الشرق الأوسطدراسات

التغيير السياسي وأزمة الدولة الوطنية في العالم العربي

تقديم

يعد مفهوم التغيير السياسي من المفاهيم المتجذرة في النسيج الفكري السياسي العربي، حيث اهتم العديد من المفكرين الإصلاحيين بمسألة التغيير السياسي، وعملية الإصلاح بكافة مستوياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية. من قبيل عبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده ورشيد رضا..، والذين صاغوا خطابا إصلاحيا مناسبا لواقع العالم العربي آنذاك والذي كان يتسم بالضعف والانهيار والاستبداد السياسي.

وإذا كان الهدف من التغيير السياسي ينصب حول تعديل وضع اجتماعي وسياسي متردي نحو وضع أفضل، إلا أنه يطرح التساؤل حول مدى أو حجم التغييرات المطلوبة من جهة، ومدى إيجابية نتائج التغيير من جهة أخرى. ويمكن القول أن الهدف من التغيير يكون على حسب الحراك داخل المجتمع والذي قد يكون أساسه اقتصادي أو سياسي أو أيديولوجي فكري، كما قد يكون سلمي أو عنيف نتيجة لتغييرات داخل الدولة نفسها أو تأثرا بعوامل خارجية أو محيطة أو على حسب التوازنات الدولية.

في هذا الباب يعرف معجم المصطلحات السياسية والإستراتيجية التغيير السياسي على أنه “تغير يصاحب مفهوم الثورة التي تصاحب ميلاد كل مرحلة جديدة في الحياة السياسية، وهو كل تغير كيفي أو نوعي أو عميق بشرط أن يكون حاسم النتائج”.[1]

أهمية الدراسة:

تأسيسا على ما سبق تأتي هذه الدراسة في إطار تناول موضوع التغيير السياسي وأزمة بناء الدولة الوطنية في العالم العربي، وخاصة وأن هناك مظاهر مختلفة لمعضلة بناء هذه الدولة في المنطقة. حيث تتجلى أهم مظاهر أزمة الدولة الوطنية في ضعف أجهزة الدولة ومؤسساتها وعجزها عن فرض سلطتها على كامل الدولة (سوريا وليبيا، الصومال)، ثم تعثرها في بناء الدولة ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية (تونس)، وتكريس شرعيتها (مصر)، فضلا عن بلورة هوية مشتركة تستقطب الولاء الأسمى لسلطة موحدة (لبنان)… وما زاد في تعقد بناء الدولة هو تفاقم حدة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، الزيادة في نسبة البطالة، الارتفاع المستمر في الاسعار، تدهور مستوى معيشة السكان، توالي الأزمات (الكهرباء…)، وزيادة حدة التفاوت الطبقي، وغياب العدالة الاجتماعية، مما يرفع من منسوب العنف ويعمق أزمة الدولة.

إشكالية الدراسة:

برز مفهوم التغيير السياسي بقوة في العالم العربي بعد أحداث ما عرف ب “الربيع العربي” والذي طرح إشكالات عدة مرتبط بالتغيير والإصلاح السياسي والديمقراطية والعنف، ويمكن القول أن عددا من الدول العربية تعيش منذ تلك الفترة مأزقا حقيقيا نتيجة عدم تمكنها من الوصول إلى حالة وفاق مجتمعي وطائفي وايديولوجي وطبعا سياسي، ولم تتمكن الثورات رغم كل المبادئ والشعارات التي تأسست عليها في البداية من أن تحقق أهدافها لغاية اليوم، ولا زالت العديد من الحكومات الحالية تصارع من أجل فرض حكم القانون وتجاوز الخلافات الطائفية والمذهبية وأيضا المعارضات الشديدة في ظل وجود تخبط حول القبول بشرعية من يحكم أو تقبل النظام الديمقراطي وما أفرزته الصناديق. كما صار العنف السياسي من أبرز مشكلات وتحديات العالم العربي في الفترة الحالية، وما له من انعكاسات سلبية على المجتمع والدولة وخاصة بالنسبة لدول ما بعد الحراك، (فوضى، عدم استقرا، أزمات اقتصادية…). وهنا يطرح الإشكال حول أزمة الدولة الوطنية بالعالم العربي بعد سنوات من الحراك، والذي أصبح يهدد تواجد بعض الدول وأيضا الأنظمة، والأسباب التي قادتها للوصول إلى هذا الوضع المتردي، وأيضا حول مستقبل الدولة الديمقراطي والوحدوي في ظل العنف السياسي الحالي.

وعليه تحاول هذه الدراسة مقاربة أزمة الدولة الوطنية في العالم العربي بالاستعانة بعدد من المعطيات السوسيولوجية وبعض مفاهيم الأنثروبولوجيا السياسية لفهم التغيرات السياسية والاجتماعية التي لحقت العالم العربي، مع افتراض ان الدولة العربية تعيش أزمة حقيقة ولم تتمكن مختلف التغييرات السياسية وعلى رأسها الحراك الديمقراطي “الربيع العربي” من أن ينقلها إلى مصاف الدولة الحديثة، دولة المؤسسات القائمة على أساس المواطنة الكاملة وضمان الحقوق والحريات.

التغيير السياسي: دراسة مفاهيمية

تنوعت المداخل النظرية لدراسة التغيير السياسي، فأغلب علماء السياسة والاجتماع يعتبرون أن التغيير السياسي والاجتماعي هو حتمية تاريخية، إلا أنهم تفاوتوا في تحديد أسباب وآليات التغيير السياسي، حيث نجد غرامشي يربط بين المداخل السوسيوثقافية والتغيير السياسي، في حين ذهب باريتو إلى أن التغيير مرتبط بطبيعة النخب السياسية، بينما رأى “بوتومور” أن التغيير السياسي مرتبط بتطور الأجيال أو اختفاء الأجيال القديمة وصعود أجيال جديدة.

من زاوية أخرى تحدث صامويل هنتنجتون عن ضرورة التدرج في التغيير السياسي وربط بين التغيير والاستقرار المؤسسي والتحديث السياسي. وفي نفس الوقت رأى وليم ميتشل ضرورة تحديد الأغراض أو المكونات التي يتناولها التغيير السياسي داخل النظام او النسق السياسي نفسه، وخاصة وأنه غالبا ما يصاحب التغيير على مستوى النظام السياسي تغييرا على مستوى القيم والمؤسسات وأيضا تغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية.

ويُعرف جابريال ألموند Gabriel A. Almond التغيير السياسي على أساس حصول نظام سياسي على قوة جديدة، قادرة على إحداث تغيرات مرتبطة بتلك القدرة على مستوى الثقافة والهيكل السياسي والمرتبطين بالنظام السياسي.

وحسب الموسوعة السياسية فلقد شهدت الكتابات النظرية اتجاهين كبيرين في دراسة التغيير السياسي انطلاقا من التحديث السياسي:

الأول: الاتجاه الليبرالي: وينطلق من القيم الديمقراطية في المجتمع الليبرالي، إذ يرى أن الديمقراطية هي المسار الوحيد والنتيجة الطبيعية لعملية التحديث السياسي، كما شهدته الدول الأوربية، بما يضمن اتساع مركزية السلطة الحكومية، والتمايز والتخصص للأبنية والوظائف السياسية، والمشاركة الشعبية المتزايدة، والتي تستند إلى مبدأ المساواة السياسية بوجه خاص.

الثاني: الاتجاه الماركسي: وينبع من الفلسفة الماركسية التي ترى أن الطريق الوحيد لعملية التحديث السياسي هو الصراع الطبقي الذي يؤدي إلى الثورة، ويؤكد الماركسيون على أنهم لا يسعون إلى التحديث السياسي والاقتصادي فحسب بل إلى تحديث طبيعة الإنسان وإيجاد دور قيادي له في عملية التغيير[2].

وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم الإصلاح يتضمن شيئا عن اتجاه التغيير، كما يتضمن شيئا عن نطاقه ومعدله. وكما يقول هيرشمان Hirschman، الإصلاح هو تغيير “تكبح به سلطة مجموعات تتمتع بامتيازات، وفي المقابل تحسن حالة مجموعات محرومة من حيث الوضع الاقتصادي والمكانة الاجتماعية”. يعني الإصلاح إذن تغييرا في اتجاه مساواة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أكبر، وتوسيع نطاق المشاركة في المجتمع ونظام الحكم أما التغييرات المعتدلة في الاتجاه العكسي فمن الأفضل أن توصف بأنها “تعزيزات” أكثر منها إصلاحات.[3]

إن مضمون الإصلاح يختلف عن مضمون التغيير السياسي. فهذا الأخير يمكن أن يحدث دون تحقيق إصلاحات، كما أن مفهوم الإصلاح السياسي يختلف من نظام إلى آخر ومن فترة زمنية إلى أخرى، حيث يمكن الحديث عن إصلاح القيادات، ويمكن الحديث عن إصلاح المؤسسات السياسي، كما يمكن الحديث عن إصلاح الثقافة السياسية في مجملها، وكان مفهوم الإصلاح السياسي ولا زال حاضرا بقوة واكتسب زخما إعلاميا كبيرا، وهو ما يعني أن مبد الإصلاح السياسي أصبح ضرورة ومطلبا ملحا بالدول العربية في ظل وجود العديد من العوائق الحقيقية أمامه، وخاصة وأن الدول العربية تفتقد للآليات الذاتية لعملية الإصلاح من الداخل، ولوجود مؤسسات رقابية أو محاسباتية وهو ما يؤثر على التغيير السياسي بداخلها.

أما التغييرات محدودة النطاق ومعتدلة السرعة في القيادة والسياسات العامة والمؤسسات السياسية فتصنف – بدورها – أو توصف بأنها إصلاحات. لكن ليست كل التغييرات المعتدلة إصلاحات.[4] إن التغيير يتطلب شروطا محددة حتى يكتسب هذه الصفة ومن بينها أن يكون هناك خلل قائم يحتاج إلى تصحيح، وأن يستمر مدة طويلة في الزمن لأن التغييرات السريعة والبسيطة تؤول إلى زوال في أغلب الأحيان. ويرى من جهته ابن خلدون أن التغيير الاجتماعي عامة والسياسي خاصة مرتبط بدائرة تبدأ بالميلاد وتسير اتجاه النضج وتنهي بالشيخوخة. وأن التاريخ البشري يسير وفق خطة محددة تحاكي حياة الإنسان، فتمر الدولة مما يمر به الانسان من ولادة ووفاة. وأن مسيرة المجتمع تبدأ من نقطة وتسير في اتجاه دائري لتنتهي في النقطة التي كان قد بدأ منها. وقد حدد ثلاث مراحل لدراسة المجتمعات الإنسانية، مرحلة البداوة. مرحلة الملك، مرحلة الترف والنعيم. بينما وجد أن مجتمع الترف والنعيم يصل إلى مرحلة من النضج السياسي وانفراد بالسلطة من الحاكم ثم الركون إلى الدعة. لأن الحضارة عادة ما تحدث مناخا ملائما للسلبية والخمول وتصبح مجالا مناسبا للفساد ثم الانهيار الاقتصادي والضعف الديني فتصبح الحضارة بمثابة نهاية العمران البشري.

واعتبر دافيد أيستون أن السلطة السياسة تقوم بتوزيع كافة القيم المادية والانسانية التى ترتبط بحياة الانسان، كما قدم اطارا لتحليل النظام السياسي يرى فيه دائرة متكاملة ذات طابع ديناميكي تبدأ بالمدخلات Input وتنتهى بالمخرجات outputمع قيام عملية التغذية الاسترجاعية، Feedback ورأى أن التغيير السياسي يحدث من خلال الربط بين المدخلات والمخرجات.

أولا- المدخلات: ويقصد بها تلك الضغوط والتأثيرات التي يتعرض لها النظام السياسي وتدفعه إلى النشاط والحركة، فحدوث أزمة اقتصادية أو تحول في البناء الطبقي أو تغيير في القيم الثقافية يؤثر على النظام السياسي، وقد تكون المطالب عامة أو خاصة، ويتم التعبير عنها وبلورتها في برامج مبسطة عن طريق جماعات المصالح والأحزاب وقادة الرأي ووسائل الإعلام. وقد تكون عن طريق المظاهرات والاحتجاجات.

ثانيا: المخرجاتouput : وتمثل استجابة النظام للمطالب الفعلية أو المتوقعة، بعبارة أخرى السياسات والقرارات التي تتعلق بالتوزيع السلطوي للموارد، وهذه المخرجات قد تكون:

1- إيجابية : حينما تحاول السلطة تعديل البيئة أو النظام السياسي من خلال الوفاء بالمطالب. 2- رمزية : مثل الوعود والعروض العسكرية واثارة مشاعر الخوف من وجود تهديد خارجي او انقسام داخلي.

3- سلبية: وذلك حينما تلجأ السلطة إلى الإرهاب والقسر كي تضمن الحفاظ على النظام السياسي.

ويركز نموذج ايستون على علاقة النظام السياسي ببيئته الداخلية وتشمل النظام الاجتماعي بعناصره وطبيعته الموجودة خارج النظام السياسي وداخل المجتمع الأوسع أي داخل حدود الدولة نفسها، ولكن النظام السياسي وفقا لإيستون لا يمثل مجرد متلق سلبي للمؤثرات التي تأتيه من بيئته، فهو يمتلك اليات دفاعية لمقاومة التغيرات التي تحاول الاخلال باستقراره.

إن التغيير السياسي يأتي استجابة لعوامل متعددة ومختلفة وقد يأتي نتيجة احتقان داخلي أو بقيادة مؤسسات سياسية غير رسمية (قوى ضاغطة. أحزاب سياسية، رأي عام)، كما قد يكون نتيجة تغيرات أو أزمات اقتصادية أو بيئية أو ضغوط خارجية أو متأثرا بفعل حركات اجتماعية خارجية في إطار ما يعرف بنظرية الدومينو والتي طرحت بقوة أواخر سنة 2010 حين قامت ثورة تونس تلتها موجة من الاحتجاجات والاضطرابات في العديد من الدول العربية واحدة تلو الأخرى، واجتاحت حمى المظاهرات والثورات أغلب الدول العربية.

الحركات الاجتماعية والاحتجاجات وتأثيرها على التغيير السياسي:

تعتبر الحركات الاجتماعية والاحتجاجات من أبرز الطرق المؤدية إلى تحقيق التغيير السياسي في مجتمع ما، فالحركات الاجتماعية جزء لا يتجزأ من سياسة تفاعلية بين النظام والمجتمع، فهي لا تتموقع خارج الدولة ولكن داخلها، وتتغير مضامينها وأهدافها ومحدداتها بتغير المجتمعات وبقدرة الدولة على الاستجابة لمطالب المواطنين واحتياجاتهم التي تتم صياغتها على شكل مطالب وقد تؤدي إلى حراك حقيقي يتحول إلى احتجاجات وثورات.

وهناك من يعتبر أن الحركات الاجتماعية مرتبطة بالممارسة السياسية، فالأفراد قد لا يعتمدون فقط على المؤسسات السياسية غير رسمية كالأحزاب السياسية ولكن يمكن أن يلجؤوا إلى التظاهر والاحتجاج والتنظيم، وتعد هذه المظاهر من الأساليب المهمة في التعبير عن مطالب فئات واسعة من المواطنين في التغيير الذي قد يبدا بمطالب اجتماعية وتنتهي بمطالب سياسية.

يرتبط التغيير بالاحتجاجات بسبب أن هذه الأخيرة غالبا ما تستهدف سلطات الدولة، وقد تكون بداية لتغيير حقيقي، وما يلاحظ في العالم العربي أن الحركات الاجتماعية والاحتجاجات في بداية الحراك استهدفت الدولة ولم تعتمد على التنظيمات والمؤسسات، وخاصة وان الدولة في عدد من الدول العربية صارت تتدخل في كل مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية.

ويمكن فهم طبيع الاحتجاجات في العالم العربي من خلال ما ذهب اليه تشالز تيلي Charles Tilly عندما قام بتحليل الاحتجاج الشعبي في بريطانيا، حيث كانت الاحتجاجات محلية ومرتبطة بمشاكل اجتماعية كالزيادة في نسبة الفقر والتدهور الاقتصادي وغلاء الأسعار والقبض على أحد الأشخاص أو التعدي عليه (البوعزيزي في تونس وخالد سعيد في مصر). وهو ما أدي إلى بداية حركات قوية غيرت ملامح السلطة وأسقطت الأنظمة في عدد من الدول العربية.

هذه الدول شهدت في العقد الأخير لما قبل الثورات حركة احتجاجية واسعة كان لها صلة مباشرة بتفجير الموجة الثورية التي جاءت بالربيع العربي وفتحت المجال أمام تكثيف هذه الحركة الاحتجاجية وتوسعها في المطالب والاهداف[5].

وكما أوضح تشارلز تيلي فإن الحركات الاجتماعية وبسبب وضعها غير النظامي يجب أن يتوفر فيها عدد من الخصائص المعلنة لكي تنظم إلى زمرة الفاعلين المنظمين:

1- أهمية القضية بحيث تستحق الانخراط في مطالبها والتظاهر من أجل توسيع دائرة التأييد 2- وحدة الهدف التي تحافظ على استمرارية التظاهر بحيث لا يختفي الانحصار عبر الوقت ولا يحدث بينهم انقسام إستراتيجي

3- أعداد كبيرة من المؤيدين للتأثير على صناع القرار خاصة في النظم الديمقراطية،

4- التزام قومي من جانب الأعضاء يجعل الدولة تستجيب له.

وتشكل هذه الخصائص عناصر في مخزون الحركات الاجتماعية المعاصرة، وهي خصائص يتم تحديدها إستراتيجيا وبشكل قصدي كما أنها تستخدم لتحقيق تأثير تنظيمي عبر وسائل غير منظمة. وتختلف الحركات في قدرتها على التعبير عن هذه الخصائص الأربع المكونة للحركات الاجتماعية الحديثة، بحيث تجلب نتائج ذات جدوى. فعندما تفشل الجماعات الملتزمة في أن توصل مطالبها إلى أعداد كبيرة فإنها تلجأ إلى إستراتيجيات العنف لكي توضح التزاماتها بالقضية. كما أن أفعال العنف هي أيضا طريقة لجذب انتباه وسائل الاتصال الجماهيري والجمهور العام، وصناع السياسات العامة. إن النشطاء السياسيين الذين يشعرون بعمق بأن مطلبهم الأخلاقي عادل يمكن أن يلجؤوا إلى أساليب متطرفة لكي يجبروا الأغلبية في المجتمع على الاعتراف بمشكلتهم.[6]

وإذ لم تتمكن الحركات الاحتجاجية التي طغى عليها الطابع الشبابي من تنظيم نفسها كحركة اجتماعية وبالرغم من تأثيرها على التغيير السياسي في عدد من الدول العربية، إلا أنها كانت بمثابة قوة احتجاجية أكثر منها حركة حاملة لمشروع سياسي ومجتمعي بديل. ولذلك يمكن القول إن الحركات الاحتجاجية لا تكون قادرة على قيادة التغيير إلا إذا امتلكت عناصر محددة تتمثل في الجمع بين مطالب سياسية واجتماعية وافراز نخب قادرة على منافسة النظام السياسي.

التغيير السياسي الثوري والعنف السياسي في دول ما بعد الحراك العربي:

في الواقع، لا يمكن فهم الحراك العربي والثورات التي اجتاحت العديد من الأقطار العربية بعيدا عن مسار التاريخ واعتبارها أحداثا فجائية، وخاصة وأنها تمكنت من إنهاء حكم أنظمة تربعت على عرش الحكم لمدة طويلة مستخدمة كل أدوات القمع والاستبداد، وأصبحت واقعا سياسيا واجتماعيا فعليا، فكان لا بد من الوقوف أمام هذه الظاهرة الاجتماعية وطرح تساؤلات حول طبيعتها وهل هي ثورة أم احتجاجات شعبية، وخاصة وأن الكتابات النظرية عن موضوع الثورة مشتقة غالبا من ثورات بعينها كما يقول عزمي بشارة، تعمم استخلاصاتها من ثورات معينة، ولذا يصعب إطلاق تسمية نظرية على مجمل التنظير الذي تراكم جراء دراسة الثورات المختلفة في التاريخ.

وفي تحليل “صمويل هنتجتونSamuel Huntington ” للظروف المؤسسية والاجتماعية للثورة، كأحد صور التطوير/التغيير السياسي، يشير هنتجتون أن أسبابها تكمن في التفاعل بين المؤسسات السياسية والقوى الاجتماعية، فمن الممكن أن تندلع الثورات حين يوجد تزامن بين شروط بعينها في المؤسسات السياسية وظروف بعينها بين القوى الاجتماعية، فإن الشرطين الأساسين للثورة هما: الأول؛ عجز المؤسسات السياسية القائمة عن توفير قنوات لمشاركة قوى اجتماعية جديدة في السياسة ولنخب جديدة في نظام الحكم، والثاني؛ رغبة القوى الاجتماعية التي يجرى استبعادها من السياسة في المشاركة فيها، هذه المجموعات الاجتماعية الصاعدة أو الطامحة مع وجود مؤسسات غير مرنة هي المادة الخام (الوقود) الذي تصنع منه الثورات. وبالتالي؛ فالتغيير الثوري وفقاً لهذه الأبعاد المذكورة لا يقتصر على التغيير السياسي، وإنما هو صيغة تبدأ سياسية وتنتهي بأن تكون اجتماعيه فتحدث تغيرات كمية ونوعية في النظام الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، لكن يظل العنصر المميز للتغيير الثوري هو الاعتماد على العنف.[7]

لكن لا يكفي لاندلاع الثورة وجود مؤسسات سياسية تقاوم اتساع نطاق المشاركة فحسب، بل وجود مجموعات اجتماعية تطالب بهذا التوسيع أيضا. من الناحية النظرية كل طبقة اجتماعية غير مندمجة في النظام السياسي هي طبقة ثورية احتمالا. وفي واقع الأمر كل مجموعة اجتماعية تمر بمرحلة قصرت أو طالت، يكون نزوعها الثوري عاليا فيها. ثم عند نقطة ما تبدأ المجموعة في تطوير تطلعات تقودها إلى صياغة مطالب رمزية أو مادية تفرضها على النظام السياسي. ولتحقيق أهدافها سرعان ما يدرك قادة المجموعة عليهم إيجاد سبيل للوصول القادة السياسيين ووسيلة للمشاركة في النظام السياسي. فإن لم توجد تلك الوسائل أو لم تكن على وشك أن توجد، فتصاب المجموعة وقادتها بالإحباط ويشعرون بالاستبعاد. من المتصور وجود هذه الحالة لفترة زمنية غير محددة أو ربما تتلاشى الاحتياجات الأصلية التي أدت بالمجموعة إلى البحث عن وسيلة للوصول إلى النظام، أو قد تسعى المجموعة إلى فرض مطالبها على النظام بالعنف أو بالقوة أو بأي وسيلة أخرى غير شرعية من وجهة نظر النظام. وفي الحالة الأخيرة إما أن يكيف النظام نفسه لإضفاء قدر من الشرعية على تلك الوسائل فيتقبل ضرورة تلبية المطالب التي توظف في دعم (النظام نفسه) أو تسعى النخبة السياسية إلى قمع المجموعة وإنهاء استخدام تلك الأساليب. وما من سبب أصيل يفسر فشل اجراء من هذا القبيل على شرط أن تكون المجموعات الموجودة داخل النظام السياسي قوية ومتحدة بما يكفي في معارضتها الاعتراف بالمجموعة المتطلعة إلى المشاركة السياسية.[8]

ويمكن إرجاع ظاهرة العنف السياسي بالعالم العربي لتراكمات تاريخية ولأزمات بنيوية لا يمكن حصرها في محدد واحد ولكن هناك عوامل مختلفة على رأسها دكتاتورية الأنظمة واستشراء الفساد وانتهاك حقوق الإنسان والفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي والبطالة وتوالي الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وهو ما جعل الدول العربية بيئة لنمو وتطور العنف كاعتراض على الأوضاع القائمة أو رد فعل أو رغبة بالتغيير بالقوة. دون أن ننسى عنف الأنظمة اتجاه الحركات الثورية والاحتجاجات التي شهدتها دول الربيع العربي.

ولا ترتبط ظاهرة العنف السياسي بعوامل داخلية فقط ولكن أيضا خارجية، ومن بينها تدخل دول عربية في شؤون دول أخرى، أو تدخلات مشبوهة عن طريق تمويل جماعات إرهابية او أحزاب سياسية معينة تخدم أجندتها بهذه الدول.

ويصعب تقديم وصفة جاهزة للحد من ظاهرة العنف السياسي، وخاصة مع توسع حجم الظاهرة، وطبيعة القوى المنخرطة فيها ولكن بات من الملح إعادة النظر في المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وأيضا السياسية، والتنمية لا يمكن أن تتحقق في دولة تسلطية ولكن في دول تتمتع بسيادة القانون وتضمن حرية المنافسة وتعتمد اقتصاد السوق، وضمان العدالة الاجتماعية، للتداول السلمي للسلطة فضلا عن ضمان نزاهة الانتخابات وضمان فصل السلط، واحترام التنوع والخصوصيات الثقافية.

إن وصول بعض الدول العربية إلى مرحلة الفوضى والعنف والاقتتال الداخي جعل من النقاش حول أزمة الدول الوطنية في العالم العربي أمرا ملحا بل ومصيريا، وترتبت عنه مآسي كثيرة سواء على مستوى الدولة نفسها أو جيرانها من الدول وعلى التحالفات في المنطقة ككل. وهذا ما ساهم في خدمة بعض الأنظمة السلطوية حيث صار الخيار امام المواطنين هو إما القبول بالاستبداد والدولة الأمنية، وإما الفوضى وحالة اللاستقرار والعنف. ولا يكلف النظام الاستبدادي نفسه عادة البحث عن خيار بديل لحل الأزمة وشرعنة وجوده من خلال اللحاق بركب الدول الديمقراطية وانشاء نظام يستجيب لقيم المواطنة وتقبل الاختلاف والمعارضة، ومؤسسات إدارية واقتصادية قوية وإقامة دولة عصرية بمفهومها الحديث قائمة على مبادئ المحاسبة والشفافية ومساواة المواطنين أما القانون، واحترام الحقوق والحريات، واستقلالية القضاء.. بل تلجأ إلى المزيد من القمع والسلطوية وتسخر كل طاقتها في البحث عن كيفية استمراريتها على رأس السلطة. بشكل تصبح معه مؤسسات الدولة هيئات فارغة من المعنى ولا دور حقيقي لها، فالأحزاب صارت شكلية وينخرها الفساد، اغلبها تابعة للنظام وريعية بامتياز، في حين صارت الانتخابات والاقتراع مجرد عملية إجرائية بعيدة كل البعد عن العملية الديمقارطية المتعارف عليها دوليا. ولازال رؤساء عدد من الدول العربية يفوزون بنسب تتجاوز ال90% مع بقاء نفس الشخص على رأس السلطة باستثناء تونس اليوم.

تعثر التحول الديمقراطي وأزمة الدولة في العالم العربي:

يمكن تصنيف بناء الدولة بالنسبة لعلماء السياسة والاجتماع في الاتجاه المؤسساتي ويمثله ماكس فيبر الذي يؤكد على ضرورة احتكار الدولة للعنف المشروع، وجورد بيردو الذي يرى ضرورة مأسسة السلطة السياسية والاتجاه التعاقدي والذي تمثله نظريات العقد الاجتماعي وخاصة جون لوك.

واحتلت مفاهيم الإكراه، القوة والعنف أساس تعريف الدولة الحديثة التي ينظر إليها فيبر كمشروع سياسي يحتكر العنف المشروع داخل المجتمع، وإذا كانت الحياة السياسية بالإجمال قائمة تحت شعار الإكراه الذي يعتبر المظهر النوعي للقوة العامة والتي لا يقوم بدونها نظام ولا دولة فإن القوة هي بالضرورة الوسيلة الأساسية لكل عمل سياسي بل إنها تنتمي إلى ماهيته. على أن ماكس فيبر رأى أن القوة وسيلة أساسية و آلية مهمة في تحديد الدولة وفي العمل السياسي، بل إنه عرفها على أنها “تجمع لأفراد محددين داخل إطار جغرافي محدد تحتكر العنف المشروع، أما السياسة فهي لا تنفصل في ماهيتها عن ماهية القوة، بل إن من يقلقه ويربكه استخدام القوة يحسن صنعا إذا ما أقلع نهائيا عن التفكير في أن يلعب دورا أساسيا أو أن يدخل أصابعه في قضبان عجلة التاريخ”[9]، و لتجاوز طابع الشر الذي قد يلازم مفهوم قوة الدولة، فإن فيبر أكد على ضرورة وجود مبدأ الشرعية الذي يجب أن يتحلى به من يمتلك الحق في استخدامها و احتكارها. ولذلك فان الحق الحصري في ممارسة العنف والتهديد به لإنفاذ الإرادة القانونية السيادية هو أحد أهم سمات الدولة الحديثة. [10]

وفي العالم العربي تبدو أفكار ماكس فيبر واضحة في ظل وجود احتكار لآليات العنف من طرف الدولة مع وجود خلل على مستوى شرعية الأنظمة السياسية. فما يفتقده النظام السياسي هو تلك الشرعية الداخلية حيث يميل النظام السياسي إلى تسخير أجهزة الدولة لوأد أي مطالب في التغيير وقمع الحراك الشعبي وخاصة المؤسسة العسكرية[11] والأمنية والتي من المفترض انها مستقلة وليست طرفا في الصراع الوطني الداخلي.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من الأزمات التي تتخبط فيها الدول العربية ويبدو واضحا ذلك الخلل في التوازن بين النخب والمواطنين والحكام في المنطقة العربية، كما أن مؤشرات الثقة في المؤسسات تبرز كيف ان الشعب لا يثق في مؤسسات الدولة كثيرا [12]، بالإضافة إلى وجود عزوف سياسي كبير وعدم انخراط في الأحزاب السياسية ولا المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية. مع وجود تضييق على عمل مؤسسات المجتمع المدني وخاصة بعد مرحلة “الربيع العربي” وبدية تشكل أنظمة سياسية جديدة، وهو ما سيؤثر على مسار التنمية وتعثر مسيرة بناء الدولة على أسس حديثة.

تأسيسا على ما سبق يمكن تحديد أزمات الدولة في العالم العربي في ثلاث مستويات:

1- دول منهارة بسبب فقدان السلطة المركزية السيطرة الأمنية عليها ووقوعها في مستنقع الفوضى والاضطرابات الداخلية مع حضور قوي للاعتبارات القبلية والمذهبية والجهادية وحتى التدخلات الأجنبية الخارجية (اليمن، ليبيا، سوريا).

2- دول شبه متماسكة مع وجود خطر انقسامات داخلية وصراعات قوى سياسية ومجتمعية وطائفية[13]. مع انهيار اقتصادي وهو ما يؤدي إلى تراجع للدولة عن أداء دورها المنوط بها في الأمن وتقديم الخدمات واستقرار الأسعار… وهو ما يجعلها دولة غير فاشلة ولكن على قدر كبير من الهشاشة (لبنان، العراق)

3- دول تبدو مستقرة لكنها تتخبط في العديد من المشاكل برزت فترة الحراك العربي وأظهرت كيف أن هذه الدول تبدو قوية بسبب استقرار الأنظمة السياسية وتمكنها من السيطرة على الحكم فترة طويلة من الزمن ولكن يجمع بينها غياب الحكم الرشيد وهو ما يجعل هذه الدول تعيش خارج التصنيف العالمي لمؤشر الديمقراطية أو يقتصر التصنيف على أنظمة هجينة وأنظمة غير ديمقراطية (المغرب، الجزائر، الأردن، دول الخليج).

لقد تعثر التحول الديمقراطي بفعل هيمنة مؤسسات الحكم وغياب الإرادة في الإصلاح، وتهافت المعارضات يعبر عن أحد وجهي السياسة العربية في هذا السياق، في حين يتجلى الوجه الآخر في ضعف متنام للدولة الوطنية وتآكل خطير في شرعيتها المجتمعية. الدولة الوطنية بات وجودها مهددا في السودان واليمن، وكاد أن يفقد المعنى والمضمون في لبنان والعراق، بينما توارى مشروعها التحديثي في المغرب والجزائر ومصر، أو تم اختطافه وتعطيله إلى حد بعيد من قبل مصالح قبلية وعشائرية في الأردن وغيرها. في العديد من الحالات العربية أخفقت الدولة الوطنية إما في انجاز مهمة دمج قوى وكيانات المجتمع في إطار حكم القانون والحقوق المتساوية بين المواطنين وشيء من التوزيع العادل للثروة، أو في تحقيق الأهداف التنموية وتقديم الخدمات الرئيسية التي وعدت بها في قطاعات حيوية كالتعليم وفرص العمل والصحة والضمانات الاجتماعية، أو في كلتا المهمتين معا.[14] ولا ننسى ظهور التنظيمات الإرهابية كفاعل أساسي في عدد من الدول العربية وخاصة عندما تمكن من بسط سيطرته على عدد من المدن والقرى، وحاول فرض اديولوجيته وقوانينه وأفكاره على الدولة والمجتع مع مواجهة قوية للنظام القائم، وهو ما أوجد الدولة أمام تحدي أمني وفكري حقيقي وأعاق بناء الدولة الوطنية أو زاد من استفحال المشكلة، وأصبحت الساحة السياسية تخضع لأكثر من فاعل في نفس الوقت. (النظام الحاكم، المعارضة، قوى من الجيش مستقلة كالجيش الحر، أكثر من برلمان وأكثر من حكومة، جماعات أصولية مختلفة…).

وللحفاظ على استقرارها فالأنظمة السياسية بالدول العربية تلجأ إلى العديد من الأساليب من أجل الحفاظ على استقرارها، وشهدت العديد من الدول انتقال المعارضة إلى موقع المدافع عن نظام الحكم ولكن تبقى السياسة الأبرز هي الجنوح إلى الاعتقالات والقمع وبناء السجون بشكل تفقد معه الانظمة شرعيتها وهو ما يعمق أزمة الدولة في العالم العربي.

وفي هذا الإطار يقول ألموند جبريال أن الأنظمة السياسية تقوم بأعمال كثيرة إنها تعلن الحرب أو تشجع السلم وترعى التجارة الدولية او تقيدها وتفتح الحدود لتبادل الآراء والخبرات الفنية او تغلقها، وتفرض على السكان ضرائب عادلة أو غير عادلة وتعمل على ضبط السلوكيات بحزم أو تتساهل في ضبطها، وتخصص الأموال اللازمة للثقافة، والصحة والرفاهية، أو تفشل في تخصيصها، وتولي الترابط بين البشرية والطبيعة ما يستحقه من اهتمام، أو تسمح باستنزاف الثروات الطبيعية او بإساءة استخدامها. وللنهوض بكل هذه النشاطات لدى الأنظمة السياسية مؤسسات او وكالات أو “بنى” مثل الأحزاب السياسية والبرلمانات والدوائر الحكومية/ bureaucratie والمحاكم، التي تقوم بنشاطات محددة أو تنجز “وظائف” والتي بدورها تمكن النظام السياسي من صياغة سياساته وتطبيق النظام والبنية والوظيفة هي مفاهيم أساسية تساعدنا على معرفة كيف تؤثر السياسات في بيئتها الطبيعية والإنسانية وكيف تتأثر بها.[15]

بالنظر إلى دول العالم العربي نلاحظ أن هناك قواسم مشتركة للمشاكل التي كان ولا يزال يتخبط فيها العالم العربي، تفاقم نسب الأمية، البطالة، الفقر والتفاوت الطبقي، استشراء الفساد… الدين الخارجي في تزايد مستمر، كما أن الدول العربية تحتل المراتب الأدنى على مستوى التصنيفات والمؤشرات العالمية على مستوى الحرية السياسية والشفافية وأيضا التنمية الاقتصادية والمجتمعية. وهو ما ينذر بأن المرحلة الحالية شديدة الحساسية وتشكل مخاضا عسيرا يلقي بظلاله على تطور وتقدم المجتمعات العربية، وربما يكون بداية لتغييرات جديدة فمن يستطيع حسب حنة ارندت دائما أن ينكر الدور الكبير الذي أدته القضية الاجتماعية في الثورات كلها.

إن بناء الدولة الوطنية اليوم يحتاج ليس فقط إلى تفعيل قيم المواطنة وبناء النسيج الوحدوي للدولة، ولكن أيضا إلى تجاوز مخلفات الصراعات الداخلية وخاصة منها المسلحة، حيث تضرر الاقتصاد وتم تدمير البنية التحتية والمرافق الحيوية، وعدم الوصول إلى الحل وفشل تسويات الحوار زاد من إطالة أمد الصراعات والتي تبدو أنها لن تنتهي في الوقت القريب، بل يبدو أنه يزداد تعقدا مع التدخلات الخارجية التي تحاول الاستفادة من الوضع لصالحها وخدمة لأجنداتها الخاصة، وهو ما ينذر باستمرار حالة اللااستقرار وضعف الدول.

إن الدولة الوطنية من المفترض أنها دولة حيادية، ولا يجب أن تكون تابعة لجهاز معين أو تحت سيطرة حزب محدد، فهي دولة لكل المواطنين بمختلف تلاوينهم الدينية والعرقية والإثنية، وأي تغيير في هذه المعادلة من شأنه أن يكون مقدمة لانفجار داخلي بين مختلف مكونات المجتمع وخاصة من قبل الفئات الأكثر تضررا، وهذا ينعكس سلبا على النظام السياسي فيما بعد، حيث يجد نفسه في صدام معها وهو ما يؤدي إلى استفحال الأزمة.

لم يعد من الممكن اليوم الحديث عن مجرد أزمة عابرة للدول العربية بقدر ما يمكن الحديث عن مأزق حقيقي وقعت فيه الدول العربية ولم تتمكن الأنظمة الحاكمة من اللحاق بركب الأنظمة الديمقراطية ولا من شرعنة وجودها على رأس السلطة.


الهامش

[1] عبد الفتاح إسماعيل. “معجم المصطلحات السياسية والاستراتيجية”. الطبعة الأولى. العربي للنشر والتوزيع. القاهرة 2008. ص. 92

[2] للمزيد الاطلاع على الرابط التالي. الموسوعة السياسية. تاريخ الزيارة. 29/5/2021 على الساعة 12:00GMT.

[3] صمويل هنتنجتون. النظام السياسي في مجتمعات متغيرة. تصدير فرنسيس فوكوياما. ترجمة حسام نايل. دار التنوير للطباعة والنشر. بيروت. الطبعة الأولى 2017. ص. 419.

[4] صمويل هنتنجتون. النظام السياسي في مجتمعات متغيرة. تصدير فرنسيس فوكوياما….. مرجع سابق ص. 419.

[5] بشارة عزمي “ثورة مصر ج1. من جمهورية يوليو إلى ثورة يناير” المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. الطبعة الأولى. بيروت 2016. ص. 225

[6] هانك جونستون “الدول والحركات الاجتماعية” ترجمة أحمد زايد. المركز القومي للترجمة. الطبعة الأولى 2018. ص. 29

[7] للمزيد أنظر موقع الموسوعة السياسية على الرابط التالي: الموسوعة السياسية، تاريخ وساعة الزيارة. 30/5/2021 على الساعة 12:00GMT.

[8] صمويل هنتنجتون. النظام السياسي في مجتمعات متغيرة. تصدير فرنسيس فوكوياما….. مرجع سابق. ص. 345 – 346 .

[9] -Weber, Max, «le savant et le Politique édition plon,1959 p 117.

[10] وائل حلاق “الدولة المستحيلة. الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي”. ترجمة عمرو عثمان. مراجعة ثائر ديب. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. الطبعة الثانية. بيروت شباط/فبراير 2015. ص. 75

[11] على هذا الصعيد نجد أن الجيش الذي لا يجد في الخارج خطرا جديا داهما تتجه جهوده الى الداخل ليكون جيش حماية النظام بما يتوافق مع الظروف المتاحة. وهنا تكون أهمية الإرادة الشعبية والرضا الشعبي محدودة بالنسبة الى الجيش الذي يعتني أكثر برضا الحاكم فهم جيش الحاكم أولا…أمين محمد حطيط “المؤسسة العسكرية والثورة (في الوطن العربي). مؤلف جماعي تحت عنوان “الثورة والانتقال الديمقراطي في الوطن العربي نحو خطة طريق” بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي بالإسكندرية. الطبعة الأولى. بيروت تموز/يوليو 2012 ص. 221

[12] لا تحرز الحكومة والأحزاب السياسية أدنى مستويات الثقة فحسب، بل إن انتشار الفساد وضعف أداء القطاعات الرئيسية (الصحة والتعليم) وانعدام الإرادة السياسية يخلقان حلقة مفرغة من انعدام الثقة. رشيد أوراز. فرانشيسكو كولين. “مؤشر الثقة في المؤسسات 2020. البرلمان وما ورائه في المغرب تجديد الثقة من خلال بحث جذور نقصها” المعهد المغربي لتحليل السياسات. ص 45

[13] تتحول العصبية في لحظة من اللحظات من مجرد رابطة قبلية معينة إلى قوة للمطالبة والسعي وراء السلطة ومن ثم تأسيس السلطة. د. محمد عابد الجابري “فكر ابن خلون العصبية والدولة. معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي”. مركز دراسات الوحدة العربية. الطبعة السادسة. بيروت. نيسان/أبريل 1994. ص 179

[14] عمرو حمزاوي تشريح أزمات الدولة في الوطن العربي: ملاحظات أولية حول المستويات والمضامين. في مؤلف جماعي تحت عنوان “أزمة الدولة في الوطن العربي” بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع مركز كارنيجي للشرق الأوسط والجمعية العربية للعلوم السياسية. مركز دراسات الوحدة العربية الطبعة الأولى. بيروت تموز/يوليو 2011. ص. 91

[15] ألموند جبريال “السياسات المقارنة في وقتنا الحاضر. نظرة عالمية “جابرييل ايه الموند وجين بنجهام باول الابن. ترجمة هشام عبد الله. الدار الاهلية للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى. 1998. ص. 17

الوسوم

د. إكرام عدنني

أستاذة العلوم السياسية. جامعة ابن زهر. أكادير. المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى