تقديرات

الموقف المصري والتدخل العسكري في اليمن


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


مقدمة:

مع قرار دول مجلس التعاون الخليجي – ماعدا عمان- التدخل عسكرياً في اليمن لاستهداف معاقل جماعة الحوثي، اتخذت القاهرة قرارها بالمشاركة في تلك الخطوة دعماً لـ”شرعية” حكم الرئيس عبد ربه منصور هادي، وفي محاولة لتجنب التهديدات التي قد تطال مضيق “باب المندب”، وبما قد يؤثر على الملاحة في قناة السويس التي تمثل مصدر الدخل الرئيسي لمصر، ولتلتقي المصالح مع دول الخليج في أهمية مواجهة التمرد الحوثي، ذلك أنه يمر عبر “باب المندب” حوالي 3.4 مليون برميل من النفط يومياً، وأيضاً لما يمثله تفرد الحوثيين في اليمن من توسع لنفوذ إيران التي تسعى إلى التحكم في الممرات المائية الحيوية في سياق سياساتها التوسعية.

غير أن موقف مصر ودول الخليج عموماً بالتدخل العسكري في اليمن دعماً لـ”شرعية” الرئيس هادي، أثار الكثير من التناقضات وعلى مستويات متعددة، بدءًا بمدى شرعية التدخل العسكري الأجنبي في اليمن، مروراً بمواقف دول الخليج التي كانت ولاتزال تؤكد على أهمية فتح جبهة للحوار مع الحوثيين، بجانب ما أثير عن زيارة قامت بها عناصر من جماعة الحوثي للقاهرة قبيل العمليات العسكرية في اليمن، وانتهاءً بهدف العملية المتمثل في “دعم” شرعية منصور هادي مقابل المواقف الخليجية التي دعمت من قبل الانقلاب العسكري في مصر في انتهاك واضح لشرعية الرئيس مرسي.

وليكن التساؤل إذن عن أبعاد ودواعي المشاركة المصرية في العملية العسكرية ضد الحوثيين، والتناقضات التي تثيرها تلك الخطوة على المستويات المتعددة، ومستقبل المشاركة المصرية في العملية العسكرية في سياق ما قد تؤول إليه العمليات الجارية في اليمن، وتأثير كل ذلك على جماعة الإخوان المسلمين، والمواقف التي يمكن أن تتخذها الجماعة لأجل إرساء حل سياسي للأزمة اليمنية.

أولاً: انعكاسات الوضع اليمني على الأمن في مصر:

اتخذت الأوضاع في اليمن أبعاداً خطيرة بعد إصدار جماعة الحوثي “إعلاناً دستورياً” في السادس من فبراير 2015، حلّت بموجبه مجلس النواب (البرلمان) وشكلت مجلساً وطنياً بديلاً عنه قوامه 551 عضواً، بعد دفعها الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الاستقالة بعد سيطرتها على القصر الرئاسي في يناير من ذلك العام ، قبل أن يتراجع هادي عن تلك الاستقالة وينقل مقر حكمه إلى عدن في الجنوب12.

غير أن تهديدات الحوثيين طالت مقر حكم الرئيس الجديد مع استمرار توسعهم ناحية الجنوب، في تمدد لم يحل دونه الخسائر التي تكبدتها الجماعة في المواجهات التي خاضتها، ليس فقط مع القوات التابعة للرئاسة، وإنما أيضاً مع تنظيم القاعدة وتحالف القبائل الرافض لحكم الحوثيين وأخيراً تنظيم “الدولة الإسلامية- داعش” الذي دخل على خط الأزمة اليمنية، بتنفيذه تفجيرين انتحاريين كبيرين في مسجدين تابعين للحوثيين في العاصمة صنعاء أثناء صلاة الجمعة في 20 مارس 2015، ليسقط 142 قتيلاً، و350 جريح3.

ولكن رغم ذلك تمكنت الجماعة من السيطرة على مطار مدينة تعز الواقعة بالقرب من مضيق “باب المندب”، وسعت إلى السيطرة على المدينة بشكل كامل، فيما أفادت الأنباء بأن تشكيلات من المسلحين الحوثيين كانت في طريقها الى ميناء “المخاء” على بعد 80 كيلومتراً غرب تعز، توازياً مع تقدمهم باتجاه مدينة عدن، مقر حكم الرئيس هادي، والتي تقع على مسافة 150 كيلومتراً فقط من باب المندب4.

ثانياً- الموقف المصري من التدخل العسكري في اليمن:

على خلفية التهديدات السابق الإشارة إليها، لم تنتظر دول الخليج كثيراً بعد الأنباء عن وصول الحوثيين إلى مشارف عدن وخروج الرئيس هادي من المدينة، لتتخذ قراراً بالتدخل العسكري في اليمن استهدافاً لمعاقل الحوثيين، في خطوة لاقت دعما سياسيا وعسكريا من جانب النظام القائم في مصر، ليس فقط بسبب ما يمثله تمدد نفوذ الحوثي من توسع لنفوذ إيران في مواجهة دول الخليج، ولكن أيضاً لوجود حرص مصري خليجي مشترك على عدم غلق مضيق “باب المندب” تحت أي ظرف، وعدم السماح لإيران بالتحكم غير المباشر في المضيق في حال تمكن الحوثيون من التمدد بنطاق سيطرتهم إلى هناك. وعليه يمكن توضيح موقف مصر من جماعة الحوثي ومن التطورات القائمة في اليمن من خلال النقاط التالية.

  • الدعم السياسي لسلطة هادي:

على اثر نجاح الحوثيين في السيطرة على القصر الرئاسي بصنعاء، وعلى خلفية الإعلان الدستوري الذي أصدره الحوثيون والذي يضمن لهم فعلياً السيطرة السياسية والأمنية على مجمل الأوضاع القائمة في اليمن، فقد اتخذت القاهرة قراراً في 23 فبراير 2015 بإغلاق سفارتها في العاصمة صنعاء اتساقاً مع القرار الذي اتخذته عدداً من السفارات الغربية والعربية، وقامت بسحب بعثتها الدبلوماسية من هناك بسبب “سوء الأوضاع الأمنية”.

وفي إطار دعمها لسلطة الرئيس هادي الذي أعلن نقل مقر الحكم إلى عدن، فقد جاء تأكيد الخارجية المصرية على دعم القاهرة لمؤسسات ورموز الدولة الشرعية وأهمية اضطلاعها بمسؤوليتها القومية من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي اليمنية ومصالح شعب اليمن الشقيق، وشددت الخارجية في بيان صدر عنها في 27 فبراير، على أن مستقبل اليمن يتحدد بالتوافق بين الأطراف السياسية المختلفة ودون لجوء أي طرف لفرض رأيه على الأطراف الأخرى بالقوة، مجددة تمسكها بوحدة واستقلال اليمن، ومشددة على أهمية التزام جميع الأطراف السياسية اليمنية بمواصلة الحوار السياسي برعاية أممية على أساس المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة الوطنية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة باعتبارها السبيل الوحيد لحل أزمات البلاد الحالية5.

وبعد القرار المصري بإعادة فتح السفارة المصرية في عدن –أسوة بمواقف دول الخليج وعدد من العواصم الغربية- ولقاء سفير مصر في اليمن يوسف الشرقاوي بالرئيس اليمني في 17 مارس 2015، فقد شدد الشرقاوي على أن هذا اللقاء جاء للتأكيد على أهمية العلاقات المصرية اليمنية والشرعية الدستورية للرئيس هادي وعلى أن أمن مصر وأمن اليمن مرتبطان ببعضهما، لافتاً إلى أن ارتباط الأمن القومي المصري بالأمن القومي اليمني إنما هو تعبير عن المصير الواحد للبلدين الشقيقين6.

  • التواصل مع الحوثيين:

مع تشديد رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش، في تصريحات له في الرابع من فبراير 2015، على أن مصر لن تقبل بإغلاق مضيق باب المندب بأي حال من الأحوال، قائلاً إن “هناك قوة عسكرية جاهزة للتدخل إذا حاولت الجماعات المتطرفة في اليمن إغلاق المضيق، لأن هذا الإجراء يمس الأمن القومي المصري، ويؤثر بشكل مباشر على قناة السويس، وعلى الأمن الوطني لمصر”7، فقد حاولت جماعة الحوثي التواصل مع الخارجية المصرية لمعالجة هذه المخاوف، وأثيرت أنباء عن قيام وفد من الجماعة بعقد لقاءات مع مسؤولين في المخابرات المصرية ووزارة الخارجية رغم نفي الأخيرة وتأكيدها أن موقف مصر يدعم مؤسسات الدولة الشرعية ورموزها8.

ولكن تصريحات الخارجية المصرية تخالف تقارير ومعلومات أوردتها وسائل إعلام مصرية تحدثت عن لقاءات جمعت مسؤولين في الوزارة بالوفد الحوثي الذي ترأسه مسؤول العلاقات الخارجية في الجماعة حسين العزي، مشيرة إلى أن الوفد وصل القاهرة في الأول من مارس 2015 لمقابلة مندوب اليمن لدى الجامعة العربية، ولبحث فتح علاقات بين الحوثيين والقيادة المصرية، ولتبديد مخاوف مصر بشأن السيطرة على مضيق باب المندب وانعكاسات ذلك على قناة السويس9.

وأكد تلك الأنباء عضو المكتب السياسي لجماعة أنصار الله، محمد البخيتي، الذي كشف عن لقاء آخر تم بين ممثلين لجماعة الحوثي مع السفارة المصرية باليمن في الأيام الأخيرة من فبراير 2015، وأسفر عن “تفاهمات كبيرة” بحسب البخيتي، الذي مضى يقول عندما سئل حول الملاحة في باب المندب: “لم ولن تتأثر لأننا حريصون على تأمينه؛ لكونه ممراً دولياً وحيوياً لكل دول المنطقة بما فيها اليمن ومصر، وأي إخلال بأمنه سيؤثر سلباً على الجميع. كما نحرص على توطيد العلاقات اليمنية المصرية، وليس هناك أي نوايا لغلق ممر باب المندب خصوصاً أن هناك ما يجمعنا بمصر وهو مواجهة الإرهاب المتمثل في القاعدة وداعش”10.

ولكن لا يبدو أن الجماعة نجحت في تحقيق الطمأنة المطلوبة لمصر، حيث أشارت المصادر الصحفية إلى أن الجانب المصري لم يقتنع بالتطمينات المقدمة من الحوثيين لإدراكه أنها ليست جادة، وإنما كان الهدف منها كسب تأييد سياسي ودبلوماسي من مصر يسهم في كسر شبه العزلة الدولية المفروضة على الحوثيين، منذ إصدارهم “الإعلان الدستوري” في فبراير 201511.

  • دعم العملية العسكرية في اليمن:

مع استمرار المخاوف المصرية بشأن حرية الملاحة في “باب المندب”، ووضعاً في الاعتبار المصالح التي تجمع النظام المصري مع دول الخليج الداعم الرئيسي له خلال فترة ما بعد 30 يونيو، فقد أعلنت القاهرة مساندتها لعملية “عاصفة الحزم” التي نفذها “ائتلاف الدول الداعمة للحكومة الشرعية” في اليمن في 25 مارس 2015، بل وأعلنت الاستعداد المشاركة بقوات بحرية وبرية في تلك العملية التي قادتها المملكة السعودية استجابة لطلب مباشر من الحكومة اليمنية والرئيس هادي، الذي دعا دول الخليج إلى “التدخل لحماية اليمن وشعبه من الميليشيا الحوثية”، وأيضاً تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، بحسب البيان الذي صدر عن دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء عمان).

وجاء في البيان أن “الانقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن أصبح يشكل تهديداً كبيراً لأمن المنطقة واستقرارها وتهديداً للسلم والأمن الدولي”، مشيراً إلى أن “دول الخليج بذلت الجهود كافة للوقوف إلى جانب الشعب اليمني الشقيق في محاولاته استرجاع أمنه واستقراره من خلال البناء على العملية السياسية التي أطلقتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية”.

وأكد البيان أن “جهود دول الخليج السلمية ومساعينا المتواصلة كافة واجهت الرفض المطلق من قِبل الانقلابيين الحوثيين الذين يواصلون أعمالهم العدوانية لإخضاع بقية المناطق، وخصوصاً في الجنوب، إلى سيطرتهم، مما جعل الجمهورية اليمنية تمر في أحلك الظروف العصيبة في تاريخها، لذلك قررت دولنا استجابة طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لحماية اليمن وشعبه العزيز من عدوان الميليشيات الحوثية التي كانت ولاتزال أداة في يد قوى خارجية لم تكف عن العبث بأمن واستقرار اليمن الشقيق”12.

واتساقاً مع ذلك الموقف أعلنت مصر دعمها السياسي والعسكري للخطوة التي اتخذتها دول الخليج “انطلاقاً من مسؤولياتها التاريخية تجاه الأمن القومي العربي وأمن منطقة الخليج العربي”، وجاء في البيان الذي صدر عن الحكومة المصرية في الساعات الأولى من صباح 26 مارس 2015، أنها تابعت “بقلق بالغ على مدار الأسابيع الماضية التدهور الشديد في الأوضاع السياسية والأمنية في اليمن الشقيق، وما شهدته من انقضاض على المؤسسات الشرعية وانتشار لأعمال العنف والإرهاب، الأمر الذي طالما أعلنت مصر رفضها الكامل له، وطالبت بالتنفيذ التام لمخرجات الحوار الوطني واحترام الشرعية”.

وأضاف البيان أنه “يجري التنسيق مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الشقيقة بشأن ترتيبات المشاركة بقوة جوية وبحرية مصرية، وقوة برية إذا لزم الأمر، في إطار عمل الائتلاف، وذلك دفاعاً عن أمن واستقرار اليمن وحفاظاً على وحدة أراضيه وصيانةً لأمن الدول العربية الشقيقة”13.

ثالثاً- تناقضات الموقفين المصري والخليجي إزاء الوضع في اليمن:

رغم أن العمل العسكري في اليمن وضلوع مصر فيه لم يكن مفاجأً لمعظم المتابعين، ولكنه أثار الكثير من التناقضات، وعلى مستويات متعددة.

فمن ناحية أولى: وفي حين أن قواعد القانون الدولي تحرم استخدام القوة العسكرية أو التهديد بها في سياق العلاقات الدولية، ولا تجيز ذلك إلا بقرار يتخذه مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، في حال أصبح هناك تهديد للسلم والأمن الدوليين، لكن رغم ذلك اتخذت دول الخليج قرارها بالتدخل العسكري في اليمن في ظل ما رأته من تهديد غير مباشر مرتبط بنفوذ ايران في حال استمر تمدد الحوثيين، بل وحظيت تلك الخطوة -رغم عدم استنادها إلى مسوغ قانوني واضح- بدعم من جانب القوى الإقليمية والدولية.

وكان البيت الأبيض قد أعلن عن تنسيق وثيق بين واشنطن والرياض ودول مجلس التعاون الخليجي بخصوص العملية العسكرية، وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي برناديت ميهان، أن الرئيس باراك أوباما وجه بتقديم دعم لوجيستي واستخباراتي للعمليات العسكرية التي تقودها دول مجلس التعاون الخليجي، وأشارت إلى أن القوات الأمريكية لا تقوم بعمل عسكري مباشر في اليمن لدعم جهود الضربات العسكرية لدول الخليج، لكنها أوضحت: “نحن نعمل على إنشاء خلية تخطيط مشتركة مع المملكة العربية السعودية لتنسيق الدعم العسكري الأمريكي والاستخباراتي”.

وفي الأمم المتحدة، أشار فرحان الحاج المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إلى أن الحملة العسكرية ضد الحوثيين جاءت بناء على طلب من الرئيس الشرعي لليمن عبد ربه منصور هادي، مشيراً إلى قرار مجلس الأمن الصادر في 22 مارس 2015 الذي أكد مساندة المجلس لشرعية الرئيس اليمني. ومن جانبه فقد طالب بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة في بيان جميع الأطراف بعدم اتخاذ أي تحركات تؤدي إلى تقويض سلامة ووحدة أراضي اليمن، وشدد على ضرورة العودة للمفاوضات ومساندة العملية الانتقالية باعتبار المفاوضات هي الخيار الأمثل لحل الأزمة في اليمن14.

ومن ناحية ثانية: وبجانب ما أثير عن استقبال القاهرة لوفد من جماعة الحوثي قبيل العمل العسكري الأخير في اليمن، فإن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي كان قد كشف وجود اتصالات غير مباشرة مع السعودية تهدف إلى بناء علاقات جديدة مع المملكة تقوم على أسس الندية وعدم التدخل في شئون الآخرين. ونقلت وكالة الأنباء اليمنية عن الحوثي قوله في 15 مارس 2015: “إن اتصالاتنا مع السعودية لم تنقطع وهناك اتصالات غير مباشرة تمت خلال اليومين الماضيين”، وأضاف “نحن نرحب بأي علاقات مع محيطنا العربي والإسلامي قائمة على أسس احترام الآخر وعدم التدخل في شئونه”، وكان ذلك أول حوار يكشف عنه بين الجماعة الشيعية والسعودية منذ سيطرة الحوثيين على أنحاء كثيرة من اليمن15.

فيما كان قد أعلن وزير الخارجية القطري خالد العطية في ختام اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، الذي عقد بالرياض في 12 مارس 2015، أن الحوار الوطني المقرر أن يرعاه المجلس بناءً على دعوة من الرئيس اليمني، لا تستثني أياً من الأطراف اليمنية، بما في ذلك الحوثيون، في رسالة تطمين خليجية تفتح أفقاً أمام الحوثيين بالمشاركة السياسية، وفي نفس الوقت تكسر حاجز تصنيفهم كجماعة “إرهابية”، حسب القائمة التي أعلنتها كل من الرياض وأبو ظبي16.

ولكن يبدو أن تلك المحاولات لم يكن لها الصدى المطلوب عند جماعة الحوثي، وخصوصاً مع إعلان المتحدث باسم الجماعة محمد عبد السلام، عن المناورات العسكرية التي أقيمت بالقرب من الحدود السعودية توازياً مع انعقاد اجتماع وزراء الخارجية. وفيما أكد أن المنارات تمثل “رسالة سلام للجميع باستثناء من يسعى إلى تهديد اليمنيين بدعم العناصر التكفيرية”، لكنه في الوقت نفسه اتهم السعودية بـ”تقديم مال وسلاح ودعم لوجستي للتكفيريين والقاعدة” الناشطة في شرق وجنوب اليمن، لافتاً إلى أن الرياض “عليها أن تفهم أن الشعب اليمني سيدافع عن سيادته ولن يخضع لأي إملاءات”17.

ومن ناحية ثالثة: فإن التناقض الأكبر يتعلق بمبررات دول الخليج ومصر للتدخل في اليمن، والتي حددتها بدعم “شرعية” الرئيس اليمني ضد الانقلاب الذي يمثله الحوثيون على المؤسسات الدستورية اليمنية، في حين أن دول الخليج ذاتها كانت قد قدمت الدعم السياسي والمالي لتنفيذ عملية الانقلاب ضد الشرعية في مصر، وإنهاء حكم الرئيس محمد مرسي، في ظل المخاوف التي أثارها الربيع العربي ونجاح الإخوان المسلمين في الوصول للسلطة من خلال انتخابات ديمقراطية حرة من تهديد لعروش ممالك الخليج. وهذا التناقض يتبدى جلياً في المسمى الذي أطلق على الفاعلين في عملية “عاصفة الحزم”، وهو “ائتلاف الدول الداعمة للحكومة الشرعية”، في مسمى يكاد يكون متطابق مع “التحالف الوطني لدعم الشرعية” والمكون من قوى وأحزاب سياسية وشخصيات عامة مصرية داعمة لشرعية الرئيس محمد مرسي.

وهذا التناقض لم يرتبط بالموقف الخليجي وحده، ولكنه يتبدى كذلك في بيان الخارجية المصرية بخصوص التطورات اليمنية، والذي جاء فيه: “إن مصر تابعت بقلق بالغ على مدار الأسابيع الماضية التدهور الشديد في الأوضاع السياسية والأمنية في اليمن الشقيق.. وما شهدته من انقضاض على المؤسسات الشرعية وانتشار لأعمال العنف والإرهاب، الأمر الذى طالما أعلنت مصر رفضها الكامل له، وطالبت بالتنفيذ التام لمخرجات الحوار الوطني واحترام الشرعية”. وذكر بيان الخارجية في 26 مارس 2015، أن مصر “تعلن دعمها السياسي والعسكري للخطوة التي اتخذها ائتلاف الدول الداعمة للحكومة الشرعية في اليمن استجابة لطلبها، وذلك انطلاقاً من مسؤولياتها التاريخية تجاه الأمن القومي العربي وأمن منطقة الخليج العربي”18.

رابعاً- مستقبل المشاركة المصرية في العملية العسكرية:

التساؤل المهم الذي يطرح مع قرار التدخل العسكري في اليمن هو عن مآلات تلك الخطوة، وإن كان سيتم الاكتفاء بالضربات العسكرية الجوية وحدها أم سيتم الدفع بقوات برية تحقق انتصار حقيقي على الأرض في مواجهة الحوثيين، مع توقع أن تكون تلك القوات مصرية بالأساس.

والعوامل التي قد تدفع بالتدخل البري في اليمن، ترتبط بالدعم الواسع الذي تحظى به العملية العسكرية من جانب الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية، مقابل عدم نجاح الضربات الجوية وحدها في تحقيق انتصار على الأرض، وحيث تتواصل المعارك بين الحوثيين والجماعات اليمنية المعارضة لهم في مدينة عدن ومحيطها، وذلك بعد أن تمكنت الجماعة من استعادة السيطرة على مطار المدينة رغم الضربات العسكرية الموجهة لها19. وكذلك فإن قوات الحوثيين ووحدات الجيش المتحالفة معها سيطرت على مدينة شقرة بمحافظة أبين اليمنية بعد يومين فقط من بدء العملية العسكرية، ليضعوا أول موطيء قدم لهم على بحر العرب، مع سيطرة الحوثيين كذلك على ميناء المخاء إلى شمال غرب عدن20.

وليضاف إلى ما سبق قرار القمة العربية التي انعقدت بشرم الشيخ يومي 28 و29 مارس 2015، بتأييد العملية العسكرية التي يقودها ائتلاف الدول الخليجية في اليمن، وإقرارها كذلك في بيانها الختامي بتشكيل قوة عربية عسكرية مشتركة على أن تكون المشاركة فيها اختيارية21.

ولكن رغم أهمية العوامل السابق الإشارة إليها، والتي قد تدفع بمشاركة برية من قوات مصرية في “عاصفة الحزم”، فإن أغلب التحليلات تتحدت عن عدم التوسع في العملية العسكرية لمخاطرها، ولأن الهدف الرئيسي منها هو الضغط على جماعة الحوثي للقبول بالحوار الوطني تحت مظلة المبادرة الخليجية، وما يؤكد ذلك:

  • الحرص على استيعاب الحوثيين في العملية السياسية ودعوتهم مراراً للحوار من جانب دول الخليج، حتى أن ما أثير عن زيارة وفد الحوثي للقاهرة ربطه البعض بدور وسيط تقوم به القاهرة بين جماعة الحوثي والمملكة السعودية في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الجانبين، وليضاف إلى ذلك تأكيد وزير الخارجية اليمني رياض ياسين، خلال مشاركته في القة العربية بشرم الشيخ، وجود فرصة للحوار مع المتمردين الحوثيين لحل أزمة بلاده لكن بشروط بينها الاعتراف بشرعية الرئيس هادي، وقال “هناك دائماً فرصة لذلك، الحوار كان مطلوباً ولايزال.. الحوار الذي يكون تحت ظل شرعية الرئيس وشرعية الدولة وليس شرعية الانقلابات والميليشيات التي تسيطر على مقدرات الدولة والتي تستبيح كل شيء من أجل أن تسلم اليمن إلى إيران”، متوقعاً متوقعاً أن تستمر العملية العسكرية في بلاده أياماً فقط وليس أسابيع22.
  • طول أمد الحرب وإمكانية دخول إيران بصورة مباشرة دعماً لجماعة الحوثي يحقق المخاوف المرتبطة بتهديد حرية الحركة في باب المندب، ويعيق إمدادات النفط العالمية، ويرتبط بذلك تصريح القيادي في جماعة الحوثي محمد البخيتي، بأن “الضربات الجوية السعودية تمثل عدواناً على اليمن، محذراً من أنها ستجر المنطقة إلى “حرب واسعة”23.
  • بدا أن هناك مؤشرات على إمكانية تحقيق هدف دول الخليج بدفع جماعة الحوثي للقبول بحل سياسي تحت سقف المبادرة الخليجية، كان من الدلائل عليه تقديم الرئيس اليمنى السابق علي عبد الله صالح (والمتحالف مع الحوثيين) مبادرة من 4 بنود لحل الأزمة فى اليمن، نصّت على وقف كل الأعمال العسكرية فوراً من قِبل قوات الائتلاف ومن يتحالف معها، ومن قِبل جماعة الحوثي وما أسماها “ميليشيات هادى” وتنظيم القاعدة، وعودة كل الأطراف إلى طاولة الحوار بحسن نية وبرعاية الأمم المتحدة24.

فيما طالب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف المملكة السعودية بوقف العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، مضيفاً أنه يجب الدفع باتجاه حل سياسي للأزمة. وقال ظريف في 27 مارس “ندين الضربات الجوية. يجب أن تتوقف وعلى كل الأطراف تشجيع الحوار والمصالحة الوطنية في اليمن عوض تعقيد الوضع أكثر”25.

وقد لا يكون بعيداً عمّا سبق، مطالبة عبد الملك الحوثى –في تعليقه على التطورات اليمنية- النظام المصرى بقيادة عبد الفتاح السيسي، بعدم التعاون مع السعودية التى زعم أنها لا تمثل الشعب السعودى. ووجه الحوثى رسالة إلى السيسي قائلاً: “لا تكرروا التجربة الخاطئة التي وقعت في الماضي من جانب مصر في اليمن، والشعب المصري يحب اليمن”، مضيفًا: “أيها الرئيس السيسي لا تتبعوا النظام السعودي الذي لا يمثل إلا نفسه”26.

خامساً: تأثير التطورات اليمنية على مواقف الإخوان المسلمين:

  • موقف الجماعة من التطورات اليمنية:

عملت جماعة الإخوان المسلمين، وبسبب الخطر الذي يمثله الحوثيون في اليمن، على الفصل بين خلافها القائم مع معظم الدول الخليجية خلال فترة ما بعد 30 يونيو 2013، وموقفها الرافض لممارسات الحوثيين، فكانت مواقف الجماعة –سواء داخل اليمن أو على المستوى التنظيمي العام- هو القبول بالعمل العسكري ضد الحوثيين، ومحاولة إقناعها بأهمية العودة إلى طاولة الحوار لتجنب التصعيد، وفي الوقت نفسه استغلال التطورات الأخيرة لأجل إرسال رسائل إقليمية مباشرة إلى دول المنطقة عن الخطر الذي يمثله التجاوز على الشرعية، سواء داخل اليمن، أو على المستوى الإقليمي العام.

  • دعم العملية العسكرية: أكدت جماعة الإخوان المسلمين وقوفها مع العمليات العسكرية ضد الحوثيين، وقالت في بيان صحفي تعليقاً على الأحداث، أنها تدعو الشعب اليمني إلى التمسك بثورته والحرص على وحدته، ودعت في الوقت نفسه جماعة الحوثي إلى الانسحاب من الأماكن التي سيطرت عليها، مستنكرة ما قامت به من استباحة للأموال والدماء ومصادرة الأسلحة والاستيلاء على الموانئ والمطارات، والتأكيد في هذا الصدد على انحياز جماعة الإخوان المسلمين إلى شعوب أمتها وخياراتها الشرعية وحريتها، وأنها تقف مع كل جهد مادي أو معنوي يحافظ على حقوق هذه الشعوب27.
  • أهمية فتح جبهة للحوار مع الحوثيين: حيث دعا حزب “التجمع اليمني للإصلاح” الذي يمثل إخوان اليمن، إلى إيقاف الحرب الدائرة جنوب البلاد، والعودة إلى طاولة الحوار مرة أخرى، داعياً كل الأطراف المتنازعة لحوار فوري جاد ومسؤول لوقف نزيف الدم اليمني والوصول الى حلول وطنية تنهي حالة الانقسام والتشظي في البلاد، وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني والقرارات الدولية ذات الصلة. وأعرب التجمع عن أسفه لما آلت إليه الأوضاع في اليمن نتيجة لإخفاق الأحزاب والمكونات السياسية في التوصل إلى حلول سياسية بسبب إصرار بعض الأطراف للجوء إلى استخدام القوة لحل الخلافات القائمة28.

وأضاف الحزب في بيان نشره موقعه الرسمي في 25 مارس، “إن اللحظة الراهنة تفرض على اليمنيين الجلوس على طاولة الحوار أكثر من أي وقت مضى؛ فهو السبيل الوحيد لوقف الانهيار، والحفاظ على الدولة ومؤسساتها وتدعيم السلم الاجتماعي ووقف تداعيات الحرب وأثارها المدمرة والكارثية على كافة المستويات”، كما دعا إلى “الاعتبار من دروس الماضي”، مؤكداً أن “الاحتراب الداخلي لا يمنح طرفاً نصراً ضد آخر، لأنه بين أشقاء، والمنتصر فيها مهزوم، والشعب هو الخاسر الوحيد”.

  • دعوة إيران إلى وقف مخططاتها: دعت جماعة الإخوان المسلمين طهران إلى التعامل مع الشعوب الإسلامية من منطلق الأخوّة والرحمة الإسلامية وعدم التسلط والهيمنة، والتوقف التام عن هذا الغزو للعراق وسوريا ولبنان واليمن، وعدم تنفيذ مخططات أعداء الإسلام الذين يريدونها حرباً بين المسلمين أنفسهم لإشعال المنطقة بالصراعات الإقليمية والطائفية. وأضافت الجماعة في بيانها بخصوص الأزمة اليمنية: “ليعلم اخواننا في إيران أن تصدير الثورة كما هو تصدير القوة والعسكر والاحتلال، كل هذا مرفوض رفضاً مطلقاً، ولن يكون في صالح الأمة وشعوبها”، لافتة إلى “الكارثة التي أوقعها الحوثيون في اليمن وطناً وشعباً من خلال استباحة الدماء والمساجد ودور القرآن ومصادرة الأسلحة والمطارات واحتلال الموانئ”، معتبرين ما جرى “فتنة عظيمة لن تقف عند حدود اليمن بل ستعم أقطاراً كثيرة”30.
  • ربط التطورات اليمنية بقضية الشرعية: حيث جاء في بيان الإخوان المسلمين، أن الجماعة “تراقب ما يحدث فى ‏اليمن الشقيق بكل اهتمام، وتؤكد أن أسباب الأزمات التى تعيشها المنطقة واليمن الشقيق هو بسبب الانقلاب على الشرعية، ومحاربة ثورات الربيع العربي، والقفز على إرادات الشعوب وفرض الأمور بالقوة المسلحة.. وأن ما يحدث فى اليمن الآن نأمل أن ينتهى بسرعة إلى الحوار البناء على مرجعية المبادرة الخليجية، واحترام إرادة الشعب اليمنى وثورته التى أفرزت نظاماً شرعياً لا يجب الانقلاب عليه”31.
  • إمكانية التعاون مع شعب مصر: حيث أعرب عدنان العدينى، نائب رئيس الدائرة الإعلامية والمتحدث الإعلامى باسم “التجمع اليمني للإصلاح”، عن استعدادهم لدعم مصر والتعاون معها من أجل تأمين مضيق “باب المندب” بهدف الحفاظ على الملاحة به، لكونه يؤثر بشكل أساسي على قناة السويس. وقال في تصريحات صحيفة: “إذا دعينا من جانب مصر لن نتردد فى الاستجابة، فإذا تعلق الأمر بالأمن القومى العربى، على الجميع تجنيب الخلافات السياسية والفكرية، ونحن فى هذا الصدد نحن نتعاون مع الدولة المصرية أكثر مما نتعاون مع النظام”32.
  • مستقبل العلاقات الإقليمية مع الإخوان المسلمين:

رأى البعض أن تفشي الخطر الحوثي إلى الحد الذي أوجب التدخل العسكري الخارجي في اليمن، قد يدفع نحو تحقيق مصالحة اقليمية مع جماعة الإخوان المسلمين، وحيث يمكن للجماعة تحقيق التوازن المطلوب في مواجهة الخطر الشيعي وخطر التنظيمات المتطرفة على السواء، ووضعاً في الاعتبار أن تنامي خطر تلك التنظيمات خلال العامين الماضيين ارتبط بإزاحة الإخوان المسلمين والتأثير على دورها المجتمعي في عدد من الأقطار العربية، ذلك من جهة.

ومن جهة أخرى، فإن السياسة الخارجية للمملكة السعودية خلال الأشهر الأخيرة شهددت تغيراً نسبياً منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، وتبنيه سياسات مستقلة نوعاً عن التحالف الذي جمع المملكة بالنظام المصري وبدولة الإمارات خلال فترة ما بعد 30 يونيو33.

لكن رغم ذلك لا يتوقع أن يكون الانفتاح الإقليمي كبيراً مع الإخوان المسلمين على الأمد القصير، ويتوقع أن يكون مرتبطا فقط بالقضايا التي لا خلاف عليها، ومن دلائل ذلك:

  • تأكيد مصدر دبلوماسي مصري، أن تواصل المملكة السعودية مع حزب التجمع اليمني للإصلاح “ما هو إلا محاولة لدحر تدهور الأوضاع فى اليمن وانعكاساتها على أمن الخليج”، مضيفاً أن تواصل السعودية مع إخوان اليمن لا يؤثر على العلاقات التي وصفها بالطيبة والجيدة بين القاهرة والرياض، وموضحاً أن “السعودية تتعامل مع إخوان اليمن بمبدأ مختلف عن تعاملها مع الإخوان في العالم، وذلك بعد سيطرة الحوثيين على البلاد”، والإشارة في هذا الصدد إلى أن الرياض تصنف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة “إرهابية” منذ مارس 2014، ولم يتغير موقفها إلى الآن34.
  • نفى المسؤول السياسي بحركة المقاومة الإسلامية “حماس” أسامة حمدان، صحة ما تداولته بعض وسائل الإعلام حول قيام رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، بجهود وساطة بين الرياض وحزب التجمع اليمني، وأكد في تصريح له في 16 مارس 2015، أن المعلومات التي تم تداولها في وسائل الإعلام بهذا الشأن غير صحيحة، وقال: “حتى اللحظة لا يوجد شيء رسمي، وعندما تأخذ الأمور منحى آخر ستعلن حماس عن ذلك”. وتداولت الكثير من وسائل الإعلام العربية والدولية أخباراً حول توجيه دعوة من خادم الحرمين الشريفين إلى خالد مشعل لزيارة المملكة، ولكن لم يتم تأكيد هذه الأخبار بشكل رسمي من قِبل الطرفين35.
  • رغم أن التطورات الإقليمية قد تفرض التنسيق مع الإخوان المسلمين، فقد استمر النظام السياسي القائم في مصر في الحصول على دعم قوي من أبوظبي والرياض، وتمت ترجمة ذلك عملياً من خلال مؤتمر الاستثمار الذي انعقد في وقت سابق من شهر مارس 2015 في مصر، حيث قدمت كل من الإمارات والسعودية، بجانب دول خليجية أخرى، مساعدات مالية كبيرة للقاهرة36.
  • توصيات ختامية:

وضعاً في الاعتبار مواقف الإخوان المسلمين من التطورات اليمنية الأخيرة، ومستقبل العلاقات الإقليمية مع الجماعة، يمكن في الختام إيراد عدد من التوصيات، على النحو التالي.

  • ربما كانت جماعة الإخوان المسلمين محقة في فصل موقفها من دول “ائتلاف دعم الحكومة الشرعية” في اليمن عن مواقفها العامة من دول الخليج، الأمر الذي قد يسمح بمرونة نسبية في العلاقات بين الطرفين، وخصوصاً في القضايا محل الاتفاق، ولكن بعيداً عن القضايا الخلافية.
  • من الأهمية بمكان ثبات إخوان اليمن على موقفهم الخاص بأهمية فتح جبهة للحوار مع الحوثيين، ولكن بشروط أهمها إلقاء السلاح وتسليم المؤسسات الأمنية إلى الجيش والشرطة الوطنية، واستغلال الضربات الموجهة إلى الحوثيين لتوجيه رسائل مباشرة بأهمية الحل السياسي ومخاطر الاستمرار في العمل العسكري.
  • في سبيل تفعيل الدور السياسي لإخوان اليمن، يمكن البناء على مبادرة “التكتل الوطني للإنقاذ”، الذي أُعلن عنه في 14 مارس 2015، وضم 7 أحزاب من بينها “التجمع اليمني للإصلاح”، و”التنظيم الوحدوي الناصري”، وحزب “الرشاد اليمني السلفي”، إضافة إلى 10 تحالفات قبليّة، ومثلها من الحركات الثورية والشبابية، وعدد من المنظمات النقابية والمهنية، والعديد من الشخصيات الوطنية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني و5 فصائل من الحراك الجنوبي السلمي.

ويهدف التكتل، بحسب بيانه إلى “حماية الدولة من الانهيار والتفكك والحفاظ على الوحدة الوطنية، وبناء يمن إتحادي ديمقراطي ومواجهة التحديات التي تعصف بالوطن ووقف التداعيات السلبية الناتجة عن استخدام القوة لتحقيق أهداف سياسية والتفرد بالسلطة والثروة”، وهو يعمل ضد “استمرار حالة المراوحة والاستقطاب الحاد ومحاولات التفرد والاستحواذ وإرهاب الشعب اليمني وقمع حرياته وانتهاكات حقوق الإنسان والاعتداء على مؤسسات الدولة ورموزها”. ومن خلال نظرة أولية على قائمة أسماء المكونات المشاركة في “التكتل الوطني للإنقاذ”، يبدو بحسب الكثيرين أنه سيكون ذا ثقل كبير في الشارع اليمني، إذ انضوت تحته غالبية الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، إضافة إلى الائتلافات المدنية والقبليّة والعمالة.

لكن ثمة من يقلل من تأثير التكتل الجديد الذي يضم أحزاباً يسارية وإسلامية, وشخصيات ذات ثقل من جميع المناطق اليمنية، على الوضع القائم في اليمن، وعلى اعتبار أن تكتل الإنقاذ هو إعادة تشكيل لتكتل أحزاب “اللقاء المشترك”، الذي مثّل المعارضة البارزة في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح. ولكن يبقى المحك الحقيقي هو قدرة التكتل على إيجاد بدائل وخيارات سلمية لمواجهة الحوثيين تمنع تمددهم وفي نفس الوقت تمنع البلاد من الدخول في حرب أهلية37.

  • وأخيراً ينبغي التأكيد على أن التحرك السياسي رغم أهميته ليس بديلاً عن أهمية دعم خطوات حكومية جادة لبناء جيش قوي بعيداً عن الخلافات الحزبية والمناطقية، فنفوذ الحوثيين والتدخل الخارجي في اليمن لم يكن سوى نتيجة لضعف المؤسسات الأمنية اليمنية.

ويمكن في هذا الشأن استغلال حالة التردد الإقليمي بشأن القيام بعملية عسكرية برية في اليمن لمخاطرها السابق الإشارة إليها، بإرسال رسائل إلى الأطراف الإقليمية والدولية بإمكانية تبني خيار آخر بدعم عملية بناء جيش وطني يمني قوي يمكنه مواجهة التيارات المتطرفة التي تعمل داخل البلاد، وبما ينهي حاجة بعض الائتلافات القبلية للتسلح سواء في مواجهة الحوثيين أو تنظيم القاعدة، ويمكن توجيه هذه الرسائل من خلال “تكتل الإنقاذ”، بحيث لا يكون طلب مباشر من جانب إخوان اليمن، في ظل استمرار حالة عدم الثقة في علاقة الجماعة وبعض الأطراف الإقليمية.

—————————————-

الهامش

1 بعد أن نجحت جماعة الحوثي في إسقاط العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 واحتلت جميع مؤسساتها دون مقاومة كبيرة، فقد تمكنت في 20 يناير 2015 من السيطرة على مبنى دار الرئاسة والقصر الجمهوري وحاصرت منزل الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي قدم استقالته في 22 من الشهر نفسه بالتزامن مع استقالة رئيس حكومة “الكفاءات” خالد بحاح، رفضاً لما أقدم عليه الحوثيون من انقلاب على السلطة الشرعية، مدعوما من الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وتراجع هادي عن استقالته في فبراير عقب تمكنه من كسر الاقامة الجبرية التي فرضها عليه الحوثيون في صنعاء ووصوله إلى عدن، معلناً تمسكه بالمبادرة الخليجية، واعتبر القرارات الصادرة عقب دخول الحوثيين صنعاء في 21 سبتمبر “باطلة وغير شرعية”.

2 في التفاصيل، انظر، بوابة الشروق، ، 21/3/2015. الرابط

3 موقع العربية. نت، 20/3/2015

4 الحوثيون على وشك “احتلال” مضيق باب المندب الاستراتيجي، موقع ايلاف الالكتروني، 24/3/2015

5 صحيفة المشهد اليمني، 27/2/2015

6 صحيفة عدن الغد، 17/3/2015

7 موقع العربية. نت، 5/2/2015

8 رضا حمودة، مصر الانقلاب تقف مع “الشرعية” في اليمن وليبيا، موقع إضاءات مصر العربية، 23/3/2015

9 خالد عمر، ما السر وراء التقارب المصري مع الحوثيين في اليمن؟، موقع يمن برس الالكتروني، 10/3/2015

10 رضا حمودة، مرجع سابق

11 موقع الإسلام اليوم، 8/3/2015. الرابط.

12 «عاصفة الحزم» في اليمن: مشاركة خليجية وعربية ودعم أميركي، صحيفة الحياة اللندنية، 26/3/2015

13 صحيفة المصري اليوم، 26/3/2015

14 صحيفة الشرق الأوسط، 27/3/2015

15 موقع روسيا اليوم الالكتروني، 16/3/2015

16 حوار الرياض بمن حضر… والحوثيون يناورون عسكرياً، موقع نشوان نيوز الالكتروني، 13/3/2015

17 موقع فرانس 24 الإخباري، 14/3/2015. الرابط.

18 موقع بي بي سي العربية، 26/3/2015

19 اذاعة مونت كارلو الدولية، 27/3/2015

20 وكالة رويترز للأنباء، 27/3/2015

21 مشروع بيان القمة العربية يؤيد العملية العسكرية في اليمن ويدعو لتشكيل قوة مشتركة، موقع بي بي سي العربية، 29/3/2015

22 موقع فرانس 24 الإخباري، 27/3/2015، الرابط.

23 موقع بي بي سي العربية، 26/3/2015

24 على عبد الله صالح يطرح مبادرة تتضمن 4 بنود لحل الأزمة اليمنية، صحيفة اليوم السابع، 27/3/2015.

ولكن في المقابل هناك من يرى أن كلام علي عبد الله صالح ليس بالضرورة في نطاق توافقه مع الحوثيين عليها، و لكن ما يبدو أن ما يريد أن يفعله بعد تقديم الدعم للحوثيين و ربطهم به، أن يقدم نفسه للسعودية أنه الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يتخلص منهم، و من هنا يستعيد أهميته أمام السعودية، و هو ما يبدو أن السعودية ترفضه في إطار رد فعل الأمير محمد بن سلمان على هذه المبادرة

25 موقع الحرة الإخباري، 27/3/2015. الرابط.

26 صحيفة الوفد المصرية، 26/3/2015

27 «الإخوان المسلمين» تؤكد وقوفها مع العمليات العسكرية ضد الحوثيين، موقع صحيفة الدستور المصرية، 27/3/2015. الرابط.

28 إخوان اليمن: ندعو كل الأطراف المتنازعة لحوار فوري.. وتنفيذ المبادرة الخليجية، موقع مصر العربية الالكتروني، 26/3/2015

29 إخوان اليمن يطالبون بوقف القتال والعودة للحوار، موقع المسلم الالكتروني، 26/3/2015.الرابط.

30 «الإخوان المسلمين» تؤكد وقوفها مع العمليات العسكرية ضد الحوثيين، مرجع سابق

31 http://www.almalnews.com/Pages/StoryDetails.aspx?ID=215157#.VRWyDJiHgiI ، 27/3/2015

32 شبكة رصد الالكترونية، 27/3/2015

33 في تفاصيل الموقف المستقبلي للمملكة السعودية مع الإخوان المسلمين، انظر: هـ. ع. هيلير، العاهل السعودي الجديد ومصر وجماعة الإخوان المسلمين، صحيفة المونيتور، ترجمة الخليج الجديد، 25/3/2015. ستراتفور: هل يكون 2015 هو عام تصالح الخليج مع الإخوان؟، ترجمة الخليج الجديد، 7/1/2015

34 شبكة رصد الالكترونية، 25/3/2015

35 صحيفة مصر العربية، 11- 16/3/2015

36 هـ. ع. هيلير، مرجع سابق

37 في هذا الشأن انظر: صحيفة المصري اليوم، 15/3/2015. هل يغير إشهار أكبر تكتل سياسي معارض للحوثيين المشهد الراهن في اليمن؟، موقع المصدر أونلاين، 16/3/2015


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


إيمان أحمد

باحثة مصرية، دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، 2016، ماجستير العلوم السياسية 2008 جامعة القاهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى