قلم وميدان

الثورة ووسائل التواصل الاجتماعي استعادة الدور

أن تكنولوجيا المعلومات في عصرنا الحالي أصبحت ذو أهمية عظمي حيث تحتوي في مضمونها على جميع نواحي الحياة الاجتماعية للشعوب وخصوصا مجال الاعلام والاتصال وبالتي ظهرت أجيال جديدة تعتمد على التكنولوجيا بشكل رئيسي وبالتالي فإن الاتصال الرقمي الذي يتناوله العديد من علماء الاجتماع السياسي في دراساتهم كان له تأثير عظيم في تغيير الواقع السياسي والاجتماعي على المستوي المحلي والإقليمي والدولي وخصوصا منطقة الشرق الأوسط.وفي مصر أصبح لوسائل التواصل الاجتماعي (فيس بوك ، تويتر، يوتيوب) أثر مهم في تشكيل الوعي السياسي والثوري لقطاعات كبيرة من الشعب المصري قبيل ثورة 25 يناير وبعدها حيث استخدمتها العديد من الحركات والقوة السياسية في الترويج والدعاية لكسب المزيد من المؤيدين لقضاياهم، حيث قامت العديد من الحركات بإنشاء صفحات ومجموعات وقنوات علي فيس بوك ويوتيوب ومن هذه الحركات علي سبيل المثال (حركة 6 أبريل، وكلنا خالد سعيد، الجمعية الوطنية للتغيير، ومجموعات وصفحات لشباب الاخوان المسلمين ….إلخ) حيث كانت وسائل التواصل الاجتماعي سالفة الذكر وسائل للدعاية للوقفات الاحتجاجية إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك مرورا للدعاية للنزول يوم 25 يناير وما بعدها حيث كان لها الدور الأكبر في نزول قطاعات كبيرة من الشعب للشارع والمطالبة بتغيير النظام القائم وقتها وبالفعل نجحوا في أسقاط نظام الرئيس المخلوع مبارك وبالتالي يمكننا التأكيد علي أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في عملية التغيير السياسي والعمل الثوري وتهيئة الشعوب للقيام بالثورة.

المراحل التي مرت بها البيئة الاعلامية في مصر قبل وبعد الثورة:

عند دراسة الحالة الاعلام في المصرية قبل الثورة وبعدها يمكننا أن نقسمها الي ثلاث مراحل وهي:

  • مرحلة المعارضة الهامشية (ما قبل ثورة 25 يناير أثناء حكم الرئيس المخلوع مبارك) فقد كان هناك هامش بسيط لبعض وسائل الاعلام المرئية والمقروءة ولكن لا ترقي إلى الحرية الإعلامية، بل نستطيع القول إنها ديكور لتجميل صورة النظام أمام الغرب والقول بأن هناك حرية في مصر، وقد كانت القوي والحركات الثورية تعتمد على مواقع وسائل التواصل الاجتماعية كإعلام بديل للتعبير عن أفكارها وتعتبر الأنشط والأفضل حيث كانت أهدافها واضحة وصاحبة رسالة حقيقية مع اختلاف أيدولوجيات مستخدميها.
  • مرحلة الفوضى الإعلامية (من يوم التنحي حتي انقلاب يوليو 2013) وهي في وجهة نظر البعض من أفضل المراحل والبعض الآخر يقول كان ينبغي ترشيدها لأنها صنعت حالة من الاحتقان بين أبناء الشعب المصري، مرحلة الفوضى الإعلامية كما أسميها أعطت للمنصات الإعلامية حرية لا سقف لها بدون مواثيق للعمل الإعلامي والصحفي مما أدي الي حالة من الارتباك في المجتمع المصري وشجع علي ذلك الدولة العميقة بجميع مكوناتها من جيش وشرطة وقضاء وأجهزة سيادية حيث قل الاعتماد علي وسائل التواصل الاجتماعي، لأن القنوات والصحف أصبحت منفس للجميع بدون قيود ولا ضوابط حاكمة وهذا ارجعه سببا رئيسيا لحالة الاحتقان الذي شهدها المجتمع المصري بين جميع طوائفه حيث استغل الاعلام كساحة للتحريض والتخوين والاساء بدلا من أن يكون عاملا للبناء وترشيد وتحقيق أهداف الثورة.
  • مرحلة تكميم الافواه بالقوة والنار وهي ما بعد الانقلاب العسكري وهي المرحلة الأشد والأقسى في تاريخ الاعلام المصري حيث أصبحت جميع وسائل الإعلام بوق للسلطة الحاكمة، ومن يخالف ذلك تُغلق مؤسسته أو يتعرض للتضييق والاعتقال وبالتالي لم يعد في مصر وسيلة إعلامية مرئية أو مكتوبة ذو مهنية علي الاطلاق، وبالتالي نشط من جديد الاعتماد علي وسائل التواصل الاجتماعي كإعلام بديل، ولكن في المقابل دخل علي الخط الأمن والاستخبارات المصرية، وبدأ ما يعرف باللجان الالكترونية التي أنشأتها أجهزة الامن المصرية، بل وصل الأمر الى إعداد هذه اللجان علي المستوي الإقليمي مثلما أنشأت السعودية مركز (اعتدال) والذي يعد من أكبر المراكز في الشرق الأوسط لمتابعة المحتوي الرقمي

مواقع التواصل واستعادة الدور

كان لمواقع التواصل الاجتماعي الدور الفعال في الدعوة للوقفات والمظاهرات الاحتجاجية قبل 25 يناير حيث كانت تستخدم كأداة للتكتيك والمناورة مع الجهاز الأمني المصري فكانت علي سبيل المثال تدعو لوقفات وهمية في أماكن وتوقيتات محددة فيحشد الامن المصري قوته لمواجهة هذه التظاهرات وفي نفس الوقت كانت تدعو لوقفاتها ومظاهراتها الحقيقية في أماكن أخري وتوقيتات مختلفة، وكان هذا تكتيك تستخدمه المجموعات الثورية قبل 25 يناير لإرهاق الجهاز الامني بالإضافة الي الحفاظ علي أفرادها من الاعتقال، ويعد هذه أحد أنواع الابداع الثوري الذي قامت بها المجموعات والقوي الثورية واستخدم بكثرة قبل الثورة وخصوصا سنة 2009، 2010 وبالإضافة الي وسائل الأخرى مثل الوقفات الصامتة، حيث كان الشباب يلبثون ملابس موحدة وتنتشر في سلاسل بشرية صامتة أمام أماكن حيوية ويتم التسويق الإعلامي لهذه الوقفات بشكل أبداع مما يولد حالة من الزخم الثوري وأيضا بعض وسائل بلالين الهيليوم التي تطلق من فوق منازل الشباب وتحمل شعار معين وكانت هذا من ضمن الوسائل التي كانت تدعو لها القوي الشبابية علي وسائل التواصل الاجتماعي وكان لها أثر ثوري أكثر من رائع دون أن يتعرض الافراد للاعتقال.

أما الآن فالنظام المصري في عهد عبدالفتاح السيسي يتعامل مع رواد مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة أشد وحشية ويرجع ذلك لخشيته من تكرار 25يناير أخري وهذا دليل واضح يثبت به النظام القمعي في مصر بأفعاله مدي أهمية وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي في صناعة حالة ثورية، حيث سن القوانين للرقابة علي الحسابات الشخصية وحظر الكثير من المواقع وهو انتهاك صارخ لحقوق الانسان.

ولكن هل بذلك نقول إن وسائل التواصل الاجتماعي فقدت أهمتها وفاعليتها؟

أقول لا لأن هناك وسائل وأساليب يستطيع الحراك الثوري من خلالها المناورة مع الأجهزة الأمنية، وفي هذا السياق فقد كشف تقرير أعدته شركة (تكنو وايرلس) المصرية المتخصصة في التسويق الاليكتروني وشبكات الهاتف المحمول عن زيادة كبيرة في استخدام الانترنت في مصر بعد الثورة المصرية في 25 يناير 2011 حيث لعب الانترنت بشكل عام، وموقعا الفيسبوك وتويتر للتواصل الاجتماعي بشكل خاص، دورا فاعلا في الانتفاضة الشعبية في مصر التي استمرت 18 يوماً، وأدت إلى تخلي مبارك عن السلطة، وتسليمها للجيش في 11 فبراير 2011 وذكر التقرير ان عدد مستخدمي الانترنت في مصر قبل 25 يناير كان يبلغ 21,2 مليون شخص لكنهم وصلوا خلال الثورة في 23,1 مليون بعد هذا التاريخ، وذكر التقرير أن عدد مستخدمي فيس بوك قبل 25 يناير كان 4,2 مليون شخص لكنه ارتفع 23,8 بالمئة بعد الثورة أي 5,2 مليون أما تويتر فكان عدد مستخدميه قبل الثورة 26,800 مستخدم زاد بعدها الي 44,200 حسب التقرير.

ومن الواضح للمتابع أن عدد مستخدمي فيس بوك ووسائل التواصل الجديدة مثل واتس أب وتليجرام وتويتر ويوتيوب في تزايد مستمر وأصبح استخدامه أكثر فاعلية فأصبحت الصفحات السياسية والاخبارية تتفوق وربما للمرة الاولي على الفنية والرياضية بعد ثورة يناير، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي رابط أساسي بين التكنولوجيا والسياسة والعمل الثوري، بل أصبحت وسيلته الوحيدة للتعبير والدعوة للثورة بعد أن أغلقت أمامهم كل وسائل التعبير في ظل النظام الحالي، وهكذا أصبحت وسائل التواصل مقصدا للعديد من فئات الشعب المصري، الذين وجدوها متنفسا للتعبير عن آرائهم السياسية

وكما برعت القوي والمجموعات الثورية في التكتيك والمناورة مع الأجهزة المنية قبل ثورة يناير أيام المخلوع مبارك باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، تستطيع بتكتيكاتها وأدواتها مع الابتكار والتجديد، والمحافظة على الأمن الشخصي للأفراد، المناورة مع الأجهزة الأمنية للنظام، والتأكيد على أن حالة الخوف التي بثها نظام السيسي في المجتمع من خلال القتل والتعذيب والاعتقال ليست عائقا أمام الابداع الثوري للمؤمنين بثورة 25 يناير [1].


[1] الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

إسلام عبدالله زعبل

باحث سياسي مصري، يعد للحصول على درجة الماجستير في العلوم السياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى