دراسات

المدخل السفني وبناء علوم ونماذج وتوليد مناهج

المدخل السفني وبناء علوم ونماذج وتوليد مناهج

يأتي المدخل السفني على قاعدتين مهمتين، من الممكن أن تفيدا في مسارات البحث، ضمن موضوعات وقضايا يمكن أن تثور في حقول معرفية عدة، على رأسها الاجتماع والسياسة والتربية.

 القاعدة الأولى- أن الحديث النبوي بما يمثله من “جوامع الكلم” يمكن أن يشكّل مصدرًا مهمًا للمعرفة [1] والقدرة على صياغة مؤشراتها ومؤثراتها، في تناول كثير من قضايا العلم الإنساني والاجتماعي، وهو أمر سبق تجريبه من خلال جهد بحثي سابق، ويشكل هذا البحث مواصلة واستمرارًا له.

 القاعدة الثانية- أن تأسيس رؤى منهجية على قاعدة من فكرة “المثل” وتفعيلها إنما تشكل واحدة من أهم الأدوات المنهجية المهمة، وهذا التعامل ليس “بدعًا” أو “خروجًا” على النشاط المنهجي للجماعة العلمية في حقول معرفية متنوعة في العلوم الإنسانية والاجتماعية، إن فكرة “البناء والوظيفة” التي حملت مدخلاً مهمًا تفاعلت معه كثير من الدراسات، كان في واحد من استناداته ليس إلا استعارة من علوم البيولوجيا وعلوم وظائف الأعضاء. وإن فكرة “النظام” لم تكن إلا تأسيسًا على قاعدة من علوم الآلة ودراسة الميكانيكا. هذا الارتحال الفكري والعلمي من الأمور المهمة التي أنتجت بدورها ممارسات بحثية لا يمكن لأحد في سياقات الجماعة العلمية أن ينكر أهميتها، فضلاً عن إنكار تأثيراتها في ارتقاء البحث، على الرغم مما طال هذه المداخل المنهاجية من نقد أو تحفّظ هنا أو هناك.

من خلال هاتين القاعدتين (إحداهما معرفية والأخرى منهجية) ربما نصل إلى قاعدة ثالثة تنصرف إلى عملية تطبيق، تهدف إلى استخراج الصَّيغة من أصول الصَّبغة، والصياغة من رحم الصيغة، والتطبيق الذي يتجلى في إمكانات التوظيف والتفعيل والتشغيل ضمن قضايا بعينها.[2]

العلوم الإسلامية ضمن تشكيلات الرؤية السفينة
مثل السفينة
النماذج الإرشادية السفينة والحكم الراشد
السفينة المخروقة
فصل المقال فيما بين العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية والاجتماعية والتربوية
السفينة ومراكز بحوثها وإسهامها في عمليات البناء الحضاري والتنموي

إن هذا المدخل السفني استنادا الى حديث النبي عليه الصلاة والسلام وهذا المثل النبوي في بيان كريم إنما يشير الى أنماط تفكير وتدبير خاصة في إطار يوحي بالمقارنة الدائبة بين أنماط تفكير سلبي وأخرى إيجابية، ويشير من طرف خفي الى ارتباط ذلك بمناهج التغيير والفاعلية والتأثير فضلا عما يؤشر عليه في مناهج البحث والدرس وإقامة مركز بحوث السفينة.


الهامش

[1] انظر فى السنة كمصدر للمعرفة والبناء الحضارى : عمر عبيد حسنه ، من فقه التغيير ملامح من المنهج النبوي بيروت، الـمكـتب الإسلامــي للنشـر،1995. برغوث عبد العزيز بن مبارك، المنهج النبوي و التغيير الحضاري، سلسلة كتاب الأمة (43)، www.islamicweb.net
فالاقتضاء الابتدائي في التركيب الإلهي للدعوة العالمية الإسلامية، وللرسالة النبوية الخاتمة، استدعى التلازم المطلق ، بين السنة النبوية المطهرة ، والقرآن الكريم، من جهة ، واستوجب التلازم المطلق ، كذلك بين السنة النبوية ، والبناء الحضاري ، الذي غايته القصوى هي تحقيق مقاصد الشارع في الخلق من جهة أخرى ، (الاستخلاف والمحافظة على الكون) . ومن هنا كانت رسالة الرسول صلي الله عليه و سلم (السنة) مؤلفة بين بنائية القرآن الكريم، وغاية الخلق الكلية (كل البشر)، على المستوى النظري ، ومُـفاعلة بين وظيفة القرآن ورسالته ، وبين البناء الاجتماعي للحياة الإنسانية ، وواقعات الوجود البشري على المستوى العملي .. أعني أن السنة تؤدي دورين: الأول : على الصعيد المفاهيمي الذي يساهم في توضيح ، وكشف المرجعية الكبرى للناس ، من خلال رؤية الوحي : للكون والحياة والإنسان. والثاني: عملي توجيهي ، يتمثل في ربط الحياة الإنسانية ، والوقائع البشرية ، بالأصل المرجعي ، الذي هو (النظام التوحيدي) الكامل الشامل ، الذي ختم على يد سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم . فالسنة هي (الموحد) الواقعي بين خطاب الشارع الحكيم ، ومقاصده ، وبين حاجات الخلق ، ورغباتهم في الهدى ، وتحقيق مصالحهم (البناء الحضاري) ، ومظهر هذا التوحيد والمفاعلة بين (الوحي) و(الخلق) في إطار العلاقة الموجودة بينهما (الاستخلاف) هو الحضارة الإسلامية ، التي بناها الرسول صلي الله عليه و سلم ، وواصلتها أمته إلى ما شاء الله من الزمن ، قبل أن تتطلب الظروف حديثاً جديدا عن بناء حضاري جديد . ولهذا فالحديث عن البناء الجديد ، يقتضي بالضرورة المطلقة الحديث عن الموحد الأول ، والمنشيء الأول للتجربة الحضارية الإسلامية ، أعني (السنة النبوية المطهرة) كناظم ، وضابط لحركة البناء الحضاري ، من أجل تحقيق مقاصد الشريعة في الخلق ، وإحداث التوازن الاجتماعي من جديد في الواقع الإنساني المعضل.

[2] أنظر فى ذلك الارتباط بين الصبغة والصيغة والصياغة فى معمار المنهجية الإسلامية: د. نادية مصطفى، د. سيف الدين عبد الفتاح (إعداد وإشراف)، دورة المنهاجية الإسلامية فى العلوم الاجتماعية : العوم السياسية نموذجا ، مركز الحضارة للدراسات السياسية – المعهد العالمى للفكر الإسلامى  ، القاهرة ، 2000.

د. سيف الدين عبد الفتاح

أستاذ العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1987. قام بالتدريس في العديد من الجامعات العربية والدولية وله مشاركات واسعة في العديد من المؤتمرات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى