المعهد المصري للدراسات

الجريمة الكاملة والعدالة الغائبة: 7 سنوات بعد مذبحة رابعة

رغم مرور سبع سنوات على مذبحة رابعة التي وقعت يوم 14 أغسطس 2013، والتي تعد عملية عسكرية، حيث شاركت قوات الشرطة بالتعاون مع الجيش المصري بفض اعتصامات المعارضين لانقلاب 3 يوليو 2013 في مصر، إلا إنه لم يتم محاسبة المسؤولين عن المذبحة حتى الآن. وكانت الاعتصامات الرئيسية في ميدان رابعة العدوية في القاهرة وميدان النهضة بالجيزة، بالإضافة إلى العديد من الاعتصامات في باقي المحافظات.

وتُمثل خطوة فض اعتصام رابعة نقطة تحول فاصلة بالنسبة إلى حقوق الإنسان في مصر، حيث كانت استراتيجية الفض التي تم استخدامها من السيسي، بمشاركة قوات الأمن في ذلك الوقت، غير مسبوقة في المجتمع المصري، بالإضافة إلى الأساليب والممارسات القمعية التي استخدمتها قوات الأمن، وعلى رأسها سلسلة من عمليات الإخفاء القسري والإعدامات خارج نطاق القانون على نطاق لم ترَ البلاد له مثيلاً من قبل.

تضارب عدد الضحايا

رغم مرور سبع سنوات على مذبحة رابعة والنهضة إلا أن التقديرات حول عدد القتلى والمصابين في الأحداث كان بها تضارب كبير؛ فبعد 14 ساعة استغرقتها عملية فض الاعتصام، تعددت التقديرات الخاصة بأعداد القتلى، سواء تلك التي أعلنتها السلطات المصرية أو تلك المعلنة من قبل التحالف المؤيد للشرعية أو من الجهات المستقلة:

التقارير الرسمية من الدولة المصرية

جاء في تقرير وزارة الصحة المصرية في 15 أغسطس 2013 أن أعداد الضحايا في رابعة العدوية 288 قتيلاً.

وفي 13 سبتمبر 2013، قال المتحدث باسم مصلحة الطب الشرعي هشام عبد الحميد، إن إجمالي عدد الوفيات في أحداث فض اعتصام رابعة العدوية بلغ 333 حالة، بينهم 247 حالة معلومة (هويتها) و52 حالة مجهولة، و7 حالات من الشرطة.

وفى 5 نوفمبر 2013، أعلن الطب الشرعي فى بيان رسمي جديد له، أن إجمالي عدد ضحايا رابعة 377 قتيلاً، منهم 31 جثة مجهولة الهوية.

كذلك أصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان المعيَّن من قبل الحكومة المصرية تقريراً قال فيه إن أعداد قتلى اعتصام رابعة العدوية 632 قتيلاً.

وفي 25 نوفمبر 2014، أصدرت لجنة تقصي الحقائق المعروفة باسم لجنة تقصي 30 يونيو برئاسة الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض تقريرها النهائي بشأن أحداث رابعة والنهضة، وقال التقرير إن إجمالي الضحايا 860 قتيلاً.

بيانات الإخوان وتحالف دعم الشرعية

في15 أغسطس 2013، قال التحالف الوطني لدعم الشرعية إن إجمالي الوفيات فى فض رابعة العدوية وحدها بلغ 2600 شخصا، وهو نفس العدد الذي تحدثت عنه المستشفى الميداني في رابعة في ذلك الوقت.

وصدرت تصريحات مختلفة عن قيادات بجماعة الإخوان المسلمين منهم الدكتور محمد البلتاجي والدكتور عصام العريان في توقيتات سابقة ترفع عدد القتلى إلى ثلاثة آلاف، في حين ذهب آخرون من أعضاء الإخوان وقياداتهم إلى أن الضحايا بلغوا خمسة آلاف، وهو ما فسرته مصادر من داخل جماعة الإخوان في تصريحات لوكالة الأناضول.

رصد حقوقي

ويكي ثورة

في مايو 2014، قدّر موقع ويكي ثورة عدد القتلى في أحداث رابعة العدوية والنهضة بـ 1542.

هيومن رايتس ووتش

في 20 أغسطس 2013، قالت منظمة هيومان رايتس ووتش فى بيان لها، إن استخدام قوات الأمن للقوة فى فض اعتصام رابعة العدوية يعد أسوأ حادث قتل جماعي فى التاريخ المصري الحديث، حيث بلغ عدد الضحايا على الأقل 337 قتيلاً.

آخر تقرير لـ “هيومان رايتس ووتش”، والمكون من 188 صفحة والذي أعلن رسمياً يوم 12 أغسطس/ آب 2014 تحدثت فيه عن قتل 1150.

العفو الدولية

ذكرت منظمة العفو الدولية في بيان أصدرته يوم 16 أغسطس 2013، أن “عدد الضحايا تعدى ستمائة شخص بعدما استخدمت قوات الأمن القوة المميتة غير المبررة ونكثت بوعدها بالسماح للجرحى بمغادرة الاعتصام بأمان”.

مؤسسة الكرامة

قدرت مؤسسة الكرامة الدولية لحقوق الإنسان فى يوم 17 أكتوبر 2013 عدد الضحايا بـ 985 شخصا. وأصدرت مجموعة من النشطاء السياسيين يوم 14 يناير/كانون الثاني 2014 كتابا إلكترونيا بعنوان “رابعة بين الرواية والتوثيق”، قالوا إنهم نجحوا في توثيق 825 حالة قتل في فض رابعة.

مبررات التضارب

الفوضى التي صاحبت عمليات فض اعتصام رابعة العدوية هي السبب في هذا التناقض في الأرقام، ويفسر البعض عدم وجود توثيق دقيق لأعداد القتلى بسبب احتراق سجلات المستشفى الميداني أثناء الفض، وامتناع عدد من الأهالي لضحايا الفض عن إيصال الجثث للمشرحة أو المستشفيات، بالإضافة لحرق وتجريف جثث أخرى فكل إحصائية تحدثت عن المعلومات التي وصلت لها فقط.

كما لا نستطيع أن نتغافل أيضا عن القبضة الأمنية المشددة التي فرضتها السلطات المصرية على أهالي الضحايا وعلى الصحفيين وعلى المنظمات الحقوقية، فهذه الممارسات كانت سببا رئيسيا فى تضارب البيانات لأعداد ضحايا الفض.

اعتقال الضحايا

بعد مذبحة الفض مباشرة قام القضاء المصري بفتح تحقيق فى الواقعة التي هزت العالم كله، لكن لجنة تقصي الحقائق التي أنشأها الرئيس المؤقت آنذاك عدلي منصور والمعيَّن من قبل السيسي والمؤسسة العسكرية، كان نهجها بأن لا أحد من الجيش أو الشرطة يُحاكَم في هذه الجرائم.

وتحول المعتصمون من ضحايا إلى متهمين في محاكمات أُلقي فيها اللوم على قادة الاحتجاجات بعد وقوع الضحايا في رابعة، وقُبِضَ على مئات ممن حضروا الاعتصامين، ومن بينهم بعض الصحفيين والمصورين الذين كانوا يزاولون عملهم في تغطية الأحداث، وقُدِّمُوا إلى محاكمة جماعية جائرة.

وقد سمحت هذه الثغرة الواسعة في تطبيق العدالة لقوات الأمن بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من بينها استخدام القوة المفرطة بشكل مميت، وتنفيذ عمليات إخفاء قسري، دون حسيب أو رقيب.

بالإضافة إلى أحكام الإعدام واستهداف المعارضين في الخارج والداخل وتلفيق الاتهامات لهم، الأمر الذي من شانه أن يهدم أي استنتاجات أو تحليلات بشأن أنه كان هناك احتمالية حدوث أي مصالحات فى هذا الوقت بين النظام وجماعة الإخوان.

محاولات محو مذبحة رابعة

في إبريل 2020 وخلال الاحتفال بإنهاء أعمال الحفر في أحد الأنفاق أسفل قناة السويس، تحدث رئيس الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة المصرية اللواء إيهاب الفار حول أعمال الهيئة في إنشاء العديد من الجسور شرقي القاهرة، وعندما تحدث عن جسر شارع الطيران، قاطعه السيسي مؤكدا أن اسمه جسر الشهيد هشام بركات النائب العام الأسبق، وعندما أعاد المسؤول العسكري الحديث عن الجسر ذكر ميدان رابعة الذي يمر من فوقه، وهنا انفعل السيسي مشددا على أن الاسم هو ميدان وجسر الشهيد هشام بركات.

وفي عام 2015، أقر مجلس الوزراء المصري، تغيير اسم ميدان رابعة العدوية إلى ميدان النائب العام الراحل المستشار هشام بركات.

واعتبرت الأجهزة الأمنية إشارة رابعة علامة تمرّد تستحق البطش والتنكيل بحاملها، فلم تتوانَ في إلقاء القبض أو إدانة واضطهاد كل من يرفع يده بها أو يحملها، كما صدر قانون ينص على إدانة كل من يحمل أو يطبع أو يضع في مواقع التواصل الاجتماعي شارة رابعة، وهو الأمر الذي شاهدناه في المحاكم لقضايا هزلية، كالقبض على مراهق وولي أمره بتهمة حيازة مسطرة مرسوم عليها إشارة رابعة، والقبض على فتاة وضعت دبوساً عليه إشارة رابعة، هذا بالإضافة إلى إيقاف مجموعة من الرياضيين الذين فاجأوا الكاميرات المسلطة عليهم بالتلويح بإشارة رابعة.

خلاصة

هناك مخاوف مبرَّرة من تحول ضحايا رفض الانقلاب العسكري في مصر لـ “مجرد رقم”، ضمن أرقام متناثرة هنا وهناك، خاصة مع إصرار نظام السيسي على محو أي ذكرى لمذبحة رابعة وما تلاها من مذابح، هذا من جانب؛ ومن جانب آخر حالة الضعف التي تعيشها المعارضة بالخارج وخاصة في حالة عدم التنظيم والتنسيق الكافي فى العمل الحقوقي.

ورغم قسوة مشاهد الفض ووحشية قوات الأمن المصري بالتعاون مع قوات الجيش المصري، إلا أن غياب العدالة والإفلات من العقاب طوال هذه السنوات هو سيد الموقف حتى بعد مرور سبع سنوات على ذكرى الفض.

النهج الأمني الذي اعتمد عليه السيسي منذ بداية الأحداث كان له تداعيات واضحة فى بث روح اليأس على ذوي الضحايا عن تقديم أحد إلى العدالة، وعلى رأس هذه الممارسات التصفية الجسدية دون محاكمات، ثم تصفهم وزارة الداخلية بـ “الإرهابيين” الذين تُلحقهم تارة بولاية سيناء أو تنظيم الدولة أو حركة حسم وغيرها، ثم التأكيد على أن الضحايا كانوا إرهابيين قُتلوا في أثناء الاشتباك مع قوات الأمن.

فض ميدان رابعة والنهضة بهذا الشكل الدموي الذي شاهده العالم كله عبر اقتحام الجيش والشرطة لساحات التظاهر، ليست جريمة سياسية وحسب؛ وإنما هذه الجريمة ترقى إلى “جريمة ضد الإنسانية”، حيث تُعتبر هي الجريمة الأبشع في تاريخ مصر الحديث؛ لذا فلابد من التعامل معها بحسب قدرها والتأكيد المستمر في المحافل الدولية بأن جريمة الفض جريمة لن تسقط بالتقادم، أو بسن تشريعات جديدة لمعافاة المسؤولين من المُساءلة والعقاب.

وأنه على رغم كل محاولات السيسي ونظامه في محو مذبحة فض رابعة داخل مصر وخارجها، فإن شبح رابعة يطارده في كل مكان؛ ورغم البطش والقتل والتنكيل الذي يواجهه المعارضون في الداخل والخارج إلا أن مازالت رابعة في قلوبهم حية لم تمت رغم كل العقبات التي تواجههم على مدار سبع سنوات، فالتاريخ يؤكد بأنه ما ضاع حق وراءه مطالب.

Exit mobile version