الشرق الأوسطجذور الصراعات

العراق جذور الصراعات الداخلية

تمهيد

تمر المنطقة العربية عموماً والعراق خصوصاً بمرحلة تاريخية فاصلة، قد يكون العامل الأبرز فيها كثرة الاضطرابات والقلاقل، وتفجر المشكلات الاجتماعية والسياسية، وما يصاحب ذلك من صراع واقتتال داخلي وتدخل خارجي بصورة مباشرة أو من وراء حجاب، خصوصاً بعد تشابك مصالح الدول في العالم وتداخلها.

والعراق لم يكن بعيداً عن هذه التغييرات التي تجتاح المنطقة، بل قد يكون من أول بلدان المنطقة التي دخلت فيها، ولكن بطريقة مختلفة فبدلاً من أزمة وصراع داخلي ينتهي بتدخل خارجي بدا الأمر معكوساً، احتلال خارجي عام 2003 وصراع استمر لسنوات لينتهي إلى أزمات داخلية، مع تدخل في إدارة هذا الصراع من جهات إقليمية ودولية متعددة، مما قد يمهد إلى مرحلة قد تكون أكثر شراسة ودموية وقد تنتهي بانتهاء دولة اسمها العراق.

وقد تكون من أبرز تجليات الأزمة العراقية الآن هو احتلال ثلث الأراضي العراقية من قبل (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وارتفاع وتيرة عمل الأحزاب الطائفية ومليشياتها وارتهان القرار العراقي بيد محاور إقليمية ودولية، مع فساد إداري ومالي صارخ وإفلاس لميزانية بلد من أغنى بلدان المنطقة العربية، ونتج عن هذه الأزمات، مئات الآلاف من القتلى وأكثر من أربعة ملاين مهجر.

هذه المشاكل لم تكن وليدة اللحظة التي دخلت فيها الجيوش المحتلة إلى العراق، بل كانت لها عوامل كثيرة منها آنية أو تاريخية ساعد الدخول الأجنبي الحديث على كشفها وعمل على تضخيمها خدمة لمصالحه. وقد يكون المشكل الطائفي والديني أحد أهم العوامل التي ساهمت في تأجيج الصراعات في هذا البلد واستمرارها وخصوصاً مع وجود قوى خارجية تزيد من تفعيله، وإذا استثنينا القضية الكردية باعتبارها القضية العرقية الأكثر بروزا خلال النصف الثاني من القرن العشرين، فإن الصراع الديني لم يكن ذا تأثير كبير في الساحة العراقية إلا في جانبه الطائفي (الشيعة والسنة)، وذلك لأسباب عدة من أهمها: ضعف الأقليات الدينية وتنوعها إلى الحد الذي لم يجعلها تشكل ثقلاً مؤثراً في الصراع في هذه المرحلة(1). وضخامة الأزمة الطائفية وتشعبها داخليا وخارجياً، وتداخلها مع باقي أزمات المنطقة إلى الحد الذي جعلها تغطي على المشكل الديني وتجعله أمراً ثانوياً، قد يظهر بين الحين والآخر باعتباره أحد المشكلات التي تفاقم الأزمة الداخلية في العراق (مشكلة الايزيديين ومشكلة النصارى في سهل نينوى).

إشكالية الدراسة:

سيكون تركيز هذا البحث على القضية الطائفية (الشيعة والسنة)، باعتبارها المشكل الأساسي الذي يعاني منه العراق الآن، والذي يتداخل بصورة كبيرة مع أزمات المنطقة سواءً في الخليج أو سوريا ولبنان وقد يمتد إلى تركيا وبلدان أخرى في مراحل لاحقة. وقد تكون أول إشكالية في كتابة هذا البحث هي تحديد من هي الطائفة، ومن هي الأمة في العراق ومن أي منظور تؤخذ، أو من هو أصل الجماعة التي لها الغالبية في العراق ومن هو الطارئ والأقلية، ولأن هذا الأمر قد يطول تفصيله، فقد عملت على التعامل مع الأمر تاريخياً واعتبار أهل السنة في العراق هم الأصل الغالب وهذا الأمر، متفق عليه بين المؤرخين شيعة وسنة(2).

تقسيم الدراسة:

تسعى هذه الدراسة للوقوف على الجذور التاريخية للقضية العراقية ببعدها الطائفي وتأثيراتها على الواقع الراهن، وذلك وفق المحاور التالية: أولاً: الجغرافيا السياسية للعراق وتطور الأوضاع فيه تاريخياً. ثانياً: تطور التنوع العرقي والديني والمذهبي في العراق. ثالثاً: المراحل التاريخية لتطور الصراعات الداخلية في العراق وأهم الفواعل الداخلية والخارجية. رابعاً: تأثير الجذور التاريخية على الواقع الراهن للقضية العراقية.

المبحث الأول: الجغرافية الاستراتيجية للعراق:

كان موقع العراق الجغرافي أحد المميزات الأساسية له في تاريخه الطويل، وفي الوقت نفسه كان أيضاً أحد الأسباب التي جعلته ممراً للغزاة والفاتحين وميدان للصراع والاقتتال بين الأمم الغازية وسكانه أو بين الغزاة أنفسهم. مع أن حدود العراق تاريخياً غير محددة المعالم كحال أغلب دول المنطقة، بسبب التقلبات السياسية ووجود الإمبراطوريات التاريخية، إلا أن المنطقة التي تسمى تاريخاً العراق أو بلاد الرافدين تمثل الجزء الشمالي الشرقي من جزيرة العرب، والمنطقة الممتدة من بادية الشام غرباً إلى سلسلة زاكروس شرقاً (إيران)، ومن الصحراء الفاصلة بين نجد والفرات والخليج العربي جنوباً إلى الامتداد الطبيعي لجبال زاكروس (تركيا)، وعلى هذا فالعراق التاريخي أو بلاد الرافدين تضم بالإضافة إلى العراق الحالي جزءاً من الأراضي السورية والتركية الآن، والتي تسمى بمنطقة الجزيرة (المنطقة المتموجة المحصورة بين دجلة والفرات)(3).

وقد يحصر البعض اسم العراق بمنطقة السهل الرسوبي الممتد من جنوب تكريت إلى منطقة الخليج العربي، وتدخل بضمنه المناطق الشرقية لنهر دجلة (إقليم عربستان أو الأحواز)، باعتبارها امتداد طبيعي لجغرافية المنطقة من ناحية التكوين الجيولوجي والبشري، وهو تفسير لأصل كلمة العراق في اللغة(4).

والصورتان تعطيان انطباعاً عن الامتدادات الجغرافية والسكانية بين العراق ومحيطه، فالسهل الرسوبي العراقي يمتد في منطقة الأحواز أو عربستان جغرافيا وبشريا (جزء من إيران حاليا)، حتى لا تستطيع التمييز بينهم أرضاً أو سكاناً والمنطقة الجبلية في الشمال تتداخل مع الأراضي الإيرانية والتركية أيضاً سكاناً وتضاريس، أما المناطق الغربية والجنوبية، فهي امتدادات طبيعية لبادية الشام وصحراء نجد والتي كانت تتبع ولايات العراق في بعض الأوقات أيام الدولة العثمانية.

وبكل الأحوال فان العراق الحالي يمثل الولايات العثمانية الثلاثة بغداد والبصرة والموصل(5) مع بعض الاختلافات بسبب تغير حدود هذه الولايات في زمن الدولة العثمانية أو بعدها وخصوصا في أجزائها الجنوبية والغربية، وقد رُسِمَتْ هذه الحدود من خلال مجموعة من الاتفاقيات الثنائية مع الدول المجاورة أو مع الدول التي كانت تحتلها، علماً أن أغلب هذه الحدود وخصوصا الشرقية منها تقوم على اتفاقيات الدولة العثمانية مع الدول الإيرانية المتعاقبة(6).

وعلى هذا فالحدود المائعة والمختلف عليها للعراق كانت أحد نقاط التوتر المستمر مع جيرانه (كما أنها أحد نقاط التواصل والانتقال)، وخصوصاً في الحدود الشرقية مع إيران مما سبب في حروب مستمرة طوال الخمسمائة سنة الماضية، وما زال الصراع والاختلاف عليها مستمراً لحد الآن(7).

العراق والهجرات البشرية:

إن الموقع الجيوسياسي للعراق كان أحد الأسباب الأساسية التي زادت من أهميته فهو يمثل حلقة الوصل بين آسيا والدول العربية، والسيطرة عليه يعني السيطرة على منطقة القلب بالنسبة للعالم القديم أو الحديث(8). وموقع العراق في الجزء الجنوب الغربي لآسيا جعله طوال تاريخه الممر الطبيعي الأسهل الذي يربط وسط آسيا ببلاد الشام وجزيرة العرب ومنها إلى إفريقيا أو العكس، لهذا كان العراق ممراً للهجرات البشرية، بداية من العصور القديمة وهجرة الجماعات السامية الأولى من جزيرة العرب والتي استوطنت مناطق وسط وشمال العراق، وأسست الدول الأولى المعروفة في التاريخ (الأكاديون والبابليون والآشوريون)(9).

ثم الهجرات العربية بعد انتشار الإسلام واستيطانهم فيه وتأسيس عواصم للدولة الإسلامية (الكوفة، بغداد، سامراء)، ومن الجهة الشرقية كانت الهجرات أيضاً مستمرة، وخصوصاً بعد سقوط الدولة العباسية وانسياح المغول في المنطقة، حيث تناوبت الجيوش والقبائل التي تحكم المناطق الواقعة إلى الشرق (إيران الحالية ودول وسط أسيا)، على السيطرة عليه أو المرور به أو الاستيطان فيه(10).

وعلى عكس الهجرات الأولى كان تأثير الأخيرة سلبياً على العراق والمنطقة. (ليس بين البلاد المشهورة قديماً سوى بلاد قليلة اختفت عن أنظار العالم المتأخر، وأصبحت أكثر خمولاً في ذكرها، كالبلاد التي كانت في وادي دجلة والفرات في أوائل القرن السادس عشر، فقد اكتسحت أمجاد هذه البلاد القديمة موجات بشرية متتالية من الشرق الأقصى)(11).

ولم تتوقف هذه الهجرات الشرقية إلا في مراحل متأخرة بعد سيطرة الدولة العثمانية (إلا من بعض الهجرات الصغيرة مثل الأرمن والآشوريون)(12).

ومع تعدد الأقوام المهاجرة في أصولهم العرقية أو أديانهم واحتفاظ بعضهم بخصائصه إلا أن الطابع الذي ضل غالبا عليه هو الطابع العربي الإسلامي (ومع أن الفرس والترك حكموا العراق عدة قرون، فقد بقي هذا القطر –وما يزال- عربي اللغة والنزعة والدين والعنصر مع كثرة العواصف الشديدة التي مرت به، والمحاولات العديدة التي بذلت لتخليه عن هذه الميزة)(13).

وقد نستثني من هذا الأمر بعض الجماعات الصغيرة هنا وهناك، وكذلك الأجزاء الشمالية الشرقية التي ظلت محتفظة بطبيعتها الأثنية الكردية واستطاعت تكريد من دخل فيها من المهاجرين سواءً عرباً أو غيرهم.

وأكثر من هذا أنه كانت توجد عدة طوائف وأقليات في عرض البلاد وطولها لم تًقْوَ الصبغة القومية العامة أن تسود فيها، فقد استوطن الإيرانيون في العتبات المقدسة والهنود والعبيد في البصرة، وكان الصابئة- صاغة الفضة الوادعون في القرى الواقعة على النهر- متفرقين في جنوبي العراق، كما كانت الأسر الكردية والتركية قد سكنت منذ مدة طويلة في الموصل وبغداد حيث يعيش اليهود ألوفاً مكبين على مزاولة الحرف التي عرف بها عنصرهم.

أما النصارى فكانوا من أصول وطوائف عديدة، وقد كونوا في الموصل قسماً كبيراً من سكان المدينة وانتشرت قراهم الآهلة في الجبال المنخفضة في الشمال، وتجمعت في أنحاء كردستان مجتمعات مسيحية صغيرة حول دير من الأديرة وحافظوا على كهنوتهم، واستوعب جبل سنجار مع الجهات الجبلية شمال شرقي الموصل اليزيدية الغلاظ الذين وقفوا في وجه كل إنسان وكل حكومة، وكانت بقايا الهجرات القديمة من التركمان متفرقة في تلعفر، وفي خط طويل من القرى على طريق الموصل من دلي عباس إلى الزاب الكبير، وتمركزت أكثريتهم في كركوك، وكان الأكراد من العشائر والمدن يطلون من جبالهم على منخفضات الشمال من العراق، وكان لريشت كوه منتشرين في القرى القريبة من الحدود الشرقية، وكان البدوي الأصيل من الغرب، يزدري القبائل التي استوطنت الأراضي المرواة والفلاحين ويعدها عنصرا منحطا مختلفا عنه)(14).

وهذه الصورة التي نقلها الكاتب عن العراق قبل خمسة قرون تقريباً تكاد أن تكون نفس الصورة التي استقر عليها الوضع في العراق الحديث مع بعض التغيير في النسب المكونة لهذه الجماعات وتمددها أو انكماشها على الأرض.

وبعض هذه التغييرات حصلت خصوصاً بعد إغلاق طريق الهجرة من الشرق، بسبب النزاع بين الصفويين والعثمانيين، حيث بدأت هجرات جديدة من جزيرة العرب وبادية الشام وبدأت عمليات توطين للبدو الرحل والذين كانوا يشكلون قرابة نصف السكان مما زاد في استقرار العنصر العربي وكثافته في المدن والحواضر(15).

إن هذا التداخل العرقي والديني والطائفي مع وجود امتدادات لهذه الكتل السكانية خارج البلاد قد صنع مزيجاً مميزاً قابلاً للانفجار خصوصاً إذا أضفنا إليه مشكلة الحدود وعدم استقرارها، مما أثر في حياة السكان وأدخلهم في دوامة مستمرة من الحروب والصراعات المباشرة أو غير المباشرة.

(كان مجموع سكان العراق في منتصف القرن التاسع عشر يناهز المليون وربع المليون، وهذا عدد قليل جداً بالنظر إلى ما كان عليه سكان العراق في العهد العباسي إذ يقال أن سكان بغداد وحدها آنذاك كان يزيد عن سكان العراق كله في العهد العثماني. كانت العشائر في العهد العثماني تنوف نسبتها عن ثلاثة أرباع العراق وكانوا فئتين بدواً وزراعاً)(16).

الوضع الاقتصادي:

قد يكون الغنى الاقتصادي ووفرة مقومات الحياة الرغيدة هي أحد المحفزات التي دعت سكان الجوار للدخول إليه احتلالاً أو استقراراً فالعراق كان مقارنة بالبلدان المجاورة هو الأكثر رخاءً من الناحية الاقتصادية وخصوصاً مع توفر المياه فيه (دجلة والفرات وروافدهما وفروعهما)، وأكثر من نصف مساحة أرضه سهلية رسوبية وأغلب أراضيه صالحة للزراعة والرعي وقد يشذ عن هذا الأمر المنطقة الغربية منه(17).

وقد زادت هذه الأهمية الاقتصادية للعراق مع اكتشاف النفط فيه في القرن التاسع عشر، بكميات كبيرة مع سهولة استخراجه وانخفاض قيمة الإنتاج فيه(18).

وتشير إحصاءات منظمة الأوبك أن الاحتياطي التقريبي المؤكد للعراق من النفط هو (12 مليار برميل)، في أواسط الثمانينات مما يجعله ثالث أكبر احتياطي بعد السعودية وإيران، وقد يتضاعف هذا الرقم حسب تقديرات وزارة النفط العراقية ليصل إلى (360 مليار برميل) من الاحتياطيات الغير مؤكدة(19).

الصراع على العراق:

من الناحية السياسية فإن العراق وبعد الغزو المغولي له وسقوط الدولة العباسية أصبح ساحة صراع وتنافس كبير بين القوى الجديدة التي ظهرت في المنطقة وخصوصاً القبائل التركمانية القادمة من وسط أسيا. ولهذا تناوب على حكمه دول عدة مثل الجلائريين ودولة الخروف الأبيض والخروف الأسود (أق قوينلو، كراقوينلو)، ثم الصفويين(20). وكان العراق في كل هذا ساحة للصراع المفتوح لهم وضلت الحدود الشرقية للعراق مفتوحة للدول والغزوات إلى دخول العثمانيين بغداد عام (1532هـ)، على يد السلطان سليمان القانوني وبداية مرحلة جديدة من تاريخه(21).

حكمت الدولة العثمانية العراق أربعة قرون تقريباً، تناوبتها فترات ضعف وقوة، وكان أهم ما يميزها الصراع العثماني الصفوي، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية والمجاعات وانتشار الأمراض والفقر(22).

ومع أن النزاع الصفوي العثماني المستمر أدخل العراق في دوامة جديدة إلا أنه كان بداية تحديد الإطار الجغرافي للعراق الحديث وبداية رسم الحد الفاصل بين دولتين وكذلك بناء الصورة التي استقر عليها تكوين المجتمع العراقي بتركيبته الطائفية وامتداداتها خارج الحدود، إن وجود العراقيين الشيعة وتداخل الولاء المذهبي مع إيران والولاء للحاكم مع العثمانيين قد بدأ منذ تلك الفترة الزمنية وألقى بظلاله على العلاقة بين الحكومة والشيعة، وهو تخوف العثمانيين وعدم ثقتهم برعاياهم الشيعة، الذين يصطفون في مواقفهم مع دولة معادية، خصوصاً وأن الولاء في تلك المرحلة يقوم على أساس العصبية الدينية أو الطائفية أو العرقية، وهو ما ولد مشكلة في التعامل مع الشيعة سواء على المستوى الحكومي أو الشعبي.

(ويجب أن لا ننسى أن الصراع الطائفي كان موجوداً في العراق منذ صدر الإسلام، وطالما شهدت بغداد في العهد العباسي معارك بين المحلات السنية والشيعية يسقط فيها الكثير من القتلى وتحرق البيوت والأسواق، وتنتهك حرمة المراقد المقدسة.

ولكن الصراع بلغ أوجه عندما حدث التنازع على العراق بين الدولتين الإيرانية والعثمانية حيث صار أهل العراق لا يفهمون من شؤون حياتهم العامة سوى أخبار هذه الدولة أو تلك، وكان فريق منهم يدعو الله أن ينصر إحداهما ويخذل الأخرى )(23).

بالإضافة إلى ذلك كان الظلم قد تفشى في كثير من الأوقات، (على أن أثقل حمل كان يثقل كاهلهم – ويشترك في ذلك في الحقيقة القس مع المسلم العامي والزائر الإيراني مع الراعي أو الحمال– هو التجاؤهم إلى استعطاف الحكام العابثين الجُهْال الذين كانوا يلتهبون بحب المال وبالتعصب الديني تجاه الأقليات الضعيفة الغنية(24).

كان البعد المكاني للعراق عن عاصمة الخلافة والضعف العام الذي ينتاب الدولة العثمانية من الأسباب الرئيسية لحالة الفقر والضعف التي تسود العراق وخصوصاً أن سيطرة العثمانيين عليه جاءت متأخرة بعض الشيء مقارنة بالفتوحات العثمانية في وسط أوروبا(25).

مع دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى بدأت الأنظار تتجه إلى العراق كونه المنطقة الأضعف في الدولة مع أهميته الاستراتيجية وازدادت هذه الأهمية مع ظهور النفط فيه (نهاية القرن التاسع عشر)، ووضوح أهميته للدول الصناعية.

دخلت القوات البريطانية بغداد في (11/ آذار، ١٩١٧م)، وانسحبت القوات التركية بعد معارك طويلة إلى المنطقة الشمالية (ولاية الموصل)، وانتهت الحرب على هذه الصورة(26). وفي عام ١٩٢٠ شهد العراق ثورة شعبية ضد البريطانيين كان من نتائجها موافقة بريطانيا على تأسيس مملكة العراق، وقد تم وضعه تحت الانتداب البريطاني. وفي 23 آب/ 1921م، تم تتويج الملك فيصل بن الشريف حسين ملكاً للعراق مع وصاية بريطانية بقرار من عصبة الأمم، كان عماد الدولة الجديدة ضباط أو موظفين في الدولة العثمانية وهم في غالبيتهم سنة (عرب وكرد وتركمان)، وقد شارك البعض منهم مع الشريف حسين في ثورته ضد العثمانيين(27) إلا أن مشاركة لا بأس بها كانت من قبل المكونات الأخرى سواءً الدينية أو الطائفية(28).

ومع وجود بعض الفتاوى لمراجع شيعية لا تجيز مشاركة الشيعة في هذه الدولة إلا أن الدولة شهدت مشاركات كبيرة من شخصيات عربية شيعية وكان لها دور مؤثر في تاريخ العراق الحديث(29). وظهرت مشكلة الموصل وتبعيتها للدولة التركية أو للمملكة العراقية كأول تحدي لوحدة العراق الجديد، وحسم الأمر باستفتاء تحت إشراف عصبة الأمم، وبدعم بريطاني تم ضم الموصل للعراق وتشكل العراق رسميا بصورته الحالية من الولايات العثمانية الثلاثة(30).

كانت أهم ميزات الفترة الملكية في حكم العراق (١٩٢١م-١٩٥٨م)، هو التحالف الرسمي للمملكة العراقية مع بريطانيا والذي كانت مجبرة عليه بسبب وضع الانتداب ثم ارتباط المصالح لاحقاً بعد رفع الانتداب، وكذلك ظهور الأحزاب السياسية والتيارات الفكرية بوضوح مثل التيار القومي والحزب الشيوعي وكذلك التيارات الدينية (الإخوان المسلمين)، والتي كانت تنادي بالإصلاح وعودة الخلافة الإسلامية وبرز أيضاً دور المراجع الدينية الشيعية وتأثيرها في المجتمع وخصوصاً بعد التغييرات التي حصلت في المجتمع العراقي في القرن التاسع عشر من زيادة نسبة سكان المدن والريف وتحول بعض القبائل إلى التشيع.

من جهة أخرى كان هناك حراك جديد بين الشباب الشيعي الجديد والمتأثر بالثقافة الجديدة والفكر التنظيمي للإخوان المسلمين، بدأ يظهر في الساحة ولكن ليس بعيداً عن الحوزة الدينية أو مرجعية الطائفة، وكان نتاجه تأسيس حزب الدعوة الإسلامية بعد نهاية العهد الملكي مباشرة(31).

انقلاب 1958 وإسقاط الملكية

عام ١٩٥٨ قام بعض قادة الجيش بالثورة ضد النظام الملكي وتم تأسيس الجمهورية العراقية وإنهاء وجود العائلة المالكة وبعض السياسيين بطريقة دموية(32).

لقد كان للجيش العراقي ومنذ تأسيسه تأثيراً كبيراً في الوضع السياسي في العراق فهو أول جيش في المنطقة يقوم بانقلاب عسكري (انقلاب بكر صدقي ١٩٣٦م)، وهو الذي قام بثورة (١٩٤١م)، ضد الوجود البريطاني وثورة (١٩٥٨م)، ضد النظام الملكي وهو الذي أزاح عبد الكريم قاسم عام (١٩٦٣م) عن الحكم وهو أيضاً الذي استولى على الدولة في تموز عام (١٩٦٨م)(33).

تشكل الفترة الممتدة من عام (١٩٥٨م إلى ١٩٦٨م) مرحلة من التقلبات في الدولة العراقية وكذلك مرحلة فوران الأفكار السياسية وتنظيماتها سواءً البعثية أو الشيوعية أو القومية وحتى الإسلامية منها(34).

وقد شهدت سنوات حكم الزعيم عبد الكريم قاسم (1958م-1963م) فترة انتعاش للفكر الشيوعي وتنظيماته وظهرت في الشارع العراقي من خلال فوضوية عارمة في بلد شرقي محافظ مما استفز الآخرين ودفعهم للعمل بقوة للوقوف أمامهم(35).

بعد عام ١٩٦٨م وسيطرة حزب البعث العربي الاشتراكي على مقاليد الحكم إلى احتلال بغداد من قبل قوات التحالف عام ٢٠٠٣م، شهد العراق موجات من الصعود والهبوط سواءً على المستوى السياسي أو العسكري أو الاجتماعي، والتي يمكن إجمالها بالنقاط التالية:

1ـ نهضة اقتصادية وثقافية كبير تمثلت في ارتفاع مستويات التعليم وإنشاء البنى التحتية للاقتصاد العراقي وزيادة كبيرة في كميات النفط المنتج (السبعينات من القرن الماضي).

2ـ انتشار الفكر القومي الاشتراكي والعمل على علمنة الدولة وخصوصاً في المراحل الأولى للحكم.

3ـ استفحال المشكلة الكردية وفشل كل محاولات الحل، وشهدت أواسط السبعينات حروب استنزاف للجيش العراقي مع تدخل إيراني سافر وصريح وانتهى باتفاقية الجزائر بين العراق وإيران، تلتزم بموجبها إيران بوقف الدعم للتمرد الكردي شمال العراق مقابل تنازل العراق عن شواطئ شط العرب في الجنوب(36).

4ـ منع عمل الأحزاب إلا ما كان بصورة شكلية وتحت مظلة الجبهة الوطنية وتحت إشراف حزب البعث العربي الاشتراكي.

5ـ التحدي الجديد للدولة العراقية داخلياً وخارجياً، بقيام الثورة في إيران وتأسيس جمهورية إيران الإسلامية وانتهاج مبدأ ولاية الفقيه وظهور الأنصار والمؤيدين لها من الشيعة العراقيين.

6ـ الدخول في عدة حروب، كان من أبرزها الحرب العراقية الإيرانية والتي استمرت لثمان سنوات، ثم دخول الجيش العراقي للكويت والذي انتهى بتدمير القوة العسكرية العراقية، هذا بالإضافة إلى مشاركته في حرب فلسطين عام ١٩٧٣م.

7ـ ظهور المعارضة السياسية في الخارج وتشكيل فصائل مسلحة لبعضها ودعمهم من قبل إيران وسوريا وبعض الدول الغربية(37).

8ـ حصول انتفاضة وتمرد كبير فقدت خلاله الحكومة السيطرة على أغلب المحافظات العراقية (خمسة عشر محافظة من مجموع ثمانية عشر)، وخصوصاً المحافظات ذات الغالبية الشيعية والكردية مع تدخل واضح من قبل إيران دعماً ومشاركة(38).

9ـ الحصار الاقتصادي الذي تم فرضه على العراق بعد دخول الكويت والذي كان من نتائجه إنهاك الاقتصاد والمجتمع العراقي.

10ـ انفصال الجزء الشمالي من العراق ذا الغالبية الكردية واستمرار فرض العقوبات الاقتصادية.

11ـ دخول قوات التحالف الدولي بغداد وإسقاط نظام الحكم فيها عام ٢٠٠٣م.

العراق ما بعد الاحتلال الأميركي

ومرة أخرى عاد العراق تحت الاحتلال، وبدأ الغازي الجديد بترتيب الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد وخصوصاً وأنه قد تم تدمير أغلب البنية التحتية للاقتصاد العراقي والهياكل الإدارية للدولة، وتم حل الجيش والأجهزة الأمنية مما جعل العراق يعيش في فوضى عظيمة.

مع بداية الاحتلال ظهرت المقاومة العراقية الرافضة لوجوده وكانت الصورة البارزة لها أنها مقاومة ذات طابع إسلامي(39)، وتركزت أعمالها العسكرية في المناطق ذات المكون السني مع سكون واستقرار في المناطق الكردية والشيعية خصوصاً وأن النخب المسيطرة على هذين المكونين كانا مؤيدين وداعمين للاحتلال عند دخوله العراق(40).

بدأت الدولة الجديدة تتشكل بيد أجنبية من خلال الحاكم المدني الجديد للعراق وفق نظرية المكونات العراقية (الشيعة العرب، السنة العرب، الكرد، الأقليات الأخرى)، وتم تقسيم الشعب العراقي وفق الطائفة والعرق بنظام محاصصة غير مسبوق في تاريخ الحكم في العراق.

كان من أبرز علامات الدولة الجديدة سيطرة التيارات الإسلامية وخصوصاً الشيعية وتحكمها في الوضع العراقي مع وجود قوة مسلحة داعمة لها، وهي أذرعها العسكرية التي كانت تتواجد في إيران ثم انتقلت إلى العراق بعد الاحتلال، مع وجود للتيار القومي الكردي في المنطقة الشمالية واضمحلال واختفاء التيار القومي العربي، (وباستثناء تأثير الأحزاب الإسلامية فقد غاب الفعل السياسي المؤثر في التكوين الجمعي للرأي العام العراقي، ولوحظ تهميش نسبي للأحزاب الأيدلوجية التاريخية، أما الأحزاب الصغيرة فقد بدت بمنزلة تجمعات مكتبية لا يزيد عدد أعضائها على عدد موظفي مكاتبها)(41).

إن طبيعة النظام السياسي الذي تم تطبيقه في العراق مع تبعية كثير من الأحزاب إلى دول خارجية وتدخل هذه الدول في الوضع العراقي بالإضافة إلى ضعف إدارة الحكام الجدد وانتشار الفساد المالي بينهم أدى إلى حالة من الضياع والصراع على مراكز السلطة، وكان نتاجه سيطرة المكون الشيعي متمثلا بأحزابه الدينية والمدعومة من الجار القوي إيران على الدولة ومؤسساتها وخصوصاً مع انزواء الكرد ومحاولة ابتعادهم عن المشاكل الداخلية إلا بما يتعلق بإقليمهم والذي تحول إلى كيان شبه منفصل في الشمال.

وكانت نقطة التحول الأخرى الكبيرة في العراق بعد الاحتلال، هو ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، واغتنامه فرصة الصراع والفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة العراقية للتوسع والتمدد والسيطرة على ثلث مساحة العراق، وتمثل أغلب مناطق العرب السنة جغرافياً، مع ضعف واختفاء لفصائل المقاومة المسلحة بعد طول صدام مع القوات الأمريكية والحكومية وكذلك مع تنظيم القاعدة قبل تحوله إلى تنظيم الدولة الإسلامية(42).

وطول الفترة الممتدة منذ تأسيس الدولة في العراق وإلى تاريخ احتلال بغداد، شهد الوضع الطائفي نوعاً من الاستقرار، بسبب ميل الحكومات العراقية في أغلبها إلى التعامل على أساس المواطنة وتغليب مصلحة النظام بغض النضر عن نوع الداعمين وانتمائهم الطائفي، واستخدام العصا الغليظة مع المخالفين أيًّ كانت انتماءاتهم الطائفية والعرقية. ولهذا شهدنا قمعاً للعرب السنة والشيعة والكرد كل حسب مقدار خروجه عن السلطة وتمرده عليها.

لكن هذا لا يعني عدم وجود الأزمة الطائفية أو العوامل المسببة لها، خاصة مع وجود الدعم الإيراني لمؤيديه في الداخل وسوء العلاقة بين الجارين والذي استمر على مدى الحكومات المتعاقبة، وازداد الأمر بعد تأسيس الدولة في إيران على أسس دينية طائفية، مع وجود علاقات كبيرة وقوية بين الحوزات العلمية العراقية والإيرانية، ومن المعلوم أن الخميني قد أقام سنوات طويلة في العراق وله تأثير لا باس به في أوساطها العلمية، هذا بالإضافة إلى وجود مجموعة كبيرة من سكان العراق ذوي الأصول الإيرانية والذين استقروا فيه منذ أجيال وتداخلوا مع باقي مكونات الشعب العراقي وخصوصا الشيعة(43).

 

المبحث الثاني: تطور التنوع العرقي والديني والمذهبي في العراق:

يشترك العراق مع بلدان كثيرة في صورة التنوع في تركيبته السكانية وإمكانية تغيير كثافة مكوناته، وقد أثر الموقع الجغرافي للعراق بقوة في بناء منظومته البشرية المتنوعة الأعراق والأديان والمذاهب، فموقعه المتوسط بين أطياف عرقية وطائفية عدة وكونه ممراً للهجرات العابرة وما حباه الله من إمكانات مادية وتقديس بعض الأماكن فيه عند بعض الطوائف كل هذه الأمور جعلته محطً للهجرات ومكاناً للاستقرار.

والذي يهمنا في هذا البحث هو معرفة المتغيرات التي طرأت على الوجود السكاني وأسبابها ونتائجها التي ما زالت تأثيراتها إلى عصرنا الحاضر وخصوصاً في تأثيرها الطائفي (الشيعة والسنة)، ومنها:

1ـ الجوار الإيراني والدولة الصفوية:

كان لوجود إيران في الجانب الشرقي من العراق وتواصلها مع الأراضي العراقية أرضاً وسكاناً الأثر الكبير في التكوين السكاني للعراق باعتبارها منفذا رئيسياً للأقوام المهاجرة من إيران أو وسط أسيا باتجاه العراق والشام. لكن اتجاه التأثير كان يتغير بتغير موازين القوة على طرفي الحدود، فالعراق القوي مؤثر فعال في الوضع الإيراني، وإيران القوية كانت فعالة ومؤثرة في العراق وخصوصاَ في أطوار ضعفه.

وفي القرون الخمسة الأخيرة ومع انطلاق الدولة الصفوية وسيطرتها على أغلب أراضي إيران وبعض الدول المجاورة كان لزاماً أن يتأثر الوضع العراقي بالمتغير الجديد، خصوصاً وأنها احتلت بغداد وجزءاً من الأراضي العراقية مرتين خلال قرن واحد(44).

إن من أبرز مميزات فترة الحكم العثماني للعراق هو الصراع المستمر مع إيران الصفوية، والذي استمر مع الدول التي أتت من بعدهم، ومع أن حكام الدولتين من العرق التركي إلا أن تحول الدولة الصفوية أيام الشاه إسماعيل الصفوي للتشيع وعمله على تحويل المجتمع الإيراني إلى مجتمع شيعي بقوة السيف، ألقى بآثاره على الوضع في العراق من عدة جوانب، إحداها التأثير المباشر بعد احتلال بغداد ومحاولته فرض التشيع فيها كما فعل في إيران(45).

فمن جهة كانت الدولة العثمانية الحنفية المذهب السنية العقيدة تعتبر نفسها حامية الإسلام السني وخصوصاً بعد إعلان الخلافة، بينما كانت الدولة الصفوية تقدم نفسها على أنها حامية الطائفة الشيعية وهي الوصية على شيعة العراق (المظلومين) تحت السيطرة السنية(46).

هذا الصراع الذي جُعِلَ العراق ساحة له، دفع الشيعة الموجودين فيه ولقلة أعدادهم إلى الإستقواء بالشاه الصفوي والذي كان مبادراً في هذا الأمر بدعوى حمايتهم وحماية الأماكن المقدسة في العراق، وإن كان الطمع ببسط السيطرة والنفوذ وتحجيم الدولة العثمانية في العراق من وراء ذلك، وقد تم ما أراد الصفويون في فترات قصيرة، وحاولوا تكرار تجربتهم في إيران، وفرض التشيع على سكانها بقوة السيف والدم، ولهذا ترى عمليات القتل والانتقام من السنة العرب بعد سيطرة الصفويين على بغداد أو المدن الأخرى وعمليات تمكين الأتباع من الطائفة الشيعية من زمام الأمور في العراق.

ومع أن الخلاف المذهبي قديم، والمشاكل بين سكان بغداد الشيعة والسنة بدأت منذ أيام البويهيين في الدولة العباسية إلا أن انتقال الأمر إلى مرحلة المجازر والإبادة أمر جديد في الصراع بين الطرفين، وقد يكون ما حصل في إيران عاملاً مساعداً على العمل به وانتشاره في العراق أيضاً.

وبالنتيجة فإن إعادة ترتيب موازين القوى في الجوار العراقي أثر على ميزان القوى داخل العراق واحدث حراكاً جديداً داخل المجتمع العراقي كان ساكناً لقرون طويلة، وهو وإن لم يصل حتى إلى حالة التوازن إلا أنه أعطى دفعة قوية للطائفة الشيعية في العراق.

2ـ إيران الشيعية والتأثير الاقتصادي(47):

أدى تحول إيران إلى دولة شيعية إلى زيادة علاقاتها بالمدن المقدسة لدي العراق (النجف– كربلاء–الكاظمية– سامراء)، وبالتالي التوافد المستمر والاستقرار فيها وانتقال الأموال والهبات الى القاطنين فيها، كذلك أدى هذا الأمر الى زيادة النشاط التجاري مع هذه المدن وخصوصاً في مراحل السيطرة الإيرانية أو فترات الاستقرار في العلاقة بين الصفويين والعثمانيين(48)، هذان الأمران أديا إلى تحول هذه المدن الصغيرة الى تجمعات سكانية كبيرة ذات صبغة طائفية.

لقد كان العامل الاقتصادي شديد التأثير في توزيع الكثافة السكانية وتمحورها الطائفي، فالهبات المالية والأوقاف الإيرانية بالإضافة إلى جهود الإصلاح الاقتصادي العثمانية في عمليات شق الأنهر والترع لإيصال الماء إلى هذه المدن، واستصلاح الأراضي القريبة منها، ضاعف سكانها وأصبحت عامل جذب للغرباء القادمين من الشرق سواءً من إيران أو الهند.

ولم تكن هذه الأموال والهبات المؤثرة وقفاً على الإيرانيين فقد كان لوقف العود (وقف هندي للمراقد الشيعية)، والذي كان البريطانيون يشرفون على توزيعه، أثراً كبيراً في الانتعاش الاقتصادي أيضاً وإلى توطين الكثير من الجاليات الهندية والإيرانية قرب هذه المدن(49).

علماً أن مدينة مثل النجف قد وصلت في بعض المراحل إلى أن تكون مجموعة بيوت (لا تزيد عن الثلاثين بيتاً)، لبعض العاملين في الأضرحة أو ما يتعلق بها(50).

3ـ الهجرة العربية والتوطين والدعوة الى التشيع(51):

كانت أحد المشاكل التي تواجه الدولة العثمانية هي فقدان الاستقرار الأمني في العراق وذلك بسبب الأعداد الكبيرة من البدو الرحل المتنقلين في الأراضي العراقية أو القادمين من بادية الشام والجزيرة العربية، وما يسببه وجودهم من تعكير لصفو الأمن والاستقرار وخصوصاً أن جل حياتهم قائمة على الغزو والسيطرة.

وهذه القبائل وإن شاركت العثمانيين في كثير من حروبهم، وكانت عوناً لهم سواءً ضد الصفويين أو ضد الحركة الوهابية، إلا أن هذا الكم البشري غير المنضبط كان في كثير من الأحيان يسبب مشاكل كبيرة للدولة مما يجبرها لتجريد حملات عسكرية ضدهم لفرض الأمن والاستقرار(52).

وكان لحالات القحط والجفاف التي تمر بها المنطقة، ثم ظهور الحركة الوهابية في نجد أحد الأسباب الإضافية التي دفعت أعداد كبيرة من سكان الصحراء الى التوجه الى العراق والانتشار فيه، فقد انتقلت قبائل الجبور وتميم والظفير وعنزة وشمر والصائح وقبائل أخرى(53)؛ واستقر أغلبها على ضفاف الأنهار المحاذية للصحراء مع انتقال بعضهم الى المناطق الداخلية، ومع وجود المدن الشيعية (النجف، كربلاء، الحلة)، على حافة الصحراء وبتماس مباشر مع القادمين الجدد للتجارة أصبحت عمليات الاستقرار تتوالى حولها أو قريباً منها، وازداد الأمر كثافة مع بدء الدولة العثمانية بعمليات منظمة لتوطين القبائل البدوية من خلال شق الأنهر والترع الإروائية وتوزيع الأراضي إلى صغار الفلاحين(54).

إن قلة أعداد الشيعة وضعفهم النسبي مع الخوف من المد الوهابي الجديد الذي اجتاح نجد وأطراف العراق وخوفهم على المراقد المقدسة من الغزو والتدمير(55)، دعاهم للبحث عن طرق إسناد وحماية لهم في عمليات الدفاع، وكانت القبائل البدوية وسكان الريف المجاور هم المادة الأساسية لهذه القوة، وبالفعل بدأت عمليات دعوة وتشييع كبيرة بين القادمين الجدد ذوي الفهم البسيط لتعاليم الدين وباستخدام الإمكانات المادية الضخمة المتوفرة لدى المراجع الدينية والتي جمعت من حصة الخمس أو من الأوقاف والهبات الإيرانية والهندية، فقد شهد نهاية القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر انتقال أعداد كبيرة من هذه القبائل المهاجرة الى المذهب الشيعي بعد استيطانهم في المناطق الجنوبية من العراق وحول المدن الكبرى القديمة أو التي نشأت حديثاً(56).

وقد أثرت عمليات الانتقال الكبرى هذه في توجهات المجتمع العراقي نحو الاستقرار من جهة ونحو التشيع كمذهب من جهة أخرى، وكان هناك عامل آخر أدى إلى حالة جديدة يذكرها “الوردي” في كتابه “لمحات اجتماعية”، وهي بروز طبقة رجال الدين الإيرانيين الذين استقروا في المدن المقدسة وأصبح قياد الأمر إليهم في الفتوى والتعليم(57)، (وقد نشأ في العراق من جراء ذلك وضع اجتماعي فريد في بابه هو أن الشيعة الذين يؤلفون أكثرية السكان في العراق هم من العرب بينما أكثرية علمائهم من الإيرانيين)(58).

وبهذا تكاتفت عوامل عدة وفي فترات متقاربة على زيادة العدد السكاني لأهل جنوب العراق وتحولهم المذهبي.

لقد صاحب ذلك أيضا محاولة من بعض الخلفاء العثمانيين التقرب والتساهل مع الشيعة العرب في محاولة لاستمالتهم وفصلهم عن التأثير الإيراني، وفي محاولة للبدء بعملية تقريب بين المذاهب، وقد أسند قياد هذا الأمر فيما بعد للشيخ جمال الدين الأفغاني(59).

من ناحية أخرى كان ظهور الحكام المتأثرين بالفكر الغربي وتجاوزهم على الأوقاف الإسلامية السنية وإيقاف واردات المدارس الدينية السنية أو تقليلها أحد الأسباب الإضافية التي فتحت المجال للتوسع الشيعي ومنعت أهل السنة من مقاومة هذا التمدد أو العمل على تحصين الناس منه(60).

وإذا أردنا تلخيص هذه التغييرات التي حصلت في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وأثرت في التوزيعات السكانية فمن الممكن أن نقول: انتقال البدو الى المدن والريف، تحول مذهبي نحو التشيع بتأثير الدعوة والتعليم والمحيط الاجتماعي الجديد. سيطرة علماء الفرس على المذهب والتحول بالفكر الشيعي نحو التطرف والمغالاة تأثراً بالدولة الصفوية. تساهل أو ضعف عثماني في التعامل مع قضية انتشار التشيع ومحاولة التقارب مع الشيعة العرب في محاولة لفصلهم عن إيران. تحجيم إمكانيات الوقف السني بسبب سوء الإدارة وسياسات بعض الولاة العثمانيين.

على هذه الصورة دخل العراق القرن العشرين وبدأت الدولة العثمانية بالتهاوي والسقوط في أرض العراق وبدأ الاحتلال الأوربي يتمدد فيه. ولكن ومع القوة والانتشار الجديد للمذهب واتساع المناطق التي يتواجد فيها إلا أن حدة العداء الطائفي ظلت محصورة في المراكز الدينية والأماكن المختلطة من الطائفتين وفي مساجلات العلماء وكتبهم، وتحولت الى خزين فكري ونفسي في التعامل مع الأخر، ولم تشهد البلاد حالات عنيفة من الصراع لعدة أسباب منها: خمول التحرك الخارجي الإيراني ضد الدولة العثمانية وبالتالي توقف أحد محركات الصراع إما بسبب معاهدات الصلح أو بسبب ضعف الدولة الصفوية ثم انهيارها. الاستقرار والضبط الأمني الذي شهده العراق(في بعض المراحل) بوجود بعض الولاة الأقوياء. التداخل الطائفي بسبب انقسام العوائل والقبائل التي تحولت إلى التشيع أو ظلت على المذهب السني. الفهم السطحي والبسيط لأغلب الشيعة الجدد للمذهب وعدم معرفتهم بالخلافات الفكرية والعقدية.

4ـ التحول إلى المدينة:

بعد تأسيس الدولة العراقية حدث متغير جديد في العراق، وهو التحول الذي حصل في الناحية التعليمية والاقتصادية والتوجه العام للسكان نحو العمل في وظائف الدولة ومنشئاتها فبدأت هجرة جديدة من الريف الى مراكز المدن والحواضر وقد كانت أكبر هذه الهجرات مع بداية العهد الجمهوري، وتركزت في اغلبها في مدينتي بغداد والبصرة لتوفر فرص العمل فيها كون الأولى هي عاصمة البلاد والثانية الميناء الرئيسي لها وأكبر مناطق إنتاج النفط وتصديره(61).

وقد ساعد على هذا الأمر التسهيلات التي قدمت من قبل الحكومة العراقية لتوطينهم فنشأت مدن خاصة لهؤلاء المهاجرين منها الحيانية في البصرة ومدينة الثورة (لاحقاً سميت مدينة صدام ثم الصدر) ومدينة الشعلة في بغداد(62).

لقد كانت أغلب الجموع المهاجرة من الفلاحين الفقراء الساكنين في المناطق الريفية والقرى جنوب العراق والتي تحولت في القرن التاسع عشر الى خزان بشري للشيعة خصوصاً مع نسبة تكاثر كبيرة مقارنة بالمناطق السنية والتي يغلب عليها الجانب الحضري مع بقاء أغلب المدن وحتى الجنوبية منها ذات غالبية سنية. وشكلت عملية الهجرة الجديدة توسع وإعادة انتشار كبير للطائفة الشيعية في العراق، وأعادت ترتيب الكثافات الطائفية لسكان المدن وخصوصاً بغداد والبصرة، بعد أن كانت ذات غالبية مطلقة للسنة.

إن مجموع العوامل السابقة الذكر قد أعطى للطائفة الشيعية في العراق امتداداً إضافياً داخل المدن الرئيسية وحول الوجود الشيعي إلى وجود فاعل بسبب الكثافة السكانية الجديدة والمستوى الثقافي والاجتماعي الجديد، وأصبح الامتداد البشري يمثل أغلب المنطقة الجنوبية من بغداد حتى مدينة الفاو على الخليج العربي وأصبح الوجود السني بشكل جزر متناثرة في بعض المناطق الجنوبية عدا منطقة الحزام الجنوبي لبغداد فقد ظلت محافظة على سنيتها لأسباب متعدد قد يكون أهمها التواصل الجغرافي لها مع المناطق السنية.

مع التغير الذي حصل في الجنوب فقد ظل وسط العراق (من العاصمة بغداد صعودا إلى الحدود التركية وغرباً إلى حدود سوريا والأردن وشرقاً إلى حدود إيران)، محافظاً على بنيته السكانية السنية من الناحية الطائفية.

 

المبحث الثالث: المراحل التاريخية لتطور الصراعات الداخلية في العراق:

في القضية الطائفية في العراق تداخلت العوامل الداخلية مع العوامل الخارجية وفي الحقيقة إن الثانية كانت في الغالب هي المحفز والداعم لتحول هذه المشكلة الى صراع بمستويات أعلى. ومما لا شك فيه أن أساس الخلاف الطائفي قديم ومتشعب، ومع أن هذه الطائفة ظلت في العراق تمثل أقلية غير مؤثرة في الأحداث إلا في بعض المراحل القصيرة تاريخياً إلا أن تحولها في القرون الأخيرة إلى ثقل اجتماعي وسياسي أعاد ترتيب التوازنات في العراق من جديد.

ومما لا شك فيه أن هناك عوامل كانت نقاط مؤثرة في هذه التحولات، وتراكم هذه التحولات أوصل العراق الى الحالة الحالية التي نشهدها الآن.

ويمكننا أن نحدد المراحل الرئيسية في عملية التغيير هذه:

أولاً: تأسيس الدولة الصفوية في إيران:

إن عملية التحول الكبير في عقيدة الحكام في إيران باتجاه التشيع والغلو فيه وتحويل هذا الموقف الفكري إلى واقع عملي من خلال فرض التشيع على الإيرانيين بالقوة ومحاولة ذلك مع العراقيين في أوقات الاحتلال غير من نوع العلاقة بين السنة والشيعة وأصبح الصدام أمراً واقعاً. وقد كان من الممكن أن يظل الخلاف السني الشيعي في إيران لولا وجود عوامل إضافية نقلت هذه الأزمة إلى العراق وأهمها: الاحتلال الإيراني للعراق، ووجود الدولة العثمانية وتحول الصراع السياسي إلى صراع عقائدي، ووجود الجالية الإيرانية الكبيرة في العراق، وارتباط المصالح الاقتصادية للطائفة الشيعية في العراق بإيران، وارتباط التشيع بين شيعة العراق وحكام إيران طلباً للحماية أو إضفاءً للشرعية.

هذه العوامل نقلت الصراع الطائفي من إيران إلى العراق وتحولت حالت التعايش القلق إلى صدام كانت بوادره بعمليات القتل التي قام بها الصفويون وردود الفعل العثمانية ضد الرعايا الفرس أو الشيعة في العراق.

ثانياً: تزايد النسبة السكانية للشيعة في العراق:

لقد أثر هذا الأمر في تغير موازين القوة في العراق، ومع أن هذه الزيادة لم تؤثر مباشرة في تصعيد الصراع إلا أنه أصبح عنصراً مؤثراً بعد قرنيين من الزمان(63). مع أن التشيع انتشر في فترات زمنية سابقة في مساحات واسعة من المنطقة العربية إلا أن القرن السادس عشر والسابع عشر أعادت ترتيب الوجود الشيعي وأصبح محدوداً في بعض مدن العراق وبعض مناطق الخليج ولبنان، وسط بحر كبير من الشعب العربي السني.

إن التغيرات الكبيرة في عقيدة القبائل العربية التي استوطنت جنوب العراق أعطى دفعة إضافية للطائفة وخصوصاً في العراق للتعامل بندية مع الطرف الأخر، بعد أن كانت راضية أو على الأقل راضخة لحكم الأكثرية الساحقة.

ثالثاً: الانفتاح على العالم وانتشار التعليم:

النقطة الثالثة التي أثرت في توجهات الصراع الطائفي هو الانتقال بعد الحرب العالمية الأولى والاحتلال البريطاني للعراق هو الانتقال إلى الانفتاح والتواصل مع العالم الخارجي وانتشار التعليم الحديث بين الطبقات الفقيرة في المجتمع العراقي بعدما كان حكراً على الأغنياء أو البيوتات العلمية، مما ساعد على تغير الوزن النسبي للكتلة الشيعية وتأثيرها في الساحة.

لقد أثر هذا الانفتاح وانتشار الثقافة إلى حالتين متضادتين داخل المجتمع الشيعي:

الأول: هو الابتعاد عن الدين والتوجه نحو الأفكار الليبرالية والشيوعية مع محاولة البعض الربط بين متطلبات المذهب الطائفية والفكر الجديد(64). وقد كان من نتيجة ذلك انتشار الأحزاب الشيوعية والقومية في مدن وقرى جنوب العراق وتحولها الى مراكز لها(65).

الثاني: ردة الفعل على حالة الانسلاخ من الفكر الديني والتوجه بقوة نحو العودة للأصول الدينية بصورتها الطائفية والتي استقرت في منهج التدين الشيعي بعد التأثير الصفوي في القرون الماضية.

ردة الفعل هذه كانت أيضاً مضادة للأحزاب القومية العلمانية التي انتشرت وكانت ترى أن الدين والطائفة من معوقات الوحدة العربية الكبرى فضلا عن الوحدة الوطنية. وهذا الحراك الجديد مع التعليم والثقافة الجديدة جعلت المجتمع الشيعي يقع في تحدي مع الواقع الجديد وأدى إلى ظهور تيار وشخصيات جديدة مؤثرة في الساحة الشيعية من خارج إطار المرجعية الرئيسية والتي كانت تدير الحوزات العلمية في العراق(66).

وأصبح الخطاب الثقافي والتنظيمي الجديد والذي كان نتاجاً للدراسات الأكاديمية والتأثر بالتنظيمات الإسلامية السنية الأخرى، يمثل ثقلاً في الثقافة الشيعية الجديدة مع احتفاظها بخصائصها القديمة والقائمة على المظلومية التاريخية لهم من أهل السنة. مع هذا التغير الجديد فقد بقي المجتمع العراقي محافظا على السلم الأهلي بين أطيافه ولم يصل درجة الصدام والصراع وقد نستطيع إجمال الأسباب بالتالي:

  1. انشغال المجتمع العراقي بقضايا جديدة في أغلبها بعيدة عن التدين والطائفية، وقد يكون من أهمها الاحتلال البريطاني وطريقة التعامل معه، وكذلك الأحزاب السياسية الجديدة (ليبرالية أو محافظة، قومية أو أممية، اشتراكية أو رأسمالية)، والاختلافات بينها، مما حول الخلاف إلى خلافات فكرية وسياسية بعيداً عن الدين والطائفة.
  2. انشغال إيران بأوضاعها الداخلية والابتعاد النسبي عن الملف العراقي، خصوصاً مع وجود الحماية البريطانية ثم التحالف الوثيق بين المملكة العراقية وبريطانيا بما يمنع التدخل الإيراني.

رابعاً: ولاية الفقيه وجمهورية إيران الإسلامية:

هذه المرحلة كانت هي الانتقال الأكبر في الفكر الشيعي عموماً في قرونه الأخيرة. لقد عاش الشيعة طوال القرون الماضية تحت مظلة الإمام الغائب، وأن الإمام المعصوم هو الوحيد الذي يحق له إقامة الدولة (ومن هنا فقد رفض المتكلمون الاثنا عشريون الأوائل دعوة المعتزلة والشيعة الزيدية، إلى تبني نظرية ولاية الفقيه في ظل الغيبة الكبرى بحجة فقدان الفقيه للعصمة والتعيين من الله، وتعارض نظرية ولاية الفقيه مع نظرية الإمامة الإلهية)(68).

(وحتى عندما قامت الدولة الصفوية في القرن العاشر الهجري، فإن قسماً من الشيعة ظل يتمسك بموقف الانتظار السلبي للإمام الغائب المنتظر، كلازمة من لوازم نظرية الإمامة الإلهية ويرفض الانخراط في الدولة الصفوية)(69).

(وتجلى ذلك الموقف السلبي في إقامة الدولة في عصر الغيبة، في القرن الثالث عشر الهجري أيضاً، في موقف الشيخ محمد حسن النجفي صاحب جواهر الكلام الذي عاصر الأيام الأخيرة للدولة العثمانية، ولكنه لم يفكر في الثورة عليها وإقامة دولة شيعية خاصة في العراق، نظراً لأنه كان يؤمن بعدم إمكانية إقامة الدولة في عصر الغيبة وإلا لظهرت دولة الحق وخرج الإمام المهدي الذي لم يختف إلا بسبب الخوف على نفسه كما يقول. ولذلك توصل النجفي إلى ضرورة الانتظار، والاستمرار فيه حتى ظهور المهدي، وعدم جواز إقامة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة، بل عدم إمكانيتها)(70).

(وتطور الفكر السياسي الشيعي في منتصف القرن العشرين إلى مرحلة جديدة بدأ يؤمن فيها بعض فقهاء الشيعة بضرورة تأسيس الدولة الإسلامية، وعدم الاكتفاء بمحاسبة ومراقبة الحكام والحد من صلاحياتهم من خلال الدستور، وتمثل ذلك التطور في فكر السيد محمد باقر الصدر، مؤسس حزب الدعوة الإسلامية، والسيد محمد مهدي الشيرازي مؤسس منظمة العمل الإسلامي، وبعض الفقهاء الآخرين الذين بدأوا يدعون إلى تأسيس الدولة الإسلامية).

(إذن فقد ولد تشيع جديد على أنقاض التشيع الديني القديم العقيم والميت، وخاصة التشيع الاثني عشري. وهذا التشيع الجديد يقوم على أساس الاجتهاد والثورة والعدل والشورى، أو الديمقراطية، والوحدة الإسلامية، والعقل والعلم والقرآن، وهو في هذا يلتقي مع الفكر السياسي الإسلامي العام والفكر الإنساني النبيل)(71).

هذا التغير الكبير بعد تأسيس الدولة الإسلامية في إيران، أعطى دافعاً كبيراً للطائفة نحو الصدام مع الأخر وخصوصاً مع وجود الإمكانات الكبيرة للدولة في إيران، والشحن النفسي المستمر القائم على المظلومية واغتصاب (الحق الإلهي للأئمة المعصومين) من قبل السنة، وقد كانت أول نتائجه هو الحرب العراقية الإيرانية، وفكرة تصدير الثورة التي رفعها آية الله الخميني.

لقد كانت الصدمات التي حصلت في العراق بين حزب الدعوة الإسلامية والحكومة العراقية بعد نجاح الثورة في إيران، عامل شحذ إضافي للقضية الطائفية عند العاملين لها في العراق، ثم جاءت عملية مقتل محمد باقر الصدر والذي كان يعتبر عند الشيعة من أعلام الثورة والتجديد لترفع من حدة الصدام مع الحكومة العراقية، ثم تلا هذا الأمر الحرب العراقية الإيرانية والتي استمرت لثمان سنوات أوقف فيها العراق كل إمكانياته للتصدي للتمدد الإيراني الذي كان يهدد حصونه من الداخل والخارج.

لقد حاول النظام العراقي في ذلك الوقت الخروج من هذه الأزمة من خلال تحويل القضية إلى صراع قومي (عربي فارسي) وسحب المبرر الديني الذي رفعه الخميني في تصدير الثورة واستطاع بالفعل أن يجمع العراقيين من كل الطوائف على حرب إيران والوقوف في وجه التمدد الإيراني باتجاه العراق.

إلا أن الامتدادات الفكرية والتنظيمات الخاصة التي نشأت في إيران أو في العراق وبرعاية إيرانية مع ضعف النظام العراقي والحصار والضغط الدولي وتخلخل هياكل الدولة بعد دخول الكويت كلها كانت عوامل قوة لتغذية روح الثورة والانقلاب ضد النظام وكانت مظلومية الطائفة وتسويقها محلياً ودولياً لها التأثير الكبير في الحشد النفسي للشيعة في العراق.

اجتمعت الأسباب السابقة مع سوء إدارة الملف الشيعي من قبل السلطات الحاكمة إلى أن تحول النقمة باتجاه طائفة الحاكم، والعمل على تحشيد المجتمع الشيعي ضد الحكومة التي كانوا يعتبروها حكومة سنية.

خامساً: قوى الاحتلال والطائفية:

لقد انقسم الموقف الشعبي في العراق من الاحتلال الأمريكي الى طرفين رئيسيين:

الأول: موقف مؤيد وداعم لاحتلال العراق ومتعاون معه، وهو يمثل أغلب المعارضة السياسية للنظام السابق والتي كانت تتكون بالأساس من الأحزاب الشيعية الدينية والأحزاب الكردية والشخصيات السنية مع استثناءات بسيطة في كل طرف(72). وكان من نتيجة هذا التوافق مع الاحتلال استقرار أمني في المناطق ذات الغالبية الشيعية والكردية وتعاون مستمر مع قوات الاحتلال وبرضى من الجهات الدينية والمرجعيات الشيعية(73).

الثاني: كان يمثل الطرف الرافض للاحتلال والذي قام بالتصدي له بالعمل المسلح وكان غالبيته إن لم يكن بأكمله من المكون السني(74)، وخصوصاً في السنوات الأولى من تاريخ المقاومة.

وبهذا بدأت عملية تقسيم جديدة للمجتمع العراقي قائمة على الموقف من الاحتلال ولكنها أخذت بعداً أخر كون المختلفين في منطقة الصراع يمثلان طائفتان متنازعتان منذ قرون، (مع استبعاد الطرف الكردي من القضية لأنه وعلى طول سنوات الصراع تعامل مع الآخرين على أساس الاختلاف العرقي ولم يدخل في موازنة القضية الطائفية)، وبهذا أصبح الرافضون للاحتلال في مواجهة الأحزاب الشيعية الداعمة له.

وتحول الحشد السياسي ضد النظام السابق (باعتبار الاحتلال ضد النظام القديم)، إلى حشد موجه للطائفة الأخرى بصورة صريحة مع اتهام مستمر بالتبعية للنظام السابق أو بالإرهاب أو بمصطلحات تاريخية مثل جيش يزيد والأمويون الجدد.

وهنا كانت المرحلة الأخيرة في تطور الصراع الطائفي في العراق هو الاحتلال الأمريكي له، والتحالف الذي تم بين قوى الاحتلال والواجهات السياسية والدينية الشيعية، والذي أعطى زخماً كبيراً للطائفة للوصول إلى السيطرة على الدولة وبالتالي التحكم في المكونات الأخرى للشعب العراقي(75).

إن هذين الموقفين المتضادين وهذا الانقسام قد تحول إلى تصعيد طائفي كبير كانت نتيجته صدام عسكري واستخدام القوة المفرطة في فرض الأمر الواقع، وبما أن موازين القوى قد اختلت في هذه المرحلة وخصوصاً مع المدد الإيراني الكبير للأحزاب الشيعية والاصطفاف مع القوات الأمريكية ومن ثم الدولة العراقية التي تحكمها هذه الأحزاب أصبح التصعيد قمعاً للطرف السني وانتهى بآلاف القتلى والمعتقلين وتهجير كبير للسنة المتواجدين في المناطق المختلطة ومحاولات للتغير الديموغرافي واستبدال للسكان في منطقة بغداد وحزامها وديالى ومناطق أخرى(76).

وبهذه الصورة استعاد العراق صورة الصراع القديم أيام الدولة الصفوية بفارق واحد وهو عدم وجود الدولة العثمانية أو بديلاً لها في الطرف المقابل. وقد يكون الفاعل الأخير السلبي والذي زاد من حدة الأزمة في العراق والذي لا يقل تأثيراً عن الفواعل الأخرى هو عدم وجود الموازن الإقليمي للدور الإيراني أو الموازن الطائفي للدور الشيعي سواء من قبل الحكومات العربية أو من المؤسسات الإسلامية وبالنتيجة كان لهذا الموقف السلبي تأثيره الكبير في تغول موقف الطرف الشيعي في الصراع وإحداث تغييرات كبيرة سواءً في الواقع السياسي أو الاجتماعي.

 

المبحث الرابع: تأثير الجذور التاريخية على الواقع الراهن للقضية العراقية

قبل الكلام عن تأثير وقائع التاريخ العراقي على حاضره لابد أن نحدد بخطوط أساسية البيئة العراقية الحالية في واقعها الاجتماعي والسياسي والتداخل الإقليمي والدولي في الموضوع الطائفي:

أولاً: أجهزة الحكم في العراق:

مع بدء وضع أسس الدولة الجديدة من قبل الحاكم المدني الأمريكي في العراق ظهرت بوادر التقسيم الطائفي والعرقي وكان القرار الأمريكي هو الحاكم في هذا الترتيب فجاء تشكيل مجلس الحكم من (25 شخصية عراقية) تعبر عن رؤية الأمريكان للطيف العراقي المتنوع أو ما يريدون أن يكون فكان التقسيم كالآتي: 12 شخصية عربية شيعية. 5 شخصيات عربية سنية. 5 شخصيات كردية. 3 شخصيات تمثل الأقليات الأخرى.

كان ترتيب البيت الشيعي قد تم برعاية إيرانية كون أغلب هذه الأحزاب كانت مقيمة في إيران ولها قوات مسلحة دخلت العراق مع دخول القوات الأمريكية. أما المجموعة العربية السنية فكانت من (4 شخصيات معارضة)، ليس لها أي تأثير في الواقع العراقي والحزب الإسلامي العراقي وهو التنظيم السني الفعلي الوحيد الموجود على الساحة العراقية.

ومع تصاعد الأحداث في العراق والمنطقة عموماً فقد أعيد ترتيب الوضع العراقي الجديد وعلى هذا أصبح الوضع الآن كالآتي: حكومة توافقية مشكلة من الأحزاب العراقية وبرئاسة وسيطرة الأحزاب الشيعية الموالية لإيران. وضعف المكون السني وخصوصاً بعد اجتياح داعش لأغلب أراضيه وتهجير أكثر من أربعة ملايين إنسان. وموافقة ودعم دولي للحكومة الحالية. وتواجد ودعم إيران مكشوف للحكومة العراقية مع حضور عسكري بصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال المليشيا العسكرية التي تدين بالولاء للإمام الفقيه في إيران. زتصاعد العداء الطائفي من خلال استخدام الإعلام الحكومي والشعبي في التثقيف الطائفي وخصوصاً مع ظهور داعش المضاد النوعي للتطرف الشيعي. وتداخل القضية الطائفية في العراق مع قضايا المنطقة وخصوصاً في سوريا.

وعند مراجعة التاريخ وقراءة حالات تصاعد الصراع نستطيع أن نصل إلى مجموعة نقاط قد تكون هي المؤثر الأساسي لتصاعده ووصوله إلى الصدام:

  1. المؤثر الخارجي:

إذا استثنينا الخلاف الأول في صدر الإسلام لأنه خلاف سياسي بامتياز ولم يكن له أي بعد طائفي أو اختلاف عقدي فان الصراع أيام الدولة الصفوية والدولة العثمانية كان هو الأوضح في التاريخ العراقي ثم الصراع الحالي والذي تصاعد بعد التحول السياسي في إيران ووصول آية الله الخميني إلى السلطة.

وفي الحالتين نرى أن التدخل الخارجي ( إيران الصفوية، إيران الإسلامية )، كان هو العامل الرئيسي في تصاعد هذا الصراع وتأزمه ونلاحظ أيضاً أن خفوت الصراع الإقليمي بين الحكومات في إيران والعراق أو في فترات الضعف التي تنتاب الدولة في إيران تتراجع حدة الصراع وتسود أجواء التعايش الطبيعية بين مكونات الشعب العراقي (إلا بعض الحالات التي لا يمكن أن تسمى صراعاً).

بالنتيجة فإن العوامل الخارجية سواءً إقليمية (إيران الصفوية، إيران الإسلامية)، أو دولية (الاحتلال الأمريكي)، هي المحفز والمحرك الحقيقي لهذا الصراع والسبب الناقل له من الاختلاف إلى الصدام.

  1. الاختلاف الفكري والعقدي والتطرف:

مما لا شك فيه أن شدة الاختلاف الفكري والعقدي شكلت أسباباً رئيسية لتصاعد التوتر، ولكن هذا التوتر قد يأخذ أشكالاً متنوعة في طريقة التعامل مع المختلفين على الأرض، وهذه الصورة واضحة في جميع المجتمعات التي تتكون من طوائف وأعراق مختلفة، ولكن العامل الفعال لنقل الخلاف الفكري والعقدي وتحويله إلى صراع مادي واقتتال دموي هو وجود التطرف الفكري وإنزاله على أرض الواقع من خلال الممارسة العملية.

في القضية الطائفية العراقية نجد ثلاث صور واضحة للتعامل المتطرف أججت الخلاف ونقلته مراحل كبيرة هي: التطرف الصفوي والغلو في الفكر والتعامل مع أهل السنة سواءً في إيران أو العراق. التطرف المصاحب للمد الوهابي وطريقة تعامله مع المختلفين معه من الشيعة أو الصوفية السنة. التطرف لدى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، والفصائل التي تعمل بنفس المنهج والأسلوب.

وبهذه الصورة يتبين أن جذر المشكلة الطائفية في العراق موجود منذ زمن طويل ولكنه ليس الأمر الحاسم في التحول إلى المواجهة بين المختلفين، بل إن أموراً طارئة تظهر في أوقات زمنية ولظروف محددة تحول هذا الاختلاف والاستقرار القلق إلى حالة جديدة من الصدام والمواجهة تتغذى لاستمرارها على الخزين الكبير من الخلاف الفكري الذي تم بناءه طوال قرون طويلة.

خـاتـمة

إن التداخل الكبير للمجتمع العراقي مع محيطه البشري والتغيرات الديموغرافية الكبيرة التي حصلت فيه على مرّ القرون الماضية هي التي صنعت الصورة الحالية للمجتمع. وقد تركت هذه التغيرات بصماتها في بنية المجتمع وبناءه الفكري والنفسي، وبما أن الفكر الديني هو المؤثر الأكبر في المجتمعات الشرقية عموماً والعربية خصوصاً طوال تاريخها القديم والحديث، فقد نقل الفكر الديني تأثيره في السلوك الطبيعي للأفراد اتجاه الآخرين من المخالفين له.

والخلاف الطائفي في العراق بدأت أسسه الأولى مع الوجود الإسلامي في العراق، وهو وإن لم يكن بهذا المستوى من التأصيل الفكري لأنه بدأ خلافاً سياسياً إلا أن عوامل عدة ساعدت إلى الانتقال به إلى هذه المرحلة المتأزمة.

وقد نستطيع أن نحدد من خلال دراسة التاريخ القريب للعراق عاملين أساسين في تصعيد هذا الخلاف وتحوله إلى حالة من الصدام الفكري والمادي على الأرض متمدداً بآثاره الجانبية إلى المناطق المجاورة ودافعاً للمنطقة باتجاه صدام قد يطول، ليس بين جماعتين بشريتين وفكرتين مختلفتين فقط، بل تحول إلى صراع دولي كان للمؤثرات الخارجية ثقل إضافي في تصاعده وديمومته، هذان السببان هما:

  1. وجود التدخل الخارجي وتأثيره على الواقع العراقي.وقد كان وجود الدولة الصفوية في إيران ثم جمهورية إيران الإسلامية وتأثيرهما المباشر في الواقع العراقي، أحد الأسباب الرئيسية في هذا التصعيد والصدام.
  2. ظهور الفكر المتطرف سواءً عند الشيعة أو أهل السنة.وهذا الأمر إذا كان عند بعض أهل السنة قائم على تطرف فكري عام من خلال نظرة خاصة للنصوص، فإنه لم يكن موجهاً باتجاه الشيعة خصوصاً، بل قد يكون أثره السلبي على أهل السنة أكبر، بل قد يكون في بعض مراحله عاملاً مساعداً للشيعة على التمدد واستغلال الفرصة لتوحيد الصفوف واستثمار الرفض العام لدى الناس ضد التطرف في كسب أنصار جدد، كما حصل في تشيع بعض القبائل العربية والتي خرجت من الجزيرة بعد معاركها مع الوهابيين، وكما يحصل الآن في مدا استثمار لمناخ التشدد لربط الشيعة بإيران.

ولكن الحالة المميزة في التطرف الشيعي أنه موجه نحو الأخر، لأن فكرة الطائفة قائمة على التمايز عن باقي الأمة وإظهار المظلومية المستمرة. ومما لا شك فيه أن تقادم القرون على فكر منغلق قائم على هذا التصور يؤدي إلى صناعة قنابل موقوتة تنفجر بصورة مدمرة على المجتمع عند توفر الظرف المناسب.

وهذا الظرف المناسب كان يظهر دائماً عند اختلال ميزان القوى مع أهل السنة (الاستقواء بالصفويين-الاستقواء بإيران الإسلامية-الاستقواء بالاحتلال)، مما يترك آثاراً من الدماء لا تمحى مع تقادم الأزمان(77).

—————————————-

الهامش

(1) عبد الرزاق الحسني، العراق قديماً وحديثاً، مطبعة الفرقان، صيدا، ط3، 1378هـ، 1958م، ص8؛ الحسني، تاريخ العراق السياسي الحديث، الرافدين للطباعة والنشر، بيروت، ط7، 1429هـ، 2008م، ص19.

(2) لم يجر أي إحصاء رسمي حقيقي على أساس الطائفة في العراق وكل ما ينقل هو تقديرات فقط، أنظر: طه حامد الدليمي، هذه هي الحقيقة: الأعداد والنسب لأهل السنة والشيعة في العراق، إصدارات مركز الرافدين للدراسات الارتيادية.

(3) تاريخ العراق السياسي الحديث، الحسني، مصدر سابق، ص19، ص69.

(4) العراق قديماً وحديثاً، الحسني، مصدر سابق، ص6.

(5) إسحاق النقاش، شيعة العراق، ترجمة عبد الإله النعيمي، دار المدى للثقافة والنشر، ط1، 1417هـ، 1996م، ص78؛ هوامش الفصل الأول.

(6) تفاصيل الاتفاقات الحدودية، أنظر: إسلام محمد عبد ربه المغير، الحرب العراقية الإيرانية (1980م-1988م)، رسالة ماجستير، قسم التاريخ والآثار، كلية الآداب، الجامعة الإسلامية بغزة.

(7) المصدر السابق؛ وانظر: مجيد خدوري، حرب الخليج جذور ومضامين الصراع العراقي الإيراني، ترجمة: وليد خالد أحمد، مكتبة مصر، ودار بغداد، ط1، 1429هـ، 2008م، ص39.

(8) تاريخ العراق السياسي الحديث، الحسني، مصدر سابق، ص20.

(9) العراق قديماً وحديثاً، الحسني، مصدر سابق، ص12 وما بعدها.

(10) أنظر: ستيفن هيملي لونكريك، أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، ترجمة: جعفر الخياط، ط4، ص12؛ تاريخ العراق السياسي الحديث، الحسني، ص24 وما بعدها.

(11) أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، مصدر سابق، ص12.

(12) تاريخ العراق السياسي الحديث، الحسني، مصدر سابق، ص19.

(13) العراق قديماً وحديثاً، الحسني، مصدر سابق، ص35.

(14) أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، مصدر سابق، ص21؛ تاريخ العراق السياسي الحديث، الحسني، مصدر سابق، ص19-20.

(15) شيعة العراق للنقاش، مصدر سابق، ص48.

(16) د. علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، انتشارات الشريف الرضي، إيران، أمير، قم، ط1، ص21، نقلاً عن: محمد سلمان، التطور الاقتصادي في العراق.

(17) تاريخ العراق السياسي الحديث، الحسني، مصدر سابق، ص20.

(18) المصدر السابق، ص74.

(19) موقع الجزيرة نت، النفط العراقي الاحتياطي والإنتاج، سيدي أحمد ولد أحمد سالم.

(20) استولى إسماعيل الصفوي على بغداد في (25 جمادي الآخر، 914هـ/1508م)، وأعلن مذهب التشيع فيه.

(21) تاريخ العراق السياسي الحديث، الحسني، مصدر سابق، ص24 وما بعدها.

(22) المصدر السابق، ص39؛ أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، مصدر سابق، ص42 وما بعدها.

(23) لمحات اجتماعية، مصدر سابق، ص12.

(24) أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، مصدر سابق، 113.

(25) شيعة العراق للنقاش، مصدر سابق، ص33.

(26) تاريخ العراق السياسي الحديث، الحسني، مصدر سابق، ص41-42؛ أنظر أيضاً: الفصل الرابع من نفس الكتاب لتفاصيل أكثر عن الاحتلال البريطاني.

(27) حرب الخليج، مصدر سابق، ص30.

(28) تاريخ العراق السياسي الحديث، الحسني، مصدر سابق، ص192.

(29) حرب الخليج، مصدر سابق، ص30.

(30) تاريخ العراق السياسي الحديث، الحسني، مصدر سابق، ص44.

(31) أنظر: عادل رؤوف، العمل الإسلامي في العراق بين المرجعية والحزبية قراءة نقدية لمسيرة نصف قرن (1950م-2000م)، المركز العراقي للإعلام والدراسات، ط4، 1427هـ، 2006م؛ مع الاختلاف هل تشكيل الدعوة بموافقة السيد محسن الحكيم أو لا، فإن الثابت أن السيد محمد باقر الصدر القريب من الحكيم هو الشخص المحوري في تأسيس حزب الدعوة.

(32) أنظر: قاسم حنظل، أسرار مقتل العائلة المالكة في العراق، دار الحكمة، لندن، ط3.

(33) لتفاصيل أكثر عن الوضع الحزبي في العراق في العهد الملكي، أنظر: د. كاظم الموسوي، صفحات من التاريخ السياسي، ط4، 1435هـ، 2013م، طبعة الكترونية.

(34) العمل الإسلامي في العراق بين المرجعية والحزبية، مصدر سابق.

(35) المصدر السابق.

(36) حرب الخليج، الملاحق، اتفاقية الجزائر 1976م، مصدر سابق.

(37) أنظر: مايكل إيزنشتان، إيران والعراق، موقع معهد واشنطن، 13 أيلول/ 2015م.

(38) شيعة العراق للنقاش، مصدر سابق، ص35.

(39) أنظر: همام عارف، من هزم أمريكا في العراق؟ الحقيقة بالأرقام، دار كريتوز، مركز دراسات الشرق الأوسط، الأردن، ط1، 1434هـ، 2012م.

(40) المصدر السابق.

(41) أنظر: أسماء جميل فالح عبد الجبار، الأحزاب السياسية في العراق، مركز الرافدين للدراسات والبحوث الاستراتيجية.

(42) سيطر تنظيم الدولة في عام (2015م) على كامل مساحة محافظة نينوى والجزء الأكبر من محافظة صلاح الدين والأنبار وجزء من محافظة ديالى وبعض مناطق جنوب بغداد.

(43) شيعة العراق للنقاش، مصدر سابق، ص38 وما بعدها.

(44) أنظر: محمود شاكر، التاريخ الإسلامي(التاريخ المعاصر-بلاد العراق)، المكتب الإسلامي، ط1، 1413هـ، 1992م، ص14-17.

(45) المصدر السابق؛ وانظر أيضاً: لمحات اجتماعية، مصدر سابق، ص43؛ (وفي عام (1508م) استطاع الشاه إسماعيل أن يفتح بغداد، وتشير المصادر التاريخية إلى أنه فعل بأهل بغداد مثل ما فعل بالإيرانيين من قبل فأعلن سب الخلفاء وقتل الكثير من أهل السنة ونبش قبر أبي حنيفة).

(46) شيعة العراق للنقاش، مصدر سابق، ص33.

(47) لتفاصيل أكثر عن تفريس المدن العراقية بعد الدخول الصفوي أنظر: شيعة العراق للنقاش، مصدر سابق، ص33 وما بعدها.

(48) شيعة العراق للنقاش، مصدر سابق، ص34.

(49) دولة أوذه أو أوده في شمال الهند، لقد كان لهذا الوقف تأثير كبير في الوضع الاقتصادي والاجتماعي في كربلاء والنجف خصوصاً هذه الأموال كان يتم توزيعها من خلال القنصل البريطاني الذي انتدب بدوره اثنين من مجتهدي الشيعة (أحدهم في النجف والآخر في كربلاء)، للقيام بهذا الأمر.

وقد ساعدت هجرة بعض الأمراء والأغنياء بأموالهم من الهند والسكن في العراق في زيادة التأثير الاقتصادي كهذه الطائفة في المدن المقدسة. أنظر: شيعة العراق للنقاش، مصدر سابق، ص35؛ د. مهند العلام، السياسة العثمانية تجاه الشيعة في العراق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مركز الناصر للدراسات والبحوث، أوراق بحثية.

(50) شيعة العراق للنقاش، مصدر سابق، ص39-40.

(51) قد تكون هذه ثلاث عوامل مؤثرة رأيت أن أجمعها بنقطة واحدة لاتصالها مع بعضها ولتداخلها الزماني والمكاني وأدت الى نتيجة واحدة.

(52) شيعة العراق للنقاش، مصدر سابق، ص48.

(53) المصدر السابق، ص49.

(54) شيعة العراق للنقاش، مصدر سابق، ص50-51، ص54-58.

(55) دخل الوهابيون إلى كربلاء في (1801م)، أنظر: شيعة العراق للنقاش، مصدر سابق، ص51.

(56) شيعة العراق للنقاش، مصدر سابق، ص52.

(57) المصدر السابق، ص34-35.

(58) لمحات اجتماعية، مصدر سابق، ص11.

(59) المصدر السابق، ص58.

(60) أنظر بتفاصيل أكثر المصدر السابق، ص68 وما بعدها.

(61) أنظر: د. نوري عبد الحميد العاني وآخرون، تاريخ الوزارات في العهد الجمهوري (14 تموز 1958-7شباط 1959)، بيت الحكمة، بغداد، ط1، 1421هـ، 2000م، ص199 وما بعدها/ أزمة السكن.

(62) المصدر السابق، ص199.

(63) ليس هناك اتفاق على النسب السكانية في العراق حسب الطائفة، أنظر: هذه هي الحقيقة طه الدليمي، مصدر سابق.

(64) أ. د عمر وميض نظمي، مجلة العلوم السياسية، جامعة بغداد، عدد خاص بالذكرى الخمسين لتدريس العلوم السياسية في العراق، العدد 37.

(65) أنظر لتفاصيل أكثر عن الأحزاب في العهد الملكي، العراق صفحات من التاريخ السياسي، د. كاظم الموسوي، أحزاب وسلطة، ص28.

(66) العمل الإسلامي في العراق بين المرجعية والحزبية، مصدر سابق، ص63.

(68) أنظر: أحمد الكاتب، التشيع السياسي والتشيع الديني، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ط1، 1430هـ، 2009م، ص360.

(69) المصدر السابق، ص360.

(70) التشيع السياسي والتشيع الديني، مصدر سابق، ص360-361.

(71) المصدر نفسه، ص 380-381.

(72) كان مؤتمر لندن ومؤتمر صلاح الدين للمعارضة العراقية والذين عقدا قبل البدء بالاحتلال هما المعبران عن موقف الأحزاب والشخصيات المشاركة فيهما والداعمة للاحتلال.

(73) أنظر: السفير بول بريمر، عام قضيته في العراق، دار الكتاب العربي.

(74) أنظر: من هزم أمريكا في العراق.

(75) عام قضيته في العراق، بول بريمر، مصدر سابق.

(76) حقوق الإنسان في العراق 11 عاماً وتنتظر، إصدارات منظمة الراصد الحقوقي في العراق.

(77) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

أسعد سليمان

كاتب وباحث عراقي، رئيس مركز بغداد للدراسات والإعلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى