دراسات

القوة في العلاقات الدولية دراسة تأصيلية

يمثل مفهوم القوة حجر أساس في العلاقات الدولية، خاصة مفهوم القوة بشكلها الصلب والعنيف، فالقدرة العسكرية إحدى أبرز مقومات قوة الدولة، سواء كانت هذه القوة تستخدم بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق التهديد أو منع المعونات…الخ، وقد بذل المجتمع الدولي جهودا هائلة من أجل تنظيم والسيطرة على استخدام القوة العسكرية، من أجل خلق مجتمع متحضر ومتطور، وأيضا لمنع جرائم عنيفة ومذابح شديدة العنف خاصة بعد تطور أسلحة الدمار الشامل.

ومع التطور العلمي والاقتصادي لم يعد مقبولا أن تكون القوة العسكرية هي العنصر الحاكم فقط في العلاقات الدولية أو حتى داخل النظم السياسية ذاتها، بل وجب إحداث تغيرات على المفهوم ليتواكب مع متغيرات النظام الحديث، خاصة مع ظهور الانترنت وانتشار المعلومة وتأثيرها الجلي على إحداث تغيرات في القيم السياسية وتوجهات الفاعلين من الدول والفاعلين من غير الدول.

وفي إطار الاعتبارات السابقة، تم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة مطالب أساسية، وذلك على النحو التالي، المطلب الأول: مفهوم القوة وخصائصه، المطلب الثاني: الفرق بين القوة الناعمة والقوة الذكية، المطلب الثالث: القوة الالكترونية وتفاعلات الدولية.

المطلب الأول: مفهوم القوة وخصائصه:

تتعدد الصور التي تتخذها القوة وتتغير وفقا لطبيعة وشكل النظام القائم، فالقوة هي حجر اساس لأي تنظيم سياسي. تُعرف القوة السياسية بأنها “عبارة عن ضبط للقرارات السياسية في الدول من قبل القوى الاجتماعية التي تسيطر على إدارة الدولة “، كما تُعرف أيضا بأنها ” القدرة على التأثير في الآخرين للحصول منهم على نتائج محددة، يسعى الطرف الذي يقوم بعملية التأثير للحصول عليها”. أعتبر (ميكافللي) القوة من العناصر الأساسية لقيام الدولة، فأكد على أن وجود أى دولة أو مؤسسة أو منظمة يعتمد بالدرجة الأولى على القوة ؛ لأنها المصدر الوحيد للمحافظة على ديمومتها وتوسعتها فالدولة بنظره قوة توسعية، وحظي هذا الرأي بالتأييد من قبل هوبز وبودان وأيده بشدة الأسقف (بوسويه) الذي يعتبر القوة حق من حقوق الدولة لأنها تمثل الحق الإلهي المطلق، وبذلك لها الحق في ممارسة القوة لأن الدولة حسب رأيه صاحبة الفضل في توفير الأمن والرخاء للفرد ومن هنا اكتسبت حق استعمال القوة، ويؤيد هذا الرأي أيضا أصحاب المدرسة الفردية وكان دليلهم في ذلك أن سيادة الأقوياء من طبيعة المجتمع عبر كل الأزمنة. أما ابن خلدون [1]الذي سبق هؤلاء جميعا فقد تعرض لهذا المفهوم في مقدمته عندما قسم القوة السياسية إلى عدة أنواع وأكد على ضرورة القوة في وجود الدولة والحفاظ على استمرار الحكم، واعتقد أن القوة السياسية تتمثل في الاستبداد والتأثير والأغراء. عرف لازويل وكبلان Lass well & Kaplan القوة بإنها المشاركة في صنع القرار[2]. بينما يرى بلاو Blau أن ” القوة هي قدرة أشخاص أو جماعات على فرض إرادتهم على الآخرين[3]. كما عرفها هانز مورجنثاو ” القدرة على التأثير في سلوك الآخرين يقومون بأشياء متناقضة مع أولوياتهم، ما كانوا ليقوموا بها لولا ممارسة تلك القدرة [4]“، موضحًا أن القوة السياسية هي علاقة نفسية بين من يمارسونها وبين من تُمارس ضدهم، فهي تمنح الوليين سيطرة على بعض ما يقوم به الآخرون من أعمال من طريق النفوذ الذي يمارسونه على عقولهم، وقد يُتخذ ذلك بأسلوب الأمر، أو التهديد، أو الإقناع، أو بمزيج من بعض تلك الوسائل معاً[5]. نخلص من هذه التعريفات كلها أن القوة هي علاقة خاصة بين طرفين، علاقة يستلزم أن يكون أحد الطرفين فيها على قدر أكبر من الإمكانات، ما يتيح له بعض التفوق في السلطة والسلطان، وإلا فلن تتوفر للقوة فعاليتها وسوف تتحول إلى عملية أخرى فيما نسميه الصراع.

كما تناول العديد من المفكرين السياسيين مفهوم القوة بعدة رؤى، فكل منهم يرى القوة بمنظوره الخاص، ففي فلسفة هيجل Hegel مجد القوة وجعل الدولة فوق متناول القانون، فأخضعت الفرد للدولة خضوعاً كاملاً. كما أضفى على الدولة القومية قيمة عالية، لأن الدولة عنده تشكل الوحدة المهمة والأساسية في النسق الهيجلي. فالدولة هي تجسيد السلطة السياسية، وسلطة الدولة مطلقة ولكنها ليست تحكمية إذ لا بد أن تُمارس سلطاتها التنظيمية في ظل القانون [6]. القوة بالمنظور الماركسي تختلف عن الفلسفة الهيجلية، فقد اختلف في رؤيته للغاية عن من سبقوه حيث يرى ماركس Karl Marx ان القوة تعبير اجتماعي، حيث تمثل القوة عنده في الصراع الاجتماعي لصالح الطبقة العمالية، وإن وصول الطبقة العمالية إلى إدراك قوتها السياسية ومدى نفوذها وتأثيرها على البناء الاجتماعي في الدولة هو القوة، وذلك ما عبر عنه ماركس بقوله: “إن التاريخ الاجتماعي يبلغ الذروة بقيام البروليتاريا وهي الطبقة العاملة التي ليس لها إلا سواعدها وسيلة للكسب في الحياة”[7]. ولذلك تطلع ماركس إلى نمو وسيطرة الطبقة العمالية لكى تكون لها مكانة مسيطرة في المجتمع الحديث.

بينما يري ستيفن لوكس أن ” القوة مرتبطة بتحديد الأجندة، للتأثير في سلوك الدول، ومِنْ ثَم لا تعني القوة بالضرورة الإكراه [8]“. مع تجاوز مفهوم القوة الجانب العسكري ليشمل مضمونه جوانب أخري متعددة للقوة مثل القوة السياسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية ….. إلخ. ولكن مهما تعددت مصادر القوة لا تكتسب وزناً الا بامتلاك القدرة والمقدرة لتحويل مصادر القوة المتاحة إلى طاقة مؤثرة وسلاح فعال، ولذلك عرفها روبرت دال ” بأنها القدرة على جعل الآخرين يقومون بأشياء ما كانوا يقومون بها لولا ذلك[9]“.

شكل رقم (1) المظاهر المنظمة لاستخدام سياسة القوة في العلاقات الدولية

وبناء على ما سبق ان تحويل الموارد إلى قوة يتم استخدامها بكفاءة وفاعلية عامل مهم جدا في العملية السياسية، ويعتمد على إرادة سياسية وتفكير منظم، والمتابع لبعض الحالات التاريخية نجد أن الحروب قد تحددت ليس بالقدرات والإمكانات فقط وإنما بوجود قيادة سياسية حاكمة متزنة وثقافة سياسية لها دوراً حاسماً في المجال السياسي، كما ترتبط السياسة بشكل وثيق مع القوة، وهذا ما يميزها عن سائر الأنواع الأخرى من النشاط الإنساني. وعليه، نستطيع أن نحدد ثلاثة اتجاهات أساسية لتعريف القوة كالتالي [10]:

الاتجاه الأول: يعرف القوة بانها القدرة على التأثير في الغير، وحمل الآخرين للخضوع لمصالح مالك القوة.

الاتجاه الثاني: يعرف القوة بأنها المشاركة الفعالة في صنع القرارات المهمة في المجتمع.

الاتجاه الثالث: يجمع بين الاتجاهين السابقين، يعرف القوة بأنها التحكم والسيطرة المباشرة أو غير المباشرة لدولة أو جماعة معينة على إثارة القضايا السياسية أو عملية توزيع القيم ويترتب عليه التأثير في الموقف لصالح الاتجاه الذي يفضله صاحب القوة.

خصائص القوة:

القوة مفهوم حركي ديناميكي غير ثابت، يتكون من عناصر متغيرة مادية أو غير مادية مترابطة مع بعضها البعض، كما أن القوة شيء نسبي تقيس قوة الدولة بالمقارنة بقوة الدول الأخرى، وأحيانا توجد بعض الدول الصغيرة التي تمتلك قوة تجبر الدول الكبرى على تغيير سياستها وفقا لسياسة الدولة الصغيرة [11]. وممكن أن نحدد خصائص القوة بعدة نقاط وهي كالتالي [12]:

  1. القوة وسيلة لممارسة النفوذ والتأثير، ويهدف لتحقيق مصالح الدولة، سواء كانت مصالح قومية أو حضارية أو حماية الأمن القومي…….الخ
  2. يتغير وزن قوة الدولة وفقا لقدرتهاعلى تحويل مصادر القوة المتاحة أو الكامنة إلى قوة فعالة.
  3. تتصف القوة بندرتها لذلك تحرص الدول على ما تمتلكه وتحاول عدم تشتيت جهودها.
  4. القوة بطبيعتها شيء نسبي تقاس قوتها بالمقارنة بقوة الدول الأخرى.
  5. تتدرج ممارسة القوة بين التأثير بالطرق الدبلوماسية من جهة، وبين أسلوب الإجبار والقسر من جهة أخرى، واللجوء إلى القوة غالبا يكون نتيجة العجز للوصول لحلول بالطرق السلمية.

مع تطور البيئة السياسية الدولية وتعاظم آثارالقوة الصلبة سواء على المستوى المادي أو البشرى، أصبحت تكلفة استخدام القوة العسكرية غير مقبولة تماما، بل أصبحت عبئا اقتصاديا، ومصدر نزيف بشري ومادي يؤدى لانهيار الدولة، فالدول تسعي لجعل مواطنيها يستمتعون بمستوى عالٍ اجتماعيا واقتصاديا، والدخول بالحروب يمنع حدوث هذا. لذا كان هذا دافع للبحث عن بديل للقوة الصلبة، والعمل على تحويل الموارد والامكانيات إلى قوة سهل توظيفها بأقل خسائر ممكنة، ونتيجة لتغير مفهوم القوة في النظام الدولي الحالي من عسكري إلى اقتصادية ترتب عليها ما يلي:[13]

  1. أصبحت هناك دول بالرغم من امتلاكها قدرات عسكرية فائقة إلا أنها أمنها مهدد مثل روسيا.
  2. دولة لا تمتلك قدرات عسكرية كبيرة لكن أمنها غير مهدد مثل اليابان.
  3. لم تعد التحالفات عسكرية كما كان في السابق، بل أصبحت تحالفات اقتصادية مثل: النافتا، والاتحاد الأوربي…… ألخ، كما سيطرت صناعات الآنفوميديا والاتصالات الالكترونية على الاقتصاد العالمي الجديد، حيث تعد من أكبر الصناعات العالمية ويبلغ رأسمالها أكثر من 3 تريليونات دولار.
  4. تزايد الاعتماد المتبادل بين الدول، وتنامى دور الشركات متعددة الجنسيات وتعاظم تأثيرها على الصعيد العالمي.
  5. عولمة بعض المشكلات وخروجها من نطاق الدولة الواحدة مثل قضايا: الفقر والبطالة والتخلف والتلوث البيئي.
  6. تراجع مكانة الدولة في العلاقات الدولية بسبب بروز فاعلين أقوياء في ساحة العلاقات الدولية مثل: المنظمات الدولية والإقليمية وغير الحكومية…….الخ، بالإضافة إلى التحول في سلوك المنظمات الدولية التي كانت في السابق عبارة عن مؤسسات تابعة ، أما الآن فلها وجود مستقل عن إرادة الدول المنشئة لها، ومثال على ذلك إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1991 المؤيد للتدخل الإنساني من دون طلب أو موافقة الدولة المعنية بذلك.

ومن هنا ظهر لنا مصطلح القوة الناعمة علي يد جوزيف ناي عام 1990 والذي قدمه في مقالته ” Soft Power”، لكي يتلاءم مع طبيعة البيئة الجديدة للعلاقات الدولية التي يتزايد فيها حجم العلاقات الاقتصادية والسياسية، مما يجعل هناك خطورة كبيرة لو تم استخدام القوة العسكرية بشكلها السابق. لذلك قدم ناي مفهومه مستهدفا به القوة الأمريكية بالأساس وكيفية تعاملها مع المجتمع الدولي في هذه الحقبة الجديدة.

مفهوم القوة الناعمة:

عرف ناى القوة الناعمة بأنها ” قدرةالدولة على الحصول على ما تريده بالاعتماد على الجاذبية بدلاً من الإكراه [14]“. فالدولة تستطيع تحقيق الأهداف عن طريق الترغيب وليس الترهيب، عن طريق نموذج الاقتداء المتمثل في المصادر المعنوية أو الغير مادية كالقوة والثقافة والايدلوجية…الخ

كما تعرف القوة الناعمة كذلك بـــــ “Co-optive power” وهى ” تعني قدرة الدولة على خلق وضع يفرض على الدول الأخرى أن تحدد تفضيلاتها ومصالحها وفقا لدولة مالكة القوة الناعمة” ، بمعنى أخر هو وضع أولويات الأجندة الداخلية لغيرها من الدول[15]. تعتمد القوة الناعمة على عنصريين أساسيين هما المصداقية والشرعية كقاعدة لها[16]. حددناي ثلاث مصادر للقوة الناعمة لدى الدول هي:[17]

  • الثقافة: والتي تكمن في جاذبيتها للآخرين.
  • القيم السياسية : والتي تترسخ في النخبة الحاكمة والمحكومة.
  • السياسة الخارجية : والتى ينظر إليها من مختلف الفواعل الدولية على أنها شرعية و أخلاقية.

يرى ناي أن الثقافة هي نسق من القيم والممارسات التي تخلق معنى للمجتمع، فإذا تبنت الدولة في سياسات وثقافات وقيمًا عالمية يشارك الآخرون فيها وليست قيمًا ضيقة تعبر عن ثقافة خاصة، ومن شأن ذلك حصول هذه الدولة على النتائج التي ترجوها. كما أن القيم التي تعتقد فيها الدولة كالديمقراطية وحقوق الإنسان تضفي مزيدًا من الشرعية على أهداف الدولة بما يساعد على تحقيقها.

ولكن هذا لا يعني إغفال دور القوة الصلبة، فكلتاهما وجهان لعملة واحدة، يري ناي إن القوة الناعمة بنفس مستوى أهمية القوة الصلبة، فكلا منهما يدعم إحدهما الآخر، فالقوة الصلبة تعد أساسا للقوة الناعمة حيث أنها تزيد من جاذبية الدولة، والقوة الناعمة توفر للقوة الصلبة غطاء الشرعية في عيون الأخرين وبالتالي تحسن من صورة الدولة وسياستها.

المطلب الثانى :الفرق بين القوة الناعمة والقوة الذكية.

إذا كانت القوة الصلبة ترتكز على الأداة العسكرية كمحور لها، فإن القوة الناعمة تنصرف إلى أدوات أخري غير القوة العسكرية معتمدة على جاذبية النموذج وذكاء الفاعل، فالقيادة ليست مجرد قضية إصدار أوامر ونواهي، بل تنطوي أيضا على القدوة واجتذاب الآخرين لعمل ما تريد، وان من الصعب إدارة منظمة كبيرة بالأوامر وحدها، بل تحتاج كذلك إلى جعل الآخرين يعتنقون قيم المنظمة وأهدافها عن طريق سياسة الترغيب. ولذلك يعلم تماما القادة السياسيون في الدول الديمقراطية ان القوة التي تأتي من الجاذبية والإقناع لن تدفعني لاستخدم العنف لتنفيذ الهدف، بينما القادة في البلدان الديكتاتورية يلجؤون إلى أسلوب الإكراه والقمع لتنفيذ غايتهم. لذلك يعمل امتلاك القدرة على ترسيخ التفضيلات وربطها بالثقافة والمؤسسات والقيم السياسية و الشخصية الجذابة والسياسات التي يراها الآخرون مشروعة أو أخلاقية سيسهل عملية القيادة ويجعلها أقل كلفة.

فكلا من القوتين تعتمد على التأثير بالآخر، فالقوة الصلبة تعتمد على التأثير بالتهديد والضغط على الطرف الاخر ولكنالقوة الناعمة تعتمد على أكثر من التأثير أو مجرد الإقناع أو القدرة على استمالة الناس بالحجة، بل تعتمد أيضا على القدرة على الجذب، والجذب كثيرا ينتج عنه الإذعان، ومن هنا ممكن نعرف القوة الناعمة من خلال السلوك بأنها تعني القوة الجذابة.

العلاقة بين القوتين الناعمة والصلبة

القوة الناعمة لا تستطيع أن تعمل وحدها فهي بحاجة دائمة لوجود القوة الصلبة فلا يمكن التسليم بأن هناك فواصل جامدة بينهم بل يتداخلان بشدة. فكلاهمامن جوانب قدرة المرء على تحقيق أغراضه بالتأثير على سلوك الآخرين، وما يميز بينهما هو الدرجة في طبيعة السلوك وفي كون الموارد ملموسة أم لا. فالقوة الآمرة ترتكز على الإرغام أو على الإغراء، أما قوة التعاون الطوعي هى القدرة على تشكيل ما يريده الآخرون، وايضا ترتكز على جاذبية ثقافة المرء وقيمه أو مقدرته على التلاعب بأولويات الخيارات السياسية بطريقة تجعل الآخرين يعجزون عن التعبير عن بعض التفضيلات. وتميل موارد القوة الناعمة إلى الارتباط مع طرف التعاون الطوعي، بينما ترتبط موارد القوة الصلبة في العادة مع السلوك الآمر ولكن العلاقة غير كاملة تجد الحكومات أن من الصعب السيطرة على القوة الناعمة واستخدامها أحيانا، ولكن ذلك لا يقلل أهميتها.

القوة الناعمة حقيقة سياسية واقعية، حيث وصف الكاتب السياسي البريطاني “كار” القوة الدولية بثلاث فئات هي” القوة العسكرية والاقتصادية والسيطرة على الرأي [18]“، وترتكز القوة الناعمة لدولة ما على ثلاثة موارد، هي: الثقافة والتى تساهم في أسر فكر الشعوب الاخرى، والقيم السياسية )خاصة عند تطبيقها بشكل جيد على المستوى الداخلي والخارجي)، والسياسة الخارجية عندما تتسم بالمشروعية وذات سلطة معنوية أخلاقية فى نظر شعوب البلدان الاخرى.

عندما تحتوي ثقافة بلد ما على قيم عالمية وتروج سياساته قيما ومصالح يشاركه فيها الآخرون، فإنه يزيد من إمكانية حصوله على النتائج المرغوبة بسبب علاقاته التي يخلقها من الجاذبية. فالقيم الضيقة والثقافات المحدودة يقل احتمال إنتاجها للقوة الناعمة. ولقد أشار المحرر الصحفي الألماني جوزيف جوف إلى أن” قوة أميركا الناعمة أعظم حتى من أصولها وموجوداتها الاقتصادية والعسكرية، أن ثقافة الولايات المتحدة الراقية منها أو المتواضعة قادرة على التأثير في المجتمعات والشعوب بما تمتلكه من عناصر قوة “. إن أكثر ميادين القوة الناعمة أهمية هي الثقافية والسياسية والاجتماعية، إلا أن أساليب القوة الناعمة لا تبقى دائما هي نفسها، بل تتبدل حسب الظروف والمعطيات وتطور القناعات والأذواق.

وتعمد القوى الدولية إلى المزاوجة بين القوة الناعمة والقوة الصلبة، فمن أجل كسب السلام، فمثلا يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية أن تحقق نجاحا ملموسا في ممارسة القوة الناعمة، كما أظهرت تميز في ممارسة القوة الصلبة، لكسب الحرب ضد الإرهاب، وعليه فان المزج بين القوتين نتج عنه ما يطلق عليه القوة الذكية أو الهجينة [19].

مفهوم القوة الذكية وشروطها:

مفهوم القوة الذكية ليس مفهومًا جديدا أو مبتكرًا، إنما هو مفهوم قائم على الجمع بين القوة الصلبة والقوة الناعمة بحيث تشكل إطارا مناسبا لمعالجة تهديدات اليوم غير التقليدية، فهي ليست كالقوة الصلبة ولا الناعمة لكنها مزيج من كلاهما وتعني” تطوير استراتيجية متكاملة تستند إلى قاعدة من الموارد والى مجموعة من الأدوات للوصول إلى الأهداف من خلال القوتين الصلبة والناعمة في آن واحد”. كما عرفها ارنست ويلسون القوة الذكية على أنها” قدرة الفاعل الدولي على مزج عناصر القوة الصلبة والقوة الناعمة بطريقة تضمن تدعيم تحقيق أهداف الفاعل الدولي بكفاءة وفعالية”[20] وضع لنا هذا التعريف عدة شروط يجب توافرها لتحقيق القوة الذكية :

  1. معرفة الهدف من ممارسة القوة، وعلى من يصلح ومن والشعوب والمناطق المستهدفة من هذه القوة.
  2. امتلاك عنصر يالإرادة والقدرة على تحقيق القوة.
  3. السياق الإقليمي والدولي الذي سيتم في نطاقه تحقيق الأهداف.
  4. كيفية توظيف الأدوات والوقت لتحقيق الاهداف المرجوة.

فالقوة الذكية ليس فقط امتلاك المصادر الناعمة والصلبة والمزج بينهما بل القدرة على تحديد وقت استخدامها وأي نوعي القوة يفضل استخدامه في الموقف والقدرة على تحديد متى يتم الدمج بينهما وكيف يتم الدمج. وعليه أن القوتين الصلبة والناعمة تعزز كل منهما الأخرى أحيانا وتتداخلان فيها أحيانا أخرى. فالدولة التي تحاول كسب الشعبية قد تلجأ أحيانا إلى ممارسة قوتها الصلبة عندما تجد نفسها مرغمة على ذلك. ولكن البلد الذي يتأرجح بين القوة الصلبة والناعمة دون اعتبار لأثر ذلك على قوته الناعمة، ومن الطبيعي أن يواجه تحديات وتأثيرات للحد من ممارسة القوة [21].

وعبر عصور التاريخ كلها، كثيرا ما كانت الدول الأضعف تتشارك معا كي تحدث توازنا يحد من قوة دولة أقوي منها تهددها ولكن ليس دائما، ففي بعض الأحيان كانت الدول الضعيفة تنجذب للانضمام إلى الموكب الذي تقوده دوله قوية، وخاصة عندما لا يكون أمامها خيار، أو عندما تكون القوه العسكرية للبلد الكبير مرتبطة بقوة ناعمة. لذلك ليس هناك وصفة سحرية لتطبيق القوة الذكية ولم يحدد ناي استراتيجية محددة لخلق القوة الذكية وإنما وفقا للشروط السابقة يستطيع كل فاعل أن يحدد استراتيجيته ويرسم خطوطها الأساسية وفقا لشروط السابقة، وهو ما أسماه ناي (Grand Strategy) أو استراتيجية كبري تجمع بين أدوات القوة الناعمة والصلبة وتمثل القيادة السياسية والموقف الشعبي.

تواجه القوة الذكية بعض التحديات التى تقف أمام تحقيقها، قدمها (أرنست ويلسون) في دراسته عن القوة الذكية وهى [22]:

أولا -التحدي المؤسسي:

وهو يتمثل في الفجوة القائمة بين مؤسسات القوة الصلبة المتمثلة في المؤسسة التي تعتمد على استخدام الإكراه والإجبار وبين مؤسسات القوة الناعمة التي قد تدخل ضمن ميزانية الدولة في صورة لا تعطيها وزنها الحقيقي. ولا يمكن إنكار مدى ثبات وقوة حجم ميزانية مؤسسات القوة الصلبة في مقابل مؤسسات لقوة الناعمة، هذا الفارق بين القوتين ينتج عنه تعقيدات كثيرة يؤثر بالسلب على اداء المؤسسات وبالتالي أداء القوة الذكية. تعبير أخر أن مؤسسات القوة الناعمة تكون خاضعة إلى حد ما لمؤسسات القوة الصلبة ورغبة القيادة السياسية للدولة التي قد تحدد ما يفعل أو ما لا يفعل على صعيد القوة الناعمة.

ثانيا-التحدي السياسي:

القوة الذكية تحتاج إلى قوة سياسية وإرادة من القيادة لتحقيقها. فالجانب المؤسسي يعتمد في إصلاحه بالأساس على قيادة تسعى لإحداث التوازن السياسي بين القوة الناعمة والقوة الصلبة، فأنصار القوة الصلبة ومؤيديها أكثر قوة وحجمًا وتمثيلًا من أنصار القوة الناعمة وهذا لا يقتصر على النخبة السياسية للدولة بل يمتد للأفراد وتأييدهم لها. فالناخبون السياسيون عندما يختارون ممثل لهم فهم يفضلون القوة الصلبة المرئية والملموسة رمزًا لقوة، أما أنصار القوة الناعمة يقتصر المؤيدين لهم علي فئات الأكاديميين والدبلوماسيين السابقين فلا يوجد قوة شعبية توازن تلك التي تمتلكها القوة الصلبة.

وتعتبر الحرب على العراق عام نموذجا عن تفاعل القوة بشكليها الصلب والناعم. فقد كانت معظم، إن لم تكن كل جوانب تلك الحرب، مبنية على الأثر الرادع للقوة الصلبة، ويقول رمسفيلد 🙁 ينظر العالم إلى الولايات المتحدة على أنها نمر من ورق، وعملاق ضعيف عاجز عن تحقيق انتصارات عسكرية على مستوى العالم، لذا عمل على تغيير هذه الصورة السلبية عن الولايات المتحدة من خلال انتصار أميركا في حرب الخليج الأولى وانطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط من خلال مؤتمر مدريد عام م بالإضافة إلى الحرب على افغانستان فإن لها تأثير كبير في تغيير هذه الصورة). كانت هذه دوافع استخدام القوة الصلبة للاحتلال الأمريكي للعراق، ولكن كانت هناك مجموعة أخرى من الدوافع لها علاقة بالقوة الناعمة. الا وهي ان القوة الأميركية يمكن استخدامها في تصدير الديمقراطية إلى العراق، وفي تحويل سياسة الشرق الأوسط فإذا نجحت الحرب فإن نجاحها نفسه سيجعلها مشروعة، وكما قال وليام كريستول ولورانس كابلان” ما هو وجه الخطأ في فرض السيطرة لخدمة أهداف سليمة و مثل عليا؟ “.

وعليه يمكن القول، أن الدول تحتاج في حالات معينة إلى كل من القوتين الصلبة والناعمة، فلا يمكن الاستغناء عن أي منهما، خاصة مع التطورات والمتغيرات الجديدة في العلاقات الدولية، فإن دور القوة الناعمة سوف يزداد ولا سيما في عصر المعلوماتية، لأنها ترتكز على المصداقية. فالدول ذات المكانة الجيدة في عصر المعلومات والعولمة، سوف يتحسن أداؤها ما دامت لديها موارد القوة الناعمة.

فالقوة الذكية تعني وضع استراتيجية متكاملة لموارد دولة من أجل تحقيق أهدافها، وهو النهج الذي يؤكد على ضرورة وجود قوة عسكرية واقتصادية، ولكن تهتم أيضا بالقيم والثقافة والشراكة والتعاون والشرعية والمؤسسات، ويشير النموذج التالي إلى أساسيات كل من القوة الناعمة والقوة الصلبة، فالقوة الناعمة تعتمد على الجاذبية والقدرة على التأثير باستخدام أساليب وأدوات ثقافية والتأثير على القيم والسياسات والمؤسسات الحكومية والخاصة، في حين تعتمد القوة الصلبة على الإكراه والإغراء من خلال المدفوعات والقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية والرشاوى.

المطلب الثالث: القوة الالكترونية وتفاعلات الدولية

بسبب حدوث ثورة المعلوماتية كبيرة، ومع ظهور الإنترنت ومواقع الويب أصبح الفضاء الإلكتروني أحد العناصر الرئيسية التي تؤثر في النظام الدولي بما يحمل من أدوات تكنولوجيا تلعب دورًا مهمًّا في عملية التعبئة والحشد في العالم، فضلاً عن التأثير في القيم السياسية وأشكال القوة المختلفة سواء كانت صلبة أو ناعمة.

مفهوم القوة الإلكترونية:

يعرفها دانيال كويل على أنها ” القدرة على استخدام الإنترنت لخلق مزايا والتأثير على الأحداث في البيئات التشغيلية كافة من خلال أدوات القوة “[23]، بينما عرف جوزيف ناي القوة الإلكترونية بإنها ” القوة التي تعتمد على مصادر المعلومات والسيطرة على الأنشطة الإلكترونية والحواسيب والبنية التحتية المعلوماتية ذات الصلة بالفضاء الإلكتروني “[24]، أو ” القدرة على الحصول على النتائج المرجوة، من خلال استخدام مصادر المعلومات المرتبطة إلكترونيا بالميدان المعلوماتي”

مفهوم الفضاءالإلكتروني:

يمكن تعريفه على أنه “تلك البيئة الافتراضية التي تعمل بها المعلومات الإلكترونية، والتي تتصل عن طريق شبكات الكمبيوتر”، كما عرفه والتر شارب، في كتابه الفضاء الإلكتروني واستخدام القوة هو ” البيئة التي نشأت نتيجة التقاء الشبكات التعاونية من أجهزة الكمبيوتر، ونظم المعلومات، والبنية التحتية للاتصالات ويمكن اختزاله في الإنترنت “World Wide Web “.

طور جوزيف ناي مفهوم القوة وجعلها أكثر ارتباطا بامتلاك المعرفة التكنولوجية، والقدرة على استخدامها. وذلك من خلال استغلال الفضاء الإلكتروني لتأثير في الاحداث التي تجري عبر البيئات التشغيلية Operational Environments،مستعينًا بأدوات القوة المختلفة سواء كان عسكرية أو اقتصادية أو دبلوماسية أو معلوماتية، وقد حدد ناي ثلاثة أنواع من الفاعلين الذين يمتلكون القوة الالكترونية وهم الدول و الفاعلين من غير الدول والأفراد، حدد ناي أنماط استخدام القوة الالكترونية، وميز بين استخدامها الناعم والصلب، كما سيتم توضيحه[25] :

1) القوة الإلكترونية واستخدامها بشكلها الصلب:

يتم الاستعانة بها لتأثير في سلوكيات الفاعل الدولي، ودفعه للقيام بأفعال لم يكن ليقوم بها من قبل، عن طريق نشر الفيروسات التى تستهدف أنظمة الدول الاخرى، أو حرمانها من استخدام الانترنت. كما تستخدم لتحكم في ترتيب أولويات الفواعل الأخرى، كما حدث من الولايات المتحدة الامريكية باتخاذ عدة إجراءات ضد شركات بطاقات الائتمان لمنع ممارسة القمار عبر الإنترنت.

2) القوة الإلكترونية واستخدامها بشكلها الناعم:

يمكن استخدامها كوسيلة للتأثير في سلوك الفاعلين، مثل استخدام موقع اليوتيوب لكسر حاجز التعتيم التي تفرضه الأنظمة الديكتاتورية لإخفاء انتهاكها لحقوق مواطنيها. كما تستخدم لإدارة العمليات النفسية والتأثير في الرأي العام، وهذا لا يقتصر علي وجهة النظر الرسمية للدول والحكومات‏، بل تعدي ذلك لدور الأفراد في إنتاج المعلومات وترويجها‏,‏وفي توافر كم هائل للتحليلات السياسية والاقتصادية‏ مع تعدي الحدود الدولية وشكل ذلك ثورة معلوماتية هائلة لا حدود لها[26].ساهمت القوة الالكترونية في إبراز أهمية دور الصورة في تحريك الأحداث الدولية ومثال على ذلك حالة نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول وهو ما أثر في احتجاجات دولية واعتداءات وعلى طبيعة العلاقات الدولية.

ويمثل النموذج الإيراني نموذجا مثاليا لتجسيد دور القوة الالكترونية بشقيها الناعم والصلب[27]، فقد تم استخدام القوة الالكترونية في إطار المواجهة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة والتي منها استخدامه في تحريك القوه الناعمة داخل إيران بدعم الاحتجاجات في عام 2009، وتقديم دعم فني للمعارضة عقب الانتخابات الرئاسية. كما قامت الولايات المتحدة بتزويد الإيرانيين بالمعلومات حول التأشيرات عبر الإنترنت عن طريق السفارة الالكترونية عام 2011، مما سهل التواصل مع الطلاب الإيرانيين وهو ما يلائم عملية قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة منذ ثلاثين عاما. مما دفع إيران إلى حجب موقع السفارة وتجريم محاولة الدخول عليها لأنه يمثل تهديدا شديدا للأمن القومي لديها.

هذا بالإضافة إلى الهجمات التخريبية التي تعرض لها البرنامج النووي الإيراني من أجل تعطيله 17 فبراير 2012، حين أعلنت الاستخبارات الإيرانية أن فيروس “ستاكس نت” أصاب ما يقدر 16000 جهاز كمبيوتر. وذلك بعد أن تعرضت لهجوم ثالث عبر” فيروس دوكو “بعد فيروس “ستاكس نت” في أكتوبر 2010 وفيروس ”ستار” في أبريل 2011، و تبنت إسرائيل شن هجمات ستاكس نت بالتعاون مع الولايات المتحدة للعمل على تعطيل المنشآت النووية ويمثل ذلك جزءا من منصة لإطلاق الفيروسات الخطرة، تم تطويرها عام 2007 وتمت تجربته في إسرائيل[28].

ويتنامى دور الفضاء الإلكتروني في منطقة الشرق الأوسط والتي كان من أبرزها نشاط أقمار التجسس وقيام الموساد الإسرائيلي باختراق أجهزة ونظم الاتصالات في مصر ولبنان وسوريا والعديد من الدول العربية، خاصة مع وجود بعض خدمات لأجهزة اتصالات لا تستطيع الدول السيطرة على قاعدة البيانات الخاصة بها مثل الأزمة التي فجرها “جهاز بلاك بيري والآيفون إلى جانب التجسس عبر الاقمار الصناعية. بالإضافة إلى تنامي ظاهرة القرصنة الإلكترونية ما بين نشطاء عرب وإسرائيل، مثل قيام “اكس عمر” X Omar باختراق وسرقة 20 الف بطاقة ائتمان إسرائيلية فضلا عن اختراق مواقع حكومية واقتصادية في إسرائيل[29]، وهو ما دفع وزير الخارجية الإسرائيلية على اعتباره هجوما مسلحا بما قد يستعدي الرد عسكريا وهو ما دفع إسرائيلين لقرصنه حسابات مواطنين عرب على الفيس بوك. كما برز دور جماعات دولية للقرصنة للتعبير عن مواقف سياسية مثل جماعه “ويكيليكس” و“أنونيموس”التي اصبحت تهدد شركات ودول بالاختراق وكان منها قيامها بهجمات على مواقع حكومية سورية.

خاتمة:

إن أشكال القوة تغيرت وفقا لتطور التكنولوجيا والمعلومات، فقد أعاد الفضاء الإلكتروني تشكيل مفهوم القوة، ليدشن لنا مفهوم القوة الالكترونية التى ساهمت في إبراز دور الفاعلون الجدد من غير الدول، مما هدد دور الدول وقلل من سيادتها وحفاظها على أنظمتها السياسية وأمنها القومي. ولم يتوقف الامر على هذا بل أدى التطور التكنولوجي لظهور أسلحة جديدة صغيرة الحجم قادرة على هدم أنظمة وبناء غيرها. بالإضافة إلى كم الخسائر الاقتصادية والسياسية الناتجة عنها، ولنا في ثورات الربيع العربي نموذج. كما لم تعد القوة قاصرة على دول أو أنظمة بل تخطت لتصل إلى الافراد، فالقوة الالكترونية لا تعترف بنوع أو عمر أو مكان، فهي تصل للجميع وتزيد من الوعي السياسي وتحفز على المشاركة السياسة. وعلى الرغم من أهميتها في محاربة النظم الديكتاتورية ومواجهة الارهاب الدولي أحياناً، إلا أنها تحتاج إلى قوانين وأطر لتقنينها وحماية الأمن القومي والدولي لمختلف الفواعل الدولية ([30]).


الهامش

[1]نظرية القوة أو الغلبة عند ابن خلدون: تؤكد نظرية القوة والغلبة على أن الدولة نشأة نتيجة للعنف والقوة، وأنها أداة تستخدم داخل المجتمع مع الشعب للردع، وخارج المجتمع لفرض هيبة الدولة وحماية حدودها، والدفاع عنها. فتبرر النظرية أن استخدام القوة هو مبدأ طبيعي وضروري في الحياة، فالقوة بين جميع الكائنات الحية، والعشائر، وبين الدولة والأمم في حروبها، أيضاً لها استخدام إيجابي لفض النزاعات، أما عن الجانب السلبي في النظرية فقد أكدت أن كل الدول لا تقوم إلا على القوة والعنف، إلا أن هناك نظرية أخرى أتت بعكس ما قالته نظرية القوة والغلبة، وهي نظرية العقد الاجتماعي التي ترى بأن الدولة تنشأ على أساسين هما: الاتفاق الواقع بين المجتمع ويتلوه عقد أبرمه أعضاء من المجتمع على إنشاء دولة، وعلى الرغم من أن نظرية العقد الاجتماعي أتت بما لم تأتي به نظرية القوة والغلبة إلا أنها قامت على أساس الافتراض وليس الحقيقة، فيستحيل وجود مجتمع يتفق فيه جميع أعضائه على إبرام العقد لذا اعتبرت أنها تميل إلى المثالية، كما أن البعض يرى أن نظرية العقد الاجتماعي قائمة على فكرة التنازل، فموجبة يتنازل الأفراد عن جزء من حقوقهم مقابل التمتع بمميزات المجتمع السياسي. للمزيد برجاء الرجوع للمرجع التالي: مقدمة بن خلدون، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995 )، ص 220.

[2] محمد عمار، “نظرية القوة في المفهوم السياسي “، 2011

http://eraphilosophers.blogspot.com.eg/2011/03/blog-post.html

[3] مصطفى الخشاب، ” تاريخ الفلسفة والنظريات السياسية “، ( القاهرة : لجنه البيان العربي، 1953 )، ص ص 75 : 84

[4] Hans J. Morgenthall، Politics Among Nations (New York: Alfred A. Knopf، 1948) p: 140

[5] Niculae Tabarcia، “Power Relations between Realism and Neo- Realism in Hans Morgenthau’s and Kenneth Waltz’s Visions”، Strategic Impact، No4.، April، 2009.

[6]ذهب هيجل في وصفه للدولة الى حد اعتبارها اكتمال لمسيرة الاله على الأرض، أي كما تم تفسير هذا البعد في وصف هيجل وروج له بأن سلطة الحاكم في الأرض مستمدة من سلطة الله في السماء، والى أن الدولة هي قوة العقل المحقق لذاته، وأن واجب الفرد الأسمى هنا هو أن يكون عضًواً في الدولة، تترتب عليه واجبات تجاهها، وله حقوق مستحقة عليها. تمثل القوة عند هيجل قوة القانون ” القانون لا يمكن أن يصبح واقعاً معاشاً على الأرض وموضع احترام أفراد المجتمع بكل طبقاته من دون وجود قوة تسنده وتدعمه وتفرض سيطرته وسطوته وسلطته واحترامه على المجتمع وتتحكم بسلوكيات الأفراد لكي يكون مفيداً، أي بمعنى أن القانون لا يمكن له أن يعيش إلا بمعية القوة، وهو والقوة توأمان يرتبطان بعلاقة عضوية جدلية تكاملية لا ينفصمان ولا يمكن لأحدهما أن يعيش وينتج خيراً للمجتمع أو يقلع منه جذور الشر من دون وجود الآخر بمعيته، لأن القوة بكل أشكالها هي جوهر القانون وأداته لتحقيق العدالة والمساواة والأمن والأمان والاستقرار في المجتمع ومن دونها يولد القانون ميتاً ” للمزيد برجاء الرجوع للمرجع التالى :

د. عبد الرحمن بدوى، فلسفة القانون والسياسة عند هيجل، القاهرة: دار الشروق، الطبعة الأولى، 1996، ص ص 115: 120.

[7] فلاديمير لينين، الدولة والثورة تعاليم الماركسية حول الدولة مهمات البروليتاريا في الثورة، (موسكو، الطبعة الثانية 1917)، نسخة الكترونية

[8] Steven Lukes، Power: A Radical View (n.p.: British Sociological Association، 1974) p: 14.

[9] Robert Dahl، The Concept of Power، Behavioral Science، Vol. 2 ، July 1957، p. 202

[10] محمد ربيع، صبري مقلد، موسوعة العلوم السياسية، ( الكويت: جامعة الكويت، 1996 )، ص ص 1:2

[11] تلاشت قوة الولايات المتحدة الأمريكية أمام شعب فيتنام مع أنها تملك أسلحة دمار شامل، ولكن خشيت من استخدامها خوفاً من رد فعل الصين الشعبية والاتحاد السوفيتي مما دفع صانع القرار الأمريكي إلى حصر المجهود الحربي في أسلحة تقليدية..

[12]فريد ميليش، القوة وأهميتها في العلاقات الدولية، مجلةجامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، سلسلة العلوم الاقتصادية والقانونية المجلد 63، العدد 6، 2014، ص 75

[13] فريد ميليش، مصدر سابق، ص 16

[14] Joseph S. Nye، Soft Power: The Means To Success In World Politics (New York: Public Affairs، 2004) p: 2.

[15] يمنى سليمان، القوة الذكية – المفهوم والأبعاد دراسة تأصيلية، المعهد المصرى للدراسات السياسية والاستراتيجية، سلسلة دراسات سياسية، 12 يناير 2016، ص 5

[16] Joseph S. Nye Jr.، “The Velvet Hegemon ,”Foreign Policy، No. 136 (May – Jun.، 2003)، Published by: Washingtonpost.Newsweek Interactive، pp. 74-75. http://www.jstor.org/stable/3183627

[18]لاحظ “برنار كوشنير” Bernard Kouchne وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، إن الأمريكيين أقوياء لأنهم يستطيعون “الهام أحلام الآخرين ورغباتهم بفضل إتقانهم للصور العالمية عن طريق الأفلام والتلفزيون، ونظ ا ر لأن أعدادا كبيرة من الطلبة من بلدان أخرى يأتون إلى الولايات المتحدة لاستكمال د ارساتهم لهذه الأسباب نفسها”.للمزيد برجاء الرجوع

[19]قدم جوزيف ناي مفهوم القوة الذكية في 2003 كرد فعل على أن القوة الناعمة تمتلك القدرة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية وحدها، وهذ لا يصح وانه يجب تطوير المفهوم ليشمل القوة الناعمة والقوة الصلبة معًا. ليكون أكثر مواكبة لتطورات الدولية المختلفة، لانه لا يمكن الاستغناء عن أي من القوتين، خاصة بعد ظهور بعض الفواعل غير الدولية التي استطاعت أن تدمج بين القوتين الناعمة والصلبة. كما ان تغير طبيعة النظام الدولي وقضاياه و تغير طبيعة السكان والشعوب والحاجة إلى استهدافهم بما يتناسب مع هذا التغير.

[20] Ernest J. Wilson، III، “Hard Power، Soft Power، Smart Power”، Annals of the American Academy of Political and Social Science، Vol. 616، Public Diplomacy in a Changing World (Mar.، 2008)، pp. 110-124، Published by: Sage Publications، Inc. in association with the American Academy of Political and Social Science، Article Stable، p. 112-114.

http://www.ernestjwilson.com/uploads/Hard%20Power,%20Soft%20Power,%20Smart%20Power.pdf

[21] يمني سليمان، القوة الذكية المفهوم والابعاد دراسة تأصيلية، ( اسطنبول : المعهد المصري للدراسات الاستراتيجية، 2016 ) ص ص 19 : 21

[22] Ernest J. Wilson ,P.116

[23] Daniel T. Kuehl، “From Cyber Space to Cyber Power: Defining the Problems”، in Cyber Power and National Security، edited by Franklin D. Kramer، Stuart Starr، and Larry K. Wentz (Washington، DC: National Defense University، 2009): 16.

[24] Joseph S. Nye، Cyber Power (Cambridge: Harvard Kennedy School. Belfer Center for Science and (International Affairs، 2010): 4

[25]إيهاب خليفة، القوة الإلكترونية أبعاد التحول في خصائص القوة، سلسلة أوراق، مكتبة الاسكندرية، وحدة الدراسات المستقبلية، 2014، ص ص 52:56

[26]عادل عبد الصادق، “أنماط “الحرب السيبرانية” وتداعياتها علي الأمن العالمي “، مجلة السياسة الدولية،14/5/2017

http://www.siyassa.org.eg/News/12072.aspx

[27]عادل عبد الصادق،” الإنترنت والدبلوماسية ومعركة القوة الناعمة بين الولايات المتحدة وإيران”، مختارات إيرانية، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، نوفمبر 2011.

[28] William. J. BROAD، JOHN MARKOFF and DAVID E. SANGER، “Israeli Test on Worm Called Crucial in Iran Nuclear Delay” ، the New York times,15 January2011

[29]عادل عبد الصادق، ” القوة الإلكترونية: أسلحة الانتشار الشامل في عصر الفضاء الإلكتروني “، المركز العربي لإبحاث الفضاء الإليكترونى، دورية قضايا استراتيجية، 22 أكتوبر 2012

http://www.accronline.com/article_detail.aspx?id=4747

([30]) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

شيماء عويس أبو عيد

باحثة دكتوراه، قسم العلوم السياسية، مسار النظرية السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى