سياسةقلم وميدان

التداعيات السياسية لرحيل الرئيس مرسي

رغم أن الموت قد تكون له بعض التداعيات الاجتماعية، كفقدان أسرة لعائلها، فتترمل زوجته، وييتم أطفاله، وربما يتعرض هؤلاء لطمع من المقربين والبعيدين على حد سواء، لا سيما إذا كان الراحل ذا منصب ومال. أيضا قد تكون للموت تداعيات سياسية، خاصة إذا كان المتوفى شخصية سياسية مرموقة، ناهيك عن كونه رئيس دولة. وهنا يبرز السؤال: ماذا تعني وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي لكل من النظام والمعارضة، وما هي الآثار أو التداعيات السياسية لرحيله؟

بالنسبة للنظام، فإن رحيل مرسي يعني الكثير، حيث سقطت آخر أوراق شرعية ثورة يناير، بعد تعطيل الدستور، ووضع دستور جديد، ثم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، صحيح أنها أتت بالسيسي مكان مرسي، لكن ظل هاجس مرسي يؤرقه خاصة خلال زياراته الخارجية، والمظاهرات التي تنظمها قوى المعارضة خلال هذه الزيارات، بل إنها كانت تسبب له إحراجا من قبل المؤسسات الحقوقية الدولية مثل هيومان رايتس ووتش وغيرها. وبالتالي كانت هذه الورقة أشبه بصداع مزمن له، ربما انقشع كثيرا بوفاة مرسي، وإن كانت ملابسات الوفاة، والتكتم الشديد عليها، جعله يدخل في صداع آخر خاص بوجود مطالب دولية بتشكيل تحقيق دولي محايد في ملابسات هذه الوفاة.. وأظن أن هذا سيظل سؤالا محرجا للسيسي في تعاملاته الخارجية إن لعب عليه خصومه من قوى المعارضة في الخارج.

أما الأثر السياسي الثاني، فهو بروز ملف المعتقلين السياسيين، والذين يتراوح عددهم بحسب منظمات دولية بين 60 ألفا، ومئة ألف، وسوء المعاملة التي يتعرضون لها في السجون، إذ إن وفاة مرسي نتيجة إهمال طبي متعمد بحسب روايات أسرته، ستلقي مزيدا من الضوء على باقي ملف هؤلاء، وهل سيتم إطلاق سراحهم، أم أن النظام سيجد دائما تبريرا بعدم وجود معتقلين سياسيين لديه، وأن هؤلاء المحبوسين يلقون معاملة حسنة بما في ذلك مرسي نفسه. وهل ستظل هذه التبريرات مقبولة أم لا؟ لاسيما في ظل ما يتردد من أنباء عن تردي الحالة الصحية للدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان، والشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، والمرشح الرئاسي السابق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وغير ذلك كثير.

أظن أن هذه القضية هي القضية الثانية في الاشتباك بين النظام ومعارضيه خاصة من هم في الخارج، إذ سيؤدي فشلهم في هذا الملف، إلى سقوط المزيد من الضحايا من بين هؤلاء سواء أكان السبب إهمال طبي، أم عملية قتل ممنهج يصعب التدليل عليها.

أما الأثر الثالث، فيتعلق بدلالة توقيت الوفاة، كونها تأتي قبل أيام فقط من بطولة كأس الأمم الأفريقية التي تستضيفها مصر حاليا، والتي تم الترويج لها كثيرا خاصة مع مشاركة النجم المصري العالمي محمد صلاح بها، ومعروف أن الكرة هي أحد وسائل الإلهاء السياسي، وربما سينسى الشعب المصري الموضوع سريعا، لا سيما وأن خبر الوفاة لم يشغل سوى مساحة ضئيلة للغاية في الصحف القومية الكبرى، التي حرصت أيضا على عدم ذكر كلمة الرئيس السابق أو الراحل، للإيحاء بأن من مات هو مجرم سياسي، ينتمي لجماعة إرهابية.

لذا لا غرابة أن يسيطر على الإعلام المصري في يوم الوفاة استعدادات البطولة الأفريقية، وفي القلب منها المنتخب المصري، أو الانشغال بعرض بعض المسلسلات والأفلام المدرجة في الخطة اليومية، في حين ركز عدد محدود منها على الوفاة من زاوية دينية ومحاولة تشويه مرسي من خلال طرح تساؤل ديني في برنامج عمرو أديب عن مشروعية صلاة الجنازة على الباغي والخائن، في حين عرضت إحدى القنوات الأخرى ملف جماعة الإخوان الإرهابية، لتذكير الناس بأن من مات هو إرهابي استراحت منه البلاد والعباد!

أما بالنسبة للمعارضة المصرية سواء في الداخل أو الخارج، فرغم ما بها من مشكلات جمة، إلا أن أحد أبرز خلافاتها وعدم اصطفافها كانت المتعلقة بقضية شرعية الرئيس مرسي تحديدا، ففي حين يرى البعض أن الشرعية لثورة يناير، يرى آخرون أن مرسي هو أحد مخرجات هذه الشرعية. وبالرغم من أنه صارت مؤخرا تفاهمات بشأن هذه القضية، وإمكانية تأجيل طرحها باعتبارها قضية خلافية تعرض على الشعب بعد الإطاحة بالانقلاب، إلا أنه ومع رحيل مرسي، يفترض أن يغلق هذا الملف نهائيا، والبحث عن اصطفاف وطني حقيقي. هذا الاصطفاف في حالة فشله، سيعني أنه ليست هناك إرادة سياسية لتحقيقه، وأن ورقة مرسي كانت ذريعة من هذا الطرف أو ذاك يلجأ إليها لعدم الاصطفاف. طبعا هنا نحن نتحدث عن المعارضة السياسية الحقيقية التي لديها موقف رافض للانقلاب، أو شاركت في 30 يونيو، وقامت بمراجعات بعدها، أما المعارضة الأخرى الديكورية، أو الوظيفية، فليست محور الحديث الان.

إذا كانت ممارسات النظام المصري حتى اللحظة الراهنة، تشير إلى أنه في معركة صفرية مع خصومه، وأن فكرة التفاوض السياسي غير مطروحة، فليس عليها سوى السعي هي الأخرى لتحقيق ما تنادي به من الثورة على الانقلاب واستعادة الشرعية.. هذه الثورة وهذه الشرعية لها متطلبات كثيرة داخلية وخارجية، أبرزها توافر الإرادة السياسية للتغيير، ثم الاصطفاف الوطني حول مشروع للثورة، هذا المشروع يتطلب بنية فكرية ومؤسسية تقود حملة تصحيح الوعي السياسي لدى الشعب المصري الذي هو وقود أي ثورة، وكذلك السعي لجذب مزيد من القوى الأخرى التي تعمل خارج هذا الإطار، أو تفضل الصمت بسبب القبضة الأمنية.

إن وفاة مرسي ربما تعطي أكسير الحياة وفرصة ذهبية أخرى لقوى المعارضة للخروج من كبوتها وعثرتها، فإن لم تستطع، فعليها الرجوع خطوة للخلف، وتقديم آخرين لتصدر المشهد، وإلا فإن حسابها سيكون عسيراً من قبل مؤيديها قبل معارضيها.

الوسوم

د. بدر حسن شافعي

باحث وأكاديمي مصري، دكتوراه العلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2011، متخصص في الدراسات الأفريقية، من مؤلفاته: تسوية الصراعات في أفريقيا، ودور شركات الأمن الخاصة في الصراعات الأفريقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى