غير مصنف

المرأة في عهد السيسي: مشاركات وهمية وانتهاكات حقوقية

انتقلت المرأة المصرية على مدار النُظم السياسية المُتلاحقة في مصر الحديثة من فضاءات سياسية واجتماعية وفكرية مُتعددة، بدايةً من دولة محمد علي الحديثة مرورًا بتغيرات شكل أنظمة الدولة وانتقالها من البرجوازية الملكية في ظل الاحتلال البريطاني إلى جمهورية الضباط الجديدة تحت توجهات فكرية واقتصادية واجتماعية مُختلفة إلى وقتنا هذا؛ وتعددت أيضًا الوجوه التي برزت كرائداتٍ لتحرير المرأة والمطالبة بحقوقها الاجتماعية وكزعيماتٍ لحركات احتجاجية ومُؤسساتٍ لمنظماتٍ نسوية ساعدت في تغيير سيرورة الحراك السياسي والاجتماعي والحقوقي في التاريخ المصري الحديث.

وقد تعامل كُل نظام حُكم سياسي تشكّل بعد حدثٍ مُعين مع المرأة بشكلٍ مُختلف كنظام ما بعد مارس 1919 وما بعد يوليو 1952 وما بعد يناير 2011 وما بعد يوليو 2013، ونحاول في هذه الورقة شرح موقف النظام السياسي الحالي (ما بعد يوليو 2013)، وعلاقته بالمرأة المصرية حقوقيًا وسياسيّا واجتماعيًا، وخصوصًا أن خطاب السيسي على مدار السبع سنوات الماضية لا يخلو من ذكر دور المرأة المصرية في بناء المُجتمع ونهضة الدولة المصرية.

المرأة قبل وبعد ثورة 25 يناير

ظل نمو دور المرأة بطيئًا جدًا في العقد الأول من الألفية الثانية على المستوى الحقوقي والسياسي والاجتماعي، بالرغم من نضالها التشريعي والاجتماعي والسياسي المستمر منذ 1952 حتى بدايات الألفية الثانية حتى جاءت ثورة 25 يناير لتأمل المرأة من خلالها إلى مكانة أفضل.

في أيام الثورة. لم تفارق المرأة المصرية الميدان، بل ظلت مُعتصمة بكافة أفكارها وانتماءاتها الاجتماعية والسياسية حتى تنحي حسني مبارك لتدخل مصر فترة حكم انتقالية بقيادة المجلس العسكري.

في تلك الفترة. على المستوى السياسي في تشكيل حكومة ما بعد الثورة برئاسة عصام شرف[1] ، مثلت المرأة مقعدًا وزاريًا واحدًا، وفي حكومة كمال الجنزوري مثلت ثلاثة مقاعد، وحتى في عهد هشام قنديل، رئيس وزراء حكومة الرئيس مُرسي التي تم الانقلاب عليها في وقت لاحق (يوليو 2013)، مثلت مقعديّن فقط ممّا دل على استمرار قصور دور المرأة في التمثيل الوزاري من حيث عدد الوزارات وأهميتها أيضًا.

وعلى المستوى الحزبي[2] وفي ظل تصاعد الحملات والبرامج الدعائية للأحزاب حديثة النشأة والقديمة، وصل عدد النساء المُرشحات منذ البداية إلى 8113 إلى مجلس الشعب سواء بشكلٍ مُستقل أو حتى على القوائم الحزبية ولكن مَن وصلن منهُن إلى المقاعد البرلمانية في النهاية كانت 7 نساء فقط.

وقد حجزت 4 نساء فقط مقاعدهن في مجلس الشورى من بين 180 عضوًا بالمجلس أي بنسبة 2%، فكانت تلك النتائج الضئيلة مُخيبة لآمال المرأة في التمثيل البرلماني، ولكن المرأة أسست عدة أحزاب خاصّة بها مثل حزب المرأة الجديدة وحزب المساواة والتنمية وحزب الحق المصري وحزب الحرية والانتماء؛ لم تتمتع تلك الأحزاب بشعبية كبيرة وقتها وحتى أنها ومع تداعي الأحداث السياسية لم تستمر تلك في صعودها بل ركدت وانتهى عملها وسط صخب الأحداث والاهتمام الأكبر بالملفات الحقوقية والاجتماعية لمنظمات المرأة مقارنة بالملفات السياسية[3] في ظل الركود السياسي الذي فرضه نظام ما بعد يوليو 2013

على المستوى التشريعي، ناضلت المرأة ومنظماتُها من أجل المساواة بينها وبين الرجل في إطار قوانين عدة مثل قانون تجنيس الأبناء والأزواج عند زواجهِن من رجال غير مصريين، كما ناضلت من أجل قضايا التحرش والختان وانحياز سوق العمل الحكومي أو الخاص إلى الرجال وغير ذلك من مُطالبات حقوقية، بل اشتدت مهاجمة منظمات المرأة لقيادات المجلس العسكري إثر واقعة القبض على فتيات من ميدان التحرير وأخذهن إلى السجن الحربي ليتم إجراء كشف العذرية بحقهِن، غير الواقعة الشهيرة باسم سِت البنات[4] والتي تمّ فيها سحل وتعرية فتاة في أحداث مجلس الوزراء ديسمبر عام 2011.

ومع تعرض المرأة المصرية لتلك الحوادث في فترة المجلس العسكري واستلام الرئيس مرسي مُنتصف يونيو 2012 رئاسة البلاد، أعربت بعض الجهات النسائية عن عدم رضاها عن الحقوق التشريعية والتي أقرّها الدستور المصري، بل وعن التجاهل الوزاري للحكومات في تقليد المرأة دورًا مُهمًا بها، حيث صرحت ميرفت التلاوي رئيسة المجلس القومي للمرأة[5] حينذاك أن المرأة المصرية إلى الآن لم تأخذ حقها من حيث تجاهلها في المشاركة السياسية والحقوقية والاجتماعية وأنها تأمل في إصدار وثيقة من شيخ الأزهر عن حقوق المرأة في الإسلام حيث كانت فزّاعة المُدافعات عن حقوق المرأة[6] وقتها وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر.

ولكن سرعان ما دخلت مصر في نظام سياسيٍّ تحت قيادة الجيش مرةً أُخرى وذلك بعد انقلاب 3 يوليو عام 2013.

المرأة في عهد السيسي (ما بعد يوليو 2013)

اتسمت فترة حكم عبد الفتاح السيسي بكثرة المؤتمرات والخطابات والحفلات الذي يحضرها ويُلقي فيها كلمته، لم يتردد السيسي في غالبية خطاباته عن ذكر دور المرأة المصرية المُهم في الشأن الاجتماعي والسياسي لاسيّما في تجمعاتها في 30 يونيو و3 يوليو 2013، بل حثّها دائمًا على المشاركة الانتخابية[7] خصوصًا في ترشحه للفترة الانتخابية الثانية عام 2018، ولكن يُتهم نظام السيسي دائمًا من مُنظمات معنيّة بحقوق المرأة بأن حديثه المُتكرر لأهمية المرأة ما هو إلا فقاعة كاذبة وستار بدافع تغطية انتهاكات نظامه بحق المرأة المصرية، فما وضع المرأة في عهد السيسي سياسيًا واجتماعيًا وحقوقيًا؟

https://youtube.com/watch?v=gFA-i4qjaDM%3Ffeature%3Doembed

على المستوى السياسي

بعد تولي السيسي مقاليد الأمور بشكل رسمي عام 2014 وتشكيل حكومته الجديدة برئاسة إبراهيم محلب، ضمت تلك الحكومة 4 سيدات[8] وهُنّ غادة والي كَوزيرة التضامن الاجتماعي، والسيدة نجلاء الأهواني كَوزيرة للتعاون الدولي، والسيدة ناهد العشري وزيرة القوى العاملة والهجرة، والسيدة ليلى إسكندر كَوزيرة للتطوير الحضاري والعشوائيات. فتضاعف بذلك وجود المرأة عن حكومة الدكتور هشام قنديل التي سبقتها، قبل انقلاب 2013 مباشرة.

وبعد ست سنوات من حكم عبد الفتاح السيسي، تصاعد دور المرأة بشكلٍ واضح في المناصب الوزارية ليشمل 10 وزارات[9] في آخر تعديل وزاري ضمَّ 10 سيدات منهُن 8 وزيرات ونائبتين وهُنّ هالة السعيد لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، ونبيلة مكرم وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، وياسمين فؤاد لوزارة البيئة، وهالة زايد لوزارة الصحة والسكان، وإيناس عبد الدايم لوزارة الثقافة، ورانيا المشاط لوزارة التعاون الدولي، ونيفين جامع لوزارة التجارة والصناعة، ونيفين القباج لوزارة التضامن الاجتماعي ونائبتين لوزارة الاتصالات ووزارة السياحة والآثار وهُنّ غادة لبيب وغادة شلبي على التوالي لتكون حكومة السيسي الجديدة ملاذًا آمنًا من حيث تولي المرأة مناصب وزارية عُليا، فضلًا عن استضافة مصر للمؤتمر الوزاري للمرأة الذي أعلن عنه السيسي[10] في مؤتمر القمة الإسلامية بمكة.

وعلى المستوى البرلماني، في أواخر عام 2015، خاضت 949 مرشحة الانتخابات وهي النسبة الأكبر مقارنة بالجولات البرلمانية السابقة في تاريخ البرلمان المصري وقد حجزت 89 منهُن مقعدًا بالبرلمان[11] وهي نسبة كبيرة جدًا مقارنة ببرلمان 2012 والذي ضمّ 11 مقعدًا فقط للنساء، وقد عيّن السيسي منهُن 14 نائبة بالبرلمان من ضمن 28 نائب يحق له تعيينهم بموجب حقه الدستوري في تعيين 5% من نواب البرلمان ممّا دلَّ على اهتمامه بالتمثيل النسائي داخل البرلمان والمناصب الوزارية العُليا.

وعلى المستوى الحزبي، فقد تصاعد دور المرأة إلى حدٍ مُتوسط في اتخاذ أماكن قيادية بالأحزاب[12] حيث أفسح 12 حزبًا مصريًا دورًا قياديًا للمرأة من بين لجان تلك الأحزاب وهُم:

حزب الإصلاح الديمقراطي: عدد الهيئة القيادية 36 من بينهم 9 سيدات
حزب العدل: اللجنة السياسية 6 أعضاء من بينهم سيدة واحدة
حزب مصر الحرية: عدد الهيئة العليا 21 من بينهم سيدتان
حزب الدستور: عدد الهيئة العُليا 11 من بينهم سيدتان
حزب المصريين الأحرار: عدد أعضاء المكتب السياسي 9 من بينهم سيدتان
حزب الوفد: عدد الهيئة العُليا 50 من بينهم سيدتان
حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي: عدد اللجنة المركزية 244 من بينهم 30 سيدة
حزب التحالف الشعبي الاشتراكي: عدد أعضاء المكتب السياسي 21 من بينهم 3 سيدات
حزب العربي الناصري: عدد اللجنة المركزية 150 من بينهم 10 سيدة
حزب تيار الكرامة: عدد الهيئة القيادية 19 من بينهم 3 سيدات
حزب المحافظين: عدد الهيئة القيادية 9 من بينهم 3 سيدات
حزب الإصلاح والتنمية: عدد الهيئة العُليا 52 من بينهم 3 سيدات

أما عن تمثيل المرأة[13] في مجالس النقابات المهنية، فقد شكلت نقابة التمريض النسبة الأعلى بـ خمس عضوات نساء منهُن رئيسة النقابة بين 12 عضو في مجلس النقابة وهي النسبة الأكبر بين جميع النقابات يليها نقابة المُهندسين ب 8 عضوات من بين 64 عضو مجلس النقابة بنسبة 12.5% أما باقي النقابات مثلّ فيها الوجود النسوي نسبةً أقل.

الأطباء البشريين: 3 عضواتالمهن الرياضية: عضوة
أطباء الأسنان: 3 عضواتالمحامون: لا يوجد
المهنة السينمائية: عضوة واحدةالمهن الموسيقية: عضوة
الفنانون التشكيليون: لا يوجدالمهن التمثيلية: عضوة
المرشدون السياحيون: عضوتانالمهن الصحفية: لا يوجد
المهن العملية: عضوتان

واستمر صعود التمثيل النسائي[14] في الحياة السياسية والإدارية في نظام السيسي. فقد بلغت نسبة النساء في البرلمان المصري 15% من إجمالي الأعضاء، فضلًا عن أماكن أخرى كالمحليات التي بلغ التمثيل النسائي فيها نسبة 25% حسب دستور 2014، و4.2% هي نسبة النساء اللواتي يشغلنّ مناصب عامة في الدولة، أما المناصب الإدارية العُليا فقد صعدت إلى 18.3% كمديرات للقطاعات الحكومية وغيرها من المناصب ذوي الأهمية في مؤسسات الدولة، كما حصلت سبع سيدات على مناصب محافظ ونائب محافظ[15] لسبعِ محافظاتٍ مصرية 6 منهُنّ نائبات وواحدة مُحافظة لمحافظة دمياط أما وزارة العدل فقد احتفظت بتمثيلٍ نسائي ضئيل ضمن مؤسساتها بنسبة 0.5%

ومع زيادة اندماج المرأة في الوزارات والأماكن العُليا بالمؤسسات الحكومية، يزداد شكر السيسي عن طريق صحف الدولة الرسمية وغيرها المملوكة لرجال أعمال غالبيتِهم تابعين للدولة أيضًا وبروز صورة السيسي أنه أول من سعى جاهدًا وشارك المرأة في السلطات التشريعية والتنفيذية ودائمًا ما يُشكر السيسي من رئيسة المجلس القومي للمرأة مايا مُرسي[16] عن دوره في شراكة المرأة في النهضة والازدهار.

بالأرقام. فعليًا زادت مشاركة المرأة سياسيًا وبرلمانيًا، ولكن السيسي ينتقي من يوافق سياسته مُطلقًا؛ فقد شاركت 89 امرأة في برلمان مصر الحالي، لكن سيدتان فقط منهم (نادية هنري – فايزة محمود) هما من عارضتا تعديل مواد الدستور الذي جرى التصويت عليه في مجلس الشعب فبراير من العام الماضي، من بين 89 نائبة[17]. وجدير بالذكر أن هذه التعديلات الدستورية ترسخ ديكتاتورية السيسي لفتراتٍ أطول في حُكمه الفردي، مع استبعاد أي انتخابات رئاسية نزيهةٍ وتعددية قادمة؛ ووجود المرأة داخل البرلمان شكليًا لا يمانع اتفاقيات ترسيم الحدود والتنازل عن جزر مصرية لدولٍ أُخرى أو يقيّم أداء الحكومة عن طريق استجواباتها للوزراء بشكلٍ دوري أو حتى يعترض على سياساتٍ داخلية أو خارجية تصدر من السيسي.

على المستوى الاجتماعي والاقتصادي

بداية من عام 2016. ومع انطلاق برنامج التنمية المُستدامة[18] التابع للأمم المُتحدة في مصر رؤية 2030. تسعى الدولة المصرية للعمل على تحسين المجال الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والحقوقي لتقديم مستوياتٍ أفضل وسط المؤشرات العالمية في تلك البرامج.

بالنسبة للمرأة، يترنح المؤشر المصري بين الصعود والهبوط بالنسبة لبرنامج سدِّ الفجوة بين الجنسين التي يُصدر بشأنه تقريرًا كُل عام، فقد حققت مصر[19] عام 2016 المركز 132 من وسط 144 دولة حيث تقدمت 4 مراكز مقارنةً بعام 2015 والذي احتلت فيه المركز 136، بينما في آخر تقرير صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي[20] عام 2018 تأخرت مصر إلى المركز 135.

من أجل ذلك، أطلقت الحكومة المصرية عشرات البرامج الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كـ (مشروع نساء مصريات، رائدات المُستقبل – مشروع التدخلات الاستراتيجية لمكافحة العنف ضد المرأة – تعزيز تعليم السيدات – الرائدات الريفيات – العنف ضد المرأة – الإتجار بالمرأة. وغيرها) والذي تبنى الإشراف عليها المجلس القومي للمرأة[21] ومُنظمات أُخرى، وبذلك انخرطت المرأة بشكلٍ أكبر في العمل في تلك البرامج.

ومع كثافة وجود المرأة في المؤسسات المدنية الحكومية وغير الحكومية العاملة في المجال العام إلا أن وجودها في مراكز إدارية مُتقدمة ذات قرار في تلك الجمعيات يأتي مُتأخرًا. حيث قُّدر عدد الجمعيات المدنية ب 3206 جمعية بإجمالي عضوية مجلس الإدارة عدد 31524 عدد النساء العضوات من بينهم 5151 عضوة أي بنسبة مئويّة تُقدر ب 16.3% بالنسبة لإجمالي الأعضاء حسب النشرة السنوية التابعة للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء[22] لإحصاءات الخدمة الاجتماعية لعام 2016.

التمكين الاقتصادي

ما زالت معاناة المرأة قائمة في الفجوة بين الجنسين من الناحية الاقتصادية المُتمثلة في الأجر الوظيفي ولوائح العمل الخاصة بِكُل من الرجال والنساء لاسيّما العمل في القطاع الخاص الذي يُفضل في ـأحيانٍ كثيرة توظيف الرجال نظرًا لظروف المرأة العاملة سواء كانت عزباء أو متزوجة، ولكن تقدمت المرأة تقدما ملحوظًا في مجالات عملٍ مُعينة كالرعاية الاجتماعية والتعليم والصحة[23] وغيرها من الأعمال الحرفية كتصنيع الملابس والأدوية ومجال العقارات والمنشآت ووكالات السفر حسب دراسة مجموعة البنك الدولي عن التمكين الاقتصادي للمرأة.

وحسب تقرير الفجوة بين الجنسين[24] الصادر مؤخرًا. تبيّن أن نسبة النساء اللواتي يشغلن وظائف إدارية تبلغ 6.4 % بينما تزايدت قُرابة 6 أضعاف في الوظائف المهنية والحرفية بنسبة 38.4% وقُدرت نسبة النساء المشاركة في قوة العمل بشكلٍ عام 24.1% ونسبة البطالة للنساء القادرات على العمل والراغبات والباحثات عنه دون فائدة تساوي 23.1%.

بينما حظيت المرأة بدعمٍ ماليٍ أكبر من نظيرها الرجل حيث حصلت المرأة على 68.8% من إجمالي المشروعات الصغيرة المدعومة ماليًا من مؤسسات مُختلفة، وعلى 51% من قروض المشروعات الصغيرة المُتناهية الصغر، ووفقًا لبحث الدخل والإنفاق في مؤشر الفقر[25] فقد قُدرت نسبة المرأة الذي تعول أسرتها القابعة تحت خط الفقر بـ 26.3%.

وعلّقت الدكتورة عبلة عبد اللطيف وهي المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية[26] بشأن المشروعات الصغيرة التي تتولاها المرأة أنه الأهم فيها دراسة دليل ريادة الأعمال لإدارة المرأة تلك المشروع أما تمويل المشروعات فليس عائقًا كبيرًا بالنسبة للحكومة والهيئات المُساعدة لها.

وسط كُل هذا السعي الاجتماعي والاقتصادي لتمكين المرأة في مصر ورفع مكانتها وسط الدول الأخرى في مؤشرات سدّ الفجوة بين الجنسيّن وغيرها، يزداد وضع المرأة الحقوقي سوءًا في نظام عبد الفتاح السيسي. التي يحاول جاهدًا توظيف عشرات البرامج الإنمائية المُكلفة والتي تُدار بواسطة الحكومة المصرية وجمعياتها كغطاءٍ إعلامي لانتهاكات النظام في حق المرأة المصرية أمام العالم منذ قرابة ست سنوات ونصف.

على المستوى الحقوقي

منذ بيان الانقلاب في 3 يوليو 2013 انقسمت المرأة المصرية بين مؤيدة للبيان الذي ألقاه عبد الفتاح السيسي وبين مُعارضة له متمسكة بشرعية نظام الرئيس محمد مرسي الذي تم الانقلاب عليه. ومن هنا بدأ نظام السيسي في استثناء المرأة التي تُعارضه من برنامجه الإنمائي، بل يُطبق على المرأة المعارضة أبشع الانتهاكات من قتل ميداني وسحل واغتصاب واختطاف واعتقال في وضعٍ أدى مؤخرًا إلى موت إحداهُن[27] داخل السجن نتيجةً للإهمال الطبي.

بدأت قصة الانتهاكات في يوليو 2013. عند بدء مظاهرة معارضة لانقلاب 3 يوليو بمدينة المنصورة، فقابلها البلطجية بالرصاص الحي ممّا أسفر عن مقتل 4 سيدات[28] ، كان هذا الخبر الأول لمقتل سيدة مصرية في التظاهرات وقد أدان الجميع الحادثة وتبرأ من القاتلين وعلى رأسهم رئيس الوزراء وقتها حازم الببلاوي مستنكرًا الحادثة وبشدة، ومن بعدها وعلى مرّ أكثر من سبع سنوات لم تستنكر السلطة بعد ذلك الانتهاكات التي أوقعتها بحق المرأة المصرية.

بعدها ومع تولي عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور بشكل رسمي مُنتصف 2014 ازدادت وجوه المرأة الفكرية والسياسية والحقوقية معارضة نظام السيسي، ولم يقتصر الأمر على نساء الإخوان فقط، بل انضمت لهُن الوجوه الشابة لثورة يناير، وبذلك ازدادت وتيرة القتل والاعتقال والاختطاف للمرأة المصرية المُعارضة على اختلاف مرجعيتها وانتمائها الفكري والحركي.

وقد رصدت منظمة نحن نسجل[29] منذ يوليو 2013 حتى يوليو 2019 عدد 312 حالة قتل للمرأة المصرية أثناء فض التظاهرات المناهضة لحكم السيسي في جميع ميادين مصر، ولم تسلم المرأة المصرية من الاعتقال والاختفاء القسري من الشوارع والبيوت. حيث قام نظام السيسي باعتقال النساء الحقوقيات ونشطاء ثورة يناير أمثال ماهينور المصري وإسراء عبد الفتاح ومئات الُنساء المُنتميات لجماعة الإخوان المُسلمين وبنات وزوجات الشخصيات المعارضة المشهورة كعائشة بنت القيادي خيرت الشاطر وُعلا بنت الشيخ القرضاوي وغيرهِنّ من المئات اللواتي تعرضن للاحتجاز لدى سلطة السيسي.

ليصل إجمالي من تعرضت للاحتجاز حتى يوليو 2019 عدد 2629 سيّدة من تبقى منهُن مُحتجزًا إلى الآن 121 سجينة 17 منهُن صدرت بحقهن أحكام قضائيّة. و25 منهُن تعرضن للمُحاكمة العسكرية بينما أُحيلت 115 سيدة مُحتجزة إلى دوائر إرهاب جنائيّة مدنيّة.

لم يكتفِ نظام السيسي باعتقال هذا الكمّ الهائل من السيدات فقط، بل كشفت تقارير وتحقيقاتٍ أُخرى[30] من داخل السجون ومقرات الاحتجاز ومقابلات مع سجينات سابقات مدى التعسف والانتهاكات الجسدية والنفسية بحق السجينات من أول القبض عليهِن مرورًا بدخولهِنّ السجن حتى خروجهِن منه. حيث رصدت نحن نسجل[31] عدد 2761 سجينة تعرضت للعنف الجسدي واللفظي والنفسي وسوء المعاملة بشكلٍ عام من إهمال طبيٍ وظروف سيئة المعيشة أدت إلى عشرات المرضى من النساء وقتيلة واحدة إلى الآن. وعلى لسان مُنظمات حقوقية أُخرى تقول إنه ما زال إلى وقتنا هذا 15 مُعتقلة رهن الاختفاء القسري لم يُعرف عن أماكنهِن شيئًا إلى الآن من أصل 69 مُعتقلة قد تعرضن من قبل للاختفاء القسري.

تتبع أيضًا نظام السيسي المرأة المُعارضة داخل الحرم الجامعي وفي المطارات أثناء السفر والعودة. فقد فصل 53 طالبة من الجامعات إثر انتمائِهن لقضايا سياسية، وفصل امرأتين من العمل ضمن هيئة التدريس بالجامعات المصرية. وصادر مُمتلكات شخصية[32] وعامة ل 100 امرأة ومنع 106 أخريات من السفر ومغادرة مصر بشكلٍ رسمي.

وبشأن تلك الإحصائيات يُلاحَق نظام السيسي حقوقيًا من جهات محلية ودولية مُتعددة تُصدر تقاريرها الدورية[33] وتصف نظامه بالمُستبد التي ينتهك حقوق المرأة من أجل فقط معارضتها لِحكمه فتُقابل بالقتل والسجن[34] وشتّى أنواع التنكيل، بل وتطالب المُجتمع الدولي وقادة العالم بتغيير سياساتها والضغط على الحكومة المصرية لكفِّ يدها عن تلك الانتهاكات

https://youtube.com/watch?v=CSqWEXHt4hI%3Ffeature%3Doembed

من تلك الأرقام المُفزعة بشأن حقوق المرأة السياسية والإنسانية في عهد السيسي يتبيّن أن نظامه ليس لديه مانع في وجود المرأة بشكلهِ السياسي على المستوى الحزبي والبرلماني ولكن لتأييده فقط ومن الناحية الاجتماعية يحث النظام المصري على زيادة مشاركة المرأة وانخراطها في العمل المدني المُختص بقضايا المرأة كالتعليم والعنف والتحرش وسوق العمل والوظائف وغير ذلك، إلا أن تبقى تلك الأنشطة بعيدة كُل البعد عن المعارضة السياسية أيًا كان نوعها ضد قرارات النظام الحالي.

خُلاصة

تعيش الدولة المصرية حاليًا على نقيضين وبوجهين الأول هو تحقيق مُشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ضمن مشاريع وبرامج التنمية المُستدامة التابعة لبرنامج تمكين المرأة رؤية 2030 والتي تُشرف عليه الأمم المتحدة والحكومة المصرية معًا، وهذا ما يسعى نظام السيسي لفرضه أمام العالم، وتسعى الحكومة جاهدةً لتنفيذه ولكن بعيدًا عن أي رؤية سياسية تختلف مع رؤية نظام السيسي، والوجه الآخر هو ركود الحياة السياسية وموت الحالة الحقوقية التي تعاني منها المرأة المصرية مُنذ تولي السيسي مقاليد الحكم في مصر، ويعيش السيسي ذاته حالة مزدوجة من استضافة فتاة إيزيدية عراقية تم اغتصابها من عناصر تنظيم الدولة ليقف بجانبها أمام العالم بدوره تتم الانتهاكات لفتيات مصر المُعارضات لحكمه.


الهامش

[1]) عبد الرحمن صلاح عبد العزيز، أثر ثورتي 25 يناير و30 يونيو على المشاركة السياسية للمرأة المصرية، المركز العربي الديمقراطي، الرابط: https://bit.ly/2FSncvl

[2] الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – الكتاب السنوي للإحصاء لعام 2011.

[3] التيارات الإسلامية عقبة في وجه اتفاقيات حقوق المرأة – ميدل إيست أون لاين – https://bit.ly/2RufEnY

[4] تقرير حالة المرأة بعد 25 يناير – حسن الشامي – الحوار المتمدن – https://bit.ly/2u3Hakr

[5] التلاوي تحذر من تجاهل الدولة لحقوق المرأة بعد ثورة 25 يناير – بوابة الوطن. https://bit.ly/2G9mOc1

[6] للمزيد حول المرأة المصرية في ثورة يناير. انظر. نبراس المعموري – المرأة والربيع العربي (الحالة المصرية أنموذجًا) دراسة مقارنة تحليلية لوضع المرأة المصرية- العربي للنشر والتوزيع

[7] الأخبار – السيسي يدعو المرأة المصرية وجميع المواطنين للمشاركة في الانتخابات الرئاسية – يوتيوب – https://bit.ly/37eUFfu

[8] بالصور والأسماء – أعضاء حكومة إبراهيم محلب – اليوم السابع – https://bit.ly/2G4CWeN

[9] ارتفاع تمثيل المرأة في الحكومة لـ10 سيدات – مصراوي – https://bit.ly/2TxdEy0

[10] السيسي: مصر ستستضيف المؤتمر الإسلامي الوزاري للمرأة 2020، مباشر السعودية. https://bit.ly/2tCVEaO

[11] بالأسماء.. 89 نائبة تحت قبة البرلمان بعد تعيينات السيسي – التحرير – https://bit.ly/2sDUI5O

[12] كتاب المشاركة السياسية للمرأة – إعداد هويدا عدلي ومجموعة مؤلفين (منى عزت – أحمد فوزي- ريهام باهي – مروة نظير) مؤسسة فريدريش إيبرت ط عام 2017 – ص 43

[13] مصدر سابق – كتاب المشاركة السياسية للمرأة – إعداد هويدا عدلي ومجموعة مؤلفين (منى عزت – أحمد فوزي- ريهام باهي – مروة نظير) مؤسسة فريدريش إيبرت ط عام 2017 – ص 46

[14] مؤشرات محاور استراتيجية المرأة 2030-التمكين السياسي والقيادة – مرصد المرأة المصرية – https://bit.ly/2uYRwT2

[15] 16 محافظا و23 نائبا بينهم 7 سيدات في حركة المحافظين الجدد – بوابة الأهرام – https://bit.ly/30wgDZ5

[16] مايا مرسي تشكر السيسي على إتاحة الفرصة للمرأة للمشاركة في التنمية والازدهار – صدى البلد. https://bit.ly/2G5tFTM

[17] البرلمان يوافق على «تعديل الدستور»: 485 مؤيدًا.. 16 معارضًا.. امتناع نائب وانسحاب آخر – مدى مصر. https://bit.ly/38pqPp4

[18] برنامج التنمية المُستدامة رؤية 2030 – مصر https://bit.ly/369OuYQ

[19] The Global Gender Gap Report 2016 – https://bit.ly/2G0p85j

[20] The Global Gender Gap Report 2018 – https://bit.ly/3atDzgj

[21] التمكين الاجتماعي – المجلس القومي للمرأة – https://bit.ly/2ugX0s4

[22] عدد الجمعيات الأهلية المعانة وعدد أعضاء مجلس الإدارة عام 2015 – النشرة السنوية لإحصاءات الخدمات االجتماعية لعام 2016 – الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. https://bit.ly/2ufG4lq

[23] التمكين الاقتصادي للمرأة – مايو 2018 – مجموعة البنك الدولي، https://bit.ly/38p3aFh

[24] مؤشرات محاور استراتيجية المرأة 2030، مرصد المرأة المصرية، https://bit.ly/368ey6X

[25] كتيب أهـــــــم مؤشــرات بحث الدخـــــل والإنفاق والاستهلاك 2018/2017 – الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري. https://bit.ly/2NDJXHG

[26] د. عبلة عبد اللطيف: مشاركة المرأة المصرية بسوق العمل ترفع النمو الاقتصادي 30%، https://bit.ly/2sGXkjj

[27] مصر- وفاة المعتقلة مريم سالم – الجزيرة. نت – https://bit.ly/374kTkW

[28] إدانة واسعة لمقتل سيدات المنصورة – اليوم السابع – https://bit.ly/30Chrvj

[29] البرلمان يوافق على «تعديل الدستور»: 485 مؤيدًا.. 16 معارضًا.. امتناع نائب وانسحاب آخر – مدى مصر. https://bit.ly/38pqPp4

[30] منسيات في القناطر – نظرة على حقوق المحتجزات في سجن القناطر – الجبهة المصرية لحقوق الإنسان. https://bit.ly/36eabr2

[31] مصدر سابق – المرأة المصرية ٦ سنوات من الانتهاكات – منظمة نحن نسجل – https://bit.ly/2NGPa1B

[32] أنقذوها تقرير حقوقي مشترك – منظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان – https://bit.ly/38dEe3o

[33] الأمم المتحدة: يجب على الدول أن تندد بسجل مصر المأساوي لحقوق الإنسان – منظمة العفو الدولية. https://bit.ly/2RBWWuC

[34] للقصة بقية – قصة النساء المعتقلات في سجون السيسي – الجزيرة. نت، يوتيوب. https://bit.ly/2RxogdH

إقرأ أيضاً: دور المرأة في تنمية المجتمع المحلي

الرابط

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

الوسوم

العدالة الاجتماعية السيسي حقوق الإنسان انتهاكات

أحمد عبد الحليم

باحث في الاجتماع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى