fbpx
قلم وميدان

الحكومة العراقية الجديدة بين أميركا وإيران: من الرابح؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

يرجح معظم التقارير إلى إمكانية قيام المعسكر الأمريكي بتشكيل الحكومة وذلك لأن معظم الفائزين (ما عدا فتح العامري ودولة القانون المالكي) لهم صلات أقوى مع أميركا، كما أن العراقيين بصورة عامة مستائين من موقف الجماعات القريبة من إيران التي حكمت العراق في الفترة الماضية. ولكن نتوقع ألا يسكت المعسكر الإيراني على ذلك وقد يلجأ إلى استعمال الحشد لمحاولة انقلابية شبيهة بتلك التي حصلت في اليمن ويكون الثنائي العامري والمالكي منفذا هذه العملية. فقد يكون حصول هذا السيناريو مدمر ومكلف ومؤسف لجميع العراقيين ولكن بداية النهاية للهيمنة الإيرانية في العراق وعلى الكرد الاستعداد لجميع الخيارات .

فقد وصل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني إلى العراق مطلع الأسبوع الثاني من مايو 2018، في زيارة مفاجئة يعتقد أنها تهدف لتحديد ملامح الحكومة العراقية المقبلة وأبرز القوى التي ستسهم في تشكيلها. ونقل موقع ‹الحرة› الأمريكي عن مصادر وصفها بـ «خاصة»، أن سليماني يجري تحركات لتشكيل كتلة برلمانية كبيرة تتألف من قوى مقربة من طهران لقطع الطريق أمام الرياض وواشنطن وضمان وصول شخصية مقربة لتولي منصب رئيس الوزراء. وتركزت حوارات سليماني وفقا لتلك المصادر في بغداد مع رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ورئيس ائتلاف الفتح هادي العامري وفي السليمانية مع الاتحاد الوطني الكردستاني لعزل تحالف ‹سائرون› بزعامة مقتدى الصدر الفائز بالانتخابات .

كما تهدف هذه التحركات إلى إدخال ائتلاف النصر الذي يقوده رئيس الوزراء حيدر العبادي في الكتلة البرلمانية الأكبر وجمعه مع المالكي وكلاهما ينتميان لحزب الدعوة الإسلامية، وفي حال امتناعه عن الالتحاق بالتحالف الذي تسعى إيران لتشكيله فسيكون هناك محاولة من تشتيه من الداخل. ويرى رئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية عدنان السراج أن «من الصعوبة جدا أن يتم توحيد العبادي والمالكي في ائتلاف واحد أو إعادة جمع طرفي حزب الدعوة المشاركين في الانتخابات لوجود اختلافات كبيرة بينهما». وقد حاول المالكي طيلة الفترة الماضية عرقلة جهود العبادي الاصلاحية واتخذ كل السبل لإفشالها. ووصل الأمر في بعص الأحيان بينهم حد كسر العظم. وفي أكثر من مناسبة شبه العبادي المالكي بصدام وسماه ب “قائد الضرورة” وكان ذلك إهانة كبيرة له، وحمله العبادي مسؤولية سقوط ثلث العراق بيد داعش .

وبالتزامن مع التحركات التي يقوم بها سليماني أعلن أيضاً عن قيام المبعوث الأميركي الخاص إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش بريت ماكغورك بإجراء لقاءات في بغداد مع عدد من القيادات العراقية بينهم رئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري. وفي أربيل أجرى مكغرك لقاءات مع الرئيس مسعود بارزاني وقيادات كوردية أخرى بحث خلالها نتائج الانتخابات، «مع تسليط الضوء على احتمالات تشكيل الحكومة المقبلة»، وفقاً لبيان صادر عن مكتب الزعيم الكردي. ويهدف المبعوث الأميركي إلى «خلق تكتل مضاد للقوى التي تسعها إيران لتأسيسها في البرلمان» وفقاً لرئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي. ويضيف الهاشمي، أن «واشنطن ستواجه صعوبات عديدة من أجل تشكيل هذا التحالف المضاد لإيران، حتى في حال نجحت في تحييد أصدقاء طهران وتشكيل الحكومة، ويوضح الهاشمي أن “التحالف الذي تحاول واشنطن تأسيسه يتكون من الحزب الديمقراطي الكردستاني وقوى سنية مقربة من الرياض وتحالف العبادي والصدر”.

خيارات إيران في العراق :

إن الهيمنة الإيرانية داخل العراق هي مسألة وجود وعدم الوجود. فالعراق ركيزة مهمة في سياسة التوسع الصفوي الإيراني نحو الشرق الاوسط. فالعراق هي الجسر الذي يمد إيران منها قواتها وحلفائها في سورية ولبنان ومن العراق ستحاصر السعودية والكويت. وإذا فقد إيران العراق وسقطت ضمن الهيمنة الامريكية ستحاول حكومة الصقور في أمريكا دعم المعارضة الإيرانية لأسقاط النظام في إيران. وقد صرح العديد من المسؤولين الإيرانيين بأن العراق أصبح جزء من الامبراطورية الفارسية القديمة. وكان آخر هذه التصريحات من علي أكبر ولايتي، مستشار الخامنئي، حيث قال قبل الانتخابات الأخيرة “إننا لن نسمح للشيوعيين والليبراليين بحكم العراق”. وكانت تلك إشارة واضحة إلى جماعة الصدر. وقام الصدر في تموز/ يوليو 2017 بزيارة نادرة للسعودية حيث التقى مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومسؤولين آخرين وهي خطوة أثارت غضب إيران وحلفائها في العراق. وصرحت جماهير صدر في بغداد بهتافات معادية لإيران من قبيل ” العراق حرة حرة يا إيران برة برة “.

وكان الصدر ألمح في تغريدة له من خلال اللعب على المعنى إلى نية التعاون مع أطراف فائزة في الانتخابات باستثناء الفتح التي تضم فصائل من الحشد الشعبي والاتحاد الوطني الكردستاني، وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي .

ويتعين على رئيس الوزراء العراقي المقبل أن يحظى بدعم إيراني وأميركي أو على الأقل ينجح في خلق توازن في ظل التوتر بين الجانبين، وفقا للمحلل السياسي أحمد الأبيض. ويرى الأبيض أن «المعسكر الأميركي في العراق سيكون الأقرب لتحقيق الفوز وتشكيل الحكومة المقبلة، والذهاب مع المجتمع الدولي”.

وقد تحاول إيران اعطاء رئاسة الوزراء لجماعة الصدر ولكن بشرط أن تبقى المحاور الرئيسية من الحكم بيد الحشد الموالي لها وتحصل من الصدر على ضمانات بإخراج جميع الامريكيين من العراق. وهذا ما عمل مع المالكي فقبل إيران به في عام 2014 رئيسا وزراء مطروحا من الامريكان ولكن بشرط أن يتعهد المالكي بإخراج الأمريكان من العراق وهذا ما عمله المالكي فوقع اتفاقية مع الأمريكان في عام 2011 وأنهى الوجود الرسمي الأمريكي في العراق .

وقد تحاول إيران أيضا الابقاء على العبادي لفترة أخرى في الحكم ولكن بشرط أن يبقى الحشد يتحكم بكل مفاصل القوة، ويتعهد العبادي بالسكوت عن استعمال إيران العراق والمليشيات الشيعية كأدوات للسياسة الإيرانية التوسعية في الشرق الاوسط. وهذا سيضع العبادي على المحك وعلى الأكثر سيلجأ الأمريكان بمعاملة العبادي ونظامه كنظام بشار الاسد وستدعم القوات الكردية للهيمنة على المناطق المتنازعة عليها وقد تلجأ أمريكا إلى تسليح العرب السنة لمواجهة النفوذ الإيراني .

وفي حالة تأسيس الصدر وتحالف العبادي والحكيم والعلاوي والديمقراطي الكردستاني الحكومة المقبلة وعزل الاطراف الموالية لإيران من المتوقع جدا أن تلجا إيران إلى النموذج الحوثي وذلك من خلال العامري والمالكي وقطاعات من الجيش العراقي التي تميل في الولاء إلى إيران وقد أدخلهم المالكي إلى قوات الجيش والشرطة الاتحادية وقوات الداخلية .

علما أن لهذه المليشيات أحدث الاسلحة الإيرانية والامريكية ومعبأة عقائديا وذات ولاء لإيران. طبعا ستخرج إيران من هذه المجازفة على الاكثر خاسرة وستنتهي الهيمنة الإيرانية وتأثير الأحزاب الشيعية الموالية لها .

الخيارات الكردية :

يبدو أن الكرد مرة أخرى أمام فرصة تاريخية لاستعمال نفوذهم الانتخابي لكسب بعض الضمانات من بغداد والأمريكان. ولكن مما يؤسف له أن قادة الأحزاب الكردية سيضيعون هذه الفرصة أيضا لأنهم فاقدون لفن وأساليب اللعبة الدبلوماسية. ويعود ذلك إلى عدم الاستفادة من الخبرات الدبلوماسية الماضية وإرسال أناس إلى بغداد غير أكفاء من هذه الناحية، كما تقول تجربة الماضي القريب، وثانياً لا يمتلك الحزبين الرئيسيين الحاصلين على أكثر الأصوات في الانتخابات الأخيرة على الاستقلالية في القرار. حتى إذا تركنا التهم الموجهة إلى الاتحاد الوطني بأن مكاسبه في الانتخابات الأخيرة كانت بفضل الجهود الإيرانية التي طبخت نتائج الانتخابات لها، وما حصل في مناطق الحزب الديمقراطي من خروقات، فإن القيادة الكردية في الاتحاد الوطني حاليا فاقدة للقيادة ومركز القرار وتستغل إيران ذلك جيدا. أما الحزب الديمقراطي الكردستاني فقيادته تعاني من التهميش دوليا نتيجة الاستفتاء وقد يعدهم الامريكان بدور جديد في العراق ما بعد الانتخابات مقابل القبول بالأجندات الامريكية في بغداد .

وإذا كان للقيادة الكردية الوعي التاريخي الناضج واستقلالية في القرار ستتخذ الخطوات الدبلوماسية التالية :

1ـ تطالب بأن تعلن الحكومة المركزية بأنها تقبل بمبدأ الشراكة في الحكم وليس المشاركة الكردية فقط ويترجم ذلك من خلال إعادة المناصب السيادية التي كانت من حصة الكرد في الجيش والقوات الأمنية والإدارات والقضاء .

2ـ الانفتاح على جميع الأطراف في المعسكرين الأمريكي والإيراني في بغداد والقيام بدبلوماسية نشطة للإيحاء للأميركيين والإيرانيين بأن الصوت الكردي سيكون لمن يضمن الحقوق الكورية وبضمانات دولية أو تكون إيران أو الطرف الأمريكي أو الأمم المتحدة أطرافاً ضامنة لهذه العهود .

3ـ أن تكون هناك تحركات دبلوماسية وزيارات إلى طهران وأنقرة ولندن وباريس وواشنطن وطرح المطالب الكردية وعدم حصرها على لقاءات ماكغورك المعروف بعدائه للكرد وتفضيله لبغداد على المصالح الكردية .

4ـ التحرك فورا إلى بغداد وإجراء مفاوضات مكثفة لاطلاع الرأي العام العراقي على المطالب الكردية المشروعة، والدخول في مفاوضات مركزة ويكون معهم وفد من الخبراء لتقنيين القرارات والاتفاقيات التي سيصل اليها الوفد الكردي .

5ـ من جملة ما يمكن أن يطالب به الكرد: الادارة المشتركة للمناطق المتنازعة عليها وسحب المليشيات الشيعية منها، وضع سقف زمني لتطبيق المادة 140 مع وجود أطراف دولية للإشراف على تطبيق تلك المادة، والطلب من الحكومة المركزية رفع نسبة الاقليم من الميزانية إلى 17% مع وضع آليات فنية لتطبيق هذا القرار لعدم التهرب منها، وأن تكون البيشمركة وقوات الأمن الكردية جزء من القوات الحكومية الأمنية الرسمية أسوة بالحشد ويكون رواتبها مضمونة بأطر محددة ويكون ذلك بقرار من البرلمان، وأن تمارس حكومة الإقليم السيطرة على الحدود الدولية في الإقليم بالمشاركة مع السلطة الاتحادية وحسب اتفاقيات وبروتكولات محددة، ويكون التصرف بجميع الموارد والضرائب والرسوم من المطارات والمنافذ الخارجية باتفاق خاص بين الإقليم والحكومة المركزية ومن خلال الاستفادة من تجارب الدول الفيدرالية المتقدمة(*) .


(*) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close