قلم وميدان

النيل_في_حنايا_قلوبنا_وأعماق_وجداننا

 

النيل أقدم الأنهار وسيدها، وليس نهرا ككل الأنهار فهو نموذج فريد يضرب في أعماق التاريخ والجغرافيا تولدت عنه اولي وأقدم الحضارات في العالم كله، إنه مجد وو فخر وتاريخ وحياة تشكل وجدان المصريين ليصبح جزءا لا يتجزأ من وجودهم وحياتهم، والنيل في الثقافة الفرعونية نهر مقدس وكان يقام له سنويا حفل كبير يشارك فيه جموع المصريين وتقدم له عروس من اجمل الفتيات لتموت فيه غرقا تبركا به وابتغاء لتدفقه بالمياه حيث كانت سنوات الجفاف توقع اشد الأضرار بالبلاد وليست قصة سيدنا يوسف ببعيدة عن القارئ، واستمر الاحتفال بعيد وفاء النيل الي ما قبل نحو عقد من الزمان حيث ضعف اهتمام الحكام به .

منذ فجر التاريخ، اعتمدت الحضارات التي قامت على ضفتي النيل على الزراعة، كنشاط رئيسي مميز لها، خصوصا في مصر نظرا لكونها من أوائل الدول التي قامت علي أرضها حضارات، ولهذا فقد شكل فيضان النيل أهمية كبري في الحياة المصرية القديمة .

كان هذا الفيضان يحدث بصورة دورية في فصل الصيف، ويقوم بتخصيب الأرض بالمياه اللازمة فقام الفلاحون بزراعته طوال العام في انتظار هذه المياه.

ففي مصر الفرعونية ارتبط هذا الفيضان بطقوس شبه مقدسة، حيث كانوا يقيمون احتفالات وفاء النيل ابتهاجا بالفيضان، كما قاموا بتسجيل هذه الاحتفالات في صورة نحت على جدران معابدهم ومقابرهم والأهرامات لبيان مدى تقديسهم لهذا الفيضان .

وقد ذكرت الكتب السماوية المقدسة (الإنجيل والقرآن) قصة نبي الله يوسف مع أحد فراعنة مصر حينما قام بتأويل حلمه حول السنابل السبع والبقرات السبع، مما ساهم في حماية مصر من مخاطر الفيضان في هذه الفترة لمدة سبع سنوات رخاء وسبع سنوات عجاف .

وفي مصر الإسلامية، اهتم ولاتها بالفيضان أيضا، وقاموا بتصميم “مقياس النيل” في العاصمة القاهرة للقيام بقياس دقيق للفيضان . وما زال هذا المقياس قائما لليوم في “جزيرة الروضة” بالقاهرة.

ولقد قرأنا جميعا كيف صاح هيرودوت صيحته الشهيرة مصر هبة النيل وراح الشعراء العرب والآدب الغربي يكتبون عن النيل كمعجزة التاريخ وصانع اقدم الحضارات.

اسمحوا لي تاكيدا لما يطوف بوجداننا من مشاعر نحو النيل تخفيفا لتوترنا الذي اصابتنا به الازمة، هنا ان اعود فأتذاكر معكم في عجالة الي مجال الابداع الفني والشعري بعض ما نشأنا عليه من ابداعات الشعراء في هذا النهر المقدس من الشعر التقليدي الأدبي الرصين الذي

نشأنا علي جرسه وغنائه جميعا فقد قال امير الشعراء احمد شوقي

مِن أَيِّ عَهدٍ فـي القُـرى تَتَدَفَّـقُ وَبِأَيِّ كَـفٍّ فـي المَدائِـنِ تُغـدِقُ

وَمِنَ السَماءِ نَزَلتَ أَم فُجِّرتَ مِـن عَليـا الجِنـانِ جَـداوِلاً تَتَرَقـرَقُ

مُتَقَـيِّـدٌ بِعُـهـودِهِ وَوُعـــودِهِ يَجري عَلى سَنَنِ الوَفاءِ وَيَصـدُقُ

يَتَقَبَّـلُ الـوادي الحَيـاةَ كَريمَـةً مِـن راحَتَيـكَ عَميمَـةً تَتَـدَفَّـقُ

ويقول محمود حسن اسماعيل:

مسافر زاده الخيال

والسحر والعطر والظلال

ظمأن والكأس فى يديه

والحب والفن والجمال

شابت على أرضه الليالى

وضيعت عمرها الجبال

ولم يزل يطلب الديار

ويسأل الليل والنهار

يا واهب الخلد للزمان

يا ساقى الشعر والاغانى

ياليتنى موجة فاحكى

إلى لياليك ما شجانى

وفي شمس الأصيل يرسم بيرم التونسي صورة مبدعة لنهر النيل

شمس الأصيل ذهبّت خوص النخيل يا نيل

تحفة ومتصورة في صفحتك يا جميل

والناي على الشط غنى والقدود بتميل

على هبوب الهواء لما يمر عليل

يا نيل أنا واللي احبه نشبهك بصفاك

لانت ورقت قلوبنا لما رق هواك

وصفونا في المحبة هو هو صفاك

ونعاهد بانجاز وعد المصريين

قد وعدت العلا بكل أبى

من رجالى فأنجزوا اليوم وعدى

وفي الأدب المعاصر نجأر مع شاعرنا فاروق جويدة عندما تساءل في مناسبة أخري:

اين النخيل التى كانت تظللناويرتمى غصنها شوقا ويسقينا؟

اين الطيور التى كانت تعانقناوينتشى صوتها عشقا ويشجينا؟

اين المياه التى كانت تسامرناكالخمر تسرى فتشجينا اغانينا؟

هل هانت الارض ام هانت عزائمناام اصبح الحلم اكفانا تغطينا؟

عودوا الى مصر فالطوفان يتبعكم وصرخة الغدر نار فى مآقينا

لن ينبت النفط اشجارا تظللنا ولن تصير حقول القار ياسمينا

عار علينا اذا كانت سواعدنا قد مسها الياس فلنقطع ايادينا

ياعاشق الارض كيف النيل تهجره؟لا شئ والله غير النيل يغنينا

السفير إبراهيم يسري

دبلوماسي مصري، سفير مصر في مدغشقر (1983 – 1987)، مدير الإدارة القانونية والمعاهدات بوزارة الخارجية المصرية (1987 إلي 1990)، سفير مصر في الجزائر (1990 – 1994)

اعمال اخرى للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى