دراسات

السيادة الوطنية وتحولات العلاقات الدولية الراهنة

مقدمة

السيادة الوطنية تُشكل إحدى المواضيع المحورية في الدراسات السياسية والقانونية بصفة عامة، وفي علم العلاقات الدولية بصفة خاصة؛ فموضوع السيادة كان ولا يزال يحظى بأهمية بالغة في الفكر السياسي والقانوني، ذلك أن السيادة تُعد من المحددات المركزية للدولة الوطنية.

فالسيادة الوطنية تُشكل أحد الأركان الجوهرية التي تُبنى عليها نظرية الدولة في الفكر السياسي والقانوني، كما تُعد من المبادئ الأساسية التي تقوم بُنيان وصرح القانون الدولي والعلاقات الدولية المعاصرة؛ فالسيادة مفهوم قانوني وسياسي يتعلق بالدولة باعتبارها تُشكل أحد أهم خصائصها وشروطها الأساسية، كما أنها تُعد من المحددات السياسية والقانونية للدولة كعضو في المجتمع الدولي، وأيضاً يتجسد بموجبها الاستقلال الوطني للدولة، وكذا مساراتها مع الوحدات والكيانات السياسية الأخرى المشكلة للنظام الدولي.

غير أن هذه الأركان والركائز المعيارية والساعية لتقديس سيادة الدولة وتعزيز هيبتها؛ فقدت كثيراً من صلابتها في ظل شبكة العلاقات الدولية الراهنة التي عرفها عالم ما بعد الحرب الباردة، وخاصةً في ظل بروز قضايا جديدة على أجندة السياسة العالمية كمكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى تنامي ديناميات التعاون الدولي التي تحولت تدريجياً إلى عولمة معقدة التركيبة، ومتعددة الفواعل ومركبة المضامين والأهداف.

فضلاً؛ عن ظهور معايير تأسيسية جديدة ذات أبعاد جوهرية باعتبارها متمحورة حول الإنسان، وما ترتب عليها من إقرار مفاهيم جديدة كالأمن الإنساني، والحماية الدولية لحقوق الإنسان، وحق التدخل الإنساني والديمقراطي، الأمر الذي أدى إلى تفكيك القيم التي أسستها القواعد الأمرة للقانون الدولي؛ كمبدأ السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

إلا إننا نتناول هنا في موضوع هذا البحث “السيادة الوطنية” التي باتت تواجه وضعاً خطيراً، والواضح في العمل على تقليص وانكماش نطاق السيادة، ونقلها من مفهومها المطلق إلى المفهوم المرن أو النسبي؛ لتكون السيادة في ظل القانون الدولي المعاصر في حدها الأدنى، وذلك من واقع بعض الذرائع المستحدثة في بعض القيود التي تُتيح التدخل في شؤون الدولة الداخلية، كالقول بانعدام الديمقراطية أو عدم احترام حقوق الإنسان فيها، وهذا ما حمل بعض الباحثين والمحللين السياسيين؛ بالحديث عن زوال أو اختفاء ظاهرة السيادة الوطنية، وهو حُكم يراه البعض الأخر مبالغاً فيه، إلا أن هناك اتفاقا على خطورة ما ألم بالسيادة الوطنية للدول المتوسطة، والنامية بصفة خاصة.

إشكالية الدراسة:

هذه الدراسة تطرح الحاجة إلى الإجابة عن التطورات الجديدة من واقع التساؤلات المرتبطة بمستقبل هذه السيادة في ظل شبكة التوجه الدولي الحديث، والمتصل بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، والتي يفرزها النظام العولمي الجديد؛ فتُثير اهتمام رجال السياسة وصانعي القرار في الدولة.

تقسيم الدراسة:

تقوم هذه الدراسة على عرض أربعة مطالب رئيسية؛ بمنهجية التحليل الموضوعي؛ مع الأخذ بالاعتبار التطور الخاص بوضعية السيادة الوطنية في ظل متغيرات شبكة العلاقات الدولية الراهنة، وأيضاً تأثير هذه المتغيرات في السيادة الوطنية داخلياً.

المطلب الأول: السيادة الوطنية

تُعد السيادة الوطنية من المقومات الأساسية التي بنى عليها صرح القانون الدولي المعاصر، كما يُعد مفهومها من المفاهيم الهامة التي اهتم بها فقهاء القانون، وباحثو السياسة على قدم المساواة، وذلك منذ أن جاء به المفكر الفرنسي جان بودان ([1]) عام 1576، في كتبه الستة عن الدولة، وقد برزت فكرة السيادة بمستوياتها المتعددة منذ ظهور المجتمعات البشرية الأولى، إلا أنها عرفت عدة تطورات عبر مختلف العصور

1.1.- مفهوم السيادة:

تشتمل السيادة على سلطة الدولة المطلقة في الداخل واستقلالها في الخارج، وتمتلك الدولة سلطة الهيمنة فوق إقليمها وأفرادها، وأنها مستقلة من أي سيطرة خارجية، والسيادة أعلى درجات السلطة أما الحكومة؛ فهي السلطة التي تمارس السيادة في الدولة لحفظ النظام، وتنظيم الأمور داخلياً وخارجياً، والحكومة كبنية؛ هي أجهزة ومؤسسات الحكم في الدولة التي تقوم بوضع القواعد القانونية، وتنفيذها، وتفصل في نزاعات الأفراد؛ مشتملةً على أعمال التشريع والتنفيذ والقضاء.

1.2.- تعريف السيادة لغةً:

السيادة لغةً: من سود، ويقال: فُلان سَيِّد قومه إذا أُريد به الحال، وسائِدُ إذا أُريد به الاستقبال، والجمع سَادَةٌ، ويقال: سادهم سُوداً سُودُداً سِيادةً سَيْدُودة استادهم كسادهم وسوَّدهم هو المسُودُ الذي ساده غيره فالمُسَوَّدُ السَّيّدُ.

والسَّيِّدُ يطلق على المالك والشريف والفاضل والكريم والحليم والزوج والرئيس والمقدَّم، وأَصله من سادَ يَسُودُ فهو سَيْوِد، والزَّعامة السِّيادة والرياسة.

وخلاصة المعنى اللغوي للسيادة أنها تدل على المُقدم على غيره جاهاً أو مكانة أو منزلة أو غلبة، وقوة ورأياً وأمراً.

1.3.- تعريف السيادة اصطلاحاً:

عُرفت السيادة بأنها السلطة العليا التي لا تعرف فيما تُنظم من علاقات سلطة عليا أخرى إلى جانبها. وعُرفت أيضاً بأنها وصف للدولة الحديثة أي بمعنى أن يكون لها الكلمة العليا، واليد الطولى على إقليمها، وعلى ما يوجد فوقه أو فيه. وعُرفت كذلك بأنها السلطة العليا المطلقة التي تفردت وحدها بالحق في إنشاء الخطاب المُلزم المتعلق بالحكم على الأشياء والأفعال.

والتعريفات السابقة متقاربة، ولعل أشملها لمفهوم السيادة اصطلاحاً، هو التعريف الأخير؛ لوصفه السيادة بأنها سلطة عليا ومطلقة، وإفرادها بالإلزام، وشمولها بالحكم لكل الأمور، والعلاقات سواءً التي تجري داخل الدولة أو خارجها.

وبهذا يسعنا القول بأن السيادة هي اصطلاح قانوني؛ يُعبر عن صفة من له السلطة، وهو لا يستمد هذه السلطة إلا من ذاته، ولا يشاركه فيها غيره، والسيادة أشمل من السلطة، إذ أن السلطة هي ممارسة السيادة. حيث إن أول من وضع تحديداً لمفهوم السيادة هو الكاتب الفرنسي جان بودان حيث قال إنها السلطة العليا المعترف بها، والمسيطرة على المواطنين والرعايا دون تقييد قانوني، ما عدا القيود التي تفرضها القوانين الطبيعية والشرائع السماوية، والخاصية الأساسية لهذه السيادة أو السلطة المطلقة في نظر بودان تكمن في وضع القوانين أي بمعنى سلطة التشريع.

إلا أنه تجدر الإشارة هنا إلى آراء رجال القانون والسياسة، الذين قد اختلفوا في تحديد مفهوم السيادة، وسنتطرق هنا إلى بعض التعريفات المختلفة التي قيلت في مفهوم السيادة، وهم على النحو التالي:

تعريف جون أوستن ([2]) بأن السيادة تقوم على فكرة القانون الطبيعي مفادها وجود رئيس أعلى في الدولة لا يطيع أحد، بل يفرض هو طاعته على الجميع، وهذا الرئيس هو صاحب السيادة في المجتمع.

تعريف توماس هوبز ([3]) مؤسساً فكرته في السيادة على الإنسان، وذلك بأنه؛ مصلحي وذاتي التفكير ولا يحافظ على عهوده وعقوده ولا يطيع قوانين المجتمع إذا لم ينسجم ذلك مع مصالحه، ومن هنا فقد نشأت الحاجة إلى سلطة عليا تستطيع أن تفرض النظام والسلم الاجتماعي على مجموعات قد لا تتجه نحو العيش بسلام وانسجام مع بعضها البعض، وبالتالي فإن سلطة الدولة وسيادتها ضرورية للبقاء، ولا يمكن نقض العقد الاجتماعي الأصيل الذي تضمن التنازل عن الحقوق الطبيعية لصالح الدولة، ولأن الحاجة لمثل هذا التنازل ضرورة مستمرة لضمان السلم الاجتماعي والحياة الجيدة.

تعريف د. مصطفى أبو زيد فهمي ([4]) بأنها السلطة الأصلية التي تنبع سائر السلطات الأخرى منها، وهي لا تنبع من أي منها لأنها الأصل.

تعريف محكمة العدل الدولية ([5]) في قضية مضيق كورفو ([6]) عام 1949، في أن؛ السيادة بحكم الضرورة هي ولاية الدولة في حدود إقليمها ولايةً انفرادية ومطلقة، وأن احترام السيادة الإقليمية فيما بين الدول المستقلة يُعد أساساً جوهرياً من أُسس العلاقات الدولية.

وبناءً على ما تقدم يمكن القول بأن السيادة تعتبر المميز الرئيسي للسلطة السياسية للدولة، ولأهمية هذا المميز؛ نجد أنه انتقل من كونه صفة إلى اسم فبدلاً من القول السلط ة السياسية ذات السيادة أصبحنا نتحدث عن سيادة الدولة؛ ليُقصد بها نفس المضمون: استقلالية الدولة وعدم خضوعها لأي سلطة أخرى.

1.4.- مظاهر سيادة الدولة:

بعد الحديث عن مفهوم السيادة ونشأتها فمن المهم بيان مظاهرها، وللسيادة مظهران؛ نأتي على ذكرهما تباعاً:

(أ) المظهر الخارجي:

يكون بتنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى في ضوء أنظمتها الداخلية، وحريتها في إدارة شؤونها الخارجية، وتحديد علاقاتها بغيرها من الدول، وحريتها بالتعاقد معها، وحقها في إعلان الحرب أو التزام الحياد.

حيث أن السيادة الخارجية للدولة؛ هي مرادفة للاستقلال السياسي، ومقتضاها عدم خضوع الدولة صاحبة السيادة لأية دولة أجنبية، والمساواة بين جميع الدول أصحاب السيادة؛ فتنظيم العلاقات الخارجية يكون على أساس من الاستقلال، وهي تُعطي الدولة الحق في تمثيل الأمة والدخول باسمها في علاقات مع الأمم الأخرى، وأن هذا المظهر لا يعني أن تكون سلطتها عليا، بل المراد أنها تقف على قدم المساواة مع غيرها من الدول ذات السيادة، ولا يمنع هذا من ارتباطها وتقييدها بالتزامات أو معاهدات دولية مع غيرها من الدول.

(ب) المظهر الداخلي:

يكون ببسط سلطانها على إقليمها وولاياتها، وبسط سلطانها على كل الرعايا، وتطبيق أنظمتها عليهم جميعاً، ولا ينبغي أن يوجد داخل الدولة سلطة أخرى أقوى من سلطة الدولة، وينبغي أن تكون سلطة الدولة على سكانها سامية وشاملة، وألا تعلو عليها سلطة أخرى أو تنافسها في فرض إرادتها.

وكِلا المظهرين في الدولة مرتبط بالآخر؛ فسيادتها الخارجية هي شرطاً لتحقيق سيادتها الداخلية.

1.5.- خصائص سيادة الدولة:

  • سيادة شاملة وهي التي تُطبق على جميع المواطنين في الدولة، ومن يُقيم في إقليمها أي بمعنى شمول السيادة للإقليم وما عليه من أشخاص وجمعيات وأموال وثروات، باستثناء ما يرد في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مثل: الدبلوماسيين، وموظفي المنظمات الدولية، ودور السفارات، الذين يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية، وفي نفس الوقت؛ فإنه ليس هناك من ينافسها في الداخل في ممارسة السيادة وفرض الطاعة على المواطنين.
  • سيادة لا يمكن التنازل عنها وهي أن الدولة لا تستطيع أن تتنازل عن السيادة، لأنها إذا تنازلت عنها فقدت ذاتها؛ فالدولة والسيادة مفهومان متلازمان ومتكاملان لا يجوز التصرف فيهما.
  • سيادة مطلقة بمعنى أنه ليس هناك سلطة أو هيئة أنها في الدولة؛ فهي بذلك أعلى صفات الدولة، ويكون للدولة بذلك السلطة على جميع المواطنين، ولا مكان لسلطة أخرى منافسة أو معارضة، إلا أن هذا الإطلاق الذي كان خاصية أساسية في سيادة الدولة في الفقه التقليدي بدأ يخضع لقيود كثيرة سواءً في المجال الداخلي أو المجال الخارجي، ويرجع ذلك إلى ما يسود الدولة المعاصرة من مبدأ سيادة القانون، والذي تحولت بمقتضاه الدولة من دولة استبدادية إلى دولة قانونية؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ فإن سيادة الدولة تتأثر وتتغير بناءً على التطورات والتحولات التي تطرأ على مستوى العلاقات الدولية، لأن الملاحظ أن هذه الظواهر الجديدة من قبيل: العولمة، والاعتماد المتبادل، والنظام الدولي الجديد، والتدخل الدولي، وغيرها، أضحت تشكل خطراً وعائقاً حقيقياً للسيادة الوطنية بصورة أو بأخرى.
  • سيادة دائمة وهي التي تدوم بدوام قيام الدولة، والعكس أيضاً صحيح أي بمعنى أن بقاء السيادة مرتبط ببقاء الدولة، وانتهاؤها بانتهاء الدولة، والسيادة تكون شبيهة بحرية الفرد التي لا تنتهي إلا بانتهائه.
  • سيادة غير قابلة للتقادم بمعنى أن السيادة لا تسقط حتى لو توقف العمل بها لمدة مُعينة، سواءً كانت هذه المدة طويلة أو قصيرة، كما في حالة الدول المستعمرة سابقاً، والتي عادت عن طريق مبدأ الانبعاث أي بمعنى بعد نيلها الاستقلال.
  • سيادة لا تتجزأ بمعنى أنه لا يوجد في الدولة الواحدة سوى سيادة أو سلطة عليا واحدة، والتي الا يمكن تجزئتها، وذلك مهما كان النظام الدستوري أو الإداري لهذه الدولة، فسواءً أكانت دولة موحدة أو اتحادية، أو كانت تتبع نظام اللامركزية أو نظام المركزية الإدارية؛ فإنها على كل حال ذات سيادة واحدة، وقد أثير موضوع تجزئة سيادة الدولة بمناسبة الصلاحية التي تم إعطاؤها للمنظمات الدولية التي تتخذ قرارات في بعض المسائل التي تدخل أساساً في نطاق السيادة والسلطان الداخلي للدولة، وقد ذهب معظم الفقهاء إلى أن السيادة لا تتجزأ، ومصدر مبدأ عدم التجزئة يعود إلى كون السيادة متلازمة مع شخصية الدولة، وأن الأمر لا يعدو أن يكون في هذه الحالة مجرد توزيع اختصاصات تمارس تطبيقاً للسيادة، حيث تعاقدت الدول على منح المنظمة الدولية اختصاصات لكي تمارسها داخل حدودها بإرادتها ورضاها، ودون أن يمثل ذلك انتهاكاً لسيادتها.

إلا أن قضية التجزئة الخاصة بسيادة الدولة ترتبط بمبدئين أساسين، نسردهما تباعاً على النحو التالي:

  • يرتبط مبدأ عدم قابلية السيادة للتجزئة بمبدأ عدم قابلية السيادة للتنازل عنها والذي تم التطرق إليه، وقد كان روسو ([7]) هو أول المفكرين الذين ذكروا فكرة عدم تنازل الشعب عن سيادته في كتابه العقد الاجتماعي ([8]) حيث ذكر أن السيادة ليست إلا تعبيراً عن الإرادة العامة، ويمتنع على الأفراد التنازل عنها، لأن هذا التنازل يؤدي بشكل قهري إلى زوال الإرادة؛ فحين تزول الإرادة تنعدم الشخصية القانونية، وتنعدم معها السيادة.
  • يرتبط مبدأ وحدة السيادة وعدم تجزئتها بمبدأ عدم إمكانية نقل السيادة وعدم إمكانية تفويضها والتفويض يُقصد به التوكيل أي بمعنى أن المفوض يفوض إلى المفوض إليه بعض الصلاحيات، ويبقى للمفوض الحق في العدول عن قراره وممارسة الصلاحيات التي تم تفويضها مباشرة دون الرجوع إلى المفوض إليه، وهو ما يختلف عن التنازل الذي يعني الترك النهائي، وبالتالي زوال صفة المتنازل عن ممارسة الحقوق موضوع التنازل، والتفويض لا يمكن أن يتناول أساس الحق، بل تطبيقاته ونتائجه العملية، وكل تنازل للدولة عن سيادتها هو باطل ومستحيل لأن السيادة لا يمكن تفويضها، ولأن التفويض يُعد في هذا المقام كالتنازل يُفقد الدولة إرادتها وشخصيتها.

المطلب الثاني: نطاق السيادة والمتغيرات الدولية الراهنة

حيث أن انعدام المعيار الواضح الذي من الممكن أن يتم الاتكال عليه للتمييز بين ما يدخل ضمن اختصاص وسيادة الدولة من عدمه؛ فما كان بالأمس يُعرف بأنه ضمن اختصاصات سيادة الدولة؛ فقد أصبح اليوم على خلاف ذلك، وهذا لدواعي واحتياجات التطور السريع والغير المسبوق الذي تشهده العلاقات الدولية من منظور القانون الدولي ([9]) حيث أصبح يتدخل في شؤون الدولة داخلياً وخارجياً؛ مما يقيد نطاق سيادتها.

وذلك من واقع مضمون مبدأ السيادة؛ فإنه أضحى يتغير تبعاً لتغير العلاقات الدولية التي تتغير وفقاً لتزايد الحاجات المشتركة وتغيراتها، وهذا ما عكسه اتجاه تطور التنظيم الدولي من نقطة الفوضى باتجاه مرحلة القبض على جميع السلطات الدولية، وبالمقابل ينطبق مفهوم السيادة من نقطة السلطة المطلقة إلى نقطة انعدام السلطة.

و بالتالي فإن تحول العلاقات الدولية من حالة العزلة إلى حالة التضامن الدولي؛ عملاً باتجاه تحقيق وحدة العالم، ومع ازدياد أهمية ظاهرة التحول بعد ظهور العديد من الدول على المسرح الدولي، وخاصةً دول العالم الثالث، والتي تُعد الأكثر تأثراً بهذه الظاهرة، ويرجع ذلك إلى عدة اعتبارات من قبيل ضعف الدولة وعدم رسوخ مؤسساتها، ولاسيما مع تفاقم حدة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المتمثلة أساساً في المجاعة والجفاف والتصحر، إلى جانب رئيسي وهو ظاهرة المديونية التي أصبحت اليوم إحدى المشكلات الكبرى التي تعاني منها اقتصاديات الدول النامية.

الأمر الذي يتطلب الوقوف لنظر في حال السيادة الوطنية في الوقت الراهن، والتي اهتزت؛ لكونها عرفت العديد من التحديات على صعيد الكثير من القطاعات، سواءً في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو السياسي، سواءً أرادت هذه الدول ذلك أم أبت، مما يجعلنا نتساءل حول أوجه التأثير على سيادة الدولة في ممارسة اختصاصاتها في ظل النظام العالمي الجديد.

2.1.- الأساس القانوني للممارسة الدولة لاختصاصاتها:

تُعتبر اختصاصات الدولة ذات طبيعة وظيفية، وهذا لأن الدولة تمارس اختصاصاتها في إطار قانوني، وبهدف تحقيق أهداف مُعينة، وهذا يُعطي لهذه الاختصاصات الصفة الوظيفية لطبيعة الاختصاصات الداخلية ذات المحتوى القانوني، والهدف الذي قد يكون أحياناً سياسياً.

وعند بحث مشكلة الأساس القانوني لممارسة الدولة لاختصاصها، ظهر انقسام في الفقه أدى إلى انقسام في الممارسة الدولية، وأثمر هذا الانقسام إلى رأيين، وهما على النحو التالي:

  • الرأي الأول: يقول أنه ليس هناك أي اختصاص ما لم توجد هناك قاعدة قانونية تحدد هذا الاختصاص، وهذا من واقع نظرية القاعدة القانونية بأنها تؤكد على وجود قاعدة قانونية سابقة تحدد اختصاصات الدول ومن ثم ممارستها، وبالشكل الذي يرسم معالم وحدود واضحة لكل دولة، وتكون القاعدة المنظمة للاختصاص إما اتفاقاً دولياً أو تنائياً أو قاعدة عرفية مُلزمة.
  • الرأي الثاني: يقول بحرية تصرف الدول ما لم توجد قاعدة قانونية تمنع الدولة من ممارسة الاختصاص، أو تجعله من اختصاص شخص قانوني آخر، وهذا من واقع نظرية حرية التصرف والتي تُصنف الاختصاص بأنه؛ سلطة التأثير في المصالح القانونية، وبذلك تمارس الدولة اختصاصاً لا يدخل في صلاحية أي شخص قانوني آخر، ولها الحرية التامة في ممارسة اختصاصاتها وفقاً لِما تراه مناسباً لها ولمصالحها، وليس هناك سلطة أعلى منها في الداخل.

والرأي الراجح هو أنه ترجع نظرية حرية التصرف في منطقها إلى نظرية السيادة التقليدية المطلقة، والدولة ليست حرة تماماً في التصرف، بل هي مقيدة بقواعد القانون الدولي، وحتى الوطني وأما بالنسبة لنظرية القاعدة القانونية، فما هو مؤكد أن كل اختصاص تمارسه الدولة إلا ويستند إلى قاعدة قانونية وطنية كانت، أم دولية أو عرفية، ولذلك فقد يكون أساس ممارسة هذه الاختصاصات السيادة الوطنية، وحرية التصرف في إطار الشرعية الدولية.

2.2.- حدود ممارسة السيادة في ظل القانون الدولي المعاصر:

صحيح أنه لا يوجد سلطة أعلى من السيادة، ولكن تبقى السيادة في إطار القانون الدولي المعاصر مرهونة بعدة تطورات للمجتمع الدولي، ولذلك فإن السيادة يتطور مضمونها ومجالها تبعاً لتلك التطورات في إطار العلاقات الدولية، وهذا ما يحد أحياناً من ممارسة السيادة في بعض المجالات، الأمر الذي يجعل للسيادة حدود في إطار القانون الدولي، وتختلف هذه القيود من ظرف إلى آخر، ومن زمن لآخر، ومن بين هذه القيود، قيد السيادة في ظل فكرة التضامن الدولي.

حيث يُشكل التضامن الدولي مرحلة فاصلة في الانتقال من حياة العزلة أو الفوضى الدولية إلى مرحلة التجمع وانتظام العلاقات الدولية، وقد بدأت أفكار التضامن الدولي عند الفلاسفة الأوائل في المشرق والمغرب على حدٍ سواء، وأخذت مداها العملي مع الاتحادات الدولية لتحقيق بعض المصالح المشتركة، وتنظيمها وصولاً إلى الفاصل التاريخي الأهم المنشئ لعصبة الأمم ([10])، ومنها إلى الأمم المتحدة ([11])، فقد أفرز واقع العلاقات الدولية استحالة فكرة الاكتفاء الذاتي للدولة، وإمكانية العيش بمعزل عن المجتمع الدولي.

فقد أجبر واقع الحاجات المتنامية للدول على تجاهل دعاتها بالسيادة المطلقة، والتنازل عن مبدأ التمسك الجامد بالاختصاصات الحصرية في عدة مجالات لأجل تحقيق غايات تسد هذه الحاجيات، ونتج عن ذلك تداخل علاقات الدول مع بعضها البعض، وقد عبر الفقه الدولي عن هذا التداخل بالتضامن الدولي، وهو يمثل ذلك الإسهام في عمل مشترك يفترض تعدد القائمين بالعمل، ويكون ثمرةً لرغبة عدد من القوى.

وهذا ما أثبتته التحديات الدولية الراهنة، أن أي اختلاف أمني أو سياسي أو حتى اقتصادي في دولة ما، قد يؤثر بصورة أو بأخرى في دولة أخرى في نطاق المجتمع الدولي؛ فهناك العديد من المشاكل في عدة مجالات التي لا يوجد لها حل إلا بتضامن من المجتمع الدولي كافة، لأجل الحفاظ على استقراره، وهذه الحاجات تحولت إلى مطلب التزم به الحاكم السياسي ونفده من خلال عمل قانوني، يُحدد التزامات الدول المتضامنة ويُبين حقوقها، وللتضامن الدولي عدة نماذج، كمجلس الأمن الدولي؛ مثلاً، حيث نجد أنه تأسس على فكرة التضامن الدولي لتحقيق الأمن الجماعي بصورة موحدة لمجموعة الدول على فرض عدم انقسام الأمن أو تجزئته، ويكون بذلك نتاج مصلحة دولية مشتركة، ولتحقيق هذا الأمن الجماعي يحتاج الأمر إلى منظمات دولية وأفضل جهاز يقوم بهذا الأمر هو مجلس الأمن ([12])، ولكن نجده في إطار ممارسته لنشاطاته في سبيل ضمان الأمن الجماعي فإنه يصطدم بالسيادة الوطنية واختصاصها الداخلي.

وبهذا نجد أن مجلس الأمن يباشر اختصاصه في جميع المسائل التي يراها من زاويته تتعلق بحفظ الأمن والسلم الدوليين، ثم أن قيد احترام سيادة الدول لم يعد له وجود في إطار سلطات مجلس الأمن، ذلك لأن مبدأ حفظ السلم والأمن الدوليين واحترام حقوق الإنسان أسمى وأعلى من مبدأ احترام السيادة، وهذا نظراً للتصور القائم وقت صياغة الميثاق لوثيقة الأمم المتحدة كمنظمة أمنية بالدرجة الأولى تهدف إلى توفير آلة دولية تمنع تكرار الحروب بين الدول عن طريق تطبيق نظام الأمن الجماعي والتزام الدول بتنفيذ قرارات مجلس الأمن.

ولهذا نجد أن نطاق السيادة قد تراجع وتقلص أمام التطورات الدولية الراهنة من صيغته المطلقة إلى النسبية؛ بحيث أصبح وسيلة لا غاية، ويعمل على تحقيق الخير العام الداخلي والدولي على اعتبار أن الإنسان هو الهدف الأسمى له، بحيث لم تعد السيادة مسوغاً لانتهاك حقوق الإنسان ولاسيما أن الدولة ملتزمة في ممارستها لمظاهر سيادتها بالقانون الدولي وما يتضمنه من التزامات تفرض عليه احترام حقوق الإنسان وكرامته، وبذلك ظهرت فكرة تدويل حقوق الإنسان أي بمعنى إخراجها من الاختصاص الداخلي للدول وجعلها في إطار الاختصاص الدولي، ونجد أنه أمام هذه التغيرات تباينت الآراء بين مؤيد لفكرة التدويل ([13]) ومعارض لها، وكانت لهذه التطورات انعكاسات جما على السيادة الوطنية.

المطلب الثالث: العلاقة فيما بين المجال المحفوظ لسيادة الدولة والمجال الدولي

هذا من واقع التحولات الراهنة على الساحة الدولية، وأيضاً يتجلى في أثر العولمة، وما لها من تأثيرات على الجوانب الدولية، وبالأخص السيادة الوطنية ومبدأ استقلال الدول الذي شابهُ الضمور؛ مما أدى إلى التأثير عليه سلباً، وهذا ما تُعاني منه الدول الفقيرة على حساب الدول الغنية؛ مما أدى في وجود الخلل في تحديد مجال كل منهما مجال سيادة الدولة ومجال وحدود النظام الدولي.

ومع تقدم التنظيم الدولي وتطور العلاقات الدولية، قد أخذت الدولة تتراجع عن هذه المفاهيم والمنطلقات؛ فاعترفت في البداية بإمكانية إعطاء دور للمنظمات الدولية في هذا الشأن، وخاصةً للمنظمات والهيئات الإنسانية في ظل النزاعات المسلحة، داخلياً كانت أم دولياً.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي عقب نهاية الحرب الباردة، أخذت الأمم المتحدة تتعامل مع النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي، بصورة لم يسبق لها مثيل، بل تجاوزت في بعض الأحيان القواعد القانونية التي تحكم عملها؛ خاصةً مبدأ احترام سيادة الدول؛ فلم تعد المفاهيم الاستقلالية من الثوابت، بل تحولت إلى قضية خلافية تخضع لوجهات النظر المختلفة، ولعل مجرد إلقاء نظرة على ساحة السياسة الدولية يكشف عن مظاهر تآكل السيادة، وعن عمليات التدخل والاختراق التي أصبحت إحدى تقاليد النظام الدولي الجديد.

وبهذا يمكن القول بأنه أمام التطورات الدولية، تراجع مفهوم السيادة من صيغته المطلقة إلى الصيغة النسبية؛ بحيث أصبح وسيلة وليس غاية، ويعمل على تحقيق الخير العام الداخلي والدولي باعتبار الإنسان الهدف الأسمى له، ولم تعد السيادة مبرراً لانتهاك حقوق الإنسان الأساسية لاسيما أن الدولة ملتزمة في ممارستها لمظاهر سيادتها بالقانون الدولي وما يتضمنه من التزامات تفرض عليها احترام حقوق الإنسان وكرامته.

حيث أصبح القانون الدولي في ظل النظام العالمي الجديد إحدى أدوات اختراق حرمة الاختصاص الداخلي للدولة، والوسيلة المثلى للحد من السيادة، ولقد كتب براين أوركارت تحت عنوان تألم السيادة إن الكثير من التطورات في عصرنا أصبحت تتحدى مصداقية مبدأ سيادة الدولة، ونحن نعيش اليوم مرحلة نمو الاعتماد المتبادل الشامل، ذلك أن الاهتمام بآلام الإنسانية وبحقوق الإنسان كان عادة ما يتوقف في الماضي عند الحدود.

3.1.- التدخل الدولي الإنساني بين المجال المحفوظ لسيادة الدولة والمجال الدولي:

يحظر القانون الدولي تدخل أية دولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، إذ أن كل دولة حرة في اختيار وتطوير نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، من دون تدخل أي دولة أخرى، غير أن السيادة الدولة مقيدة بأحكام القانون الدولي، وبخاصة في ما يتعلق بحقوق الإنسان، وارتكاب جرائم الحرب، وجرائم إبادة الجنس البشري؛ فالدولة ليست مطلقة التصرف في ميدان العلاقات الدولية، إذ هي تخضع للقانون الدولي الذي هو مفروض على الدول بناءً على اعتبارات تعلو إرادتها، والذي يورد قيوداً على تصرفات الدول، ويحكم علاقاتها مع الدول الأخرى، ومع الهيئات الدولية.

إلا إن الإقرار بوجود حقوق دولية للإنسان، يعني أن مجالاً من المجالات الأساسية للاختصاص الداخلي للدولة قد أصبح محل تدخل للقانون الدولي بالتنظيم والحماية، وهو ما لا تقبله أي دولة بسهولة، ولا سيما أن السيادة ومبدأ عدم التدخل اللذين يعتبران من الدعائم الأساسية للقانون الدولي، ولكن مسألة حقوق الإنسان وبفعل المفاهيم القانونية المعاصرة التي تبنتها الأمم المتحدة؛ خاصةً بعد نهاية الحرب الباردة، قد جعلت من هذه الحقوق مدخلاً ومسألة دولية لا تقتصر على الاختصاص الداخلي للدول فقط، بل تتعداها للمحيط الدولي على أساس المصلحة الدولية الشاملة، وهو ما كشفته ممارسات الأمم المتحدة في رقابة سلوك الدول الأعضاء في حالة تهديد السلم والأمن الدوليين.

و بهذا أصبح الزاماً على السيادة الوطنية بالتضحية بجزء من حقوقها في هذه السيادة من أجل استمرار الدولة نفسها واستمرار الجماعة الدولية في ذات الوقت، وإذا كان حسن سير العلاقات الدولية يتطلب وضع حد فاصل بين الحقوق الوطنية والحقوق الدولية منعاً للتناقض؛ فإن الاعتراف بمنطقة الحقوق الوطنية أخذت تنحسر لصالح منطقة الحقوق الدولية، والتي أخذت تتسع تدريجياً بسبب الاعتبارات التي أخذت تضغط على الجماعة الدولية للتدخل في منطقة الصلاحية الوطنية حفاظاً على مصلحة السلام الدولي، وقد ظهرت نتيجةً لهذا التدخل أمران وهما على النحو التالي:

  • الأمر الأول: اتساع نطاق الحقوق الدولية الذي يعني النمو التدريجي للسيادة الدولية.
  • الأمر الثاني: التضييق المطرد لنطاق الحقوق الداخلية بما يعني الاختفاء التدريجي للسيادة الوطنية.

إذاً وبالمفهوم الحديث للقانون الدولي المعاصر، لم تعد مسألة التدخل الإنساني؛ اختراقاً للسيادة الوطنية؛ حيث أنها أصبحت من اختصاص المجال الدولي، وهو ما جرى عليه العمل في الأجهزة الدولية بمقتضى القانون الدولي أو بموجب المعاهدات الدولية، وبهذا يتبين جلياً في أن السيادة الوطنية لم تعد مطلقةً، وإنما هي نسبيةً بما يراه المجتمع الدولي دون ما الحاجة إلى النظر في مجال اختصاص السيادة الوطنية.

3.2.- العولمة بين المجال المحفوظ لسيادة الدولة والمجال الدولي:

سرعان ما انتقل مصطلح العولمة ([14]) من كلام الساسة والإعلاميين في الغرب عامةً، وفي الولايات المتحدة الأمريكية خاصةً، إلى كتابات أكثر قيمة أنتجها مفكرون اقتصاديون واستراتيجيون وغيرهم، بأن تناولوا فيها التعريف بهذه الظاهرة الحديثة من جميع جوانبها، وخاصةً تأثيراتها في العلاقات الدولية، وفي بعض المبادئ الدولية الراسخة، وخاصةً مبدأ السيادة الوطنية.

تعريف رونالد روبرتسون ([15]) بأنها اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش.

تعريف مالكوم واترز ([16]) بأنها كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو بدون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد.

تعريف د. إسماعيل صبري عبد الله ([17]) بأنها التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك، دون اعتبار يذكر للحدود السياسية للدول ذات السيادة، أو الانتماء إلى وطن معين، أو دولةٍ ما دون الحاجة إلى إجراءات حكومية.

تعريف برهان غليون ([18]) بأنها ديناميكية جديدة تبرز داخل دائرة العلاقات الدولية، من خلال تحقيق درجة عالية من الكثافة والسرعة في عملية انتشار المعلومات والمكتسبات التقنية والعملية للحضارة، ليتزايد فيها دور العامل الخارجي في تحديد مصير الأطراف الوطنية المكونة لهذه الدائرة المندمجة، وبالتالي لهوامشها أيضاً.

وهناك أيضاً من يُعرفها بأنها القوى التي لا يمكن السيطرة عليها، كالأسواق الدولية، والشركات المتعددة الجنسية، والتي ليس لها ولاء لأي دولة قومية.

إذاً ومن خلال التعريفات السابقة، يسعنا القول بأن العولمة وما يرتبط بها من ظواهر وتيارات ومشكلات عابرة للحدود، إنما تخلق حقائق تتضمن بعض القيود التي تحد من قدرة الدولة على ممارسة السيادة المطلقة بمفهومها التقليدي، بالإضافة إلى أنها تطرح تحديات كبيرة تتمثل في الهيمنة الاقتصادية والسياسية والاختراق الثقافي.

وبهذا نخلص إلى أن العولمة وبكافة أبعادها تُعد من أحد العوامل التي تعمل كنموذج، والذي يجب على الدول أن تتبناه، سواءً كان ذلك بإرادتها أو بدون إرادتها، وبهذا تُجبر الدول بالانتقال من السيادة المطلقة إلى السيادة النسبية، التي تكون مرنة بما يتوافق والسيادة الدولية الحديثة والشاملة.

3.3.- مكافحة الإرهاب بين المجال المحفوظ لسيادة الدولة والمجال الدولي:

إن الحرب على الإرهاب تُعد سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، من حيث إنها تُعطي فرصة ابتداع شرعية حديثة، والتي من شأنها أن تفتح الباب على مصراعيه أمام أي تدخل بدعوى الدفاع عن المبادئ أو المحافظة على المصالح تحت ذريعة محاربة الإرهاب.

وإسناد ذلك؛ في التعبير الذي أطلقه وزير الدفاع الأمريكي سابقاً دونالد رامسفيلد ([19]) أنه لن تنتهي الحرب على الإرهاب باحتلال منطقة أو بانهزام قوة عسكرية معادية، لأن هذه الحرب تتطلب عملية ضبط سياسي وأمني واستخباراتي على المدى الطويل، لتحقق الشفافية في كافة الأنشطة السياسية والاقتصادية والمالية لجميع الدول، وهو ما يعني تجاوز لجميع المكتسبات التي حققها مبدأ السيادة القانونية للدول، وخاصةً؛ المستضعف منها، على امتداد قرون عديدة بوصفه ركناً جوهرياً في القانون الدولي.

وبهذا نجد أن هذه الظاهرة الحرب ضد الإرهاب قد صاحبتها ثلاثة أبعاد في مطلها الزمني، ونأتي على سردهم تباعاً:

  • البعد الأول: القيادي إذ أنها حرب تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية بشراسة كبيرة من أجل قيادة العالم على أساس الزعامة الأمريكية الأحادية.
  • البعد الثاني: الانتقامي من حيث أنها تنطوي على الانتقام الأمريكي لذاك التأثير السلبي الناتج عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
  • البعد الثالث: الوقائي بسبب تحويل الحرب ضد أفغانستان والعراق إلى حرب وقائية أو استباقية.

ولذلك فإن هذه الهجمات وباعتراف الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، تُشكل بدون شك تهديداً للسلم والأمن الدوليين، كما أكدت ذلك قرارات مجلس الأمن، ولكن على الرغم من تصنيف الإرهاب في خانة تهديد السلم والأمن الدوليين، وإبداء المجلس آن ذاك استعداده لاتخاذ كافة الترتيبات للرد على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومحاربة الإرهاب، لم يقم المجلس نفسه بمباشرة إجراء محدد بموجب الفصل السابع، الأمر الذي لم يكن متاحاً بالنسبة للمجلس، حتى وإن كان تنظيم القاعدة هو الجهة التي وجهت إليها أصابع الاتهام، إذ لم يثبت أن أفغانستان كدولة هي الجهة التي تقف وراء هذا العدوان، غير أن تأكيد القرار على حق الدول في ممارسة حق الدفاع عن النفس، ربما ترك الباب مفتوحاً لتبرير ما أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب على الإرهاب وبالأسلوب الذي ارتأته، وعلى الرغم من نص القرار على مبدأ ممارسة حق الدفاع عن النفس ينبغي أن تكون بموجب ما ينص عليه الميثاق.

وهذا ما يُعد مقاربة تنطوي على صياغة جديدة لمبدأ التدخل، الذي تتحصن وراءه الدول الصغيرة لحماية سيادتها الوطنية واستقلالها، وبحيث يتم إضفاء المشروعية على التدخل الجماعي من خلال استثناء الحرب على الإرهاب من قاعدة تحريم استخدام القوة، ومن الخضوع للقيود والضوابط التي يفرضها القانون الدولي، وذلك بدعوى ممارسة الحق في الدفاع الشرعي بصورة جماعية، ونُقل هذا التبني للأمم المتحدة، التي أضحت اليوم المنتدى الرئيسي لتوحيد التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، من أجل إعطائه الصفة الشرعية، والدول الأعضاء مدعوة للانضمام إلى الاتفاقيات الدولية الرئيسية بشأن الإرهاب، فضلاً عن المصادقة عليها دون إبداء أي تحفظات.

وهنا تتحقق نسبية السيادة الوطنية في ظل شبكة العلاقات الدولية الراهنة، والتي بدورها تُبين لنا العلاقة الحقيقية فيما بين المجال المحفوظ لسيادة الوطنية لدولة والمجال الدولي بمنظوره الحديث في ظل القانون الدولي المعاصر.

المطلب الرابع: السيادة الوطنية ورؤيتها المستقبلية

هذا من واقع سلوكيات وأفعال الدول الكبرى، وأيضاً؛ يكمن في ذاك الواقع المتمثل في الوضع الدولي الراهن، وكذلك في تلك المقومات بمعناها الحالي حيث يتمثل ذلك في إمكانية تحقيق الاستقرار من عدمه في ظل تعددية مراكز القوى، والمشحونة في صراع عالمي مُقبل؛ قد يؤدي إلى عالم متناقض ومضطرب وكأنه قنبلة موقوتة، وتاريخ العلاقات الدولية لنا فيه التماسات عديدة.

وانطلاقاً من هذه المتغيرات والتحولات التي طرأت على شبكة العلاقات الدولية الراهنة؛ في عالم ما بعد الحرب الباردة، وعلى جميع الأصعدة والمستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية؛ فإن مستقبل السيادة الوطنية يمكن أن يتخذ ثلاثة سيناريوها أساسية، والآتي ذكرهم تباعاً:

4.1.- السيناريو الأول:

اختفاء السيادة يقوم على فكرة تلاشي واضمحلال السيادة بحكم تأثير قوى العولمة بجميع أبعادها واتجاهاتها الإستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، لتصبح الوظيفة الجديدة للدولة هي خدمة المصالح المسيطرة، ولا سيما إذا ما علمنا أن للدول الكبرى دور كبير في تدعيم هذا التوجه لتحقيق مصلحتها عالمياً.

4.2.- السيناريو الثاني:

استمرارية السيادة من حيث أن السيادة الوطنية قد أصبحت نسبية أي بمعنى أنها مرنةً بما يمكنها من استيعاب والتكيف مع المتغيرات الدولية الراهنة، كما يُقر هذا الاتجاه بتراجع دور الدولة، ويرتبط بقاء السيادة الوطنية بالمقابل بديمومة واستمرار الدولة، فالتطورات الراهنة في النظام الدولي لن يأتي على السيادة تماماً، وإنما يعمل على إضعافها، ولكنه في ذات الوقت يرفض فكرة اختفاء السيادة، بل إنها ستظل قائمة بنسبية السيادة.

4.3.- السيناريو الثالث:

الحكومة العالمية يؤكد على فكرة تحول وانتقال السيادة الوطنية إلى مؤسسات الحكم العالمي هدفاً في تحقيق الحكومة العالمية المنشودة أي بمعنى أن الدولة ستتنازل عن سيادتها لصالح حكومة عالمية منبثقة من نظام عالمي ديمقراطي، وتغير العولمة طرح فكرة الحكومة العالمية ليس باعتبارها حلاً بعيد المنال، وإنما باعتبارها عملية في طور التكوين.

4.4.- السيناريو الرابع:

تفكيك الإقليم هنا تكون الدولة موجودة، إلا أنها غير قادرة على مباشرة مظاهر سيادتها على إقليمها، بسبب تفككها إلى عشرات الدول القومية الصغير في داخل الإقليم الواحد أي بمعنى أنه من شأن هذا التشظي في داخل الإقليم الواحد، أن يُحدث انقسامات واختلافات في التوجيه والتوجه، والذي بدوره يُعيق ممارسة الدولة سيادتها في ظل هذا التشظي، حيث سنجد هذا واضحاً في العديد من المطالبات التي ستعلو بسبب تارةً تحت دعوى التعبير عن هويات من حقها أن تُعبر عن نفسها، وتارةً أخرى تحت توطيد صلة المواطن بالسلطة، وتارةً تحت دعوى احتجاج على تحيز النظام الدولي الجديد لجماعات دون أخرى وأيضاً ما يؤيد هذا السيناريو ذاك التزايد في الحروب الأهلية والنزعات الانفصالية، وهو ما يجعل احتمالية حدوثه أكثر واقعية، إلا أن هناك بعضاً من التحفظات التي تلاحقه، بدعوى أنه لابد من وجود قوى مضادة تعمل على هذا السيناريو، فقط بسبب خطورته الشديدة، كي لا يخرج عن السيطرة، لتحقيق المبتغى.

ومن واقع التحليل، فأن السيناريو الثاني القائل بمرونة السيادة واستمراريتها، هو الأكثر تطابقاً مع الواقع الدولي الراهن، وهذا راجع إلى عاملين أساسيين، وهما على النحو التالي سرداً:

  • العامل الأول: يتمثل في أن السيادة لم تعد مطلقة، ذلك أنها مُلزمة باحترام القوانين والأعراف الدولية، وكذا القيام بالتزاماتها الدولية، بما يناسب القوى الكبرى المحركة للمجتمع الدولي، وهو ما يؤكد على أنها أصبحت مرنةً ومشروطة.
  • العامل الثاني: فهو يؤكد على استمرارية السيادة على اعتبار أن سيادة الدولة هي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها النظام الدولي، ضف إلى ذلك أن الدولة في نهاية المطاف هي التي تقرر الحرب والسلم في العلاقات الدولية.

وبهذا يتضح أن السيادة الوطنية قد عرفت نقلةً نوعيةً من بُعدها التقليدي الذي يقوم على مطلق حرية الدولة في التصرف بلا قيود ولا ضوابط في المجالين الداخلي والخارجي، إلى البُعد النسبي أو ما يُعرف بالسيادة المحدودة أو المُقيدة بأداء الالتزامات الدولية، ومن هذا المنطلق فإن نظرية السيادة المطلقة لم تعد موجودة، خاصةً في ظل نسق عولمي يتميز بتنامي ديناميات الاعتماد المتبادل، والترابط الشبكي على المستوى العالمي، حتى أصبحت الدولة في ظل المتغيرات الدولية الراهنة كائناً اعتبارياً أكثر منه طبيعياً بفعل انكماش القيمة المادية للمجال الوطني.

وأيضاً بحكم تنامي دور الفواعل عبر الوطنية، وميوعة القدرة الرقابية للدولة على حدودها بسبب النشاطات والعمليات العابرة للحدود، الأمر الذي أدى إلى تقويض وإفراغ السيادة من محتواها الوستفالي حيث أن السيادة الوطنية في ضوء التحولات الدولية الراهنة؛ هي عرضةً للتآكل من الأعلى من الخارج بفعل الضغوطات والتدخلات الخارجية، ومن الأسفل من الداخل بفعل المطالب الداخلية، والصراعات بدعوى الهوية، والحركات الانفصالية، والتي غالياً ما تؤدي إلى تفتيت السيادة، وتمزيق الوحدة الوطنية وذلك كله؛ لتكون السيادة الوطنية في ظل شبكة العلاقات الدولية الراهنة طوعاً ورهناً بما يتناسب والأوضاع والظروف الدولية المستحدثة.

خاتمة:

إن مفهوم السيادة الوطنية أصبح يواجه في الواقع الدولي الراهن تحديات كبيرة تفرزها البيئة الدولية بشكليه المباشر وغير المباشر وبمظاهره المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، نتيجة تسارع تدفق مسارات العولمة في شبكة العلاقات الدولية الراهنة.

وبهذا نجد أن نظرية السيادة المطلقة زمنها قد ولّى، وخاصةً في ظل التطورات الدولية وعلى رأسها القانون الدولي المعاصر، ومهما قيل بشأن السيادة الوطنية؛ فإن السبيل الوحيد لمواجهة تداعيات الواقع الدولي الراهن، والواضح في تصرفات المجتمع الدولي مع الدول المتوسطة أو النامية دول العالم الثالث هو تعزيز دعائم الدولة الوطنية في المواطن كفرد فاعل بوطنية حقيقية في مجتمعه، الذي هو الأساس والمُنشئ للدولة وكيانها الحكومي، وذلك من أجل دعم السيادة الوطنية.

إن مبدأ السيادة الوطنية لم يعد دائم، وإنما هو تابع لمرحلة تتغير؛ بتغير المسئوليات الدولية التي تتباين مع الزمن أو التي يُعاد توزيعها بحسب مقتضى متطلبات المجتمع الدولي، والذي من شأنه أن يكون في مصلحة المتحكم في الشأن الدولي، ولا تعني هذه التطورات الحادثة الآن نهاية مفهوم السيادة الوطنية، وإنما تعني أن السيادة قد تغير مفهومها وتم إعادة توزيعها، لتكون اللبنة الأولى في طريق اضمحلال السيادة الوطنية مستقبلاً بالخطوات المدروسة، وبالمنهجية التي تستوجب التدرج السليم الذي لا يدع مدعاةً لشك أو الريبة، فيما يصبو إليه المجتمع الدولي للدول النامية في ظل العلاقات الدولية الراهنة.

وأما ما يُشار إليه في الفقه القانوني عادةً؛ بمبدأ المساواة في السيادة أو مبدأ المساواة بين الدول المستقلة ذوات السيادة، فإنما هو مبدأ نظري، ويكاد أن يكون العمل في الغالب والواقع غير ذلك، ويتجلى الأمر في أن السيادة ترتبط ارتباطاً وثيقاً من حيث طبيعتها، ومدى اتساع أو ضيق نطاق تطبيقها بقدرات الدولة وإمكاناتها الذاتية، أي أن مبدأ القوة شرط من شروط ممارسة السيادة والحفاظ عليها، وهو ما يُثير في النهاية قضية العدالة الدولية على كافة الأصعدة.

توصيات:

  1. ينبغي على كافة الدول، وبالأخص العربية منها؛ أن شعوبها لم تعد بعيدةً كل البُعد عن التطورات والأوضاع من حولها في ظل التنامي المتسارع في نقل المعلومات، وما أوجدته هذا الشعوب من أدوات التواصل الاجتماعي الحديث وقنوات الوحدة الافتراضية التي وحدتهم أجمعين، في حين لم تستطيع الدول العربية ذلك الأمر، فلا يزال التاريخ شاهداً على أوجه الخلاف المستمر فيما بينها والأيديولوجيات التي ينطلق منها كل واحد منهم، فضلاً عن المصالح التي أصبحت وللأسف هي الناظمة لطرائق الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية، بل وحتى القانونية منها.
  2. ضرورة مواجهة الأسباب الحقيقية للصراعات السياسية، والحروب الأهلية داخل الإقليم الواحد، كخطوة في تحقيق الاستقرار، موضحاً ضرورة وجود إطار سياسي ملائم يسمح بمشاركة كافة أضياف وشرائح المجتمع في صنع القرار الوطني؛ مع وجود ضمانات لحماية معتقدات الاقليات وثقافتها ونُظم حياتها، والحيلولة دون اتباع سياسات حكومية تمييزية ضدها.
  3. ضرورة التوسع في نظام الحكم الذاتي الداخلي في الدولة، ليشمل كافة أضياف المجتمع، واشتراط الموافقة على نظام الحكم من الجميع دون استثناء.
  4. نبد الخلاقات الراهنة، واتخاد خطوات جادة نحو بناء المؤسسات على أُسس صحيحة، وبقدرات وكفاءات وطنية، باعتبارها الطريق السليم إلى تحقيق الاستقرار السياسي وصيانة المكاسب المتحققة.
  5. الحد إن لم يكن الكف، عن الاعتماد على المساعدات الخارجية، وحل مشاكل المديونية الداخلية والخارجية، وتقوية روابط التعاون العربي والإقليمي أي بمعنى تجنب التبعية الاقتصادية لكيلا ينتج عنها تبعية سياسية.
  6. يجب معالجة الأزمات العربية في إطار المنظمات الإقليمية، وأن تُراعى الضوابط المستقرة التي تتعلق بهذا التدخل، وأن يحافظ على الدولة واستمرارها حتى لا يعيش المواطن في فوضى، كما هو حال بعض البلدان العربية اليوم.
  7. إعادة النظر في هيكلة وسير مجلس الأمن، وخاصةً فيما يخص طريقة استعمال حق النقض الفيتو ورفع الاحتكار الممارس من قِبل الدول الخمس، كما نوصي بإعادة النظر في العضوية الدائمة في المجلس؛ نظراً لتطور وبروز بعضاً من الدول الفاعلة التي أصبح لها وزنها في الساحة الدولية [20].

الهامش

[1] جان بودان .. ولد عام 1530، وهو فيلسوف فرنسي، يُعتبر صاحب نظرية السيادة، ومن فلاسفة المذهب التجاري، وهو قانوني وفيلسوف سياسي فرنسي، وعضو برلمان باريس، وأستاذ القانون في تولوز، واشتهر لنظريته عن السيادة.

[2] جون أوسن .. ولد عام 1790، في إنجلترا؛ حيث يُعتبر من أشهر الفلاسفة عبر التاريخ، وكان أستاذاً لفلسفة القانون بجامعة لندن في النصف الأول من القرن التاسع عشر.

[3] توماس هوبز .. ولد عام 1588، في إنجلترا، وكان عالم رياضيات وأحد أكبر فلاسفة القرن السابع عشر بإنجلترا، وأكثرهم شهرة خصوصاً في المجال القانوني؛ حيث كان بالإضافة إلى اشتغاله بالفلسفة والأخلاق والتاريخ، فقيهاً قانونياً ساهم بشكل كبير في بلورة كثير من الأطروحات التي تميز بها هذا القرن على المستوى السياسي والحقوقي، وكذلك على مستوى الفعل والتطبيق في كثير من البلدان، وعلى رأسها مفهوم العقد الاجتماعي.

[4] د. مصطفى أبو زيد فهمي .. كان وزير العدل المصري في عهد الرئيس محمد أنور السادات، وأول من تولى منصب المدعي العام الاشتراكي بمصر، وهو أستاذ القانون العام بجامعة الإسكندرية، والمحامي لدى محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا، وله أراء هامة في التعديلات الدستورية الجديدة؛ بكتابه الوجيز في النظام الدستوري المصري بعد التعديلات الدستورية.

[5] محكمة العدل الدولية .. هي الهيئة القضائية الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة، ويقع مقرها في لاهاي بهولندا، وهي الجهاز الوحيد من بين الأجهزة الستة للأمم المتحدة لا يقع في نيويورك، وتأسست عام 1945، وبدأت أعمالها في العام اللاحق، وحلت محل المحكمة الدائمة للعدالة الدولية، وبالإشارة إلى ضرورة التمييز بين محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.

[6] قضية مضيق كورفو .. حيث أقامت المملكة المتحدة دعوى ضد الجمهورية الشعبية لألبانيا؛ لدى محكمة العدل الدولية، وتشير إلى ثلاثة أحداث منفصلة، واشتركت فيها سفن البحرية البريطانية في قناة كورفو عام 1946، خلال الحادث الأول؛ تعرضت سفن البحرية الملكية البريطانية لإطلاق نار من الحصون الألبانية، والثاني؛ فكان ضرب سفن البحرية الملكية البريطانية للألغام البحرية، والثالث؛ وقع عندما قامت البحرية الملكية بعمليات إزالة للألغام من قناة كورفو في المياه الإقليمية الألبانية، وتوجهت ألبانيا بشكوى لدى الأمم المتحدة، وبسبب هذه الأحداث قطعت بريطانيا المحادثات الرامية إلى إنشاء علاقات دبلوماسية مع ألبانيا، إلى أن أعيدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1991.

[7] جان جاك روسو .. فيلسوفاً وكاتباً وملحناً، ومن مواليد سويسرا في القرن الثامن عشر، وسافر إلى باريس واختار الكتابة في حياته المهنية، وعلى الرغم من اكتسابه الشهرة ككاتب ومؤلف في نهاية الثلاثينيات، إلا أنه أطلق العديد من الأعمال اللاحقة مثل العقد الاجتماعي، وهذا ما جعله يحصل على مكانةٍ في الأدب العالمي، وقضى أيامه الأخيرة متنقلاً من مكانٍ إلى آخر، وفي وقت لاحق ألهمت أعماله أجيالاً من الإصلاحيين لإحداث تغييرات في النُظم السياسية لبلدانهم.

[8] العقد الاجتماعي .. أو مبادئ الحق السياسي .. من تأليف جان جاك روسو؛ حيث وضع نظريته حول أفضل طريقة لإقامة المجتمع السياسي في مواجهة مشاكل المجتمع، حيث كان الكتاب مصدر إلهام لبعض الإصلاحات السياسية أو الثورات في أوروبا، وخاصةً في فرنسا؛ فبعد سقوط الشرعية الملكية والدينية كأساس للحكم في أوروبا، أصبح من الضروري البحث عن شرعية بديلة يقوم عليها الحُكم السياسي، وتتحدد على أساسها مسؤوليات الحاكم والمحكوم، والواجبات والحقوق المترتبة على كل منهم، لذلك ظهر العديد من المفكرين والفلاسفة الذين عملوا على إيجاد ميثاق شرعي جديد يحكم العلاقة بين الطرفين، وكان من بين هؤلاء المفكرين الذين سعوا لإيجاد هذا الميثاق الذي طرح فكرة العقد الاجتماعي.

[9] القانون الدولي .. هو مجموعة القواعد التي تُنظم العلاقات بين الدول، والتي تدع لنفسها السيادة ولا تعترف بأي سلطة أعلى منها، إن هذا الادعاء يضفي على القواعد الحقوقية التي تهيمن على هذه العلاقات، صفة مبتكرة تميزها عن القواعد المتعلقة بالقانون الداخلي؛ فالأشخاص التابعون لهذا القانون يخضعون إلى سلطة تضع القانون وتفرض احترامه، في حين أن الدول وهي أشخاص القانون الدولي، تصدر معاً بعد الاتفاق فيما بينها، الأنظمة التي تُعبر عن مصلحتها المشتركة، وتبقى كل واحدة منها حرة في تقدير مدى الالتزام الذي يترتب عليها، وشروط تنفيذه؛ فالقانون الداخلي قانون طاعة وامتثال، يُهيمن على الأشخاص الذي يمكن إرغامهم على احترام القانون، بطريق القوة إذا اقتضى الأمر، أو بواسطة الأجهزة الإدارية المختصة .. أما القانون الدولي، فإنه على النقيض من ذلك، يُعد قانون تنسيق يكتفي بتجنيد التعاون بين الدول، ولما كانت هذه الدول لا تخضع إلى أي سلطة تعلو عليها، فأن اتصالها فيما بينها يتم وفقاً لإرادتها، وتبقى كل واحدة منها صاحبة السيادة في تقدير مدى حقوقها، إلا أن السلم يصبح أمراً غير مضمون، ولذلك فإن جميع أنصار السلم قد هاجموا عن طريق القانون فكرة السيادة الوطنية المطلقة، وهي العقبة الرئيسية لتفوق القانون الدولي على الأشخاص التابعيين له، وهم الدول، إلى أن تكون اليوم السيادة بمفهومها الجديد، ألا وهي السيادة النسبية.

[10] عصبة الأمم .. هي إحدى المنظمات الدولية السابقة التي تأسست عقب مؤتمر باريس للسلام عام 1919، الذي أنهى الحرب العالمية الأولى، التي دمّرت أنحاء كثيرة من العالم وأوروبا خصوصاً، وهي أول منظمة أمن دولية هدفت إلى الحفاظ على السلام العالمي، وصل عدد الدول المنتمية لهذه المنظمة إلى 58 دولة في أقصاه، وكانت أهداف العصبة الرئيسية تتمثل في منع قيام الحرب عبر ضمان الأمن المشترك بين الدول.

[11] الأمم المتحدة .. هي منظمة عالمية تضم في عضويتها جميع دول العالم المستقلة تقريباً، وتأسست منظمة الأمم المتحدة عام 1945 في مدينة سان فرانسيسكو، كاليفورنيا الأمريكية، تبعاً لمؤتمر دومبارتون أوكس، الذي عُقد في العاصمة واشنطن، ويتم تمويل المنظمة من خلال المساهمات المقدرة والمساهمات الطوعية من الدول الأعضاء فيها، وتوجد مكاتب رئيسية أخرى في جنيف ونيروبي وفيينا، وتشمل أهدافها الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وحماية حقوق الإنسان، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتعزيز التنمية المستدامة، ودعم القانون الدولي.

[12] مجلس الأمن .. هو تابع للأمم المتحدة، والمعروف إعلامياً ب مجلس الأمن الدولي، ويُعد أحد أهم أجهزة الأمم المتحدة، ويعدّ المسؤول عن حفظ السلم والأمن الدوليين؛ طبقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولمجلس الأمن سلطة قانونية على حكومات الدول الأعضاء، لذلك تعدّ قراراته ملزمة للدول الأعضاء ( المادة الرابعة من الميثاق )، وقد عُقدت أول جلسات المجلس في عام 1946، وتلتها عدة جلسات عُقدت في عدة مدن حول العالم؛ حتى حُدد المقر الحالي والواقع في مدينة نيويورك، كمقر دائم لمجلس الأمن.

[13] التدويل .. يعني المشاركة الدولية لتنفيذ عمل معين ذو نطاق جماعي، ويُعتبر من المفاهيم التي ترتبط بالعلاقات الدولية، وهو جعل المنطقة المحددة تحت السيادة الدولية أو مشاركة عدة دول في إدارة الشئون الخاصة بها، ويعتبر من المفاهيم التي تستخدم في عديد الدراسات والبحوث الغربية، ولكن غير متداول في البحوث العربية المعاصرة، ويرجع تاريخه إلى الدراسات الاجتماعية للقرن التاسع عشر إلى العلماء الغربيين حينما كانت تسعى النظرات والصيحات العالمية إلى إقامة التنظيم الدولي، وكان على آثر هذا المفهوم إقامة عصبة الأمم، ثم الأمم المتحدة فيما بعد، ونظراً لحداثة هذا المفهوم في المنطقة العربية.

[14] العولمة .. تعني جعل الشيء عالمي، أو جعل الشيء دولي الانتشار في مداه وتطبيقه، وهي أيضاً العملية التي تقوم من خلالها المؤسسات، سواء التجاري، والتي تكون من خلالها العولمة عملية اقتصادية في المقام الأول، ثم سياسية، ويتبع ذلك الجوانب الاجتماعية والثقافية وهكذا، وأما جعل الشيء دولياً فقد يعني غالباً جعل الشيء مناسباً أو مفهوماً أو في المتناول لمختلف دول العالم، وتمتد العولمة لتكون عملية تحكم وسيطرة ووضع قوانين وروابط، مع إزاحة أسوار وحواجز محددة بين الدول وبعضها البعض، وتعرف مجموعة من الدول الرأسمالية المتحكمة في الاقتصاد العالمي نمواً كبيراً جعلها تبحث عن مصادر وأسواق جديدة، مما يجعل حدودها الاقتصادية تمتد إلى ربط مجموعة من العلاقات مع دول نامية، لكن الشيء الغير مرغوب فيه هو أن هذه الدول المتطورة على جميع المستويات الفكرية والثقافية والعلمية دخلت في هوية الدول الأخرى، إلا أنها حافظت على هويتها الثقافية خاصةً وأن العولمة لم تقتصر فقط على البعد المالي والاقتصادي، بل تعدت ذلك إلى بعد حيوي ثقافي متمثل في مجموع التقاليد والمعتقدات والقيم، كما أن العولمة لا تعترف بالحدود الجغرافية لأي بلد، بل جعلت من العالم قرية صغيرة، ويستخدم مفهوم العولمة لوصف كل العمليات التي تكتسب بها العلاقات الاجتماعية نوعاً من عدم الفصل وتلاشي المسافة، حيث تجري الحياة في العالم كمكان واحد قرية واحدة صغيرة.

[15] رونالد روبرتسون .. هو مفكر بريطاني، وتُجاهر كتاباته؛ بحريته ومراوحته بين سوسيولوجيا العولمة، وعولمة السوسيولوجيا، وبين مقاربه شواهد العصر وفهم روحه، وبين تعله الدلالة نحو سوسيولوجيا جديده شرعيه للجدل، وبين التعبير عن وجود خارطة جديده للعالم، وكلما أوغل القارئ في سطور كتاباته وواصل الإنصات لأسئلته وأجوبته؛ أدرك أبعاده.

[16] مالكولم جيمس واترز .. ولد عام 1946، في لندن بالمملكة المتحدة، وكان العمل السابق مثيراً للجدل، لأنه جادل بأن المجتمع العالمي كان يتحول إلى حقبة اختلفت بشكل أساسي وهيكلي عن العصر الصناعي السابق، مما أدى هذا إلى نقد للنموذج النظري السائد الطبقية الذي ادعى واترز وزملاؤه أنه انهار. البروفيسور واترز يُعد واحداً من أبرز علماء الاجتماع، وقد ساهم مساهمة مميزة في رسم الخرائط الفكرية والتحليل النقدي لعلم الاجتماع السياسي، وعلم الاجتماع الصناعي والطبقة الاجتماعية، وهو رائد في الأبحاث حول نظريات العولمة.

[17] الدكتور إسماعيل صبري عبد الله .. هو واحد من أهم الرواد الاقتصاديين في مصر، يعد رائد مدرسة في التفكير الاقتصادي، ترى هذه المدرسة المواءمة بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع لتحقيق التنمية الاقتصادية والعمران البشري، اعتماداً علي الذات والقدرات والموارد الوطنية تجنباً لكل أنواع التبعية، وقد اهتمت دراساته بالفقراء والنهوض بهم مصرياً وإفريقياً، وفي هذا السياق فقد رأس منتدى العالم الثالث ومنه خرجت أهم الدراسات عن المجتمع المصري في شتى مجالاته، وكذلك رأس مجموعة من خيرة الباحثين والمفكرين المصريين لوضع تصور علمي لمصر سنة 2020، وهو المشروع الذي يبحث في التصورات المستقبلية لمصر وكيفية مواجهة التحديات مصرياً وعربياً.

[18] برهان غليون .. ولد عام 1945، وهو مفكر فرنسي من أصل سوري، وأستاذ علم الاجتماع السياسي، ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس، ورئيس المجلس الوطني السوري السابق، وخريج جامعة دمشق بالفلسفة وعلم الاجتماع، وتوجهاته الفكرية قومية عربية تدعو إلى الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وبناء دولة المواطنة العصرية.

[19] دونالد هنري رامسفيلد .. ولد عام 1932، والمعروف أيضا باسم دون، وهو سياسي ورجل أعمال أمريكي متقاعد، وشغل رامسفيلد منصب وزير الدفاع الثالث عشر في الفترة (1975 – 1977) في عهد الرئيس جيرالد فورد، ثم أصبح وزير الدفاع الحادي والعشرين في الفترة ما بين (2001 – 2006) في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وهو أصغر ( كذلك ثاني أكبر ) من يتولى هذا المنصب، وبالإضافة إلى ذلك، وكان رامسفيلد عضواً في مجلس النواب الأمريكي لثلاث سنوات عن ولاية إلينوي (1963 – 1969)، ومدير مكتب الفرص الاقتصادية (1969 – 1970)، ومستشار الرئيس (1969 – 1973)، والممثل الدائم للولايات المتحدة لدى الناتو (1973 – 1974)، ورئيس موظفي البيت الأبيض (1974 – 1975).

[20] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

مفهوم العلاقات الدولية: إشكاليات التعريف

اقرأ ايضا مفهوم العلاقات الدولية: إشكاليات التعريف

الوسوم

خالد التومي

أكاديمي ليبي، دكتوراه في العلاقات الدولية والدبلوماسية، باحث بالمركز القومي للبحوث والدراسات العلمية، طرابلس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى