السياسات العامة

الأفكار وصنع السياسات العامة في المراحل الانتقالية

الفهرس

ملخص

تمهيد

المحور الأول: الأفكار والسياسات العامة أثناء المراحل الانتقالية

ضوابط صنع السياسات العامة أثناء المراحل الانتقالية

1-الأفكار وأتخاذ القرار أثناء الأزمات

2- العلاقة بين الأفكار والقوة

3- نموذج التيارات المتعددة.

المحور الثاني: دراسة حالة: مشروع النهضة

أهداف مشروع النهضة:

1- العلاقة بين مشروع النهضة ونماذج اتخاذ القرار:

2- مشروع النهضة كنموذج للعلاقة بين القوة والفكرة في مصر بعد الثورة:

3- مشروع النهضة ونموذج التيارات المتعددة:

الخاتمة

الخلاصات الرئيسية التي يمكن استنتاجها من هذا خلال هذا البحث

المراجع


ملخص

مثلت ثورة 25 يناير 2011 حدث هام هيأ الظروف في مصر لإحداث تغيير في السياسات العامة يما يتناسب مع التحديات التي تمر بها مصر ومع آمال وتوقعات الشعب المصري، لكن هذا التغيير المنشود لم يحدث. في محاولة لمعرفة لماذا لم يحدث هذا التغيير ناقشنا سابقا دور الأفراد في صنع السياسات العامة (محسن، 2017) لكن دور الأفراد لا يكتمل فهمه إلا بفهم الدور الذي تلعبه الأفكار في إحداث عملية التغيير في السياسات العامة.

دور الأفكار في التأثير في الواقع وتغييره أحد المواضيع التي نوقشت كثيرا في العلوم الاجتماعية، فمنذ أن أعلن ماركس في مقدمه كتابه “نقد الاقتصاد السياسي” فكرته القائلة إن “ليس وعي الناس الذي يحدد وجودهم، ولكن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم” (ماركس، 1859) معلنا بذلك أن الواقع المادي/الاقتصادي للمجتمع هو الذي يحدد شكل الأفكار الذي ينتجها في الفنون والقانون والأدب وغيرها إلا وتبع ذلك مناقشة لهذه الفكرة من فلاسفة وعلماء اجتماع وعلماء سياسة أخرين تبنوا رأي مخالف قائلين بأن التغيير في الأفكار هو القوه المحركة لحركة التاريخ.

فقد جادل ماكس فيبر مثلا بان التطور في الأفكار الدينية وظهور أفكار الأخلاق البروتستانتية كان لها دور في ظهور الرأسمالية كنظام اقتصادي واجتماعي مادي. ولم ينقطع الجدل طوال هذا الوقت في العلاقة بين الأفكار والواقع المادي: أيها يغير الآخر؟ وظلت هذه العلاقة الجدلية محل مناقشة طوال الوقت.

انتقل هذا النقاش أيضا إلى مجال السياسات العامة في صور مختلفة، وما يهمنا في هذا السياق مناقشة دور الأفكار في التأثير في صنع السياسات العامة أثناء المراحل التي تتميز بعدم اليقين والغموض كما يحدث في المراحل الانتقالية وكيف تعاملت أدبيات السياسات العامة مع هذه الفترات وتأثير الأفكار فيها وذلك للإجابة على تساؤل رئيسي: ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الأفكار في صنع السياسات العامة أثناء المراحل الانتقالية؟ وذلك من خلال مناقشة دور الأفكار من ثلاث زوايا مختلفة:

الأولى دور الأفكار في اتخاذ القرار خاصة أثناء الأزمات الحادة، والثانية من خلال معرفة العلاقة بين الأفكار والقوة وكيف يؤثر كل منها في الآخر أثناء صناعة السياسات العامة، والثالثة من خلال تطبيق نموذج التيارات المتعددة الذي يهتم بصنع السياسات العامة أثناء مراحل الإضراب وعدم اليقين.

ومع إقرارنا أن تجربة المشاركة في صنع السياسات العامة من خارج المنظومة التقليدية في مصر كانت تجربة قصيرة ولم تكتمل فإنه سيتم استخدما مشروع النهضة كحالة دراسية تطبيقه بعد أن يتم تناول التجربة المصرية بعد الثورة بشكل عام ومجمل قبل ذلك. ولأن الورقة تهدف إلى دراسة الماضي من أجل الاستفادة منه مستقبلاً فإن الجزء الأخير سيكون مخصص لتقديم تصورات واقتراحات للدور الذي يمكن أن تلعبه الأفكار في صنع السياسات العامة أثناء المراحل الانتقالية خاصة في السياق المصري.

تمهيد:

يجادل الكثيرون أن مصر بعد ثورة يناير لم تكن تعاني من نقص في الحلول أو السياسات البديلة وأنه تم تقديم العدد الكافي منها خلال الأزمات المختلفة، وأنه كان هناك عدد كافي من الحلول الجيدة وذات جودة قدمت في مواجهه الأزمات المختلفة سواء الحادة أو المزمنة التي واجهت مصر بعد الثورة لكن المشكلة الأكبر كانت في السياسيين وصانعي السياسات الذين لم يستجيبوا لهذه السياسات أو رفضوا تطبيقها والتعامل معها. فمثلا “في المسألة الاقتصادية، يُجمع كل من يصلون للحكم على أنه «لا بديل» سوى استمرار النظام القديم بتقشفه وانحيازات موازناته وخططه التقشفية وبوصلته المتوجهة للمستثمرين عموما، والأجنبي المباشر منه خصوصا، على حساب أي شيء وكل شيء.

هنا تظهر سياسة تجفيف البدائل في أجلى صورها، ويتم تغييب النقاش العام في القضية التي تتهم الشعوب بأنها لا تهتم لغيرها: أكل العيش. والسبب واضح أن البدائل عديدة وأفق الواقع مفتوح لكن الخروج عن فلك السياسات القديمة يفجر التوازن السياسي الجديد الهش ” (جمال، 2012) وبهذا الشكل فإن هناك أفكار وسياسيات حقيقية بديلة موجوده للمشاكل العامة لكن التوزان السياسي هو الذي أعاق تنفيذ هذه الأفكار. على الجانب الآخر، فإن هناك من يجادل بأن الأفكار التي قدمت في مصر بعد الثورة كانت ينقصها الكثير، وأنه يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات (عبدربه، 27 أغسطس 2016) :

المجموعة الأولي: مجموعة أفكار ركزت على الشعارات فقط التي كانت بلا محتوى أو مضمون.

المجموعة الثانية: بدائل جزئية لبعض السياسات العامة ضمن إطار المشاريع الكبرى دون أن يكون لديها أي خبرة عن تعقيدات الواقع والتطبيق والتكلفة الاقتصادية والاجتماعية لهذه البدائل/ مثل مشروع المائة يوم ومشروع النهضة.

المجموعة الثالثة: قدمت رؤية شاملة ومتكاملة لبعض السياسات البديلة خاصة في المجال الاقتصادي والأمني لكن بغياب حساب تعقيدات التطبيق أيضا، ومع عدم امتلاكها لأي قدرات تنفيذيه لتحويل هذه السياسات إلى برامج واقعية.

الشكل (1): العلاقة بين الواقع المادي وبين الأفكار الموجودة في المجتمع كما تصورها كارل ماركس.

المحور الأول: الأفكار والسياسات العامة أثناء المراحل الانتقالية.

ضوابط صنع السياسات العامة أثناء المراحل الانتقالية

صنع السياسات العامة أثناء المراحل الانتقالية لها طبيعة مختلفة لعدة أسباب منها:

1ـ أنه خلال هذه الفترة تكون هناك أهمية كبيرة لإشراك المواطنين في عملية صنع السياسات العامة سواء من خلال اختيار المشكلات التي سيتم البدء بها ووضع الأجندة الحكومية أو من خلال معرفة رأيهم في السياسيات التي سيتم تنفيذها أو من خلال جعلهم جزء من عملية التقييم والمتابعة.

2ـ تكون توقعات المواطنين خلال هذه الفترة مرتفعة سواء في قدرة المرحلة الجديدة على حل المشاكل المستعصية أو في قدرتها على البدء في سياسات جديدة أكثر فاعلية وكفاءة، ومن المهم إدارة هذه التوقعات بشكل جيد من جانب الفاعلين السياسيين الجدد.

3ـ إن عملية صنع السياسات العامة نفسها يحدث بها تغير، حيث يشارك فيها فاعلون جدد في صناعتها بأفكار جديدة لم يكن لديهم نفس القدر من الخبرة أو المعرفة اللازمة لإدارة صناعة السياسات العامة بنجاح مما يزيد من صعوبتها ويقلل من فرص نجاحها.

4ـ الظرف السياسي الخارجي المحيط والذي يتميز أيضا بالغموض وعدم اليقين وفي بعض الأحيان قد يكون مصحوبا باضطراب، كما انه يشمل بجانب قضايا التنمية قضايا أخرى متعلقة بالتحول الديموقراطي وإصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية وإجراء تعديلات دستورية أو قانونية كبيرة وغيرها من القضايا المتنوعة التي تكون بحاجة أيضا إلى اهتمام.

5ـ إن النجاح في تحقيق بعض الإنجازات وإحداث تغيير في السياسات العامة ومواجهة المشكلات المستعصية أو الطارئة بشكل فاعل كل هذا يزيد من دعم المواطنين للمرحلة الانتقالية ويزيد من فرص نجاحها، فالنجاح في المراحل الانتقالية لا يرتبط فقط ببناء مؤسسات جديدة أو وضع قواعد النظام السياسي بشكل مختلف بل يرتبط أيضا بتلبية مطالب المواطنين والحصول على رضاهم عن المسار الجديد.

لذلك من المهم التمييز بين صناعة السياسات العامة أثناء المراحل الانتقالية وبين أي مرحلة أخرى ومحاولة فهم ومعرفة كيف يمكن أن تتم صناعة السياسات العامة خلال تلك الفترة وكيف يمكن تحسينها وضمان جودتها. وتلعب الأفكار دور مهم في المجال. ولمعرفة حقيقية الدور الذي يمكن أن تلعبه الأفكار في صنع السياسات العامة أثناء المراحل الانتقالية فإننا سنتناول ذلك من خلال ثلاث زوايا مختلفة:

أولا: دور الأفكار في اتخاذ القرارات أثناء الأزمات: ذلك أن المراحل الانتقالية ترتبط غالبا بالأزمات السياسية والاقتصادية وتكون تالية لها.

ثانيا: العلاقة بين الأفكار والقوة وكيف يؤثر كل منها في الآخر: فمراحل عدم اليقين والاضطراب كالمراحل الانتقالية تأخذ فيها القوة أشكال مختلفة عن الشكل التقليدي.

ثالثا: كيف أظهر نموذج التيارات المتعددة دور الأفكار في صنع السياسات العامة خاصة وانه يشرح صنع السياسات العامة أثناء عدم اليقين والأضراب.

1-الأفكار وأتخاذ القرار أثناء الأزمات

غالبا تبدأ المراحل الانتقالية بعد انتفاضات شعبية/ ثورات أو أزمات اقتصادية قوية تؤدي إلى تغيير في النظام. في هذه الأوقات فإن العلاقة بين الأفكار الموجودة لدى الفاعلين السياسيين عن السياسات التي يجب اتباعها خلال تلك الفترة وبين الأحداث الخارجية التي أدت للأزمة تأخذ أشكال مختلفة. فوقت الأزمة الذي هو الوقت الذي يكون فيه الإدراك لدى الأغلبية أن الأمور لا يمكن أن تظل تعمل بنفس الشكل.

وتأخذ العلاقة بين الأحداث الخارجية التي تحدث أثناء الأزمات وتوقيت هذه الأحداث الخارجية من جانب وبين الاستجابة السياساتية تجاه هذه الأحداث على الجانب الآخر شكليين مختلفين:

الشكل الأول أن الأحداث الخارجية كعامل خارجي تؤثر في الاستجابة السياساتية تجاه هذه الأحداث وبهذه الشكل فإن الاعتقاد هو بأن “الأحداث الخارجية وتوقيتها” هي الأهم في تحديد شكل المنتجات النهائية للسياسات وطبيعة استجابتنا لها. أما الشكل الثاني لهذه العلاقة فهو رؤيتنا للأزمة وإدراكنا له والسياسات التي نقتنع بأهميتها تصبح هي العامل الخارجي الذي يحدد بعد ذلك كيف نتعامل مع هذه الأحداث وبذلك فإن هذا الشكل يرى “الأزمة كاستراتيجية وإدراك” هو الأهم في كيفية التعامل مع الأزمة والنتائج المترتبة منها (Jones, May 2009)

جدول ـ 1: العلاقة بين الأحداث الخارجية وبين الأفكار والتصورات أثناء التعامل مع الأزمات:

ولمعرفة أيهما أهم في تحديد كيفية التعامل مع الأزمة ونتائجها: الأحداث الخارجية أم الأفكار، قدم إيريك جونس أربع خصائص رئيسية تنتج أربع نماذج مختلفة لاتخاذ القرار. هذه الخصائص الأربعة هي: طبيعة العامل الذي أنتج الأزمة، وقت الاستجابة، وكيف سيتم التقييم، وكيف ستتطور استراتيجية الاستجابة عبر الوقت. يمكن معرفة هذه الخصائص الأربعة من خلال الإجابة على هذه الأسئلة المقترحة:

  • هل العامل/ الحدث الذي أنتج الأزمة كان عامل موضوعي أو عامل شخصي؟
  • هل كان للإدراك البشري أو تصور الفاعلين السياسيين للأزمة دور مهم في هذا أم لا؟
  • هل كانت الاستجابة الزمنية لهذا الحدث تلقائية/أتوماتيكية أم أنها تمت من خلال عملية تداولية؟
  • هل كان صانعو السياسات في حاجة إلى التداول والنقاش قبل اتخاذ قراراتهم أم لا؟
  • هل يتم تقييم السياسات من خلال تقييم النتائج التي حققتها ونسبه إنجازها أم من خلال تقييم الإجراءات المتبعة وجودتها عند التطبيق؟ وهل الأهمية الأكبر للنتائج أم للإجراءات الصحيحة؟
  • هل السياسة المتبعة للتعامل مع الأزمة هي سياسة تشاركية/ تداولية أم أنها معروفة من قبل تم إقراراها؟
  • متى تم إقرار سياسة ما هل يكون الأهم بالنسبة لنجاحها هو المسار التاريخي السابق لهذه السياسة، أم أن الأهم هو عملية التقدير المستمرة والتقييم لهذه السياسة خلال التنفيذ؟

طبقا لهذا التصور فإن هناك أربعه أشكال مختلفة لكيفية اتخاذ القرار لكن ما يهمنا في هذه الدراسة هما نموذجين: النموذج التجريبي Empirical والنموذج Narrative لأنهما الأقرب إلى الحالة المصرية بعد الثورة، كما أنهما يظهران بشكل واضح دور الأفكار في عملية تغيير السياسات القائمة.

شكل رقم (2): النماذج الأربعة لاتخاذ القرار التي قدمها إيريك جونس (Jones, May 2009)

في النموذج التجريبي Empirical فإن العامل الذي يبدأ عملية تغيير السياسات هو عامل موضوعي على هيئة حدث خارجي حاد وقوى يؤثر في السياسات القائمة وفي مدى صلاحيتها، وفي هذا النموذج يكون العامل الخارجي هو العامل المستقل وأفكار وتصورات السياسات العامة التي ستتغير هي العامل التابع. من أمثلة ذلك ما حدث في الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 من انهيار في البورصات العالمية وإفلاس عدد من البنوك، أو ما حدث في مصر في يناير 2011 من مظاهرات واحتجاجات شعبية واسعه أثرت على إدارة الدولة والحياة اليومية الاعتيادية للمواطنين.

يحتاج صانعو السياسات والسياسيين في هذا الحدث إلى وقت للتفكير في شكل الاستجابة المتوقعة ولا يكون لديهم تصورات جاهزة على شكل التغيير في السياسات الجديدة، لذلك فإن عملية اتخاذ القرار تخضع إلى المناقشة والتشارك بين أطراف مختلفة وهذا كله قد يحتاج إلى بعض الوقت. أيضا عملية تطوير السياسات التي تم اختيارها تخضع للمناقشة والمشاركة بين أطراف مختلفة حتى يتحسن أدائها أو من أجل إجراء عدد من التعديلات والتحسينات عليها. وفي النهاية/ يتم تقييم نجاح هذه السياسات من حيث قدرتها على تحقيق الأهداف التي وضعت لأجلها ومدى نجاحها في ذلك من عدمه.

في النموذج التقليدي Narrative فإن ما يبدأ عملية التغيير في السياسات هو القناعة الداخلية لدى السياسيين وصانعي السياسات بأن هناك أزمة في حاجة إلى حلول وأفكار جديدة من أجل تغيير الواقع الذي نعيشه. وبهذا تكون أفكار وتصورات السياسات العامة هي العامل المستقل والأحداث الخارجية والمادية هي العامل التابع. تخضع عملية اتخاذ القرار في هذا النموذج أيضا إلى النقاش والمشاركة بين أطراف مختلفة ولا تكون جاهزة أو مسبقة الإعداد وبالتالي فإنها في حاجة إلى وقت من أجل إقرارها ولا تتم بصورة تلقائية/ أتوماتيكية. أيضا فإن عملية تطوير السياسات العامة الجديدة تخضع للنقاش والمشاركة من أطراف مختلفة. أما تقييم السياسة الجديدة فإنها تتم من خلال تقييم مدى جودة تقييم الإجراءات والمسارات الجديدة بعد تطبيقها على أرض الواقع. في هذا النموذج، يكون للأفكار دور مهم في اتخاذ القرار وتغيير السياسات حيث أنها تقدم كإطار جديد وبديل للسياسات الحالية.

في النموذج التقليدي تلعب الأفكار والتصورات دور رئيسي في اتخاذ القرار وفي تغيير السياسات العامة وقد ذكر مارك بْلَيث في كتابه “التحولات العظيمة: الأفكار الاقتصادية والتغير السياسي في القرن العشرين” أن الأفكار يمكن أن تلعب دور كبير في التغيير خاصة في العلاقة بين الهدف من السياسة الجديدة والوسائل و الإجراءات الجديدة التي سيتم تطبيقها، حيث يتم ذلك من خلال عدة أشكال (Jones, May 2009):

الأول: أن الأفكار تساعد على اليقين خاصة في أوقات الإضراب والشك، فهي التي تخبرك ما لذي يجب عليك فعله عندما تصبح الأفكار والسياسات القديمة عقيمة.

الثاني: أن الأفكار تصبح هي نقطة التجميع للعمل العام من خلال مساعدة الأفراد في معرفة دورهم في تحقيق السياسة الجديدة، والذي يجب عليهم تحقيقيه جراء هذه السياسات.

الثالث: أن الأفكار تمثل المرجعية للأفراد والمؤسسات التي تخبرهم ما لذي يجب عليهم فعله من أجل التحول إلى الشكل الجديد.

الرابع: أن الأفكار تحفز الأفراد والمؤسسات من أجل إيجاد ترتيبات جديدة مبدعة داخل المؤسسات بما يتناسب مع السياسات الجديدة.

رغم تشابه النموذج التجريبي والنموذج Narrative في موقفهم من توقيت اتخاذ القرارات، ففي كل منهم يتم اتخاذ القرار من خلال المشاركة ويحتاج القرار إلى وقت لإقراره. وفي تشابه موقف كل منهم من تطور السياسات عبر الوقت حيث يتم تدريجيا ويحدث تغيير في شكل السياسات الجديدة عبر الوقت. إلا أن بينهم اختلاف واضح في طريقة تقييم السياسات الجديدة في النهاية، ففي حين يهتم النموذج التجريبي بالنتائج ومدى تحقق المستهدف منها يهتم النموذج Narrative بجودة تطبيق الإجراءات الجديدة، كما أن بينهم خلاف آخر أكثر أهمية في كيفية النظر إلى العامل المحفز لتغيير السياسات ففي حين يركز النموذج التجريبي على العوامل الموضوعية المادية كونها الأهم في تغيير السياسات يركز النموذج Narrative على العامل الشخصي والأفكار كونها هي الأهم. إن وجود الفكرة الجريئة والجديدة التي لديها سرديتها الخاصة لكيفية الخروج من الأزمة هي العامل المهم لحدوث التغيير في النموذج Narrative. إما إذا لم توجد هذه الفكرة فسوف يستمر السياسيون وصانعو السياسات في العمل بنفس السياسات القديمة إلى أن يظهر شيء جديد.

في الحالة المصرية، كان لدى عدد كبير من السياسيين والأكاديميين اقتناع كبير في عدم جدوى السياسات العامة التي يتبعها نظام مبارك سواء في مجال العلاقات الخارجية والإقليمية أو في مجال السياسات الاقتصادية والاجتماعية أو في سياسات الأمن الداخلي والأمن القومي. وتم التعبير عن هذه الأفكار سواء في كتابات صحفية أو أكاديمية أو من خلال تكوين تنظيمات سياسية وحركات شبابية. مع هذا، فإن الذي الحديث الجدي عن التغيير في السياسات العامة كان بسبب حدث خارجي هو انتفاضة الجماهير في ثورة يناير وليس بسبب وجود أفكار وتصورات تحدد استراتيجية معينة للتغير في مصر وكيف يكون شكله.

وكانت بذلك ثورة يناير هي العامل المحفز الذي دفع قطاعات كبيرة من الشعب ومن السياسيين وصناع السياسات للتفكير الجدي في تغيير السياسات العامة القائمة. وبناء على ذلك بدأت مجموعة من النقاشات الأكاديمية والسياساتية في أماكن مختلفة سواء داخل الأحزاب والحركات السياسية المختلفة أو داخل مراكز التفكير والبحث أو في الجامعات والمراكز القومية من أجل التفكير في سياسات وأفكار بديلة. احتاجت هذه النقاشات إلى وقت لكي تبدأ في النضج بشكل كافي ولكي يتم الإٌعلان عنها في وسائل الإعلام أو في الوسائل الصحفية. ومثلت الحملات الانتخابية للأحزاب أثناء الانتخابات البرلمانية فرصة مناسبة للإعلان عن هذه الأفكار والتصورات الجديدة وتفاعل الناس معها بالنقاش والاتفاق والاختلاف حولها.

أيضا، كانت الانتخابات الرئاسية خاصة خلال المرحلة الأولي منها فرصة للنقاش حول هذه السياسات البديلة ومثل مشروع النهضة أكثر المشاريع نقاشا بسبب صدوره من جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تملك الأكثرية في البرلمان في ذلك الوقت. ما كان يميز هذه التصورات والسياسيات البديلة أنها في كانت تعتمد في تقييم نجاحها أو فشلها على تحقيق من مجموعة من الأهداف والمشاريع والإنجازات أكثر من اهتمامها بالتأكد من حصول تغيير في الإجراءات والوسائل المستخدمة والأليات لتحقيق السياسات الجديدة، ومدى الجودة التي ستتحقق عند تطبيق هذه الإجراءات الجديدة. لم يكتب لأي من هذه الأفكار أن تستمر لفترة طويلة في التطبيق_ بخلاف مشروع النهضة الذي استمر فقط لمدة عام وهي فترة غير كافية_ لذلك لا يمكن معرفة كيف كان يمكن تقييم هذه السياسات وتطورها عبر الوقت.

بناء على ما سبق، فإن النموذج في مصر بعد الثورة أقرب إلى حالة النموذج التجريبي، لقد كانت ثورة يناير هي الحدث الذي أثر على أفكار وتصورات الفاعلين السياسيين في مصر وأجبرتهم على التفكير في سياسات ومسارات بديلة. ورغم أن الكثيرين كانوا قد قالوا إن مصر في أزمة وفي حاجة إلى سياسيات بديلة إلا أن ما حرك السياسيين وصانعي السياسات بعد الثورة هو الثورة نفسها وليس الأفكار والتصورات التي يملكونها، ما حركهم كان رد الفعل تجاه الحدث وليس الفعل الواعي الذي تم التفكير فيه مسبقا، ما حركهم هو التفاعل مع الأحداث المتتالية التي قادت تحركاتهم وليس التصورات والأفكار المسبقة للتغير التي يمكن أن تستفيد من الحدث لا أن تنقاد له. أن مصر بعد الثورة كانت في حاجة إلى النموذج Narrative وليس النموذج التجريبي في اتخاذ القرارات وتغيير السياسات لكن أساس النموذج Narrative الذي يحركه هو التصورات والأفكار المسبقة التي تقدم نفسها كحل بديل للأزمات التي تعاني منها مصر بعد أن تكون قد استوعبت حجم الأزمة وتأثيرها في مصر بشكل كافي. وبعد ذلك تستفيد من الأحداث الخارجية _التي اتخذت في مصر شكل ثورة شعبية_ من أجل تغيير السياسات القائمة.

2- العلاقة بين الأفكار والقوة

هذه الورقة تهتم بالأساس بصنع السياسات العامة أثناء المراحل الانتقالية وهي مراحل تتميز بصفات وخصائص معينة تجعلها مختلفة عن الأوقات الأخرى. منها أن مفهوم القوة والسيطرة خلال هذه المرحلة لا يأخذ الشكل المألوف له قبل المرحلة الانتقالية لذلك سيكون من المهم في البداية التفريق بين مفهوم القوة والسيطرة لتوضيح هذا المعنى بشكل أفضل، ثم تقديم تعريف “للقوة السياسية” يكون أكثر ملائمة للفترات الانتقالية وقادر على توضيح دور القوة فيها وعلاقتها بالأفكار. ثم مناقشة العلاقة بين القوة والأفكار في أدبيات السياسات العامة مع التركيز على مفهوم Ideatıonal Power في فهم كيف تستطيع القوى السياسية الجديدة التي تشارك في الحكم حديثا المشاركة بصورة أفضل في صنع السياسات العامة رغم فارق القوة بينها وبين القوى السياسية التقليدية لصالح الأخيرة من خلال تقديم سياسات وأفكار بديلة. وأخيرا تطبيق هذا على الحالة المصرية بعد ثورة يناير.

مفهوم القوة من المفاهيم التي تم مناقشتها كثيرا في أدبيات العلوم السياسية، لكن ما يهمنا هو التركيز على التفريق بين مفهوم القوة Power ومفهوم السيطرة Domination . فقد ارتبط مفهوم القوة بشكل كبير بقدرة طرف ما (شخص 1) على إجبار شخص آخر (شخص 2) على القيام بأفعال أو تصرفات هو ضد رغبات هذا الشخص ومصالحه الحقيقية (شخص 2).

فمثلا، إذا كان (شخص 2) من مصلحته الإبقاء على شكل معين من الرعاية الصحية أو النظام السياسي للدولة أو إبقاء علاقات خارجية جيده مع دولة أخرى لأن ذلك يخدم أهدافه ومصالحه الحقيقية لكن تم إجباره على التصرف ضد هذه المصالح بسبب الضغوط التي تعرض لها من (شخص 1) فإن هذا يوضح مثال تقليدي لكيف يمكن استخدام القوة في المجال السياسي. لكن في الحقيقة، فإن المثال السابق هو مثال لمفهوم السيطرة وليس لمفهوم القوة، حيث أن شخص 1 استطاع السيطرة على شخص 2 وإجباره على القيام بعكس ما يريد. أما مفهوم القوة، فإنه يرتبط بقدرة شخص 1 على التحكم بأفكار وقناعات الآخرين وإقناعهم بأفكار وتصورات هي ضد أهدافه ومصالحه. وبهذا الشكل تصبح “القوة” أهم من “السيطرة” لسببيين: الأول: أنها تغيير من قناعات الطرف الثاني لصالح الطرف الأول وبذلك تمنع حدوث النزاعات والخلافات حول القضايا من الأساس، والسبب الثاني أنها يمكن لاحقا أن تؤدي إلى السيطرة. وطبقا لهذا التمييز تصبح القوة القدرة على الوصول إلى أهداف محددة والتأثير على النتائج أكثر منها القدرة على السيطرة على أفعال وتصرفات الآخرين بطريقة هي ضد مصالحهم الشخصية الحقيقية. (Béland, 2010).

من أهم ما يميز المراحل الانتقالية _ خاصة في بدايتها_ هو ضعف القدرة على السيطرة لدى الأطراف الحاكمة التقليدية وبالتالي فإن مفهوم السيطرة يصبح أقل أهمية، وتبرز أهمية مفهوم القوة بما أنها القدرة لأن يكون لك تأثير على النتائج (Béland, 2010) فكلما زادت لديك هذه القوة طبقا لهذا المفهوم كلما كانت لديك قدرة أكبر في التحكم في شكل نتائج المرحلة الانتقالية . لكن في الحقيقة فإن توزيع القوى داخل المجتمع والدولة لا يكون بشكل متساوي أو عادل، فحتى لو فقدت القوى التقليدية (السيطرة) على الشأن العام فإنها في الأغلب لاتزال تتمتع بأعلى (قوة) قادرة على التأثير في قرارات ونتائج المرحلة الانتقالية. لذلك سيكون من المفيد استخدام تعريف محدد للقوة السياسية على أنها القدرة الموزعة بشكل غير متكافئ والتي نحتاجها من أجل العمل معا والتأثير في سلوك الآخرين من أجل تحديد شكل المخرجات السياسية. (Béland, 2010) تكمن أهمية هذا التعريف من جهتين:

الأولى: أن التعريف يقر باللا مساواة في قدرات الأطراف السياسية المختلفة، فلا تمتلك الأطراف السياسية المختلفة نفس القدر من القوة، بل هناك لا مساواه كبيرة في توزيع القوة بحيث يكون لأطراف محددة قدرات أكبر من غيرهم بشكل كبير وغالبا ما تكون هذه الأطراف هي القوى السياسية التقليدية والتاريخية في هذا البلد. وهو ما يعني أن القوى السياسية الجديدة أثناء المراحل الانتقالية _ وفي غيرها_ تحتاج إلى العمل المشترك مع الآخرين والتأثير في خياراتهم وقراراتهم من أجل الوصول إلى مخرج أو هدف سياسي محدد لهذه القوى السياسية. وهذا يبدو مناسبا في سياق المراحل الانتقالية للدول أو في فترات عدم اليقين والاضطراب.

الثانية: تبرز أهمية الأفكار في تحديد شكل المخرجات السياسية التي يسعي الفاعلون السياسيون للوصول إليها سواء عبر العمل المشترك بين الفاعلين السياسيين المختلفين أو عبر إقناع طرف سياسي لآخر بتغيير قناعته وأفكاره _ أو جزء منها_ لصالح أفكار أخرى. ولنأخذ المثال التالي، في حال حدوث تغيير سياسي كبير في بلد ما، أو حدوث انتفاضة شعبية أدت إلى تغيير في شكل النظام السياسي فإذا كان هناك فردين كلاهما يعمل مساعد لنفس الوزير فإنه خلال هذا الوقت سيكون لدى كل منها رؤية وأفكار مختلفة للمصالح والأهداف التي يجب العمل لتحقيقها رغم أن كل منهم يعمل في نفس المؤسسة ويتعرض تقريبا لنفس علاقات القوة فيها.

يعدو ذلك بالأساس إلى أنه في الفترات التي يغيب فيها اليقين ويحدث الإضراب، في هذا التوقيت يظهر بوضوح دور التفكير والأفكار في تحديد مصالح الفاعلين السياسيين أثناء تلك الفترة والتي سيعمل كل طرف على تحقيقها، وفي نفس الوقت تظهر أهمية القدرات التي يتمتع بها كل طرف من أجل إقناع الآخرين أو إجبارهم على العمل معا لتحقيق أهداف مشتركة.

وهذا ينقلنا إلى النقطة التالية وهي كيف يحدد كل طرف سياسي مصالحه التي يعمل لتحقيقها؟

في بعض الحالات يتم النظر للأفكار وكيف يحدد كل فاعل سياسي أهدافه وأفكاره من وجهة نظر مادية ماركسية على أنها نتاج العلاقات المادية وعلاقات القوة في المجتمع، ومن خلال هذه العلاقات يحدد كل طرف أو فاعل سياسي مصالحه وأهدافه. وضمن هذا الفهم يتم التفريق بين الإدراك “الحقيقي” والإدراك “الزائف” لهذه المصالح لدى الأفراد والطبقات الاجتماعية. بمعنى أنه قد يكون من مصلحة فاعل سياسي معين أو طبقة اجتماعية معينة تبني مصلحة محددة حقيقية له لكن نتيجة الإدراك الزائف فإنه قد يتبني مصلحة أخرى على النقيض تماما نتيجة هذا الفهم الزائف. ومع التأكيد على أهمية علاقات القوة في المجتمع في إنتاج الأفكار فإن هناك عامل آخر لا يجب إغفاله خاصة أثناء المراحل الانتقالية وهو أن إدراك العالم الخارجي يتم من خلال الجانب الفكري/التفكير وأنها ليست نتيجة حتمية أو منتج نهائي لعلاقات القوة في المجتمع. وأن هذا الفهم والتحديد للمصالح يتم من خلال البناء السياسي والاجتماعي للعالم الخارجي الذي يحدث في عقول الفاعلين السياسيين. والذي بناء عليه يحدد كل منهم مصلحته والأهداف التي يسعى لتحقيقها، من هنا تظهر فكرة “المصالح المتصورة” ” Perceived interest “ . وهي التي تتم من خلال التفكير وباستخدام الأفكار. أو ما يطلق عليه Ideational Power وهو المفهوم الذي يمكن ترجمته بـ”القوة الفكرية” أو “التفكير القوي والعقلاني”1 والذي هو قدرة الفاعلين ( سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المجموع) على التأثير في اعتقادات الفاعلين السياسيين الآخرين سواء الاعتقادات المعيارية أو المعرفية من خلال استخدام أدوات تصنيع الأفكار Ideation 2 (Schmidt, 2016).

من خلال هذا التعريف، يبدو الدور الهام الذي تلعبه الأفكار في تغيير قناعات وأفكار الآخرين تجاه مواقف وسياسات معينة ومدى قوة هذه الدور، وهو بذلك يضيف بعد جديد لمفهوم القوة أو لمفهوم السيطرة الذي كان يرتبط دائما بإكراه الآخرين على تبني أفكار ومواقف بخلاف مواقفهم الأصلية من خلال استخدام الإكراه أو المؤسسات أو التهديد. وبهذا الشكل كلما كان لدى الفاعلين السياسيين قدر كافي من القوة الفكرية ideational power القادرة على التأثير في تشكيل وتأطير تصورات الفاعلين السياسيين الآخرين عن شكل مصالحهم المتصورة كلما سهل لهم ذلك الوصول معا إلى شكل محدد من المخرجات المتفق عليه.

القوة الفكرية تلك لديها أشكال مختلفة لكن ما يهمنا منها في سياق المراحل الانتقالية كالذي مرت به مصر هو القوة من خلال الأفكار Power Tthrough Ideas والذي هو قدرة الفاعلين على إقناع الآخرين بقبول وتغيير أفكارهم بما يجب عليهم أن يفكروا فيه أو يعملو من أجله من خلال استخدام أدوات تصنيع الأفكار ideation. (Schmidt, 2016). هذا النوع من القوة الفكرية يعتمد بالأساس على الإقناع من خلال تقديم الحجج والتفكير الرشيد. ويتم الإقناع من خلال استخدام أدوات فكرية لتصنيع أفكار جديدة وذلك من استخدام حجج معرفية أو حجج معيارية.

تعتمد الحجج المعرفية Cognitive arguments في نجاحها على قدرتها على تعريف المشاكل التي سيتم حلها بشكل محدد وتقديم سياسيات كافية لحل هذه المشاكل (Schmidt, 2016). يظهر تأثير القوة على الأفكار والعلاقة بينهما من خلال قدرة القوة في هذا النوع من الحجج على تأطير المجال الذي تصنع فيه السياسات العامة بشكل محدد وتأطير المشكلات محل النقاش وبالتالي الحد من مدى السياسات البديلة التي يمكن تقديمها لحل هذه المشكلة. فعلى سبيل المثال فإن المؤسسات النيوليبرالية تجيد استخدام هذه النوع من الحج من خلال تعريف المشاكل في البداية في شكل محدد وقدرتها على تأطير هذا التعريف وعدم الخروج عنه عند التعامل مع هذه المشكلات، ثم في قدرتها على تقديم كيف يمكن لهذه السياسات المبنية على الأفكار النيوليبرالية حل هذه المشكلات، وأخيرا في إظهار التناسق بين كل هذه الخطوات بداية من تعريف المشكلة وتقديم السياسات لها وفي النتائج المتوقعة. لذلك من المهم في الحجج المعرفية أن “تبدو متناسقة” عند تقديمة للجمهور وصانعي السياسات والسياسيين. وبهذا الشكل سيستخدم بعض الفاعلين السياسيين الحجج المعرفية كأداة فكرية من أجل تصنيع أفكار بشكل محدد وتقديمها للفاعلين السياسيين الآخرين بهذا الشكل وإقناعهم بها بداية من تعريف المشكلة إلى شكل الحلول التي يجب تنفيذها على أن تبدو كل هذه الخطوات متناسقة.

أما الحجج المعيارية Normative arguments فتميل إلى تقديم نفسها بما يتوافق مع القيم والمعايير والأخلاق المنتشرة في المجتمع حديثا أو من فترة طويلة، ومدى قدرة هذه السياسات على تحقيق هذه القيم والمعايير أو توافقها معها. (Schmidt, 2016). ورغم أهمية الحجج المعرفية عند تقديم أي سياسية إلا أن السياسات لا تحظى بالقبول والرضى إلا إذا كانت تجيد تقديم الحجج المعيارية أيضا بنفس القدر من النجاح وبما يتوافق مع توقعات المجتمع. فعل سبيل المثال، فرغم قدرة أفكار كينز الاقتصادية على تقديم حجج معرفية جيدة عند تقديم نفسها كبديل للسياسات النيوليبرالية في بداية القرن الماضي أثناء حدوث أزمات اقتصادية من خلال زيادة الإنفاق الحكومي وليس تقليله كما كان يظن الجميع إلا أنها أيضا حظيت بالقبول أيضا لأنها قدمت كثير من الأمثلة والتجارب من الحياة اليومية التي تؤيد هذه الفكرة لكي تبدو مقنعه لدى الجمهور. هذا يعني أن كل من الحجج المعرفية والحجج المعيارية كلاهما مهم عند إقناع الجمهور وصانعي السياسات بالسياسات الجديدة.

مع هذا، ينبغي التنبيه أن أهمية الحجج المعيارية تكون أكبر في الدول والمجتمعات الديموقراطية والتي يوجد فيها مسألة شعبية للحكام والتي يسعى الحاكمون فيها للحصول على الرضا الشعبي وهو العامل الذين لن يكون بنفس القدر في الدول والأنظمة الاستبدادية. لذلك فإن الحجج المعيارية لا تكون موجودة بالقدر الكافي قبل بدء المرحلة الانتقالية لكنها مع بداية المراحل الانتقالية والتغيير السياسي وانفتاح المجال العام فإن الأطراف السياسية الجديدة أو الراغبة في الحصول على دعم الناخبين أو شرعية جماهيرية أكبر تكتسب لديها الحجج المعيارية أهمية كبيرة سواء لإقناع مؤيديها أو في إقناع أطراف سياسية أخرى.

طبقا لهذا التفسير، فإن الأفكار هنا لا تكون وليدة الواقع المادي الذي تعيش فيه وبالتالي تكون موجودة (داخل) عقول أصحابها فقط، بل تصبح موجودة (بين) عقول مختلفة تتفاعل فيما بينها بالنقاش والحوار حولها، وتصبح قدرة “قوة الفكرة/ التفكير العقلاني القوي” Ideational power ليس في التحكم بالناس لإقناعهم باحتياجات غير احتياجاتهم الحقيقية، بل في إقناع الفاعلين السياسيين بتعريف جديد للمشاكل المطروحة وطريقة التعامل معها بناء على ما تؤمن أنت به كفاعل سياسي أو محلل سياساتي لهذه المشكلة.

وخلال الفترات التي تحدث بها تغييرات راديكالية في السياسات_ كالتي يمكن أن تحدث خلال المراحل الانتقالية مثلا_ فإن القوة من خلال الأفكار تظهر من خلال قدرتهم على المنافسة مع الأفكار والتصورات المختلفة وبناء شرعية حول الأفكار والتصورات الجديدة سواء لدى النخب الحاكمة أو لدى الرأي العام. إن امتلاك القوة الفكرية على مسألة الأفكار والتصورات والمنظومات الفكرية القديمة وإظهارها في مظهر العاجز عن حل المشكلات الحالية من خلال تقديم حجج مختلفة خطوة مهمة من أجل إحداث تغيير في السياسات القائمة.

وفي تطبيق ذلك على الحالة المصرية، خاصة في بدايتها سيبدو واضحا الدور الكبير الذي لعبته الأفكار في الأيام والأسابيع الأولي بعد إسقاط مبارك، لقد كان بالفعل لدى أشخاص في نفس المستوى الاجتماعي/الاقتصادي ويعملون في نفس المصلحة الحكومية أو المؤسسة الخاصة لكل فرد منهم أفكاره الخاصة والمتصورة عن المصالح والأهداف التي يجب للثورة أن تسعى لتحقيقها مستقبلا في اختلاف وتنوع شديد لرؤية المصالحة المتصورة لكل منهم لكن هذا سرعان ما تغير مع الوقت تدريجيا.

أيضا، قبل ثورة يناير كانت هناك “سيطرة” من النظام القديم على عملية صنع السياسات العامة بحيث أن مشاركة أي أطراف أخرى من خارجه كانت محدودة جدا وغير مؤثرة، واتخذت هذه السيطرة الشكل التقليدي لمفهوم القوة المبني على إجبار النظام القديم لباقي الأطراف داخل الدولة على إتباع سياسات وتوجهات محددة حتى لو كانت ضد رغباتهم. لكن هذا الشكل اختلف بعد ثورة يناير حيث أصبحت هناك حالة من اللامساواة في القوة بين أطراف النظام القديم من المجلس العسكري والجهاز البيروقراطي للدولة والفاعلين السياسيين التقليديين من الحزب الوطني أو العائلات الكبيرة في طرف، وبين قوى سياسية وشبابية صاعدة حديثا واكتسبت زخم شعبي وتأييد بسبب الثورة أو فاعليين سياسيين جدد في المشهد من أحزاب جديدة أو سياسيين أو حركات مجتمع مدني أو إعلاميين.

كان عدم المساواة في القوة لصالح الطرف الأول لكنه لم يكن يملك السيطرة على المشهد كما كان يحدث سابقا، ولذلك كان في حاجة إلى القوة من أجل تحقيق أهدافه والسيطرة على نتائج المرحلة الانتقالية. ولأجل ذلك فإنه أحيانا كان يحاول إقناع أطراف أخرى بما يقوم به لكي يضمن تأييدهم كأن يصدر بيانات عسكرية تشرح وجه نظره كبيان “اعتذار ورصيدنا لديكم يسمح” على سبيل المثال كمثال واضح لشكل القوة السياسية الجديد في بداية المرحلة الانتقالية أو أن يحاول استمالة أطراف سياسية على حساب أطراف سياسية أخرى كاستمالة شباب الثورة والكيانات الشبابية ضد الإخوان، أو استمالة الإخوان ضد القوى الشبابية والثورية المختلفة. لكن مع الوقت أيضا، اختفى هذا الشكل من المشهد تدريجيا لصالح المشهد الحالي الذي فيه سيطرة على السياسات العامة باستخدام الإكراه والقوة وحدث هذا الانتقال من التحكم في نتائج المرحلة الانتقالية لكي تصل إلى النتائج التي يريد إلى مرحلة السيطرة المادية وبالإكراه على مخرجات العملية السياسية بأكملها والسياسات العامة للدولة.

وفي تقديرنا، أنه من المهم تتبع سلوك الفاعلين السياسيين الجدد في بداية الثورة وهل استخدموا وسائل وسياسات مختلفة من أجل إقناع فاعليين سيأسين أخرين بأهدافهم وتصوراتهم عن المرحلة الانتقالية ونتائجها أم لا؟ وهل استخدموا أدوات تصنيع الأفكار والقوة الفكرية في ذلك أم لا؟

سيكون من الصعب في هذه الدراسة تحليل ذلك بشكل كامل ومع ذلك فهي محاولة هامة من المهم أن تحظى بالتحليل مع هذا فإن هناك ملمح عام في السنوات الأولى بعد الثورة تتمثل في انتشار الحجج المعيارية من قبل الفاعلين السياسيين المختلفين لإقناع الناخبين والمواطنين بأهمية السياسات التي ينتهجها كل طرف وإقناع الآخرين بها، مرة بأن هذه السياسات تتوافق مع المرجعية الإسلامية التي يؤيدها أغلبية الشعب، أو من خلال حجج تأييد السياسات لأنها أقرب للثورة وتطلعات المصريين منها ولأهدافها أو من خلال تقديم هذه السياسات في صورة التي تحافظ على مصر واستقرار الوطن. وغابت الحجج المعرفية بشكل كبير إلا في مشروع النهضة الذي سنتحدث عنه لاحقا.

لقد كان من المتوقع بعد الثورة وفي ظل حالة عدم المساواة في القوة هذه أن تقوم الأطراف السياسية الجديدة ببناء تحالفات فيما بينها تضمن لها نصيب أكبر من القوة عبر التوافق على مجموعه من الآراء السياسية والفكرية تضمن لها قدر أكبر من القوة وتأثير أكبر في نتائج المرحلة الانتقالية ومخرجاتها عبر الإقناع المتبادل وباستخدام الحجج المعرفية أو المعيارية من أجل إحداث هذا التوافق الفكري لكن هذا لم يحدث بالشكل الكافي وكان من نتيجة ذلك أن فقدت الأحزاب السياسية والقوى السياسية الجديدة القوة اللازمة للتحكم في مخرجات العملية السياسية والسياسياتية ونتائجهماـ، مما أدى إلى عودة القوة التقليدية مرة أخرى إلى المشهد وفي مقدمتهم الجيش ولكن هذه المرة من خلال استخدام (السيطرة) وليس (القوة) فحسب.

3- نموذج التيارات المتعددة.

في أدبيات السياسات العامة أراء مختلفة عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الأفكار في صنع السياسات العامة. بناء على تصورات جون كنجدون John Kingdon ، فيمكن القول إن الأفكار يمكن أن تؤثر في عملية صنع السياسات العامة بثلاث أشكال مختلفة مرتبطة بالثلاثة مسارات الكبيرة (المشاكل، السياسات، الوضع السياسي):

الأول: يمكن للأفكار أن تساهم في التركيز على اختيار عدد محدد من المشاكل المحددة من المشاكل الكثيرة المطروحة الموجودة في المجتمع، فطبقا لتصور كنجدون فإن السياسيين والصحفيين والمواطنين لا يمكن لهم التركيز مع العدد الكبير من المشاكل الموجودة في المجتمع في المجالات المختلفة، ومن هنا تأتي أهمية ” الأجندة الحكومية” التي تختار فيها الحكومة التركيز على مشاكل محددة لتبدأ في حلها. الأفكار في هذا المجال يمكن أن تساعد في معرفة ماهي المشاكل الملحة التي يجب التعامل معها حاليا وإدخالها على الأجندة الحكومية وتحديد الأولويات ضمن هذه المشاكل. مع التذكير، أن تحديد هذه المشاكل يرتبط ارتباط وثيق بالفاعلين الرئيسيين وبالمؤسسات التي تصنع هذه السياسات.

الثاني: تقوم صناعة السياسات على مجموعة من الافتراضات المسبقة التي تحدد شكل السياسات التي سيتم اختيارها للتعامل مع المشاكل المطروحة. فعلى سبيل المثال، فإن السياسات النيوليبرالية تقوم على مجموعة من الأفكار الافتراضات الخاصة بأهمية السوق والتقليل من دور الدولة ومحاولة تقليل التكاليف الحكومية …الخ، هذه الافتراضات المسبقة هي التي تحدد شكل السياسات التي ستخرج لمعالجة المشاكل المجتمعية ومن هنا تبرز أهمية الأفكار في صنع السياسات. في حالات عدم الاستقرار وغياب اليقين يكون هناك ميل أكبر لمناقشة هذه الافتراضات بعمق أكبر ونقدها بحثا على أفكار وسياسات بديلة.

الثالث: تمثل أفكار التغيير أهم الأسلحة التي يمكن أن يستخدمها السياسيون من أجل تهيئة الرأي العام لإحداث تغييرات كبيرة والتقليل من معارضة المؤسسات لهذه التغييرات. وتسمى في بعض الأدبيات “البناء الاجتماعي للحاجة إلى التغيير” 3 ، وبهذا فإن الأفكار تمثل في المجال السياسي أداة هامة من أجل أحداث التغيير في السياسات العامة القائمة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

مع هذا لا ينبغي التقليل من العوامل المهمة التي قد تضعف من تأثير الأفكار في عملية صنع السياسات العامة، فمثلا (Beland, 2009) يرى أن العلاقة بين الأفكار ومن يحملها من فاعلين سياسيين هي علاقة مهمة تحدد مصير هذه الأفكار، فبعض الأفكار السيئة قد يكتب لها الانتشار والتحول إلى سياسات لمجرد أن الفاعل السياسي الذي يؤمن بها قوي أو في السلطة، وفي أحيان أخرى، فإن الأفكار الجيدة قد تمنح فرصة لفاعلين سياسيين مهمشين أو ليسوا في مراكز القوة لكي يصبحوا أكثر تأثيرا في المشهد السياسي وذلك لأن أفكارهم تقدم حلولاً وسياسات لمشاكل مستعصية يعاني منها المجتمع.

أيضا، معارضة أصحاب المصالح والنفوذ لبعض الأفكار والسياسات الجيدة قد يجعل مصيرها عدم التطبيق بسبب تصاعد هذه المعارضة والحشد المنظم ضد هذه الأفكار، وسيكون مهم في هذا السياق دراسة حالات الوزارات المختلفة التي حاول بعض الوزراء فيها تقديم أفكار وسياسات جديدة وكيف تعامل مع هذه الأفكار أصحاب المصالح والنفوذ كحالة وزارة التموين مثل مع الوزير باسم عودة.

أخيرا، فإن وجود سياسات من فترة طويلة داخل المؤسسات ومع وجود قوي سياسية ضعيفة أو منقسمة قد يفشل الأفكار الجيدة من البداية حتى لو تكون تحالف سياسي يدعمها بسبب معارضة المؤسسات لهذه الأفكار وتمسكها بالسياسات القديمة.

في الحالة المصرية، وبعد الثورة مباشرة كانت البلاد مهيئة لحدوث تغييرات كبيرة في السياسات العامة ولم يكن هناك لدى أي من السياسيين مشكلة في إقناع الرأي العام بذلك أو محاولة تهيئتهم إلى التغييرات المرتقبة. لكن، لم تكن لدى أي من القوى السياسية التقليدية أو الناشئة حديثا بعد الثورة شكل واضح للأجندة الحكومية والمواضيع التي يجب أن تحظي بالاهتمام بسبب الطبيعة المفاجأة للثورة. لاحقا، تبلور لدى كل منهم أولويات عامة لما ينبغي بأن يحظى بالاهتمام سواء كان ذلك عودة الأمن والاستقرار، أو إعادة بناء مؤسسات الدولة التشريعية والمنتخبة أو تطبيق سياسات تنموية جديدة وأكثر عدالة، لكن مع هذا فإن من كان يمتلك أجندة حكومية حددت بعد ذلك مسار المرحلة الانتقالية كان المجلس العسكري الذي اختار ما الذي ينبغي التعامل معه بشكل ملح وتجاهل قضايا أخرى، وباستبعاده لدخول أفكار في الأجندة الحكومية لحساب أفكار أخرى. وبينما كان يجاول آخرون بناء أجندة حكومية خاصة بهم، أو كان لدى فاعلين سياسيين تصورات لشكل أجندة حكومية بديلة لكنها لم تكن مكتملة كان المجلس العسكري قد أدار المرحلة الانتقالية وفق أجندته التي وضعها هو.

ورغم أن مراحل الغموض وعدم اليقين كالمراحل الانتقالية تتميز بمراجعه الافتراضات المسبقة التي تبني عليها السياسات العامة ومحاولة تمحيصها فإن هذا لم يتم بشكل كافي. وربما يكون من المهم مستقبلا تحليل كيف تعامل الفاعلون السياسيون المختلفون في مصر مع افتراضات تحكم السياسات العامة في مصر في المجالات المختلفة. من نوعية جدوى إتباع السياسات النيوليبرالية أو في جدوى الاستثمارات الخارجية المباشرة في مصر على التنمية والمجال الاقتصادي، أو جدوى عدم التدخل خارجيا إيجابيا في الملفات الساخنة أو في بلدان الربيع العربي أو في شكل وطبيعة العلاقات الخارجية المصرية مع دول الخليج أو إيران أو اسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية. أو في أولويات الرعاية الصحية والتعليم في مصر أو في كون عدد السكان الكبير هو من معيقات للتنمية وغيرها من القضايا وكيف تم نقاش هذه المسلمات والافتراضات المسبقة.

المحور الثاني: دراسة حالة: مشروع النهضة

يعتبر مشروع النهضة التي قدمه الإخوان المسلمون وحزب الحرية والعدالة في الحملة الانتخابية للدكتور محمد مرسي من أكثر مشاريع السياسات العامة التي حفلت بتغطية إعلامية ونقاش واسع، ويعود ذلك لأنها جاءت من الحزب الذي كانت لديه الأكثرية في البرلمان ويتبع الجماعة الأكثر تنظيما في مصر بعد الثورة، بالإضافة إلى كون مشروع النهضة هو البرنامج الرئاسي للمرشح محمد مرسي الذي أصبح رئيسا للجمهورية. لذلك فقد حظي بمتابعة ونقاش واسع. الميزة الأهم أيضا في هذا المشروع، أنه المشروع الوحيد الذي كان لدية الإمكانية للتحول من مجرد أفكار على الورق أو في كتب الدعاية الانتخابية إلى برامج عملية وتنفيذية وسياسات تتفاعل مع الأفراد والمؤسسات على أرض الواقع تؤثر فيهم وتتأثر بهم.

مع هذا، فإن محاولة مناقشة وتقييم هذا المشروع تعتريها صعوبات كبيرة أهمها أنه لم يتح له الوقت الكافي من أجل تطبيقه وتفاعله مع السياق المحيط به، ثم تقييم المشروع بعد مرور الزمن الكافي حيث لم يستمر المشروع إلا لمده سنة واحدة فقط لينتهي مع الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013. مع هذا، سيظل لهذا المشروع أهمية حيث كان أول محاولة للتفاعل الحقيقي بين الأفكار والتصورات الفكرية لدى الفاعلين السياسيين من خارج منظومة الحكم التقليدية في مصر وبين المشاكل والتحديات التي تواجهها مصر وكيف يمكن مواجهتهما والتفاعل معها من أجل إيجاد الحلول والسياسيات المناسبة لها.

لا تهدف هذه الورقة إلى مناقشة المشاريع والمقترحات التي تم تقديمها في مشروع النهضة ومدى جدواها وفاعليتها في مواجهه المشاكل المصرية، ولا تناقش مشروع النهضة من زاوية كونه مشاريع وسياسات لمواجهة سياسات محددة وبالتالي مناقشة هذه السياسات والمشاريع بصورة مستقلة كوحدات تحليل مستقلة بل على العكس فإن الورقة تناقش المشروع بصورة كلية دون الدخول في التفاصيل ومشاريعه التنفيذية، بحيث يكون مشروع النهضة ككل هو وحدة التحليل. على أن تتتبع الورقة علاقة مشروع النهضة بنماذج اتخاذ القرار أثناء الأزمات التي عرضناها سابقا. وعلاقته بالقوة في مصر، وباستخدام نموذج التيارات المتعددة في تفسير الدور الذي لعبته الأفكار في تشكيل مشروع النهضة.

أهداف مشروع النهضة:

كان الهدف المعلن لمشروع النهضة أن تكون مصر من أفضل 30 دولة في العالم قبل 2025، وكان المشروع قائم على ثلاث مستويات:

1ـ المستوى الفكري والقيمي: وهو الجزء الذي يعتبر الإطار الفكري والمرجعي للمشروع ككل، والذي يكان يفترض طبقا للقائمين عليه أن يحكم كل التصورات والاستراتيجيات التالية في المشروع، وأن يمثل أيضا التوجه الإسلامي الذي ترغب جماعة الإخوان المسلمين في تطبيقه. هذا التصور الفكري كان معد بالأساس ليشمل الإمة الإسلامية ككل من خلال منظور حضاري إسلامي مختلف عن المنظور الغربي وعماد هذا التصور الفكري هو بناء الإنسان المتكامل بتأصيل القيم والأخلاق الإسلامية.

2ـ المستوى الاستراتيجي: يهدف إلى تنمية المجتمع المصري بتحسين مستوى الحياة للمواطنين طبقا للرؤية الفكرية والقيمية، وعلى هذا المستوى يتم تحويل المستوى الفكري إلى مجموعة من الاستراتيجيات الحاكمة للعمل، على أن يكون الاهتمام متركز على مصر كدولة وليس الأمة ككل كما كان في المستوى السابق.

3ـ المستوى التنفيذي: بناء الواقع المصري من خلال برامج تنفيذية مختلفة. ويعتمد على سبعة محاور: المحور الاقتصادي/ السياسي / الاجتماعي (البشري)/التعليمي /الأمني / الريادة الخارجية/ الملفات الخاصة، على أن يتم تنفيذه على ثلاثة مراحل. (خطة الإخوان في المائة يوم الأولي لحكم مرسي 2، 2012). هذه المراحل والفترات الزمنية المختلفة من أجل تقييمه وإجراء التعديلات عليه كل فتره لضمان مراقبه تنفيذه وتحقيق أهدافه، لكن هذا لم يحدث عمليا بسبب الانقلاب العسكري في مصر فلا يمكننا معرفة كيف كان سيتم تقييم المشروع أثناء التنفيذ.

طبقا لبعض الذين شاركوا في هذا المشروع4 فإن فكرته كانت من قبل ثورة يناير بسنوات طويلة وأنه شارك فيه عدد كبير من قيادات الإخوان والمثقفين، لكنه في هذه المرحلة كان مهتم فقط بالمستوى الأول في المشروع وهو المستوى الفكري والقيمي ولم يتم تناول المستويات التالية إلا بعد ثورة يناير ولم يكن يطلق عليه في هذا الوقت اسم مشروع النهضة بل كانت الأسماء أقرب إلى المشاريع والتصورات الحضارية الفكرية، وبعد إعلان نية الإخوان تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية كان هناك حاجة إلى برنامج انتخابي رئاسي لهذا المرشح لذلك تمت الاستفادة من الأفكار والتصورات التي كانت موجوده في هذا المشروع الفكري من أجل عمل برنامج انتخابي للمرشح ينقل المشروع من مستوى الأمة إلى مستوى الدولة، ومن مستوى التصورات الفكرية إلى مستوى الاستراتيجيات والمشاريع التنفيذية، ومن جعله تصور خاص تقوم عليه جماعة الإخوان المسلمين إلى تصور يتبناه المجتمع.

لكن هذا سبب مشكلة للعاملين في المشروع الذين انتقلوا للعمل داخل مؤسسة الرئاسة: فينما كان التركيز في البداية على المستوى الأعم وعلى المدى الطويل وفي السياق الفكري، أصبح من الواجب عليهم في ذلك الوقت التفكير في السياق المصري المحلي وفي المشاكل العاجلة ومن خلال برامج تنفيذية وعملية والعمل على هاذين المسارين في نفس الوقت! وفي محاولة لحل هذا الإشكال تم عمل لجان مشتركة من ثلاث أطراف: القائمين على المشروع في مؤسسة الرئاسة، وحزب الحرية والعدالة، والجهات الحكومية والوزارات من أجل الاتفاق على المستويات الاستراتيجية والبرامج التنفيذية لكن هذا كان في فترة الأسابيع الأخيرة من حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي قبل الانقلاب العسكري. أيضا، فإنه تم عمل لجان أخرى بأفراد جديدة تهتم أكثر بالجانب التنفيذي والبرامج العملية بداية من إعلان قرار الترشح للانتخابات الرئاسية عملت بصورة مستقلة نسبية عن الذين عملوا في مشروع النهضة على المستوى الفكري من بداياته مع وجود حلقات وصل بين المجموعتين بشكل دوري ومنتظم.

كما رأينا، فقد دفعت ثورة يناير التي جاءت على نحو مفاجئ القائمين على مشروع النهضة على إجراء تغييرات سواء في طريقة العمل أو في شكله أو في الأفراد المشاركين فيه. هذه التغييرات طبقا لبعض القائمين عليه جعلته يتحول من مشروع كبير لم ينضج بعد وكان في حاجة إلى مزيد من الوقت والجهد حتى تجتمع عليه الأمة ويصبح مشروعا جامعا لها إلى برنامج انتخابي تنافسي صغير يتم عرضه للمنافسة الحزبية، والتسفيه من الخصوم السياسيين لم يأخذ حقه من الوقت والجهد ولا يعبر بشكل حقيقي عن مشروع النهضة في نسخته الأصلية، مع هذا فإنه تظل له أهميته البحثية والعملية كونه كان استجابة الفصيل السياسي المصري الأكبر _جماعة الإخوان المسلمين_ في سياق المرحلة الانتقالية بعد الثورة لمشاكل مصر العامة ومحاولة تقديم سياسات وحلول لها. أيضا، فإن ما تهتم به الورقة البحثية هو ما تم تقديمه للناخبين ولعموم المواطنين المصريين في صورة مشروع النهضة في المقام الأول وليس المشروع الأكبر في نسخته الأصلية وذلك لسببين:

الأول: أن الجزء الذي لم يتم الإعلان عنه لا يمكن تقييمه الآن لأنه طبقا لتصورات القائمين عليه لم يكتمل بعد وكان في حاجة إلى مزيد من الوقت والجهد وبالتالي فإن هناك أجزاء لم يتم الإعلان عنها. وبهذا الشكل فإن الورقة ستكتفي بدراسة ما تم الإعلان عنه فقط باعتباره الجزء الأكثر اكتمالا ونضجا من التصور الكلي الذي اختارت الجماعة عرضه على المواطنين.

الثاني: أن كل ما حدث من اختلاف وتغييرات ومحاولة للتبديل والتكييف مع الواقع الجديد هو الأقرب إلى روح المرحلة الانتقالية وطبيعتها التي تتميز بعد اليقين والإضراب وهو ما تحاول هذه الورقة دراسته، فصنع السياسات العامة أثناء المراحل الانتقالية يختلف شكله عن أوقات الاستقرار أو داخل الأنظمة المستقرة، وبذلك فإن مشروع النهضة يمثل حالة جيدة لكيف بمكن للفاعليين السياسيين أن يقوموا بصناعة السياسات العامة أثناء المراحل الانتقالية.

ولأجل هذا، فأننا في هذه الورقة سنتعامل مع مشروع النهضة طبقا لم تم الإعلان عنه في وسائل الإعلام المختلفة عبر قيادات الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، كما أننا سنتعامل معه كمشروع سياساتي _ وليس كمشروع فكري_ يهدف إلى تغيير السياسات العامة للدولة في المجالات التنفيذية المختلفة بسياسات جديدة.

1- العلاقة بين مشروع النهضة ونماذج اتخاذ القرار:

توجد تصريحات عديدة لقيادات في الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة تشير إلى أن البدء في مشروع النهضة كان قبل ثورة يناير (د.جهاد الحداد – كواليس إعداد مشروع النهضة، 2012) واستخدم ذلك كثيرا في الدعاية الانتخابية والترويج لمشروع النهضة لكن الأقرب للدقة أن المشروع الذي تم الإعلان عنه كان استجابة جماعة الإخوان المسلمين لنجاح الثورة المصرية في إسقاط رأس النظام ومحاولتهم للبحث عن حلول وسياسات للمشاكل والتحديات التي تواجهها مصر، وأن ما سبق ذلك كان مجموعة من الأفكار والتصورات الفكرية المتفرقة أكثر منها برامج حكم أو برامج تنفيذية. فطبقا لكلام “ياسر علي” المنسق العام لمشروع النهضة فإنه “وبعد الثورة المصرية العظيمة في 25 يناير 2011.

بدأت جماعة الإخوان المسلمين في التجهيز لمشروع متكامل لنهضة الأمة المصرية لتعظيم مكتسبات الثورة وتحقيق أهدافها. ومنذ مارس 2011 انطلق العمل بتكوين فرق مختلفة للعمل” (علي، 2012). وما يبدو من كلامه أن الشرارة التي ساعدت على بداية مشروع النهضة بهذا الشكل وبتلك الكيفية هو الحدث الخارجي الذي تمثل في ثورة يناير وليس وجود رؤية أو تصورات مسبقة لكيفية التعامل مع مشكلات الدولة المصرية.

كان يتم الترويج في البداية في وسائل الإعلام على أن المشروع يتكون من مجموعه من الحلول والبرامج والمشاريع العملاقة الكبيرة الجاهزة للتطبيق لكن بعد انتخاب د. محمد مرسي صدرت عدد من التصريحات من قيادات الإخوان التي تقول إن المشروع في طور التشكل وأنه يحتاج إلى بعض الوقت لكي يكتمل وأنه في حاجة إلى مشاركة قطاعات أكبر من المواطنين والخبراء فيه لكي يتم التوافق عليه. أشهرهم تصريح خيرت الشاطر أن الإعلام يتعامل مع مشروع النهضة بطريقة خاطئة، وأنه ليس لدينا برنامج واضح ومحدد وأننا نجهز مشروع مبدئي مقترح يكون متاح للنقاش بين القوى السياسية المختلفة (عاجل: اللقاء الحقيقى كاملا لخيرت الشاطر ومشروع النهضة، 2012) وهو التصريح الذي هوجم بسببه كثيرا، لكنه يعتبر التصريح الأكثر واقعية لكيف كان يتم التفكير في مشروع النهضة منذ البداية لدى قيادات الإخوان والمسلمين خاصة وأن هناك تصريحات في وقت مبكر من قيادات الإخوان تعبر عن هذا الموقف (الإبراشي للشاطر : أين مشروع النهضة ؟، 2012)، وكانت هناك دعوات من المرشح الرئاسي محمد مرسي أثناء الدعاية الانتخابية تدعم فكرة عرضه للنقاش والتطوير ثم الاتفاق عليه بين القوى المختلفة (النهضة كما تحدث عنها د. مرسي مع محمود سعد، 2012). وهو التصور الأكثر واقعية أيضا كون أنه لم يكن لدى أحد من السياسيين قبل الثورة تصورات أكثر تفصيلية عن حلول المشاكل المصرية بسبب بعدهم عن مراكز اتخاذ القرار وعدم توقع أحد قيام الثورة. فالمؤكد أنه لم توجد هناك تصورات جاهزة وتلقائية لكيفية التعامل مع المشاكل في مصر، وأن مشروع النهضة كان في حاجة إلى الوقت الكافي للدراسة والنقاش حتى يتم الاستقرار عليه قبل البدء في تنفيذه

من الملامح الواضحة للترويج لمشروع النهضة كانت فكرة عدد المشروعات العملاقة التي يسعى مشروع النهضة لتحقيقها، والتركيز على الجانب الكمي في هذا الجانب. بالإضافة إلى الجمع بين نجاح مشروع النهضة وامتلاكه القدرة على تحقيق هذه الأهداف من خلال التركيز على القدرات البشرية والتنظيمية لدى جماعة الإخوان لحقيق هذه الأهداف. (مشروع النهضة .. محمد مرسي رئيســ2012ـــاً لمصر، 2012). وهذا على عكس النموذج Narrative الذي يركز أكثر على تنفيذ سياسات وبرامج بديلة والتأكد من جوده تنفيذ هذه السياسات عمليا وبذلك يكون تقييم نجاح أو فشل السياسات بمدى القدرة على تطبيق هذه السياسات بكفاءة.

كما نرى يمثل مشروع النهضة مثال لكيف يمكن للأفكار أن تتجاوب مع الأزمات طبقا للنموذج التجريبي حيث يلعب الحدث الخارجي وهو ثورة يناير الدور الأهم في تحديد الأفكار والتصورات التي تنتج من الفاعلين السياسيين والتي تكون رد فعل لهذا الحدث كما أنها تظهر الاهتمام الواضح منذ البداية لدى أصحاب فكرة مشروع النهضة على التركيز على الأهداف والنتائج التي سيتم تحقيقها مستقبلا وامتلاكهم الأدوات والخبرات المادية والبشرية لتحقيق هذه الأهداف مستقبلا، أكثر من تركيزهم على تغيير السياسيات والإجراءات المتبعة في مصر وضمان تطبيق سياسات وإجراءات جديدة بجوده أفضل وبطريقة أمثل لتحقيق هذه الأهداف.

لكن في الحقيقية، فإن ما كانت تحتاج إليه مصر فعليا _ ولاتزال_ هو النموذج Narrative في اتخاذ القرار أثناء الأزمات، ولا يعنينا في هذا السياق أن تتبع مصر نموذج معين أو أن تتمسك بهذا النموذج أو ذلك بصورة حرفية لأن هذا لا يحدث في الواقع، وما تساعدنا به هذه النماذج في الحقيقي هو فهم أكثر لما يحدث وفي التركيز على عوامل مهمة قد يتم إغفالها. وأهم عامل في النموذج Narrative هو وجود الفكرة أو السياسة البديلة التي تستفيد من الأحداث الخارجية سواء كانت أزمات سياسية أو اقتصادية في تحقيق تغيير في السياسات القائمة، وأنها في سبيل التأكد من نجاحها في تحقيق هذا التغيير فإنه تهتم في تقييم السياسات على جوده تطبيق السياسات والإجراءات الجديدة أكثر من اهتمامها من تحقيق أهداف نهائية واضحة ومحددة.

لا يعنى هذا عدم أهمية تحديد أهداف نهائية واضحة لكنه يعنى أكثر أن وجود فكرة بديلة في رؤوس متخذي القرار وصانعي السياسات ثم عملهم على تطبيقها بعد نقاش وتشاور مع أطراف مختلفة ومتابعه وتقييم مستمر مع اهتمام كبير بالتأكد من تغيير السياسات القائمة لصالح السياسات الجديدة، والتأكد من جودة تطبيق السياسات الجديدة هو الذي سيضمن تغير السياسات وتحقيق الأهداف المرجوة، أما إذا لم يكن لدينا أي فكرة عما ينبغي عمله كفكرة بديلة فالأغلب أنه لن يحدث تغيير في السياسات الحالية وسيظل النظام يعمل بنفس الشكل القديم لكن ربما بتغيير بسيط في الأهداف النهائية التي يسعى لتحقيقها.

2- مشروع النهضة كنموذج للعلاقة بين القوة والفكرة في مصر بعد الثورة:

كان مشروع النهضة استجابة لثورة 25 يناير ومحاولة للتجاوب معها، لكنه استطاع أن يحظى بمتابعه وتطور خلال فترة قصيرة، ولم يعاني المشروع من ضعف في تقديم الحجج المعيارية أو المعرفيةـ فالمشروع استطاع الحصول على دعم شعبي جيد جدا من خلال تقديم حجج معيارية مبنية على فكرتين أساسيتين:

الأولي كونه الأقرب إلى إيحاد حلول لمشاكل مصر المستعصية والتي كانت من أسباب ثورة يناير لذلك فإن المشروع هو القادر على إيجاد حلول لمشكل كثيرة ومستعصية وبشكل متكامل.

الفكرة الثانية أن هذا المشروع يعتمد على المرجعية الإسلامية فهو يحظى بالتالي بدعم من الناخبين الإسلاميين الذي مثلوا أغلبية تصويتيه في الانتخابات البرلمانية. أما الحجج المعرفية فقد كانت جيدة أيضا حيث استطاع تقديم تعريف واضح للمشاكل التي تعاني منها مصر والأسباب التي أدت إليها وكيف يمكن علاجها، وقد بدا هذا الطرح لدى أغلب الناخبين والمواطنين غير المتخصصين “متناسق” وهي الخاصية الأهم في الحجج المعرفية.

وبالنتيجة فقد استطاع المشروع استخدام أدوات تصنيع الأفكار ideation بشكل جيد خاصة أثناء المرحلة الأولى في الدعاية الانتخابية للانتخابات الرئاسية لكن هذه الإمكانية لم تتحول إلى قوة دائمة لدى حزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين بعد فوز محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية. لقد كانت الخطوة التالية المتوقعة بعد هذا النجاح هو أن تستفيد جماعة الإخوان المسلمين من هذا الوضع الجديد من أجل بناء Power Through Ideas وذلك باستخدام الحجج المعرفية والمعيارية في إقناع فاعلين آخرين بهذه الأفكار وتغيير أفكارهم لصالح مشروع النهضة لكن هذا لم يحدث بشكل كافي بعد إعلان النتيجة. وبدلا من أن يتحول المشروع إلى منصة للنقاش والحوار تحاول من خلاله القوى السياسية المختلفة التأثير في أفكار وتصورات الآخرين في كيفية إدارة السياسات العامة للدولة وبحيث يكون لجماعة الإخوان المسلمين القوة الأكبر خلال هذه الحوارات، وهذا الشكل من الحوار قال عدد مختلف من قيادات الإخوان المسلمين أنه سيتحقق (الإبراشي للشاطر : أين مشروع النهضة ؟، 2012) بل تحدث عنها أيضا محمد مرسي أثناء الدعاية الانتخابية وقال أنها ستحدث بعد نجاحه (النهضة كما تحدث عنها د. مرسي مع محمود سعد، 2012) لكن السنة الأولي من الرئاسة انتهت دون أن يحدث هذا النقاش سواء من خلال مؤتمر رسمي كبير كما كان مزمعا أو من خلال مؤتمرات وندوات أصغر في مجالات محددة كالاقتصادية أو التعليمية أو الصحية أو غيرها أو حتى بين الأحزاب السياسية المختلفة وحزب الحرية والعدالة. وانتقلت أغلب النقاشات إلى المواضيع السياسية المباشرة دون مناقشة جادة لتغيير السياسات العامة وكيف يمكن أن يساهم مشروع النهضة في ذلك.

كان يمكن لحزب الحرية والعدالة أن يستخدم مشروع النهضة كمنصة يبني من خلالها عدد من التحالفات بين قوى الثورة المختلفة بناء على تصورات متفق عليها لحل مشاكل معينة وهذا كان سيصب في النهاية في زيادة قوة الأطراف السياسية المحسوبة على الثورة وقدرتهم في التأثير على قرارات ومخرجات العملية السياسية وتغيير السياسات العامة لكن هذا لم يحدث. ولأن فارق القوة من البداية غير متكافئ ولصالح قوة الثورة المضادة (خاصة القوة المادية) فقد استطاعت عبر الوقت التأكد من عدم حدوث أي اتفاق على سياسات أو مسارات جديدة، ثم لاحقا وبعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو استخدم المسار الجديد الذي تم فرضة بالقوة ليكون محور النقاش والحوار وبذلك ضمنت التحكم في مخرجات ونتائج هذه الحوارات في الاتجاه الذي يريد، فرغم مشاركة قوى سياسية مدنية مختلفة في دعم الانقلاب أو قوى شبابية أخرى لكن مبكرا جدا وباستخدام قوة التحكم في الأفكار والنقاشات المطروحة بالإضافة إلى امتلاك قوة السلاح تم وضع مسار سياسي وسياسياتي لا يمكن الخروج عنه لكن يمكن المشاركة في النقاش حوله. وكان من أول ملامح هذه المرحلة الجديدة اختفاء الحديث تماما عن مشروع النهضة ككل أو الأفكار التي كان يحملها.

3- مشروع النهضة ونموذج التيارات المتعددة:

في هذا الجزء سنتناول بالتحليل مشروع النهضة من خلال استخدام نموذج التيارات المتعددة وذلك للتركيز على نقطة رئيسية وهي رصد التصورات والأفكار المسبقة التي تأسس عليها مشروع النهضة وساهمت على خروجه بهذا الشكل طبقا لما تم إعلانه خلال المقابلات والتصريحات الصحفية. ولسنا هنا بصدد تقييم هذه التصورات المسبقة فهذا لا يدخل في مجال بحث هذه الدراسة بقدر ما نهدف إلى معرفتها لأن هذه التصورات المسبقة والأفكار تساهم في تحديد شكل السياسات العامة التي ستخرج في النهاية وبالتالي تبرز الدور الذي يمكن أن تلعبه الأفكار في صنع السياسات العامة.

لن نتناول دور الأفكار في البناء السياسي للحاجة إلى التغيير وهي أحد الأدوار التي يمكن أن تلعبها الأفكار وفق تصور التيارات المتعددة وذلك لأن مصر كانت تشهد بالفعل احتجاجات شعبية واسعة أدت إلى إسقاط رئيس الدولة وكان هناك اتفاق بين الجميع في أن البلد في حاجة إلى التغيير. كما لن نتناول لأجندة الحكومية للمشاكل التي اختارتها الحكومة لتبدأ بها من خلال مشروع المائة يوم مع أهميته وذلك اكتفاء بمناقشة مشروع النهضة ككل كوحدة تحليلية.

قام مشروع النهضة على مجموعة من التصورات والأفكار المسبقة التي ساهمت في خروج المشروع بذلك الشكل، من أهمها:

1ـ لسنا في حاجة إلى اختراع العجلة مرة أخرى: وهي فرضية مبنية على أن هناك عدد مختلف من الدول والتجارب المختلفة التي حدثت بها تنمية مثل ماليزيا وتركيا وغيرها سميت تجارب النهضة، وأننا في حاجة إلى دراسة هذه التجارب والاستفادة مما تم فيها من أجل معرفة ما يجب علينا عمله (الإبراشي للشاطر : أين مشروع النهضة ؟، 2012) (د.جهاد الحداد – كواليس إعداد مشروع النهضة، 2012). وفي نفس الوقت يتم رفع واقع عما يحدث في مصر وجمع بيانات ومعلومات عن واقع مصر في ذلك الوقت من أجل الإلمام بالجانب المحلي. والجمع بين المعلومات من الخبرات الدولية مع خصوصيات الواقع المحلي داخل الإطار الفكري العام الإسلامي لإنتاج النهضة الإسلامية المصرية (د.جهاد الحداد – كواليس إعداد مشروع النهضة، 2012). ويعتبر هذه هي المنهجية التي تم الاعتماد عليها من أجل إعداد مشروع النهضة. هذا التصور يستبطن بداخله فكرة البحث عن العناصر المشتركة فيما بين تجارب النهضة في البلدان النامية ثم معرفة هذه الخطوات بشكل جيد ثم تطبيقها بشكل صحيح فيما بعد في مصر.

2ـ أن المشكلة الرئيسية في مصر كانت في سوء الإدارة والتطبيق وفساد في النظام السابق، وذلك بسبب غياب الإرادة السياسية الراغبة في عمل نهضة حقيقية، وأنه متي تم القضاء على مشاكل سوء الإدارة والفساد ستصبح الأمور أفضل (التنمية الإقتصادية في مشروع النهضة، 2012) هذا التصور مبني على فرضيتين مهمين الأولى أهمية الإرادة السياسية التي لم تكن موجوده من قبل لإحداث النهضة والآن أصبحت موجودة، وهي فكرة تم التعبير عنها كثيرا في لقاءات تلفزيونية متعددة (الإبراشي للشاطر : أين مشروع النهضة ؟، 2012) (النهضة كما تحدث عنها د. مرسي مع محمود سعد، 2012). والثانية على تصور أن فساد التطبيق والفساد هم أهم عوائق التنمية في مصر وليس خطأ مسار التنمية وأنه متى تم إصلاح هؤلاء فإن الإنجازات ستكون أكبر بكثير (النهضة كما تحدث عنها د. مرسي مع محمود سعد، 2012). بمعنى آخر فإنه لم يظهر من خلال التصريحات المختلفة أن هناك اعتراض على السياسات الاقتصادية مثلا التي كانت موجودة في مصر من قبل من حيث المبدأ ولكن الاعتراض كان على فساد التطبيق وضعف جودته. وطبقا لتصريح لخيرت الشاطر فإن ما نحتاج إليه للنهضة هو الإرادة السياسية التي لم تكن موجوده من قبل، والرؤية وهو ما يحاول مشروع النهضة أن يقدمه، وأخيرا البيئة الداعمة للعمل (الإبراشي للشاطر : أين مشروع النهضة ؟، 2012)

3ـ يوجد في مصر ما يكفي من الكفاءات البشرية والموارد الطبيعية لعمل النهضة المنشودة. (التنمية الإقتصادية في مشروع النهضة، 2012) (ندوة تساؤلات مشروعة – حزب الحرية و العدالة مصر الجديدة، 2012) الإرادة السياسية والرؤية والبيئة المناسبة للنهضة (الإبراشي للشاطر : أين مشروع النهضة ؟، 2012) وهو ما يعني أن الظروف في مصر مهيئة تماما لإحداث النهضة مباشرة فلا يوجد نقص في الكوادر البشرية أو الخبرات التي لدينا والتي يمكن أن تقوم بمفردها بدون دعم بشري من الخارج بالقيام على هذه المشاريع، أيضا، وأن الموارد الطبيعية التي لدينا لا تجعلنا في حاجة إلى مسانده ودعم من الخارجي.

4ـ في المجال الاقتصادي، تظهر أهمية الجانب الاقتصادي في المشروع حيث أنه يشمل أكثر من نصف البرنامج. ويضع المشروع الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي والمعرفي كأولوية له (التنمية الإقتصادية في مشروع النهضة، 2012). وهي الفكرة التي طالما دافع عنها عدد كبير من خبراء التنمية والاقتصاد في مصر، وفي سبيل تحقيق ذلك فإن لدى المشروع عدد من التصورات المسبقة التي تحكم تصوره، منها أن الدولة غير صالحة لإدارة عملية التنمية الاقتصادية بسبب ترهلها والذي يجب أن يقود التنمية طالما كان ذلك ممكنا هو القطاع الخاص الذي له الأولوية في هذا الجانب (التنمية الإقتصادية في مشروع النهضة، 2012). ومنها الاعتماد على المشاريع القومية الكبرى/ المشاريع القاطرة في التنمية _وليست المشاريع الصغيرة أو متناهية الصغر وأن يكون دور الدولة هو تخطيط لهذه المشاريع الكبرى على أن يترك تنفيذها للقطاع الخاص (التنمية الإقتصادية في مشروع النهضة، 2012)

شكلت هذه التصورات المسبقة وغيرها جزءاً من الإطار الذي من خلالها تم تبني عدد من السياسات العامة لحل المشاكل المستعصية في مصر من خلال مشروع النهضة، وهذه هي أهمية هذه التصورات المسبقة. ففي مراحل عدم اليقين والإضراب يكون هناك ميل لمراجعات الأفكار والتصورات المسبقة التي بنيت عليها السياسات السابقة، سيكون من المفيد محاولة معرفة إذا كان هذا تم في مصر أم لا بعد الثورة، وكيف تم؟ وما هي أهم التصورات التي تم مناقشتها؟ أيضا، سيكون من المفيد مقارنة التصورات التي كانت موجودة لدى النظام السابق بتلك التي كانت موجودة لدى السياسيين الجدد والتيارات الشبابية والأحزاب التي نشأت بعد الثورة وهل هناك تشابه أم اختلاف بينها. فإلى أي مدى مثلا كانت تتفق تصورات النخب السابقة في الحكم قبل يناير 2011 أو تختلف مع التصورات المسبقة التي بنيت عليها مشروع النهضة مثلا؟ لمعرفة إذا كان هناك فرق بينهما أم لا؟ وكيف أثرت هذه الفروق في السياسات التي نتجت بعد ذلك؟

الخاتمة

لا ينبغي التقليل من دور الأفكار في صنع السياسات العامة خاصة أثناء المراحل التي تتميز بالغموض وعدم اليقين كالمراحل الانتقالية، ففي هذه الأوقات يكون للأفكار دور أكبر من الأوقات السابقة. وفي تنزيل ذلك على مصر بعد ثورة يناير، تتبعنا الدور الذي لعبته الأفكار سواء على المستوى العام أو من خلال استخدام مشروع النهضة كحالة دراسية تطبيقية من ثلاث زوايا، الأولى دور الأفكار في اتخاذ القرار أثناء الأزمات من خلال النماذج المختلفة التي يمكن أن تبين دور الأفكار في ذلك.

وكما تبين، فإن ما حرك الفاعلين السياسيين المصريين الراغبين في التغيير بالأساس كان الحدث وهو ثورة يناير وليس الأفكار والتصورات التي كان من المفترض أن تكون لديهم عن شكل السياسات العامة الجديدة. فعلى سبيل المثال أظهر مشروع النهضة أنه لم يكن هناك أي فكرة واضحة ومحددة لدى قيادات الإخوان المسلمين عن شكل السياسات العامة الجديد التي يجب أن يحدث في مصر، وكانت التصورات التي لديهم قبل الثورة على المستوى الفكري ولم تكن قد اكتملت لديهم تصورات على مستوى السياسات والحلول البديلة، لذلك كان التصرف بمنطق رد الفعل على الثورة (النموذج التجريبي) وليس من خلال الاستفادة من الثورة لتحقيق أفكار وتصورات موجودة عن شكل التغيير في السياسات العامة (النموذج Narrative).

الزاوية الثانية عن العلاقة بين الأفكار والقوة والدور الذي يمكن أن تلعبه الأفكار في بناء القوة والتحكم في المخرجات والنتائج من خلال التأثير في أفكار وسلوك الآخرين. وكما لاحظنا، فقد كان مشروع النهضة فرصة لمحاولة التأثير المتبادل في أفكار وتصورات الفاعلين السياسيين المحسوبين على الثورة من أجل الاتفاق على أهداف ومخرجات محددة، وهو الذي كان يمكن أن يساهم في تقليل حالة عدم المساواة في القوة الموجودة في مصر. ورغم أن بداية انطلاق المشروع كانت تبشر بأنه يمكن الوصول إلى هذه النتائج مستقبلا لكن هذا لم يستمر بسبب طغيان النقاش السياسي على تغيير السياسات وعدم حدوث نقاشات بشكل منتظم حول السياسيات الجديدة المقترحة وكيف يمكن تطويرها ثم الاتفاق عليها. الزاوية الثالثة التي تناولها البحث دور الأفكار والتصورات المسبقة لدى صانعي السياسات العامة في صنع السياسات العامة، وقد رصدنا أهم هذه التصورات المسبقة التي تحكمت في مشروع النهضة.

ما الذي يمكن أن نستفيد منه مستقبلا عن السياسات العامة أثناء المراحل الانتقالية؟ وعن الحالة المصرية على وجه الخصوص؟

الخلاصات الرئيسية التي يمكن استنتاجها من هذا خلال هذا البحث

1ـ أن عملية صنع السياسات العامة أثناء المراحل الانتقالية تنجح إذا كان التعامل مع الأزمة التي أنتجتها ليس من خلال النموذج التجريبي ولكن من خلال النموذج Narrative، وهو ما يعني وجود أفكار أو تصورات مسبقة عن التعامل مع الأزمات المحلية من خلال استراتيجية مختلفة، وأن يكون اهتمام الفاعلين السياسيين عند تقييم هذه السياسات بناء على جودة التطبيق والتنفيذ لما تم اختياره من سياسات وليس بناء على قدرتها على تحقيق أهداف نهائية.

2ـ إنه من أجل تقليل حالة عدم المساواة في القوة بين الأطراف السياسية المختلفة فعلي الفاعلين السياسيين الراغبين في التغيير تقليل هذا الفارق من خلال استخدام الأفكار لتغيير قناعات أطراف سياسية أخرى من أجل الاتفاق على النتائج الراغبين في الحصول عليها سواء في العملية السياسية أو نتائج السياسات العامة الجديدة، وبهذه الطريقة فإنه يمكن بناء القوة من خلال استخدام الأفكار.

3ـ إن التصورات المسبقة التي يبنى عليها وضع السياسات العامة قبل بدء المرحلة الانتقالية خلال النظام السابق يجب أن تراجع وتنقد للتأكد من مدى قربها من صدقها أو عدم مطابقتها للواقع، فالاقتناع بتصورات مسبقة غير صحيحة تحكم عملية صنع السياسات العامة من البداية سيؤدي إلى سياسات وحلول غير فاعلة. من المهم أيضا وجود أجندة حكومية واضحة لدى الفاعلين السياسيين الراغبين في التغيير للقضايا التي يجب البدء في حلها في بداية المراحل الانتقالية والتي ستحظى باهتمام الحكومة.

أما بخصوص الحالة المصرية، لقد كانت تجربة ثورة يناير مفاجأة لكل القوى السياسية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، وقد بدا واضحا أن الجماعة لم يكن لديها أي استراتيجية مختلفة للتعامل مع الأزمة أو أي أفكار أو سياسات بديلة لمواجهة مشاكل مصر المزمنة أو الطارئة، وإذا كان من درس مستفاد من هذا فإن القوى الراغبة في التغيير في مصر حاليا إذا لم يكن لديها هذه الاستراتيجية وهذه الأفكار الجديدة فإن المتوقع مع حدوث أي انفراجه في المشهد السياسي هو تكرار لتجربة أخرى فاشلة أو في أفضل الحالات عدم تحقيق أي تغيير في سياسات الدولة المصرية الحالية، ويصبح من الواجب عليها حاليا العمل على بناء هذه الاستراتيجية الجديدة وتقديم أفكار وسياسات بديلة.

أيضا، فإن جزءاً من بناء القوة لدى التيارات السياسية الراغبة في التغيير سيكون من خلال استخدام الأفكار _سواء على هيئة حجج معيارية أو معرفية_ كأدوات من أجل تغيير قناعات وأفكار فاعليين سياسيين أخرين للاتفاق على نتائج ومخرجات العملية السياسية والسياساتية، وبهذا فإنه تعمل على تعزيز القوة لديها ليس من خلال الإكراه والسيطرة لكن من خلال الإقناع والحوار فيما بين القوة السياسية الراغبة في التغيير، كما أنها ستعمل بهذا الطريقة على منع حدوث نزاعات من البداية بين القوى السياسية المحسوبة على التغيير من البداية وذلك بسبب الاتفاق فيما بينهم على المخرجات والنتائج.

أخيرا، من المهم حاليا دراسة الأفكار المسبقة التي ظلت تحكم عملية صنع السياسات العامة في مصر خلال العقود الماضية والتي حددت شكل السياسات العامة التي تنتهجها الدولة ومعرفة إلى أي مدى هذه التصورات قريبة من الصواب، كما أنه من المهم وجود أجنده حكومية مقترحة لأهم المشاكل المصرية المستعصية التي يجب البدء في حلها بحيث يكون لها الأولية، مع التذكير على أنه سيضاف إليها لاحقا المشاكل العاجلة التي ستظهر في بداية المرحلة الانتقالية.

المراجع:

Beland, D. (2009, August). Ideas, institiutions, policy change. Journal of European Public Policy, pp. 701-718.

Béland, D. (2010). The Idea of Power and the role of Ideas. Political Studies Review(Vol 8), pp. 145-154. doi:10.1111/j.1478-9302.2009.00199.x

Jones, E. (May 2009). They Have No Idea… Decision-making and Policy Change in the Global Financial Crisis. The London School of Economics and Political Science. Retrieved Februry 9, 2018, from link

Paul Cairney, T. H. (n.d.). A comparision of thoeories of the policy process. Retrieved 2018, from link

Schmidt, M. B. (2016). Power through, over and in ideas: conceptaulizing ideational power in discursive institutionalism. Journal of Europiean Public Policy, 23, pp. 318-337. Retrieved 2017

أحمد عبدربه. (27 أغسطس 2016). بدائل السياسات العامة فى مصر. الشروق. تاريخ الاسترداد يناير, 2018، من الرابط

أحمد محسن. (12 ديسمبر, 2017). من يصنع السياسات العامة في مصر؟ اسطنبول: المعهد المصري للدراسات. تاريخ الاسترداد 17 يناير, 2018، من الرابط

الإبراشي للشاطر : أين مشروع النهضة ؟ (27 ابريل, 2012). تاريخ الاسترداد مارس , 2018، من Youtube:

التنمية الإقتصادية في مشروع النهضة. (15 مايو, 2012). تاريخ الاسترداد مارس, 2018، من Youtube:

النهضة كما تحدث عنها د. مرسي مع محمود سعد. (20 مايو, 2012). تاريخ الاسترداد مارس , 2018، من Youtube:

خطة الإخوان في المائة يوم الأولي لحكم مرسي 2. (21 مايو, 2012). تاريخ الاسترداد مارس , 2018، من Youtube:

د.جهاد الحداد – كواليس إعداد مشروع النهضة. (15 مايو, 2012). تاريخ الاسترداد مارس , 2018، من Youtube:

عاجل: اللقاء الحقيقى كاملا لخيرت الشاطر ومشروع النهضة. (1 سبتمبر, 2012). تاريخ الاسترداد مارس, 2018، من Youtube:

كارل ماركس. (1859). نقد الإقتصاد السياسي. (راشد البراوي، المترجمون) دار النهضة العربية.

مشروع النهضة .. محمد مرسي رئيســ2012ـــاً لمصر. (21 مايو, 2012). تاريخ الاسترداد مارس, 2018، من Youtube:

ندوة تساؤلات مشروعة – حزب الحرية و العدالة مصر الجديدة. (7 مايو, 2012). تاريخ الاسترداد مارس, 2018، من Youtube:

وائل جمال. (17 ديسمبر, 2012). الواقع يرفض بديلكم الوحيد. الشروق. تاريخ الاسترداد 19 يناير, 2018، من الرابط

ياسر علي. (9 مايو, 2012). (مشروع النهضة 2) كيف ولد هذا المشروع في إطار قانون التحدي والاستجابة؟ تاريخ الاسترداد 2 مارس , 2018، من نافذة مصر: الرابط (5 ).

————-

الهامش

1 وجدت صعوبة كبير في إيجاد ترجمة عربية دقيقة لهذا المصطلح الحديث نسبيا بسبب ندرة ترجمة أدبيات السياسات العامة بصفة عامة إلى اللغة العربية، بالإضافة إلى عدم وجود ترجمات عربية للمصطلحات الجديدة بصورة دورية. ففضلت الاجتهاد في إيجاد ترجمة تعبر عن معنى المصطلح.

2 فضلت ترجمة مصطلح ideation على أنه تصنيع أفكار.

3 The social construction of the need to reform.

4 هذا جزء من مقابلات أجراها الباحث مع بعض الذين شاركوا في إعداد مشروع النهضة.

5 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

أحمد محسن

باحث مصري يعد للحصول على درجة الدكتوراه في السياسات العامة، جامعة ابن خلدون، تركيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى