بحوث

التعددية الحزبية وأنماط التحول الديمقراطي

التعددية الحزبية وأنماط التحول الديمقراطي

تعد الأحزاب السياسية إحدى أهم وسائل التنمية السياسية، فكما تعتبر المصانع والآلات وتصنيع واستخدام التكنولوجيا وغيرها، وسيلة من وسائل التحديث الاقتصادي، وتعتبر الأحزاب السياسية وسيلة من وسائل التحديث السياسي. فالأحزاب السياسية ظاهرة حديثة لم تكن معروفة قبل منتصف القرن التاسع عشر إلا في الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا، ثم ظهرت بعد ذلك في عدد من البلدان الأوربية، أما في بلدان آسيا وأمريكا اللاتينية فقد ظهر عدد من الأحزاب في أواخر القرن التاسع عشر وكذلك كما في مصر وليبيريا، ولم تعرف أغلبية بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الأحزاب السياسية إلا في القرن العشرين.
ومع أن نشأة الأحزاب السياسية وتطورها وتنامي دورها واجه صعوبات وعقبات عديدة وعلى مستويات مختلفة في مجتمعات العالم الثالث (جزء منها الوطن العربي) نظراً لظروف هذه المجتمعات وأوضاعها التي نجمت عن تخلفها وخضوعها للسيطرة الاستعمارية من ناحية، وحداثة نشأة الأحزاب السياسية، من ناحية ثانية، فإنها سرعان ما أصبحت منذ ظهورها عناصر مهمة يجب أخذها بعين الاعتبار لفهم آلية أي نظام سياسي وإدراك عمله، وسوف يتم تقسيم هذه الدراسة إلى ثلاث مباحث، المبحث الاول: مفهوم التعددية الحزبية، والمبحث الثاني: عوامل وأنماط التحول الديمقراطي، والمبحث الثالث: أسس وأهداف التعددية الحزبية والتحول الديمقراطي.

المبحث الأول: مفهوم التعددية الحزبية النشأة والاسباب

اولاً: مفهوم التعددية:

مفهوم التعددية ” Pluralism ” هو أحد المفاهيم المستقاة من الأدبيات والنظريات الغربية ويعد الاقتصادي “فيرنيفال” هو أول من “صاغ مفهوم التعددية والمجتمع المتعدد” في النصف الأول من هذا القرن، وصاغ منه نظرية عامة عن “التعددية الثقافية”. ثم تتابعت أعمال الباحثين الغربيين حول هذا المفهوم ومن ذلك دراسة “جون ركس” عن “المجتمع المتعدد في النظرية السيسولوجية” كما تعد أبحاث “كرادفورد يونج” من أهم ما قدم في هذا الصدد حيث ميز بين مدارس فكرية خمسة لدراسة “التعددية” وهي المنطقة: بالتعددية الثقافية (كما صاغ أفكارها فيرنيفال وسميث)، وبحوث الصراع السلالي، ودراسات التكامل القومي، وأيضا الدراسات الخاصة بالقومية، ثم الدراسات الخاصة باللغويات الاجتماعية. (1 )
وبناء على ما سبق فإن المجتمع التعددي وفقا للصياغة الأساسية لفيرنيفال هو المجتمع الذي يعتمد تكوينه على اختلافات وتميزات ثقافية بارزة بين جماعاته المختلفة، وقد لاحظ أن مجرد وجود الإختلافات الثقافية ليس برهاناً ولا دليلاً كافياً على وجود التعددية، فحتى تعتبر هذه الاختلافات برهانا ًعلى وجود التعددية لا بد وأن تحتوي على اختلافات جوهرية في المؤسسات الأساسية للجماعات الثقافية المختلفة، بل وأكثر من هذا لا بد وأن تؤدي هذه الاختلافات إلى حدوث تعارض بين هذه الجماعات وباقي المجتمع بحيث يحتاج الأمر إلى استخدام القوة التي عادة ما يتم تركيزها في أيدي قسم ثقافي واحد في المجتمع. ( 2)
والواقع أن مجرد وجود الاختلافات الثقافية قد ينظر إليه عليه أنه مجرد نوع من عدم التجانس. وهنا يثور تساؤل عن الفرق بين التعددية وعدم التجانس، وبعبارة أخرى هل المجتمع المتعدد هو بالضرورة مجتمع غير متجانس؟، أم أنه من الممكن أن يكون متعدداً ولكنه في نفس الوقت متجانس. ويرى البعض أن ظاهرة التعددية هي موجودة في كل المجتمعات، فلا يخلو أي مجتمع من وجود جوانب تعددية، فالتعددية في نظر البعض هي صورة من صور “التدريج الاجتماعي”، ومن ثم فهي لا تمثل سمة أساسية للتميز بين المجتمعات. بل أن البعض يتساءل حول “ما إذا كان مفهوم التعددية ذاته مفيد على الإطلاق في تحليل الإنسان الاجتماعي أم لا؟”.
وقد أجاب البعض على هذا السؤال بتقرير أن “التعددية مفهوم مهم وله دلالته وينبغي أن يؤخذ في الحسبان في تحليل الإنسان الاجتماعي، فالتعددية ليست حقيقة مطلقة لمجتمع دون غيره، وأنها تتدرج ويمكن قياسها، وأنها مفهوم لا يمكن تجاهله في التحليل الاجتماعي”. والبعض الآخر ينظر إلى هذه “التعددية” التي هي “صفة ثقافية” على أنها “تعددية مجتمعية”، وهي في حالة المجتمع العربي تمثل معطى تكويني وتاريخي وهي بهذا الشكل محايدة قيمياً وأخلاقياً. والاشكالية لا تكمن فيها في حد ذاتها ولكنها تكمن في كفالة حقوق وأمن التكوينات الاجتماعية المختلفة بشكل لا يهدد تماسك المجتمع وإيجاد الصيغة أو الصيغ الملائمة لتحقيق ذلك. (3 )
ولقد شهد التاريخ البشري نظماً سياسية إمبراطورية، وقد كانت هذه النظم بحكم اتساعها وكونها مترامية الأطراف، كانت تضم بالطبع شعوباً وأقواماً وقبائل متعددة، مما جعل “التعددية” في صورتها الثقافية واللغوية أمراً مقبولاً ومتصوراً، وفي التاريخ الإسلامي مثل نظام الملة العثماني أحد صور هذا القبول. إلا أنه في تطور الأمر فيما بعد إلى ظهور “الدولة الحديثة” في أوروبا ثم في الدول “النامية”، اتجهت معظم هذه الدول إلى بسط سلطتها المركزية على جميع رعاياها، وغالباً ما كان يحدث أن تسيطر جماعة ثقافية معينة وتفرض رموزها على باقي المجتمع.
وعلى الرغم من أن “الدولة الحديثة” كما ظهرت في أوروبا الغربية لم تكن دولة قومية “نقية” فإن “المفهوم المركزي للدولة القومية” قد شاع وانتشر بين الباحثين وبصفة خاصة في الدول النامية حيث أصبح موضوع “التكامل” هو أحد الموضوعات الهامة في ميدان التنمية السياسية والاجتماعية بغرض استكمال مقومات “الدولة القومية” وتحقيق “التجانس القومي” وذلك عن طريق “صهر الاختلافات القبلية والسلالية والدينية في بوتقة الهوية القومية الجديدة التي تحتضنها الدولة، وتم التعامل مع تلك الاختلافات على أنها أثر من آثار الماضي وسمة من سمات المجتمع التقليدي المتخلف الذي ينبغي تجاوزه” (4 ).
ومن ثم فقد ارتبطت دراسات التعددية بقضية “التنمية” في الدول “النامية” حيث تثار مشكلة “التكامل” بين الجماعات اللغوية والعرقية والقومية المختلفة ومحاولة صهرها ودمجها في إطار الدولة “النامية” من أجل الحصول على ولاء وطني يعلو فوق الولاءات ذات الطابع الطائفي أو اللغوي أو السلالي، وحيث ينظر إلى التكامل على أنه عملية (Process) مستمرة ومتبادلة تهدف إلى منح المجتمع شعورا بالهوية والتضامن أو ما يسمى “بالتعاضد الداخلي Cohesiveness (5 )، وقد تتخذ دراسات التعددية مسميات أخرى مثل دراسات “الأقليات” أو “الطوائف”، والبعض يختزل قضية “التعددية” ليعتبرها تعبيراً عن مسألة الطبقات في المجتمع ( 6).
كما ترتبط دراسات “التعددية” أيضاً “بالديمقراطية” و “الحرية” كقيمة سياسية تعني بالاعتراف بالآراء المختلفة وحرية التعبير عنها، وهي في أحد أشكالها تأخذ شكل الأحزاب السياسية التنافسية وانقسام الحياة السياسية ما بين “حكومة” “ومعارضة” (7 ).
ويمكننا أن نجمل التعريفات المختلفة التي قدمت لهذا المفهوم في مجموعتين أساسيتين:

  • الأولى: هي التعريفات الشكلية.
  • والثانية: هي التعريفات الموضوعية.

التعريفات الشكلية: هي التي حاولت رسم حدود المفهوم وبيان معالمه بوجه عام، ويمكن تحديد أهم الملامح التي وردت في هذه التعريفات في أنها ربطت بين معنى “التعددية” وبين “التنوع” و “الاختلاف” (8 ). وربطت بين معنى “التعددية” حين يتعلق الأمر باحترام المعتقدات الدينية أو الأخلاقية، وبين الدور “الأيديولوجي” الذي يلعبه هذا المفهوم في صوره تبرير لوضع أو لمطالب جماعة أو فئة ما وذلك حين يتعلق الأمر بالوقائع الاجتماعية والاقتصادية. ومن ثم فقد تمت صياغة ما يمكن تسميته “بمعضلة التعددية” وهي: “أنه بغير تعددية يمكن أن يصبح المجتمع ضحية للشمولية، غير أنه في حالة توافر التعددية فإن الأقوى هو الذي يستفيد من الوضع ويفرض شريعته”(9 )
أما التعريفات الموضوعية: فهي التي حاولت أن تنفذ لصميم الظاهرة، وهي قد تنوعت بحسب موضوع هذه التعددية إذا كان منصبًا حول العرقية، أم المجتمعية، أم الدينية، أم السياسية.
فهذه التعريفات تربط بين مفهوم “التعددية” وبين عملية التفاعل بين كتلتين اجتماعيتين وسياسيتين أو أكثر. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه يمكن أن تكون العملية السابقة تعبيراً عن تعددية في الأصول العرقية أو في اللغات أو الطوائف، أي أن تكون التعددية السياسية انعكاساً للتعددية الاجتماعية أو أنها تجد أصولها فيها. وفي كل الأحوال فأن كل من التعريفات الشكلية أو الموضوعية تربط بين تعريف التعددية وبين النظام السياسي والدولة والقانون أي أن التعددية التي نتحدث عنها في أبعادها السياسية لا تقتصر على مجرد الاختلافات والتنوع بين الجماعات المختلفة في مجتمع معين ولكنها تتعلق بالدولة ذات السيادة التي تشكل إطاراً يحدد العلاقات الاجتماعية والسياسية على مستوى المجتمع ككل، وأنها تعني أساسا بمشروعية تعدد القوى والآراء والاتجاهات السياسية وحقها في التعبير عن نفسها. (10 )
فالتعددية السياسية المرتبطة “بالديمقراطية الليبرالية” التي تعتمد نماذج في المنافسة السياسية قد لا تنطبق على العديد من المجتمعات الأخرى المعاصرة التي تكون مضطرة نظراً لطبيعة تكوينها إلى إتباع وسائل أخرى في الائتلافات الحكومية وفي المشاركة السياسية حتى لا تتحول أي جماعة معينة إلى أقلية دائمة. وبالتالي فإننا نميز بين نوعين من التعددية:

التعددية السياسية في المجتمعات الديمقراطية

حيث تتوزع السلطة بين فئات متجانسة. وتبدو التعددية السياسية وسيلة لتنظيم الحياة العامة على أسس مشتركة تقوم على مبدأ احترام الآراء والاتجاهات المختلفة وإعطائها الفرصة للتعبير عن نفسها. ومن ثم فإن التباينات في المجتمع الذي يعتمد التعددية السياسية هي تباينات متحركة تحسمها العملية الانتخابية والتحولات في الرأي العام التي قد تؤدي إلى إمكانية الانتقال من الأقلية إلى الأكثرية وبالعكس وتعني بصفة أساسية مبدأ التناوب في السلطة أو تداول السلطة.(11 )

المجتمعات التعددية “التعددية المجتمعية” ـ “التعددية الاجتماعية:

التي تعني التعددية فيها حقيقة ترتبط بتكوين المجتمع ذاته فهو مجتمع تعددي أو متنوع plural society, consensual society فإن التباينات في مثل هذا المجتمع ليست تباينات في الرأي العام بل هي تباينات ثقافية أو لغوية أو عرقية أو طائفية. ولها حدود معينة وتتميز بالثبات وعدم التحرك. ومن ثم فإن القبول بتطبيق نظام تنافسي في أمثال تلك المجتمعات دون وضع ضوابط معينة قد يؤدي إلى نوع من عدم المساواة أو خلل أو قصور في المشاركة. والخطر يكمن حينما يحدث إدراك للتباينات داخل المجتمع المتعدد ويجرى تسييسها فهذا هو العنصر المولد للنزاعات بين التباينات المختلفة سواء أكانت اقتصادية أو ثقافية أو لغوية أو عرقية أو غيرها. وذلك عندما تشعر إحدى الجماعات أو المجموعات بما يسمى “الحرمان النسبي” أي “شعور الأشخاص بحرمانهم من حقوق بالمقارنة مع أشخاص آخرين في المجتمع”
ونلاحظ أن معظم ادبيات عنيت بمفهوم “الوحدة” وأنتجت العديد من الأبحاث والدراسات والمؤلفات عنه، بينما نجد أن مفهوم التعددية لم يجد إلا بقدر ضئيل من هذا الاهتمام إذا قورن بمثله الذي حظي به مفهوم الوحدة. ولعل ذلك يرجع في جانب منه إلى أن الثقافة السياسية العربية عموما تنظر بعين الشك والريبة إلى هذا المفهوم وترى في جوانبه السلبية بواعث للفتنة يحسن إخمادها وعدم إثارتها. وإذا كان هذا يتعلق ببعض أنواع هذه التعددية لا سيما منها: العرقية والجنسية والدينية، …… الخ،.
أما غالبية الأدبيات الغربية فقد اعتنت بتأصيل مفهوم “التعددية السياسية” والإشارة إلى جذوره في الفكر السياسي الليبرالي الغربي وذكر من رواده “جون لوك” ـ المفكر الإنجليزي ـ في كتابه عن “الحكومة المدنية” عام 1689، حيث عارض “توماس هوبز” الذي تبنى الدفاع عن الحكم المطلق ورأي لوك على العكس من ذلك أنه لا ينبغي للسلطة الحاكمة أن تكون واحدية أو مطلقة وقد انطلق تأصيل هذا المفهوم من كتابات جون لوك إلى كتابات مونتسيكو، ثم جون ستيوارت ميل وجيفرسون عن التعددية ، ومن ثم فإن فكرة التعددية السياسية ظهرت في مواجهة الدفاع عن الحكم المطلق الذي بلوره الفكر الغربي حول مبدأ “السيادة” وكان أن نجح الفكر الغربي في إيجاد صياغة للتعددية السياسية تقوم على تعدد السلطات إلى ثلاث واعتماد مبدأ الفصل بينها ومبدأ الرقابة وعن هذا الطريق يمكن الحد من طغيان السلطة وقد ارتبطت التعددية في الأدبيات الغربية بمفهوم أساسي هو الديمقراطية(12 ).والحديث عن التعددية السياسية ينقلنا بالضرورة إلى تناول التعددية الحزبية، باعتبارها الركيزة الأساسية في هذه الدراسة.

ثانياً: التعددية الحزبية:

سوف يشير الباحث إلى حاجة المجتمعات إلى الفكر التعددي ومبدأ التعددية في الانظمة المجتمعية والسياسية، فالمجتمعات الإنسانية تقوم على حقيقة مفادها أن الاختلاف موجود في كل مجتمع وأن هذا الاختلاف يؤدى إلى تعدد القوى الفاعلة في المجتمعات المعاصرة مما يقود إلى تعدد الآراء والصراع على المصالح، وبالتالي حدوث تهديد للمجتمع في تماسكه في حالة عدم وجود اتفاق مشترك بين القوى المختلفة يتم في ضوئها التعبير عن أوجه الاختلاف، وتطرح عبرها القوى المختلفة آراءها وتدافع عن مصالحها بشكل سلمى وعلني. فالباحث سوف يدرس الظاهرة الحزبية ومن ثم مفهوم التعددية الحزبية.

الظاهرة الحزبية:

تعود جذور التعددية الحزبية إلى ما قبل البعثة النبوية لرسول الله e . كما ورد اللفظ في القرآن الكريم حيث جاء في سورة الأحزاب في قوله تعالى: }يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا { (13 ). وقوله تعالى: }وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا { (14 ). حيث تشير كلمة الأحزاب في الآيتين الكريمتين السابقتين إلى الكتائب التي تم تحشيدها من أهل مكة وكونت أحزاب الباطل لحرب المسلمين في غزوة الخندق. كما أطلق اسم الأحزاب على إحدى سور القرآن الكريم وهو ما يدل على قدم هذا المصطلح وإن اختلف المعنى في عدد من جزئياته مع المعنى الحديث( 15).
ولكلمة الحزب معان عدة: “حزب: الأمر حزوباً نزل ناب”(16 ). “وحزب من القوم الأحزاب جمعهم وقواهم وشد منهم وتحازب له تعصب في القراءة وحزب”(17 ). وحزب الأمر حزباً اشتد الأمر، وفى الحديث كان رسول الله. “إذا حزبه أمر صلى” ومن دعائه “اللهم أنت عدتنى إن حزبت”(18 ). “وحزب الأمر فهو يحزب حزباً إذا نابك فقد حزبك”(19 ). “وحزب الرجل أصحابه والحزب الورد وفيه أحزاب القرآن والحزب أيضاً الطائفة وتحزبوا تجمعوا والأحزاب الطوائف التي تجتمع على محاربة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام”(20 ). والحزب الجماعة من الناس قال تعالى: “كل حزب بما لديهم فرحون” والطائفة من كل شيء حزب(21 ).
وفى الحديث “طرأ على حزبى من القرآن فأحببت أن لا أخرج حتى أقضيه”( 22)، وفى الحديث أيضاً “اللهم اهزم الأحزاب وزلزلهم” الأحزاب: الطوائف من الناس، جمع حزب(23 ). أما كلمة (سياسي) فهي مأخوذة من كلمة “سياسة” والسياسة لغة تفيد القيام بشئون الرعية واستخدم العرب لفظ السياسة بمعنى الإرشاد والهداية(24 ).
تعد الظاهرة الحزبية بمفهومها المعروف حديثة النشأة حيث أنها لم تكن معروفة قبل قرن ونصف من الآن، إلا في العالم المتقدم كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ثم سرعان ما انتقلت إلى مجموعة من الدول الأوروبية ومن ثم إلى أسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا. فبعض الدول الأفريقية والأسيوية لم تعرف الظاهرة الحزبية إلا في القرن العشرين. لقد واجه ظهور الأحزاب السياسية في دول العالم النامي معوقات مختلفة حالت دون نموها وتطورها كما في دول العالم المتقدم. ومن هذه الصعوبات ما يتجسد في الظاهرة الاستعمارية وما وضعته من قيود أمام ظهور وتطور الظاهرة الحزبية في حين أن بعضها قد تجسد في التخلف الذي ساد بلاد العالم النامي على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك فإن الأحزاب السياسية ومنذ نشأتها تعد من العوامل الأساسية التي يجب عدم إغفالها عند محاولة فهم آلية وعمل النظام السياسي، فالنظام السياسي ما هو إلا انعكاس للنظام الحزبي السائد فيه.
إن دراسة السياسة تشمل “نظام الدولة وقانونها الأساسي ونظام الحكم فيها بما يتملكه من أنشطة فردية وجماعية تؤثر في مجريات الحياة العامة، وبالتالي توصف الجماعة بأنها سياسية عندما يكون هدفها الوصول إلى السلطة أو البقاء والاشتراك فيها وبالتالي فإضافة وصف سياسي ضرورة للتحديد وعدم الخلط”(25 ).
ومن هذا المنطلق فهناك تعاريف عدة للحزب السياسي، فقد عرفه لاسويل وكابلان “بأنه مجموعة من الأفراد تصوغ القضايا الشاملة وتقدم مرشحين في الانتخابات”(26 ). ولم يستبعد هذا التعريف الأدوات غير الدستورية القائمة على العنف وكذلك جماعات الضغط. إذ أن الأحزاب هي التي تؤمن وتمارس القوة من خلال التصويت الشرعى. وقد اتجه سيجموند نيومان ليعرف الحزب بأنه “تنظيم للعناصر السياسية النشيطة في المجتمع تتنافس مع جماعة أو جماعات أخرى تعتنق وجهات نظر مختلفة”(27 ). فهو يصور الحزب في المعنى الجوهري على الاشتراك في تنظيم معين والانفصال عن الآخرين بواسطة برنامج محدد. في حين رأى سارتورى الحزب بأنه “أى جماعة سياسية تتقدم للانتخابات وتكون قادرة على أن تقدم من خلال تلك الانتخابات مرشحين للمناصب العامة” وقد قام كل من لابالو مبارا ووينر بتعريف الحزب من خلال تحديد عناصره الأساسية وهى(28 ):
(استمرارية التنظيم بمعنى أنه لا تتوقف مسيرة الحزب على حياة منشئه أو مماته- امتداد التنظيم ونفوذه محلياً وقومياً- وجود الرغبة لدى قادة الحزب على مختلف المستويات بالمشاركة بعملية صنع القرار وعدم الاكتفاء بالتأثير المحدود على السلطة-عمل التنظيم على كسب العناصر الجديدة والمؤيدة له- برنامج الحزب السياسي).
وإلى جانب المعنى الاصطلاحى للحزب السياسي فهناك عدة مدارس مختلفة في تعريفه منها المدرستين الليبرالية الغربية والماركسية، فقد عرفت المدرسة الليبرالية الحزب السياسي عدة تعريفات منها ما عرفه بنيامين كونستات بأنه “جماعة من الناس تعتنق مذهباً سياسياً واحد”. كما أن جيمس كولمان عرف الحزب السياسي بأنه “تجمع له صفة التنظيم الرسمي ويعلن أن هدفه الوصول إلى الحكم والاحتفاظ به بالائتلاف أو بالتنافس الانتخابي مع تنظيمات حزبية أخرى داخل دولة ذات سيادة فعلية أو محتملة”(29 ). ولإسباغ الصفة الديمقراطية على الحزب السياسي اتجهت المدرسة الليبرالية الغربية لوضع شروط عدة أبرزها أن السيادة العليا في الحزب يجب أن لا تكون لزعيم أو عائلة أو طائفة، كما إن العضوية هي مناط الحقوق والواجبات، وأن تكون العضوية مفتوحة لجميع المواطنين وعلى أعضاء الحزب الرجوع إلى دستور الحزب ولوائحه عند الخلاف، فضلاً عن وجود محكمة حزبية دستورية مستقلة ضمان حرية التعبير داخل الحزب مع القبول بوجود الأحزاب السياسية الأخرى(30 ).
أما المدرسة الماركسية التقليدية، فقد نظرت للحزب السياسي على أنه أداة بيد الطبقة العاملة وهو قطاعها الطليعى. بعبارة أخرى فإن الحزب مجموعة من الناس يربطها ببعضها مصالح اقتصادية مع محاولة الوصول إلى سدة الحكم عن طريق الإصلاح والثورة. فماركس يعد الحزب تعبيراً عن مصالح طبقة اجتماعية ومتى ألغيت الطبقات فلا محل لتعدد الأحزاب(31 ). وقد عرف ستالين الحزب بأنه “قطاع من طبقة قطاعها الطليعى يعكس مصالحها ويقودها صوب أهدافها المنشودة”(32 ). وقد عرف القاموس الاجتماعي الأحزاب السياسية على أنها “تنظيم لأشخاص يهتمون بضبط بناء القوة في المجتمع والتأثير عليه والعمل من خلاله على نحو يرون أنه ملائم لمصالحهم ومصالح المجتمع العليا”(33 ).
تعد النظم السياسية الحديثة في الغالب نظم حزبية سواء كانت ليبرالية أم سلطوية أم شمولية تعددية أم أحادية، وهذه العلاقة القوية بين الظاهرة الحزبية والنظم السياسية هي التي أضفت أهمية خاصة على موقع وأهمية الأحزاب في إطار النظم السياسية السائدة في دول العالم النامى التي ترنو إلى تحقيق التنمية والتقدم. ولا تعد كثيراً من الأحزاب السياسية في العالم النامي عموماً وأفريقيا خصوصاً أحزاب بالمعنى الاصطلاحى للكلمة(34 ). وفى الدول العربية والنامية فقد ظهرت الأحزاب في إطار الكفاح في سبيل الاستقلال والتحرير أو من أجل إعداد الدستور وإيجاد الحياة البرلمانية والنيابية بعد التحرر والاستقلال(35 ). أما الأسباب التي تقف وراء نشوء الظاهرة الحزبية فهي عدة ومنها(36 ): الظروف التاريخية التي مرت بها الدول خلال فترة تكوين الأحزاب السياسية، ووجود الاختلافات والانقسامات في تركيبة المجتمعات، والاختلاف الطبقي مع وجود وعى للطبقات، والانقسام في الرأي يؤدى إلى ظهور أحزاب سياسية يعبر كل منها عن اتجاه معين، والنظام الانتخابي له دور في ظهور الأحزاب السياسية.
وهناك سمات عامة تتسم بها الأحزاب العربية ومن أهمها(37 ): بروز صفة التحزب على الظاهرة الحزبية، وشخصنه الأحزاب السياسية وارتباطها بحياة مؤسسيها، وكثرة الانشقاقات داخل الأحزاب بشكل عام، وعدم قدرة معظم الأحزاب على تعبئة الجماهير وتحريكها.

2) التعددية الحزبية:

يعتبر لفظ التعددية في اللغة العربية مصدر صناعي مأخوذ عن المصدر الأصلي تعدد وفعله تعدد، ويقال تعدد يتعدد تعدداً أي صار ذا عدد. أما في اللغة الإنجليزية يشير اللفظ (Pluralism) إلى أن هناك أكثر من مبدأ واحد، أي أن ما هو أكثر من شىء واحد، ومما تقدم فإن المعنى اللغوي للمفهوم في اللغتين العربية والإنجليزية يشير إلى وجود أكثر من شىء واحد عددياً. وتعود جذور التعددية السياسية إلى الفلسفة الليبرالية الغربية. فيعد جون لوك في مؤلفه The Second (Treatise) حول الحكومة المدنية (1689) من أوائل من أكدوا على أن من وظائف الدولة المهمة قيامها على القبول العام ورفض السلطة المطلقة التي دعا لها هوبز في مؤلفه (Leviathan) عام (1651)، وأنها يجب أن تعمل على رفاهية المجتمع ورعاية مصالحه وحمايتها. فإن لم تفلح في واجبها فإنها يجب أن تتغير، وأن على الفئات الحاكمة ألا تتخذ من القوة أساساً لها، أما مونتسكو في مؤلفه (The Spirit of Laws) عام (1746) فقد أكد على الحاجة إلى التعددية والحد من طغيان السلطة. وقد امتدح النظام الإنجليزي لما يتمتع به من فصل بين السلطات، فضلاً عن وجود أكثر من مصدر للسلطة(38 ).
تعرف الموسوعة البريطانية التعددية بأنها “الاستقلالية التي تحظى بها جماعات معينة في إطار المجتمع مثل الكنيسة والنقابات المهنية والاتحادات العمالية والأقليات العرقية”. وتذهب الموسوعة السياسية إلى القول بأنها “مفهوم ليبرالي ينظر إلى المجتمع على أنه يتكون من روابط سياسية وغير سياسية متعددة ذات مصالح متباينة ومشروعة”. أما قاموس المصطلحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيعد التعددية بأنها “تنظيم حياة المجتمع وفق قواعد عامة مشتركة تحترم وجود الاختلاف والتنوع في اتجاهات السكان في المجتمعات ذات الأطر الواسعة، وخاصة المجتمعات الحديثة حيث تختلط الاتجاهات الأيديولوجية والفلسفية والدينية(39 ).
فالتعددية (Pluralism) هي إحدى النظريات الأساسية التي تدور حولها الليبرالية الحديثة، والتي تعنى وجود أكثر من حركة وحزب سياسي في النظام الواحد، ويتنافس الجميع من أجمل الوصول إلى السلطة. والتعددية تعنى بأن كل كيان في الوجود يتكون من أجزاء مستقلة، ولكل جزء جوهره الخاص والمتميز، وأنها جوهر الدولة القومية الحديثة التي يوجد فيها برلمان يعمل بصورة متماسكة ومستمرة وبنية اجتماعية واقتصادية معقدة ومواقف وسط بين الجماعات وتهدف إلى خلق التوازن والاستقرار(40 ). فالتعددية ليست مجرد تعدد الأحزاب والهيئات بل أيضاً وهذا الأهم هو قيام هذه الأحزاب والهيئات بدور فعال ومنظم في تنظيم السلطة التنفيذية والتشريعية وممارستها(41 ).
تعتبر التعددية الحزبية من المتطلبات الأساسية في عملية التحول الديمقراطي. حيث إن الديمقراطية الحقيقية تقوم على التعددية السياسية والأيديولوجية وتفتح المجال للمنافسة السلمية والبناءة بين مختلف الأحزاب. فالمناخ الديمقراطي الحقيقي يسمح للأحزاب في أن تقوم بوظيفتها على الوجه الأكمل، وفى هذا الإطار يذهب عدد من المحللين العرب إلى أن طبيعة الحكم العربي لا تترك غالباً لأي حركة سياسية فرصة لأن تنمو بشكل طبيعي وتعبر عن نفسها بشكل علني مفتوح وشفاف وإنما يغلق الحكام معظم الأبواب أمام الآخرين ولا يعود هناك مجال للتعبير الكامل عن الآراء والمواقف التي تتعارض مع مواقف السلطة السياسية. كما أن التعددية من المفاهيم الغربية التي تنظر إلى المجتمع على أنه يتكون من روابط سياسية وغير سياسية متعددة ومصالح مختلفة، وهذا التعدد والاختلاف هو الذي قد يحول دون تركز السلطة بل يساعد على تحقيق المشاركة السياسية والتي تعنى إشراك المواطنين في الحياة السياسية بكافة مجالاتها سواء رسم السياسة العامة أو صنع القرار وتنفيذه. كما أن التعددية تحقق التوزيع العادل للثروة والمنافع بين أبناء الأمة.
فالتعددية هي رفض للواحدية وأن هناك أكثر من حقيقة واحدة مطلقة وذلك يعود إلى الإيمان بأنه لا يمكن فهم الحقيقة من خلال جوهر واحد ومبدأ واحد وقد عرف جيمس فيلد التعددية بأنها “وضع لا تكون فيه الهيمنة حكراً على جماعة أو نخبة أو تنظيم فكرى أو سياسي واحد”( 42). وللتعددية أشكالاً عدة يمكن إرجاعها إلى طبيعة الروابط المشتركة ومجال نشاطها ضمن إطار التعددية وعلى هذا فهناك عدة أشكال للتعددية يحددها المحللون في ثلاثة أشكال هى:

  • التعددية التقليدية: وهى التي تقوم على الأسس التقليدية الموروثة من الآباء والأجداد وتلزم الفرد من الولادة حتى الموت ومنها التعدد الدينى واللغوى والقبلى والقومى وغيرها وتمتاز بأنها تنظر للفرد على أنه جزء في جماعة كما أنه من الصعوبة الدخول إليها أو الانسلاخ منها( 43).
  • التعددية السياسية: ولها تعريفات عدة منها تعريف الدكتور محمد عابد الجابرى بأنها “مظهر من مظاهر الحداثة السياسية ويقصد بها أولاً وقبل كل شىء وجود مجال اجتماعى وفكرى يمارس الناس فيه المنافسة أى بواسطة الحوار والنقد والاعتراض والأخذ والعطاء وبالتالى التعايش في إطار من السلم القائم على الحلول الوسطى المتنامية. والتعددية هى وجود أصوات وأصوات أخرى مخالفة لصوت الحاكم. وتعمل التعددية السياسية على الحد من تسلط الدولة وذلك من خلال وجود جماعات وسيطة بين الشعب والسلطة كالحكومات المحلية أو الأحزاب السياسية أو النقابات أو الجمعيات أو غيرها من مؤسسات المجتمع المدنى وهو ما يضمن الحرية للفرد وعدم تسلط الدولة أو سيطرة الحزب الواحد أو احتكار السلطة أو اعتناق الدولة لمذهب سياسي واحد. ويعد قيام النظام الديمقراطي غير تام مع عدم وجود التعددية السياسية، لأنها من عناصر هذا النظام ومؤسساته، وليس من الممكن تصور قيام نظام ديمقراطى حقيقى أو أدائه لمهامه بشكل صحيح من دون قيام القوى السياسية المختلفة بوظائفها. ويتطلب وجود التعددية السياسية في بلد ما متطلبات عدة أهمها(44 ):
  • وجود نظام قانونى يضمن للفئات الاجتماعية المختلفة الحق في الانتماء إلى التنظيمات وإنشاءها كما يضمن لهذه الفئات الحق في التعبير عن آراءها مع حقها في الطموحات المشروعة في السعى للوصول إلى السلطة السياسية في ظل تشريع دستورى يضمن ذلك ويسمح به.
  • وجود تنظيمات وسيطة بين الشعب والحكومة تنظم العملية السياسية مثل الأحزاب السياسية التي أصبحت تمثل ظاهرة محورية يصعب التخلى عنها في النظم السياسية الديمقراطية الحديثة، فالتعددية السياسية هى نوع من التنظيم الاجتماعى يتعلق ببنية النظام السياسي وآليات عملياته المختلفة إذ يجب أن يقوم النظام السياسي على وجود أفكار ومؤسسات متعددة ويكون التنافس فيها مفتوح بدون قيود سوى الاحتكام إلى قواعد اللعبة السياسية بضمانة الدستور. وأن الفيصل هو صناديق الاقتراع ويجب أن يكون العمل لتغير السلطة من خلال الوسائل الدستورية السلمية. والتعددية السياسية نوعين(45 ):
  • التعددية السياسية الحقيقية: وهى التي تقوم على وجود أحزاب سياسية مختلفة في البرامج والأيديولوجيات ويكون التنافس فيما بينها بحرية تامة من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة والدورية.
  • التعددية السياسية الشكلية: وهى التي تحمل مظاهر التعددية السياسية كوجود الأحزاب السياسية ولكن في واقع الأمر يكون النظام السياسي من الناحية الجوهرية أقرب لنظام الحزب الواحد أو المهيمن، فالتعددية الحزبية مصطلح يطلق على النظام الذى يسمح بوجود الأحزاب السياسية مع ضمان حقها في المشاركة السياسية والمساواة والمنافسة على السلطة أى أنه لا يسمح لحزب واحد بالهيمنة على الأحزاب الأخرى. فالفرق بين التعددية الحزبية والتعددية السياسية، يقوم على أن التعددية السياسية تتضمن بلا شك التعددية الحزبية؛ لأنها تتكون من قوى سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية مختلفة، في حين أن التعددية الحزبية لا تتضمن بالضرورة التعددية السياسية إذا ما كان هناك هيمنة لحزب واحد مع تهميش وإقصاء لباقى الأحزاب السياسية الأخرى. وهو ما يعنى أن الأول يتصف بالشمول والعمومية في حين أن التعددية الحزبية هى جزء من كل ومكمل وأساسى للتعددية السياسية. فالتعددية الحزبية فرع من التعددية السياسية وعلى هذا فالتعددية السياسية هى من الشروط الأساسية للديمقراطية. والتى تتمثل في حرية إنشاء الأحزاب وتداول السلطة سلمياً وتطبيق منظومة الحقوق والحريات العامة. إذاً فالظاهرة الحزبية من أهم أركان وقواعد اللعبة الديمقراطية، كما أنها من نتائج الديمقراطية فلا ديمقراطية بلا تعددية حزبية، ولا تعددية حزبية بدون ديمقراطية. فالتعددية الحزبية هى الحرية في إنشاء الأحزاب السياسية أو الانتماء إليها أو القبول بوجودها في المجتمع مع اعتراف النظام السياسي بوجودها والسماح لها بممارسة نشاطها والمشاركة السياسية. فمفهوم التعددية الحزبية هو مصطلح يطلق على النظام السياسي الذى يقبل بقيام عدة أحزاب تمتاز بالمساواة فيما بينها مع أن هذه الأحزاب تختلف فيما بينها في ناحية العقائد والأيديولوجيات(46 ).

وللأحزاب السياسية وظائف عدة تقوم بها في الدول المتقدمة والدول النامية تتشابه في بعضها وتختلف في البعض الأخر. ستعرض لأهم الوظائف التي تقم بها الأحزاب السياسية بصفة عامة ( وليس على سبيل الحصر فهناك العديد من الوظائف الاخرى 47 ):

  • الوظيفة التنظيمية: تقوم الأحزاب السياسية بتوجيه وتنظيم الأفكار والأمزجة المتنوعة في إطار شامل، بمعنى نقل الآراء المتعددة إلى مستوى الاختيارات الجماعية.
  • الوظيفة الاتصالية: تقوم الأحزاب السياسية بدور قناة اتصال ما بين القاعدة والقيادة من جهة وبين الحكام والمحكومين من جهة ثانية. كما أنها تعمل على خلق شبكة من الاتصالات بين الجماهير والقيادة بطريقة تمكنها من توليد القوة السياسية لتلك الجماهير من خلال توصيلها لمطالبها وتعبئتها.
  • الوظيفة التمثيلية: تلعب الأحزاب في هذا الصدد دوراً مزدوجاً في التمثيل السياسي، حيث أنها تعمل على تأهيل الناخبين من خلال تطوير الوعى السياسي لهم وتسمح بتعبير أكثر وضوحاً عن الخيارات السياسية من جهة، وتعمل في الوقت نفسه على تأهيل المنتخبين من خلال اختيارهم للمرشحين المتميزين للمنافسة الانتخابية من جهة أخرى(48 ).

المبحث الثاني: عوامل وانماط التحول الديمقراطي

في هذا المبحث نتناول مفهوم التحول الديمقراطي بالمعنى وما يثيره من جدالات بين الباحثين، مما ينقلنا إلى الى العوامل التي تؤدى إلى احداث هذا التحول سواء كانت داخلية او خارجية، وبعد ذلك نتناول الانماط المختلفة لهذا التحول، ومن هنا فانا نشير إلى مفهوم التحول.

أ- مفهوم التحول الديمقراطي

يستدعي مفهوم التحول الديمقراطي، المفهوم الأقدم والأشمل” الديمقراطية” فالدول المتحولة ديمقراطياً هي تلك التي تشهد استيعاباً لأسس الممارسة الديمقراطية. كما يقاس التطور في تحقيق التحول الديمقراطي من خلال المسافة التي قطعتها هذه الدولة أو تلك على طريق إعمال الديمقراطية في ممارستها. كما يظهر التداخل بينهما في أن الكثير من الأدبيات استخدم معايير “الديمقراطية” من أجل تعريف التحول الديمقراطي.
فالدولة المتحولة ديمقراطياً تشهد في مرحلة من المراحل إجراء الانتخابات الحرة بانتظام وتعديل قوانينها بل ودساتيرها لتضم المزيد من مبادئ الديمقراطية، وقد جرت كلمة الديمقراطية على ألسنة القادة السياسيين في شتى أرجاء العالم، لا فرق هنا بين نامي ومتقدم، وتباينت أغراضهم من وراء ذلك، فمنهم من أراد كسب الشرعية السياسية أو زيادة شعبيته بعد أن بات بقاؤه السياسي مهدد، ومنهم من استخدمها من أجل الفوز برضا المجتمع الدولي وربما الحصول على الدعم المادي، ومنهم من آمن بها وبضرورة التمسك بها. بيد أن الحكام ليسوا هم الوحيدون في هذا المجال. فكثيراً ما تسابقت الأحزاب السياسية في الدفاع عن الديمقراطية في خطابها السياسي وقوانينها التأسيسية من أجل الفوز بأصوات الناخبين والوثوب إلى سدة الحكم أو عضوية المجالس التشريعية أو حتى النيل من تأييد الحكومات التي لا تلقي للديمقراطية بالاً. أما خارج الدولة، فقد أعلنت المنظمات الدولية والإقليمية هدف نشر وتعزيز الديمقراطية منذ عقود وقدمت في هذا الإطار ملايين بل بلايين الدولارات تحت دعوى دعم الديمقراطية.

ما هو المقصود بالديمقراطية إذاً؟

من الناحية اللغوية، كلمة الديمقراطية تأتي من اللغة اليونانية وتعني حرفياً “حكم الناس”. ( 49)وحسب ما يرى “روبرت دال”، كان اليونانيون، على الأرجح، هم الذين سكوا مصطلح الديمقراطية، وهو مركب من كلمتين هما، كلمة “demos ” بمعنى الشعب، وكلمة “Kratos” ، أي الحكم. ومن الأشياء المثيرة للاهتمام هو أنه على الرغم من أن كلمة demos ، في آثينا القديمة عادة ما أشارت إلى الشعب الآثيني كله، إلا أنها في بعض الأحيان كانت تعني فقط عامة الناس أو حتى الفقراء، في كتابه “الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي”، يذهب “صمويل هنتنجتون” إلى أن “مفهوم الديمقراطية كشكل للحكومة يعود إلى الفلاسفة اليونان. إلا أن استخدامها الحديث يعود إلى فترة التطورات الثورية في المجتمع الغربي في نهايات القرن الثامن عشر. وفي أواسط القرن العشرين، تبلور النقاش حول معنى الديمقراطية في ثلاثة اقترابات، هي تعريف الديمقراطية كشكل للحكومة، تعريف الديمقراطية على أنها مصدر سلطة الحكومة، ثم تعريف الديمقراطية من منظور الإجراءات التي تأخذ بها من أجل تأسيس هيئاتها. (50 )
من الناحية اللغوية، يعني التحول التغير والنقل، فيقال حول الشيء أي غيره أو نقله من حال إلى حال ويقال تحول أي تنقل من موضع أو من حال إلى حال وعن الشيء يقال تحول عنه أي انصرف إلى غيره.(51 ) أما الكلمة المقابلة في اللغة الإنجليزية، فهي Transition” ” وتعني المرور أو الانتقال من حالة معينة أو من مرحلة أو مكان معين إلى مرحلة أو حال أو مكان آخر. ولعل كثرة ما شهده العالم خلال فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وحتى الآن من تحول نحو الديمقراطية، دفع البعض إلى إطلاق وصف الموجة على ذلك الفيض من حركات الانتقال من النظم غير الديمقراطية إلى النظم الديمقراطية والتي حدثت في فترة زمنية محددة وفاقت في عددها حركات الانتقال في الاتجاه المضاد خلال نفس الفترة الزمنية. (52 )، وقد افترضت الدراسات الأولى للتحول الديمقراطي في القرن الماضي، أن معنى التحول الديمقراطي كان دالاً على نفسه أو واضحاً بذاته. حيث عني ببساطة التحول في النظام السياسي من عدم الديمقراطية نحو حكومة مسئولة وتمثيلية. وبمرور الوقت، أصبح من الواضح أنه بينما تمكنت بعض البلاد من التحول إلى الديمقراطية بنجاح، انهارت دول أخرى، ومن ثم فقد أصبح الرسوخ الديمقراطي هو المحور الأساسي للبحث في التسعينيات من القرن الماضي.
– ومن الناحية الإصطلاحية، يعني التحول الديمقراطي “تغيير نظام سياسي من صيغة غير ديمقراطية إلى صيغة أخرى أكثر ديمقراطية، أو كما يشير البعض إلى أن التحول الديمقراطي أصبح يطلق على عملية الانتقال من الحكم السلطوي إلى الحكم الديمقراطي.(53 )، ويعرفها “شميتر” بأنها عملية تطبيق القواعد الديمقراطية سواء في مؤسسات لم تطبق فيها من قبل أو امتداد هذه القواعد لتشمل أفراداً، أو جماعات، أو موضوعات لم تشملها من قبل، فالأسلوب الديمقراطي هو الترتيب المؤسسي الذي يحصل بمقتضاه الأفراد على سلطة اتخاذ القرار من خلال انتخابات عادلة ونزيهة ودورية يتنافس فيها المرشحون على أصوات الناخبين. وبناء على ذلك، فإن الديمقراطية تشمل بعُدين هما التنافس والمشاركة، كما أنها تتضمن احترام الحريات المدنية والسياسية الأساسية كحرية التعبير والنشر والاجتماع والتنظيم حيث يمكن تقسيم معايير التطور الديمقراطي إلى فئتين أساسيتين تنقسمان بدورهما إلى فئات فرعية تتعلق الأولى بتحقيق المساواة بين المواطنين وتتعلق الثانية بتوفير الحريات السياسية لهم من دون تمييز. (54 )
وطبقاً لذلك، فإن عملية التحول الديمقراطي تشير إلى تضمين أو إعادة تضمين ممارسات التعددية الحزبية والتنافسية المؤسسية في الجسد السياسي، ويشمل ذلك تعديلات دستورية وتنظيمية وكذلك قيمية وفكرية، فضلاً عن إعادة توزيع السلطة والنفوذ وتوسيع دائرة المشاركة فيها وبروز مراكز مختلفة55 .وخلال هذه العملية فإن الجسد السياسي والاجتماعي ينتابه قدر من التغيير، فقيم الطاعة والأحادية التي تسود نظم الحزب الواحد أو النظم السلطوية تحل محلها قيم التغيير والتنوع والتنافس، وأنماط السلطة ذات الطابع الهيراركي تحل محلها أنماط أكثر تعقيداً أو ذات أبعاد متعددة تتضمن بناء التحالفات والوصول إلى حلول وسط. (3)

ب- عوامل التحول الديموقراطي

هناك جدل واسع النطاق بين الدارسين حول التحول الديموقراطي، فالبعض يقول أن الاتجاه نحو الديموقراطية يعتمد على وجود شروط اجتماعية واقتصادية وثقافية معينة داخل المجتمع، وإن كان هناك اختلاف معتبر حول ماهية هذه الشروط. بينما يرى البعض الآخر أن التحول الديموقراطي هو بالأساس صنيع القيادة السياسية (56 ).ففى هذا السياق سيقوم الباحث بتناول العوامل التي تؤدى إلى التحول الديمقراطي، خاصة وانه عملية معقدة ومتشابكة الجوانب والابعاد، وعلى أية حالة، يمكن تقسيم التحول الديموقراطي إلى مجموعتين: عوامل داخلية، وأخرى خارجية.

أولاً: العوامل الداخلية:

1- التنمية الاقتصادية:

يعد العامل الاقتصادي من العوامل ذات الأهمية في أي تحول سياسي، فالعلاقة بين الاقتصاد والسياسة هي علاقة ترابط وتداخل، وإن ظلت مثار جدل وخلاف. فبينما تتفق المدارس الفكر المادية على أن العوامل الاقتصادية تحدد شكل المؤسسات السياسية من حيث الهيكل والوظيفة وأن التغير في تلك العوامل من موارد أساسية، وأساليب إنتاج، وطرق توزيع للدخل يتبعه تغير في وظائف وسياسات المؤسسات السياسية. وقد اثبت تطور المجتمعات والنظم الاقتصادية اهمية العامل الاقتصادي وأسبقيته على السياسة، بدليل أن تدخل الحكومات بما فيها حكومات النظم الليبرالية الغربية ازداد شيئاً فشيئاً في النشاط الاقتصادي بداية من الأزمة الاقتصادية 1930، وأيضاً في مواجهة ظاهرة التضخم الركودي في أوائل السبعينيات من القرن الماضي.
أما من حيث العلاقة بين التنمية الاقتصادية والتحول الديموقراطي، فقد أشار “هنتنجتون” إلى أسبقية التنمية الاقتصادية لإمكانية الوصول إلى الديموقراطية، واشترط “بارنجتون مور” وجود طبقة برجوازية لوجود الديموقراطية، في حين أن “فوكوياما” ينظر إلى الديموقراطية على أنها عملية سياسية غير مرتبطة بالاقتصاد، مستنداً في ذلك إلى تجربة النمور الآسيوية التي حققت معدلات تنمية اقتصادية عالية، في حين أنها لم تشهد إصلاحات سياسية ديموقراطية إلا في مرحلة لاحقة لعملية التنمية الاقتصادية (57 ).
لقد قدم “هنتجتون” تصوراً شاملاً عن كيف أن التنمية الاقتصادية تساعد الدولة على التحول الديموقراطي حيث يقول “…… إن عمليات التنمية الاقتصادية التي تشمل تحولاً صناعياً معتبراً تؤدي إلى اقتصاد جديد، وبنية أكثر تنوعاً وتعقداً وترابطاً، يصعب على النظم السلطوية أن تسيطر عليه. كما تخلق التنمية مصادر جديدة للثروة والقوة خارج بنية الدولة، وحاجة وظيفية إلى نقل صناعة القرار. ويبدو أن التنمية الاقتصادية عززت التغيير في الهيكل الاجتماعي والقيم التي تشجع التحول الديموقراطي(58 )، وإذا كانت التنمية الاقتصادية تساعد على دفع التحول الديموقراطي من خلال تدعيم نمو الطبقة المتوسطة، فإن “سيمور ليبسيت”” كان من الرواد الذين ربطوا الرأس مالية والتنمية الاقتصادية الناتجة عنها بالديموقراطية. فحسب ما يرى “ليبست”، تمثل الرأسمالية قلب الديموقراطية لأنها أنتجت الثروة وأدت إلى وجود طبقة متوسطة متعلمة وأنتجت عدداً من التغيرات الثقافية المواتية للديموقراطية، مثل تحقيق المزيد من العلمانية، وحدوث تآكل في الهويات التحتية. ويذكر ” ليبسيت ” أن الرأسمالية قللت من صراع الطبقات: فالتنمية الاقتصادية التي تعني دخلاً أكبر ومزيداً من الأمن الاقتصادي وتعليماً أعلى، تسمح لأبناء الشرائح الدنيا تطوير منظور أطول أمداً وأكثر تعقداً وآراء تدرجية عن السياسة. كما أن زيادة الثروة والتعليم تخدم الديموقراطية من خلال زيادة مدى تعرضهم لضغوط فئات أخرى من شأنها أن تقلل التزامهم بأيديولوجيات جاهزة وتجعلهم أقل استعدادا لدعم تلك المتطرفة منها. إن زيادة الثروة لا ترتبط سببياً فقط بالديموقراطية من خلال تغيير الظروف الاجتماعية للعمال، بل تؤثر أيضاً على الدور السياسي للطبقة المتوسطة من خلال تغيير البناء الطبقي بحيث يتحول من هرم ذي قاعدة عريضة من الطبقة الدنيا، إلى طبقة متوسطة عريضة.
لقد انتقد البعض نظريات “ليبسيت” على أساس أنها تفترض أن الرأسمالية سوف تحد أو تقلل من الصراع بين الطبقات. واستفاد النقد من أطروحات “كارل ماركس” وأنصاره من الاشتراكيين من المنطق القائل بأن الرأسمالية تزيد من تهميش بعض الطبقات التي تزداد فقراً. وبالتالي تتحول، متى توافرت لها الظروف المناسبة، إلى الثورة على أصحاب الثروة في المجتمع لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل التطور التاريخي. لا أن وجود الطبقة المتوسطة العريضة سواء كان نتاجاً للرأسمالية في حد ذاتها أو كان نتاجاً للتنمية الاقتصادية بمعنى عدالة التوزيع وإرتفاع متوسط دخل الفرد وإنخفاض معدلات التضخم والبطالة بعيداً عن تبني النموذج الرأسمالي، يعد أحد الشروط التي ارتبطت فعلاً باستقرار الممارسة الديموقراطية في الكثير من البلاد، وفي المقابل، هناك اتجاه يرى أن العلاقة بين التنمية الاقتصادية والديموقراطية هي علاقة سلبية. ففي عرف البعض، ثمة ما يدعو للإعتقاد بأن التنمية هي عدو الديموقراطية، لأنها تجذب الاهتمام بعيداً عن الأهداف السياسية، بما في ذلك حقوق الإنسان من أجل التركيز على الأهداف الاقتصادية (59 ).وفى هذا السياق، فان انشغال النخبة السياسية بعملية التنمية الاقتصادية يكون على حساب حقوق الإنسان. غير أن عملية التنمية الاقتصادية، في هذه الحالة، تكون معيبة. بل، إنها لا تعتبر تنمية من الأساس. إذ أن التنمية الاقتصادية لا تنحصر في ارتفاع معدلات الناتج القومي المحلي، بل تتعداه إلى كفاءة أكبر في توزيع الدخل، انخفاض في معدلات التضخم والبطالة، الأمر الذي من شأنه أن يحسن احترام حقوق الإنسان. كما أن انتشار التعليم ونمو الطبقة المتوسطة يوفران القاعدة الضرورية من أجل استمرار الممارسة الديموقراطية.
خلاصة القول، ثمة إختلاف يعتد به بين الدارسين للعلاقة بين التنمية الاقتصادية والتحول الديموقراطي. فبينما رأى البعض أن التنمية الاقتصادية تدفع إلى التحول الديموقراطي، رأى فريق آخر عدم وجود علاقة بينهما، وذهب فريق ثالث إلى أن العلاقة سلبية، أي أن الدول التي تشهد تنمية اقتصادية تضحي بالديموقراطية.ويرى الباحث أن الحالة الوحيدة التي تؤثر فيها التنمية الاقتصادية سلباً على التحول الديموقراطي هي تلك التي تكون فيها التنمية شديدة المركزية. حيث تضع الدولة ضوابط ومعايير من خلال التشريع لمنع القوى الاقتصادية الجديدة من تحدي سلطتها أو مشاركتها في عمليات صنع القرار. وفي هذه الحالة، تحقق الدولة نمو دون تنمية. بمعنى أن الدولة قد تحقق معدلات أعلى من الناتج القومي المحلي، خفضاً في نسبة الديون الخارجية، وربما أيضاً في معدل التضخم والبطالة، إلا أنها تفشل في تحقيق مستويات عالية من كفاءة توزيع الدخل أو رفع متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي المحلي أو غيره. وفي حالة حدوث التنمية الاقتصادية في ظل هذا الإطار السلطوي، فإن الدولة لا تستطيع الاستمرار في السيطرة على مجريات الأمور، إذ بعد مرحلة معينة من بداية التنمية الاقتصادية، يتعقد الاقتصاد وتتعدد القوى الاقتصادية ويدخل أصحاب رأس المال بصورة أو بأخرى إلى مؤسسات صنع القرار في الدولة، سواء كان البرلمان أو الحكومة.

2- القيادة السياسية:

ينظر البعض إلى الدول النامية بحسبانها بيئة ملائمة لإفراز نظم الحكم الفردية التي تقدس الزعيم الحاكم والذي يجسد النظام والسلطة. وعلى هذا الأساس عادة ما تتبنى تلك الزعامات مواقف سياسية متطرفة إزاء القضايا الدولية وتؤكد على دور الرموز والمشاعر عند مخاطبة الجماهير بهدف إضعاف دور المعارضة الداخلية وإظهارها كقوى معادية للمصالح القومية. ويعد زوال هذا النمط من الزعامات ظرفاً مناسباً لبدء التحول إلى التعددية السياسية.لا شك أن إنهيار الشيوعية وفشل الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي السابق ودول شرق أوروبا قلل من دور الأيديولوجية كمصدر لتشكيل الرؤية الفكرية للقيادات السياسية، كما حدث في الصين حيث أصبحت البرجماتية هي سمة القيادة خلال الحقبة الإصلاحية وفي مرحلة ما بعد المأوية، والتي استمت بغلبة الأيديولوجية على مختلف العناصر الأخرى(60 )، في ظل النظام السياسي غير الديموقراطي، يمكن للقائد السياسي أن يحدد هدفاً واحداً أو عددا ً من الأهداف المرتبطة بهذا الهدف الواحد، وبشكل ما يقوم بتحفيز أو إجبار القوى السياسية والاجتماعية على تشكيل سلوكها بما يتماشى مع الأولويات التي تفرضها هذه الأهداف. أما في الدول الديموقراطية، فلا يفرض الهدف من أعلى النظام، بل يكون نتاج إدراك جماعي من قبل الجماعات الأساسية في المجتمع بأن رفاهيتهم مهددة بدرجات متقاربة، ويرى “هنتجتون” أن هناك عدة عوامل تساعد على انتشار الديموقراطية، ومن بينها دور القيادة السياسية. غير أنه لا يمكن قياس أهمية عامل القيادة دون النظر إلى البيئة الثقافية المحيطة به. فالمواريث الثقافية السلطوية والقبول بالطاعة العمياء للنظام الصيني مثلاً مع ما تمتع به النظام في فترة التسعينيات من إفلاس أيديولوجي مقارنة بالمراحل السابقة وفساد بيروقراطي جعلت 76% من الأفراد يوافقون على أن عملية الإصلاح الديموقراطي لا بد وأن تكون تحت قيادة الحزب الشيوعي(61 ). بيد أن هناك في مدركات القيادة السياسية لا يشترط أن يكون تحولاً إلى الإيمان بالديموقراطية كقيمة سياسية عليا وإنما قد يكون التغير في إدراكهم للواقع السياسي المحيط بهم، حيث يرون عدم إمكانية استمرار الأسس التقليدية لحكمهم في المستقبل نتيجة لتغيرات في البيئة السياسية لن تسمح لهم بالحفاظ على قبضتهم الحديدية على الدولة والمجتمع. ومن ثم، يكون لجوءهم إلى الديموقراطية ليس راجعا إلى اهميتها، وإنما لعدم قدرتهم على إيجاد بدائل لها تضمن الحفاظ على الشرعية.إلا أن العلاقة بين دور القيادة السياسية في دعم التحول الديموقراطي وتآكل الشرعية ليست على هذا القدر من البساطة، حيث يفترض “هنتجتون” أن هناك خمسة طرق تستجيب بها القيادة السياسية لتآكل الشرعية. فأولاً، من الممكن أن ترفض الاعتراف بضعفها المتزايد على أمل أو اعتقاد بأنها سوف تبقى في السلطة……. ثانياً، قد يعمد النظام في سبيل الاستمرار إلى زيادة القمع بحيث تحل الطاعة بدافع القهر محل الطاعة بدافع الواجب. ثالثاً، افتعال صراع خارجي ومحاولة استعادة الشرعية من خلال استخدام دعاوي القومية. رابعاً، محاولة تأسيس نوع من ما يشبه الشرعية الديموقراطية للنظام. وذلك من خلال تقديم الوعود باستعادة الديموقراطية أو إجراء انتخابات وأخيراً، يمكن أن يقوم الزعماء السلطويين بأخذ زمام المبادرة في إنهاء الحكم السلطوي وتقديم النظام الديموقراطي ( 62)، ووفقاً، لهذا التحليل، فإن العلاقة بين تآكل الشرعية ودور القيادة السياسية في دفع عملية التحول الديموقراطي ليست خطية أو أحادية الاتجاه، بمعنى أن تآكل الشرعية لا يؤدي حتماً إلى تحول القيادة السياسية إلى دعم التحول الديموقراطي أو تبني الإصلاحات الديموقراطية.أكثر من ذلك، فإنه حتى في الحالة الأخيرة التي قدمها “هنتجتون” حيث تأخذ القيادة الدور الأول في تغيير النظام السلطوي، فإن ذلك لا يضمن نجاح التجربة الديموقراطية أو حتى استمرارها. إذ أن القادة السلطويين، بعد تحقيق قدر من الاستقرار السياسي عبر التخلي عن أنماط الحكم السلطوي وتقديم النظام الديموقراطي، قد يتراجعون عن جهودهم الديموقراطية، نتيجة لعدم وجود إصلاحيين في مواقع قوية في النظام السياسي أو غياب معارضة متماسكة وموحدة تطالب باستمرار وتوسيع الديموقراطية، مما يمكنهم من التراجع عما قدموه من إصلاحات من قبل.
ومن هنا، كانت أهمية وجود القيادة السياسية التي تؤمن بالإصلاح الديموقراطي النابع من إيمانها بقيمة الممارسة الديموقراطية. هذه القيادة، هي بحق، الضامن لاستمرار عملية التحول الديموقراطي بل وجديته على وجه الخصوص.فسواء بدأت تجربة التحول الديموقراطي، من أسفل أو من أعلى فإن القيادة السياسية بما تتمتع به من سيطرة على عملية صنع القرار السياسي والاقتصادي إلى جانب سيطرتها على إدارة الموارد السياسية والاقتصادية في الدول السلطوية، من السهل أن تعصف بالجهد والوقت الذي بذلته الجماهير من أجل بدء أو دفع عملية التحول الديموقراطي. ومن ثم، فإذا توافرت القيادة السياسية التي تؤمن بالديموقراطية في الدول المتحولة إلى الديموقراطية، فإن ذلك يتيح فرصاً واسعة من أجل تعزيز تجربة التحول الديموقراطي واستقرارها، بيد أنه يجب أن نشير إلى أن تجارب التحول الديموقراطي لم تبدأ كلها من نقطة واحدة، أو من نظام حكم شمولي واحد إلى الممارسة الديموقراطية. فمن الممكن أن تكون الدولة قد قطعت شوطاً من الإنجاز الديموقراطي. وبالتالي، يركز التحول الديموقراطي عل تعظيم هذا الإنجاز أو التوسع فيه. وبالتالي، فإن افتراض وجود القائد أو مجموعة القادة السياسيين الذين يبدءون عملية التحول الديموقراطي وحتى يدفعونها إلى الأمام تقيده طبيعة دور القائد السياسي داخل النظام السياسي. فإذا افترضنا أن القائد السياسي في النظم الاشتراكية، مثل الاتحاد السوفييتي السابق، كانت لديه القدرة على اتخاذ قرار التحول الديموقراطي أو دعمه، فإن هذا الافتراض لا ينطبق على الدول التي مرت بحقبة من التحول الديموقراطي، مثل تركيا التي شهدت تأسيس دستور وقوانين تحدد المؤسسات السياسية ما بين منتخب ومعين وتحدد صلاحيات الأجهزة السياسية بل ودور القائد السياسي نفسه.

3- المجتمع المدني:

يقصد بالمجتمع المدنى تلك المؤسسات السياسية والاقتصادية والنقابية التي تعمل في استقلال عن سلطة الدولة لتحقيق اغراض متعددة منها ما هو سياسي، وقد قدمه “جون هول” على أنه قيمة اجتماعية ومجموعة من المؤسسات الاجتماعية في نفس الوقت(63). هذا المجتمع المدني مهم للديموقراطية لأنه بمثابة الفضاء بين المجال الخاص والمجال العام، حيث يحدث العمل المدني. إن المنظمات والأفراد من داخل المجتمع المدني يمكن أن يحملوا الدولة المسؤولية، يتقاسموا خبراتهم، يعززوا مصالحهم ويتعلموا قيم المدنية والثقة. إن عمل “بوتنام” عن “رأس المال الاجتماعي” بوصفه الخط الذي يربط المجتمعات معاً قدم الكثير لنشر فكرة أنه كلما كانت شبكة التفاعلات الاجتماعية أكثر كثافة بين الناس، كلما قويت الديموقراطية(64 ).ما هي تلك المجتمعات التي يتفق من استخدموا هذا المفهوم على استبعادها باعتبارها لا تمثل مجتمعاً مدنياً؟ يمكن التعرف على المجتمع المدني بالتمييز بينه وبين ثلاثة أنواع من المجتمعات، المجتمع الطبيعي، والمجتمع الديني، والمجتمع السياسي أو الدولة السياسية.
فالمجتمع المدني لا يتطابق مع المجتمع الطبيعي، أو المجتمع الإنساني في حالة الطبيعة، والذي تقوم الانقسامات فيه على أسس طبيعية لا يد للأفراد في اختيارها، مثل الجنس والسن والدور العائلي أو على أسس عرقية أو عائلية يتوافق معها تفاوت في المقدرة على النفاذ إلى الموارد الاقتصادية….. كما لا يتطابق المجتمع المدني مع المجتمع الديني، والمجتمع الذي تحكمه سلطة دينية. وقد عرفت مجتمعات أوروبا في العصور الوسيطة نوعين من السلطة، سلطة دينية تولتها الكنيسة وسلطة زمنية تولاها النبلاء والأمراء والملوك، وكانت السلطة الثانية توصف بأنها سلطة مدنية على حين وصفت السلطة الأولى بأنها سلطة كنسية. والمجتمع المدني ليس هو الدولة، وإنما هو كل الأنشطة التي تخرج عن تنظيمها هو ذلك المجال المتروك للمواطنين لكي يتحركوا فيه بحرية، ويظهرون فيه قدرتهم على الخلق والابتكار(65 ).أما عن دور المجتمع المدني في التحول الديموقراطي، تذهب غالبية الأدبيات إلى وجود علاقة ارتباطيه وثيقة بينهما، وإن ظلت هناك بعض الاستثناءات. يرى “نورتون” أن الديموقراطية لا تكمن في الانتخابات أو المنافسة السياسية ولكن في المجتمع المدني، بغض النظر عن مدى رمزية القيمة التي قد يحملها السياق للديموقراطية. ويعرف المدنية كما يلي، “المدنية تتضمن التسامح، رغبة الأفراد في قبول الآراء السياسية والمواقف الاجتماعية المختلفة، ثم القبول بفكرة أنه لا توجد إجابة صحيحة(66 ). كذلك يلعب المجتمع المدني دوراً مهماً في تدعيم وترسيخ المبادئ الديموقراطية، إذ يمثل بيئة ملائمة ومناسبة لغرس وتنمية القيم الديموقراطية(67 ). وفي هذا السياق فإن التركيز على أهمية المجتمع المدني من أجل الديموقراطية هي طريقة لجذب الانتباه إلى دور الثقافة السياسية والفضائل المدنية وشبكة الجمعيات داخل وبين المجتمعات وأهمية التسابق في ممارسة الديموقراطية. إضافة إلى كونها قناة هامة للاحتكاك بالعالم الخارجي والتقارب بين الثقافات والحضارات كما أن إعادة توزيع الأدوار والموارد فيما بين هذه الجماعات يزيد من كفاءتها وفعاليتها بشكل يدعم دورها على المستوى المحلي والعالمي(68 ).وبالمقابل، ثمة اتجاه يقول بأن المجتمع المدني ليس فقط ظاهرة محايدة، بل إنها ظاهرة مضرة بالديموقراطية في بعض الحالات. ومن أبرز أنصار هذا الاتجاه هو “شميتر”. ففي رأيه، قد يعيق المجتمع المدني الرسوخ الديموقراطي، إذ يجعل تكوين الأغلبيات السياسية أمراً صعباً، إذا ما تأسس على الانقسامات والإثنية. لكنه، أي المجتمع المدني، يمكن أن يسهم في الرسوخ الديموقراطي، فقط إذا كانت المؤسسات الأخرى مواتية، وإذا تصرف الفاعلون في المجتمع المدني بشكل مدني، بأن يحترموا القانون مع غيرهم من الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين وأن يقبلوا ولا يسعوا إلى النيل من أو قهر السلطة السياسية الديموقراطية.
وجديراً بالذكر أن المجتمع المدني لا يجب فهمه على أنه مجتمع واحد ومتناغم. فهناك مجموعات مختلفة في المجتمع المدني الواحد. هذه المجموعات قد يكون لها مصالح متنوعة وتظهر مواقف سياسية متباينة. وعليه تتغير مواقف عناصر المجتمع المدني تجاه الديموقراطية. فقد تكون طوراً مؤيدة للمشروع الديموقراطي، وتارة أخرى غير مبالية أو عدوانية تجاه هذا المشروع (69 ).

ثانياً: العوامل الخارجية:

في ظل ظروف العولمة، يصعب تصور أن الحكومة بمفردها تسيطر على إقليم الدولة حيث جعلت التدفقات الاقتصادية، وتداول الأفكاروالتبادل الثقافي و التفاعلات الاجتماعية والترابط السياسي حدود الدولة أكثر قابلية للاختراق، وقد أشار “هنتجتون” في كتابه المعنون ” الموجة الثالثة”، إلى الدور الكبير للتطورات الدولية والإقليمية في تحفيز وتقديم النماذج من أجل الانتقالات المتتالية إلى الديموقراطية. ولا تقل عنها أهمية مجموعة الضغوط الدولية الملموسة بشكل أكبر، بما فيها نمو أشكال المساعدات الحكومية وغير الحكومية للفاعلين الديموقراطيين، والاهتمام المتصاعد بتعزيز حقوق الإنسان والديموقراطية في السياسات الخارجية للدول الديموقراطية المستقرة مثل الولايات المتحدة (70 ). وتختلف عوامل التحول الخارجية من حالة إلى أخرى. فقد يفرض النظام الديموقراطي على بلد ما مثلما فرض على اليابان بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وقد يكون التحول ناتجاً عن رغبة الدولة في الاندماج في المجتمع الدولي ومنظماته وبالذات المنظمات الدولية المالية والاقتصادية بهدف تلقي المساعدات والمنح، وسنحددعناصراربع تحمل دور العوامل الخارجية على التحول الديمقراطي وهى: –

1 – ضغوط الدول الكبرى والمؤسسات الدولية المانحة:

كان تحقيق الاستقرار في العالم النامي وتطعيمه ضد خطر الشيوعية خلال الحرب الباردة، الدافع وراء أول جيل من السياسات المؤيدة للديموقراطية التي تبناها الغرب. حيث طرحت الدول الغربية الديموقراطية كطريقة من أجل خلق عالم أكثر أمناً لها. إلا أن دعم التحول الديموقراطي في الستينات والسبعينيات من القرن الماضي، كان مشروعاً صعب المنال. فقد تفككت الديموقراطية الليبرالية وفشلت في الإقلاع وتم وأدها في معظم أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وفي الحالات التي نجت فيها الديموقراطية، فإنها اتجهت للاستعارة من نماذج أمريكا وأوروبا، علماً بأن المحتوى قد اختلف إلى حد كبير(71 ). ومع نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، ساد الاعتقاد بأن غياب الديموقراطية ومحاسبية الحكام كان من أهم العوامل التي أدت للأزمات والتدهور الاقتصادي الذي عانت منه دول العالم الثالث. وبدأت الدول الغربية والمؤسسات المالية الدولية المانحة مثل البنك الدولي وصندوق النقد في ربط المساعدات المالية والفنية بالإصلاح السياسي، وتعد الولايات المتحدة إحدى أبرز الدول التي تدعي ضرورة تحقيق تحول ديموقراطي في عالم الجنوب، وجعلتم ن مسألة دعم الديموقراطية محوراً في سياستها تجاه دول منطقة الشرق الأوسط. ولقد مثل إنشاء الهيئة القومية من أجل الديموقراطية في عام 1983 تحولاً مهماً لأنها كانت المرة الأولى التي تتأسس فيها وكالة غير حكومية لدعم الديموقراطية والحريات والتعددية السياسية في الدول الأخرى وتمكين الدول الغربية وهيئات التمويل الدولية والمنظمات غير الحكومية من ممارسة الضغوط على الدول النامية للإسراع من عمليات الإصلاح السياسي كما تستطيع هذه الدول والهيئات تقديم حوافز إيجابية للدول التي تدعم التحول إلى الديموقراطية.ومن أهم وسائل التأثير المستخدمة المساعدات والمعونات الفنية والتسهيلات التجارية فضلاً عن التكنولوجيا المتطورة والاستثمارات الأجنبية التي تحتاجها بلدان العالم الثالث مما أضعف الأساس المادي للحكم السلطوي عبر التلويح بقطع المساعدة الاقتصادية والعسكرية، وأضعف كذلك الأساس المعنوي للحكم السلطوي من خلال تشجيع الجماهير على إدراك أن التحول الديموقراطي هو الطاقة الضرورية لعضوية نادي الأمم المتقدمةـ فالضغط الدبلوماسي والاقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة على عدد من الدول مثل نيجيريا، كينيا وكوريا إلى جانب دور بريطانيا وغيرها ودور المنظمات الغير حكومية في بعض الديموقراطيات الصناعية يشجع الإصلاحات الديموقراطية من خلال التأييد المادي والمعنوي.
ويمكن الإشارة إلى عدد من الهياكل الدولية التي لعبت دوراً في المجال الديموقراطي مثل الجماعة الأوروبية والأمم المتحدة. فقد تأسست العديد من المؤسسات الدولية بهدف دعم الديموقراطية بالإضافة إلى المنظمات الدولية الحكومية التي تهتم بحقوق الإنسان، ناهيك عن المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
ونظراً لأن نص ميثاق البنك الدولي يؤكد على كونه مؤسسة اقتصادية خالصة، ليس من حقها التدخل في الشؤون السياسية للبلاد أو تحديد نوع النظام السائد أو اختيار الحكومة القائمة، فليس غريباً أن يتجه البنك إلى استخدام لفظ الحكم الجيد كشرط لمنح القروض والمعونات. (72 ).

2- ظاهرة الانتشار أو العدوى:

إن نجاح التحول الديموقراطي في دولة ما يشجع على قيام دول غيرها بالتحول الديموقراطي، سواء للتشابه في المشاكل التي تواجهها هذه الدول، أو للاعتقاد بأن الديمقراطية توفر الحل لهذه المشاكل، أو لأن الدول التي تحولت إلى الديموقراطية، أصبحت دولاً قوية تعتبرها الدول الأخرى نموذجاً سياسياً وثقافياً يحتذي به، ولقد زادت أهمية هذه الظاهرة مع الثورة التكنولوجية وثورة الاتصالات بعد الحربة العالمية الثانية، وأصبح من شبه المستحيل على الحكومات السلطوية أن تسيطر على تدفق المعلومات من العالم الخارجي، أو أن تحجب عن شعوبها معلومات عن سقوط الأنظمة السلطوية في الدول الأخرى، خاصة في حالة ما إذا كانت هذه الدول متقاربة جغرافياً ومتشابهة ثقافياً.وكثيراً ما لجأ الحكام ذوى الاتجاهات السلطوية إلى الأخذ بعملية تحول ليبرالي محسوبة لتخفيف المعارضة أو لتقوية التأييد لنظمهم، إلا أنهم سرعان ما اكتشفوا أنهم بدءوا عملية تغيير لا يمكن وقفها أو السيطرة عليها. ومع تزايد المعارضة للنظام يصبح من الصعب العودة من جديد إلى سياسة القهر. وما أن تمنح الحكومة مواطنيها بعض الحريات في الانتخابات، مع اختيار محدود للمرشحين، حتى تمتد الحملة الانتخابية لتشمل الأجندة السياسية الكاملة للنظام. وما أن تمنح الحكومة حداً أدنى من الحريات للصحافة، حتى يبدأ الصحفيون في البحث والكشف عن نقاط ضعف الحكومة(73 ).

3- التدخل الخارجي:

قد تؤدي هزيمة الدولة في الحرب أو وقوعها فريسة للاحتلال إلى انتشار مشاعر السخط ومطالبة الشعب بتغيير الحكام. كما يمكن أن يؤدي الغزو (أو التدخل) الخارجي من جانب قوى ديموقراطية تفرض الممارسات الديموقراطية كبديل للنظام السلطوي القائم ـ بما في ذلك محاولة القضاء على جميع المؤسسات التابعة لهذا النظام ـ إلى إتاحة الفرصة لظهور نظام ديموقراطي. ويتبادر إلى الذهن عند الحديث عن التدخل الخارجي الحرب الأمريكية على العراق في 2003. تلك الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق تحت دعوى الديموقراطية. حيث زعمت الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت أنها تسعى إلى إقامة حكم ديموقراطي في العراق من خلال وضع دستور ديموقراطي والتركيز على قيم التنشئة المدنية في التعليم على مختلف المستويات. بعد الانتهاء من عرض مجموعة من العوامل التي نوهت عنها أدبيات التحول الديموقراطي، تتبدى مجموعة من الملحوظات. أولاً، التنوع الشديد في عوامل التحول الديموقراطي. ثانياً، الاختلاف بين الأدبيات وبعضها في مسألة ترتيب هذه العوامل. فبينما تعلي بعض الأدبيات من دور العامل الخارجي، تهتم أدبيات أخرى بدور القيادة السياسية. ثالثاً، الاختلاف حول علاقة هذه العوامل بالتحول الديموقراطي، أو تأثيرها عليه. مثال علاقة التنمية الاقتصادية بالتحول الديموقراطي، هل هي علاقة ارتباط إحصائي، أم أن منطقها يكمن في خلق القوى الاقتصادية التي تتنافس على تحقيق مصالحها من خلال التأثير على العملية السياسية أم توسيع نطاق الطبقة المتوسطة الضرورية للديموقراطية. رابعاً، اختلفت الأدبيات حول كون العلاقة بين العامل والتحول الديموقراطي إيجابية أو مشروطة أو سلبية أو لا يوجد ارتباط على الإطلاق. مثال ذلك، عامل المجتمع المدني. فبينما أشاد البعض بتأثر المجتمع المدني على العملية الديموقراطية، أعرب البعض عن أن المجتمع المدني يمكن أن يكون عاملا سلبياً إذا ما قام بتعزيز الانقسام في المجتمع. ( 74)، و في النهاية، لا بد من الإشارة إلى الخصوصية الشديدة التي تصاحب التجربة الديموقراطية في كل دولة على حدة، بل ومن فترة إلى أخرى داخل الدولة الواحدة. فكل عامل من العوامل التي ذكرت سلفاً قد يلعب دوراً مهماً في التحول الديموقراطي في فترة ما، بينما لا يكون على نفس الدرجة من الأهمية، أو حتى يضر بالتجربة الديموقراطية في مرحلة أخرى.

أنماط التحول الديموقراطي

إنشغل دارسو التحول الديموقراطي في العديد من بلدان العالم، ليس فقط بمحاولة إيجاد تعريف للظاهرة وتحديد عواملها، وإنما أيضا ببيان الأنماط التي تتبعها عملية التحول الديموقراطي. هذه الأنماط اختلفت من باحث إلى أخر باختلاف المعيار أو المقياس الذي استخدمه. وفيما يلي عرض لعدد من الاتجاهات في رصد أنماط التحول الديموقراطي، والتي تعني الأشكال والإجراءات التي تتخذها عملية التحول من نظام سلطوي إلى آخر ديموقراطي أو هي المسارات التي تتخذها للوصول إلى الديموقراطية(75 ).
أولاً، وفقاً لمعيار الأهمية النسبية للجماعات الحاكمة والمعارضة كمصادر للتحول الديموقراطي، يمكن التمييز بين ثلاثة أنماط:

1- نمط التحول: Transformation

وفقاً لـ “هنتجتون”، يحدث هذا النمط عندما تبادر النخبة الحاكمة إلى مباشرة عملية الانتقال إلى الديموقراطية. ويتفق الدارسون على أن الحكومة البرازيلية هي التي بدأت وسيطرت على عملية الانتقال للعديد من السنوات، إذ نجحت في مقاومة مطالب الجماعات المعارضة بإجراء انتخابات رئاسية مباشرة في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي.يلاحظ في هذا النمط أن المبادرة تأتي من أعلى، أي من قمة النظام الحاكم. كما يرتبط بظهور قادة يؤمنون بفكرة الإصلاح وتبني المبادئ الديموقراطية للحكم كما هو الحال في الاتحاد السوفييتي إبان عهد “جور باتشوف”. وقد يأخذ العسكريون المبادرة وذلك لأهمية المؤسسة العسكرية في ظل النظم السلطوية مثل اليونان والبرتغال في جنوب أوروبا( 76) وقد ربط “هنتجتون” بشدة بين هذا النمط والنظم العسكرية، إذ يرى أنه، باستثناء ثلاث حالات هي الأرجنتين، اليونان وبنما، أخذت القيادة العسكرية زمام المبادرة في إحداث التغيير وذلك استجابة للمعارضة والضغط الشعبي. ففي لحظة معينة، قرر القادة العسكريون أن الوقت قد حان من أجل بدء العودة إلى الحكم الديموقراطي المدني أو التفاوض، مع جماعات المعارضة، على انسحابهم من السلطة، وقد حدث ذلك تقريباً بعد وقوع تغيير واحد على الأقل في القيادة العليا للنظام العسكري، فالقادة العسكريين في الغالب الأعم وضعوا شرطين أو “ضمانين” للتخلي عن السلطة، أولهما، عدم محاسبتهم على أي أعمال قاموا بها أثناء فترة حكمهم وثانيهما، احترام دورهم المؤسسي واستقلال المؤسسة العسكرية، بما فيها المسؤولية. عن الأمن القومي….. وبالتالي، يسهل نسبياً على القادة العسكريين الانسحاب من السلطة واستئناف أدوارهم العسكرية. الوجه الآخر من العملة أنه يكون من السهل نسبياً لهم أن يعودوا مرة أخرى إلى الحكم عندما تضمن صلاحياتهم ومصالحهم(77 ).ويعتبر “هنتجتون” أن هناك خمس مراحل تمر بها عمليات التحول، هذه المراحل هي: ظهور الإصلاحيين الذين تتعدد أسباب ظهورهم، ثم وصول هؤلاء إلى السلطة، وإن تعددت طرق وصولهم إليها، ثم فشل التحرر أو التحول الليبرالي، ثم العزف على وتر شرعية النظام السابق والتواصل مع الماضي من أجل تحجيم المعارضين من المحافظين، مما يضفي الشرعية على النظام الجديد باعتباره نتاجاً للقديم، ويؤكد شرعية القديم إذ أنه أنتج الجديد. وأخيراً التعامل مع المعارضة، فحيث أن الإصلاحيين يخرجون المحافظين من الائتلاف الحاكم، فيصبح عليهم أن يثبتوا مواقعهم من خلال كسب تأييد المعارضة أو من خلال توسيع المجال السياسي والاقتراب من الجماعات التي تصبح نشطة سياسياً نتيجة للانفتاح.

2- نمط الاستبدال: replacements

إن عملية الاستبدال تختلف كثيراً عن التحول. إذ يشهد هذا النمط ضعف الإصلاحيين أو حتى غيابهم بالمطلق، فيما تكون السيطرة على الحكومة للمحافظين المعارضين لتغيير النظام. وبالتالي، فإن التحول الديموقراطي ينتج عن كسب المعارضة للقوة وفقد الحكومة لقوتها حتى تنهار ويتم إسقاطها. وتأتي الجماعات التي كانت في المعارضة إلى السلطة ويدخل الصراع هنا مرحلة جديدة حيث تتعارك الجماعات التي تشكل الحكومة الجديدة فيما بينها على طبيعة النظام الذي يجب أن يؤسس. وباختصار، يمر نمط الاستبدال بثلاث مراحل متميزة: الصراع من أجل إسقاط النظام، إسقاط النظام والصراع بعد إسقاطه، ويقوم النظام السلطوي حيث تكون الحكومة أقوى سياسياً من المعارضة. ويتم استبدالها عندما تصبح أضعف من المعارضة. وبالتالي، فإن عملية الاستبدال تتطلب أن تقوم المعارضة بإرهاق الحكومة وتحويل ميزان القوة إلى صالحها….وعادة ما تحظى الحكومات السلطوية في البداية بتأييد شعبي جارف، إلا أنه بمرور الوقت، تتدهور شرعيتها، وقد يتآكل دعم النظام علناً في بعض الأحيان، بينما يحدث خفية في الغالب الأعم نتيجة للطبيعة القمعية للنظم السلطوية. وإذا كان الزعيم السلطوي لا يدرك عادة مبلغ عدم شعبيته، إلا أن هذا الأمر تظهره أحداث تكشف مدى عدم شعبيته.ويفترض “هنتجتون” أن عملية انهيار النظام تبدأ من خلال معارضة الطلاب، وإن ظلوا وحدهم عاجزين عن إسقاط النظام. بيد أن فقدان النظام لدعم الجيش سواء من خلال قيام الأخير بانقلاب أو بالامتناع عن تأييد القوى والعناصر التي تود الإطاحة بالنظام هو العنصر الحاسم في إسقاطه.وما بين معارضة الطلاب والتأييد الضروري للجيش، هناك جماعات أخرى يعتمد تأييدها أو معارضتها للنظام على الظروف. مثل المثقفون ثم قادة الأحزاب السياسية السابقة. وقبل الانهيار، تتحد جماعات المعارضة من منطلق رغبتها في إسقاط النظام. وبعد سقوطه، تبدأ الانقسامات بينها في الظهور، وتتصارع على توزيع القوى وطبيعة النظام الجديد الذي يجب أن يؤسس، ويتوقف مصير الديموقراطية على القوة النسبية للمعتدلين الديموقراطيين والراديكاليين المناهضين للديموقراطية.

3- نمط الإحلال: transplacments

أما في نمط الإحلال، فإن التحول الديموقراطي ينتج من خلال الأعمال المتقاطعة للحكومة والمعارضة. فالتوازن داخل الحكومة بين المتشددين والإصلاحيين يجعلها راغبة في التفاوض على تغيير النظام، بخلاف حالة هيمنة المتشددين التي تؤدي إلى الاستبدال. وحيث أن الحكومة لا ترغب في بدء تغيير النظام، يجب أن تدفع إلى الدخول في مفاوضات رسمية وغير رسمية مع المعارضة.وفي داخل المعارضة، يكون الديموقراطيون المعتدلون أقوى بكثير من الراديكاليين المناهضين للديموقراطية، إلا أنهم ليسوا من القوة بما يكفي للإطاحة بالحكومة. وبالتالي، فهم أيضاً يرون مزايا في المفاوضات.ففي عمليات الإحلال الناجحة، أدركت الحكومة والمعارضة أنه لا سبيل لأي منهما بمفردها أن تحدد طبيعة النظام السياسي القادم، فكان أن طور زعماء الحكومة والمعارضة توجهاتهم بهذا الشأن بعد أن اختبر كل طرف قوة الآخر. ففي البداية، تظن المعارضة أنها قادرة على التخلص من الحكومة، عبر الإطاحة بها، بينما تظن الحكومة أنها قادرة على احتواء وقمع المعارضة دون نفقات فادحة. ويتم الإحلال عندما تتغير معتقدات كل فريق. والمعتاد أن تشتمل ديالكتيكيته على عدد من الخطوات المتتابعة:-
أولاً: بدء فقدان الحكومة لقوتها وسلطاتها.
ثانياً: استغلال المعارضة ضعف الحكومة من أجل توسيع تأييدها وتكثيف نشاطها على أمل وتوقع أنه يمكنها قريباً أن تسقط الحكومة.
ثالثاً: تستجيب الحكومة باستخدام القوة لاحتواء وقمع المعارضة.
رابعاً: تدرك الحكومة والمعارضة انسداد الأفق، مما يحملها على الدخول في مفاوضات حول إحداث تحول أو انتقال. ويحتاج الإحلال، وفقاً لـ “هنتجتون” إلى بعض التساوي في القوة بين الحكومة والمعارضة، إلى جانب قدر من عدم اليقين على صعيد كل منهما حول من سيكون الفائز في حالة وقوع اختبار حقيقي للقوة.

المبحث الثالث: اسس واهداف التعددية الحزبية والتحول الديمقراطي

هناك علاقة وثيقة بين النظرية الديمقراطية وتعدد الأحزاب، فتقوم هذه النظرية على أنه لا ديمقراطية بدون أحزاب، ويعتبر غياب التعدد الحزبي دليلاً على عدم ديمقراطية النظام السياسي. وينطلق هذا الإفتراض من تعريف الديمقراطية بكونها حكومة تعدد الأحزاب. ويشار إلى هذا النوع من الديمقراطية بعدد من المسميات، مثل الديمقراطية الغربية، والديمقراطية الليبرالية، والديمقراطية التعددية.
وينطلق هذا التصور من اعتبار أن المثل الأعلى السياسي هو قيم الديمقراطية الليبرالية، بحيث يصبح النموذج الديمقراطي الليبرالي القائم على تعدد الأحزاب هو النتيجة الطبيعية لعملية التطور السياسي. وكانت الليبرالية هي النسق الفلسفي الرئيسي للحضارة الغربية، طوال القرون الأربعة الماضية. وكان بروزها وانتشارها على هذا النحو، تعبيرا عن الروح الجديدة التي غمرت القارة الأوروبية في نهاية العصور الوسطى، مع انهيار النظام الإقطاعي ـ الكنسي وانتصار الرأسمالية، وما صاحب هذه العملية من تحولات جذرية في البيئة المادية والفكرية. ووضع ذلك في الاكتشافات الجغرافية، نمو النزعة التجارية، وسقوط العلاقات الاقتصادية للعصور الوسطى، واكتشاف الطباعة، وما واكبها من سرعة انتشار المعرفة، والثورة العلمية التي غيرت آفاق تفكير الإنسان في الحياة وبزغت حركة الإصلاح الديني وفلسفة النهضة للمناداة بحرية الإنسان الفرد. وظهرت البروتستانتية التي يري ماركس فيبر، في تحليله للعلاقة بينها وبين ما يسميه معنويات النظام الرأسمالي، أنها كانت قوة دافعة للديمقراطية. وأضحت المنطلقات الأساسية لذلك العصر هي الفرد، والعقل، والطبيعة، والسعادة، والتقدم. وأصبح العقل هو فلسفة الوجود، وتأكد الحق المطلق للإنسان في النقد والتحليل(78 ). ومن أبرز نتائج هذا التطور أن المركز الاجتماعي، لم يعد هو الأساس القانوني للمجتمع، واحتل العلم مكانة محورية، كعامل يتحكم في تشكيل أفكار الناس. وسقطت فكرة أن العصر الذهبي للإنسان كان في الماضي، بفعل مذهب التقدم والاعتقاد في قدرة العقل الإنساني، على وضع أسس رشيدة لتنظيم المجتمع.أدي انتشار الاختراعات إلى جعل التغير سمة المجتمع بدلاً من الاستقرار. وفي مناخ الجديد، انتشرت الدعوة لأن يقرأ الإنسان ما يشاء، وأن يصور الفنان، وأن يعبر المفكر عن كل ما يريد. ومع حلول القران السابع عشر، برزت فكرة الحقوق الطبيعية للإنسان، التي عرفت بصفة عامة على أنها تشمل حق الحياة والحرية والملكية ن ولم تلبث أن اتسعت تدريجاً، لتتضمن حقوقا أساسية كحرية القول والتعبير والاجتماع.
وبصفة عامة، يمكن القول بأنه منذ القرن السابع عشر كان معظم مفكري الغرب قد انتهوا إلى المناداة بالحرية السياسية، وكان جوهر رسالتهم الفلسفية، هو العمل على تحرير الفرد من قيوده وقد مهد هذ المناخ، مع تباين وتنوع المصالح والانتماءات، لقيام أحزاب سياسية متعددة، يعبر كل منها عن اتجاهات وغايات قطاع أو فئة أو طبقة من المجتمع. وارتبط نمو الأحزاب السياسية، وساعدت على نشوئها عوامل مثل جمعيات الرأي والنوادي الشعبية والصحافة والنقابات.
ويلاحظ لدي دراسة دساتير دول الغرب الليبرالية أن الأحزاب نشأت ـ وتنشأ ـ فيها في ظل مناخ يتقبل وجود هذه الأحزاب وتعددها دون نص صريح في الدستور يقرر منح المواطنين حق تكوين هذه الأحزاب، عملاُ بالمنهج الذي يعتبر تكوين الأحزاب، حقاُ طبيعياُ مستمداُ من حق الاجتماع، وإنشاء الجمعيات وحرية الرأي والفكر والصحافة، والظاهرة الغالبة في الدول الليبرالية هي تعدد الأحزاب السياسية ـ ثلاثة أحزاب أو أكثر. ومع ذلك فإن يغلب على بعض هذه الدول.و خاصة ذات التقاليد الانجلو سكسونية، مثل بريطانيا والولايات المتحدة واستراليا، ظاهرة ثنائية الأحزاب الفعالة في الحياة السياسية، حيث يوجد حزبان كبيران، أحدهما يحصل على الأغلبية ويحكم، والثاني يقبع في المعارضة، ذلك مع وجود أحزاب صغيرة غير مؤثرة( 79)
ومن ثم فانه لابد من التطرق إلى الاسس والمفاهيم الحاكمة للتعددية الحزبية في الفكر الغربى، وكذا اهداف المراد تحقيقها من قامت هذه التعددية.

اولاً: الاسس والمفاهيم الحاكمة للتعدد الحزبى: –

وقد وجد تعدد الأحزاب سنداُ قوياُ في المفاهيم الأساسية التي قامت عليها الديمقراطية الغربية، أما يعبر عنه أحيانا بالأساس الفلسفي لليبرالية والذي يقوم على عدد من المفاهيم الأساسية أهما: (80 )
1- مبدأ الفردية: المستمد من المذهب الفردي الذي يعد حجر الزاوية في الفكر الليبرالي، ويقوم على افتراض أساسي مؤداه أن الإنسان الفرد هو الحقيقة الأولى في الاجتماع الإنساني، وأن ذلك الفرد يتمتع ـ بحكم الطبيعة نفسها ـ وقبل وجود الدولة وسلطتها بحقوق وحريات طبيعية، وأن واجب الدولة وغايتها حماية تلك الحقوق حريات طبيعية، وأن مجموع المصالح الفردية يحقق في النهاية مصلحة الجماعة دون تدخل واسع النطاق من الدولة. وترتب على اعتبار الليبرالية أن الفرد حجر الزاوية في الفكر والمجتمع نتائج أهما اعتبار الفرد أسبق من المجتمع، وأن الفرد غاية في ذاته، وأن المبادأة الفردية تحمل في ثناياها بذرة ضرورية للخير الاجتماعي.
2- مفهوم سيادة الأمة: ووفقا لهذا المفهوم، فإن المحكومين هم أنفسهم أصحاب القرار النهائي فيما يهمهم من أمور، أو ما يعبر عنه بأنهم المحكومون و الحاكمون في أن واحد. كان بزوغ هذا المفهوم، تعبيراُ عن الرغبة في الحد من السلطات المطلقة للملوك، وذلك بالقول بأن للأمة شخصية تختلف عن شخصية الأفراد وأن لها إرادة تعلو إرادتهم. وعلى أساس هذا المفهوم، صيغت دساتير أوروبا بعد الثورة الفرنسية تأثرا بأفكار جان جاك روسو في الإرادة العامة.
3- مفهوم إرادة الأغلبية: وظهر هذا المفهوم انعكاسا لحقيقة أنه لا إجماع على شيء، وأن مجموع المواطنين لا يتخذون نفس الموقف، وإنما ينقسمون غالبا إلى أغلبية وأقلية. ولذلك جرى العمل على أن إرادة الأغلبية، هي التي تمثل إرادة الأمة، وعلى الأقلية أن تقبل بذلك(81 ).
4 – مفهوم حرية المعارضة: برز هذا المفهوم لمواجهة مشكلة أن مفهوم إرادة الأغلبية، لا يحل التناقض بين قضية السلطة وقضية الحرية بالنسبة للأقلية. ولذلك يجب الاعتراف لهذه الأقلية بحق المعارضة، أي حرية نقد رأى الأغلبية والدعوة إلي تغييره عن طريق كسب الرأي العام إلي صفها والمقصود بالمعارضة هنا المعارضة السلمية التي تعتمد على الرأي والإقناع(82 ).
5- مفهوم الحريات العامة: وهو التطبيق العملي لمبدأ الفردية، وتشمل هذه الحريات حقوقاُ شخصية مثل حق الملكية حق الانتقال والحق في حياد القضاة، وحقوق معنوية مثل الحرية الدينية وحرية إبداء الرأي وحرية الصحافة والنشر والتعبير، وحقوقا سياسية مثل حق الانتخاب والتصويت وتكوين الجمعيات والانضمام إليها والمشاركة في الأنشطة السياسية، وحقوقا نقابية مثل حق تكوين النقابات والأحزاب وحق اختيار المهنة.
6- مفهوم المساواة المدنية أو أمام القانون: بمعني تطبيق القانون على الجميع بلا تمييز بين الإفراد بسبب الأصل أو الجنس أو الدين أو اللغة أو المركز الاجتماعي وهو صدي لما كان قد أعلنه الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في عقده الاجتماعي، من أن القانون إنما هو قواعد عامة مجردة غير منحازة. وقد تصدرت بيان الثورة الفرنسية لإعلان الحقوق عام 1789 عبارة أن ( الناس يولدون أحرارا، وهم متساوون في الحقوق. والميزات الاجتماعية لا يمكن أن تقوم إلا للمصلحة العامة )
وخلاصة هذه المفاهيم، أن تعدد الأحزاب يرتبط ارتباطا وثيقا بالديمقراطية التي تقوم على أساس المذهب الفردي وما ينبني عليه من نظرية للحقوق فكرة سيادة الأمة من الناحية القانونية(83 )، ويترجم ذلك صورة حكومات أغلبية، لا تصادر حق الأقلية في إبداء رأيها والدفاع عنه، وهذه الحكومات مقيدة وليست مطلقة، ذلك أن سلطتها تقف عند حد الحقوق والحريات الطبيعية ولا تستطيع أن تتجاوزها. وبمعنى آخر فقد وضعت الليبرالية نظاما للحقوق الأساسية لا تستطيع الدولة أن تقتحمه، وذلك في نفس الوقت الذي تحرص على الاحتفاظ بحق إقرار النظام العام.
واتساقا مع ماسبق فإن الباحث سوف يحاول التطرق بايجاز إلى الاهداف التي تقوم بهاالتعددية الحزبية والتى لها دور هاما في احداث درجات اعلى من التحول الديمقراطي الحقيقى في اى نظام سياسي واهم هذه االاهداف مايلى:

 

ثانيا: الهدف من اقامة التعددية الحزبية: –

1ـ إدارة الصراع السياسي في المجتمع

أن الأحزاب هي نوع من الجماعات المنظمة.ونزعة حب الانضمام أو الانضواء تحت لواء أحدي هذه الجماعات هي ـ كما يقول لورويل في مؤلفه عن الرأي العام ـ أحدي نزعات، بل غرائز النفس البشرية، وتلك الغريزة هي التي جعلت من الإنسان مخلوقا اجتماعيا.أن الإنسان أو دعت فيه ـ كما يقول برتراند راسل في مؤلفه عن الفرد والسلطة ـ كل الغرائز العدوانية(84 )، إلي جانب غرائز الابتكار والبناء. وهذه الغرائز ينبغي إشباعها، وفي مقدمتها غريزة المنافسة فالأفراد لا يستطيعون أن يكونوا سعداء بلا تنافس بينهم لأن التنافس كان منذ ظهور البشرية حافزا على القيام بأهم أنواع النشاط. وهذا التنافس لا يمكن القضاء عليه، ولكن يمكن تنظيمه، حتى لا يتخذ شكلا ضارا باتجاهه إلي العنف. ومن المسالك غير الضارة، التنافس السياسي في إطار النظام الدستوري والقانون.
وتلعب الأحزاب السياسية دورا هاما في إدارة الصراع السياسي في المجتمع بشكل يبعده عن دائرة العنف والتطرف. والواقع أن هناك عدة عوامل تتوقف عيها قدرة الأحزاب على إدارة عملية الصراع. السياسي بشكل سلمى. وتتمثل أهم هذه العوامل في:
ـ نوعية القيادة الحزبية، أي اتجاهات ومهارات تلك القيادات.
ـ مدي اتساع قاعدة الأحزاب السياسية وانتشارها في إنحاء البلاد.
ـ طبيعة علاقة تلك الأحزاب بالهياكل الحكومية القائمة.

2ـ ضمان الحريات العامة

يعتبر تعدد الأحزاب أمراُ ضرورياُ لصيانة حرية الرأي والتعبير والاجتماع. حيث لا يوجد أحد أو جماعة من الناس تستطيع أن تستأثر بالحقيقة الكاملة دون سائر الناس، فإن تعدد الأحزاب وحرية تكون المؤسسات والجمعيات والمنظمات السياسية يكفل مبدأ حيويا في الحياة السياسية الديمقراطية وهو حرية المعارضة لكونها تمثل ظاهرة صحية في الحياة السياسية، فالديمقراطية لا تقوم فحسب على أن للأغلبية حق الحكم ِ، ولكن كذلك على أن للأقلية حق المعارضة. وتبدو أهمية تعدد الأحزاب في جعل هذه المعارضة منظمة. ذلك أن مفهوم المعارضة معروف منذ القدم. وفى العصر الإغريقي كانت المعارضة تعني ـ كما يذكر هيرودوت في عرضه عن التاريخ ـ المواطن الذي لا يقبل صورة الحكم القائمة، والذي يجب أن تكون حقوقه وحرياته مكفولة، مقابل أن يحترم القانون القائم. فتعدد الأحزاب إذن، يسبغ على هذه المعارضة الفردية صفة التنظيم، مما يجعلها أكثر قوة وقدرة على التأثير، كما أن ممارسة الحريات والحقوق السياسية لا يمكن تحقيقها دون تنظيم، والأحزاب هي التي تتولي ذلك التنظيم. والتنظيم ـ لدى روبرت ميشيل أحد علماء السياسة ـ وهو الوسيلة الوحيدة لخلق إرادة عامة. وعلى هذا النحو، فالتنظيم في يد الجماعة الضعيفة سلاح من أسلحة الكفاح ضد الأقوياء، لأن كفاحا ما لا يمكن أن تكون له فرصة للنجاح إلا إذا كان ثمة تضامن يجمع بين الأفراد الذين يبتغون هدفا واحدا.
ويقوم تعدد الأحزاب، في الأصل السليم، على خلافات معينة في الرأي، وفي تصور الحلول للقضايا الأساسية. والذين ينضمون إلى حزب من الأحزاب إنما ينضمون إليه لأنهم يؤمنون برأي معين، ويريدون أن يدافعوا عنه في ظل تنظيم يوفر لرأيهم وأفكارهم من القوة،مالا يمكن أن يتوافر لهم وهم أفراد. وفساد الأحزاب في بعض البلاد، وعدم قيامها على أساس مبادئ معينة لا يعني فساد نظام تعدد الأحزاب في جملته. وحتى القول بفساد النظام الحزبي لا يرتب نتيجة أن يكون البديل هو الحزب الواحد إلا إذا كان يراد للفساد أن يكون مركزا غير منتشر، وأن يكون مستورا غير مفضوح.ويوجه عام، فإن تعدد الأحزاب يكفل الضمانات الحقيقية لممارسة الأفراد لحرياتهم العامة.

3ـ توسيع قاعدة المشاركة السياسية وتشكيل الرأي العام

تساهم الأحزاب في تشجيع التجمع الإنساني بكل صورة لتحقيق أهداف مشتركة، بصفة خاصة، التجمع السياسي، وتدريب المواطنين على العمل السياسي، والمشاركة في شئون بلادهم، وتشجيع الفرد على الإقدام على هذه المشاركة بالانتماء إلي جماعة سياسية منظمة في حزب من الأحزاب، ومن ثم شعوره بالأمن السياسي، مما تتحقق معه الشجاعة الأدبية في أبداء الرأي في المسائل العامة( 85). ويكفل تعدد الأحزاب عنصر الاختيار للأفراد. فحرية انضمام الفرد إلى حزب ما، أو رفض الانخراط في عضويته أمر له أهمية كبري في تحقيق الديمقراطية، وذلك عن طريق تعدد التنظيمات المختلفة المفتوحة أمام الأفراد وأمام الناخبين من أجل انتخاب ممثلين لهم في الحكومة. والتوزيع الاختياري لأصوات الناخبين بين التنظيمات الحزبية هو الذي يحدد ما يحصل عليه كل حزب من مقاعد في البرلمان والحكومة، الأحزاب السياسية هي التي تقدم المرشحين الصالحين لتولى الوظائف النيابية والإدارية والعامة، وهى التي تقدم البرامج السياسية والطرق اللازمة لتنفيذها والوسائل الفعالة لنقد أعمال الحكومة. وإذا كان الشعب في مجمله يستطيع الحكم على صلاحية السياسية الحكومية أو عدم صلاحيتها، فإنه لا يستطيع أن يقدم سياسة بديلة عنها، إلا في حالة توافر التنظيمات السياسية وغيرها من الإمكانات التي توافرها الأحزاب، تتيح له المعلومات الكافية لفهم هذه النظام السياسي.كما أن وجود أحزاب متعددة يعطى فرصا للاختيار بين برامج وسياسات متباينة تتقدم بها الأحزاب المختلفة، ويسعى كل حزب منها إلى الحصول على تأييد المواطنين لبرامجه وسياساته في الانتخابات العامة ليحصل على أغلبية تمكنه من تولى الحكم ووضع هذه البرامج موضع التنفيذ، وقد أثبتت التجربة حاجة كل من الناخب لوجود الأحزاب السياسية. فالناخب يحس بالحاجة إلي من يقدم له برنامجاُ، ويفسر له ما قد يكون غامضاُ عليه من الشئون العامة. والناخب كذلك يشعر بالحاجة إلي جهاز منظم يزوده بالمعلومات اللازمة التي يعتمد عليها في المناقشات البرلمانية وتوجيه الأسئلة والاستجوابات، كما يشعر بالحاجة إلى تعضيد زملاء له من النواب ينتمون إلي نفس الحزب، ويشكلون فريقاُ وتكتلاُ برلمانياُ يكون له من التأثير والفعالية أضعاف ما يملكه نائب منفرداُ. وتفسر هذه الضرورة بردها إلي عدد من المزايا التي تحققها تعدد الأحزاب مثل تنظيم وترتب الأفكار والمبادئ السياسية والاجتماعية المختلفة ووضعها في شكل أولويات محددة يتم علي أساسها توجيه الفنيين للعمل علي تنفيذها عندما يصل الحزب إلي الحكم(86 ). وتعمل الأحزاب علي مساعدة جمهور الناخبين علي تكوين أرائهم السياسية.فإذا ترك كل ناخب وشأنه، فان الديمقراطية تصبح شيئاُ مستحيلاُ، إذ يكون من الصعب، في كثير من الحالات، تكوين إرادة عامة.
في هذا الإطار يمكن القول إجمالاُ إن الأحزاب السياسية تقدم الإطار الأكثر أهمية وملائمة لتحقيق المشاركة السياسية وعدم قصرها علي فئة وطبقة اجتماعية معينة خاصة مع اتساع وسائل الاتصال الجماهيري وانتشار التعليم. ذلك أن ظهور الأحزاب السياسة نفسها يمكن إن يزكي لدى الإفراد الرغبة في الممارسة السياسية.على أن مجرد وجوداحزاب أو النظام الحزبي لا يضمن بذاته تحقيق المشاركة السياسية. فهناك بعض النظم الحزبية التي تقلص المشاركة. وقد حدد بعض علماء السياسة عدة عوامل تؤثر على قدرة النظام الحزبي في استيعاب أو قمع مطالب المشاركة السياسية أهمها (87 ):

4ـ ضمان الرقابة الشعبية:

يكفل تعدد الأحزاب وجود معارضة منظمة تراقب الحكومة وتنقدها عندما تنحر، تسعي بالطرق المشروعة لكي تكسب أغلبية الرأي العام. وكل ذلك يضمن رقابة الشعب على أعمل الحكومة. كذلك تساعد الأحزاب علي تحديد المسئوليات السياسية للحكومات المتعاقبة، حيث تكون كل حكومة مسئولة مسئولية سياسية أمام الشعب، هي والحزب الذي تنتمي إلية، عما تقوم به من أعمال خلال فترة توليها الحكم. ويكون للشعب تجديد الثقة بالحزب الذي شكلت منه أو عدم تجديدها في الانتخابات العامة، على ضوء ما حققته تلك الحكومة من سياسات، وما التزمت به من رعاية مصالح الشعب الهامة. فالرقابة على هذا النحو لا يمكن أن ينجز بشكل مثمر إلا في ظل تعدد الأحزاب.كذلك فإن وجود أحزاب يراقب بعضها بعضا ويكشف بعضها أخطاء الأخر يؤدي إلى أن تكون حقيقة الأمور العامة مطروحة على الشعب، غير خافية عليه، ومن ثم يستطيع أن تعدد الأحزاب أمر ضروري لتحقيق رقابة شعبية (88 ).

5 ـ ضمان سلمية انتقال السلطة:

فتعدد الأحزاب يقدم طريقة سلمية لتغيير القيادات وإحلالها من خلال الانتخابات العامة. وبذلك يمكن ضمان الانتقال الشرعي والسلمي للسلطة، بالطريق الديمقراطي إلي الحكومة والبرلمان المشكلين من الحزب الذي يحوز ثقة جماهير الناخبين. ويحدث ذلك في حالة ذلك في حالة تغير اتجاه الرأي العام وفقا للمتغيرات المختلفة من آراء وأوضاع ومصالح اجتماعية وسياسية.وكذلك يضمن تعدد الأحزاب استيعاب كل أو معظم الاتجاهات في أطار النظام السياسي. أما من حيث لا توجد تنظيمات سياسية تضم المعارضين سوء الطاعة أو التمرد والخروج على النظام.

خلاصة

من خلال هذا العرض لأسس وأهداف التعددية الحزبية، فاننا نسطيع ان نلمس انه هناك ثمة علاقة وثيقة بين هذه الاسس والاهداف، تنعكس في النهاية على احداث درجات متقدمة من التحول الديمقراطي في اى نظام سياسي، مما يوضح العلاقة الوثيقة بين التعددية الحزبية وتحقيق هذا التحول الديمقاطى الحقيقى، وقد تناول الباحث بشكل موجز التعددية الحزبية والاسس الحاكمة لها وأهدافها التي تؤثر بشكل ايجابى على التحول الديمقراطي.
وخلص الباحث إلى ان مفهوم التعددية الخربية من المفاهيم المحورية في حقل العلوم لسياسية وان تعددت تعريفاته وصوره، وان هذا المفهوم يرتبط إرتباط وثيق بعملية التحول الديمقراطي التي بدورها تعترف عملية معقدة ومتشابكة الجوانب والابعاد بل والانماط، وهذه العوامل المؤدية إلى احداث تحول حقيقى لديها تأثير متبادل بيها وبين التعددية والتى تستند بدورها إلى عدة أسس ومبادئ تسعى من خلالها إلى إحداث تحول حقيقى في النظام السياسي في مختلف دول العالم(89 ).


الهامش

1 نقلاً عن : السيد ياسين، “التعددية والمسألة السياسية في الوطن العربي”، ندوة التعددية في الدول العربية، مرجع سابق، ص 37، ص 41. حيث أشار إلى كتب فيرنيفال التالية:
Furnivall, S.S. Netheriands India: a study of plural Economy, Cambridge, 1944, Coloniallpollcy and practice, Cambridge, 1984.
وانظر أيضاً:
J. Rey, the plural society in sociological theory, British Journal of sociology, 10, No 2, June, 1959, pp. 114- 124. M.R. Haug, Social and culture pluralism as a concept in social system analysis, American Journal of sociology, 73, no. 3, November 1967, pp. 294- 304.

2(2)- )Patrick Dunleavy & Brendan Q’leavy, Theories of the state: the Politics of Liberal Democracy, (London: Macmllan Education Ltd., 1987), p. 13.

3 د. علي الدين هلال، “التعددية المجتمعية بين المعطيات التاريخية والعوامل السياسية”، ندوة التعددية في الدول العربية، ص 27.

4 المرجع السابق، ص 32.

5 انظر: المرجع السابق، ص 27، 28، 29.

6 انظر: مقدمة العدد الخاص من مجلة الوحدة عن الطائفية: المشكلة والآفاق، السنة (2)، العدد (20)، مايو (آيار) 1986، ص ص 3-6.

7 انظر مزيدا من التفصيل في: د. نيفين عبد الخالق مصطفى، المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي، رسالة دكتوراه منشورة، (القاهرة: مكتبة الملك فيصل الإسلامية، ط 1، 1985).

8 د. محمد سليم العوا بأن “التعددية تعني في جوهرها التسليم بالاختلاف”. أنظر التعريف الأول في المرجع السابق، ص 38 والتعريف الثاني في: د. محمد سليم العوا، “التعددية السياسية من منظور إسلامي”، مجلة الإنسان، العدد (2)، السنة (1)، محرم (1410هـ) ـ أغسطس (1990)، ص 22.

9 انظر: السيد ياسين، مرجع سابق، ص 39.

10 انظر: المرجع السابق، ص 40، 41.

11 د. أنطوان نصري مسرة، “التعددية السياسية والتعددية الاجتماعية”: إطار نظري وتطبيق على الواقع العربي، ندوة التعددية السياسية في الوطن العربي، مرجع سابق، ص 74.

12 د. حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، (القاهرة: الأنجلو المصرية، 1986)، ص 354 .

13 الأحزاب: 20.

14 الأحزاب: 22.

15 وللمزيد انظر: عماد الدين أبى الفداء إسماعيل بن كثير القرشى الدمشقى، تفسير القرآن العظيم، المجلد الثالث (عمان، دار الفكر، د.س) ص625- 632. وكذلك انظر سيد قطب، فى ظلال القرآن، ط34، المجلد الخامس، الجزء الحادى والعشرون (القاهرة: دار الشروق، 1425هـ، 2004م) ص2831- 2844.

16 أبوالقاسم بن جعفر السعدى، الأفعال ط1، ج1 (بيروت: عالم الكتب، 1983-1403) ص226.

17 موسى بن محمد بن المليانى الأحمدى، معدم الأفعال المتعدية بحرف ج1 (د.س) ص53.

18 إبراهيم مصطفى (وآخرون)، المعجم الوسيط ج1 (بيروت: دار الدعوة، مجمع اللغة العربية، د.س) ص169.

19 أبومنصور محمد بن أحمد الأزهرى، تهذيب اللغة ط1 ج4، تحقيق: محمد بن عوض مرعب (بيروت: دار إحياء التراث العربى، د.س) ص216.

20 محمد بن أبى بكر بن عبدالقادر الرازى، مختار الصحاح، طبعة جديدة ج1، تحقيق: محمد خاطر (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 1415- 1995) ص56.

21 أبى الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة ط2 ج2 (بيروت: دار الجيل، تحقيق عبدالسلام محمد هارون، 1420- 1990) ص25.

22 محمد بن مكتوم بن منظور الأفريقي، اللسان العربي، ط1 ج1 (بيروت: دار صادر، د.س) ص308.

23 مجد الدين المبارك بن محمد الجزرى بن الأثير، النهاية فى غريب الحديث والأثر، المجلد الأول، تحقيق: طاهر أحمد الزاوى ومحمود محمد الطناحى (عمان: دار الفكر، 1399- 1979) ص376.

24 لغمان الخطيب، الأحزاب السياسية ودورها فى أنظمة الحكم المعاصرة (القاهرة: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1983) ص18.

25 لغمان الخطيب، مرجع سابق، ص19.

26 أسامة الغزالي حرب، الأحزاب السياسية في العالم الثالث (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون الأدبي، سلسلة عالم المعرفة، 1987) ص15.

27 المرجع السابق، ص15.

28 المرجع السابق، ص17.

29 نقلاً عن: بلقيس أحمد منصور، مرجع سابق، ص15.

30 على خليفة الكوارى، ملاحظات أولية حول مفهوم الحزب الديمقراطي في الديمقراطية داخل الأحزاب في البلدان العربية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2004) ص21.

31 نقلاً عن : سعاد الشرقاوى، مرجع سابق، ص223.

32 لغمان الخطيب، مرجع سابق، ص21-22.

33 لطيفة إبراهيم خضر، الديمقراطية بين الحقيقة والوهم(القاهرة: عالم الكتب، 2006) ص189.

34 أسامة الغزالي حرب، مرجع سابق، ص5-9.

35 رعد عبودى بطرس، أزمة المشاركة السياسية وقضية حقوق الإنسان في الوطن العربي، في حقوق الإنسان العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1999) ص53.

36 عمار سعدون سلمان البدرى، التعددية الحزبية وإشكالية تداول السلطة في مصر بين عامي 1970-2003، رسالة ماجستير(بغداد: كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2004) ص16.

37 على الدين هلال، نيفين مسعد، النظم السياسية العربية قضايا التغير والاستمرار، ط3 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2005) ص177- 178.

38 جابر سعيد عوض، مفهوم التعددية فى الأدبيات الغربية المعاصرة، سلسلة بحوث سياسية (جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مركز البحوث والدراسات السياسية، 1993) ص4-16.

39 الموسوعة البريطانية، الطبعة 15، عام 2007، صفحات 257-286 .

40 إسماعيل عبد الفتاح عبدالكافى، الموسوعة الميسرة للمصطلحات فى السياسة (عربى- إنكليزى) ص109.

41 محمد عابد الجابرى، التعددية السياسية والديمقراطية فى الوطن العربى، ط1، د. سعدالدين إبراهيم (محرراًعمان: منتدى الفكر العربى، 1989) ص108.

42 قاسم علوان سعيد الزبيدى، مرجع سابق، ص29.

43 عمار سعدون سلمان البدرى، مرجع سابق، ص10.

44 محمد نور فرحات، التعددية السياسية فى العالم العربى: الواقع والتحديات (الرباط: مجلة الوحدة، العدد 91، نيسان 1992) ص8.

45 عمار سعدون سلمان البدرى، مرجع سابق، ص11.

46 عمار سعدون البدرى، مرجع سابق، ص13.

47 عبد السلام إبراهيم بغدادى، الوحدة الوطنية ومشكلة الأقليات فى أفريقيا، رسالة دكتوراه (بغداد: كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 1999) ص262 وكذلك: سعاد الشرقاوى، مرجع سابق، ص236.

48 موريس ديفرجيه، المؤسسات السياسية والقانون الدستورى، ترجمة جورج سعد (بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1992) ص75.

49 Anthony H. Birch, The Concepts and Theories of Modern Democracy (London: Rutledge1993), p.45.

50 Robert Dahl, On Democracy (USA: Yale University Press, 1998), pp.11-12.

51 (2) إيراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، (القاهرة، مطبعة مصر 1380-1960) الجزء الأول باب الحاء، ص216.

52 Gadsby, Upshall, Whitcut (eds.), Longman Active Study Dictionary of English, (Cairo: El-Ahram Commercial Presses, 1989), p.645.

53 ( 1) حسن سلامة التحولات الديمقراطية وشرعية النظام السياسي في مصر” 1981-1993″، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة 1997، ص 14.

54 Donnel and Schmmiter, Transitions from authoritarian rule: Tentative conclusions about Uncertain democracies, Baltimore, The John Hopkins University Press, 1986).

55 ( 3 ) د. علي الدين هلال، تطور النظام السياسي في مصر (1803-1997)، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة ، مركز البحوث والدراسات السياسية، 1997) ص285.

56 Huntington, “Democracy for the long Haul”, in Larry Diamond and others (Eds), op. cit, p. 4.

57 د. إكرام بدر الدين، الديموقراطية في الدول النامية (القاهرة: دار الثقافة العربية 1991)، ص 7.

58 Samuel Huntington, op. cit, p. 65.

59 Tony Evans, “If Democracy, the Human Rights”, Third World Quarterly, Vol. 22, No. 4, 2001, p. 635.

60 د. صلاح سالم زرنوقة، “الصين: التحولات الداخلية والسياسة الخارجية”، السياسة الدولية، العدد 132، أبريل 1998، ص 54.

61 نجلاء الرفاعي، “الصين” في: محمد السيد سليم ونيفين مسعد (محرران)، التنمية الديموقراطية في آسيا، (القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة، 1997)، ص 165.

62 Samuel Huntington, op. cit, pp. 55-7.

63 John Hall, “in Search of Civil Society”, in John Hall (ed.), Civil Socier threoy, History and Comparison, (Cambridge, polity press, 1995), p. 2.

64 R. Puthnam, Making Democracy Work: Civic Traditions in Modern permission N.J: Princeton University press), quoted in Jean Grugel, op. cit. p. 93.

65 د. مصطفى كامل السيد، مفهوم المجتمع المدني، ” التحولات العالمية ودراسات العلوم السياسي”، سلسلة بحوث سياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ـ جامعة القاهرة، أبريل 1995، ص 6-7.

66 Augustus Richard Norton, “Introduction,” in Augustus Richard Norton (ed.), Civil Society in the Middle East (Leiden and New York and Koln: E. J. Brill, 1995), Vol. I, p. 11-2.

67 د. أحمد عباس عبد البديع، “المجتمع المدني والتحول الديموقراطي العالمي”، الأهرام، 11/1/2007.

68 Tatu Vanhanen, “Introduction” in Tatu Vanhanen, “Strategies of Democratization”, (Washington: Crane Rassek, 1995), pp. 158 – 159.

69 Bjrn Beckman, “Explaining Democratization: Notes on the Concept of Civil Society,” in Elizabeth Ozdalga and Sune Persson (eds.), Democracy, Civil Society and the Muslim World (Istanbul: The Swedish Research Institute in Istanbul, 1997), p. 2.

70 Larry Diamond, “Introduction”, in Larry Diamond and others (eds), op. cit, p. xxxiv.

71 Ibid, p. 123.

72 George Sorensen, “Democracy and Democratization: Processes and Prospects in a Changing World” (USA: West View press, 1993), pp. 29-39.

73 Dankwart Rustow, “Democracy: a Global Revolution?” Foreign Affairs, Vol. 69, No. 4, Fall 1990, pp. 80-1.

74 (1)- ايمان احمد عبد الحليم – التحول الديمقراطى والامن القومى: مع التطبيق على مصر والعراق ( 1991- 2005 ) ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2008 ، ص54 .

75 Samuel Huntington, op. cit, pp. 114-115.

76 Terry Karll and Phollipe Schmitter, “What Democracy is and is not”, Journal of Democracy, Vol. 2, 1991, p. 277.

77 Samuel Huntington (1991), op. cit, p. 116.

78د. هالة مصطفى، تجديد الحياة الحزبية، صحيفة الأهرام بالقاهرة، 22 يونيو ،1998 ص34 . .( 1 )

79 (1) د. حسنين توفيق، التحول الديمقراطي والمجتمع المدني في مصر، مرجع سابق، 142

80 (1) محمد السيد سعيد، النموذج البرلماني للإصلاح الدستورفى مصر، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، القاهرة، 23 ـ 25 مايو2005

81 (2) د. حسنين توفيق، التحول الديمقراطية والمجتمع المدني في مصر، مرجع سابق ص ص 143 ـ 148 .

82 (3) أعمال الملتقي الفكري التاسع للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، والإصلاح الدستوري بين التفصيل والتأجيل، القاهرة، 15 ـ 17 فبراير 2005 .

83 (1) عصام الدين حسن ، نحو قانون ديمقراطي لإنهاء نظام الحزب الواحد ، مرجع سابق ، ص15.

84 (2) وحيد عبد المجيد ، موقع الأحزاب السياسية في التطور الديمقراطي ، ( تحرير وحيد عبد المجيد ) مركز الدراسات السياسية والإستراتجية بالأهرام ، بالقاهرة 2003 ص 139. ).

85 ( 2 ) التقرير الاستراتيجي العربي ، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام عام 2003 ص ص 431 ـ 433.

86 (1) عبد الغفار شكر ، المجتمع الأهلي ودوره في بناء الديمقراطية ، (دار الفكر ) : دمشق ، الطبعة الأولى ، أبريل 2003 ، ص ص 60 ـ61

87 (1) د. وحيد عبد المجيد، موقع الأحزاب السياسية في التطور الديمقراطية، المرجع سابق، ص ص 140 ـ 141

88 (2) عبد الغفار شكر ، القطاع الأهلي ودوره في بناء الديمقراطية، مرجع سابق، ص66

89 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

أبو زيد عادل القاضي

باحث مصري، يعد للحصول على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، جامعة القاهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى