بحوث

المعارضة المصرية نحو تصعيد المواجهة

تمهيد

عندما تصفحت صورة المستشار هشام جنينة في عزاء الشاعرة شيماء الصباغ، التي قتلت غدرا في 2015، أثناء إحيائها الذكرى الرابعة لثورة يناير، وهي تهدي “زهرة” لأحد جنود قوات الأمن المركزي التي شاركت في قمع هذه الذكرى، لم يجل بخاطري أن المستشار جنينة سيسلك نفس طريقها بعد 3 سنوات من استشهادها، لكنه أجرى حوارا مع هافنجتون بوست عربي، الذي أودى به لغياهب السجون. لم يتبلور موقف جنينة – بالنسبة للباحث – مع الحوار الذي أجراه، بل مع رفضه للبيان الذي صاغته أسرته؛ أشارت فيه لمعاناته من أثر الصدمة وتأثير المهدئات القوية التي تلائم عمق الألم الذي يعانيه جراء إصابته الخطيرة بالكسر في محجر العين. لم يمض وقت طويل حتى وقع الحادث الثاني بإقدام د. عبد المنعم أبو الفتوح على نفس التضحية خلال سفره إلى لندن، وعاد لمصر ليلقى نفس مآل المستشار “جنينة”.
ما فعله جنينة وأبو الفتوح، كان بينه مشتركان من تأويل الباحث، الأول أنهما اختارا الذهاب إلى أحد رموز القوة الاعلامية (هافنجتون بوست – الجزيرة)، أما المشترك الثاني، أن كلاهما أدرك أن الاحتجاج وحده صار عبثاً، وأن الأوان قد آن لتجاوز الاحتجاج إلى المقاومة، وشرع كليهما في التطبيق، ودفع الثمن فوريا.

أولا: المعارضة الوطنية والناس:

أ. المعارضة والتواصل مع الناس:

جميعنا يتذكر كيف بدأ الناس في الالتفاف حول دعاة يناير 2011، حيث مال المصريون خلال العقد الأول من القون الحادي والعشرين للاستسلام لمشروع التوريث، مرغمين، خائفين، وذلك مع توسع الإعلام، وبخاصة الخاص، في التخويف من مصير المعارضة. وكانت استراتيجية التخويف ضمن العقد الضمني بين إدارة مبارك وموجة الصحف الخاصة التي أرادت هامش للسياسة والمنافسة الإعلامية، فساومتها إدارة مبارك على التعاون مع الأجهزة الأمنية كمدخل للموازنة. ولعل هذا ما يفسر عدة ظواهر تبعت 11 فبراير 2011.
توسعت الصحف الخاصة في نشر أخبار الاعتقالات، والمحاكمات العسكرية، ومحاكمات أمن الدولة، بقدر توسعها في نشر أخبار وقائع المعاملة الوحشية في أقسام الشرطة والسجون؛ والتي بلغت حد القتل، فضلا عن أخبار حالة اللامبالاة في التعامل مع الدماء المهدرة في الشوارع وأقسام الشرطة وأقبية الأمن السياسي. كما توسعت الصحف كذلك في نشر أخبار المعارضة السياسية المصرية الهشة، التي كان نظام مبارك يتلاعب بها على نحو يفسد صورتها كقيادة محتملة لأي حراك شعبي قد ينجم عن تردي الأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية. وإلى جانب ذلك تولت نفس الصحف – بموجب نفس العقد الضمني – أخبار علو رجال الشرطة على رجال القضاء، وحالات العنف التي يرتكبها الأولون في حق الأخيرين، بما يتضمنه ذلك من الدلالة على إهانات صريحة جراء “الركل” أو “صفع الأقفية”. كما أنها استمرت في وتيرتها في التعامل مع القوى السياسية الأكبر: الإسلاميين؛ وتصويرهم بصورة الانتهازيين السياسيين، وهو ما تطور لاحقا باتجاه شيطنتهم بعد انقلاب 3 يوليو. وكان هذا العقد الضمني بين إدارة مبارك والصحف المستقلة يبقي إدارة مبارك آمنة، لكنه أفضى إلى عدة نتائج أدت لانقلاب هذا العقد الضمني نقمة على إدارة مبارك.
فمن ناحية، أدت كثافة التدفق الإعلامي حول انغلاق بنية النخبة السياسية، وانسداد القنوات المؤسسية للمشاركة السياسية، وبدء موجة سياسية جديدة من العمل السياسي خارج دائرة الحزبية مع تأسيس “اللجنة الشعبية لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني”1 ، كل هذا أدى لتوجه الشباب للاعتماد على آليات الواقع الافتراضي كأداة لمباشرة وظائف الأحزاب والمؤسسات الأهلية في الدفاع عن المصالح والتعبير عنها وتنظيم الفعاليات والممارسة الإعلامية. وشيئا فشيئا تحول هذا المسار لحركة احتجاجية، لكنها ظلت مع ذلك حركة افتراضية2 .
ومن ناحية ثانية، أدت ممارسات الدولة إلى انتشار الإعلام الإلكتروني غير الرسمي عبر مواقع وظيفية استخدمت، وحملت هذه المواقع أسماء ذات طبيعة تعبوية من قبيل “كفاية” التي توجهت مباشرة لمشروع مبارك في الاستمرار والتوريث، و”شايفينكم” التي كانت تعمل على مراقبة شرعيه ونزاهة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والاستفتائية في مصر من خلال مشاركة شبكة واسعة من المتطوعين، و”ما يحكمش” التي ركزت على مواجهة مشروع التوريث.. إلخ، وبدأت الحركة الاحتجاجية تتسع وتغذي بعضها بعضا. ومثلت هذه الحركات انتقال الحركة الاجتماعية من المجال العام الافتراضي إلى المجال الشارع. لكن الانتقال للميدان ظل خطوة ناقصة لأن هذه الحركة ظلت نخبوية سياسية بدون اتصال بالجماهير3 .
ومن ناحية ثالثة، كانت مرحلة نقل الوعي الحركي من النخبة إلى الجماهير، ولم يحدث ذلك إلا بعد أن بدأت الحركة في التواصل مع الجماهير لا السلطة. ولأن الأحزاب المدنية كانت ضعيفة الحضور في الأوساط الأهلية، لجأت المعارضة الشابة للمعارضة الرمزية للتواصل مع هذه الجماهير 4. فلم تكن الدولة لتأبه لوقفة مجموعة من الشباب بالقمصان السوداء في الشارع احتجاجا على شاب مات من أثر التعذيب، أو وقفة مجموعة من الأمهات حدادا على ضحايا حادث عبارة غارقة في نيل محافظة المنيا، لكنهم الناس الذين التفتوا إلى أن ثمة مأساة حدثت، وأنهم إما حجبوا عن معرفة الحادث، أو تبلدوا لدرجة عدم الشعور بوطأة المأساة، فضلا عن وقفات رفض التحرش بسبب تقاعس الشرطة، بالإضافة للاحتجاجات المهنية والفئوية والاحتجاجية الأخرى 5.

ب. المقاومة غير العنيفة:

هذه ليست دعوة للبدء في نموذج للمعارضة الرمزية، أو المقاومة غير العنيفة، فهناك الواقعتين اللتين أشرنا إليهما في المقدمة، واقعة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي أقر بأنه يعلم مآل خطوته في اللقاء التليفزيوني الذي اجراه مع قناة الجزيرة6 . وثانيهما رفض المستشار هشام جنينة بيان أسرته على النحو الذي عرضناه سلفا7 . هذا فضلا عن التحدي المعلن الذي يبديه أكاديميون وسياسيون مصريون، منهم د. حازم حسني، مساعد المرشح الرئاسي الفريق سامي عنان. وفي تقديري – كمراقب سياسي، أن هذه الأسماء الثلاثة أرادت أن تكون دافعاً لعملية إلهام كل من يهتم لأمر وطنه، وكلاهما أقدم على اقتحام الخطوط الحمراء واعيا بالمآلات.

بين سياقين:

العرض السياقي للتجهيز للحظة يناير يلفت الانتباه إلى أن المعارضة الرمزية جاءت خطوة تالية لمراحل تبلورت فيها حركة احتجاجية كاملة في الواقع الافتراضي، وكان الجميع فيها يقيمون على تراب الوطن، وكان ثمة هامش حركة سياسية متاح، وهو ما قد يراه البعض غائبا اليوم، حيث الانقسام بين معارضة الخارج والداخل من ناحية، وانغلاق لباب التواصل بينهما ثانيا، وانغلاق يكاد يكون تاما لهامش الحركة السياسية ثالثا؛ حيث المجال العام مصادر بصورة شبه تامة، وتصفية للتعددية داخل بنية الدولة؛ وبخاصة أجهزتها الأمنية رابعا، فضلا عن ترويع الصفوف الأمامية والثانية والثالثة للقوى السياسية خامسا، بالإضافة لتيار متدفق من المحتوى المسطح والغاسل للعقول في وسائل الإعلام التي يتعرض لها رجل الشارع العادي سادسا، حيث لا يمكن مقارنة أثر البث المرئي وتأثيره بثقافة الإعلام التواصلي، ناهيكم مؤخرا عن العنف المحتمل الذي ما زالت الذاكرة تختزن منه الاغتيال المأساوي للشهيدة الشاعرة شيماء الصباغ في الذكرى الرابعة لثورة يناير8 .
غير أن نفس السياق الذي يجعل هذه الفكرة تبدو متقدمة بالنظر لحالة التشرذم “النسبي” الراهنة، هي نفسها العوامل التي تجعل هذه الأدوات مما يستدعيه الوقت، خاصة وأن الهامش “غير المتاح” يتآكل. وفيما حدث مع د. عبد المنعم أبو الفتوح، وتلك الضغوط التي تتعرض لها “الحركة المدنية الديمقراطية” بعد بيان مقاطعة الانتخابات الكفاية على تآكل الهامش “غير المتاح”. وسبق في هذا الإطار أن لفتنا لإقدام كل من المستشار هشام جنينة والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح على تقديم نماذج لاقتحام الخطوط السياسية الحمراء؛ رغم وعيهم بمآلات مواقفهما، وهي إشارة من الرجلين إلى أن الأمر لم يعد يحتمل الوقوف صمتا أو المناورة بعيدا عن توفير نماذج لرجل الشارع يمكنه الاقتداء بها، خاصة وأن سياسة “الأصابع الملتهبة” التي تتهيب الاقتراب من الأسطح الساخنة لم يعد لها مآل إلا “نموذج كوريا الشمالية”.

فقر اللاعنف بعد 3 يوليو:

برغم أن اللجوء للمعارضة الرمزية يشيع اليوم في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، حتى حملت نساء المعارضة الموريتانية مراجل فارغة احتجاجا على غلاء المعيشة، المرتفع بعد موجة زيادات الأسعار التي شهدتها وذلك خلال مسيرة المعارضة التي نظمها المنتدي الوطني للديمقراطية والوحدة بمقاطعة دار النعيم اختارت نساء المنتدى التعبير عن سوء الأوضاع المعيشية بأساليب رمزية ومعبرة9 . وبرغم هذا يضعف اللجوء للمعارضة الرمزية في مصر. وفي هذا السياق لا نكاد نجد سوى وقفة أمهات وأصدقاء ضحايا غرف معدية سمالوط10 ، فضلا عن نموذج “شيماء الصباغ” الذي قوبل بهمجية ووحشية تحتاج إحياء لذكراها. أما بقية الجهود فتقع في دائرة الاحتجاج لا المقاومة غير العنيفة.
خلال الفترة التي سبقت الانقلاب العسكري، أوعزت الرأسمالية المتطفلة على موارد الدولة إلى أذرع الدولة العميقة من عاملي محطات البنزين وسائقي السيارات الأجرة وسائقي سيارات النقل الجماعي الخاصة وحراس البيوت ونادلي المقاهي وغيرهم من الفئات التي تميل أجهزة الأمن لتجنيدها، أوعزت إليهم بفعل رمزي أدى لتعبئة وجدان رجل الشارع وربات البيوت ضد “جماعة “الإخوان المسلمون”، ومكنت من تيسير شيطنتهم لاحقا، وكان الفعل الرمزي هو الدعاء “الله يخرب بيتك يا مرسي”، وكان ترديدها، وربطها بالدعاء، وهو عبادة، هو ما مثل قيمتها التعبوية الأساسية. وهي قيمة لا ترقى إليها تلك التسميات التي أطلقت على رأس إدارة 3 يوليو بعد الانقلاب، بالرغم من أنها كانت ناجحة في تكريس المفاصلة السياسية، واتسعت عندما ابتعدت عن “البذاءة”.

مقاومة “من يفهم”:

جدير في هذا المقام أن يعلم كل معني بشأن مصر أن اللجوء لهذه المعارضة إنما هو لتنبيه الجماهير لما يحدث، ودفعهم للتساؤل بجدية عن سبب مقاومة “الناس اللي بتفهم” على ما يحدث في مصر. هذه الأفعال موجهة للناس، لا لإدارة 3 يوليو “الصماء” المتعامية. وهذه الرسالة تحتاج لبثها ضمن حركة المقاومة المتجددة، فهي مقاومة “الناس اللي بتفهم” في مواجهة “جماعة المنتفعين” و”معشر المرتعدين”.
كما أن الرسالة كذلك موجهة لأعين القوات المسلحة التي يبدو أنها انساقت وراء إدارة 3 يوليو لما لمسته من قدرة رؤوس إدارة 3 يوليو على إخماد الأصوات التي دعت لتوفير بديل يعالج للكارثة ويحتاط للمستقبل. والدعوة لبلورة صورة “مقاومة الناس اللي فاهمة” يحتاج أن يستكمل المسيرة أناس على قدر من بدأوا التضحية مثل جنينة وأبو الفتوح، ومن قبلهم قامات زكية يقبعون في السجون أو ووروا التراب. فالاكتفاء بالشباب والصفوف الثالثة والرابعة لن يحقق الصورة المقصودة. ويتبقى الإبداع في قوالب المواجهة الرمزية التي تبلغ عقل رجل الشارع.
إن اللجوء لخيار اللاعنف رسالة في حد ذاته، تعني أن العنف ليس خيارا مطروحا من أساسه، وأن الوطن يحتاج أكثر ما يحتاج إلى نبذ وجود عنف أهلي، أيا كانت نبل غايته. لكن الرسالة الأهم التي يحملها المنهج أن الناس بدأت، فيما يظن رؤوس إدارة 3 يوليو أنهم انتهوا، وأن منهج الاحتجاج انتهى، فيما يبدأ نهج المقاومة، وينقل المستبد إلى مربع الفضيحة.
ربما يمكن استثناء جمهور آخر من دوائر السلطة، وهم السلطة القضائية، التي ينبغي وضعها ضمن دائرة التوعية، أو الانتقال بها لمربع “الفضيحة”، وبخاصة بعدما أضحت شريكة بقبول مناصفة الكفالات.

الاحتياط المهم:

لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان أن هذا النهج له ثمن. ولفت د. عمرو حمزاوي في كلمات له إلى أن الخبراء الأمنيين يرون أن هذا النهج بالغ الخطورة على ما يعتبرونه “أمن البلاد”11 . ويتبقى أن تجنب مصير “شيماء الصباغ” مقرون بترتيبات تغطية الفعاليات، بحيث تكون أمام عدسات كاميرات عالمية. وإن كانت عدسات عيون المصريين هي القصد، فإن عدسات الكاميرات العالمية هدفها الحماية. وفي تقديري أن التئام جبهة المعارضة يمكن أن يوفر نموذجا واقيا لحركة المقاومة القادمة.

ثانيا: العلاقات البينية للوطنيين المعارضين

ربما يكون مناسبا أن نبدأ من تدوينة د. حازم حسني المصغرة (تويتة)، ذلك أن الرجل يقع في قلب التفاعلات، حيث أقدم الرجل في قبل يوم من كتابة هذه السطور إلى نشر تويتة نصها “على أي أرض نجتمع؟.. رغم دعوة “تنظيم” #الإخوان للتوحد، إلا أن بوصلته موجهة نحو التوحد على أرضية التنظيم لا أرضية #الدولة_القومية_المصرية.. على الإخوان – بعيداً عن بوصلة التنظيم – أن يحددوا بوصلتهم، فليس بيننا وبين بوصلة #الإسلام خصومة، ولكن بيننا وبين بوصلة “التنظيم” افتراق!”12 . والحقيقة أنه نشر أكثر من تويتة بعد وصلة من الهجوم عليه، وهي ما أود أن أهملها في هذا السياق، بالنظر إلى أن تحليل المضمون يكشف عن تأثر تويتاته اللاحقة بالهجوم الذي أعقب تويتته الأولى.
وتكشف تويتته الأولى عن تمييزه بين مساحة مرجعية الإسلام ومساحة مرجعية “التنظيم”، وهما مساحتان يتسع البون بينهما. وبرغم التحفظ على د. حازم حسني لانفعاله بسبب بعض الردود عليه، وهو القيادة السياسية التي تقع اليوم في قلب الأحداث، إلا أنه يمكن تفهم نمط ردود الأفعال من رجل يقف خلف ستار حديدي من الصرامة “الرياضية” اعتادها طلابه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية منذ ثلاثة عقود.
إن حالة “الإخوان الصغار” في الواقع الافتراضي تثير فوضى، والأكثر وطأة أنها فوضى قابلة للاستغلال. أما عن فحوى التويتة الأولى فإنها قد وجدت تفسيرها الأقوى لدى الكاتب والمفكر الإسلامي جمال سلطان، رئيس تحرير صحيفة “المصريون” الذي نبه إلى تلكم البيئة المنفصلة التي وضع تنظيم الإخوان فيها أعضاءه، وانغلق عليهم، ثم تطور الأمر لتحول التنظيم إلى مرجعية في ذاته 13، وهي قضية إشكالية تفجرت منذ أكثر من عقدين من الزمان على أيدي قيادات من التنظيم، وأعني بها السياسي المصري عصام سلطان، رأت أن التنظيم يتحول إلى غاية، وهو ما يضر بالدعوة وبالمجتمع، وهو ما انتهى إليه مقال جمال سلطان.

هل الخلاف على مرجعية التنظيم فعلا؟

لا يرغب الباحث في مناقشة قضية مرجعية التنظيم، سواء بالمستوى السياسي الذي طرحه د. حازم حسني، أو بالمستوى الحياتي الشامل الذي طرحه أ. جمال سلطان، وإن كنت عن نفسي أفضل طرح د. حسني، لأن الطبيعة التربوية للتنظيم قد تجعله يقوم بالدور الاحتوائي الشامل. وأنتقل قفزا هنا لمقصد د. حازم حسني في تويتته، وهو مقصد سبق أن كتب عنه صراحة د. حازم عبد العظيم، ود. ممدوح حمزة، وهي دعوة لبناء الثقة التي تعد رأس المال السياسي المفتقد في عملية المقاومة المطلوبة لاسترداد مصر ممن يوردها موارد التهلكة. وهي في تقدير الباحث رأس مال مهم لبناء شراكة سياسية، خاصة وأن رصيد الثقة مهتز بين الطرفين، لأخطاء من الطرفين.
وفي تقدير الباحث، أن عملية بناء الثقة هذه يحتاجها الطرفان. فانسحاب الشارع المصري من الاحتجاج برغم فداحة ما يعانيه رجل الشارع تحت وطأة مغامرات إدارة 3 يوليو المالية والاقتصادية والنقدية. انسحاب الشارع يعكس عدم ثقة في قدرة البديل على صوغ سياسات تحول دون انزلاق الوضع في مصر إلى صراع بين من يثق فيهم أو من منحهم صوته عندما جد الجد. إن السهولة التي نتجت بها عملية شيطنة إسلاميي مصر في أعقاب الحملة الإعلامية الضارية التي استمرت في منحنى تصاعدي أكثر من عام ونصف، ليست سوى دليل على فقدان الثقة أكثر منه اقتناع بخطاب الانقلاب. كما أن استمرار نخبوية المعارضة بعد الفتور النسبي للاحتجاج الميداني الإخواني – برأي الباحث – ليس سوى رد فعل على خذلان المعارضة للصوت الانتخابي بعد انتخاب رئيس مدني، فضلا عن حالة الإنهاك والتشبع التي اصابت رجل الشارع بعد ماراثونية احتجاجية زادت عن قدرته على الاستيعاب أو الاحتمال.
تويتة د. حازم حسني أتت استجابة لدعوة جماعة الإخوان، بحسب منطوق التويتة، وهي إقرار بضرورة التواصل، مع غياب الثقة بسبب وعود سبقت وأخلفت. في تقدير الباحث، أن تجاهل هذه الآلية، واستمرار عملية إعادة إنتاج الخلاف طريق سهل للانتحار الجماعي، كما في تقدير الباحث أيضا أن هذا الأمر صار مسلمة لدى الجميع، لكنها مسلمة انتهت عندها عملية تقدير الموقف، من دون أن تبدأ عملية بناء الثقة.

العقل التواصلي:

إذا كانت حاجة الطرفين لبعضهما مسلمة وطنية، فإن بناء الثقة ضرورة. وبدء مسار بناء الثقة ينطلق من إجابة الإخوان السؤال: هل يمكن أن يتكرر خلف الاتفاق الاستراتيجي بين شركاء الوطن لمجرد تغيير آراء قيادات التنظيم؟ وهذا سؤال لا يمكن للباحث الإجابة عليه، بل يحتاج مبادرة من قيادة التنظيم. وطبيعي أن أية مبادرة يقوم بها التنظيم تحتاج تطمينات من الجانب الآخر. هذا الأمر لا يمكن إدارته عبر إصدار البيانات. نعم يمكن لبرامج حوارية، وأبرزها برنامج “مراجعات”، الذي يديره المفكر الإسلامي البريطاني من أصل أردني عزام التميمي أن يقود هذه الجولة من جولات بناء الثقة، وأن يطرح من خلالها احتياجات الجماعة، لكنها تظل خطوة تحتاج استكمالها عبر تواصل فعال، ونقاش موضوعي، وصوغ آليات لتراكم الثقة، وتنظيم الاختلاف، وصوغ “كود” مشترك، لا تقف اهميته عند عملية استرداد الوطن، بل تمتد لصون هذا الاسترداد إذا ما حدث. فبدون هذا الكود الأخلاقي المتوافق عليه، لا يوجد ما يضمن الدوران في حلقة مفرغة من الاسترداد والفقدان مجددا. الامر إذا لا علاقة له بالتخلي عن رؤية أو فكر؟ بل تتعلق فقط بإمكانية الثقة المتبادلة مجددا.
ومهم من جانب “جماعة الإخوان” أن يبدأ صوغ المسار التواصلي انطلاقا من توفر رؤية يبنيها قياديو الإخوان، ومن ثم تعميمها على قواعد التنظيم، للشروع في مداواة الجراح، وتقليل الفاقد المعنوي الوطني الذي يجعل إمكانية بناء الثقة نهبة لمن يمكنه انتحال حساب إسلامي مفعم بالأدعية والأوراد، وتوظيفها غطاء للجان إلكترونية تمعن في تسميم الأجواء، وإفساد ذات البين. ولا يمكننا في هذا الصدد أن نتجاهل مقولة هيكل “الخريفية”: السياسة بشرية، يقوم على إدارتها بشر، ومن ثم، فإن وقائعها مجال لكل ما يعتري البشر من أوجه القصور، وحتى العقد والعواطف.

مبادرة سعدية:

أتصور أن إنجاز “البدء” في مسار بناء الثقة يمكن أن يتوج باستعارة تاريخية “وفدية”؛ نسبة للعملية التاريخية التي تمثلت في منح المشروعية القانونية لممثلي الشعب وعلى رأسهم الزعيم السياسي المصري سعد زغلول، وهي عملية يمكن أن تكون المعكوس التاريخي لـ”حركة تمرد”، حيث يمكن حماية حالة المقاومة الداخلية التي تترقبها مصر بعملية دبلوماسية شعبية مشتركة يشكلها التيارين الوطنيين الإسلامي والمدني، تقوم على رصيد من جمع التوكيلات من الرافضين لاختطاف مصر على النحو الراهن. في هذا الإطار، هناك سيناريوهان، أولهما؛ في حالة اللجوء لسيناريو التوكيلات الشعبية، فمن المهم أن تفوق التوكيلات المجموعة عدد الأصوات التي ستنسب لرأس إدارة 3 يوليو في الرئاسية المنتحلة بمصر 2018. والبديل الثاني أن تقتصر عملية جمع التوكيلات على النخبة السياسية باعتبارهم رموز مصرية، وتسويق المبادرة باعتبارها رموز قيادات مصر المتنورة؛ إسلامية ومدنية.
أما عن عملية إصدار التوكيلات نفسها، فيمكن أن تكون من خلال آليتين: أولهما أن يوكل النخبة المصرية محامين في إدارة قضايا الشأن العام، ويكون لهم الحق في توكيل من يرونه للدفاع عنهم. أما البديل الثاني، وهو ما يفضله الباحث، فيتمثل في القيام بحملة لإنتاج تطبيق ويب أو هاتف ذكي لتوثيق التوكيلات، على أن تصحب عملية التوثيق تغطية إعلامية تلفت الأنظار خارجيا ومحليا، خارجيا للضغط على الحكومات الغربية معنوية؛ والرد على القناعة بأن المعارضة المصرية قد وافتها المنية، وداخليا لدعم الحلم بالتغيير، وما في ذلك من بعث الأمل والهمم، وهو ما سيؤدي لنتائج إيجابية عديدة سيكون التوكيل أحدها.
قيمة هذه المبادرة السياسية أنها توفر قدرا من الحماية لحركة المقاومة الداخلية التي يبدو أن طليعتها قد جوبهت مجابهة قوية، وإن لم تكن بعنف المواجهة التي شهدتها الذكرى الرابعة لصورة يناير. لكن رصيد الشخصيات العامة المدعوة للمشاركة في هذه المقاومة، واعمارها تحتاج كل دعم ممكن لحمايتها.
تقدير الباحث أن هذه المبادرة الدبلوماسية الشعبية تحتاج أن تكون مشتركة أكثر قليلا من حاجتها للتوكيلات. ومرد هذا التقدير أن تعويل القوى الغربية على الانقسام السياسي المصري هو ما دفعها باتجاه “استثمار نسبي في الاستبداد” على نحو ما أفاد به بعض الباحثين. وبرغم ما تصوره عدسات الفضائيات المصرية المحتكرة أمنيا من دعم غربي، إلا أن بعض المواقف كاشفة عن حدود لمثل هذا الدعم، لعل آخرها فضيحة الرافال التي كشفت عن تحفظ غربي على تزويد مصر بتسليح هذ الطائرات بصواريخ توما هوك، وهو ما يكشف عن تحفظ حيال أدوارها الإقليمية، ضمن نسق تحفظ حيي على سلوك دول الثورة المضادة إقليميا. في هذا السياق، يحتاج السياسي الغربي إلى أن يجابه بتحرك مشترك يقوده الطرفان، وهو في تقديري تحرك سيكون كافيا لتوفير قدر من الحماية لمقاومة الداخل لا أكثر. ولا يمكن أن نتوقع من الدول الغربية أكثر من هذا القدر من الحماية.
الأهمية التي أولاها الباحث للدبلوماسية المشتركة لا تقدح في أهمية مشروع التوكيلات باعتباره خطة مساندة، ووسيلة تعبوية جادة. ويمكن في هذا الصدد أن تلجأ حركة المقاومة لصيغة توكيل يمنح لمجموعة من المحامين، تقوم بدورها بتوكيل الشخصيات العامة المشتركة المختارة لأداء هذا المشروع الدبلوماسي.

الإخوان بين صدعين

يبرز تساؤل حول إمكانية إنجاز جماعة الإخوان لهذا المشروع، ورأب صدع الأمة، بالرغم مما تكابده من صدع ذاتي يتمثل في تلك الفجوة الجيلية/ الفكرية التي تكابدها، والتي أنتجت أثرها في التحول عن مشروع الثورة الكاملة إلى مرحلة المأسسة التي مثلت إسهام قيادة الجماعة في 2012 في المسار الذي أدى لأزمة 30 يونيو؟
وفي إطار الإجابة على هذا التساؤل يمكن القول إن أبعاد الأزمة داخل الجماعة مركبة، جيلية، فكرية. فبنيان الجماعة يتضمن تعددية واسعة النطاق تتضمن عدة تيارات:

  • التيار البنوي (نسبة لحسن البنا).
  • التيار الأزهري (تيار داخل الإخوان تعلم في الأزهر وأنتج اجتهادا مدمجا بين التيارين.
  • التيار السلفي (تيار أقرب للتوجه النصوصي السلفي، وهو محدود الحضور داخل الجماعة).
  • التيار القطبي (التيار الأكثر يمينية داخل الإخوان، ويركز على موقف سلبي من الحاكم، فضلا عن دعوته للنقاء العقدي، وهو أكثر التيارات ارتباطا بطرح الانكفاء على الذات).
  • تيار العمل العام، وبخاصة التيار الذي خاض خبرة النقابات، وإليه تُعزى ثقافة المشاركة لا المغالبة.

غير أن ذلك يرتبط جزئيا بنمط ثان من التعددية الجيلية، لعل أبرزها جيل الستينيات الذي تأثر بالطرح القانوني الإجرائي للمرشد الثاني حسن الهضيبي. وثمة جيل التنظيم الخاص الذي هيمن على الجماعة بقوة؛ واستمرت تلك الهيمنة حتى اليوم (تقريبا). وهناك أيضا جيل السبعينيات الذي أضاف كثيراً عبر الخبرة النقابية، وانتهى لضرورة بناء شراكة وطنية، ويعزى إليه الفضل في بناء مشروع المشاركة لا المغالبة. بالإضافة لجيل التسعينيات الذي ظهرت فيه جلية تلك النزعة ما بعد الإسلاموية (التعبير لآصف بيات) بقوة، ومثلت فيه الفاعلية التنظيمية والعلاقة التكاملية مع الآخر شريك الوطن أبرز الملامح الفكرية. وبخلاف هذه الروافد الجيلية الأربعة فإن شباب الجماعة منقسمون بين هذه تأثيرات هذه الروافد.
وبالرغم من أن الجماعة مثلت حاضنة تربوية لكل تلك التيارات، إلا أن هذه التكوينات تنقسم الآن لقسمين: أولهما، يرى ضرورة تجسير الفجوة مع المجتمع، وتضم التيارات البنوية والأزهرية وحتى السلفية التي شهدت تطورا ملحوظا في خطابها السياسي، في مقابل المتأثرين بالرافد الجيلي (جيل التنظيم الخاص) والفكري (التيار القطبي) والذي يبدو أنه بالرغم من رفضه العنف لكنه ما زال يحمل توجسا من الآخر المفترض فيه أنه شريك الوطن. والفارق الموضوعي بينهما أن الفريق الأول يرغب في شراكة وطنية حقيقية، فيما الفريق الثاني لا يمانع في معالجة براجماتية للموقف الراهن بتوافق على هدف عام يتمثل في إسقاط النظام الراهن، ضمن سياق اختلافات أكبر طرحها فريق المكتب العام في نقده لأداء القيادة في 2012 – 2013، فيما يتكتم الطرف الثاني على مراجعاته.
وبالنظر لوجود اتفاق عام على رفض كل شباب الجماعة ما يحدث في مصر، ورغبتهم في تجاوز الكارثة القادمة، فإن ما يمكن أن يجمع الجميع أن يرى مشروعا تقوم الجماعة بتنفيذه على الأرض، وفي تقديري أن بناء علاقة فعالة مع “شريك الوطن” سيكون مدخلا لتحصيل شرعية قيادة الجماعة وتمثيلها، ومن ثم سيكون مدخلا أساسيا لتوحيد الجماعة، وتجاوزها الصدع الذي تعانيه. ويدعم هذا التقدير أن الطريق لمعالجة الوضع انطلاقا من الحوار مع إدارة 3 يوليو يبدو حتى اللحظة طريقا مسدودا من كلا الطرفين.

وبعد،،

بدأ سباق التضحية ودفع الثمن، ومن المهم تطويره في اتجاه أكثر روتينية واستقرار، بحيث يضمن استمرار عملية المقاومة إلى أن يأذن الله بإغاثة الأمة وكشف الغمة.
عملية المقاومة تحتاج أن تتزيا بلباس يخلع عليها الشرعية اللائقة بها، في إطار معركة “الناس اللي بتفهم” في مواجهة “نموذج أحمد موسى” و”نموذج محمد الغيطي” صاحب أسطورة أسر قائد الأسطول السادس الأمريكي. هذه الصورة لابد أن تصل جلية ناصعة لرجل الشارع.
كما أن عملية المقاومة في حاجة لأن تتخذ صيغة وثيقة الصلة برجل الشارع، الذي سبق له أن تخلى عن المعارضين عندما اختلفوا وذهبت ريحهم. وخبرات المقاومة باللاعنف واسعة، ويمكن استلهامها إن لم يكن ممكنا استنساخها.
الغطاء التأميني واجب لصون القامات التي يفترض بها التصدي لحالة المقاومة، فالحماقة التي يواجهونها غير مسبوقة، وقوى الثورة المضادة تتميز بانها تخرق القواعد والاعراف السياسية المستقرة، ولو كانت تتعلق برئيس أركان القوات المسلحة نفسها.
العلاقات البينية الإسلامية المدنية في حاجة بدورها للانتقال للمستوى التالي، مستوى يتجاوز الشعور بضرورة الوحدة. فما زال جرح غياب الثقة ينزف، ولابد له من تطبيب. وما من علاج له سوى التواصل بعيدا عن المراسلة بالبيانات الإعلامية. وثورة الاتصالات تجسر الفجوات.
كما أن الطفولة السياسية تحتاج تعهدا وتوجيها ورؤية واضحة تنتشلها من أداء وظائف التفرقة وإفساد ذات البين نيابة عن الخصم الذي صار – بمحض اختياره – عدوا.
إن مواجهة القوى الدولية بجرائمها في “الاستثمار النسبي في الاستبداد” أضحت ضرورة تستدعي مواجهة مشتركة مدنية – إسلامية، لا نأمل منها إلا أن ترفع ستر المشروعية عن استخدام القوة الصلدة في العالم العربي ضد الشعوب العربية ذات التوجه السلمي الرافض للعنف( 14).

————

الهامش

1 محمد العجاتي، الحركات الاحتجاجية في مصر.. المراحل والتطور، في عمرو الشوبكي (محرر)، الحركات الاجتماعية في الوطن العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، أغسطس 2014، ص ص: 224 – 225.

2 محمد بن هلال، الإعلام الجديد ورهان تطوير الممارسات السياسية، في عبد الإله بلقزيز (محرر)، الإعلام وتشكيل الرأي العام وصناعة القيم، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة كتب المستقبل العربي (69)، ط1، نوفمبر 2013، ص ص: 4- – 42.

3 محمد العجاتي، مرجع سابق، ص ص: 227 – 228.

4 “وجهة نظر” التحرير، اللاعنف: مفتاح التغيير في مصر، صحيفة الاتحاد الإماراتية، 20 فبراير 2011. https://goo.gl/Be4bu7

5 عماد صيام، 25 يناير.. الثورة السلمية لشباب الطبقة الوسطى وتحديات المستقبل، في: ياسر كريم محررا، الربيع العربي.. ثورات الخلاص من الاستبداد، تونس، الشبكة العربية لدراسات الديمقراطية، ص ص: 55-56.

6 المحرر، فيديو : لقاء د.عبد المنعم أبو الفتوح في قناة الجزيرة مباشر ١١/٠٢/٢٠١٨، موقع الرسمي للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، 12 فبراير 2018. https://goo.gl/ywM2wx

7 عبد الله حامد، محامي جنينة: هو أعقل وأشجع من قابلت، الجزيرة نت، 10 فبراير 2018. https://goo.gl/TBfD72

8 مصطفى عبد الرازق، مقتل شيماء الصباغ.. برواية الشاب الذي حملها، موقع دوت مصر، 26 يناير 2015. https://goo.gl/QG4sL2

9 المحرر، غلاء الأسعار يدفع نساء المعارضة إلى أشكال جديدة في التظاهر، موقع السراج الإخباري، 11 فبراير 2018. https://goo.gl/moL65A

10 أيمن يونس، بالصور.. وقفة بالقمصان السوداء حداداً علي ضحايا حادث معدية الموت بـ”المنيا”، موقع قناة “صدى البلد”، 21 أكتوبر 2014. https://goo.gl/yu4HDf

11 عمرو حمزاوي، علم ثورة العقول واللاعنف، بوابة “الشروق” المصرية، 7 يونيو 2016. https://goo.gl/ufHcu2

12 https://goo.gl/TQ3a1u

13 جمال سلطان، الإخوان والحركات الإسلامية وعقم المسار التاريخي، صحيفة المصريون، 26 فبراير 2018. https://goo.gl/Jwt6eh

14 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

أكرم السقا

أكرم السقا، باحث مصري، متخصص في الاجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى