ترجمات

العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية عودة الوكالة

الترجمة الكاملة لمقال “جاكوب شابيرو، حول العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية، والذي نشره موقع مستقبليات الجغرافيا السياسية، 10 أكتوبر 2018، الرابط، تاريخ الزيارة 26 أكتوبر 2018. عنوان المقال الأصلي:
Jacob L. Shapiro , « US-Israel Relations: A Return of Agency », Geopolitical Futures,October 10, 2018.

أجرى معهد جالوب استطلاع رأي سنوي عالمي من شهر مارس إلى نوفمبر2017، حول قيادة الولايات المتحدة. بحيث أيد البعض المسار الذي تتجه إليه الولايات المتحدة، فيما عارضه آخرون، لكن في أربعة من 134 دولة شملها الاستطلاع، ارتفعت نسبة تأييد الولايات المتحدة بنسبة مذهلة بلغت 10٪ مقارنة بالعام السابق -شملت ليبيريا ومقدونيا وبيلاروسيا وإسرائيل. وعليه فإن إشراك إسرائيل يدل على مدى تغير العلاقات الأميركية الإسرائيلية بشكل واضح تحت إدارة دونالد ترامب. فقبل أن يصبح رئيساً، بدا أن العلاقات الثنائية على حافة الانهيار. ففي عام 2015، سافر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن لإغراء الرئيس باراك أوباما أمام الكونغرس الأمريكي، متوسلاً عمليًا الحكومة الأمريكية بعدم المضي قدمًا في الاتفاق النووي الإيراني- وهو نداء سقط في نهاية المطاف على آذان صماء.
في آذار (مارس) 2018، زار نتنياهو واشنطن مرة أخرى، ولكن بدلاً من انتقاد الرئيس، قارن بينه وبين كورش الأعظم Cyrus the Great -الملك الفارسي الذي سمح للإسرائيليين بالعودة إلى “وطنهم” لإعادة بناء هيكلهم مما أدى إلى إنهاء المنفى البابلي- فنتنياهو يُعتبر طالب تاريخ وكان والده أستاذا للتاريخ لذلك عندما يُقارن نتنياهو ترامب بواحد من أهم الوثنيين في التاريخ اليهودي، فإنه يعني ذلك.
إن تصرف نتنياهو تجاه إدارة ترامب ليس ميزة غريبة– وإنما تمييز لشخص ملتوي بشكل متفرد، فقد كان نتنياهو يطلب في يوم من الأيام حوالي 3000 دولار من ميزانية الحكومة لاحتياجاته الخاصة من الآيس كريم. ويتحدث باسم غالبية الإسرائيليين، ومن بينهم نسبة تأييده لترامب التي بلغت 70 في المائة وفقاً لاستطلاع أجرته صحيفة “هآرتس”. (ومن وجهة نظر نتنياهو، فإن نسبة الرضا حوله بين مواطنيه تبلغ حوالي 40٪). وفي يونيو 2018 اعتبر استطلاع للجنة اليهودية الأمريكية أن 77٪ من الإسرائيليين يوافقون أيضا على الطريقة التي عالج بها ترامب العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
هذا الأمر لا يثير الدهشة. فمن وجهة نظر إسرائيل، هناك الكثير يجب الموافقة عليه. فقد كانت أول زيارة لترامب للخارج كرئيس إلى إسرائيل، حيث أصبح أول رئيس أمريكي يزور حائط المبكى. كما اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية هناك، غير مبال بالمعارضة الإقليمية والعالمية وفي ظل إدارة ترامب، ألغت الولايات المتحدة تمويلها لوكالة الأمم المتحدة للإغاثة وتشغيل اللاجئين على أساس أنها تدعم بشكل غير متناسب الأراضي الفلسطينية. كما حصلت على 200 مليون دولار من المساعدات الأمريكية المخصصة لقطاع غزة.
كانت هذه مجرد إيماءات رمزية. فالسياسة الأكثر أهمية هي عودة الوكالة إلى السياسة الخارجية الإسرائيلية، أو على الأقل بداية ظهورها. لقد ضمن ترامب بالفعل ما لم يستطع نتنياهو القيام به: إنهاء الصفقة النووية الإيرانية. فنتنياهو الذي من المتوقع أن يصبح رئيس الوزراء الأطول خدمة في التاريخ الإسرائيلي راهن مسيرته السياسية على كونه السياسي الأفضل تجهيزًا لمحاربة إيران ورغبتها المعلنة في تدمير إسرائيل. لكنه كان عاجزًا عن منع الولايات المتحدة من الموافقة على الاتفاق النووي الإيراني. فقد كان من غير حول له ولا قوة ضد أوباما ، الذي أجبره بشكل أساسي على الاعتذار لتركيا في عام 2013 بسبب حادث ما في مرمرة عام 2010. وكان عاجزًا عندما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت ضد توجيه انتقادات الأمم المتحدة للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. فلمدة ثماني سنوات، بدا نتنياهو عاقلاً عاجزا فأعاد له ترامب وقاحته.
منذ عام 1967، كان أهم عمل لأي زعيم إسرائيلي هو تأمين العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل غير أن العالم يميل إلى نسيان أن إسرائيل والولايات المتحدة لم تكن دائما حليفتين وثيقتين. فإسرائيل لم تكن قد نجت من حرب الاستقلال سنة 1948 لو لم يقم السوفييت ببيع أسلحة إسرائيلية في السوق السوداء عبر تشيكوسلوفاكيا. ولولا دعم فرنسا، لما كانت إسرائيل قد طورت أسلحة نووية، ولا أي من التكنولوجيا العسكرية التي سمحت لها بأن تفوز في الحروب مع جيرانها العرب في عام 1967 وعام 1973. غير أنه في ذروة الحرب الباردة وتحت المكائد الاستراتيجية لهنري كيسنجر، أصبحت إسرائيل حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة. (وحتى في تلك الفترة، لم تكن العلاقة خالية من التحديات. فالتفجير الإسرائيلي المفاجئ على سفينة ليبرتي الأمريكية في عام 1967 كان يمكن أن يسمم العلاقات الثنائية بشكل قاطع. فقد كانت إدارة بوش الأولى أكثر صرامة على إسرائيل عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين أكثر من أي رئاسة أمريكية أخرى بما في ذلك أوباما).

الشرق الأوسط في السبعينيات من القرن العشرين

في ذلك الوقت، كانت للولايات المتحدة مصالح محددة بوضوح في الشرق الأوسط. أهمها احتواء الاتحاد السوفيتي، الهيكل الذي كان يجب على جميع سياسات الولايات المتحدة أن تتقيد به خلال الحرب الباردة فالولايات المتحدة تحتاج أيضاً إلى النفط الشرق أوسطي وبقيادة المملكة العربية السعودية أنتجت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ما يقرب من 55 في المائة من نفط العالم في عام 1973 وعليه كان على الولايات المتحدة أن تتأكد من أن هذا النفط سيستمر في الضخ ، وبالتالي كان عليها أن تٌبقي الممرات البحرية مفتوحة من أجل شحن النفط إلى شواطئها. وهذا يعني أنه كان يجب المحافظة على التجارة عبر قناة السويس وهو ما يفسر لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة السماح للمملكة المتحدة باستعادة السيطرة على القناة عام 1956 أكثر مما يمكن أن تسمح للحكومة المصرية، بقيادة جمال عبد الناصر وبدعم من موسكو لعرقلة القناة متى ما أرادت ذلك.
لقد قامت إسرائيل بواجباتها في هيكل تحالف الحرب الباردة بطرق متنوعة، لكن كل هذه الواجبات كانت تدور حول الاحتواء. ففي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كانت إسرائيل جزءًا من ميزان قوى إقليمي حاسم، وإحدى الدول القليلة في الشرق الأوسط التي يمكن لواشنطن الاعتماد عليها للحد من الطموحات السوفيتية. وبالفعل، فإن هزيمة الأنظمة المدعومة من الاتحاد السوفييتي في مصر وسوريا من قبل إسرائيل قد جلبت مصر إلى مائدة المفاوضات في عام 1979 وساعدت في وضع إطار إقليمي ثابت على الرغم من تقلبات مشاهد العنف في المنطقة، غير أن إسرائيل لم تكن قادرة على القيام بالكثير للتأثير على إنتاج النفط، ولم يكن أسطولها قادرا على المساعدة في إبقاء ممرات البحر محررة ، ولكنها خدمت هدفها من الاحتواء بشكل سليم.
في نهاية المطاف تراجع الاتحاد السوفيتي، وأصبح منافسوه خارج إطار المواجهة، وتأثرت إسرائيل من الخسائر. على الرغم من استمرار الأعمال غير الأخلاقية لواشنطن في بعض الأحيان – كما حدث عندما اقتلعت المفاعل النووي العراقي في عام 1981 والمفاعل النووي السوري في عام 2007 – لكن خدماتها أصبحت أقل أهمية تدريجيا. على سبيل المثال بالنسبة للبترول لم تعد الولايات المتحدة تعتمد على الشرق الأوسط، بعد أن أصبحت مصدرا للنفط نفسه (ومصدرا صافيا للمنتجات البترولية). لقد تطورت استراتيجية إسرائيل وفقا لذلك. وعليه لا يعرّف السياسيون علاقات الولايات المتحدة وإسرائيل من حيث المصالح، حتى عندما تكون قضية مهمة مثل الصفقة النووية الإيرانية قيد المناقشة. بدلاً من ذلك ، تشدد إسرائيل على الرابطة الأيديولوجية المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل – على حد تعبير نتنياهو نفسه الرابطة التي “تفوق السياسة” وتتعلق “بالمصير المشترك، ومصير الأراضي الموعودة التي تعتز بالحرية وتقدم الأمل.
قد تبدو هذه الاستراتيجية غريبة، بالنظر إلى تاريخ إسرائيل والولايات المتحدة. فإسرائيل هي نتاج القومية اليهودية والإمبريالية البريطانية. وفي بحث اليهود الأوروبيين عن دولة خاصة بهم، فقد كانوا يطمعون في الأراضي التي كانت ذات يوم عثمانية ثم أصبحت لاحقا فلسطين البريطانية. فقد وعدت الإمبراطورية البريطانية بفلسطين لكل من العرب واليهود، الأمر الذي مهد الطريق لحرب أهلية أدت إلى تتويج استقلال إسرائيل في عام 1948. (يشير العرب إلى هذه الحادثة “بالنكبة”). لقد كافحت إسرائيل دائما مع شخصيتها التي توحي بالانقسام – فقد أرادت أن تكون وطنًا قوميا للشعب اليهودي وديمقراطية ليبرالية مزدهرة شبيهة بالولايات المتحدة في نفس الوقت. وهذا يشبه القول بأن الولايات المتحدة تريد أن تكون وطنًا للحجاج وجمهورية دستورية في نفس الوقت. إنها تمثل بشكل قاطع الوضع الثاني، فبدون أي خبرة أو تماثل تم تشكيل القانون الأساسي الإسرائيلي الذي تم تمريره مؤخرًا والذي ينص على أن إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي.
يفسر هذا جزئياً السبب في أن الحديث عن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل محفوف بالمخاطر ويعتمد أنصار هذه العلاقة بشكل كبير على لغة الهوية باعتبارها سياسة المصالح. فيما يعتمد نقادها في كثير من الأحيان على معاداة السامية كأحد أوجه النقص العملية. الحقيقة هي أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تشبه أي علاقة ثنائية أخرى. إنها تزداد وتتضاءل على أساس المصالح المشتركة فقد تباينت المصالح الأمريكية والإسرائيلية منذ انتهاء الحرب الباردة في عام 1991 ، لكنها الآن تنحني إلى مسار مماثل. مرة أخرى، تحتاج واشنطن إلى إسرائيل كحائط صد ضد الهيمنة الإقليمية المحتملة – فقط هذه المرة ضد تركيا وإيران، وليس الاتحاد السوفييتي. فلم يعد النفط هو القضية التي كانت في يوم من الأيام الأكثر أهمية، ولكن حلت في مكانها الجهادية، التي ستبقى على هامش القوة السياسية في الشرق الأوسط بمساعدة القوة الجوية الإسرائيلية والمخابرات.
المشكلة بالنسبة لإسرائيل هي أن الولايات المتحدة تريدها على الأرجح أن تأخذ دوراً أكثر نشاطاً من السنوات الأخيرة. إن اهتمام واشنطن على المدى الطويل هو تخليص نفسها من الشرق الأوسط، ولتحقيق هذه الغاية، فإنها ستعمل مع الشركاء الذين يسمحون لها بالقيام بعمل أقل، بدون الاستمرار في الحرب وهذا يعني ما إذا كان أوباما أو ترامب أو خليفة ترامب هو المسؤول، فإن إسرائيل ستُنفذ مطالب واشنطن وليس من قبيل المصادفة أنه في العام الماضي، شاركت إسرائيل بشكل أكبر في الحرب السورية حيث هاجمت أهدافًا سورية وإيرانية وحزب الله، بل وأحيانًا حاربت مع روسيا. وهذا سيتطلب من الحكومة الإسرائيلية أن تضع مواطنيها في طريق الأذى، وأن تتعلم كيف تتصرف في المنطقة من تلقاء نفسها. فإذا كانت إدارة أوباما قد علّمت إسرائيل أي شيء، فهو أن واشنطن ستدعم إسرائيل فقط طالما أنه من مصلحة واشنطن أن تفعل ذلك.

د. سمر سحقي

باحثة وأكاديمية جزائرية، دكتوراه العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر 03، تخصص دراسات أمنية دولية، من مؤلفاتها: الجزائر والساحل الإفريقي دراسة أمنية استراتيجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى