الشرق الأوسطترجماتسياسة

المجلس الأطلسي: ما وراء العِقد الذهبي للشراكة بين مصر والصين


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


نشر المجلس الأطلسي، وهو مؤسسة بحثية أمريكية غير حزبية تُعنى بالشؤون الدولية ومقرها في واشنطن دي سي بالولايات المتحدة في 8 يناير 2025، مقالاً بعنوان “ما وراء “العقد الذهبي” للشراكة بين مصر والصين “، لـ “جوناثان فولتون”، وهو زميل أول غير مقيم مختص ببرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي ومبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط. يقول فولتون إنه في بداية العقد الذي قضاه السيسي في السلطة كانت العلاقة مع الصين هي الخيار الأفضل المتاح لحكومة لا تملك الكثير من الخيارات.

ويضيف جوناثان فولتون أنه منذ ذلك الحين، أصبحت العلاقة مع بكين شراكة أكثر جدية، وسط زيادة قوة الصين ونفوذها في الشرق الأوسط وبروز مصر كشريك مفيد لها في المنطقة. ومع ذلك، فإن المصريين، بحسب فولتون، لا يصفون تلك العلاقة بأنها علاقة شاملة أو استراتيجية بل يرون أنها علاقة” معاملاتية”، بينما يرى قليلون الصين كدولة لديها الرغبة أو القدرة على لعب دور قيادي في الشرق الأوسط. ويرى الباحث الأمريكي أنه إذا “سار العقد القادم على نفس النمط الذي اتبعه العقد السابق، فقد تصبح الصين لاعباً أكثر نفوذاً في القاهرة، مما سيجعل الشرق الأوسط أكثر تعقيداً بالنسبة للدبلوماسية الأميركية“.

وقد جاء المقال على النحو التالي:

شهدت بداية عام 2025 نهاية “عام الشراكة المصرية الصينية” وكانت بمثابة اختتام لـ “العقد الذهبي” للعلاقات بين البلدين: وهي فترة امتدت لعشر سنوات حيث طورت خلالها مصر والصين علاقتهما الثنائية كجزء من جهودهما لتعميق شراكتهما الاستراتيجية الشاملة. وبالنظر إلى مسار العلاقات بين البلدين على مدى السنوات العشر الماضية، فمن المتوقع أن نرى حضوراً صينياً أكبر في مصر – وهي الدولة التي كانت منذ فترة طويلة واحدة من أهم حلفاء الولايات المتحدة في منظقة الشرق الأوسط.

وقد انتهى عام الشراكة 2024 بزيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي لبكين في 13 ديسمبر حيث التقى بنظيره وزير الخارجية الصيني وانج يي. وكان ذلك قد جاء بعد وقت قصير من زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى بكين في شهر سبتمبر لحضور منتدى التعاون الصيني الأفريقي. حيث وقّع وفد من المنطقة الاقتصادية لقناة السويس عقوداً ومذكرات تفاهم بقيمة مليار دولار مع شركات صينية أثناء وجوده هناك.

ولكن الزيارة الأكثر أهمية هذا العام كانت تلك التي قام بها الجنرال عبد الفتاح السيسي في شهر مايو، عندما كان ذهب إلى بكين لحضور منتدى التعاون بين الصين والدول العربية، فضلاً عن القمة الصينية المصرية. وخلال القمة، ناقش الزعيم الصيني شي جين بينج والسيسي التعاون الأعمق في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والأمن الغذائي، والتمويل، والتبادل الثقافي، وهو ما يدل على مدى اتساع العلاقة بين البلدين.

وكانت هذه هي الزيارة الثامنة للسيسي إلى الصين منذ توليه السلطة رسمياً في عام 2014. وعلى سبيل المقارنة، فقد زار الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الصين ست مرات خلال ثلاثين عاماً قضاها في منصبه. ويُعد هذا التحول في عهد السيسي – هذا “العقد الذهبي” – هو بمثابة حالة استثنائية في العلاقات الصينية المصرية؛ حيث لم يكن هناك الكثير من الانخراط بين البلدين من قبل. ويمكن تفسير ذلك، على الجانب الصيني، جزئياً، بالزيادة في الشراكات الدولية بعد الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق في عام 2013. فمنذ ذلك الحين، أبرمت الصين شكلاً من أشكال اتفاقيات الشراكة مع كل دولة تقريباً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (باستثناء لبنان والسودان واليمن). كما أن ذلك يُعد انعكاساً لوجود صيني أكثر قوة في الشرق الأوسط بشكل عام، حيث تضطلع المنطقة بدور متزايد الأهمية في أمن الطاقة والتجارة والتعاقد في جمهورية الصين الشعبية. وفي عام 2014، حدد الرئيس شي إطار تعاون “1 + 2 + 3” لتطوير العلاقات مع الدول العربية، مع التركيز على التعاون في مجال الطاقة والتجارة وإنشاءات البنية التحتية والطاقة المتجددة والتكنولوجيا العالية. وفي عام 2016، أصدرت الصين أول ورقة سياسة عربية لها على الإطلاق. ولم يكن التواصل الصيني مع مصر يحدث من فراغ، بل كان جزءاً من استراتيجية أكبر لجعل بكين لاعباً أكثر أهمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

أما بالنسبة لمصر، فيمكن تفسير الدافع وراء العلاقات الوثيقة مع الصين على الأرجح بمزيج من الضرورة السياسية والاقتصادية. فقبل توليه منصبه، اشتكى السيسي – في مقابلة له مع صحيفة واشنطن بوست – من الولايات المتحدة: “لقد تركتم المصريين. لقد أدرتم ظهوركم للمصريين، وهم لن ينسوا ذلك”. فقد أوصل الاستياء من تخلي إدارة أوباما عن مبارك خلال الربيع العربي في فبراير 2011 إلى قناعة الكثيرين في القاهرة بأن الولايات المتحدة شريك لا يمكن الوثوق به كثيراً، مما أدى إلى جعل مجموعة أوسع من تدشين العلاقات خارج المنطقة وسيلة مهمة لدعم حكومة تقف على أرض مهتزة.

وأدى تزامن هذا مع طموحات الصين الإقليمية إلى جعل بكين تبدو وكأنها رهان جيد: فليس من السهل العثور على شريك من القوى العظمى يحوز ثروة كبيرة ولا يهتم بالسياسة الداخلية لمصر. وكما قال أحد المصريين لصحيفة فاينانشال تايمز في عام 2018، “هناك قوى اقتصادية لديها القدرة على مساعدتنا ولكن ليس لديها الرغبة، وأخرى لديها الرغبة ولكن ليس لديها القدرة … ولكن الصين تتصدر قائمة أولئك الذين لديهم القدرة والرغبة لمساعدتنا”.

وعلى مدار هذا “العِقد الذهبي”، فقد احتلت الصين باستمرار المرتبة الأولى كأكبر شريك تجاري لمصر، وقدمت الشركات الصينية العديد من العقود الكبرى، وكان هناك ارتفاع في الاستثمار، ومعه بطبيعة الحال وظائف جديدة للمصريين.

وكان الكثير من هذا يتركز على موانئ مصر، وخاصة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي تم توسيعها في عام 2016 باستثمارات من شركة تيدا القابضة للاستثمار، وهي شركة مملوكة للدولة الصينية مقرها في تيانجين. وفي هذه المنطقة توجد منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر في قناة السويس، وهي منطقة صناعية تعمل فيها أكثر من 160 شركة صينية، وتوفر أكثر من سبعين ألف فرصة عمل للمصريين. وفي جميع أنحاء المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، يتزايد الوجود الصيني؛ حيث قال رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وليد جمال الدين في ديسمبر 2024 إن الاستثمار الصيني هناك بلغ ثلاث مليارات دولار وأنه كان يمثل 40% من الاستثمار الأجنبي المباشر على مدى العامين الماضيين. وهذا أمر مهم بالنظر إلى وضع الاقتصاد المصري. فقد بلغ معدل التضخم في البلاد 25.5% في شهر نوفمبر. وانخفضت عائدات مصر من قناة السويس بنسبة 60% العام الماضي نتيجة لهجمات الحوثيين على سفن الشحن (المرتبطة بالكيان الصهيوني) في البحر الأحمر. و كان الاقتصاد المصري يواجه أزمة وشيكة قبل أن تبرم مصر صفقة بقيمة 35 مليار دولار مع دولة الإمارات العربية المتحدة في فبراير الماضي، وتتلقى بعدها، في مارس الماضي، قرض بقيمة ثماني مليارات دولار من صندوق النقد الدولي. وفي هذا السياق، تعد الشراكة القوية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم مهمة لحكومة لا تملك الكثير من الخيارات الجيدة.

ولكن إذا أمعنّا النظر قليلاً، فسوف تجد أن العلاقة بين مصر والصين ليست علاقة شراكة بقدر ما هي علاقة غير متكافئة تميل بقوة لصالح الصين. والأرقام التجارية واضحة في ذلك. ففي عام 2022، بلغ حجم التجارة بينهما أكثر بقليل من 13.2 مليار دولار. ومع ذلك، فقد بلغت قيمة الصادرات الصينية، من هذا الإجمالي، أقل بقليل من 11.5 مليار دولار، في حين بلغت قيمة الصادرات المصرية إلى الصين ما يعادل 1.8 مليار دولار. ولم يكن هذا الخلل أمراً استثنائياً، بل كان في الواقع العام الأكثر ملاءمة لمصر طوال عقد من الزمان. حيث انخفضت الصادرات المصرية إلى الصين في عام 2023 إلى ما يعادل 834 مليون دولار.

ويُعد هذا النوع من التجارة مثيراً للقلق أيضاً. فالصادرات المصرية إلى الصين تتكون كلها تقريباً من سلع أساسية، كانت الغالبية العظمى منها بشكل مضطرد هي الطاقة. ولم يتحسن هذا الاتجاه طوال فترة “العقد الذهبي”: ففي عام 2014، كانت هناك 31% من صادرات مصر إلى الصين من الطاقة؛ وفي عام 2022، شكّلت الطاقة 56% من الصادرات المصرية لبكين. وبما أن الصين كانت قد قالت بأنها تهدف إلى الوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون بحلول عام 2030 وأنها تخطط لتكون خالية من الكربون بحلول عام 2060، فإن القاهرة بحاجة إلى إيجاد شيء آخر لبيعه لشريكها التجاري الأول.

ويُعد النظر إلى مؤشرات أخرى للمشاركة الاقتصادية منذ الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين أمراً مثير للاهتمام بنفس القدر. فخلال الفترة من عام 2005 إلى عام 2013، كسبت الشركات الصينية 3.34 مليار دولار من العقود في مصر. وفي العقد الذي تلا ذلك، قفز هذا الرقم إلى 16.62 مليار دولار. ومن الواضح أن الشراكة الاستراتيجية الشاملة كانت بمثابة كنز للشركات الصينية (فقط).

وبعيداً عن الجانب الاقتصادي للعلاقات بين البلدين، فقد كان التعاون الدفاعي بينهما أيضاً في تصاعد خلال عام 2024، وإن كان قد بدأ من نقطة منخفضة للغاية. حيث أجرى الطرفان مناورة بحرية مشتركة في البحر المتوسط ​​في شهر أغسطس، للتدريب على تنسيق الاتصالات، ومناورات التشكيلات، وتحديد المواقع البحرية. وكانت هذه أول مناورة مشتركة منذ عام 2019، عندما كان التدريب آنذاك على مكافحة الإرهاب والقرصنة، وتمارين إشارات النقل، والعديد من تشكيلات الإبحار. وفي أواخر أغسطس 2024، أرسلت القوات الجوية الصينية ثماني طائرات للمشاركة في عرض جوي مصري.

وكان الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو الشائعة ترددت باستمرار بأن مصر كانت تخطط لشراء طائرات مقاتلة صينية من طراز جي-10 سي (J-10C)، كبدائل لطائراتها القديمة من طراز F-16، وهي الخطوة التي فسرها أحد المحللين بأنها “تنويع لمورديها للمعدات العسكرية لتقليل الاعتماد على الغرب، وخاصة الولايات المتحدة”. وقال محلل آخر إن هذه الخطوة من المرجح أن تكون محاولة من جانب مصر لتأمين الحصول على ورقة مساومة بعد أن جمدت الولايات المتحدة صفقة بشأن عشرين طائرة من طرازإف-35 والتي كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تعهد شفهياً ببيعها لمصر في عام 2018. وهناك رأي آخر بأن طائرة جي-10 سي، التي تكلف ما بين أربعين إلى خمسين مليون دولار، تُعد خياراً أكثر فعالية من حيث التكلفة بالنسبة لمصر.

ومهما كان الأمر، فإن البيع لا يزال غير مؤكد، حيث هناك عدة أسباب قد تحول دون تحققه. ففي البداية، تُعد طائرة J-10C الصينية طائرة من الجيل الرابع بينما تريد القوات الجوية المصرية طائرات من الجيل الخامس، حيث لا تلبي طائرات الجيل الرابع حاجة مصر إلى التفوق الجوي لتأمين حقل الغاز في منطقتها الاقتصادية الخالصة في شرق البحر الأبيض المتوسط، كما أنها لا تعالج مخاوفها مع إثيوبيا.

والأمر الأكثر أهمية هو أن شراء الطائرات المقاتلة الصينية من المرجح أن يؤثر على التمويل العسكري الذي تحصل عليه مصر من الولايات المتحدة – التمويل الذي يجب أن يوافق عليه الكونجرس الأمريكي قبل تقديمه. ففي عام 2024 بلغ إجمالي هذا التمويل 1.3 مليار دولار. وفي عصر المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، لن تنظر واشنطن بشكل إيجابي لإدخال مصر طائرات مقاتلة صينية إلى قواتها الجوية. وفي هذه المرحلة، تبدو شائعة طائرة جي-10 سي وكأنها محاولة لإثارة غريزة المنافسة لدى الولايات المتحدة، ولكن مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، قد ترى القاهرة طريقاً للحصول على طائرات إف-35 التي طالما رغبت فيها.

وكانت العلاقة مع الصين، في بداية العقد الذي تولى فيه السيسي السلطة، تبدو الخيار الأفضل المتاح لحكومة لا تملك الكثير من الخيارات. ومنذ ذلك الحين، أصبحت شراكة أكثر جدية. فقد زادت قوة الصين ونفوذها في الشرق الأوسط وبرزت مصر كشريك مفيد لها. وفي الوقت نفسه، عندما يُسأل المصريون عن العلاقات مع الصين، فإنهم لا يصفونها بأنها شاملة أو استراتيجية – بل يرون أنها مجرد علاقات “معاملاتية”. وينظر قليلون إلى الصين كدولة لديها الرغبة أو القدرة على لعب دور قيادي في الشرق الأوسط. ولكن إذا سار العقد القادم على نفس النسق الذي سار عليه العقد السابق، فقد تكون الصين لاعباً أكثر نفوذاً في القاهرة، مما سيجعل الشرق الأوسط أكثر تعقيداً بالنسبة للدبلوماسية الأميركية.


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى