أسيا وافريقيادراسات

الدور الإيراني في أفريقيا: المحددات التحديات

الدور الإيراني في أفريقيا

الاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية ليس وليد اللحظة، إذ قد يُرجعه البعض لمرحلة ما قبل الثورة عام 1979، في ظل حكم الشاه الذي كان يتماهى مع السياسة الأمريكية، لذا كان اهتمامه بالقارة في إطار الوكالة لمواجهة النفوذ السوفيتي آنذاك. لكن بعد الثورة وما رفعته من شعارات مثل فكرة الحكومة الإسلامية العالمية، ونصرة المظلومين والعداء للغرب وللشيطان الأكبر “الولايات المتحدة”، أخذ الاهتمام بالقارة منحى آخر، خاصة مع اصطباغ السياسة الخارجية بصبغة أيدولوجية واضحة خاصة بنشر التشيع، لا سيما في أوساط المسلمين السنّة باعتبارهم الهدف الأساسي للشيعة وليس غير المسلمين كالنصاري واليهود، أو حتى الوثنيين. وقد لعبت القيادة السياسية سواء المحافظة او الإصلاحية دورًا هامًا في زيادة الاهتمام بالقارة أو غيرها، كما كانت العلاقة مع الغرب والولايات المتحدة أحد أبرز المحددات الخارجية.

لذا ستحاول هذه الدراسة تناول محددات وأسباب الاهتمام الإيراني بالقارة، والآليات التي تم استخدامها في ذلك، وأبرز التحديات، وصولًا إلى الدور المطلوب عربيًا وإسلاميًا للتعامل مع هذه الظاهرة، وتختم بوضع بعض السيناريوهات لمستقبل هذه العلاقة.

وإذا كانت الدراسة ستُعني بالأساس بالقارة، فإنها سوف تحاول التركيز في بعض جنباتها على منطقة غرب أفريقيا باعتبارها تضم أكبر كتلة إسلامية جنوب الصحراء.

فرضية الدراسة

تنطلق الدراسة من فرضية أساسية هي أنه كلما تراجع الدور العربي والإسلامي في أفريقيا، كلما ساهم ذلك في تحقيق إيران لمشروعها بأبعاده المختلفة.

تساؤلات الدراسة

تحاول الدراسة في ضوء الفرضية السابقة الإجابة على عدد من التساؤلات الرئيسة:

  • ما هي أسباب ودوافع التدخل؟ هل التدخل الإيراني يستهدف تحقيق أهداف أيدولوجية “دينية وثقافية”، أم سياسية أم أمنية، أم كلها جميعًا؟
  • ما هي أدوات الدور وهل تقتصر فقط على الأدوات الخشنة “القوة العسكرية”، أم الأدوات الناعمة “الاقتصادية والثقافية”، أم مزيج بينهما، وهل تعتمد على التدخل المباشر أم التدخل عبر وكلاء “حزب الله، شخصيات شيعية ذات تأثير شعبي” أم الجمع بين الاثنين؟
  • هل نجح هذا التدخل بسبب توافر عناصر داخلية وإقليمية ودولية مواتية؟
  • ما هي عقبات هذا الدور؟

منهج الدراسة

ستكون نظرية الدور ومقولاتها الأساسية التي عبّر عنها المفكر كال هولستي – Kal Holsti، والتي تقوم على تصور قيادة ومتخذي القرار في كل دولة لمكانتها الدولية “عظمى، أو صغرى” في ضوء إمكاناتها ومقوماتها المختلفة “عدد السكان، القوة الاقتصادية، العسكرية، الموقع الجيواستراتيجي”، ثم أداء هذا الدور والآليات المستخدمة في ذلك، بما يساهم في النهاية في تقييم هذا الدور.

تقسيم الدراسة

تنقسم هذه الدراسة إلى مقدمة وثلاثة مباحث أساسية، فضلا عن الخاتمة:

المبحث الأول: محددات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه أفريقيا

المطلب الأول: المحددات السياسية

المطلب الثاني: المحددات العسكرية

المطلب الثالث: المحددات الاقتصادية

المطلب الرابع: المحددات الدينية “المذهبية”

المبحث الثاني: الآليات الإيرانية لتحقيق الأهداف

المطلب الأول: الآليات الدبلوماسية

المطلب الثاني: الآليات المخابراتية

المطلب الثالث: الآليات الاقتصادية

المطلب الرابع: الآليات الثقافية والتعليمية والمذهبية

المطلب الخامس: الآليات الاجتماعية

المبحث الثالث: تقييم وتحديات الدور

المطلب الأول: تقييم الدور

المطلب الثاني: مسهلات وتحديات الدور

المطلب الثالث كيفية مواجهة هذا الدور

خاتمة: سيناريوهات المستقبل

المبحث الأول: محددات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه أفريقيا

تتعدد المحددات والأهداف الإيرانية صوب القارة الأفريقية ما بين أهداف سياسية وأخرى اقتصادية وثالثة دينية وثقافية متمثلة تحديدا في نشر التشيع.. وبالرغم من أن تركيزنا في هذه الورقة ينصب على فكرة نشر التشيع لاسيما في غرب أفريقيا، إلا أنه لا يمكن تجاهل الحديث عن الأهداف الأخرى لتداخلها مع بعضها البعض.

المطلب الأول: المحددات السياسية:

تستهدف إيران تحقيق عدد من الأهداف السياسية في التواصل، بل والتغلغل في القارة الأفريقية، أبرزها الدعم الأفريقي لها في المحافل الدولية، وفي مواجهاتها مع الغرب، والولايات المتحدة، بل والدول العربية أيضا من خلال محاولة إحداث اختراق داخل الجامعة العربية وإقامة تحالفات مع بعض دولها كالسودان وجيبوتي والصومال وجزر القمر وجميعها قطعت علاقاتها بإيران بعد الاعتداء على السفارة السعودية في طهران 2016. ونفس الأمر بالنسبة للمحافل الدولية وأبرزها الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومجلس حقوق الإنسان، فضلا عن منظمة التعاون الإسلامي ناهيك عن منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” والتي تضم أربع دول أفريقيا هي ليبيا، أنجولا، نيجيريا، الجزائر، فهذه المنظمات تحظى بتمثيل أفريقي “54 دولة في الأمم المتحدة”، مقعد أو اثنان غير دائمين في مجلس الأمن.. ” منظمة التعاون 25 دولة من إجمالي 57 “، حركة عدم الانحياز، التي تضم 118 وجميع دول أفريقيا أعضاء فيها باستثناء جنوب السودان وبالتالي تسعى إيران شأنها في ذلك شأن إسرائيل لكسب هذه الدول في صفها أو حتى تحييدها. وهو ما حدث في أكثر من موقف

المطلب الثاني: المحددات العسكرية

تسعى إيران لتحقيق مجموعة من الأهداف المرتبطة بالجانب العسكري منها ما يتعلق بتعزيز التواجد في المناطق الاستراتيجية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن خاصة في ظل سيطرتها على مضيق هرمز. وباعتبار هذه المنطقة هي الأقرب استراتيجيًا لها والتي تمر منها السفن عبر باب المندب وقناة السويس باتجاه أوربا ودول العالم. وبالتالي تحرص على إيجاد موطئ قدم لها في هذه المنطقة الحيوية “دول القرن الأفريقي” خاصة الصومال، وباب المندب لاسيما جيبوتي التي تتحكم في الجزء الأفريقي في المضيق قبالة اليمن التي تتحكم في جزئه الأسيوي، والدول المطلة على البحر الأحمر خاصة السودان الحليف الوثيق قبل قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين 2016 على خلفية الأزمة بين إيران والسعودية.

أما الأمر الثاني فيتعلق بتصدير إيران السلاح لأفريقيا التي تموج بالصراعات. حيث تعتبر سوقا هامة لبيع السلاح الإيراني في مواجهة الحصار الدولي عليها من حين لآخر.. وفي دراسة مسحية لمدى انتشار الأسلحة الإيرانية في أفريقيا في الفترة من 2006 وحتى 2012 وشملت دولا شهدت حروبا أهلية أو اضطرابات مسلحة طويلة الأمد، مثل إقليم دارفور في السودان، جمهورية الكونغو الديمقراطية (DRC) وجنوب السودان. وبلدان أخرى شهدت اضطرابات سياسية مزعزعة للاستقرار أو حرب أهلية، مثل ساحل العاج وغينيا، أو دول عانت من عنف طائفي طويل الأمد أو وجدت نفسها محصورة بين مناطق النزاع حيث تنتشر الأسلحة دون رادع، مثل كينيا والنيجر وأوغندا. خلصت الدراسة إلى وجود 14 حالة مسلحة في هذه البلدان التسع، أربع منها فقط وصلت الأسلحة للحكومات (غينيا، كوت ديفوار وكينيا والسودان)، أما الحالات العشر الأخرى فوصلت للجماعات الأخرى المسلحة، وإن كان التقرير يعزو وصولها في بعض الأحيان للحكومات ذاتها نتيجة سرقة هذه الأسلحة أو فقدانها في المواجهات [1].

أما الهدف الإيراني الثالث فيتعلق بعملية تجنيد العملاء من الدول الأفريقية للقيام بعمليات تجسس على دولهم أو الأجانب الموجودين بها. وذلك لصالح المخابرات الإيرانية وحزب الله [2].

أما الهدف الرابع فيتعلق بالرغبة في استمرار الحصول على اليورانيوم، حيث تهتم إيران بالحصول على اليورانيوم خاصة من الدول الأفريقية في ظل مخططها لبناء 16 مفاعلًا نوويًا لإنتاج الطاقة واستخدامها لأغراض مدنية. ونظرًا لما قد يترتب على ذلك من إمكانية نفاذ مخزونها خلال فترة وجيزة، لذا بات من الأهمية بمكان الاهتمام بالدول الأفريقية المنتجة له واعتبار العلاقة معها ذات بعد استراتيجي كبير. ومن المعروف أن هناك العديد من الدول الأفريقية التي يتواجد بها احتياطات كبيرة من اليورانيوم، منها النيجر، الأولي أفريقيًا والرابعة عالميًا، وناميبيا، الثانية أفريقيًا والخامسة عالميًا، فمالاوي، الثالثة أفريقيًا والعاشرة عالميًا، فضلا عن غينيا- توغو “غرب أفريقيا “، وأفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية، وأوغندة “وسط أفريقيا”، زيمبابوي “جنوب أفريقيا”، جنوب القارة. [3]

ويعطي تطور العلاقات الإيرانية مع غينيا في غرب أفريقيا مؤشرًا واضحًا حول أهمية متغير اليورانيوم في السياسة الخارجية الإيرانية. فمنذ اكتشاف اليورانيوم في غينيا عام 2007 توطدت علاقات طهران بها، حتى إن التبادل التجاري بين البلدين في العام 2010 قد زاد بنسبة 140% [4]

المطلب الثالث: المحددات الاقتصادية

هناك مجموعة من المحددات الاقتصادية التي تدفع بإيران صوب القارة الأفريقية لعل أبرزها الرغبة في الحصول على المواد الخام، بخلاف اليورانيوم، اللازمة في عمليات التصنيع وتحقيق النهضة الإيرانية بدلًا من الاعتماد فقط على صادرات النفط التي ربما يصعب التحكم في أسعارها العالمية بما قد ينعكس سلبًا على اقتصادها

وربما المحدد الثاني يرتبط في الرغبة من الخروج من العزلة الدولية التي فرضت عليها بسب برنامجها النووي والتي بدأت بقرار مجلس الأمن رقم 1696 عام 2006، أي بعد تولي أحمدي نجاد الحكم بفترة وجيزة.. ما دفعه للبحث عن بدائل للغرب، فكان منها البدائل التقليدية مثل الصين وروسيا، والبدائل غير التقليدية مثل أفريقيا، لاسيما وأن المدخل كان تعرض بلاده والدول الأفريقية لاستغلال من جانب الغرب. لذا رفع شعار “لا حدود لتوسيع الروابط بين إيران والدول الأفريقية” [5]

وكانت البداية بأربع دول هي السودان وإريتريا في الشرق، ونيجيريا والسنغال في الغرب، ثم توسع الأمر بعد ذلك. وبالرغم من أن الاهتمام بأفريقيا بدأ يتراجع مع تولي روحاني الإصلاحي الحكم وسعيه لحل مشكلة البرنامج النووي مع الغرب، ثم صدور قرار مجلس الأمن 2231 في 2015 الذي يحدد جدولا للتعليق والرفع النهائي للعقوبات على إيران [6]، ما دفع روحاني إلى تراجع اهتمامه “العملي” وليس القولي بأفريقيا التي لم يقم بزيارتها حتى كتابة هذه السطور. وإن كان هذا لا يعني تراجع الاهتمام بصفة عامة بأفريقيا، بسبب المحددات الأخرى من ناحية، ولعودة الأمور لحالة التعقيد بعد انسحاب ترمب من الاتفاق النووي “مايو 2018″، وفرض عقوبات جديدة على إيران.

وإذا كان هذا هو الجانب العلني “الرسمي”، فهناك جوانب أخرى خفية تتعلق بالرغبة في الحصول على الأموال عبر أنشطة فيلق القدس وحزب الله في غرب أفريقيا تحديدًا لمواجهة هذا الحصار وتداعياته الاقتصادية، لا سيما ما يتعلق بتجارة الماس خاصة في مناطق الصراعات كسيراليون وغيرها، فضلا عن غسيل الأموال وتجارة المخدرات، وذلك بتسهيل من الجالية اللبنانية المنتشرة بصورة كبيرة في معظم دول الإقليم [7] .

أما المحدد الثالث في هذا الشأن فيتمثل في مساحة السوق الأفريقي الذي يتجاوز المليار نسمة، مما يعد فرصة لتصدير مختلف المنتجات الإيرانية إليه.

المطلب الرابع: المحددات الدينية “المذهبية”

تعد فكرة التشيع أحد ركائز السياسة الخارجية الإيرانية باعتبارها أمرًا من الأمور العقيدية.. وهو ما أشار إليه الخميني في إحدى خطبة لتحديد معالم السياسة الخارجية البلاده، والعوامل الحاكمة لها تجاه العالم ومنها الدول الأفريقية حيث قال: “إننا (في إشارة إلى الشيعة) نواجه العالم مواجهة عقائدية.. وسوف ننتصر في النهاية لأننا على صواب… ومن هنا فإن إحدى أهم أولويات الثورة أن نوضح للآخرين خطأهم، ونحاول دعوتهم إلى الإسلام الحقيقي (في إشارة إلى المذهب الشيعي)” [8]. ولقد أكد الخميني في موضع آخر أن تشكيل الحكومة الإسلامية في إيران هي مجرد الخطوة الأولي “النواة” بهدف إنشاء الحكومة الإسلامية العالمية [9]

وبناء عليه تم تقسيم العالم من المنظور الإيراني لثلاث مناطق أساسية، المنطقة الأولى وتعرف بالمنطقة السوداء وتضم القارة الأوروبية والولايات المتحدة وحلفاءها، والمنطقة الثانية وتعرف بالمنطقة الحمراء وتضم الاتحاد السوفيتي “السابق” ودول أوروبا الشرقية “الاشتراكية في حينها”، أما المنطقة الثالثة وهي المؤهلة وفق ولاية الفقيه لإقامة الجمهورية الإسلامية أو ولاية الفقيه العالمية فتعرف بالمنطقة الخضراء وتضم دول العالم الإسلامي من إندونيسيا والجمهوريات الإسلامية السوفيتية في الاتحاد السوفيتي (التي استقلت بعد ذلك وشكلت دول تركمانستان، أوزبكستان، كازاخستان، طاجيكستان، قرغيزيا، أذربيجان) فضلا عن ألبانيا، والأجزاء التي يقطنها المسلمون في يوغوسلافيا “السابقة” في إشارة للبوسنة، باعتبارها كيانًا واحدًا خاضعًا لولاية الفقيه.[10] وبالطبع تقع الدول العربية والإسلامية بشقيها الأسيوي والأفريقي في هذه الفئة.

لذا عملت إيران على تصدير الثورة التي وصفتها بالإسلامية، كما وصفتها أيضا بأنها ثورة ثقافية من زاوية أنها منوط بها إسداء النصح والهداية للعالم الإسلامي تجنبًا للخوف منها من قبل الدول والأنظمة المستقبلة لها أو المستهدفة، كما أنشأت مجلسًا لنشر المذهب الشيعي والتعريف به في البلاد الإسلامية يضم عددا من المؤسسات تحت اسم “المجلس الأعلى للثورة الثقافية” وذكرت أمانة المجلس أنه ” بانتصار الثورة الإسلامية المجيدة في إيران…. أخذت إيران على عاتقها الوفاء برسالتها التاريخية ودخلت منعطفا جديدًا في سعيها لتوسيع وتعميق علاقاتها الثقافية مع الشعوب والقوميات المختلفة، وفيما تبذله من جهود لتجسيد سليم للثقافة والحضارة الإيرانية والإسلامية أمام شعوب العالم” [11]

ومن هنا بدأت إيران في الاهتمام بنشر التشيع في العالم خاصة في المناطق التي يوجد بها اضطهاد للشيعة أو ما يعرف بالأقلية الشيعية خاصة في دول الجوار العربية، أو تلك التي تعد أراض خصبة لنشر التشيع والتي من بينها دول كآسيا وأفريقيا لما قد تتميز به خاصة الأخيرة من وجود مسلمين على قدر محدود من العلم من ناحية، وضعف العمل الدعوي الإسلامي بصفة عامة.

وإذا كان النشاط والوجود الشيعي في أفريقيا يعود لمرحلة ما قبل الثورة خاصة في ظل وجود الجالية اللبنانية المنتشرة في العديد من هذه دول القارة عبر مدخل التجارة، لكن من الصعب القول أن دول القارة السنية كانت شيعية تاريخيا وفق ما يدعيه الشيعة.. فهذا القول فيه مبالغة كبيرة. وإنما قد يكون منطقيا القول أن الاهتمام الشيعي في أفريقيا في تزايد مستمر منذ الثورة الإيرانية عام 1979. وبالرغم من أن الفترة التالية لها مباشرة شهدت حربا مع العراق استمرت ثمان سنوات، فإن مرحلة الانفتاح الحقيقي على العالم وأفريقيا تمت في عصر الرئيس هاشمي رافسنجاني (1988) الذي دشن سياسة البناء بعد الحرب، فتم تشكيل لجنة أفريقيا كإطار مؤسسي في إطار هيكل وزارة الخارجية، كما تم تعيين نائب وزير خارجية للشؤون الأفريقية [12] ، كما أصدرت الخارجية الإيرانية مجلة فصلية تضم دراسات علمية عن إفريقيا، كما تعقد مؤتمرا دوليا كل عام لبحث العلاقات مع دول هذه القارة.[13]

المبحث الثاني: الآليات الإيرانية لتحقيق الأهداف

ربما يكون من الخطأ تصور أن إيران تعمل بطريقة عبثية غير مخططة في أفريقيا. بل هناك خطط مدروسة لنشر التشيع والتغلغل الاقتصادي سواء من قبل متشيعين على دراية بالقارة الأفريقية، أو بيوت خبرة عالمية ومن ذك الدراسة التي تتكون من أكثر من ألف صفحة حول آليات نشر المذهب الشيعي الإثنى عشري في القارة الإفريقية، والتي أعدها الشيخ محمود عبد الله إبراهيم، زعيم الطائفة الشيعية في دولة جزر القمر، مع مسؤولين في الحوزة العلمية في قُم. والدراسة الأخرى التي أعدها مكتب جاكوبس العالمي للاستشارات حول سبل وآليات الانتشار الاقتصادي في إفريقيا [14]. واستنادًا لهاتين الدراستين تم وضع خطط زمنية لتحويل المسلمين إلى المذهب الشيعي.

المطلب الأول: الآليات الدبلوماسية

وذلك عبر آليتين أساسيتين، الأولى: دبلوماسية القمة، والثانية، السفارات والمراكز الثقافية الإيرانية في القارة:

أولا: دبلوماسية القمة:

بدأت الزيارات الإيرانية المكثفة للقارة منذ عهد الرئيس رافسنجاني “1989-1997″، الذي استهل زيارته للقارة بالسودان 1991 “أي بعد عامين فقط من وصول جبهة الإنقاذ ذات التوجه الإسلامي (السني) للحكم”، تبعها زيارة لجنوب أفريقيا في العهد العنصري، فزيمبابوي التي كان يحكمها الديكتاتور السابق “موجابي”، ثم بعض دول شرق أفريقيا وحوض النيل “مثل كينيا وأوغندا وتنزانيا”[15].

ويلاحظ أن هذه الزيارات لم تقتصر على دول إسلامية فحسب، بل دول مسيحية أيضا ككينيا وأوغندا، كما أنها شملت دولًا توصف أنظمتها بالقمعية” زيمبابوي موجابي” أو العنصرية” جنوب أفريقيا دو كليرك”، أو العزلة ” السودان في عهد البشير”. وربما الرابط الذي يجمع إيران بهذه الدول هو معاداتها للولايات المتحدة.

أما في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي “1997-2005″، فقد شهدت العلاقة مزيدًا من الانفتاح والنجاح والتركيز على الجانب التجاري، وتوجت بحصول إيران على صفة مراقب بالاتحاد الافريقي 2002، كما قام خاتمي نهاية ولايته عام 2005 بزيارة سبع دول أفريقية “خمس منها في غرب أفريقيا هي نيجيريا، السنغال، سيراليون، مالي، بنين”، فضلًا عن أوغندا “وسط أفريقيا”، وزيمبابوي في الجنوب.

ولم يختلف الأمر كثيرًا في عهد الرئيس المحافظ أحمدي نجاد “2005-2013″، وإن كانت ظهرت أبعاد أخرى للاهتمام إضافة للبعد التجاري، أبرزها الجانب السياسي والأمني، لاسيما بعد فرض العزلة الدولية والعقوبات ضد إيران، وظهور اليورانيوم في عدة دول والسعي للحصول عليه “غينيا، أوغندا، النيجر”، وهو ما يفسر قيام نجاد بخمس جولات أفريقية خلال فترة ولايته شملت آخرها ثلاث دول في غرب أفريقيا هي غانا والنيجر وبنين، ما يشير إلى أهمية هذه المنطقة في القارة كما سيأتي لاحقا. ورغم نجاحه في تحقيق العديد من الأهداف، إلا أن توسع النشاط الاستخباراتي لطهران، ودعم بعض الجماعات ذات النزعات الانفصالية في غرب أفريقيا تحديدا، ساهم في توتر العلاقات مع بعض الدول، مثل السنغال بسبب دعم متمردي كازامنس و”قطع العلاقات بينهما”، وجامبيا ونيجيريا والمغرب.[16]

أما في عهد الرئيس الحالي حسن روحاني، فرغم أنه لم يزر افريقيا حتى كتابة هذه السطور، إلا أنه قام بإيفاد وزير خارجيته جواد ظريف لثلاثة أقاليم أفريقية بدأها بشرق أفريقيا 2014، فشمال أفريقيا 2015، ثم غرب أفريقيا 2016، ثم السنغال وناميبيا 2018.ولعلّ هذه الزيارات المتعاقبة تعكس رغبة النظام الإيراني في المضي قُدُمًا في توطيد عَلاقاته مع أكبر عدد من الدُّوَل الأفريقية [17]

ثانيا: السفارات الإيرانية والمراكز الثقافية التابعة لها

لقد تم استغلال عملية الشحن الإفريقي الإسلامي ضد الغرب لاسيما في تسعينات القرن الماضي كنقطة انطلاق هامة في هذا الشأن.. حين كان السفراء الإيرانيون في البلاد المعنية يشرفون بأنفسهم على عملية التوظيف السياسي لهذا الاضطهاد لصالح إيران وكمدخل أولي للتوظيف العقدي بحيث يتحول الشاب من التشيع السياسي “الولاء العاطفي للثورة الإيرانية”، إلى التشيع العقدي. وبالفعل استطاعت السفارات الإيرانية حتى قبل إغلاقها في العديد من الدول كالسنغال في تحويل العديد من الشباب من التشيُّع السياسي إلى التشيُّع العقدي الفعلي لأول مرة في كل من ساحل العاج وسيراليون وغينيا كوناكري والسنغال، قبل أن يستفحل الوضع في نيجيريا ومالي لاحقاً [18].

المطلب الثاني: الآليات المخابراتية

تسعى ايران لنشر التشيع عبر منظمات حكومية وغير حكومية، مجتمعة في شبكة تعرف باسم “شبكة الأعمال الإيرانية” (AYAN )، ويقوم أعضاؤها بتخطيط وتنفيذ العناصر السرية التي تسهم في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الإيرانية. وتتكون هذه الشبكة من ثلاثة أجهزة هي: كتيبة حراس الثورة التابعين للثورة الإيرانية، وتسمى فيلق القدس (كتيبة القدس) التي كان يقودها الراحل قاسم سليماني؛ ووزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية؛ وحزب الله اللبناني. وتشرف وزارة الأمن والاستخبارات، بالتعاون الوثيق مع فيلق القدس، على جميع عمليات الترويج والتصدير الدولي للثورة، كما تتعاون هذه الوزارة مع حزب الله، وكذلك مع شبكة من الوكلاء والمنظمات المعتمدة، مثل الجماعات الشيعية لتحقيق هذه الأهداف [19]

وفي هذا السبيل تعتمد الآليات المخابراتية على مجموعة من الأدوات منها:

أولا: استخدام الوكلاء كحزب الله في غرب أفريقيا:

إذ يعتبر الحزب كما سبق القول أحد أهم الأدوات لتحقيق أهداف السياسة الإيرانية في غرب أفريقيا، بالإضافة الى فيلق القدس. وتتنوع مهام الحزب من عمليات تصدير السلاح، إلى تجارة المخدرات والماس، والقيام بعمليات غسيل أموال، ناهيك عن تقديم الدعم العسكري للقوى الموالية لإيران سواء أكانت قوى شيعية أو قوى متمردة على أنظمتها كمتمردي كازامنس في السنغال والذين ينطلقون من جامبيا المجاورة.. ويتكثف وجود الحزب في العديد من الدول وأبرزها سيراليون وغينيا بيساو والسنغال وساحل العاج وغامبيا ونيجيريا. وفي مايو 2013 تم اكتشاف عملية تهريب سلاح لبعض الجماعات الشيعية في شمال نيجيريا خاصة الحركة الإسلامية بزعامة إبراهيم الزكزاكي. ويعتمد الحزب في ذلك على الحدود الرخوة بين هذه الدول من ناحية، وعلى الجالية اللبنانية” الشيعية في معظمها” الموجودة في معظم هذه الدول والتي تساهم بفضل نفوذها التجاري في دعم الحزب ماليا، والمساهمة في ترويج أنشطته داخل هذه الدول سواء ما يتعلق منها بالمخدرات أو تهريب السلاح أو غسيل الأموال.[20]

ثانيا: تجنيد العملاء:

وخاصة من الشباب من خلال تسفيرهم لإيران، وتدريسهم العقيدة ” الشيعية” في جامعات مشهد وقم، وتدريبهم أيضا على استخدام السلاح، وصنع المتفجرات وكيفية الهروب وجمع المعلومات عن أوطانهم والأجانب الموجودين بها، مع تزويدهم بالأموال اللازمة لذلك. ولقد اعترف بذلك أحد الشباب الأوغنديين عندما تم القبض عليه عام 2002، واعترف بأنه سافر للدراسة في إيران بسبب الظروف المادية عام 1996، وهناك درس وتدرب في آن واحد مع الشباب المنضمين حديثًا لحزب الله [21]

ثالثا: استقطاب بعض مشايخ الصوفية:

وعلى رأسهم مشايخ الطريقة القادرية المنسوبة لعبد القادر الجيلاني في السنغال، وكذلك استقطاب مشايخ “الطريقة القادرية والسمّانية والختمية” التي تعد مدينة كسلا بشرق السودان مركزا لها، وذلك قبل غلق المركز الثقافي في الخرطوم 2014 [22]

رابعًا: الاعتماد على بعض الشخصيات الشيعية:

المؤثرة ومن ذلك إبراهيم الزكزاكي في نيجيريا ذات الأغلبية المسلمة وأكبر بلد مسلم من حيث عدد السكان في القارة، ويعد الزكزاكي أحد أتباع إيران وأبرز الزعامات الشيعية هناك. وقد عملت على دعمه لنشر التشيع هناك. وبالفعل ازداد نشاطه وأتباعه الذين باتوا يقدرون بعشرات الآلاف، فيما يرى البعض الأخر أن عددهم تجاوز 10 مليون شيعي [23]، وإن كان هذا الرقم مبالغاً فيه كثيرًا.

وهناك أيضا عبد المنعم الزين (شيعي من أصل لبناني في السنغال) ويعتبر الأنشط في نشر التشيع في غرب افريقيا لاسيما السنغال خاصة وأنه يشغل منصب نائب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في السنغال، حيث ساهم في تشييع أكثر من 160 ألف سنغالي من خلال إنشاء حوالي 120 مدرسة دينية، وهناك محمد علي حيدرة وهو رئيس مؤسسة مزدهر الإسلامية ويعرف بالمرشد الروحي لشيعة في غرب أفريقيا. ومنذ تشيعه عام 2003 نجح في أن يكون أحد أبرز العناصر العاملة في مجال نشر التشييع وحشد الاتباع والتأثير فيهم في غرب أفريقيا، لاسيما في السنغال وموريتانيا وغانا [24]

المطلب الثالث: الآليات الاقتصادية

اعتمدت الدبلوماسية الإيرانية على سياسة المساعدة التنموية وبرنامج التعاون الدولي لتحقيق أهدافها في أفريقيا، والتي تعد نموذجًا موحدًا لسياسة القوة الناعمة. وقد حاولت الترويج للنموذج الإيراني من خلال تقديم مساعدات ومشاريع مشتركة في التكنولوجيا والطاقة مثل التنقيب عن النفط وصيانة المصافي والبتروكيماويات والغاز والزراعة والصحة وبناء السدود والقواعد الدفاعية والعسكرية.

وقد تنوعت هذه الآليات ما بين تقديم منح ومزايا للطلبة الأفارقة، وابتعاث هؤلاء للدراسة في إيران، فضلا عن دعم بعض الشخصيات النافذة من ذوي التأثير، ناهيك عن بناء مدارس وجامعات متنوعة وعلى أعلى مستوى في الدول الأفريقية. ولقد بلغ هذا الزخم مداه في عهد الرئيس أحمدي نجاد. فبعد توليه الحكم 2005، تم اعتماد ميزانية ضخمة للتشيع عام 2006 بلغت قيمتها حوالي 2.3 مليار دولار بزيادة قدرها سبعة أضعاف عن عام 2005. وتعد هذه الميزانية الأكبر في عهد التبشير بالتشيع [25]

ومن أبرز هذه الأدوات كذلك الجالية اللبنانية المنتشرة في غرب أفريقيا. هذه الجالية وإن يغلب عليها طابع التجارة، إلا أنها تعد أحد أدوات التشيع في القارة عبر توفير الأموال من ناحية، فضلا عن استغلال تغلغلها الاقتصادي والسياسي لنشر التشيع، حيث وفد مع هؤلاء متشيعون لنشر التشيع في البلاد معتمدين على الغطاء القانوني والسياسي الممنوح لها والمتمثل في دخول بعض أفرادها كأعضاء في برلمانات هذه الدول “جنوب أفريقيا، غينيا بيساو”، منصب مستشار الرئيس كما في غينيا الاستوائية وبوركينافاسو. يُضاف إلى ذلك الاتصالات الشَّخصية للعديد من رجال الأعمال اللّبنانيين بكبار المسؤولين ورجال الدولة في الدول الإفريقية بغية تأمين مصالحهم وحمايتها.[26]

أيضا اعتمدت إيران على بناء وتطوير المنشآت الخدمية والوطنية والدخول في مشاريع استثمارية كبرى مع القطاع العام في هذه الدول.. لذا دعمت إنشاء مبنى برلمان جيبوتي 2014، وتحملت تكاليف إنشاء سفارة لجزر القمر في إيران 2008.

ومنذ عام 2000 بدأت في تطبيق فكرة المشروعات المشتركة مع القطاع العام مع التركيز على 5 دول أساسية لاعتبارات معينة هي نيجيريا التي أصبح بها أكبر عدد من الشيعة الأفارقة (5 ملايين من أصل 7 ملايين أفريقي شيعي، أي حوالي 71% من شيعة أفريقيا)، وغانا وبنين والنيجر؛ حيث يوجد بهذه الدول الثلاث احتياطيات ضخمة من اليورانيوم، والسنغال التي تعد الواجهة الدبلوماسية لإيران في غرب إفريقيا ولأن بها أعلى نسبة حَمَلة شهادات عليا بالإقليم وبالقارة [27]

كما اعتمدت طهران على آلية تقديم المنح والقروض الاقتصادية. ومن ذلك تقديم منحة 10 ملايين دولار لموريتانيا عقب قطعها العلاقات مع إسرائيل 2011، فضلا عن تقديم ملياري دولار من المساعدات على سنتين، وضخ نحو 16 مليار دولار لكينيا لتحفيز الاقتصاد، وتقديم قروض ومساعدات لزيمبابوي بقيمة نصف مليار دولار [28]

كما اعتمدت إيران على سلاح النفط الذي تحتاج إليه الكثير من الدول الأفريقية، كما حاولت تطبيق نظام النفط مقابل اليورانيوم مع الدول الذي تمتلكه. هذا النظام كان واضحا في تعاملها مع نظام موجابي في زيمبابوي، فطبقاً لجريدة صنداي تليجراف ” أبريل 2010″؛ فإن إيران عقدت صفقة سرية معه للتنقيب عن اليورانيوم المتوافر بكثرة، مقابل إمداده بالنفط، وأن هذه الصفقة تمت في طهران من قبل أحد المقربين من موجابي وبعد فترة وجيزة من زيارة نجاد لزيمبابوي واعلانه دعمه لموجابي في مواجهة الغرب والعقوبات المفروضة عليه [29]

كما تم الاتفاق في زيارة أحمدي نجاد لكينيا عام 2009 على تقديم بلاده أربعة ملايين طن من النفط الخام (حوالي 80،000 برميل يوميا). وقال مسؤول بارز في وزير الخارجية الكيني إن “إيران تريد إرسال شركاتها إلى كينيا لبناء الطرق والسدود وتطوير الصناعة الطبية”.. ووفقًا للاتفاقيات الموقعة خلال زيارة أحمدي نجاد، فقد قدمت إيران بتقديم 10 ملايين دولار لكينيا، كما تم الاتفاق كذلك على إنشاء طرق بحرية بين مينائي بندر عباس ومومباسا، وبناء مركز تجاري إيراني في نيروبي [30].

وفي هذا الصدد ذكر سفير جنوب أفريقيا لدى إيران أن 70 % من النفط الذي تستورده بلاده يأتي من أيران، وأن مصافي التكرير في بلاده تم بناؤها بأياد إيرانية. ونتيجة لذلك ارتفعت صادرات النفط الإيراني لأفريقيا من 1.3 مليار دولار عام 2003 إلى 3.6 مليار دولار عام 2012 [31]

المطلب الرابع: الآليات الثقافية والتعليمية والمذهبية

اعتمدت إيران في هذا الصدد على مجموعة من الآليات المتباينة والمتكاملة في آن واحد ومنها:

  • إنشاء اتحاد الطلبة الشيعة كأول مؤسسة رسمية ترعى شؤون المتشيعين في أفريقيا، وتدعمهم، وتعمل على نشر التشيع عن طريق الطلبة الأفارقة الذين يتخرجون من الجامعات الإيرانية. [32]
  • عقد المؤتمرات لنشر التشيع في أفريقيا، ومن ذلك المؤتمر الذي استضافته مدنية قم الإيرانية عام 2016 لنشر التشيع في 30 دولة أفريقية، بحيث يشكل الشيعة الأغلبية السكانية الساحقة في هذه الدول خلال السنوات القادمة. المؤتمر جاء تحت عنوان ” “الدعوة والترويج ونشر التشيع”، والتعريف بالإمام المهدي ورسالته في الدول الأفريقية. وانبثق عن المؤتمر العديد من اللجان التشاورية واللجان التخصصية الأفريقية، بإشراف الأساتذة الإيرانيين؛ لدراسة وضع انتشار التشيع في أفريقيا، وسبل دعم هذا المشروع بآليات وأدوات تختلف عما كانت تعمل عليه إيران ومؤسساتها الشيعية سابقا.()[33]
  • إنشاء الجامعات التي تساهم في نشر التشيع مثل جامعة المصطفى الإيرانية، التي تروج لرسالة إيران والتوجه الديني الشيعي لها في جميع أنحاء العالم، ولها العديد من الفروع في مختلف البلدان الأفريقية [34].

ووفق تصريح لأحد الأساتذة في قم لوكالة رويترز، فإن هذه الجامعة هي الآن الأداة الرئيسية لإيران للدعاية للمذهب الشيعي. وهدفها “تعليم الناس أن يكون ولاؤهم للجمهورية الإسلامية والمرشد الأعلى”. [35]

  • إنشاءالمراكزالثقافيةوالدينية التابعة للسفارات الإيرانية “كمركز الخرطوم وله 26 فرعا قبل اغلاقه 2014، مركزالتبيانالثقافيفيجزرالقمر، رابطةالثقافةوالعلاقاتالإسلاميةفيالسنغال، المركزالثقافيالإيرانيفيهراريبزيمبابويفي 2007. [36]

كما لعبت أقسام الدراسات الإيرانية التي تم إدراجها في الجامعات الأفريقية دورا هاما أيضًا في اصطياد الشباب لتشييعهم عبر مدخل دراسة الحضارة الإيرانية ودراسة قضايا ذات اهتمام كبير لديهم مثل قضية فلسطين، كما هو الحال في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة «شيخ أنت جوب» بالسنغال، حيث يشرف على الكلية المستشار الثقافي في السفارة الإيرانية [37](

  • دعمإنشاءالمراكزالدينيةالتعليمية،التيتهدفبالأساسللترويجللمذهبالشيعي، حيث تم إنشاءبعضالمراكزالتعليميةفيغينياكوناكري،ومنهاحمداللهوالزهراء.التوسعفيإقامةالمراكزالقرآنيةفيإريتريامن 2014،وهوماتمالإعلانعنهأثناءزيارة وزيرالتعليمالإيرانيلمفتيإريتريا، إنشاءبعضالمراكزالثقافيةوالتعليميةالدينيةفيغانا،ومنهاعلىسبيلالمثال: مؤسسة الكوثر،ومؤسسةالإمامالحسين،ومنظمةشيعةأهلالبيتالإسلامية،ومركزشباب أهلالبيت. [38]
  • توفيرالبعثاتالتعليميةللدارسينالأفارقةفي لبنان ومنها الى إيران، أو في إيران مباشرة. وكانت تعتمد في بداية هذا الأمر على شغف الطلبة المسلمين بطلب العلم وضيق ذات اليد، وعدم قدرتهم على التمييز بين طلبة في الدول الإسلامية ذات المذهب السني أو الشيعي، خاصة لدى أصحاب المستويات المحدودة من الثقافة.، لذا ربما كان التركيز على هؤلاء في بداية الأمر. وفي هذا الإطار تم إرسال بعض الشباب إلى لبنان، عن طريق مركزي ساحل العاج وسيراليون، ثم عن طريق المركز الاجتماعي الإسلامي في السنغال لاحقاً؛ للدراسة في الحوزات القائمة بالجنوب اللبناني، قبل إكمال رحلتهم إلى إيران في قُم ومشهد وغيرهما من المراكز الدينية لتأهيلهم قبل إعادتهم إلى المنطقة دعاة للفكر الشيعي. فعاد هؤلاء وعُيِّنوا في بعض المناطق النائية، بينما استقر البعض الآخر في المدن الكبيرة لممارسة «الدعاية العقدية»، مع إعطاء الأولوية في المرحلة الأولى للأحياء الشعبية البعيدة عن عين الرقيب، لكن المستوى العلمي الضعيف الذي كان عليه جمهور المتحولين ظل عائقاً لهم. [39]

المطلب الخامس: الآليات الاجتماعية

وذلك عبر التركيز على مشروعات البنية التحتية والتركيز على مجالي الصحة والتعليم تحديدا، أو من خلال تقديم القروض للمشاريع الصغيرة للأفراد كمدخل للتشيع، ففي مشروعات البنية التحتية، تم التركيز عليها بعد انتهاء الحرب العراقية وتوفير قدر من عوائد النفط لأفريقيا ” فترة حكم رافسنجاني تحديدا”، فقامت إيران بحصر نشاطها في غرب القارة في إقامة المشاريع الخيرية في حقلين مهمين، هما: الصحة والتعليم؛ حيث عملت طيلة 6 سنوات على بناء 68 وحدة صحية تراوحت بين مستشفى ومستوصف ومركز رعاية صحية في دول غرب إفريقيا، كما أنشأت في هذه الدول 92 مؤسسة تعليمية من المرحلة الابتدائية حتى الجامعية. أما بالنسبة للهدف الثاني فتم التركيز عليه في الفترة من 1995-2000 “أي خلال فترة حكم رافسنجاني ثم خاتمي”، حيث قامت بدعم 8673 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا عن طريق تقديم هِبَات وقروض ميسرة دون فوائد استفاد منها 130095 فردًا في هذه الدول، تشيَّع منهم 87305 أفراد، أي ما يزيد قليلًا على 67% منهم[40]

خريطة توضح مناطق التواجد الإيراني في غرب افريقيا:

الدور الإيراني في أفريقيا المحددات التحديات-1

المصدر

Alex McAnenny، Iran in Africa… A Tutorial Overview of Iran’s Strategic Influence in Africa، Center for Security Policy 2014، p.11

المبحث الثالث: تقييم وتحديات الدور

سوف يحاول هذا المبحث تقييم هذا الدور من خلال أبعاده المختلفة السياسية والثقافية الاجتماعية والمذهبية، مع توضيح العوامل المساعدة والمؤثرة على هذا الدور، وفي المقابل التركيز كذلك على التحديات التي تواجه هذا الدور.

المطلب الأول: تقييم الدور

أولا: تقييم الدور الدبلوماسي والسياسي

يمكن القول بأن ايران حققت بعض النجاحات بالنسبة لأهدافها السياسية في أفريقيا، حيث مالت بعض الدول الإفريقية للامتناع عن التصويت عند مناقشة الملف الإيراني، فضلا عن تأييد بعضها الآخر لهذا البرنامج النووي، مثل السودان والسنغال وساحل العاج وجيبوتي وإريتريا، كما نجحت الدبلوماسية الإيرانية من خلال الزيارات الرئاسية في كسب العديد من الدول الإفريقية لصفها في أزماتها الدولية، وتجنيد الأفارقة للدفاع عنها أو على الأقل تحييدهم، وأبرز النجاحات تلك المتعلقة بأزمة الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009 والعنف الذي مارسه النظام الإيراني ضد أنصار الحركة الخضراء، حيث صوتت الأمم المتحدة في نوفمبر من نفس العام على حالة حقوق الإنسان في إيران، وتحفظت جميع دول غرب أفريقيا ما عدا ليبيريا وتوغو على القرار الأممي ضد إيران، وكذلك باقي الدول الأفريقية الأخرى أيضا باستثناء المغرب وجنوب أفريقيا اللتين اتخذتا مواقف قوية ضدها[41]

لكن في المقابل كانت هناك بعض الجوانب السلبية فيما يتعلق بالدور السياسي، حيث قطعت بعض دول غرب أفريقيا العلاقات الدبلوماسية مع إيران ربما لفترة محدودة مثل السنغال، جامبيا، بسبب دعم متمردي كازامنس، نيجيريا بسبب تهريب الأسلحة للجماعة الإسلامية الشيعية في الشمال، وأخيرا المغرب في مايو 2018 بعد اتهامها لطهران بدعم البوليساريو، ناهيك عن قيام بعض الدول الأخرى في شرق افريقيا كالسودان والصومال وجزر القمر وجيبوتي بقطع هذه العلاقات على خلفية تصاعد التوتر بين طهران والرياض 2016

ثانيا: تقييم الدور الاقتصادي

لقد تضاعف حجم التبادل التجاري بين إيران والدول الأفريقية لاسيما في قطاع النفط، لانتهاج إيران ما يسمى بسياسة التسلل الناعم للولوج إلى قلب القارة الإفريقية، مثل تقديم بعض المساعدات التكنولوجية في مجالات الطاقة والصناعات البتروكيماوية، أيضاً في مجال الزراعة والصحة والري، وقد ساعد هذا التعاون على تحقيق نمو في المبادلات التجارية بين الجانبين، فارتفعت قيمة الصادرات النفطية الإيرانية إلى إفريقيا من 1.3 مليار دولار عام 2003، إلى 3.6 مليارات دولار عام 2012. وتضاعف حجم غير النفطية من 90 مليون دولار عام 2001، إلى 291 مليون دولار عام 2008.[42]

كما ازداد تغلغل الجاليات اللبنانية الشيعية في الجوانب الاقتصادية والسياسية. لذا لا غرابة في أن يسيطر اللبنانيون في ساحل العاج حيث توجد أهم جالية لهم من حيث العدد والثقل الاقتصادي، على حوالى 60 في المئة من القطاعات الاقتصادية الحيوية، حيث يمتلكون 4 آلاف مؤسسة من بينها 1500 مؤسسة صناعية يعمل فيها نحو 150 ألف مواطن من أهل البلاد، كما يسيطرون على 70 % من تجارة الجملة، و50 % من تجارة التقسيط، و80 % من شركات جمع القهوة والكاكاو وتصديرها، و17 % من سيارات الأجرة. ولا يختلف الأمر كثيرًا في سيراليون حيث تشير بعض المصادر إلى أن الجالية اللبنانية كانت تسيطر – إلى مطلع التسعينيات من القرن العشرين – على 80 % من تجارة الماس والذهب، وقدّرت ثروة جميل محمد سعيد اللبناني الأصل والجنسية – وكان أهم رجل اقتصاد في البلاد وصديقًا مقرّبًا من رئيس الدولة – بـ 600 مليون فرنك فرنسي[43]. وفي بوركينا فاسو يسيطر اللبنانيون على ما يقرب من 60 % من حجم التعاملات التجارية والصناعية في البلاد. [44]

ثالثا: تقييم الدور الثقافي

تشير بعض المصادر الإعلامية الإيرانية كموقع «عصر إيران» الإلكتروني نقلا عن موقع “شيعة نيوز” إلى “عملية تشييع” بلغت أكثر من 7 ملايين شخص في الدول الأفريقية [45]

عن طريق المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الإيرانية التي تمددت في القارة بعد خروج المؤسسات الخيرية الخليجية منها بعد حادثة 11 سبتمبر2001. كما استطاعت إيران الوصول إلى أغلب المناطق الأفريقية التي كانت مرتبطة بالمؤسسات الخيرية الخليجية، وصادرت المساجد والمجمعات التي تم تأسيسها عن طريق المؤسسات الخيرية الإسلامية، وحولتها إلى مراكز لنشر التشيّع والترويج له في أفريقيا.( [46]

واذا كانت هذه الأرقام بها مبالغة كونها من مصادر شيعية، إلا أننا ليس لدينا إحصائية حقيقية في هذا الشأن.

المطلب الثاني: مسهلات وتحديات الدور

يمكن القول بوجود مجموعة من المسهلات ساهمت في هذا الانتشار الكبير للتشيع في أفريقيا، ولكن مع ذلك تبقى هناك مجموعة من التحديات يمكن للدول العربية والإسلامية السنية الراغبة في مواجهة هذا النفوذ الشيعي اللعب عليها لتحجيم هذا الدور.

أولا: أسباب أو عوامل انتشار الشِّيعة في غرب إفريقيا

  • حالة الفقر والجهل الذي تعاني منه نسبة كبيرة من المسلمين في إفريقيا، فضلا عن حب هؤلاء لآل البيت، جعل الوصول إليهم سهل المنال، لاسيما في ظل وجود بعض الجماعات الجهادية السنية التي ربما لا يتناسب نهجها مع نهج هؤلاء خاصة من المتصوفة، بل إن الجماعات الشيعية كانت تستغل هذه الخلافات لمحاولة التقرب من الطرق الصوفية وأتباعها في القارة. يرتبط بذلك استغلال الشيعة التفجيرات وأعمال العنف التي شهدتها بعض الدول الأفريقية مثل كينيا وتنزانيا “1998”، والصومال والجزائر خلال العشرية السوداء في تسعينات القرن الماضي، ونفذتها عناصر تابعة للقاعدة وغيرها، للترويج بأن هذه الجماعات تنهل من الفكر الوهابي السني المتطرف، وبالتالي فإن البديل للحكومات والشعوب هو الفكر الشيعي ومعتقداته السلمية ! [47]
  • تراجع دعم النشاط الدعوي السنّي بحجّة مكافحة الإرهاب: [48]

فمنذ أحداث سبتمبر 2011 حدث تضييق غربي كبير على الدول العربية والإسلامية السنية المموِّلة للدعوة الإسلامية في إفريقيا بحجّة مكافحة الإرهاب، هذا التضييق شمل قطاع العمل الخيري الخليجي (السُّني) وما يرافقه من نشاطات دعوية، ما أدى إلى تخوُّف كثيرٍ من المؤسسات الخيرية من دمج التوعية الدينية مع عملها الخيري، وكانت النتيجة تجمّيد بعض الجمعيات الدعوية الإسلامية كلّ أنشطتها الضعيفة أصلاً؛ خوفاً من تهمة الإرهاب والملاحقة القانونية من دولها الإسلامية، أو من المنظمات الدولية الغربيَّة، فانتهز الشِّيعة هذه الفرصة لنشر التشيع في غرب إفريقيا

  • عوائد النَّفط العراقية:

فقد استفادت إيران من انتهاء حربها مع العراق في توجيه جزء من عوائد النفط في نشر التشيع في أفريقيا، كما تم استغلال ارتفاع أسعار النفط أثناء حرب الكويت 1990، ثم العدوان على العراق 2003، وما تلا ذلك من ضخِّ أموالٍ لتُصرف على التشيع في أفريقيا، لاسيما مع سيطرة الشيعة على الوضع السياسي في العراق بعد سقوط صدام حسين.

  • ضعف دور المؤسسات التَّعليمية الإسلامية السنّية في غرب إفريقيا

يلاحظ كلُّ متابع لحال الدعوة الإسلامية في إفريقيا تراجع دور المؤسسات التعليمية العريقة والقوّية من الدول العربية والإسلامية، مثل الأزهر الشَّريف، الذي كان منبع العلوم الإسلامية ومصدراً لنشر الإسلام في القارة، وكذلك الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية بليبيا، وجامعة الزيتونة في تونس، وأدى ضعف دور هذه المؤسسات الإسلامية السنّية إلى ظهور بيئة مناسبة لنشر العقيدة الشِّيعية.

  • تراجع الدور السياسي العربي في افريقيا، لا سيما بعد التطبيع المصري مع إسرائيل، والانشغال بالقضايا الداخلية والشرق الأوسط على حساب القارة التي كان ينظر اليها كداعم للعرب فقط، مقابل الحصول على الدعم المادي، هذا التباعد وهذا الفراغ سعت القوى الأخرى لمحاولة شغله وكان من بينها إيران وإسرائيل
  • حرب لبنان 2006 وما واكبها من صناعة كاريزما خاصة برئيس حزب الله اللبناني حسن نصر في مواجهة الصهاينة والغرب، مقابل الخنوع العربي السني في مواجهة الصهاينة. وهو ما لعب عليها دعاة الشيعة في اظهار التفوق الشيعي على هذا الخنوع العربي السني !

ثانيا: تحديات الدور

يمكن القول بوجود مجموعة من التحديات أبرزها:

1) التحدي الأفريقي: هناك بعض التحديات من قبل قادة بعض الدول الأفريقية الذين رفضوا بعض المطالب الإيرانية باعتبارها محاولة للتدخل في شؤونها، أو السعي لربطها بعلاقة تبعية بإيران.

ومن ذلك رفض أو بمعنى أدق عدم استجابة أو تحايل الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد بشأن طلب إيراني قبل استضافة بلاده لقمة منظمة المؤتمر الإسلامي عام 2007 لإدراج بند في ميثاق المنظمة يلزم دولها بتوفير الحماية والدفاع عن أي بلد عضو يتعرض للاعتداء الخارجي [49]. كما أن هناك مخاوف من أن يكمن وراء المساعدات والاتفاقات الإيرانية مع معظم دول القارة محاولة لتصدير التشيع وتصدير الثورة في افريقيا

2) التحدي العربي ” السعودي تحديداً”: يبدو أن السعودية باتت تدرك مخاطر انسحابها من أفريقيا بسبب حرب أفغانستان نهاية سبعينات القرن الماضي واصطدام التوجهات السلفية مع الصوفية التي ينتمي اليها حوالي 78% من سكان غرب القارة، هذا التوجه الجديد بدأ يتمحور مع وصول الملك سلمان لحكم البلاد عام 2015 وسعيه لاستقطاب دول القارة في حرب الحوثيين الموالين لإيران في اليمن، فنجح في استقطاب المغرب، ثم السنغال للانضمام للتحالف العربي. ويتردد أن السعودية تعمل في الآونة الأخيرة على محورين لمواجهة النفوذ الإيراني في غرب أفريقيا، الأول يضم تشاد “ديبي”، وليبيا “حفتر”، والثاني يضم موريتانيا والسنغال [50]. وإن كانتا الأخيرتان تحتفظان بعلاقات جيدة مع إيران. ويمكن أن تنضم إليهما المغرب لاسيما بعد قرارها في مايو 2018 قطع علاقاتها مع طهران لاتهامها بتدريب عناصر البوليساريو [51]

وإذا كانت المواجهة بين السعودية وايران في شرق افريقيا يغلب عليها الطابع الجيو استراتيجي، فإنها تختلف في غرب أفريقيا، حيث يغلب عليها الطابع المذهبي” السنة والشيعة” بالرغم من أن هذه المنطقة كانت تشهد حالة من التسامح بين أتباع الديانات والطوائف المختلفة.. وهناك أمثلة عديدة منها دعم السعودية الحكومة السنية في نيجيريا بقيادة محمد بخاري في مواجهة الشيعة وجماعاتهم المتطرفة “الحركة الإسلامية في نيجيريا بقيادة إبراهيم الزكزاكي”، ناهيك عن عدم انتقاد الرياض العلني لهجوم بوكو حرام على الشيعة، ودعمها جماعة إيزالا في مواجهة الشيعة، وفي المقابل تسعى ايران لدعم جماعة الزكزاكي والمطالبة بالتحقيق في الهجمات التي تتعرض لها. كما أنها تسعى لإيجاد وكلاء آخرين لها على غرار حزب الله في دول القارة. وبالتالي نجد هناك تشابها في استراتيجيات كل من السعودية وايران في تحقيق أهدافهما عبر آليات المساعدات وبناء المدارس وغيرها من أجل نشر السلفية السنية أو التشيع..ويلاحظ أن بيئة عدم التسامح الديني والتمذهب بدأت تنتشر من نيجيريا إلى اقطار أخرى منها الكاميرون والسنغال وموريتانيا [52]

3) تحدي الإسلام السني “جماعة الإخوان وغيرها”: ويتمثل في رفض الكثير من الحركات الإسلامية الوسطية في إفريقيا التابعة للإخوان أو القريبة من نهجها لفكرة أفرقة التشيع، لا سيما بعد اكتشاف الكثير منهم حقيقة وأهداف إيران من عملية التعليم أو المساعدات أو السفر أو خلافه. كما حدث في جامعة داكار عندما أرادت الحركة الطلابية الشيعية الهيمنة على مسجد الجامعة الذي تم إنشاؤه بتبرع مواطن كويتي. وهنا وقفت حركة الطلبة المسلمين السنة في وجه هذا المخطط وتم طرد الشباب الذين تشيَّعوا فعلاً من صفوفهم، بمن فيهم الإمام في ذلك الحين، وتبنت خط «أهل السُّنة والجماعة» بصورة رسمية لأول مرة. [53]

4) التحدي الغربي والأمريكي لتحجيم النفوذ الإيراني: إذ أن العقوبات الدولية أو الأمريكية المفروضة على إيران قد يكون لها تأثيران مختلفي الاتجاه، الأول سلبي حيث ستؤدي الى التأثير في الاقتصاد الإيراني لعدم تنوعه… وبالتالي قد تحد من تمويل التشيع في أفريقيا، والآخر إيجابي يتمثل في توطيد العلاقات مع الدول الأفريقية كبديل للغرب والولايات المتحدة على غرار ما حدث ابان حكم أحمدي نجاد.. وإن كان هذا الأمر يظل مرهونا بمدى قدرة هذه الدول على مقاومة الضغوط الأمريكية تحديداً[54].

فالضغوط الغربية على الدول الإفريقية لقطع علاقاتها بطهران، عن طريق إيجاد مصادر بديلة للدعم المادي والسياسي لها، من شأنه تقويض القدرات الإيرانية في افريقيا، الأمر الذي سيُضعف من آمال إيجاد موطئ قدم إيراني لها في القارة لعجزها الاقتصادي المتوقّع[55]. ولقد حققت بعض هذه الضغوط نتائج ملموسة فقد تمكنت الولايات المتحدة وإسرائيل في ممارسة ضغوط على الدول الإفريقية للتصويت ضد برنامج إيران النووي، وهذا ما حصل حين أوقفت نيجيريا اتفاقية للتعاون النووي كانت قد وقعتها مع إيران عام 2008، وأوقفت جنوب إفريقيا معظم وارداتها النفطية من إيران عام 2012. [56]

خاتمة:

في إطار العرض السابق يمكن القول بوجود ثلاثة سيناريوهات أساسية لمستقبل الدور الإيراني في القارة الأفريقية، تتمثل في:

الأول: بقاء الوضع الراهن كما هو عليه بمعنى استمرار التمدد الإيراني مقابل التراجع العربي والإسلامي السني، والثاني: حدوث تمدد عربي إسلامي سني مقابل التراجع الشيعي، والثالث: حدوث تمدد من كلا الجانبين ما قد يؤدي إلى الصدام المذهبي داخل الدولة الواحدة أو حتى القبيلة الواحدة في القارة.

ويلاحظ أن رجحان أي منهما يعتمد على مدى قوة هذا الطرف أو ذاك. وإذا كانت مؤشرات اللحظة الراهنة تشير لوجود تفوق إيراني مقابل تراجع عربي إسلامي سني” السيناريو الأول، فإن هذا الوضع قابل للتغيير في الأمد القريب بالنظر لوجود معطيات معينة منها التصعيد السعودي الإيراني والذي يبدو أنه لن ينتهي سريعًا، وسينتقل من شرق القارة إلى غربها، ولعل الإمكانات السعودية خاصة المادية تؤهلها لذك شريطة وجود خطة محكمة ومدروسة بعناية من ناحية، وتغيير لغة الخطاب السلفي الصدامي من ناحية ثانية، والتنسيق الضروري مع قوى الإسلام السني المعتدل كالإخوان وغيرهم إن هي أرادت فعلا مواجهة النفوذ الإيراني. وفي المقابل فإن التصعيد الأمريكي ضد إيران في ظل ولاية ترمب وفرض العقوبات والسعي لتوسيعها من خلال ضم الدول الأوربية إليها، سيحملها على تكثيف جهودها في أفريقيا لتحقيق أهدافها المختلفة، ما قد يعني أن السيناريو الثالث قد يكون هو الأقرب للحدوث. أما السيناريو الثاني، فاحتمالات حدوثه ضعيفة جدًا، لأن إيران ببساطة لن تتخلى عن القارة السمراء.


الهامش

[1] -Alex Potter(ed.)، The Distribution of Iranian Ammunition in Africa ، (London: Conflict Armament Research Ltd.،2012) pp.7-8

[2] – حول عملية التجنيد أنظر

Matthew Levitt، Hizbullah’s African Activities Remain Undisrupted، RUSI/Jane’s Homeland Security and Resilience Monitor، March 1، 2004 link

[3] – حمدي عبد الرحمن، الاختراق الإيراني الناعم لأفريقيا، موقع الجزيرة نت، 6-5-2013

[4] – نفس المرجع السابق

[5] -دول أفريقيا وتقية إيران: تبشير شيعي باطنه استثمار سياسي، صحيفة العرب اللندنية، 2015/12/17

[6] – Fátima Chimarizeni، Iran-Africa Relation: Opportunities and Prospect for Iran ، Brazilian Journal of African Studies، vol،.2، no،.3، Jan./Jun. 2017، p.p. 36-49

[7] – Alex McAnenny، Iran in Africa… A Tutorial Overview of Iran’s Strategic Influence in Africa، Center for Security Policy 2014: ، p.4

[8] – د.نبيل العتوم، إيران والامبراطورية الشيعية الموعودة ( لندن: مركز العصر للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية،2013 )، ص 92

[9] – نفس المرجع السابق، ص ص 92-99

[10] – عبد الستار الراوي، التجربة الإيرانية “الواقع والمألات” (الأردن: دار عمار للنشر والتوزيع، ط1، 2017) ص 48

[11] – أنظر التشيع في أفريقيا “تقرير ميداني (القاهرة: مركز نماء للبحوث والدراسات، ط1، يناير 2011)، ص 33

[12] د. السيد عوض عثمان، النفوذ الإيراني الناعم في القارة الافريقية، ( القاهرة: المركز العربي للدراسات الإنسانية، سلسلة دوليات، 2010) ص ص 8-10

[13] – د/مدّثر أحمد إسماعيل حسين الباهي، النفوذ الرافضي في إفريقيا الأثار والتداعيات، موقع المسلم على النت، 19 صفر 1435 ه، ديسمبر 2013 الرابط

[14] – د. الحسين الشيخ العلوي، صراع الإرادات السعودي-الإيراني في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 24 نوفمبر، 2015)

[15]– النفوذ الإيراني في أفريقيا المحددات وآليات الاختراق (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات، 26 مايو 2016) ص ص1-2

[16] – نفس المرجع السابق، ص ص 2-3

[17] – د. معتصم صديق عبدالله، الوجود الإيراني في إفريقيا.. الدوافع والأهداف.

[18] -. محمد سعيد باه، المد الإيراني في غرب أفريقيا.. الجذور والآفاق، مجلة المجتمع الكويتية، 18 أكتوبر 2014

[19] – مدني قصري، استراتيجية الهيمنة الإيرانية في إفريقيا،2018-01-08

[20] – Alex McAnenny، op.cit، p.4

[21]ـ لمزيد من التفاصيل انظر: Matthew Levitt، op. cit.

[22]– النفوذ الإيراني في أفريقيا المحددات وآليات الاختراق، مرجع سابق، ص-6

[23] – Alex McAnenny، op.cit، p.1

[24]– النفوذ الإيراني في أفريقيا المحددات وآليات الاختراق، مرجع سابق، ص ص4-6

[25] – د. أبو بكر حسن علي بخيت، ديناميكية النشاط الشيعي في أفريقيا، التقرير الاستراتيجي الأفريقي الثالث( الخرطوم : جامعة إفريقيا العالمية – مركز البحوث والدراسات الإفريقية 2015-) 2016، ص 267

[26] – تريز منصور، اللبنانيون في أفريقيا، موقع الجيش اللبناني، العدد 311 – مايو 201

[27] – د. الحسين الشيخ العلوي، مرجع سابق

[28] – النفوذ الإيراني في أفريقيا المحددات وآليات الاختراق، مرجع سابق، ص 11

[29] – Itai Mushekwe and Harriet Alexander، “Iran strikes secret nuclear mining deal with Zimbabwe’s Mugabe regime.” The Telegraph، 24 April 2010

[30] – Iran’s activity in East Africa، the gateway to the Middle East and the African continent، Intelligence and Terrorism Information Center. July 29، 2009m pp.14-16

[31] – . أبو بكر حسن علي بخيت، مرجع سابق، ص 270

[32] – أكبر مشروع لنشر التشيع بإفريقيا ينطلق من “قم” الإيرانية، موقع المسلم، 5 شعبان 1437 ه- 2016 ميلادية الرابط

[33] – نفس المرجع السابق

[34] Iran’s Foreign and Defense Policies،(Washington: Congressional Research Service، January 16، 2019)، p.62

[35] – السنغال.. ساحة جديدة للتناحر على النفوذ الديني بين السعودية وإيران، وكالة رويترز، 12 أيار مايو 2017

[36] – النفوذ الإيراني في أفريقيا المحددات وآليات الاختراق، مرجع سابق، ص 13

[37] – د. محمد سعيد باه، المد الإيراني في غرب أفريقيا..،مرجع سابق

[38] – النفوذ الإيراني في أفريقيا المحددات وآليات الاختراق، مرجع سابق، ص 14

[39] – د. محمد سعيد باه، المد الإيراني في غرب أفريقيا.. الجذور والآفاق، مرجع سابق

[40] — د. الحسين الشيخ العلوي،،مرجع سابق

[41] – بوزيدي يحيى، إيران في إفريقيا: اختراقات وإخفاقات، 1 فبراير 2014، موقع الراصد على النت

http://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=6520

[42] – حسن العاصي، نظرة على العلاقات الإيرانية الإفريقية، صحيفة المثقف، 13 يونيو 2017.

[43] – محمَّد الأمين سَوَادغو، انتشار التشيّع وتأثيره في النسيج الاجتماعي في غرب إفريقيا، موقع الراصد، 9 فبراير 2016

http://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=7271

[44] – تريز منصور، اللبنانيون في أفريقيا، موقع الجيش اللبناني، العدد 311 – مايو 2011

[45] – سبعة ملايين شيعي في غرب إفريقيا وتأسيس «مجمع أهل البيت» في غينيا، الشرق الأوسط (11 مايو/أيار 2010)

[46] – اكبر مشروع لنشر التشيع بإفريقيا ينطلق من “قم” الإيرانية، موقع المسلم، 5 شعبان 1437 ه- 2016 ميلادية الرابط

[47] -د. نبيل العتوم وآخرون، استراتيجيات عمل ولاية الفقيه في الوطن العربي والعالم الإسلامي، المرئيات والنتائج، (الأردن : دار عمار للنشر والتوزيع، ط 1، 2016) ص ص 117-121

[48] – هذا العامل والعوامل التي تليه مأخوذة بتصرف من مقال محمَّد الأمين سَوَادغو، مرجع سابق

[49] – سبعة ملايين شيعي في غرب إفريقيا وتأسيس «مجمع أهل البيت»، مرجع سابق

[50]– د. الحسين الشيخ العلوي، مرجع سابق

[51]– المغرب تقطع علاقاتها مع إيران وتطرد السفير، البيان الإماراتية نقلا عن وكالة الأنباء الألمانية د.ب.أ، 2 مايو 2018 الرابط

[52] – Gerald Feierstein ، Craig GreatheadM ، The Fight for Africa :The New Focus of the Saudi-Iranian Rivalry، (Washington: Middle East Institute،، Policy Focus ، No.2 ،2017-) pp4-5

[53] – محمد سعيد باه، المد الإيراني في غرب أفريقيا.. مرجع سابق

[54] – Najla Mari، Iran in the Face of the International Scramble for Africa، Journal for Iranian Studies، Year 1، issue 2- March. 2017، P-65

[55] – محمد الزواوي، إيران في إفريقيا.. البحث عن موطئ قدم، موقع قراءات أفريقية، 8 مايو 2013

[56] – حسن العاصي، نظرة على العلاقات الإيرانية الإفريقية، مرجع سابق

الوسوم

د. بدر حسن شافعي

باحث وأكاديمي مصري، دكتوراه العلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2011، متخصص في الدراسات الأفريقية، من مؤلفاته: تسوية الصراعات في أفريقيا، ودور شركات الأمن الخاصة في الصراعات الأفريقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى