراحة أن نعيد كل آثارنا الموجودة بالخارج، وخاصة أن مصر في عُرف القانون الدولي تعتبر دولة ظلت تحت الاحتلال الأجنبي حتى 18 يونيو عام 1956م حين خرج آخر جندي بريطاني من مصر، فلم تكن تملك إرادتها، وآثارها خرجت عنوة دون رضا من الشعب.


الهامش

[1] – المعهد المصري للدراسات، الآثار المصرية المهربة أين هي؟ ومتى وكيف خرجت؟ وهل تعود؟، 27 نوفمبر 2020م.

[2] – صدى البلد، شاهد| مصر تنجح في استعادة 29 ألف قطعة أثرية خلال 5 سنوات، 16 يونيو 2022م.

[3] – الشروق، الآثار: استرددنا 29 ألف قطعة أثرية خلال الفترة الماضية، 5 يونيو 2022م.

[4] – الأخبار المسائي، مصر تسترد 29 ألف قطعة أثرية خلال 7 سنوات، 14 يونيو 2022م.

[5] – الوطن، قصة “تهريب الآثار الكبرى”.. العثور على 21 ألف قطعة وحكم بسجن قنصل إيطالي سابق، 21 يناير، 2020م.

[6] – اندبندنت عربية، مصر تسترد 36 قطعة أثرية مهربة إلى إسبانيا، 21 ديسمبر 2021م.

[7] – سكاي نيوز، الإمارات تهدي مصر مئات القطع الأثرية النادرة، 6 يناير 2020م.

[8] – تلفزيون العربي، بيع آثار مصرية مجددا في دار كريستيز البريطانية.. هل يمكن استعادتها؟، 15 يوليو 2022م.

[9] – أخبار اليوم، خاص| مدير الآثار المستردة: نتابع مزاد «كريستيز» ولدينا ملف كامل بالقطع المباعة، 17 يوليو 2022م.

[10] – الساحة، تفاصيل بيع 14 قطعة أثرية مصرية في يومين، 14 يوليو 2022م.

[11] – مصراوي، المدير السابق لمتحف اللوفر.. من حامِ للآثار إلى مُتهم بتهريب 5 قطع مصرية، 5 يونيو 2022م.

[12] – قناة العربية، مصادرة قطع أثرية مصرية من متحف متروبوليتان بنيويورك ضمن تحقيق فرنسي عن تهريب الآثار، 3 يونيو 2022م.

[13] – الشروق، منها تابوت ذهبي للكاهن نجم عنخ.. أهم القطع الأثرية بتحقيقات فرنسا في قضية تهريب الآثار، 28 مايو 2022م.

[14] – اليوم السابع، مصر تستضيف المؤتمر الإقليمي الأول حول “مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب“، 14 يونيو 2022م.

[15] – أخبار اليوم، «نجم عنخ».. قصة تابوت «كاهن مصري» نجحت مصر في استعادته من أمريكا، 30 سبتمبر 2019م.

[16] – الأناضول، مصر تخاطب بريطانيا لوقف مزاد بيع رأس “الفرعون الذهبي”، 10 يونيو 2019م.

[17] – النهار، منحوتة “رأس توت عنخ آمون” تباع بستة ملايين دولار رغم معارضة مصر، 5 يوليو 2019م.

الوسوم

د. حسين دقيل

أكاديمي مصري،باحث ومتخصص في الآثار حاصل على الدكتوراه في الآثار اليونانية والرومانية من جامعة الإسكندرية حاصل على الدراسات العليا في التربية قسم اللغة العربية من جامعة جنوب الوادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى