تقارير

الآثار المصرية: 10 سنوات من السرقة والفساد

أصدرت مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان[1]، تقريرها الثاني عن الفساد بالآثار المصرية، وجاء بعنوان: “الفساد في الآثار في مصر؛ رصد الفساد والفاسدين داخل المجلس الأعلى للآثار”. وذلك عن الـ 10 سنوات الأخيرة. وكان قد سبقه تقريرها الأول؛ الصادر في يناير 2011، وكان بعنوان: “الفساد في الآثار في مصر؛ وقائع وثائقية من صور الفساد داخل المجلس الأعلى للآثار”، وتناول الفترة ما بين 2001 و2010، وكشف أن الفساد يتمدد داخل أروقة المجلس الأعلى للآثار ويتحول إلى أخطبوط شيئا فشيئا تحت ستار الاكتشافات والاهتمام الإعلامي بشخص الأمين العام للمجلس الأعلى للأثار الذي استطاع أن يجعل قبعته أشهر من أثار بلاده[2]. حسب ما ذكر التقرير.

أما تقرير مؤسسة ملتقى الحوار؛ الأخير، الذي تناول وقائع الفساد بوزارة الآثار خلال الفترة ما بين 2011 و2020 – وهو موضوع حديثنا – فقد أظهر أن الفساد بالوزارة ما زال يتمدد بشكل مرعب، بالرغم من أن تقريرها هذا لا يعتمد إلا على الوقائع المثبتة بالنيابة الإدارية والتي تم التحقيق فيها[3]. كما أنه لم يوضح حجم الفساد بدقة خلال العشر سنوات الأخيرة كاملة؛ خاصة وأنه اعتمد على البيان الذي أصدرته وحدة التحليل الإحصائي بالنيابة الإدارية عام 2017 والمُرسل إلى رئاسة الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الآثار والذي جاء فيه أن إجمالي عدد هذه القضايا على مستوى الجمهورية هو 1048 قضية فقط.[4]

وبيّن تقرير ملتقى الحوار الأخير، أن أشكال الفساد بوزارة الآثار المصرية خلال العشر سنوات الأخيرة، تمثلت في: إهدار للمال العام. والإهمال في حماية الآثار. والإهمال الجسيم في أداء الوظيفة. ومخالفات مالية وإدارية جسيمة. والتنكيل بالعاملين.[5]

ونحن في تقريرنا هذا سنلقي الضوء على أبرز تلك القضايا، مع الكشف عما آلت إليه من أحكام. وسنتبع فيه المنهج التاريخي، من خلال توضيح المسار الزمني لكل قضية على حدة، مع ترتيب القضايا من الأقدم وقوعا فالأحدث. وهي كالتالي:

1-إهدار المال العام في مشروع تل بسطا الأثرية

2-فساد مالي وإداري بالمتاحف الأثرية، ومنها: فقدان 50 مليون دولار بالمتحف الكبير، وإهدار 70 مليون جنيه من المتحف الكبير، وسرقة قطع أثرية من متحف الفن الإسلامي، وفقدان قطع أثرية بالمتحف المصري بالتحرير.

3-فوج ألماني يقوم بالاستيلاء على أحجار وعينات من داخل الهرم الأكبر

4-مخالفة الأصول الفنية في ترميم قناع الملك توت عنخ آمون

5-مخالفات في ترميم أسوار القاهرة التاريخية

6-فساد مالي وإداري بمبلغ 30 مليون يورو

7-هدم سوق العنبريين بشارع المعز لدين الله الفاطمي

8-إهمال في الحفاظ على تمثال أثري للملك بسمتيك الأول

9-تدمير معلم أثري بمنطقة قويسنا بالمنوفية

10-إهمال جسيم في تأدية الواجبات الوظيفية بالمنوفية

11-اتهام وزير الآثار بإهدار المال العام، ومنها: الاتفاق مع شركة أوراسكو بخصوص خدمات هضبة الأهرامات، ومخالفات المعرض الخارجي لـ توت عنخ آمون.

12-مخالفات مالية وإدارية بعملية ترميم مسجد الظاهر بيبرس

13-ارتكاب مسؤولين بالآثار مخالفات مالية وإدارية بمعبد الكرنك

14-تزوير توقيعات الوزير وكبار المسؤولين بالآثار

15-اختفاء 73 نجفة أثرية من مسجد الحسين

ونناقش كل من تلك القضايا على حدة، كالتالي:

(1) إهدار المال العام في مشروع تل بسطا الأثرية

وهي قضية قديمة حديثة، فتعود أحداثها الأولى لعام 2006 حين قامت لجنة من الإدارة الهندسية للآثار المصرية بقطاع المشروعات بتسليم موقع مشروع تطوير المنطقة الأثرية، بتل بسطا بمحافظة الشرقية إلى مقاول المشروع “شركة الشوربجي العامة للمقاولات”. وفي 10 ديسمبر 2006 تشكلت لجنة للمعاينة للوقوف على وجود بعض العوائق التي تمنع سير العمل على الطبيعة، وتبين للجنة وجود خط المواسير الرئيسي لمدينة الزقازيق وخط مياه يخترق المنطقة الأثرية، ووجود خزان تحليل خاص بالمخزن المتحفي الحالي أسفل المبنى الإداري المقترح إنشاؤه[6].

وبعد اكتشاف تلك المخالفات قامت الشركة الهندسية بتغيير أساسيات المشروع، وتم زيادة التكلفة بما يقدر بـ ثلاثة ملايين جنيه عن القيمة الأساسية المقدرة بـ 12 مليون جنيه. وبعد اكتشاف كل هذه الوقائع صدر قرار رقم 6350 في 27 يوليو 2014 لفحص المخالفات، وتحديد المسؤول عن الإضرار بالمال العام، والمساعدة في تربح الغير دون وجه حق. واعتُبر الدكتور زاهي حواس الراعي لوقائع الفساد هذه، خاصة وأنه لم يقم بحكم مهامه بتشكيل لجنة لفحص تلك المخالفات، ولم يتم تطبيق القرار، بل وعلى العكس كان قد أعلن قيامه بعمل مجسات بالمنطقة وقال في تقريره المرفوع لفاروق حسني وزير الثقافة حينذاك إنه لا توجد بأية عوائق تحول دون إقامة المشروع.[7]

(2) فساد مالي وإداري بالمتاحف الأثرية

وهي عديدة، نذكر منها:

فقدان 50 مليون دولار بالمتحف الكبير

البداية من المتحف المصري الكبير الذي لم يتم افتتاحه بعد، فمنذ عام 2012، تجاهل وزراء الآثار المتعاقبون مبلغ 50 مليون دولار قُدمت كمنحة للمتحف من مركز البحوث الأمريكي، واختفت في ظروف غامضة، بين قطاعات الوزارة. حيث قدم رئيس قطاع المشروعات بوزارة الآثار يوم 9 ديسمبر 2012، خطابا إلى وزير الدولة لشؤون الآثار، يخبره فيه بضياع 50 مليون دولار. وفي 30 ديسمبر 2012، كان هناك خطاب آخر من المشرف العام على مشروع المتحف الكبير يؤكد فيه أنه لا يعرف شيئا عن هذا المبلغ وأنه لا توجد معلومات لديه. وفي 30 يناير 2013 وجد خطاب موجه من قطاع المتاحف إلى وزير الآثار، يؤكد نفس الشيء[8].

إهدار 70 مليون جنيه من المتحف الكبير

وفي 2015 تم الكشف عن تعرض المتحف الكبير لإهدار 70 مليون جنيه على أجهزة ومعدات وبناء معامل لا تصلح للاستخدام. كما أتم إهدار ما يقرب من 9 ملايين جنيه من المال العام، بسبب حدوث عطل في جهاز الميكروسكوب الماسح الإلكتروني[9].

وفي 2017، أحالت النيابة الإدارية كلا من مديرة عام التفتيش والمتابعة بصندوق التمويل بوزارة الآثار، ومديرة عام الحسابات بوزارة المالية والمراقبة على الصرف بوزارة الآثار، ورئيسة المراجعة الحسابية، ومديرة شؤون العاملين بالمتحف المصري الكبير؛ للمحاكمة العاجلة. بشأن ما انتهت إليه مذكرة التفتيش المالي والإداري بها من صرف حوافز وإضافي ومكافآت من المخصصات المالية لمشروع المتحف، بموجب القرار رقم 505 لسنة 1997، الصادر من وزير الثقافة، بدون وجه حق، والتي بلغ قدرها ما يقارب المليونين ومائتي ألف جنيه[10].

سرقة قطع أثرية من متحف الفن الإسلامي

وفي عام 2014 قررت النيابة الإدارية إحالة مسؤولَين اثنين بمتحف الفن الإسلامي للمحاكمة، لاتهامهم بسرقة سبع قطع أثرية نادرة من المتحف، بعد وقوع انفجار أمامه في يناير 2014.[11]

فقدان قطع أثرية بالمتحف المصري بالتحرير

وفي عام 2018، أمرت النيابة الإدارية بإحالة رئيس القسم الخامس بالمتحف المصري بالمجلس الأعلى للآثار السابق للمحاكمة العاجلة، لفقدان إحدى القطع الأثرية الذهبية رقم 90890 سجل عام، ورقم 12611 سجل خاص، والتي تزن 22 جراما من الذهب الخالص والتي كانت موجودة بالقاعة رقم 44 بالدور الأرضي بالمتحف المصري.[12] وفي 2018 أيضا، أمرت هيئة النيابة الإدارية، بإحالة مديري المتحف المصري، للمحاكمة العاجلة، وذلك لما نسب إليهم من تسببهم في عدم قيام الجهة المختصة بأعمال التطوير الخاصة بالبدروم بالمتحف المصري بإنهاء أعمالها رغم سداد كامل قيمة الدفعة المقررة بالعقد المبرم في هذا الشأن بين المجلس الأعلى للآثار والجهة المنفذة، والمقدر قيمته 10 ملايين و526 ألف جنيه[13].

(3) فوج ألماني يقوم بالاستيلاء على أحجار وعينات من داخل الهرم الأكبر

وهذه القضية ترجع لعام 2013، وتكاد تكون الوحيدة التي تم تحويلها لمحكمة الجنايات، حين تم سرقة عينات من خرطوش الملك خوفو بالهرم الأكبر بالجيزة، من خلال باحثين ألمان، ونشر الألمان المتورطون بالسرقة، عمليتهم بفيديو مسجل على “اليوتيوب”، موضحين أن ما أجروه كان لعمل بحث علمي[14]. حيث قام باحث آثار ألماني يدعى “دومنيك جورتز” وفريق مكون من المؤرخ الألماني “ستيفان أردمان” و”جان فان هيلسينج”، بسرقة عينة صغيرة الحجم من خرطوش الملك خوفو والسفر بها إلى ألمانيا وقاموا بتحليلها هناك، ثم أعلنوا عن طريق الفيديو المسجل أنهم حللوا عينات من الخرطوش وتوصلوا لنتيجة، وهى؛ أن خوفو لم يبنِ الهرم الأكبر وأن الحبر المستخدم في الخرطوش لتدوين تفاصيل مُشيد الهرم ليس قديما وإنما عمر الهرم نفسه أكبر من عمر الخرطوش بقرون، وهو ما يؤكد أن الهرم لا يعود لخوفو وأن مشيديه هم اليهود القدماء لأنهم كانوا يعيشون في مصر فترة تشييد الهرم.[15]

وطالبت وزارة الآثار المصرية الحكومة الألمانية بتقديم دليل على اتخاذها إجراءات قانونية ضد الباحثين الألمان، وناشدت اليونسكو بالتدخل في الواقعة لأن الهرم الأكبر مدرج بالقوائم التراث العالمي بالمنظمة[16].

وفي فبراير 2014 أعلن السفير الألماني بالقاهرة أنه تم إحالة المتهمين بسرقة خرطوش الملك خوفو إلى النيابة العامة الألمانية، والتي قامت بدورها بضبط المسروقات[17]. وفي أغسطس 2014، تسلمت السفارة المصرية بالعاصمة الألمانية برلين، عينات خرطوش للملك “خوفو”، والتي استولى عليها الباحثون الألمان، وأعربت وزارة الآثار المصرية، عن تقديرها للحكومة الألمانية لصادق تعاونها[18].

وفي نوفمبر 2014 قضت محكمة جنايات الجيزة، بالسجن 5 سنوات على 9 متهمين، بينهم 3 ألمان، مع عزل المتهمين المصريين من وظائفهم، كما قررت المحكمة إحالة الدكتور زاهي حواس للنيابة العامة بشأن مخالفته لقانون الآثار، لاتخاذ الإجراءات اللازمة، في ذات القضية[19]. وفي ديسمبر 2014 أودعت محكمة جنايات الجيزة، حيثيات أسباب حكمها الصادر مؤخرا بمعاقبة المتهمين[20].

تقدم المتهمون بطعن ضد الحكم أمام محكمة النقض، وفي ديسمبر من عام 2015 قررت المحكمة قبول الطعن على الأحكام الصادرة ضدهم[21]. وفي 2017 حكمت المحكمة ببراءة المتهمين بالقضية. بعدها قررت النيابة الإدارية إحالة 12 مسؤولا بآثار الهرم لتواطؤهم مع الألمان في الاستيلاء على عينات من الهرم الأكبر[22]. وفي نوفمبر 2020 قضت المحكمة الإدارية العليا بتوقيع عقوبة الفصل من الخدمة على العاملين بالآثار المذكور أسماؤهم بالقضية، رغم حكم البراءة من محكمة الجنايات[23].

(4) مخالفة الأصول الفنية في ترميم قناع الملك توت عنخ آمون

وهي قضية شهيرة ترجع لعام 2014، وتحمل رقم 47/2015، وقامت فيها النيابة الإدارية بمجازاة ثمانية أفراد من العاملين بالمتحف المصري بإحالتهم للمحاكمة التأديبية العاجلة، بسبب ما نُسب إليهم من القيام في شهر أغسطس 2014 برفع قناع الملك توت عنخ آمون بطريقة غير مهنية وبالمخالفة للأصول الفنية؛ مما ترتب عليه انفصال الذقن عن القناع، ثم قيامهم بمحاولة إعادة تركيب الذقن مرة أخرى دون مراعاة ضرورة نقل القناع إلى المكان المعد خصيصا لأعمال الترميم بالمتحف، واستخدامهم أدوات حادة تسببت في إحداث بعض الخدوش والتشوهات بالقناع والذقن[24].

ثم صدرت الأحكام في مارس 2018 من المحكمة التأديبية، فلم تتجاوز أكثر من الخصم من راتب الموظفين الثمانية ما بين خمسة عشر يوما وشهرين. الغريب أن النيابة الإدارية، لم تطعن على الحكم[25]. أما الأغرب فإن وزير الآثار السابق ممدوح الدماطي، والذي رُفعت ضده دعاوى لعزله بسبب موضوع القناع، والتي قضت فيها محكمة القضاء الإداري بعدم الاختصاص[26]، كان قد دافع عن استخدام المادة المستخدمة في ترميم الآثار القناع “وهي مادة الإيبوكسي”، قائلا: “هذا أمر مختلف عليه، وبالتالي استخدام الإيبوكسي في لصق الذقن المستعار بالقناع، لا يعد خطأ، ولكن المشكلة في استخدام مادة (الإيبوكسي) بشكل كثيف، ما أدى إلى انصهار جزء من القناع وظهور علامات بسيطة عليه”[27]. والأكثر غرابة فإن عملية ترميم القناع تمت بدعم ألماني، حيث أعلن المركز الألماني للإعلام أن وزارة الخارجية الألمانية تبرعت بمبلغ 50 ألف يورو، للحفاظ على التراث وترميم القناع الذهبي للملك توت عنخ آمون[28].

(5) مخالفات في ترميم أسوار القاهرة التاريخية

وهي قضية تعود لعام 2015، وحملت رقم 29/2016، خاصة بالمخالفات التي شابت أعمال ترميم جزء من السور الشمالي والشرقي للقاهرة التاريخية بمنطقة الجمالية، وهو السور الذي يرجع لعصر الناصر صلاح الدين الأيوبي، والمسجل بقائمة التراث العالمي. حيث تم تدمير السور عن طريق سحق الأحجار الأثرية القديمة واستبدالها بأحجار جديدة وتشويه السور الأثري[29].

وبدأت القصة حين أعلن الدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار البدء في مشروع ترميم جزء من السور الشمالي حتى برج الظفر وجزء من السور الشرقي حتى شارع الجعفري بمنطقة الجمالية، وأكد أن وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية سوف تتحمل كافة تكاليف المشروع والمقدرة بنحو 167 مليون جنيه في إطار بروتوكول التعاون المشترك بينها وبين وزارة الآثار لاستكمال العمل بمشروع ترميم وتطوير القاهرة التاريخية[30]. وفيما بعد كشف تقرير تسلمه الوزير؛ عن كارثة حقيقية يتعرض لها السور الأثري. وبحسب التقرير، فقد تعرض عدد من شباب الأثريين للتهديد بالإطاحة بهم وفسخ عقودهم بوزارة الآثار، بعد اكتشافهم الواقعة واعتراضهم على الأخطاء التي شابت عملية الترميم[31].

وعلى إثر ذلك، بدأت النيابة الإدارية بفتح تحقيقات موسعة بناء على البلاغ المقدم بتاريخ 9 يناير 2016، من مفتشين آثار كانوا مكلفين بالإشراف على المشروع[32]. وقد انتهت النيابة فيها إلى إحالة عدد 10 من المختصين بالإدارة العامة للقاهرة التاريخية إلى المحاكمة التأديبية[33].

(6) فساد مالي وإداري بمبلغ 30 مليون يورو

وهي قضية فساد مالي وإداري ضخمة تعود لعام 2015، تورط فيها الدكتور زاهي حواس، حيث كشف تقرير قضائي صادر عن المكتب الفني لرئيس هيئة النيابة الإدارية عن تورط زاهي حواس بها، غير أن منصبه السياسي حينها أنقذه من المساءلة[34]. على حد قول النيابة.

وقد كشف تقرير النيابة الإدارية عن واقعة إبرام اتفاق بين وزارة الدولة لشؤون الآثار ودولة إسبانيا بشأن قرض إسباني قيمته 30 مليون يورو، لتوريد معدات ومهمات تأمين المواقع الأثرية بمنطقتي الهرم والأقصر، وبموجب ذلك وردت بعض المهمات داخل عدد 30 حاوية من إسبانيا. وقد أحالت النيابة الإدارية 3 مسؤولين بالمجلس الأعلى للآثار للمحكمة التأديبية العليا بمجلس الدولة بعد ثبوت تورطهم في ارتكاب مخالفات مالية وإدارية جسيمة، حيث إنهم لم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة وخالفوا أحكام القواعد المالية المنصوص عليها في القانون[35].

وتبين أن المتهم الأول، وهي سيدة كانت تشغل وظيفة مدير عام إدارة الحسابات بقطاع المشروعات بالوزارة تقاعست عن إدراج وإثبات القرض الإسباني بالحساب الختامي لميزانية الوحدة الحسابية بقطاع المشروعات. وأن المتهم الثاني، والذي كان يشغل وظيفة مدير شؤون العاملين المركزية، تراخي في إصدار قرار بتشكيل لجنة من المختصين بوزارة الآثار لإنهاء الإجراءات الجمركية واستلام المعدات الواردة من إسبانيا ضمن القرض المقدم من الجانب الإسباني بالمخالفة للتعليمات. كما أكدت النيابة الإدارية أن المتهم الثالث والذي كان يشغل مدير عام العلاقات العامة بالمجلس الأعلى للآثار؛ لم يراعي الدقة أثناء قيامه بتشكيل لجنة للسفر إلى محافظة الإسكندرية لاستخراج الأجهزة والمعدات الخاصة بتأمين المناطق الأثرية والواردة من دولة إسبانيا لعدد 30 حاوية وذلك بعدم تضمين تشكيل اللجنة لأعضاء فنيين، مما حال دون استخراج الأجهزة، وترتب عليه تحميل ميزانية وزارة الآثار لغرامات تأخير وأرضيات[36].

كما أثبتت التحقيقات؛ وجود مخالفات عديدة أخرى، أهمها: عدم قيام الدكتور زاهي حواس أمين عام المجلس الأعلى للآثار بعرض العقد المبرم بين المجلس الأعلى للآثار وشركة ديفيكس علي قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة قبل إتمام التعاقد وبالمخالفة للمادة رقم 58 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972. وعدم وجود دراسة دقيقة بالعقد بالنسبة لإنهاء الإجراءات الجمركية وكذا عدم إدراج ما يكفل حقوق المجلس بالنسبة لطبيعة الحاويات مما ترتب عليه وجود حاويات غير منتظمة وتحميل المجلس الأعلى للآثار مبلغ 160057,35 جنيه[37].

الغريب في الأمر أنه وبالرغم من كل هذه الاتهامات وخاصة الاتهامات المتعلقة بالدكتور زاهي حواس، فإن النيابة الإدارية قد رفعت المسؤولية عن عاتق حواس بحجة الوظيفة التي كان يشغلها حينئذ وهي “الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار”، على اعتبار أنها وظيفة سياسية بدرجة نائب وزير[38].

(7) هدم سوق العنبريين بشارع المعز لدين الله الفاطمي

وهي القضية رقم 1/2016، والخاصة باستغاثة شاغلي العقار رقم 88 سابقا ثم رقم 84 لاحقا بشارع المعز لدين الله الفاطمي بسبب أعمال الهدم للعقار والذي صدر له حكم قضائي بإزالة الأدوار العليا فقط[39]. وكان النيابة الإدارية باشرت التحقيقات في الواقعة، وكلفت كلية الآثار جامعة القاهرة بتشكيل لجنة لمعانيه العقار والوقوف عما إذا كان العقار يعد أثرا من عدمه[40]. وانتهت اللجنة إلى أن العقار يُعد قيمة أثرية معمارية وهو من النماذج القليلة المتبقية من العمارة المدنية التي تعود للقرن التاسع عشر، ويعد تحفة معمارية أثرية يجب الحفاظ عليها، وأن كون العقار به أجزاء متهدمة لا ينفي كونه أثريا وضرورة تسجيل العقار كأثر. وانتهت النيابة إلى إرسال مذكرة للسيد وزير الآثار بسرعة اتخاذ الإجراءات المقررة قانونا حيال تسجيل العقار كأثر وضرورة ترميم الأجزاء المعمارية التي تتطلب ذلك. كما أخطرت النيابة الإدارية محافظ القاهرة بضرورة اتخاذ الإجراءات المقررة قانونا لحماية الأفراد والممتلكات لشاغلي العقار[41].

وبالرغم من كل ذلك، فقد قامت الحكومة بهدمه عام 2019، حيث أزيل سوق العنبريين تحت إشراف اللواء إبراهيم عبد الهادي، نائب محافظ القاهرة. وبادرت وزارة الآثار أثناء هدمه -متطوعة-على لسان المشرف العام على مشروع القاهرة التاريخية، معلنة بأن المبنى الذي يتم هدمه الآن هو عقار غير أثري[42]

(8) إهمال في الحفاظ على تمثال أثري للملك بسمتيك الأول

في عام 2017 أحالت النيابة الإدارية، كلا من رئيس قطاع الآثار المصرية، ورئيس الإدارة المركزية لآثار الوجه البحري، ورئيس البعثة المصرية الألمانية المشتركة للتنقيب عن الآثار، ومدير منطقتي آثار المطرية وعين شمس، وحارس أمن منطقة آثار المطرية للمحاكمة التأديبية العاجلة؛ لأنهم لم يتبعوا الأسس والقواعد العلمية والتقنية لاستخراج تمثال أثرى يعود للملك بسمتيك الأول من الأسرة الـ 26 بمنطقة سوق الخميس، بالمطرية، من قبل البعثة المصرية الألمانية المشتركة للتنقيب عن الآثار، واستخدام حفار لاستخراج القطعة الأثرية من باطن الأرض، وترك التمثال عقب استخراجه في العراء دون حراسة ليعبث به بعض الأطفال، وعدم اتباع الأسس والقواعد العلمية والتقنية لاستخراجها.[43]

(9) تدمير معلم أثري بمنطقة قويسنا بالمنوفية

وفي 2018 أحالت النيابة الإدارية 72 من العاملين بقطاع الآثار بمحافظة المنوفية للمحاكمة العاجلة، منهم: المسؤول عن الموقع الأثري بمدينة قويسنا، و40 مفتش آثار بمنطقة التل الأثري بمحاجر قويسنا، و25 مسؤولا أمنيا بمنطقة التل الأثري بمحاجر قويسنا، ومدير إدارة المساحة والأملاك بوسط الدلتا، ومدير منطقة آثار المنوفية، ومدير عام منطقة آثار المنوفية، لتسهيلهم الاستيلاء على الرمال الأثرية الموجودة بالموقع؛ خاصة أن نقل كل تلك الكميات يحتاج بالضرورة لمركبات ضخمة، فضلا عن أن المسؤولين عن الموقع سواء من الأثريين أو الحراس المكلفين بالمتابعة والمرور عليه مسؤولين مسؤولية مباشرة عن حماية الموقع والحفاظ عليه واتخاذ الإجراءات حيال أي تعدي على الأراضي الخاضعة للآثار[44]. وقد قدرت قيمة الرمال المأخوذة من التل الأثري بما يقارب 5 ملايين جنيه.

هذا فضلا عن أنه تم تخصيص مكان لوقوف سيارات النقل الثقيل والتابعة لأحد المصانع بالمنطقة بالأرض التابعة لآثار محاجر قويسنا بالمخالفة لقانون حماية الآثار.[45]

(10) إهمال جسيم في تأدية الواجبات الوظيفية بالمنوفية

حيث أمرت النيابة الإدارية في عام 2018 بإحالة 27 متهما من العاملين بقطاع الآثار والإدارة الزراعية بالمنوفية للمحاكمة التأديبية العاجلة. ومنهم: مدير عام منطقة آثار المنوفية، ومدير منطقة آثار المنوفية، وأربعة عشر مفتش آثار بمنطقة آثار المنوفية، ومدير عام شؤون المناطق بمنطقة آثار وسط الدلتا، وذلك على خلفية الإهمال الجسيم في أداء واجباتهم الوظيفية، ما مكن عددا من المواطنين من إجراء أعمال حفر وتنقيب بتل أم حرب الأثري، وبناء صوب زراعية عليها بالمخالفة للقانون[46]. نظرا لكون الأراضي المقام عليها الصوب بعضها خاضع للآثار بالقرار الوزاري 101 لسنة 2005 والبعض الآخر أرض حصر منافع عامة آثار. كما تبين وجود ثلاث فتحات داخل الحفرة من أسفلها باتجاهات مختلفة، وبعض القطع الأثرية التي يشتبه في أثريتها وهي قطع صغيرة الحجم. وأكدت اللجنة أنها ترجع للعصر اليوناني الروماني وأن الحفر كان بغرض التنقيب عن الآثار[47].

كما أمرت النيابة بإخطار وزارة الداخلية إدارة التفتيش الفني بصورة من مذكرة التصرف لاتخاذ اللازم قانونا قبل المختصين بإدارة مباحث السياحة والأثار بالغربية لتقاعسهم عن موافاة منطقة آثار المنوفية بالتحريات اللازمة حيال ما أبلغ به حارس أم حرب الأثري من وجود أعمال حفر وتنقيب بالصوب الزراعية الموجودة بالموقع[48].

(11) اتهام وزير الآثار بإهدار المال العام

وهي عديدة، منها:

الاتفاق مع شركة أوراسكو بخصوص خدمات هضبة الأهرامات

فقد تقدم أحد أعضاء غرفة شركات السياحة، ببلاغ للنائب العام، ضد وزير الآثار ومسؤولين بالمجلس الأعلى للآثار يتهمهم بإهدار المال العام. وذكر المتقدم بالبلاغ الذي حمل رقم 370 لسنة 2018، ذكر أنه تقدم بطلب للمشكو في حقهم بوزارة الآثار لتمكينه بصفته رئيس مجلس إدارة شركة سياحية، لتشغيل “طفطف” لنقل الزائرين إلى منطقة هضبة الأهرام، وأنه قدم طلبا آخر لتشغيل خدمة النظام السمعي بين المرشد السياحي، والمجموعات السياحية، أن شركته متخصصة في هذا المجال منذ زمن ومتعاقدة مع وزارة الآثار في هذا المجال. وأكد في بلاغه أنه تقدم بشكوى للمشكو في حقهم بأنه على أتم استعداد بأن أقلل من ربحي وأزيد على العرض المقدم من شركة أوراسكوم نسبة 10%، إلا أن المشكو في حقهم أصروا على موقفهم بإعطاء منطقة الأهرامات بأكملها لشركة أوراسكوم، وهذا الفعل يشكل جناية الإضرار العمدي بالمال العام المؤثمة بالمادة 116 مكرر من قانون العقوبات[49].

مخالفات المعرض الخارجي لـ توت عنخ آمون

كما تقدم عضو غرفة شركات السياحة في بلاغه السابق الخاص بشركة أوراسكو؛ أن المدعو في حقهم أخرجوا أندر 166 قطعة أثار خاصة بالملك الذهبي توت عنخ أمون باتفاقهم مع شخص لا يمت لأي جهة علمية أو رسمية أمريكية بصلة وهو فرد عادى وليس معهد دولي أو متحف عالمي لكي يتعاقد على خروج أندر آثار مصر، لشخص يهودي يدعى جون نورمان، وخفض التأمين الخاص على هذه القطع الأثرية بما يقارب 300 مليون دولار[50].

(12) مخالفات مالية وإدارية بعملية ترميم مسجد الظاهر بيبرس

وقد تجددت هذه القضية في عام 2019، حين أحالت النيابة الإدارية مسؤولين بوزارة الآثار للمحاكمة العاجلة؛ لارتكابهما مخالفات مالية وإدارية. حيث كشفت التحقيقات في القضية رقم 282 لسنة 61 قضائية عليا، أن مدير الإدارة الهندسية للآثار الإسلامية والقبطية، ومدير إدارة التعاقدات بالمجلس الأعلى للآثار خرجا على مقتضى الواجب الوظيفي ولم يؤديا العمل المنوط بهما بدقة، وخالفا القواعد والأحكام المالية المعمول بها. وتبين من أوراق القضية أن المحالَين أثناء فترة عملهما بقطاع مشروعات المجلس الأعلى للآثار الإسلامية والقبطية لم يتخذا الإجراءات اللازمة تجاه تضمين العقد التكميلي رقم (2) بشأن عملية تطوير مسجد الظاهر بيبرس بالقاهرة مدة تنفيذ تزيد على المدة المقررة.[51]

وكان قد سبق وأن أفردت النيابة الإدارية؛ تحقيقا مستقلا للتصدي لواقعة توقف العمل في مشروع ترميم وإعادة بناء مسجد الظاهر بيبرس منذ عام 2011، ومد فترة عقد المشروع، والتراخي في تحرير العقد التكميلي، وعدم تنفيذ قرار اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية؛ بشأن الموافقة على اعتماد الطوب الطفلي المستخدم في مسجد زغلول برشيد في أعمال البناء بمسجد الظاهر بيبرس بالقاهرة[52].

وفي أكتوبر 2020 أصدرت المحكمة التأديبية العليا، حكمها في القضية، بمجازاة مدير الإدارة الهندسية للآثار الإسلامية والقبطية بالمجلس الأعلى للآثار، وذلك لارتكابه مخالفات مالية وإدارية، خلال عملية تطوير مسجد الظاهر بيبرس، فيما قضت ببراءة مديرة التعاقدات بعد ثبوت عدم ارتكابها مخالفات[53].

(13) ارتكاب مسؤولين بالآثار مخالفات مالية وإدارية بمعبد الكرنك

وفي عام 2019 أيضا؛ أحالت النيابة الإدارية رئيس قطاع التمويل بوزارة الدولة للآثار، ومديري منطقة آثار الكرنك للمحاكمة التأديبية العاجلة بعد ثبوت ارتكابهم مخالفات مالية وإدارية جسيمة ترتب عليها الإضرار بمصلحة مالية للدولة. وكشفت التحقيقات أن رئيس قطاع التمويل بوزارة الدولة للآثار لم يتخذ قبل إحالته للمعاش كل ما يلزم من إجراءات حيال تنفيذ القرار الصادر من مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار بعرض أمر فسخ العقد المبرم بين المجلس والشركة المصرية للصوت والضوء بشأن حق الانتفاع بالأماكن الأثرية على إدارة الفتوي بمجلس الدولة واتخاذ الإجراءات القانونية نحو حصول المجلس الأعلى للآثار على مستحقاته وإزالة كل أنواع استغلال الشركة للأماكن الأثرية غير المنصوص عليها بالعقد رغم تكليفه بذلك. كما أكد تقرير الاتهام أن مديري منطقة آثار الكرنك لم يتخذا قبل إحالتهما للتقاعد الإجراءات القانونية اللازمة حيال التعدي الواقع من الشركة المصرية للصوت والضوء فرع الأقصر على حرم معبد الكرنك بإقامة كشكين به دون ترخيص وموافقه المختصين بوزارة الأثار على ذلك، ولم يتخذ الأخير الإجراءات اللازمة لإزالة التعدي أو تقنين أوضاعها[54].

وفي أبريل 2020 عاقبت المحكمة التأديبية، رئيس قطاع التمويل بوزارة الدولة للآثار سابقا، ومدير منطقة آثار الكرنك سابقا، بغرامة تعادل أجرهما الوظيفي، وغرمت مدير آخر لمنطقة آثار الكرنك سابقا بغرامة تعادل أجره الأساسي، لعدم اتخاذهم الإجراءات القانونية حيال وجود تعدي بإقامة كشكين لبيع الأسطوانات، وبيع المشروبات بجوار مدرجات العرض بمعبد الكرنك دون الحصول على موافقة السلطة المختصة[55].

(14) تزوير توقيعات الوزير وكبار المسؤولين بالآثار

وهذه القضية هي من القضايا القليلة التي تم تحويلها لمحكمة الجنايات، ففي مارس 2020 وافق النائب العام على قرار المحامي العام لنيابة غرب القاهرة، بإحالة مفتش آثار بالمجلس الأعلى للآثار، للمحاكمة الجنائية، لاتهامه بالاشتراك مع آخرين في تزوير توقيعات وزير الدولة الأسبق لشؤون الآثار السابق الدكتور زاهي حواس، والمشرف على المتحف القومي للحضارة المصرية والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار السابق الدكتور مصطفى أمين[56].

وكانت قد كشفت تحقيقات النيابة العامة، تقليد المتهم بواسطة غيره إمضاءات الموظفين العموميين المختصين بجهتين حكومتين، هما وزارة الدولة لشؤون الآثار والمجلس الأعلى للآثار، والمشرف على المتحف القومي للحضارة المصرية والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، واستعمل تلك الإمضاءات المقلدة بأن ذیل بها المحررات المزورة، الخاصة بالقرار الصادر بتحرير عقود أجر نظير عمل لتسعة وعشرين شخصا من المتقدمين للعمل بوزارة الدولة لشؤون الآثار، وعقدي عمل[57].

(15) اختفاء 73 نجفة أثرية من مسجد الحسين

وفي سبتمبر 2020 ذاع خبر اختفاء 73 نجفة أثرية من مسجد الحسين بالقاهرة. والغريب في الأمر أن وزارة الآثار لم تعلق على الخبر، في حين أن عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، خرج للصحف معلنا: “أن الثريات سُرقت في عهد جماعة الإخوان المسلمين”، وأضاف أن: “ثريا أثرية أزيلت من سقف المسجد واستبدلت بأخرى تركية ثم هربت إلى الخارج بعد ثورة 30 يونيو.[58]“. من جهتها، نفت “بوابة الحرية والعدالة”، التابعة لجماعة الإخوان المسلمين الاتهامات الموجهة إليها واعتبرتها محاولة للتغطية على “فشل الإدارة الحالية في محاربة الفساد”.[59]

وبين هذه الاتهامات المتبادلة، ضاعت اختفت القضية، كاختفاء الثُريات الأثرية، فلم نرَ لها فاعلا، أو نعرف لها مصيرا. كما لم نقرأ أو نسمع أن أحدا قُدم للمحاكمة فيها.

ملاحظات عامة على قضايا الفساد

وبعد أن أوردنا أبرز قضايا الفساد والمفسدين بوزارة الآثار خلال العشر سنوات الأخيرة، أحب أن أوضح الآتي:

  • أن هذه الوقائع لا تمثل إلا جزءا ضئيلا من المخالفات المالية والإدارية بالوزارة، فوقائع الفساد بوزارة الآثار وطبقا لبيان النيابة الإدارية تبلغ 1048 قضية، رغم أن هذا الرقم ورد في بيان النيابة عام 2017، حيث لم تصدر النيابة أي بيانات أخرى بهذا الشأن منذ ذلك التاريخ.
  • ومن الواضح أيضا وطبقا لبيانات النيابة الإدارية المختلفة، أن الفساد بوزارة الآثار متقدم عن الوزارات الأخرى، ففي عام 2016 أصدرت النيابة الإدارية، التقرير الإحصائي لها، وأشارت فيه إلى أن أعلى نسبة فساد كانت في قطاعات الصحة والآثار والنقل[60]. أما تقرير النيابة الإدارية عن الفساد بمؤسسات الدولة عن الفترة ما بين 2015 و2017، فقد أكد أن وزارة الآثار تلي وزارت الصحة والتعليم والنقل في نسبة قضايا الفساد بها[61]. في حين أنها ذكرت في تقريرها لعام 2018 أن الفساد بوزارة الآثار شهد ارتفاعا واضحا.[62]
  • هذه القضايا، تثبت أن الفساد عميق بوزارة الآثار ومتجذر، فمعظم القضايا متهمٌ بها كبار المسؤولين، وعلى رأسهم الوزير نفسه، فضلا عن الأمين العام، ورؤوسا القطاعات، والمناطق المختلفة.
  • ويتضح جليا من عرض تلك القضايا، أن الفساد المالي بالوزارة يأخذ حيزا ضخما؛ وهو فساد تتعدى قيمته مئات الملايين من الجنيهات، فضلا عن عشرات الملايين من العملات الأجنبية كاليورو والدولار، والقضايا المعروضة بالتقرير تؤكد ذلك.
  • والواضح والمثير للريب أيضا، أن وقائع الفساد المالي التي ارتكبها المتهمون، لم تكشف لنا المحاكمات التي جرت بشأنها مصير الأموال التي تم إهدارها واختلاسها، حيث تم إغلاق القضايا وكأن أمرا لم يكن.
  • كما أن المحاكمات الإدارية، وبالرغم من أن معظمها كما نرى في قرار تحويلها من النائب العام هي محاكمات عاجلة، بالرغم من ذلك، لم نرَ أو نسمع عن حكم يتناسب مع تلك الوقائع، فمعظم تلك الأحكام الإدارية لم تتجاوز الوقف عن العمل لفترات لم تزد عن الشهرين.
  • معظم تلك القضايا وبالرغم من أنها تمس أمن الوطن وممتلكاته، لم تتعدَ المحاكمات الإدارية، فلم نرَ أيا من تلك القضايا الكبرى قد وصل المتهمون فيها لمحاكمة جنائية أو جنحة، مما يثير الشك حول تلك المحاكمات.
  • من الواضح أيضا أن المسؤولين بالآثار لم يكونوا قادرين على ارتكاب كل تلك الوقائع، لو كانت القوانين والتشريعات رادعة، والدليل على ذلك انتشار هذا الكم الهائل من المخالفات في وزارة هي من أصغر الوزارات عددا.
  • كما أن قانون الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته المتتالية لو كان به من المواد ما يمنع من تهريب الآثار والاتجار بها بشكل رادع، لما استطاع عدد من المسؤولين ارتكاب جرائم من هذا الباب. وهذا يدعونا كما نقول دائما إن قانون حماية الآثار يجب العمل على صياغته بشكل يتناسب مع أهدافه في حماية الآثار، وألا تكون به ثغرات تمكن كل مخالفيه من إيجاد ما يُنقذهم من خلال نصوصه وفقراته المُلَغمة.
  • من الواضح أيضا، ومن خلال قراءتنا لتلك القضايا، أن هناك عددا كبيرا من مسؤولي وزارة الآثار والمناطق الأثرية المختلفة غير مؤهلين لتلك المناصب سواء من الناحية الإدارية أو الفنية أو من ناحية السير والسلوك. وهذا يُحتم على قيادة الوزارة، وعلى الرقابة الإدارية أيضا مراعاة تعيين مسؤولين مؤهلين مهنيا وإداريا، وأن يكونوا وبحق حسني السير والسلوك.
  • يتضح أيضا من القراءة المتأنية لتلك القضايا أن هناك قصورا واضحا في تأمين المواقع والمتاحف الأثرية، ربما بسبب ضعف عدد الحراسة بالمناطق والمواقع المختلفة. وهذا يدعو للنظر في هذا الجانب وعدم إيجاد ثغرات، وذلك من خلال تعيين أفراد أمن، وتأهليهم بالشكل الذي يتناسب ومهامهم في حماية وتأمين المواقع والمتاحف الأثرية.

الهامش

[1] – هي مؤسسه مصرية أهليه، مشهرة برقم 6337 لسنة 2005، ومهتمة بالكشف عن مظاهر الفساد بمؤسسات الدولة.

[2] – موقع ملتقى الحوار، تقرير الفساد في الآثار في مصر (وقائع وثائقية من صور الفساد داخل المجلس الأعلى للآثار)، يناير 2011

[3] – موقع ملتقى الحوار، تقرير الفساد في الآثار في مصر: رصد الفساد والفاسدين داخل المجلس الأعلى للآثار، 31 ديسمبر 2020

[4] – صوت الأمة، تفاصيل تقرير رسمي حول تحقيق النيابة الإدارية في أخطر 1048قضية فساد بالآثار، 29 أكتوبر 2017

[5] – الوفد، ملتقى الحوار يصدر تقريراً بعنوان الفساد في الآثار في مصر، 31 ديسمبر 2020

[6] – الموجز، بالوقائع، إهدار المال العام في مشروع تطوير منطقة تل بسطا الأثرية، 13 أغسطس 2015

[7] – النبأ، وقائع إهدار المال العام بمشروع تطوير «منطقة تل بسطا» برعاية زاهي حواس، 27 يناير 2017

[8] – الوطن، نكشف بالمستندات: 50 مليون دولار لدعم المتحف المصري الكبير «ضائعة»، 12 أكتوبر 2015

[9] – البوابة نيوز، بالمستندات.. “البوابة نيوز” تكشف أكبر قضية فساد بوزارة الآثار.. تعطيل العمل بالمتحف المصري الجديد لتسهيل حصول المحاسيب على الحوافز.. ومخاوف من توقف المشروع بسبب إهدار الميزانية.. والبقية تأتي، 7 يناير 2015

[10] – مصراوي، إحالة 4 مسؤولين بوزارة الآثار للمحاكمة العاجلة في فساد المتحف المصري الكبير، 16 أكتوبر 2017

[11] – بي بي سي، مجموعة من أبرز السرقات الأثرية في مصر، 4 يناير 2017

[12] – الشروق، في اليوم العالمي لمكافحة الفساد.. «الشروق» ترصد أبرز تحقيقات النيابة الإدارية في 2018، 9 ديسمبر 2018

[13] – المصري اليوم، النيابة الإدارية تحيل مديرين سابقين للمتحف المصري والمدير الحالي للمحاكمة (التحقيقات)، مارس 2018

[14] – صدى البلد، الآثار تتنصل من مسؤولية سرقة خرطوشة الملك خوفو، 4 ديسمبر 2013

[15] – اليوم السابع، “اليوم السابع” يكشف تفاصيل سرقة الصهاينة 16 عينة من خرطوش الملك خوفو. العينات تم نقلها إلى ألمانيا لإثبات أن بناة الأهرامات يهود والآثار تكتشف السرقة بعد نشر السارقين نتائج تحليل العينات، 21 نوفمبر 2013

[16] – أخبار اليوم، الآثار تتخذ الإجراءات القانونية لاستعادة العينات المسروقة من هرم خوفو، 22 ديسمبر 2013

[17] – دويتشه فيله، المتهمان بسرقة هرم “خوفو” أمام النيابة الألمانية، 12 فبراير 2014

[18] – الشرق القطرية، مصر تستعيد عينات خرطوش خوفو المهربة إلى ألمانيا، 14 أغسطس 2014

[19] – المصري اليوم، السجن 5 سنوات لـ 3 ألمان و6 مصريين في «سرقة خرطوش خوفو»، 11 نوفمبر 2014

[20] – المصري اليوم، لجنايات تودع حيثيات إدانة 3 ألمان بسرقة خرطوش هرم خوفو، 14 ديسمبر 2014

[21] – اليوم السابع، قبول طعن 9 متهمين بينهم موظفان بـ “الآثار” و3 ألمان لتورطهم بسرقة خرطوش الملك خوفو. الطعن استند على الإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون. ويؤكد: الاعتراف الوارد بالتسجيل الصوتي غير مكتمل الأركان، 30 ديسمبر 2015

[22] – مصراوي، بعد حصولهم على البراءة. مفتشو “خرطوش الملك خوفو” ينتظرون حكم لجنة الآثار، 24 أبريل 2017

[23] – أخبار اليوم، فيديو| الإدارية العليا تكشف عن أخطر عملية للإضرار «بهرم خوفو» تمت في عهد الإخوان، 28 نوفمبر 2020

[24] – مبتدأ، إحالة 8 مسؤولين بالآثار للمحاكمة بسبب «ذقن» توت عنخ أمون، 23 يناير 2016

[25] – الدستور، النيابة الإدارية: لن نطعن على الحكم في «ذقن توت عنخ أمون»، 11 مارس 2018

[26] – مصر العربية، بسبب الإهمال في قناع توت عنخ أمون، القضاء الإداري يقضى بترك الخصومة في دعوى إقالة وزير الآثار، 11 أبريل 2015

[27] – العربي الجديد، وزير الآثار المصري يعترف بتشويه قناع توت عنخ آمون، 24 يناير 2015

[28] – المصري اليوم، الآثار: انتهاء ترميم القناع الذهبي لتوت عنخ آمون، 10 ديسمبر 2015

[29] – صدى البلد، النيابة الإدارية تكشف أهم قضايا الفساد خلال 2016.. حوار الرئيس السيسي.. و15 ألف قضية فساد محليات على مستوى الجمهورية.. و15 مخالفة بقطاع الصحة والسكان، 29 أكتوبر 2017

[30] – وطني، البدء في مشروع ترميم جزء من سور القاهرة الشمالي، 15 يونيو 2015

[31] – فيتو، تقرير يحذر من تدمير سور القاهرة الأثري، 14 يناير 2016

[32] – اليوم السابع، مصادر: النيابة الإدارية تحقق في مخالفات ترميم أسوار القاهرة التاريخية، 28 يناير 2016

[33] – صوت الأمة، تفاصيل تقرير رسمي حول تحقيق النيابة الإدارية في أخطر 1048قضية فساد بالآثار، 29 أكتوبر 2017

[34] – الأهرام، النيابة الإدارية: زاهي حواس متهم في قضية فساد مالي بـ 30 مليون يورو ومنصبه السياسي أنقذه من المساءلة، 10 يونيو 2015

[35] – الدستور، النيابة الإدارية: تورط زاهي حواس في أكبر قضية فساد مالي بـ 30 مليون يورو، 10 يونيو 2015

[36] – البيان، النيابة تكشف تورط “زاهي حواس” في قضية فساد مالي بـ 30 مليون يورو، 10 يونيو 2015

[37] – البداية، تقرير قضائي يكشف: زاهي حواس متورط في فساد مالي قيمته 30 مليون يورو بسبب منصبه في «الآثار»، 10 يونيو 2015

[38] – المصري اليوم، النيابة الإدارية: المنصب أنقذ زاهي حواس من المساءلة عن فساد بـ 30 مليون يورو، 10 يونيو 2015

[39] – مبتدأ، النيابة الإدارية تسجل عقار شارع المعز لدين الله الفاطمي كأثر، 12 نوفمبر 2016

[40] – الأخبار، النيابة الإدارية تنتصر لعقار بشارع المعز وتقرر تسجيله كأثر، 12 نوفمبر 2016

[41] – الأهرام، رئيس النيابة الإدارية ينتصر لعقار شارع المعز ويقرر تسجيله كأثر واتخاذ الإجراءات للمحافظة عليه، 22 نوفمبر 2016

[42] – البوابة نيوز، الجهل يغتال التاريخ.. هدم “وكالة العنبريين” يسلب من “المعز” قيمته، 13 فبراير 2019

[43] – الوطن، النيابة الإدارية تحيل 3 مسؤولين بـ«الآثار» وحارس أمن لـ«التأديبية» لتقاعسهم عن حماية تمثال المطرية، 9 يوليو 2017

[44] – الشروق، في اليوم العالمي لمكافحة الفساد.. «الشروق» ترصد أبرز تحقيقات النيابة الإدارية في 2018، 9 ديسمبر 2018

[45] – الوفد، استولوا على 5 ملايين جنيه.. إحالة 72 عاملًا بقطاع الآثار بالمنوفية للمحاكمة، 4 أبريل 2018

[46] – الوطن، إحالة 27 مسؤولا بـ”الآثار” و”الزراعة” للمحاكمة التأديبية بالمنوفية، 16 ديسمبر 2018

[47] – المصري اليوم، إحالة 27 مسؤولا بـ «زراعة وآثار المنوفية» لـ«التأديبية»، 16 ديسمبر 2018

[48] – اليوم السابع، صور.. إحالة 27 عاملا بالآثار والإدارة الزراعية في المنوفية للمحاكمة (تحديث)، 16 ديسمبر 2018

[49] – مبتدأ، في بلاغ للنائب العام.. مجدي صادق يتهم مسؤولين بـ «الآثار» بإهدار المال العام، 10 يناير 2019

[50][50] – البوابة نيوز، عضو بالغرف السياحية يتهم الآثار بإهدار المال العام.. والوزارة تنفي، 10 يناير 2019

[51] – الدستور، محاكمة مسؤولين بـ “الأعلى للآثار” بسبب مسجد الظاهر بيبرس، 21 ديسمبر 2019

[52] – الوفد، محاكمة مسؤولين بـ “الأعلى للآثار” بسبب مسجد الظاهر بيبرس، 21 ديسمبر 2019

[53] – اليوم السابع، التأديبية تجازى مدير بـ “الأعلى للآثار” بسبب مخالفات في تطوير “الظاهر بيبرس”، 6 أكتوبر 2020

[54] – صدى البلد، إحالة 3 مسؤولين بالآثار للمحاكمة التأديبية العاجلة، 3 أكتوبر 2019

[55] – الوطن، مجازاة مسؤولين سابقين بالآثار أهملوا إنشاء “كشكين” بمعبد الكرنك، 22 أبريل 2020

[56] – اليوم السابع، النائب العام يحيل قضية فساد بوزارة الآثار لمحكمة الجنايات، 7 مارس 2020

[57] – مصراوي، إحالة مسؤول في “الآثار” للمحاكمة في قضية تزوير، 7 مارس 2020

[58] – الوطن، “الأعلى للشؤون الإسلامية” يكشف سبب سرقة نجف أثري بمسجد الحسين، 5 سبتمبر 2020

[59] – بوابة الحرية والعدالة، بعد سرقة 75 نجفة أثرية من مسجد “الحسين”.. نكشف بالتفاصيل أشهر سرقات الآثار الإسلامية، 5 سبتمبر 2020

[60] – الشروق، تقرير النيابة الإدارية السنوي: أعلى نسبة فساد في الصحة والآثار والنقل، 29 أكتوبر 2017

[61] – صدى البلد، النيابة الإدارية: حققنا في 491 ألف قضية فساد من 2014 حتى الآن، 12 مارس 2018

[62] – الدستور، متحدث النيابة الإدارية يكشف تفاصيل التقرير السنوي للفساد: 126 ألف قضية، 4 فبراير 2019

قوانين الآثار المصرية وشرعنة التهريب للخارج

قوانين الآثار المصرية وشرعنة التهريب للخارج

الوسوم

د. حسين دقيل

أكاديمي مصري،باحث ومتخصص في الآثار حاصل على الدكتوراه في الآثار اليونانية والرومانية من جامعة الإسكندرية حاصل على الدراسات العليا في التربية قسم اللغة العربية من جامعة جنوب الوادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى