قلم وميدانمجتمع

الاختيار٢: عندما ينقلب السحر على الساحر

أثارت حلقات مسلسل “الاختيار 2” الذي يتم عرضه الآن خلال أيام شهر رمضان المبارك حالة من الجدل والغضب الشديدة خاصة بعد عرض الحلقة الخامسة والتي تم تخصيصها لعرض مشاهد من فض اعتصام ميدان رابعة العدوية والنهضة وغيرها من الميادين في مصر، والتي خرج فيها مئات الآلاف الرافضة للانقلاب العسكري في مصر.

صدمت أحداث المسلسل العديد من المعارضين خاصة الذين عاشوا هذه اللحظات الدموية والتي خلفت آلاف الضحايا بين المتظاهرين واعتقال عشرات الآلاف، وأحيت مشاهد المسلسل أحداث المذبحة الأحزان في قلوب أهالي الضحايا، فدموع اليتامى والثكالى والأرامل لم تجف حتى اللحظة، فلا مفقود رجع إلى بيته ولا قاتل تمت محاسبته، وكيف تتم المحاسبة في وسط هذه الأجواء الأمنية المهيمنة على كل مؤسسات ومفاصل الدولة.

أعادت حلقات المسلسل أيضا للواجهة الانقسام المجتمعي حول مذبحة القرن التي طالما لم تهدأ نيران الخلاف فيها رغم مرور 8 سنوات عليها، ووصف تقرير هيومان رايتس والذي صدر تحت عنوان “حسب الخطة”، والذي صدر في 12 أغسطس 2014، مذبحة فض اعتصام رابعة بأنها أكبر عملية قتل جماعي تتم بحق معتصمين في العصر الحديث، وأفاد التقرير أن الجرائم المرتكبة ترقى لتكون “جرائم حرب”، وحمل التقرير المسؤولية لـ10 أشخاص على رأسهم الجنرال عبدالفتاح السيسي، ومع ذلك يسعى النظام المصري للتخلص من مسؤولية هذه المذبحة بكل الطرق.

تزييف الوقائع

لم يكتف النظام العسكري في مصر بقتل المتظاهرين الرافضين لانقلاب ٣ يوليو 2013 في ميدان رابعة بالرصاص الحي وحرق جثث الضحايا، بل والمصابين كما شهدنا في ميدان النهضة بل نقل المعركة إلى كل بيت من بيوت المصريين في شهر رمضان المبارك ليستكمل خطة التملص من مسؤولية الدماء التي تطارده منذ سنوات، فقام بتزييف الواقع عن طريق نجوم المسلسل أصحاب الشعبية الكبيرة، وقامت بهذا الدور الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية “سينرجي” برئاسة تامر مرسي، والتي تعد الذراع الإعلامي للمخابرات المصرية.

فبعد سيطرة الأجهزة الأمنية على شركات الانتاج والقنوات، عملت الأجهزة الأمنية جاهدة على تحسين صورة قوات الجيش والشرطة، وترسيخ فكرة أن كل معارض لنظام السيسي هو مجرم إخواني هارب عدو للوطن، وكأن انتقاد أوضاع البلاد المتردية خيانة عظمي يستحق صاحبها لقب خائن أو عميل أو ارهابي، وذلك لضمان استمرار هذا النظام أطول فترة ممكنة وعدم محاسبته على إراقة الدماء والاعتقالات المستمرة منذ سنوات.

مذبحة جديدة من مذابح العسكر

المختلف في مسلسل “الاختيار2” هو ليس فقط عمل فني يجمل الوجه القبيح للنظام العسكري ويبرئ السيسي وقيادات المجلس العسكري من دماء الأبرياء، وإنما هو إعلان النفير لشن حرب جديدة على من قتلوا ومن اعتقلوا ومن فروا خارج البلاد خوفا من بطش النظام.

تقوم أحداث المسلسل على تزييف الوعى الجمعي لدى المشاهد لذا فالمستهدف تجميل وجهه هنا، هم الشرطة والإعلام والقضاء، وكل من شارك في قتل المتظاهرين والمعتصمين، لحمايتهم وتحصينهم من مسؤولية الدماء التي تمت إراقتها خلال عملية الفض وما تبعها من أحداث، بالإضافة إلى استمالة العاطفة لدى المواطن العادي الذي قد ينبهر بالصورة البطولية التي يصدرها الفنانين أصحاب الشعبية الكبيرة مثل أحمد مكي وكريم عبدالعزيز.

أحمد مكي

أثارت مشاركة الفنان أحمد مكي في مسلسل الاختيار 2 غضب العديد من متابعيه عقب نشره صورة من أحد مشاهد المسلسل على صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، جاءت مشاركة مكي بعد غياب 4 سنوات عن الشاشة ليشارك في تزييف ما حدث في فض رابعة والنهضة.

 استفاد النظام من موقف مكي الحيادي في أغلب الأحداث السياسية التي مرت بها مصر منذ ثورة 25 يناير 2011، وقبل الانقلاب وما بعد المذابح التي قام بها النظام للتنكيل بالمعارضين، فهو مختلف عن باقي الفنانين الذين يتم استخدامهم منذ سنوات لصالح النظام ولشيطنة المعارضة، لذا فهو مؤثر ومهم عن باقي الفنانين أمثال كريم عبد العزيز أو أحمد عز أو باقي الفنانين الذين يقومون بتجميل الأجهزة الأمنية على مدار سنوات.

يجسد مكي شخصية الضابط يوسف الرفاعي الذي شارك في فض اعتصام ميدان رابعة العدوية عام 2013 “وأشهر مقولة له في الحلقات التي تم عرضها هي “المشكلة إن ثقافة الاختلاف مبقتش موجودة بيننا، إنت عكسي يبقى إنت عدوي ودمك حلال” العجيب هنا أن هذا نهج النظام المصري مع المخالفين ولكن أراد كاتب السيناريو إلحاق ما تفعله الدولة بكل المعارضين معها”.

كريم عبد العزيز

جسد كريم عبد العزيز في مسلسل الاختيار 2 شخصية زكريا يونس ضابط الأمن الوطني، والمتابع لأعمال كريم عبدالعزيز على مدار السنوات العشر الأخيرة يجد أن كريم عبدالعزيز هو فنان الظروف، يتلون مع البيئة المحيطة أو كما يملي عليه بشكل يناقض رسالته الفنية وأعماله الفنية كلها، على رأس هذه الأعمال كان مسلسل “الهروب” في رمضان 2012 ونجح في تجسيد معاناة آلاف الشباب المصري الذين كانوا ولا يزالون ضحايا للتعذيب في مقرات الأمن الوطني، جسّد كريم في عصر الثورة دور شاب مصري بسيط يدعى محمود، ساقَه قدرُه إلى أحد مقار أمن الدولة لتلفق له قضية سياسية لم يكن له أي علاقة بها، وفي مقر أمن الدولة عانى أبشع أنواع التعذيب ومنها الصعق الكهربائي الذي أدى لوفاة أحد زملائه في القضية.

وأفلام ومسلسلات عدة تدور في نفس السياق كفيلمي “أبو علي” و”واحد من الناس” الذي كان يُظهر أحد جوانب الفساد لمنظومة الشرطة، ولكن في مسلسل الاختيار ضرب كريم المنطق وجسد دور الجاني في مسلسل الاختيار 2، وهذا ما ظهر في الحلقة الأولى لمسلسل الاختيار2 أثناء حديثه لأحد الشباب المقبوض عليهم في مقر الأمن قائلاً “ده انت حتى من وقت ما أصحابك مسكوا ما فيش كهربا ولا حتى مية!”، ووجه كريم خطابه للشاب ذاته قائلاً: “بص يا شاكر أنا عاوز أحكيلك حكاية في 2009 كنت لسه منقول، كان لسه اسمه أمن الدولة المهم كان في واد صغير عنده 16 سنة مسكناه في بيت راجل تكفيري حققت معاه، والواد قعد يعيط ويقول ماليش ذنب، سبته يا شاكر، بعدها بأسبوع فجر أتوبيس سياحي في الأزهر”.

ولا ننسي بداية ظهور كريم عبد العزيز مع الفن كان صادم للجمهور بعد مشاركته بلقطات غير لائقة مع الفنانة المصرية إلهام شاهين في فيلم جنون الحياة عام 2000، فمن خلال تتبعنا لمسيرته المهنية يتأكد لنا بأنه يتعايش مع الأجواء والأنظمة بلا أدنى مشكلة، فلا استغراب من مشاركته في مسلسل يشوه أكبر مذبحة في العصر الحديث دون مراعاة لأهالي الضحايا ولا لأبنائهم، بل ظهر بدور المتباهي في القتل والتنكيل.

ربط فض الاعتصام بالأحداث في سيناء

تتلاعب أحداث المسلسل بعقل المشاهد عن طريق تدليس الأحداث والمشاهد، ولكن الأهم هنا هو حالة الخلط المتعمدة بين الأحداث في سيناء والاعتداء والمواجهة بين قوات الجيش والعناصر المسلحة وعملية الفض، بجانب إبراز عنصر البطولة والتضحية لعناصر الجيش والشرطة وقتلهم في سيناء يحاول كاتب المسلسل تحميل ما يحدث في سيناء للمتظاهرين الرافضين للانقلاب العسكري، ليبرر عمليات القتل والاعتقال والحرق التي حدثت أثناء الفض.

فشل المسلسل في مسح ذكرى رابعة

يعد مسلسل “الاختيار 2” محاولة فاشلة لتشويه التاريخ لأنه أراد تشويه تاريخ ليس ببعيد، تاريخ عمره 8 سنوات يعيش شهود العيان الآن ويعاني ضحاياه وينزفون حتى اللحظة، أحداث تم بثها على الهواء مباشرة وتم توثيقها بمئات الفيديوهات والصور، وحصيلة قتلى حسب الحكومة المصرية نفسها هي الأكبر في التاريخ المصري الحديث.

إذا كان الهدف الرئيسي من مسلسل الاختيار 2 هو مسح ذكرى رابعة وتزييف الأحداث فإن ردود الأفعال تؤكد بأن السحر قد انقلب على الساحر فقد أحيا المسلسل كل المشاهد والتوثيق والشهادات لمذبحة الفض، فمذبحة رابعة ستظل حية في ضمير العالم أجمع، لا أحد يستطيع نسيان مشاهد قتل وحرق الأبرياء بيد قوات الشرطة والجيش تحت إشراف المؤسسة العسكرية وبتوجيه رسمي من عبد الفتاح السيسي والذي كان وزيرا للدفاع حينها.

مسؤولية على عاتق المعارضة المصرية

محاولات تزييف التاريخ وتشويه الاعتصام السلمي الرافض للانقلاب العسكري والمطالب باستعادة الحكم لأول رئيس منتخب، تلقي على عاتق المعارضين للنظام المصري مسؤولية تاريخية كبيرة، فلا يمكن بعد كل هذه التضحيات والأرواح التي قدمت في سبيل قضية عادلة بأن نشاهد التاريخ يزيف أمام أعيننا ونحن مكتوفي الأيدي، هذه أمانة على كل صاحب ضمير، فرابعة مذبحة نفذها العسكر ويريدون بحفنة من الممثلين والكُتاب محوها، ولكنها جريمة ترتقي لجرائم الحرب وهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ولا بالمسلسلات والأعمال الفنية المخابراتية.

أسماء شكر

باحثة وإعلامية مصرية، وحدة الدراسات الإعلامية، المعهد المصري للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى