أسيا وافريقياجذور الصراعات

اليمن جذور الصراعات الداخلية

تمهيد:

تتداخل العوامل التي تقف خلف الأزمة اليمنية؛ لكنها لا تكاد تخرج عن معضلة رئيسية تفرعت منها عدة عوامل وتداخلت بعضها لتجعل المشهد اليمني شائكا ومعقدا لدرجة كبيرة، لذلك حينما ننظر إلى الحالة اليمنية نجد أن معضلة الطائفية السياسية ونظرية التفوق العرقي، تكاد تكون العقدة التاريخية التي لا تنفك عن الحالة اليمنية منذ ما يريد عن ألف ومائتي عام تقريبا.

وفي هذا البحث سنحاول تسليط الضوء على مسألة الطائفية السياسية، وكذلك العامل الاجتماعي والتوزيع القبلي، وتأثير العوامل السياسية والصراعات والحروب الداخلية في ترسيخ ثقافة الكراهية والرغبة بالانفصال. مع بيان مواقف الأطراف الإقليمية والدولية في تعزيز هذه النزعات عبر المراحل التاريخية المتعاقبة.

وتسعي هذه الدراسة للوقوف على الجذور التاريخية للقضية اليمنية وتأثيراتها على الواقع الراهن، وذلك وفق المحاور التالية، أولاً: الجغرافيا السياسية لليمن وتطورها التاريخي. ثانياً: تطور التنوع العرقي والديني والمذهبي في اليمن. ثالثاً: المراحل التاريخية لتطور الصراعات الداخلية في اليمن وأهم العوامل الداخلية والخارجية. رابعاً: تأثير الجذور التاريخية على الواقع الراهن للقضية اليمنية.

المبحث الأول: الجغرافيا السياسية لليمن وتطورها التاريخي:

تقع اليمن في الجزء الجنوبي الغربي لقارة أسيا وهي همزة وصل بين أسيا وإفريقيا وأوروبا، بموقعها البحري المتميز واعتبارها نقطه مهمة للتجارة القديمة والملاحة البحرية قديما وحديثا، وكما هو معروف بان اليمن كانت تمثل جزيرة العرب بأكملها من راس مسندم في مضيق هرمز في حدود عمان شرقاً حتى البحر الاحمر غربا ومن جنوب بادية الشام شمالاً حتي خليج عدن جنوباً، وخير دليل على ذلك وجود أثار الحضارات القديمة كالحميرية والسبيئة وغيرها منتشرة في أغلب جزيرة العرب، وتعد اليمن أصل العرب، أو ما يعرف بالعرب العاربة.

وتمثل الأهمية الجيوستراتيجية لليمن أحد العوامل البارزة التي جعلت من اليمن موقعا جغرافيا مهماً وهمزة وصل بين انتقال الجماعات الإفريقية والآسيوية، وانتقال اليمنيين إلي هذه المناطق بشكل أكثر خاصة إلي شرق إفريقيا وجنوب شرق أسيا أضف إلي ذلك عمل اليمنيين في التجارة عبر مراحل التاريح المختلفة.1

وبحكم الموقع الجغرافي الحساس لليمن الذي يربط الشرق بالغرب عبر طرق التجارة الدولية بحرا وبرا؛ فقد تعرضت للكثير من الحملات التي تستهدف السيطرة عليها عبر المراحل التاريخية المتعاقبة. فقد غزاها الأحباش؛ ثم استعان القائد اليمني المشهور سيف بن ذي يزن بالفرس لطرد الأحباش وبذلك دخلت اليمن تحت النفوذ والسيطرة الفارسية عن طريق الاستقدام وهذا كان قبل البعثة النبوية، أما بعد البعثة فقد تعاقبت على اليمن الكثير من المتغيرات التي يمكن إجمالها بالتالي:

أولاً: الفتح الإسلامي وتعاقب الدول الإسلامية:

دخل الاسلام إلى اليمن عام 630م، وأسلمت القبائل اليمنية سريعاً عقب قدوم علي بن أبي طالب وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل، وتم بناء جامع كبير للصلاة، يعرف اليوم ب”جامع معاذ بن جبل” في مدينة تعز، ودخلت اليمن كلها في الاسلام دون قتال، وساهمت القبائل اليمنية بشكل كبير في حركة الفتوحات الاسلامية في الشام وشمال أفريقيا ووصلت القبائل اليمنية إلى الاندلس غربا.

1ـ دخول الزيدية:

تذكر بعض المصادر التاريخية، “أن الذين استقدموا الهادي وتبنوا قضيته هم رجال من خولان صعدة، ثم من آل فطيمة، بسبب اختلال الأمن حتى قضت الفوضى مضاجعهم وأخذ التناحر القبلي يأكلهم ويفني جمرتهم. وكان في آل فطيمة نزعة تشيع فأرادوا أن يكيدوا لبني عمومتهم آل الإكليليين الذين ينزعون بالولاء والحب إلى الخلافة العباسية، فذهبوا إلى الرس أحد جبال المدينة فأتوا بالهادي”2،  فقدم الإمام الزيدي يحيى بن الحسين عام 890 م، وكان قاضيا وفقيهاً، وعقب نجاحه في المهمة، تمكن من إقناع القيادات القبلية في المنطقة باعتناق المذهب الزيدي وبدأ المذهب ينتشر ببطء.

ويذكر بعض المؤرخين أن من أسباب انتشار الدعوة الزيدية والإسماعيلية في اليمن هو الظلم والتهميش الذي تعرضت له اليمن من قبل بني أمية وولاتهم خاصة في عهد “محمد بن يوسف الثقفي” الذي عمد على تحويل أرض اليمن إلى أرض خراجية، وقد درج بني أمية على هذه العادة إلى أن ألغاها عمر بن عبدالعزيز3.

2ـ عهد الاسماعلية الفاطمية:

تمكن الصليحي من تأسيس ما عرف بـ “الدولة الصليحية” عام1040م، وكانت تربطه علاقة قوية بالفاطميين في مصر. وقد قامت الملكة أروى بنقل العاصمة من صنعاء إلى جبلة، وسبب ذلك يعود لموقع جبلة الاستراتيجي في مرتفعات اليمن الوسطى الخصبة زراعياً، وسهولة الوصول للمناطق الجنوبية من البلاد وبالذات عدن. وتذكر المصادر التاريخية أن التواصل بالهند كان له أثر بنشر الاسماعيلية هناك وبدعم من الصلحيين في اليمن.

ورغم أن ملوك “بنو صليح” كانوا إسماعيلية، إلا أن الملاحظ أنهم لم يحاولوا فرض مذهبهم على أحد ولم يضطهدوا الشافعية والزيدية. فقد حكمت السيدة “أروى” باقتدار ولا تزال تذكر بإعجاب ومحبة ويشهد على ذلك كتب التاريخ والأدب اليمني والتقاليد الشعبية حتى أنها سُميت بلقب “بلقيس الثاني”ة في إشارة لملكة سبأ الأسطورية.

وقد سقطت دولة الصليحيين عام 1138 م، بوفاة الملكة أروى عن عمر ناهز الثمانين عاماً. وبوفاتها انقسمت البلاد إلى خمس سلالات متنازعة على طول الخطوط الدينية. وهو ما سهل على الدولة الأيوبية دخولها إلى اليمن عام 1174م 4.

3ـ دخول الايوبيين اليمن:

 كان الأيوبيون قد أسقطوا الدولة الفاطمية في مصر وبعد فترة قصيرة قرر صلاح الدين الأيوبي إرسال أخيه “توران شاه” للسيطرة على اليمن، وتزعم بعض كتب الأخبار العربية أن الناس في اليمن طلبت من الأيوبيين أن يضموا اليمن إلى دولتهم، وقد يكون ذلك صحيحاً بدلالة النزاعات المذهبية والقبلية التي شهدتها اليمن بسقوط الدولة الصليحية، ولكنها ليست المرة الأولى ولم تكن الأخيرة التي تحاول فيها أي قوة تسيطر على مصر أن تسيطر على اليمن بعدها مباشرة، تأمين طريق التجارة عبر البحر الأحمر.

4ـ الدولة الرسولية:

تأسست الدولة الرسولية عام 1229م، بقيادة “عمر بن رسول” الذي أعلن نفسه ملكاً مستقلا، وكان طموحاً وسياسياً بارعا وبدأ ببناء قاعدة دعم شعبية ساعدته كثيراً في بناء الدولة الرسولية على أساس صلب. ونقل العاصمة من صنعاء إلى تعز لقربها من عدن، وشرع في بناء عدد من المدارس والقلاع والحصون، وبنى الرسوليون قلعة القاهرة بتعز وجامع ومدرسة المظفر والمدرسة الأسدية والمدرسة الجبرتية والمدرسة المعتبية والمدرسة الياقوتية والمدرسة الأشرفية وغيرها، وكان تعزيز المذهب الشافعي الذي لا يزال المذهب الغالب في اليمن، هدفهم وراء بناء تلك المدارس.

ثانياً: مرحلة الصراع بين العثمانين والإنجليز

دخلت اليمن مرحلة من الفوضى وغياب السلطة المركزية وبقيت عدن وحيدة بيد الملك عامر بن داوود آخر ملوك الطاهريين. واقتحم خادم سليمان باشا مدينة عدن عام 1538 وبسطت الدولة العثمانية سلطتها على عدن وتهامة واتخذت من زبيد مقرا إداريا للسلطة العثمانية. وكانت المرتفعات الشمالية مستقلة يسيطر عليها الإمام الزيدي يحيى شرف الدين. وقد حاول العثمانيون ضم باقي اليمن، وفي خلال فترة ما بين 1538 و1547 أرسل العثمانيون ثمانين ألف جندي إلى اليمن.

واقتحمت قوات أويس باشا وأنصار المطهر بن يحيى شرف الدين تعز وتوجهت شمالاً نحو صنعاء وسيطر عليها عام 1547 وأعطى العثمانيون المطهر بن يحيى شرف الدين لقب بك واعترفوا به إماماً على عمران وقاعدته مدينة ثلا، ولكن لم يستمر الإمام المطهر في ولائه للعثمانيين طويلاً، وشن حملات عديدة عليهم إلا أن العثمانيين تمكنوا من إخماد التمرد وحظيت اليمن بفترة من السلام النسبي لمدة عشر سنوات تقريبا.

1ـ سقوط صنعاء بيد الزيدية:

تولي رضوان باشا ولاية اليمن عام 1564م، وأصبح محمود باشا حاكما لمصر وبسبب الخلاف الذي دار بين محمود باشا ورضوان باشا تمكن الإمام الزيدي عام 1567م، من اجتياح صنعاء وساندته قبائل الجوف البدوية فهاجموا القوات العثمانية وحوصر مراد باشا في ذمار، وتمكن مراد باشا من الهرب وبقي معه خمسين من المشاة فاعترضته القبائل وقطعت رؤوسهم وأرسلتها إلى المطهر بن يحيى شرف الدين في صنعاء عام 1567م، وقد خاض العثمانيون عشرات المواجهات مع الزيدية انتهت بمقتل مراد باشا قرب ذمار5.

2ـ صراع الأئمة الزيدية واستنجاد الأهالي بالعثمانيين:

بمرور الوقت تحول جزء كبير من أرجاء البلاد إلى إقطاعيات شبه مستقلة، وأبقت عائلات زيدية أرستقراطية أخرى على مكانتها إلى جانب بيت القاسم مثل بيت شرف الدين على سبيل المثال، وكانوا يحكمون بشكل مستقل تقريباً منطقة واسعة غرب صنعاء، رغم وجود القاسمية، وكانت أجزاء من عسير من فترة طويلة قبل القاسمية ضمن نفوذ سلالة الإمام عبد الله بن حمزة. وقد عمت الفوضى والاضطراب صنعاء وما حولها، وفي 25 ابريل 1872م دخل الباشا التركي أحمد مختار صنعاء، استجابة لدعوة أعيان صنعاء الذين استحثوه على القدوم لتثبيت الامن والاطمئنان، ووضع حد لهيمنة القبائل.6

3ـ الانجليز والسيطرة على عدن:

استولى الإنجليز على عدن عام 1839 بقيادة الكابتن ستافورد هاينز مطالبين بتعويضات من السلطان عن نهب حل بباخرة تابعة لهم، لم تكن عدن وجهة الإنجليز الأولى بل أرادوا السيطرة على المخا. وكان الكيان الوحيد المستقر ويتمتع بمنظومة حكم مستقلة إلى حد معقول ومستفيداً من تواجد الإنجليز في عدن هو سلطنة لحج، فالعبادلة كانوا أثري هذه القبائل وأقلها جنوحا إلى العنف. وكانت السلطنة تستفيد من أراضيها الزراعية الخصبة فتجمع الضرائب من المزارعين والحرفيين واستفادت كثيراً من إعلان البريطانيين عدن منطقة حرة عام 1850، ودعم الإنجليز السلطنة لقمع أي تمرد من القبائل المجاورة – التي كانت تعاني من تهميش وظلم كبيرين- وازدادت طموحات سلاطين لحج فأرادوا الاستيلاء على تعز عام 1870 ولكن لم يكتب لخطتهم تلك النجاح.

4ـ عودة العثمانيين الثانية:

عاد العثمانيون من جديد وسقط ما تبقى من دولة القاسمية الزيدية وأسسوا ولاية اليمن عام 1872 والتي ضمت نفس مناطق ولاية اليمن السابقة باستثناء المناطق الجنوبية. وقد حاول العثمانيون ضم صنعاء للمرة الأولى عام 1849 ولكنهم تعرضوا لخسائر فادحة، وسيطر العثمانيون على مدن في تهامة وطلب تجار من صنعاء من العثمانيين السيطرة على المدينة، والسبب في ذلك كان يأسهم من قدرة مشايخ القبائل والأئمة الزيدية على فرض الأمن، فرأى أولئك التجار في العثمانيين طرفا محايداً لفرض الأمن بين تلك القبائل والأئمة المتنازعين.

وسيطر العثمانيون على تهامة أولاً وتعلموا من تجربتهم السابقة فعملوا على تطوير اليمن فأدخلوا المطابع وبنو المدارس. لكن العثمانيين كانوا يسيطرون على المدن الرئيسة فقط، ولم يستطيعوا إحكام سيطرتهم على الأرياف حيث القبائل؛ إلا أنهم كانوا حريصين على كسب ولاء القبائل ضد الإنجليز.7

5ـ صلح دعان:

في الفترة ما بين 1904 ـ 1911 بلغت خسائر العثمانيين عشرة آلاف جندي وخمسمائة ألف جنيه استرليني في العام الواحد. وكان سكان المدن في اليمن يؤيدون العثمانيين ولكن اضطرت الدولة للاستسلام للإمام يحيى في النهاية عام 1911 لأن مشايخ القبائل في المرتفعات الشمالية كانوا يهاجمون الاتراك باستمرار، وتم توقيع “صلح دعان” بين الأتراك والإمام يحيى، والذي جاء لوقف ما عاناه الجانبان من ويلات الحروب لكن الاتفاق لم يمنح الامام استقلالاً تاماً8. حيث نصت الاتفاقية على أن يحكم الإمام المرتفعات الشمالية/الزيدية حكما ذاتياً ويبقى الأتراك في المناطق الشافعية.

ثالثاً: اليمن بين الملكية والانقلاب العسكري:

كان يحيى حميد الدين المتوكل إماما على الزيدية في بعض مناطق شمال الشمال اليمن وبخروج العثمانيين أراد الإمام توسيع نفوذه ليشمل كامل اليمن ويعيد إحياء ملك أجداده القاسميين. ولم يعترف بالمعاهدة الأنجلو عثمانية بترسيم الحدود الذي قسم اليمن لشمال وجنوب. وتوجه الإمام جنوباً عام 1919 واقترب خمسين كيلومتراً من عدن فقصف الإنجليز جيش الإمام بالقنابل واضطر للتراجع، وأسرع الإنجليز نحو الساحل التهامي وسيطروا على الحديدة ثم سلموها لحليفهم الإدريسي في عسير عام 1920م.

ثم قامت الحرب السعودية اليمنية بين مارس ومايو 1934 وحاكى ابن سعود البريطانيين فلم يوجه قواته نحو المرتفعات الشمالية بل توجه مباشرة نحو الساحل التهامي. وتوقفت المعارك بتوقيع معاهدة الطائف التي نصت على تأجير عسير وجيزان ونجران لابن سعود على أن يتم تجديدها كل عشرين سنة قمرية. وبتوقيع هذه الاتفاقية اعترف الامام بالحدود الشطرية لليمن ووقع مع الانجليز معاهدة صداقة وتعاون، وبعقد هاتين المعاهدتين انتهت صراعات الإمام مع السعوديين وخفت مع بريطانيا.9

وفي عام 1955 قام المقدم “أحمد الثلايا”، العائد من العراق، بالانقلاب على الإمام أحمد حميد الدين وحاصر قصره في تعز لعشرة أيام، فتوجه الأمير محمد البدر حميد الدين للمرتفعات الشمالية وجمع الأنصار وهاجمت القبائل تعز وأفشلت الانقلاب وأُعدم القائد أحمد الثلايا، وكان من نتائج تلك الحادثة أن جعلت الإمام أحمد حميد الدين يعيد النظر في السياسة الانعزالية التي تبناها والده فقام بإصلاحات صورية لسحب البساط من تحت أقدام من سماهم “بالحداثيين”.

رابعاً: مرحلة ما بعد سقوط الملكية وإعلان الجمهورية:

بموت الامام أحمد وإعلان قيام الجمهورية دخلت اليمن مرحلة جديدة ومفصلية في القطع مع حقبة تاريخية استمرت لمدة تزيد عن ألف عام، لكن ما لبثت أن دخلت اليمن في حرب أهلية استمرت سبع سنوات أكلت الاخضر واليابس، دخلت فيها أطراف دولية وإقليمية كثيرة على رأسها السعودية ومصر، حينها أرسل عبدالناصر في المرحلة الأولى ألف مقاتل في 5 أكتوبر 1962، في إشارة رمزية على تأييد القيادة المصرية للثورة، فسقوط الإمامة في شمال اليمن لم يكن متوقعاً من أحد، وصدم الأنظمة الملكية المحافظة في المنطقة، فرأى عبد الناصر في ذلك فرصة لإنجاح مشروع القومية العربية.

وخلال هذه المرحلة اتسمت فترة الرئيس عبدالرحمن الارياني بحالة خطيرة من الانفلات الامني، مما دفع الجيش بقيادة إبراهيم الحمدي للقيام بانقلاب عسكرى في 13 يونيو 1974 وأطلق عليه حركة 13 يونيو التصحيحية، وغادر الرئيس الارياني إلى دمشق، وشهدت فترة الرئيس إبراهيم الحمدي إصلاحات هيكلية للدولة الوليدة وإزالة تأثير التحالفات القبلية على الدولة، وبناء التعاونيات الاجتماعية وتأسيس بنية اقتصادية حديثة، وعمل على تقوية العلاقات مع اليمن الجنوبي، وعقد صفقات سلاح مع عدد من الدول وإعادة هيكلة الجيش اليمني، وأراد لليمن أن يلعب دورا إقليمياً مستقلاً، وسعى لبناء سلطة مركزية قوية تهيمن على القبائل الموالية للسعودية التي كانت تمثل عائقا أمام التنمية فعزلهم سياسياً وهو ما خلق له أعداء أقوياء منهم عبد الله بن حسين الأحمر. حيث حاول الأحمر الإطاحة بالحمدي ولكنه لم ينجح، حتى جاء اغتيل الحمدي عام 1977.

وأصبح علي عبد الله صالح رئيسا للجمهورية العربية اليمنية عام 1978م، وصعوده للسلطة كان بجهد شخصي منه وساعده أنه كان يد أحمد الغشمي اليمنى ومسؤولا عن قطاع واسع في المؤسسة العسكرية، وعقب توليه الرئاسة، ولى سبعة من إخوانه في مناصب عليا للدولة منهم أخاه غير الشقيق علي محسن الأحمر واعتمد على أخاه الأكبر محمد عبد الله صالح الذي عُين وكيلاً لوزارة الداخلية اليمنية وكان أول قائد لقوات الأمن المركزي اليمني.

وتعلم علي عبد الله صالح من درس إبراهيم الحمدي فلم يحاول إثارة غضب القيادات القبلية، بل انقلب على كل الاصلاحات التي قام بها ابراهيم الحمدي في المؤسسة العسكرية والنظام السياسي، وكان على تحالف واضح مع الشيح عبدالله الأحمر، وقام حينها الاحمر بإعادة وزارة شؤون القبائل للعمل من جديد بعد أن حلها إبراهيم الحمدي. وتقاسم الأحمر وصالح السلطة معا إلى حين وفاة الشيخ الأحمر في عام 2027م. وبالنسبة للجنة السعودية الخاصة التي أنشئت أساسا لمساعدة المملكة المتوكلية خلال ثورة 26 سبتمبر، فقد استمرت بدعم القبائل ضد الحكومة المركزية لتتمكن القبائل من الحفاظ على استقلاليتها وتهميش دور الدولة.

ومن المفارقات العجيبة أن سياسة التهميش والتجهيل لأبناء القبائل استمرت كما كان في فترة الامامة وبطريقة متعمدة من قبل الشيخ الاحمر، ففي زيارة قمنا بها في 2003 إلى منطقة حوث مسقط رأس الشيخ الاحمر استمعت لشهادة أحد قيادات الاصلاح تؤكد ذلك.

4ـ اليمن الجنوبي:

ظهرت الجبهة القومية للتحرير وجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل في ستينيات القرن العشرين، وكان دعم الجبهة القومية للتحرير يأتي من أرياف ردفان ويافع والضالع بينما معظم أنصار جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل كانوا من عدن، وقامت هذه الفصائل بعمليات ضد الإنجليز وانفجرت ثورة 14 أكتوبر1963.

5ـ رحيل المستعمر وخلافات فصائل المقاومة:

خرج آخر جندي بريطاني من عدن في 30 نوفمبر 1967م وتولى قحطان الشعبي رئاسة دولة باقتصاد منهار، وتوقف الدعم الإنجليزي ومع إغلاق قناة السويس عام 1967 قلل عدد السفن العابرة لعدن بنسبة 75%.

وكانت الجبهة منقسمة لقسمين يميني ويساري، اليمينيون وقائدهم قحطان الشعبي لم يريدوا إحداث تغييرات كبيرة في البنية الاجتماعية والاقتصادية السائدة، وعارضوا إنشاء قوات شعبية واقتراحات لتأميم الأراضي ولم يكونوا مشغولين بصراع الطبقات الاجتماعية.

القسم اليساري “أراد تحولاَ اجتماعيا واقتصاديا يخدم الشريحة الواسعة من الكادحين عوضا عن الأقلية الثرية”. وكان اليسار أكثر عددا من أنصار قحطان الشعبي، وفي 20 مارس 1968 عزل قحطان كل القيادات اليسارية من الحكومة وعضوية الحزب وتمكن من اخماد تمرد قادته فصائل يسارية في الجيش وأخرى مدعومة من السعودية. وفي 11 ديسمبر 1967، تمت مصادرة أراضي “الرموز الإقطاعية” و”عملاء الإنجليز” وتم تقسيم الدولة لست محافظات، كان هدف التحرك إنهاء المظاهر القبلية في الدولة وتجاهل الحدود القبلية بين المشيخيات والسلطنات البائدة، وتمكن تجمع القوى اليسارية من اعتقال الرئيس قحطان الشعبي ووضعه رهن الإقامة الجبرية وأصبح سالم رُبيِّع علي رئيسا للبلد.

6ـ الطريق إلى الوحدة:

كانت العلاقة بين شطري اليمن ودية نسبيا، وكانت هناك مناوشات قصيرة بين الدولتين في 1972 و1979. وتم توقيع اتفاقية القاهرة بين البلدين في 28 أكتوبر 1972 على عدة خطوات تأسيسية للوحدة تم إلغاء الاتفاقية من قبل شمال اليمن لمخاوف من نهج الاشتراكية المتبع في الجنوب.

وكانت هناك محاولات للوحدة أيام الرئيسين إبراهيم الحمدي وسالم ربيع علي، واتفق الرئيسان على إعلان الوحدة عام 1977، إلا أن كلا الرئيسين اغتيلا في ظروف غامضة لم يتم البت فيها حتى الآن. وبعد ذلك تم عقد اتفاق آخر في الكويت عام 1979 بين علي عبد الله صالح وعبد الفتاح إسماعيل، نص على وحدة فيدرالية بين الشطرين، وفي نوفمبر عام 1989 وقع علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض اتفاقية تقضي بإقامة حدود منزوعة السلاح بين البلدين والسماح للمواطنين اليمنيين بالتنقل بين الدولتين باستعمال بطاقة الهوية.

خامساً: مرحلة ما بعد الوحدة اليمنية 1990

تم إعلان الوحدة رسميا في 22 مايو 1990 واعتبار علي عبد الله صالح رئيسا للبلاد وعلي سالم البيض نائبا لرئيس الجمهورية اليمنية. فيما كانت القوى القبلية والدينية التي شكلت حزب التجمع اليمني للإصلاح في شمال اليمن ترفض الوحدة بوضوح بحجة أن الجنوب اشتراكي وسيؤمم الشمال وكانت لهم تحفظات اجتماعية كذلك بالإضافة للضغوطات السعودية الممارسة عليهم.

1ـ عودة تحالف صالح مع الاسلاميين:

أعاد علي عبد الله صالح التحالف القديم بينه وبين القوى القبلية والدينية ليكونوا ثقلا موازناً للحزب الاشتراكي.

وكانت القوى الدينية المحافظة معادية للوحدة بحجة أن اليمن الجنوبي ماركسي وامتداد للاتحاد السوفييتي الذي كان قد انسحب للتو من أفغانستان، وكان عبد المجيد الزنداني أبرز مجندي الشباب اليمني للقتال في الحرب في أفغانستان وكان ابن لادن يمول سفر الشباب اليمني للقتال في أفغانستان، وقد تغاضى علي عبد الله صالح عن المجاهدين العائدين إلى اليمن، وفي تلك الاثناء تم اغتيال 158 سياسي من كوادر الحزب الاشتراكي في الفترة ما بين 1991 و1993، واتهم علي عبد الله صالح السعودية بالوقوف وراء تلك الاغتيالات، ولكنه رأى في هؤلاء الجهاديين حليفاً للتخلص من الحزب الاشتراكي، فلم يقدم أي من الجهاديين للمحاكمة ولم تبذل الأجهزة الأمنية جهداً يذكر لإيقاف مسلسل الاغتيالات10.

2ـ قيام تكتل اللقاء المشترك:

كان جار الله عمر رجل السلام في اليمن، ومن أبرز الشخصيات الحوارية التي حاولت منع قيام حرب صيف 1994، فقد كان له بالاشتراك مع الاستاذ محمد قحطان دورا كبيرا في رسم مسار الحركة الوطنية وتعزيز التقارب بين القوى السياسية لصناعة مشروع التحول لدولة مدنية ديمقراطية تخرج اليمن من حالة الركود وإيقاف عجلة الانهار الشامل عبر تأسيس ما سمي بعد ذلك بتكتل أحزاب اللقاء المشترك هو تكتل لأحزاب المعارضة الرئيسة في اليمن، وقد تم تأسيسه في 6 فبراير/شباط 2003 م. وباغتيال جار الله عمر تعرض اللقاء المشترك قبل انطلاقه لضربة كبيرة كانت تستهدف هذا الكيان الوليد ولكنه تمكن من تجاوزها.11

وقد أيدت أحزاب اللقاء المشترك في الانتخابات الرئاسية اليمنية 2006 مرشحاً مشتركاً معارضاً للرئيس صالح، حصل حينها على 22% من الأصوات هو فيصل بن شملان، وكانت هذه النتيجة صادمة للرأي العام، وقد أوضح اللواء على محسن الاحمر للجزيرة بعد ثورة فبراير 20011 أن صالح لم يكن فائزا في هذه الانتخابات وأن فيصل كان هو الفائز في الانتخابات الرئاسية حينها، وأنه سينزل بالدبابات إذا أعلنت النتيجة الحقيقة ومما تجدر الاشارة إليه أن نتائج الانتخابات أعلنت قبل فرز الصناديق.12

3ـ ظهور الحركة الحوثية :

تأسست الحركة عام 1992 نتيجة لما يقول الحوثيون أنه تهميش وتمييز ضد الهاشميين من قبل الحكومة اليمنية، وعرف عن انتماء قادة الحركة وأعضائها إلى المذهب الزيدي وتُقاد من قبل شخصيات هاشمية زيدية وتستلهم وجودها من التراث الهاشمي الزيدي13.

ويقول بعض المراقبين أن تشكيل حزب الحق عام 1991على أسس سلالية كان هو البذرة الأولى لظهور الحركة الحوثية، فقد كان بدر الدين الحوثي نائبا للحزب وكان ابنه حسين من أبرز القيادات الشابة في الحزب المعترضين على حالة الجمود في الحزب وانسحب مع ثلاثة إلاف من أنصاره حيث تقدموا باستقالة جماعية من الحزب. 14

4- الحراك الجنوبي السلمي:

الحراك الجنوبي هو حراك شعبي في جنوب اليمن بدأ بكيان جمعية المتقاعدين العسكريين والأمنيين المُسرحين من عملهم، وطالب الحراك الجنوبي النظام الحاكم بالمساوة وإعادة المسرحين العسكريين والمدنيين، ويطالب الحراك الجنوبي منذ 7 يوليو 2007 بالاستقلال لجنوب اليمن والذي يعتبره بلداً محتلاً بالقوة العسكرية من قبل اليمن الشمالي 2008.

قالت هيومن رايتس ووتش أن قوات الأمن لجأت إلى ارتكاب انتهاكات موسعة لحقت، منها القتل غير القانوني والاحتجاز التعسفي والضرب وقمع حريات التجمع والتعبير واعتقال الصحفيين في الجنوب. هذه الانتهاكات أدت لخلق أجواء من الخوف مما زاد من المشاعر الانفصالية في الجنوب وألقى بالبلاد في دوامة من القمع والاحتجاجات، أدت بدورها إلى المزيد من القمع.

مع اشتداد واتساع دائرة ثورة الشباب التي عمت معظم المدن اليمنية مطلع عام 2011 مطالبة برحيل الرئيس وإسقاط النظام، أعلن الحراك على لسان أمينه العام عبد الله حسن الناخبي وقف مطالب الانفصال بشكل مؤقت، والانضمام إلى المظاهرات والاحتجاجات التي تعم البلاد، ولم تتبن بعض فصائل الحراك هذا البيان ورفضته مؤكدة استمرار مطالبتها بالانفصال15.

المبحث الثاني: التطور الديني والمذهبي والعرقي:

لا توجد إحصائيات رسمية ولكن تشير بعض الدراسات إلى أن القبائل تشكل حوالي 85% من تعداد السكان البالغ 25,408,288 نسمة من فبراير 2013م، وتشكل القبائل الغالبية العظمى من المواطنين وجلهم من همدان وحِميَّر وكِندة ومذحج وحضرموت وما يندرج تحتهم من بطون وقبائل أخرى، ومعظم القبائل متحضرة فعموم أهل اليمن حضر وليسوا أعراباً من عصورهم القديمة ولكن توجد قبائل بدوية ـ أو كانت كذلك لفترة قريبة ـ في محافظة مأرب والجوف وبادية الربع الخالي شمال حضرموت وشبوة.

وهناك مواطنون من أصول أخرى فحوالي 5% من أصول أثيوبية ويتواجدون في المناطق الساحلية، وكانت تجارة العبيد مزدهرة في اليمن عبر مختلف عصوره وأبرز محطات استقدام الرقيق كانت الحديدة وما يتبعها من مناطق في تهامة، فقد كان زعماء القبائل والأثرياء والسلاطين يشترون الجواري والغلمان من الهند بينما الوصيفات والوصفان يستقدمون من القرن الأفريقي وحوالي 10% من المواطنين من شعوب الترك والأرمن المسلمين والمصريين والأمازيغ تعددت أسباب وجودهم من سياسية إلى اقتصادية.

وتبلغ نسبة المسلمين في اليمن 99.0%، يتوزعون بين الشافعية حوالي 60-70% مقابل زيدية 30 – 40%. وبعض الأقليات والطوائف كالإسماعيلية، ويتواجدون في منطقة حراز وعراس في صنعاء16.

وبالنسبة لليهود في اليمن يقدر عددهم ببضعة مئات يسكنون مدنا وقرى في محافظتي صنعاء وصعدة، في ريدة وخمر وصعدة وغيرها، ورغم أن اليهودية كانت الديانة الرسمية قبل الاسلام في اليمن، لكن موجات الهجرة والتحول إلى الاسلام، والذوبان في المجتمع، وأخيرا هجرة مئات الالف منهم إلى إسرائيل عبر ما سمي بعملية بساط الريح عام 1948م، والتي كان الامام يحيى شريكا فيها مع العصابات الصهيونية والمخابرات البريطانية، أنهت الوجود اليهودي في اليمن، وقد تعرض بقية اليهود لمضايقات كبيرة من قبل حركة التمرد الحوثية، بعد الثورة، مما تسبب بهجرة الكثير منهم إلى إسرائيل، ومن المؤكد أن تلك العملية كانت تتم بالتنسيق مع إسرائيل، وكان آخرهم خروجا في مارس 2016 حيث تم تهريب أقدم مخطوطة يمنية للتوراة يصل عمرها حوالي 800 عام وتم تسليمها كهدية لرئيس الوزراء الصهيوني.17

الطائفية السياسية:

ولم تكن الطائفية أو المذهبية أحد الأسباب أو العناوين التي كانت سبباً في الخلافات بين اليمنيين، رغم تعدد الأسباب والعناوين التي اختلف على أساسها اليمنيون. بيد أن المراقب للتطورات السياسية والعسكرية والأمنية الأخيرة في اليمن لا يمكن أن يخطئ محاولات منح الصراع السياسي صبغة طائفية، يعزز من فرصها الغياب المفاجئ لأجهزة الدولة، والتراجع الخطير في فرص العمل السياسي السلمي، في ظل هيمنة السلاح على المشهد العام في اليمن.

لقد ورث الشعب اليمني تقاليد وعادات اجتماعية قديمة للغاية تعود إلى عصور ما قبل الميلاد، فاليمنيين القدماء كانوا ينظرون إلى المكاربة أو الكهان نظرة تبجيل واحترام كونهم من يمثل السلطة الدينية للمجتمع، وانتقل ذلك إلى ما عُرف باسم السادة والتي كانت وظيفتهم الأساسية الوساطة بين القبائل إضافة إلى عرف قبلي يحتم على القبيلي حماية الجار، فالسيد لا يقاتل ولا يحمل السلاح وكانوا يعيشون تحت حماية القبائل، تليهم طبقة المشايخ أو القضاة وهؤلاء من أصول قبلية لكنهم لا يحملون السلاح في الغالب، ثم القبيلي وهو في العادة من يحمل السلاح وقد يعمل بأعمال زراعية إلا أنهم ينفرون عن الأعمال اليدوية والحرفية، وكان هناك طبقة الحرفيين والصناع والتجار، وأدنى طبقات السلم الاجتماعي ما يُعرف بالمهمشين

لم تعد هذه الأعراف بتأثيرها السابق ولكنها لا زالت موجودة بشكل رمزي مع بقاء تمييز وتهميش واحتقار لما يسمى بالأخدام أو المهمشين تصل إلى درجة الاعتداءات الجسدية وتجاهل السلطات، فكل من يعمل بالجزارة وبيع التمور والحلاقة وبيع الخضروات ينظر إليهم نظرة دونية، ولا زالت موجودة في الحقيقة، لكن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد ساهمت في إذابة بعض الفوارق.

لقد شهدت اليمن صراعات شديدة، وتعد الطائفية السياسية العامل الرئيس في تعقيد حالة الصراع في اليمن وتتعدد مظاهر ذلك الصراع المقترن بثنائية الزيدي والشافعي، وأسفل وأعلى اليمن، والرعوي والعكفي، والسيد والقبيلي، والشريفة والحرة كل تلك المفردات تعكس انقساما حادا يأخذ بعدا طبقياً واجتماعياً تسببت فيه الطائفية السياسية الزيدية منذ ما يقارب من ألف ومائتي عام حينما قَدِمَ الإمام الهادي من جبال الرس عام 284هـ، ومن تلك المظاهر على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

1ـ التكفير في تراث الطائفية السياسية عند الزيدية:

تطور التطرف المذهبي لدى معتنقي نظرية الاصطفاء الالهي إلى مستوى التكفير الذي يترتب عليه استباحة الاموال وامتهان الانسان، وهذ يعد أخطر مستويات التطرف لدى الطائفة السياسية للزيدية، مما ترتب على ذلك جرائم تفوق الخيال، هذا ما حدث في زمن الدولة القاسمية، وقد نقلت كتب التاريخ أبشع الفظائع التي ارتكبت بحق الشافعية في اليمن في حقبة سيطرة الزيدية على الحكم، وسنورد لاحقا ما سطرته كتب التاريخ عن تلك الحقبة المظلمة في التاريخ اليمني، والذي جعل البعض يتمنى أن الاسلام لم يدخل اليمن؛ ذلك لان الزيدية تتعمد الربط بينها وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما يتعلق بنظرية الولاية والوصية لعلي بن أبي طالب وذريته بالحكم، مما خلق ردة فعل سلبية تجاه الاسلام عموما، وهنا يكمن خطر هذه النظرية الكهنوتية السلالية في تشويه قيم الاسلام الذي جاء على أساس العدالة الاجتماعية والمساواة بين البشر باختلاف اجناسهم وألوانهم وأديانهم..

وجاءت فتوى الامام المتوكل إسماعيل بن القاسم بن محمد المتوفى في 1676م والتي تقضي بتحويل بلاد اليمن الاسفل وحضرموت من أرض عشرية إلى أرض خراجية، بحجة أن العثمانيين الذين سيطروا على اليمن كانوا في نظره “كفار تأويل” وبما أن الزيديين استطاعوا اجبارهم على الجلاء أي انتزعوا منهم اليمن عنوة، فإنه بالتالي يحق لهم أن يعتبروا أرض اليمن خراجية. وقد تسآل حينها العلامة الحسن بن أحمد الجلال المتوفى سنة 1673م بقوله: (هل يجوز تحويل أرض اليمن الأسفل وحضرموت من أرض عشرية إلى أرض خراجية وأهلها مسلمون).18

2ـ استباحة الدماء هدم المساكن:

في هذه القضية يورد لنا الباحث ثابت الاحمدي الكثير من الوقائع التاريخية التي تكشف بشاعة وإجرام الطائفية السياسية في حق اليمنيين عموما والشافعية على وجه الخصوص. يقول كاتب سيرة الامام الهادي حينما وصل بلاد وائلة: “فنهب العسكر ما وجدوا فيه من مال وغيره، فقطع أعنابهم وخربها، ثم تقدم إلى موضع آخر، يقال له المطلاع، ففعل كما فعل بكتاف، ثم أقبلت إليه وائلة بسمعهم وطاعتهم، وطلبوا منه الأمان فآمنهم”. أما آل طريف، فقد ألقى بكبار رجالهم ورؤسائهم في السجن بعدما دعاهم إليه، وكبلهم بالأغلال، وأخذ سلاحهم ودوابهم، ففرقها بين الطبريين!

وضمن حوادث سنة 295هـ، يورد يحي بن الحسين ما نصه: “فيها خالف بنو الحرث بنجران، وهمُّوا بقتل محمد بن عبيدالله، عامل الهادي على بلادهم، فخرج إليهم الهادي عليه السلام، فقتلهم، ونهب أموالهم، ودمَّر منازلهم، ورجع إلى صعدة، وترك عصابة مع عامله المذكور”

ويمكن أن نتخيل كل هذه الوحشية والدمار والخراب والقتل، ثم نقارنها بما كتب الكاتب نفسه أيضا مادحا الهادي: “ما كنا ننزل منزلا إلا خرج يحي بن الحسين حتى ينتزح منا ساعة، ثم يبكي وينتحب، كما تنتحب المرأة الثكلى، على الإسلام وعلى الأمة الضالة المضلة، وكان يدعو أصحابه ويعظهم ويعلمهم شرائع دينهم..”

وفي عهد حكم بيت شرف الدين، وتحديدا في عهد المؤسس الأول لها المتوكل يحي شرف الدين، أقدم قائد قواته، ابنه المطهر بن شرف الدين على ارتكاب المجازر المروعة، حيث قطع الأيدي والأرجل من خلاف، وقتل الأسرى، كما فعل مع أسرى بلاد عنس وخولان؛ بل لقد خالف أحكام الشريعة والأعراف السائدة حين أقدم على قطع أيدي وأقدام ثمانين رهينة كانت تحت تصرفه بسجن القلعة، عقب انتفاضة قبائل خولان ضده من الأطفال المودعين لديه رهائن! وكذا فعل مع قبائل من سحار وعمار ويام وعبيدة ووادعة في واحدة من أشهر وقعاته الحربية معهم؛ حيث قتل منهم في معركة واحدة ألف قتيل، وأسر ستمئة أسير، ثم أمر المطهر بالأسارى، فضُربت رقابهم عن آخرهم.

أما مدينة عمران فقد دخلها محاربا أهلها حين حاربوه، قَتَل فيها من قَتل، وأَسر من أَسر “وعاد وقد تركها أطلالا دارسة، وخرابات عابسة، وغنم فيها سلاحا ونقدا وبقرا وغنما وخيلا” وقد بُنيت لأول مرة بعد هذا الخراب سنة تسعمئة وتسعين للهجرة، على يد الأمير سنان الكيخيا!!

وذات الأمر جرى في معاركه مع الطاهريين، سنة 941هـ، حين واجه جيوشهم بقيادة الشريف يحي السراجي، حيث “أُسر السراجي، ثم ضُربت عنقه، وقيل تم ذبحه ذبحا “وكان عدد القتلى من جيش عامر ثلاثمائة، والأسرى ألفان وثلاثمئة، وكان المطهر راكبا بغلته ورجاله يأتون إليه بالأسرى أفواجا، فيأمر بذبح كل زمرة لوحدها حتى غطى الدم حوافر بغلته، وبذلك بلغ عدد القتلى ألفا وثلاثمئة، وعند الانتهاء من عملية القتل الجماعي أمر بأن يحمل كل أسير رأس قتيل من رفاقه، وأشار بأن يسيروا حفاة الأقدام إلى صنعاء، إلى مقر والده الإمام يحي شرف الدين، فوصل الموكب في العشر الوسطى من جماد الأولى من السنة المذكورة، وكان لوصولهم صنعاء موقع عظيم، فطاف الأسرى بالشوارع والأزقة حاملين رؤوس زملائهم، ثم أمر الإمام بأن يتوجهوا بتلك الحالة إلى صعدة، أما الشريف يحي السراجي الذي وقع أسيرا فقد أمر المطهر بذبحه..”.

فهذا الإمام القاسم بن محمد بن علي ـ مؤسس الدولة القاسمية ـ يستشهد بما فعله أجداده الأوائل حين لَامَه بعضُ الناس على ما ارتكبه بحق مواطني عصره، قائلا: “. فإن الإمام إبراهيم بن موسى بن جعفر أخرب سد الخانق بصعدة، وكان يسقي لطائفة من الناس.. وكذلك الهادي عليه السلام، قطع أعناب أملح ونخيلها من بلاد شاكر، وفيهم مثل ما ذكرت. وكذلك أيضا قطع أعناب حقل صعدة بوادي علان ونخيل بني الحارث بنجران، وولده ـ الناصر عليه السلام ـ أخرب أرض قُدَم كلها، ولم يسأل عن بيت يتيم ولا أرملة ولا ضعيف. وفي سيرة الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام أنه أخرب العادية من بلاد ظُليمة، وأشياء مذكورة. وكذلك الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان عليه السلام أخرب صعدة القديمة، وغيرهم من سائر الأئمة عليهم السلام. والإمام المنصور بالله عليه السلام نص على ذلك نصا، وإمامنا الإمام الناصر لدين الله ضرب قرية في الكرش يقال لها الجند والعصرة في بني محمد وعزان بني أسعد وماهر في بلاد المداير، ولم يسألوا عن بيت يتيم ولا أرملة، واحتج الإمام الحسن عليه السلام على ذلك بقوله تعالى: “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة” وهي حجة الأئمة عليهم السلام.19

2ـ تكفير الصوفية ومحاربة تجار بلاد الشافعية:

إلى جانب هؤلاء فقد كفَّر الصوفية واستحل دماءهم، كما ورد في واحدة من رسائله، يقول عنهم، محرضا الناس عليهم: “.. فالواجب على المسلمين استباحة دمائهم وأموالهم؛ لأنهم كفار مشركون؛ بل شركهم أعظم وأكثر؛ لأن المشركين الذين كان ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يجاهدهم يقرون بالله ويجعلون له شركاء، وهي الأصنام، وهؤلاء لم يجعلوا إلههم إلا الحِسان من النساء والمُردان..”

ومن ضمن ما قام به الإمام يحي أن حارب التجار من أبناء اليمن الأسفل “الشوافع” ـ حسب تعبير الكُتَّاب الأجانب الذي كتبوا عن تاريخ تلك المرحلة ـ واحتكرها على نفسه وبعض شركائه، على الرغم من عراقة هؤلاء التجار في هذه المهنة، لارتباطهم بالموانئ التي تقع في مناطقهم، ولارتباط التجارة أيضا بالروح السلمية نفسها لدى هذه البيئة وذاك المجتمع الذي يمقت الحروب وثقافتها، ويحترم التجارة والعمل. فقد صادر تجارة هؤلاء وشارك البعض الآخر تجارتهم بلا وجه حق، معينا عليهم عمالا من ذويه ومن حاشيته، يمارسون ـ بدورهم ـ نهبا وسطوا لا يقل وحشية عن نهب وسطوة الإمام نفسه بصورة مستفزة، خلق بهذا السلوك تذمرا واسعا، مجسدا الطائفية في أبشع صورها وأزرى مظاهرها..

تقول المؤرخة والكاتبة الروسية إيلينا جولوبوفسكايا، المهتمة بالتاريخ السياسي اليمني: “قاسى التُّجار اليمنيون، باستثناء مجموعة صغيرة، مقربة من الإمام من الظلم الملكي الإقطاعي الذي أناخ عليهم، وزُوحم متوسطو وصغار التجار في أكثر الصفقات التجارية المُربحة. كما احتكر الإمام والمحيطون به الفروع المربحة في التجارة الخارجية، مع الاحتفاظ التقليدي الاصطناعي بأشكال الأنماط الاقتصادية.20

3ـ استباحة الاعراض:

ومن أبشع ما تم ارتكابه وانتهاكه بحق الآخر، ما ذكره العلامة المقبلي في “العلم الشامخ” وهو يتحدث عن ملوك الهادوية ” أن بعض أئمتهم استولى على بلد إمام آخر، معارض له، فاجتمع مع علماء دولته، وحكموا ببطلان عقد الإمام المغلوب على زوجته، لأن شهود العقد فسقة، لبغيهم على الإمام، أو لغير ذلك، ثم تزوج بزوجته تلك…” 21

4ـ فرض المذهب الزيدي بالقوة مصادرة حق العبادة في بلاد الشافعية:

تذكر بعض الروايات التاريخية أن ولاة الإمام المتوكل في اليمن الأسفل قد منعت أهلها من الصلاة معهم، مؤتمِّين، لكونهم كفار تأويل! وقد ظلت تهامة وأيضا أبين وعدن المصدر الرئيس، وربما الوحيد لاجتلاب الأموال للأئمة، خاصة الأئمة القاسميين، من خلال ميناءيهما الشهرين، واللَّذَين يدران دخلا كبيرا من الضرائب وزكوات التجارة، في الوقت الذي يهيمن شبح الجوع والإفلاس والفقر فيهما، خاصة تهامة، وليس لأهلهما إلا خدمة “المركز المقدس” واستضافة حاشيتهم وعمالهم وولاتهم فقط، مع الأخذ في الاعتبار أن طبيعة الاقتصاد يومها ريعي اعاشي وتقليدي، وغلاته السنوية لا تكاد تكفي أهله، كما فرض أيضا في الأذان إضافة “حي على خير العمل” في حضرموت وعدن ولحج، لأول مرة، وليست من تعاليم المذهب الشافعي الذي تدين به هذه المناطق، ومنع حلق الذكر الصوفية التي ألِفها الناس، خاصة في حضرموت؛ بل لقد حاول فرض مذهبه بالقوة في بلاد آنس وعُتمة، وأوفد إليها مشايخ الهادوية، وفي عهده تحول أهل الحدا وآنس إلى الهادوية، وكانوا على المذهب الشافعي قبله.22

5ـ التنكيل باليهود ومصادرة حقوقهم والاعتداء على رموزهم الدينية:

لم تقتصر تصرفاته هذه على المسلمين فقط؛ بل وأيضا اليهود “الذميين” فاتخذ ضدهم سلسلة من الإجراءات العقابية القاسية حين شاعت فكرة “المسيح المخلص” في صنعاء، في رجب 1075هـ، فاعتقل زعماءهم وعذبهم وسجنهم، ومنعهم من لبس العمائم، وألزمهم بدفع نصف محصولاتهم، ثم صادر أموالهم كاملة بعد ذلك، وأبطل عقد الذمة المبرم بين اليهود والأئمة سابقا، وحكم عليهم بالعبودية بعد أن كانوا ذميين. وقد وجه بطرد اليهود وإخراجهم وهو في مرض الموت قبل وفاته. واستكمل المهدي أحمد المهمة بعد ذلك، واقتحم الكنيس اليهودي بصنعاء، فمزق كتبها وأحرقها ودمر مقتنياتها، وهدّم المبنى وأراق الخمر، وبنى مكانه مسجد الجلاء المعروف اليوم هناك، مع أن مبنى الكنيس قد تم إنشاؤه من قبل الإسلام، وقد أجبر اليهود بين خياري الإسلام أو الرحيل، فاختاروا الرحيل، فطردهم إلى موزع قريبا من المخا!.23

6ـ جريمة إبادة الطائفة المطرفية:

أن ما حدث للمطرفية من قتل وإبادة للأفكار والأفراد.. إبادة جماعية وجريمة وحشية، لقد هدم الإمام المنصور عبدالله بن حمزة ت(614هـ)  مساكن ومساجد المطرفية في –وقش – وسناع وغيرها من المدن والمناطق التي كانوا يعيشون فيها ويسكنونها، هدم وخرب المساكن والبيوت والمساجد والمرافق، وقتل الرجال وسبى النساء والأطفال وطاردهم وكفرهم ولم يقبل توبة أحد منهم، وحتى الذين اعلنوا تخليهم عن أفكارهم وأرائيهم، لم يقبل منهم ذلك، لقد استحل الإمام المنصور عبدالله بن حمزة ت(614هـ) دماء المطرفية وأموالهم، وأخرب ديارهم ومساجدهم، وأصدر لأجل ذلك مرسوماً –إمامياً- جاء فيه: “تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذرايّهم ويقتلون بالغيلة والمجاهرة، ولا تقبل توبة أحد منهم ولماذا ابادهم عبدالله بن حمزة؟

لقد رفض الفكر المطرفي اشتراط النسب في الإمامة، وانكروا حصرها في البطنين والفاطميين، ويأتي هذا الموقف والانكار متوافقاً مع الفكر المعتزلي والمنهج العقلي والفلسفي الذي اعتمد عليه المطرفية الذين كانوا أكثر فرق الزيدية مصداقية ورغبة قوية في اصلاح مسارها الفكري،

وتظهر هذه المصداقية والرؤية المبدئية من خلال رفض وانكار الشرط الفاطمي في الحكم والامامة والرئاسة، وأن هذا المنصب يصلح له كل مسلم ولا يختص به قوم ولا يحصر في سلالة أو أسرة، ويكون الانكار شديداً إذا كان هذا الحصر يستند للدين ويعتمد على المذهب، لقد أراد المطرفية تنقية المذهب الزيدي الهادوي من الشوائب التي لصقت به ومن أهمها وأبرزها وأكثرها تشويهاً هذه السلالية البغيضة والعنصرية المقيتة.24

7ـ فرض الضرائب والجباية وأخذ الخمس من الاموال:

لقد أقام المتوكل إسماعيل نظاما هاما على طول البلاد، غير أن حاجته المستمرة للضرائب، من اليمن الأسفل، أثارت عليه انتقادات شديدة من قبل أهل العلم، وعجز في الوقت نفسه عن إرضاء القبائل التي كان يدفع لها المكافآت. 25  وفي وصف الامام القاسم، مؤسس السلالة التي حاربت الاتراك: بدأ القاسم حياته كلاجئ، مثله مثل الكثير ممن سبقوه من الائمة( يصور كاتب سيرته الهدية المكونة من بندقيتين قديمتين وثلاثة أرطال من البارود على أنها نقطة تحول رئيسة). ولكنه أصبح في نهاية حياته ثريا.26

ومن المثير للغرابة أن اًصحاب الحرف والمهن يطلق عليهم لقبا غريبا ذو بعد مالي مرتبط بالجباية والنهب والفيد باسم الدين؛ ويشار إلى أن بعض المهن تحط من شرف الرجل، وبكلمات أخرى، تمنعه من المشاركة الكاملة في الحياة السياسية، ولهذا فإن على فئات معينة من المجتمع القيام بهذه المهن. ويطلق على هذه الفئات بني الخمس وتتضمن الجزارين والمقهويين والقشامين(زارعي الخضروات وخاصة البصل والثوم والفجل) والمزينين(الحلاقين) والحمامين، وإلى حد ما، البضاعين، الدباغين والنساجين.27

8ـ فرض نظام الرهائن :

من وسائل إخضاع القبائل المهزومة أخذ أبناء الشيوخ كرهائن ومعاملتهم بالسوء والحسنى بحسب تصرف قبائلهم. وفي نهاية حملات التوحيد عام 1939 قدر وجود 4000 رهينة في قصور الإمام أحمد بصنعاء،

بينا قدر عام 1955 وجود 2000 رهينة في قصور الإمام في تعز وفي أماكن أخرى. وقد أخذ الامام بعض رهائنه إلى روما عندما ذهب إلى العلاج هناك عام 1955م. 28

ويقول بول دريش: لقد احتفظ الائمة المتأخرون من بيت حميد الدين ببلاط وحاشية بسيطة جدا، وأداروا البلاد بشكل فردي كلما كان ذلك ممكنا، وتمكنوا عن طريق سجنهم لعدد هائل من الرهائن، من فرض النظام في المناطق الريفية، الأمر الذي لم تشهده هذه المناطق من قبل. 29

وفي هذا السياق يذكر عبدالعزيز الثعالبي في كتابه الرحلة اليمانية وبعد وصوله في رحلته تلك إلى مدينة يريم الفاصلة بين بلاد الشافعية والزيدية. حيث قال: ويوجد بها 53 ولدا من رهائن البلاد الشافعية التي يخاف الإمام ثيارها عليه، وكلها من ذوي اليسار وأبناء المشايخ والمقدّمين، وقد اجتمعت بكثير منهم وذكروا لي أن حالتهم أشبه ما تكون بحالة المساجين، وأن البعض منهم فريد في عائلته وليس وليس لأبويه غيره، ومنهم من لم يبصر أمه وأقاربه منذ خمس سنين. 30

9ـ سياسة التجهيل واحتقار القبائل:

من أهم العوامل التي تديم سيطرة الأئمة جهل الناس وقد كانت سياسة التجهيل متعمدة، بحيث تحافظ الطبقة الحاكمة على تميزها وتفردها بالحكم دون غيرها. ونورد فيما يلي ما ذكره فرنك ميرميه أثناء حديثه عن الثورة التي قام بها أهلي صنعاء ضد الامام المتوكل ويسوق شهادة لاحد الاخباريين المجهولين بقوله:” حتى أن الغوغاء يدعّون التشيع وما هم داري ما هو ولا ما شروط الصلاة ولا ما يحلها ولا ما يحرمها”. ويبدو أن هذا الحكم قد أملاه الاحتقار الذي بيديه أهل العلم نحو عامة الناس الذين اعتبروا جاهلين لأركان المذهب الزيدي.31

10ـ التحريش بين القبائل:

كان الائمة يقومون بتعبئة القبائل ضد بعضهم البعض بحجة ” الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” بغض النظر عن الموضوع المنهي عنه، سواء كان المنكر عادة قبلية مدانة أو دعوة مذهبية منافسة كدعوة الإسماعلية مثلا. وقد اعتمد الرئيس السابق صالح هذه الاستراتيجية الخبيثة وكان يعمل على تسليح القبائل التي بينها ثارات وتشتعل حروب قبلية تستمر سنوات وتخلف الكثير من الضحايا.

11ـ استخدام القبائل كجيش ومخزون بشري لشن الحروب المقدسة:

يكاد يكون من الصعب التمييز بين الدعوات القبلية والدينية، عندما ساقت أقدار الحرب المقدسة الأئمة، كما هو حال آل القاسم، إلى المناطق الأغنى في اليمن الأسفل (تتكون غالبية السكان في اليمن الأسفل من الشوافع، أما قبائل المرتفعات فهم، إسميا، زيود) فقد كوفئ المحاربون في سبيل الله بالارض والثروة. بول دريش، الأئمة والقبائل، اليمن كما يراه الأخر.

ويقول كذلك في توصيف القبائل وكيف ينظر إليهم الأئمة ما يلي: ( غير أن القبائل كانت هي الوحدات المقاتلة التي حققت لهم الفتوحات). 32 وفيما يتعلق بمكانة القبلي بالنسبة للسيد فهو مجر تابع فالسيد يراهن على الإمامة أما غير السيد، فلكي يحصل على نفوذ أكبر، فإنه يساند الداعي للإمامة. 33

12ـ  شهادة مهمة لعبد العزيز الثعالبي أثناء زيارته لليمن:

في زيارته الشهيرة لليمن يرصد بعض المواقف في كتابة الرحلة اليمانية ونقتضب من ذلك حديثه الصريح مع بعض النسوة أثناء مروره في مدينة أب وسط اليمن حينما كان متجها إلى صنعاء، وقد كان يظن الناس أنه من رجالات الدولة التركية، وقد جاورا يلتمسون الاخبار والتعليمات، لانهم ينتظرون منهم النجدة لتخليصهم من حكم الإمام !.. ويستطرد قائلاً: ففي الساعة التاسعة أقبل الحاج محسن ومعه نسوة كثيرات، وقال إن بناتك يريدون زيارتك، فهل تسمح لهن؟ فأذنت لهن، فدخل عليّ نحو اثنتي عشرة امرأة، فلبثن في حضرتي إلى منتصف الليل، ولا أظن أنني ألتقيت برجال أسمى عقلا من بعض الفتيات اللائي كن بينهن وخاصة بنت الحاج محسن صاحب البيت.. فسألتني عن رأي هل يعود الأتراك إلى اليمن، فأخبرتها أن الأتراك لا يعودون وإنما الواجب على أهل اليمن أن يكونوا هم أتراك بلدهم. فقالت نحن ود الاتراك لأن وجودهم في البلاد ضمان لبقائنا فيها، وأما حكم الزيدية فنحن لن نرضى به أبداً ولا يمكن أن يدوم، فهم بدويون لا يدرون قيمة للحرية ولا يذوقون طعماً للعدال، دأبهم أن يوقروا كواهلنا بالجبايات وينعموا بها، هذه أراضينا الواسعة الغنية التي كانت تزرع في عهد الدولة التركية صارت أرضا مواتا بسبب الظلم ومبالغة المحققين في تقدير الاعشار.

فقلت لها قد قتلتم من الاتراك في اثنتي عشرة سنة نحو مائتي ألف عسكري من خيرة جيوشهم وأبطالهم، وهل هذا يشجعهم على الرجوع إليكم؟

فقالت: “لا تتهمنا باطلاً، فأننا لم نقاتل الأتراك، بل كنا نموت إلى جانبهم فداءً لهم، وإنما قاتلهم الزيدية، وهم أعداؤنا وأعداؤهم، ونحن لا نبتغي شيئاً غير إسقاط حكمهم والتخلص منهم، وكل الذين جاؤوا يسلمون عليك إنما جاؤوا ليسألوك رأيك في هذه المسألة، ولكنهم تهيبوك “. 34

المبحث الثالث: المراحل التاريخية لتطور الصراعات الداخلية:

تكاد تكون الصراعات السياسية السمة الاساسية التي تميز اليمن لعوامل متعدد فالموقع الجغرافي والاطماع الاقليمية والدولية وغياب مفهوم الدولة الوطنية ووجود عوامل ذاتية متمثلة بنظرية كهنوتية تدعي الحق الإلهي في الحكم وتستغل حالة الجهل والأمية والطبع التقليدي القبلي للتجييش والحشد بدوافع متعددة تلتقي مع الاطماع وطابع الفيد والنهب الذي ترسخ في مخيلة القبيلة والتي تحولت مع مرور الزمن من حالتها الطبيعية كمجتمع زراعي حرفي إلى جماعات مقاتله تمتهن النهب وتحتقر المهن والحرف بل للتأكيد لا يمكن أن تخلو قبيلة واحد من حرب مع جارتها وثارت قد تستمر عقود من الزمن وللأسف عمد نظام صالح على تغذية النزاعات القبلية لشغلها بنفسها لكي يتمكن من التفرد بالحكم أطول مدة ممكنه من الزمن وهذا الذي جعله مستمر بهذه اللعبة إلى هذه اللحظة أنه كان يعيش في الحكم عن طريق خلق وإدارة الأزمات.

“ولعدة قرون شكل هذا الانقسام الزيدي – الشافعي على المستوى العقائدي للصراع السياسي في اليمن، لكن بينما كان للانقسام الديني قوة دفع خاصة به، فقد كان يتطابق مع انقسامات اجتماعية واقتصادية: فالقبائل الجبلية كانت فقيرة وأرضها غير خصبة وغالبا ما كانت تعتمد على غزو المدن الشافعية والمناطق الساحلية”.35

فالبشاعة التي نراها اليوم من هدم البيوت ونهب الممتلكات وقتل الابرياء لها مستندات تاريخية وبعدا مذهبيا لكن الغالبية العظمى من القوى الوطنية ترفض وصم الصراع الحالي في اليمن بكونه صراعا طائفيا وذلك حفاظا على المجتمع من الانزلاق أكثر في متاهات العنف والعنف المضاد.

ويمكن الوقوف في هذا البحث على اهم المحطات التي شهدت صراعا شديدا خلال القرن الماضي وبداية القرن الواحد والعشرين وتكاد تتكرر حالات الصراع وظروفه لكن تظل المسببات واحدة والجذور مشتركة.

ونوردها على النحو التالي:

حرب الامام يحيى على العثمانيين والشافعية في اليمن الاسفل :

وكان قبل أن يشن حروبه التي اتخذت نمط حروب العصابات يبدا بحملات التشويه والتكفير للعثمانيين الاتراك واتهامهم بتهم كثيرة نورد منها ما ذكره المستشرق ر. ب. سيرجنت في مقال له بعنوان (الزيود): “…أنكر اليمنيون عدم تدين الأتراك، وعدم أدائهم للصلاة، وارتكابهم الفواحش علانية بما فيها اللواط، وشرب النبيذ، ولكنهم أنكروا بشكل خاص تركهم أحكام الشريعة، واعتماد القانون التركي المدني. وحدثت تصادمات بسبب محاولات الاحتيال في جمع العشر، كما كان رد فعل اليمنيين عنيفاً عندما كان الجنود الأتراك يأتون إلى قراهم ويعتدون على شرف نسائهم….” 36

وقد كان يحيى حميد الدين المتوكل إماما على الزيدية في اليمن وبخروج العثمانيين عام 1918، أراد الإمام توسيع نفوذه ليشمل كامل اليمن ويعيد إحياء ملك أجداده القاسميين، ولم يعترف بالمعاهدة الأنجلو العثمانية بترسيم الحدود الذي قسم اليمن لشمال وجنوب، عام 1915، وقع الأدارسة في جازان على معاهدة مع الإنجليز لقتال الأتراك وفي المقابل، تضمن لهم استقلالهم فور انتهاء الحرب العالمية الأولى. قضى الإمام يحيى حميد الدين السنين الأولى بعد خروج العثمانيين يحاول التوسع واستعادة ” الدولة القاسمية”.

هاجم الإمام يحيى حميد الدين الحديدة بقوة من القبائل في المرتفعات غالبهم من حاشد عدد من الأضرحة الصوفية لمن اعتبرهم سكان تهامة أولياء صالحين، سويت بالأرض بأمر من الإمام الزيدي ثم توجه نحو صبيا وحاصر الإدريسي واقتحمت قوات الإمام جيزان وعسير ونجران عام 1926

عرض الإدريسي على الإمام يحيى الاتحاد وإنهاء النزاع شريطة اعتراف الإمام به وبأسرته حكاماً على عسير، رفض الإمام يحيى العرض وأصر على إخراج الأدارسة من اليمن لدرجة أنه شبههم بالإنجليز في جنوبه، وقد حاول الائمة من عائلة حميد الدين أن يشقوا القبائل وأن يكسبوا الولاء الزيدي بإعطاء الزيديين امتيازات تستثني الشافعيين، وقد سمح الإمام لأتباعه الزيديين في مناسبة واحدة على الأقل عام 1948م بأن ينهبوا مدينة صنعاء.37

استباحة صنعاء وإبادة أحرار ثورة الدستور عام 1948م:

قاد الإمام عبد الله الوزير بمساعدة من بعض أفراد الأسرة المالكة وحزب الأحرار اليمنيين ما سمي بثورة الدستور عام 1948 والتي قُتل خلالها الإمام يحيى حميد الدين واختير عبد الله الوزير “إماماً دستورياً”.  وقد لعب الفضيل الورتلاني الذي أرسله الإخوان المسلمون دورا أساسيا في وضع الترتيبات لثورة الدستور شملت وضع (الميثاق الوطني المقدس) وتحديد أسماء أعضاء الحكومة.. وكان الاحرار قد وضعوا نسخة من الترتيبات في عدن عند الزبيري والنعمان ونسخة في القاهرة عند الإخوان، على أساس نشرها فور سماع خبر موت الإمام يحيى، وقد تمكن ولي العهد عبر جواسيسه من كشف ومعرفة هذه الترتيبات، وقام بنشر إشاعة خبر وفاة والده الامام يحيى، وعند سماعهم هذا الخبر الكاذب قام الأحرار بنشر كافة الترتيبات، الامر الذي دفعهم إلى اغتيال الامام يحي في 17 فبراير 1948 م، وبالتالي تم الاعلان عن تولي عبدالله بن الوزير الامامة وتلقب بالهادي. 38

ولكن سرعان ما قام ولي العهد بحشد القبائل من حجة واستباح صنعاء، وهكذا سقطت صنعاء بيد الامام الجديد أحمد وتم اعتقال الإمام عبدالله الوزير.. فقد كان عبدالله الوزير متزمتا ومتعصبا وأكثر تقليدية وضيق أفق من الامام يحيى فإنه كان أيضا مترددا ومستبدا.. وكان يشك في الأحرار ولا يتفق مع آرائهم. 39 وتجدر الاشارة إلى ان دعما كبيرا تلقاه الامام أحمد من كل من عبدالعزيز آل سعود وفاروق ملك مصر وعبدالله أمير شرق الاردن وعبدالاله الوصي على عرش العراق في قمع الثورة الدستورية.40

3-الامام أحمد وسياسة هدم البيوت وقطع الرؤوس:

في صبيحة يوم الخميس 29 جماد الأولى سنة 1367هـ أمر الإمام أحمد بضرب عنق الإمام الوزير في حجة، وقد نقل رأسه مع ثلاثة من الشهداء أخرين إلى صنعاء ووضعت على نوافذ وزارة الصحة لإرهاب الناس، وقيل أن رأس الامام الوزير عرض على نساء الامام يحيى ليتشفين منه، وقد قام الامام أحمد بهدم بيوت بيوت آل الوزير في صنعاء وفي هجرة بيت السيد نكاية بهم وتخويفا لمن يفكر في منازعته الحكم.

4ـ الحرب الأهلية بعد ثورة 1962م :

قامت ثورة ضد الإمامة في شمال اليمن عام 1962 وقامت خلالها حرب أهلية بين الموالين للمملكة المتوكلية وبين المواليين للجمهوريّة العربية اليمنية واستمرت الحرب ثمان سنوات (1962 – 1970). وهرب الإمام إلى السعودية وبدأ بالثورة المضادة من هناك.

تلقى الإمام البدر وأنصاره الدعم من السعودية والأردن وبريطانيا وتلقى الجمهوريين الدعم من مصر جمال عبد الناصر، وقد جرت معارك الحرب الضارية في المدن والأماكن الريفية، وشارك فيها أفراد أجانب غير نظاميين فضلاً عن الجيوش التقليدية النظامية.

وأرسل جمال عبد الناصر ما يقارب 70,000 جندي مصري وعلى الرغم من الجهود العسكرية والدبلوماسية، وصلت الحرب إلى طريق مسدودة واستنزفت السعودية بدعمها المتواصل للإمام طاقة الجيش المصري وأثرت على مستواه في حرب 1967 وأدرك جمال صعوبة إبقاء الجيش المصري في اليمن، وانتهت المعارك بانتصار الجمهوريين وفكهم الحصار الملكي على صنعاء في فبراير 1968.

” أما الولايات المتحدة فقد كانت تلعب دورا غامضا إذ اعترفت بالجمهورية وأرسلت طائراتها لحماية السعودية، ورتبت الأمم المتحدة نتيجة للضغوط الأمريكية وقفا لإطلاق النار. وقد وافق السعوديون على عدم دعم الملكيين، وقال المصريون أنهم سيتوقفون عن مهاجمة الملكيين والسعودية ويسحبون قواتهم من اليمن، وفي أيلول باشرت لجنة المراقبة اليمنية التابعة للأمم عملها على الحدود والموانئ. عندئذ فضل بعض القادة المصريين الاستسلام المحتشم. ولكن القتال استمر.. وقدم السعوديون دعمهم لهجوم ملكي أكثر تنظيما بلغ ذروته في أوائل عام 1964. واستعاد الملكيون كل المناطق التي خسروها وأوقعوا بالمصريين خسائر مؤلمة وقطعوا الطرق التي تصل صنعاء بالحديدة وتعز، كما استولوا على قافلة جمهورية تنقل 180000ريال كانت ستدفع رشوة لقبائل الجمهورية، وأصابوا القائد المصري اليمن، الفريق أنور القاضي بجروح بليغة.”

5ـ خلافات الصف الجمهوري وطول أمد الحرب الاهلية:

ومن اهم العوامل التي تسببت بطول فترة الحرب الاهلية وعودة الملكية عبر اتفاق شراكة أفرغ الجمهورية من محتواها هي حالة الصراع بين القوى التي شاركت في الثورة وطبيعة الانقسام الحاد الذي أصابها في وقت مبكرا.. ولم يتمكن الضباط الاحرار من الحفاظ على الحد الدنى من وحدتهم منذ اليوم الثاني للثورة، ومحاولات جمع شملهم من جديد باءت بالفشل، فضلا عن أن بعضا منهم آثر التعاون مع المحور الاقطاعي القبلي الذي تشكل بعد قيام الثورة في اليمن. وهذا المحور الذي تزعمته قيادات تقليدية مؤثرة، كان أبرزها محمد محمود الزبيري وعبدالرحمن الارياني وأحمد محمد النعمان. ”

6ـ الانقلاب بالتقسيط على ثورة سبتمبر:

مرت ثورة سبتمبر بمراحل عصيبة انتهت بعودة الامامة بشكلها الفج في انقلاب 21 سبتمبر 2014م.

يقول الدكتور صادق قائد في هذا السياق : “إن تعرض ثورة 26 سبتمبر للمؤامرات الداخلية والخارجية؛ قد ترتب عنه اصطدام مشروعها الوطني بالقوى القبلية التي أخذ ساعدها يشتد مع تواصل العدوان الخارجي عليها، الامر الذي ترتب عليه تغلغل العلاقات القبلية داخل إطار السلطة الحاكمة داخل إطار السلطة الحاكمة، بعد انقلاب 5 نوفمبر على الطابع الوطني الذ ي الذي كانت تتميز به الحكومة الثورية التي اعلنت بعد قيام ثورة 26 سبتمبر “.45

الانقضاض على الجمهورية ومفهوم الدولة والهوية الوطنية والانقلاب على ثورة سبتمبر بدأ مبكرا، وكان التقارب بين القوى القبلية الإقطاعية والملكيين السلاليين من جهة واتساع هوة الخلاف بين القوميين والاسلاميين من جهة أخري هي الضربة القاصمة التي أصابت الثورة بالشلل المبكر.

وتصفية الضباط الذين ينتمون جغرافيا إلى تعز وعلى رأسهم القائد عبدالرقيب عبدالوهاب رئيس هيئة الأركان العامة ويقال أنه تم تصفيته بطريقة بشعة وسحلت جثته في شوارع صنعاء من قبل العسكر والقبائل الموالية لحسن العمري وعبدالله الأحمر وعلي سيف الخولاني”.46

والاغتيال الأثيم للرئيس إبراهيم الحمدي في أكتوبر 1977م،وما حصل بعد ذلك في الحجرية بتعز عام 1978 يعد جريمة جنائية تمثلت بمقتل المئات والاخفاء القسري للكثير من القيادات الكبيرة التي لم يعرف مصيرها إلى هذه اللحظة ومن ضمنهم سلطان أمين القرشي الذي شغل منصب وزير التجارة في حكومة إبراهيم الحمدي كما تعرض عبدالله عبدالعالم وهو قائد المضلات وعضو مجلس قيادة الثورة للتهجير القسري، وتمكن الهضبة الزيدية من السيطرة التامة على مفاصل الدولة كل تلك العوامل أسست لحالة من الاحتقان والشعور بالغبن والظلم والتهميش لدى أبناء تعز الذين كان يطلق عليهم “براغلة، لغالغة” تهكما وسخرية ولم ينته هذا الشعور إلا بانفجار ثورة 2011م.

7- حروب الشمال والجنوب وصراع جناحي النظام في الجنوب فيما عرف بأحداث يناير 86:

العلاقات مع شمال اليمن توترت كثيراً أيام فتاح لدعمه المتواصل للفصائل المعارضة لعلي عبد الله صالح، فقامت حرب الجبهة عام 1978 تدخل فيها الإتحاد السوفييتي والولايات المتحدة والسعودية وكل لديه أسبابه، السعودية أرادت تخليص حسابات قديمة مع اليمن الجنوبي لإثارته التمردات ضد المصالح السعودية في شمال اليمن ولضمان استمرارية تبعية واعتماد شمال اليمن عليها عوضا أن يحاول التعاون منفرداً وباستقلالية مع اليمن الجنوبي. موسوعة ويكيبيديا.

تمكن علي ناصر محمد من إجبار عبد الفتاح إسماعيل على الاستقالة لـ”أسباب صحية” ونفي إسماعيل إلى موسكو بعد أقل من سنتين على توليه الرئاسة، واتخذ علي ناصر محمد موقفا ايجابيا اتجاه شمال اليمن ومجلس التعاون الخليجي واغلق معسكرات تدريب منظمة التحرير الفلسطينية، وفي 13 يناير 1986 أقدم حراس علي ناصر محمد على مهاجمة المكتب السياسي للحزب الاشتراكي في عدن وهو ما فجر حرب 1986 الأهلية في جنوب اليمن، كان ضحايا الهجوم من محافظتي لحج والضالع، فأقدم عسكريون من هذه المحافظات على استهداف أبناء محافظتي أبين وشبوة على أساس أنهم متعاونين مع علي ناصر محمد الذي هرب ونزح مئات الآلاف من المدنيين والعسكريين لشمال اليمن منهم عبد ربه منصور هادي. وشكلت تلك الحرب نهاية دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. 47

وقد كان تطرف الماركسيين في حربهم على الموروث الديني والهوية الاسلامية واضحا وجليا وتمثل ذلك بحرب شرسة أخذت طابع الاجتثاث لكل ما يمت للإسلام بصلة مما ترك حالة من الاحتقان والغيظ في المجتمع الجنوبي وكان لهذا الضغط أثره الكبير في توجه الكثير من الجنوبيين بعد الوحدة للدراسة في مراكز السلفية مما جعل الساحة الجنوبية مهيئة لظهور الجماعات المسلحة القريبة من القاعدة والتي كانت تعتمد على بعض الاحاديث الواردة حول جيش عدن أبين مما أسهم في خلق حالة من التطرف الديني الذي نشهده اليوم من خلال سيطرة جماعات مسلحة تتيع القاعدة وانصار الشريعة على أجزاء كبيرة من الجنوب.

وتجر الاشارة هنا إلى أن الرئيس سالم ربيع علي كان ضد التوجه لتأسيس جزب بطابع ماركسي يتناقض مع هوية المجتمع الدينية وقال لرفاقه كيف تريدون تأسيس حزب ماركسي وبينكم وبين الكعبة مئات الكيلو مترات وقد كان ذلك سببا في إسراع الاتحاد السوفيتي  بالتخلص منه وتم استخدم سلاح الطيران في الانقلاب الذي انتهى بالقبض على الرئيس ومحاكمته محاكمة صورية واعدامه ودفنه في مكان مجهول، ليأتي المتطرفون الماركسيون بعد ذلك للحكم بطريقة غير توافقية وتتناقض مع الهوية التاريخية والثقافية والدينية للمجتمع. 48

8ـ حرب صيف 1994 الحرب الأهلية وخروج الحزب الاشتراكي من العملية السياسية:

ارتفع الشعور بالاستهداف لدى الحزب الاشتراكي بعد اغتيال الكثير من كوادر الحزب في صنعاء ومحافظات يمنية أخرى، حينها توجه الجميع الى عمان لتوقيع وثيقة العهد والاتفاق برعاية الملك الحسين بن طلال ملك المملكة الاردنية الهاشمية وقد كانت بنود الوثيقة تمثل حلا جذريا لأسباب الازمة، ولكن تسارعت الاحداث وانفجرت حرب شاملة ولمدة شهرين انتهت بهزيمة الجنوب في يوليو 1994م كان للإسلاميين وانصار الرئيس الجنوبي السابق على ناصر محمد ومنهم الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي والذي شغل حينها منصب وزير دفاع في حكومة الشمال دورا كبيرا في حسمها لصالح الشمال.

وقد خلفت هذه الحرب ما بين 7000 – 1000 قتيل وهرب قادة الانفصال إلى خارج البلاد. وتم تسريح عشرات الالف من الموظفين المدنيين والعسكريين ونهب شامل لكل مقدرات الجنوب وتم كذلك مصادرة ونهب كل مقرات وممتلكات الحزب الاشتراكي وتوزيعها كغنائم للقبائل والقيادات العسكرية. وانتهت الحرب كما يقال لكن لم تنهي تداعيتها وآثارها بل زادة المشهد تعقيدا وضبابية..

ومما تجدر الاشارة إليه أن حزب الاصلاح في مؤتمره العام الذي عقد بعد الحرب بأشهر طالب بمعالجة آثار الحرب وتسليم مقرات وممتلكات الحزب الاشتراكي، لكن المفارقة العجيبة أن رئيس حزب الاصلاح الشيخ الاحمر كان قد استحوذ حينها على بيت الرئيس على سالم البيض في عدن ولم تسلم إلا بعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين في 2014م.

9ـ الحروب السته مع جماعة التمرد الحوثية من 2004-2010م.

بدأت الحرب في يونيو عام 2004 عندما اعتقلت السلطات اليمنية حسين الحوثي بتهمة إنشاء تنظيم مسلح داخل البلاد. ومعظم القتال كان في محافظة صعدة وانتقل إلى الجوف وحجة وعمران. واتهمت حكومة علي عبد الله صالح الحركة بالسعي لإعادة الإمامة الزيدية واسقاط الجمهورية اليمنية، بينما تتهم الحركة الحكومة اليمنية بالتمييز ودعم القوى السلفية لقمع المذهب الزيدي.

وقد جلب الصراع اهتماما دوليا في 3 نوفمبر 2009 عندما شنت القوات السعودية هجوما على مقاتلين حوثيين سيطروا على جبل الدخان في منطقة جازان جنوب غربي البلاد متهمة الحكومة السعودية بدعم النظام اليمني ماليا وإستراتجيا عن طريق السماح للقوات اليمنية باستعمال الأراضي السعودية كقاعدة لعملياته.

ومن خلال الإحصائيات، قدر إجمالي الخسائر المادية نتيجة حروب الحوثيين في أرجاء البلاد بنحو ملياري دولار، وبلغ عدد القتلى نتيجة الحروب التي افتعلها الحوثي هنا وهناك أكثر من 27,650 قتيلًا من الطرفين، فيما بلغ عدد الجرحى أكثر من 60,000 جريح، ووصل عدد النازحين في كل من صعدة وحجة إلى أكثر من 720,000 نازح. 49

والمتتبع لمسار تلك الحرب التي كانت تشتعل بدون أساب واضحة وتنتهي بطريقة غريبة وكما هو مشهور أن الحرب كانت توقف بمجرد اتصال تلفوني من الرئيس صالح لزعيم جماعة فقد كانت هناك أهاف خفية من هذه الحرب تمثل في انهاك ما تبقى من الجيش الوطني الذي قد يقف عائقا أمام مشروع التوريث الذي يعد له صالح منذ أن أسند مهمة تأسيس الحرس الجمهوري لنجله أحمد.

ويرى البعض ان الحرب هي حالة من حالات الصراع بين الزيدية القبلية والزيدية الدينية على النفوذ والسلطة والثروة وتعد امتدادا طبيعي لحالات الصراع التاريخية بين الزيدية والتي تحتاج لدراسة تاريخية مستقلة.. وقد انتهت هذا الصراعات إلى تحالف قاد عملية الانقلاب على العملية السياسية في 2014 وذلك حينما شعرت تلك القوى أن السلطة ستخرج من دائرة الهضبة الزيدية. ولا ننسى الاشارة إلى الدور الايراني المبكر في تدريب وتأهيل جماعة الحوثي عسكريا وإعلاميا وقد كان ذلك جليا عبر تهريب الاسلحة وتدريب أعضاء الجماعة في جزيرة “دهلك” الاريتيرية. 50

10ـ ملابسات الحرب على الارهاب والقاعدة:

ذكرنا سابقا أن تطرف الماركسيين كان من ضمن عوامل ظهور القاعدة في الجنوب واندفاع الكثير من شباب الجنوب للدراسة في مراكز السلفية المتشددة في صعدة وصنعاء وغيرهما من مدن الشمال، وقد مثلت السلفية القطبية أحد روافد التجنيد لتنظيم القاعدة خاصة وأن الجامع بينهما هي قضية الحاكمية وتكفير الانظمة، وكذلك لا يمكن إغفال جانب غياب مفهوم الدولة، وحالة التهميش،والأمية، والتوظيف السياسي للإرهاب، في مواجهة الاستحقاقات السياسة كما فعل الرئيس صالح ضد منافسه في الانتخابات الرئاسية فيصل بن شملان واتهام مرافقه بالانتماء لتنظيم القاعدة آنذاك.. وهناك عامل أخر لا يمكن إغفاله كالبطالة وحالة الاحباط وقد تشابكت تلك العوامل لتنتج ظاهرة الارهاب المؤرقة.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن الاستراتيجية الامريكية في محاربة الارهاب تعد عامل مساعدا لتمدد القاعدة وذلك بسبب الاخطاء الفادحة الضربات عن طريق الطائرات بدون طيار ووالتي قد ينتج عنها الكثير من الضحايا الابرياء مما يوفر أرضية خصبة للتجنيد في صفوف القاعدة، وهناك اعتقاد سائد لدى المهتمين والباحثين أن مثل هذه العمليات مقصودة،لتوفير أرضية ومبررات لهذه الجماعات في الانتشار والتمدد، فعلى سبيل المثال تم قصف عرس في أحد قرى البيضاء وقتل في هذا القصف العريسين وعشرات أخرين من النساء والاطفال والرجال، وقد تركت تلك العملية أثرا كبيرا في نفوس الناس في عموم محافظة البيضاء،وفي المعجلة بأبين والتي راح ضحيتها أطفال ونساء ورعاة أغنام في 2009 وبالتالي استغلت القاعدة هذه الاحداث في تجنيد المئات من الشباب في صفوفها، ففي ديسمبر 2009 بلغ عدد الضحايا لطائرات بدون طيار الأميركة حوالي 150 شخصا في منطق متفرقة. 51

ومن جهته يقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية والإرهاب سعيد علي عبيد الجمحي، أن تنظيم القاعدة في أوج قوته منذ انقلاب الحوثي، وأن جماعة الحوثي قد أعادت الحياة للقاعدة في اليمن. وقال: «أساساً اليمن وصل إلى مستوى بالغ الخطورة في قضايا الإرهاب ولديه تنظيم يعد هو الذراع الأقوى من أذرع القاعدة وفروعها بالإجماع كونه اكثر الأذرع نشاطاً وقدرة على التحرك وصناعة المتفجرات وغيرها من المميزات السيئة لدى هذ التنظيم». 52

ويكفي الاشارة إلى أن مساحة واسعة من المحافظات الجنوبية باتت تحت سيطرة جماعة أنصار الشريعة والقاعدة في هذه اللحظة، وللتذكير بقضية التوظيف السياسي للقاعدة فقد تم تسليم محافظة أبين للقاعدة بعد 2011 وقد صرح بذلك الرئيس السابق صالح بقوله أن نظامه إذا سقط فإن عددا من محافظات الجنوب ستسقط بيد القاعدة.

المبحث الرابع: تأثير الجذور التاريخية على الواقع الراهن للقضية اليمنية

إن الطائفية السياسية هي العقدة التاريخية التي كان لها الأثر الأكبر في تأجيج كل الصراعات التي تعاقبت على اليمن منذ ما يزيد على أكثر من ألف ومائتي سنة، وقد كان البعد المذهبي والمناطقي، حاضرا بقوة في محاولة للاستئثار بالسلطة والثروة من الاقلية الزيدية على امتداد مراحل الصراع في اليمن، فالمنطلقات الفكرية المتمثلة بالفكرة السلالية والاصطفاء الإلهي التي وردت في “الوثيقة الثقافية والفكرية للحركة الحوثية” التي تعتمد عليها الحركة الحوثية هي نفسها التي جاء بها الامام الهادي وفرضها على اليمن عام 284هـ.

وقد ورد في هذه الوثيقة ما نصه: “إن الله سبحانه اصطفى أهل بيت رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فجعلهم هداة للأمة وورثة للكتاب من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة وأنه يهيئ في كل عصر من يكون مناراً لعباده وقادراً على القيام بأمر الأمة والنهوض بها في كل مجالاتها(إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً يعلن الحق وينوره ويرد كيد الكائدين فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله) ومنهاجيتنا في إثباته وتعيينه هي منهجية أهل البيت عليهم السلام”53.

ويلاحظ أن الهضبة الزيدية المتمثلة بالزيدية القبلية والزيدية الهاشمية كانت دائما تمثل عنصر القلق لليمنيين عبر التاريخ منذ ألف عام، وبعد ثورة سبتمبر ظن اليمنيون أنهم قد تخلصوا من عقدة تاريخية ونظرية سلالية عنصرية ذات طابع دموي، لكن تداخلت الكثير من العوامل التي تسببت بحدوث نكبة 2014 والمتمثلة بعودة هذه الفكرة من جديد لتتحالف مع الزيدية القبلية المتمثلة بالرئيس السابق وتنقلب على أحلام اليمنيين بدولة مدنية بعد كل التضحيات التي قدمها الشعب اليمني في ثورة فبراير 2011م.

ساعد على ذلك مجموعة من العوامل الداعمة والأساسية، منها:

1ـ الصراع المبكر بين قوى الثورة بعد ثورة فبراير 2011.

2ـ ثنائية الصراع الاسلامي القومي.

3ـ تحالف صالح مع الاسلامين والقبيلة على حساب مفهوم الدولة الوطنية.

4ـ غياب المشروع الوطني الواضح لدى القوى السياسية المعارضة للنظام.

5ـ العوامل الإقليمية والتدخل الايراني.

6ـ التدخل السعودي في دعم القبائل طيلة فترة حكم صالح في مواجهة أي تحول حقيقي تجاه مشروع دولة وطنية حقيقية.

إن الصراع الراهن في اليمن ليس وليد اللحظة أو ما قبلها بقدر ما هو صراع تاريخي طويل، تداخلت فيه كل العوامل، القديمة والحديثة، مشكلةً تعقيدات هذه اللحظة بكل تشعباتها، التي أعادت عجلة الصراع والآزمة في اليمن إلى لحظتها الأولى، عودة الصراع الزيدي الهاشمي اليمني القحطاني، وقد عبر عن ذللك البعد في هذا الصراع وتلك المعاناة شاعر اليمن الكبير الشهيد محمد محمدو الزبيري، الذي يعتبره كثيرون “أيقونة التغيير وأبو الأحرار في اليمن”،

وقد كان شخصية استثنائية في التاريخ اليمني الحديث وتعرض للكثر من المعاناة التي اعترضت مسيرة حياته النضالية الكبيرة في سبيل تحرير اليمن، فقد قال وهو يحكي وضع الانسان اليمني القحطاني:

ماذا دهى قحـطان في لحظاتهم بؤس وفي كلماتــهم آلام

جهل وأمـــراض وظلـم فـــــادح ومخافة ومجاعة وإمام

وفي روايته الشهيرة “مأساة واق الواق”، تحدث الزبيرى عن أن اليمن أمة عظيمة جهلتها ودمرتها الإمامة الزيدية، وهو ما وضحه أيضاً في كتابه “الإمامة وخطرها على وحدة اليمن”، حيث قال: “إننا نريد أن نحرر عقولنا من كل ضروب العبودية وتتمثل في الأستعمار ودعاته وفي الحكم الإستبدادي الذي يمسك بخناقنا، وفي العبودية الروحية التي تتجلى في الأوهام الغاشمة الزائفة والتي ترزح تحت عبئها روح الشعب وتستحق تحت وطأتها آدمية الجماهير، وتتعطل بسببها عجلة التاريخ ونواميس التطور، وفيها دون ذلك ما ينذر بتمزيق الشعب وتحطيم وحدته”.

وبعنوان «الوحدة الوطنية» أكد أن اليمن جزء من الوطن العربي الكبير ولكن الاستعمار بمواطأة الرجعية قسمه الى قسمين، والإستبداد في عهود الظلام والجهل أبي إلا أن يبعث الفرقة السخيفة بين أبناء القسم المستقل فيغذي بتصرفاته الغاشمة الفرقة المذهبية والأقليمية، ويفرق في معاملاته بين ما يسمى قسماً شافعياً ثم يفرق بين الأقسام الإقليمية والقبلية وبين القرى والمدن وينمي روح التمجيد بالعرق والسلالة.

وتحت عنوان «خطر الإمامة على الوحدة الوطنية» يقول الزبيري: إن الإمامة من أساسها فكرة مذهبية طائفية يعتنقها من القديم شطر من الشعب وهم الزيدية الهادوية سكان اليمن الأعلى فقط، أما أغلبية الشعب فإنهم جميعاً لايدينون بهذه الإمامة ولايرون لها حقاً في السيطرة عليهم، بل أنهم يرون فيها سلطة مفروضة عليهم سياسياً ودينياً، وهذه الإمامة لاتقف عند حدود سلطانها السياسي بل تفرض على شطر الشعب معتقدات وطقوساً وأحكاماً مذهبية لا تتفق مع مذهبه”54.

وقبل الزبير كان هناك الكثير من الأعلام الكبار الذين شخصوا مأساة اليمن ومأزقها الدائم حتى هذه اللحظة وهو الفكرة الإمامة الزيدية التي عادت اليوم وتحت مسمى جماعة الحوثي. وأدى استمرار الرئيس السابق صالح في الحكم لاعاقة محاولة اليمنيين في الاتجاه نحو الدولة، فقد سعى مع حلفائه لاختزال البلد واحتكار المؤسسات في عوائل محدودة طلية ثلاث عقود إلى أن رجعت الامامة وهي تحمل مظلومية الشعب في 2014م، رغم أنها كانت تمارس أبشع الجرائم في محافظة صعدة الذي تم تهجير مئات الالف من أبنائها الرافضين لفكرة الحوثي، وفشل القوى السياسية التي تصدرت المشهد السياسي بعد ثورة فبراير ولم يكن لدها المؤهلات الاخلاقية والمشروع الواضع لتكون رافعة حقيقية لمشروع الدولة الذي ضحى من أجله خيرة شباب اليمن بأرواحهم، كل تلك العوامل ساهمت في ما وصلت إليها البلد اليوم.

الاثار التاريخية على المشهد اليوم:

1ـ تحالف صالح مع جماعة أنصار الله “الحوثيين” لإسقاط عملية التحول السياسي وعرقلة مشروع الدولة الاتحادية التي نصت عليها مخرجات الحوار الوطني والتي كانت ستنهي سيطرة الهضبة الزيدية على السلطة والثروة.

2ـ اشتعال حرب أهلية تمثلت بغزو مناطق الجنوب وتعز وتهامة وكل المناطق الشافعية التي ضاقت ذرعا بتسلط الهضبة الزيدية، ومما تجدر الاشارة إليه أن الحرب في اليمن لم تأخذ بعدا طائفا لان الصراع هو صراع اجتماعي سياسي بالأساس لانه صراع من أجل السلطة والثروة بالاساس وهذا هو الصراع الازلي في اليمن رغم محاولة بعض متطرفي الزيدية بخالق حالة من الانقسام المذهبي وكذلك جماعات التكفير والقاعدة التي ظهرت مؤخرا في اليمن وحتى القاعدة يتم توظيفها سياسيا وليس لها حاضنة شعبية أو عمق اجتماعي في اليمن.

3ـ ظهور مقاومة وطنية تحافظ على البعد الوطني للصراع ولم تنزلق لتطييف الصراع في اليمن كما هو الحال في العراق وسوريا

4ـ ظهور تحالفات جديدة بين قوى الامامة وبعض قوى اليسار.

5ـ الانهيار الاقتصادي المريع والاخطاء الفادحة للتحالف في استهداف المنشئات الاقتصادية في عمليات عبثية لا تحقق أي أغراض عسكرية في القضاء على الانقلاب وعودة الشرعية لليمن.

6ـ المجاعة والوضع الانساني المأساوي الذي نتج عن الحرب الحصار الذي تفرضه جماعة الحوثي ودول التحالف العربي.

7ـ القتل خارج إطار القانون من جماعات تكفيرية تدعي تطبيق الشريعة وإقامة حد الردة.

8ـ الانتقام الممنهج من الاسلاميين ” حزب الاصلاح” بسبب صراعاتهم مع خصومهم في المحطات التاريخية السابقة سوءا كانت في ثورة الدستور عام 1948 مع الامامة أو في فترة السبعينات وبداية الثمانينات في صراعهم مع القوميين واليسار وكذلك تحالفهم مع الرئيس السابق صالح في الحرب على الجنوب في صيف 1994 مما ولد حالة من النقمة الكبيرة التي خلقت حالة من تحالف الخصوم التاريخيين.

9ـ دخول اليمن في وصاية خليجية وسعودية تحديدا، قد تستمر خمسة عقود قادمة.

10ـ عودة إلى عصبيات القبيلة وتعمق المناطقية والجهويات التي قد تنذر بتفتيت اليمن.

وفي الاخير يمكن الاشارة إلى ما يخطط لليمن والمنطقة عموما من إثارة الحروب الطائفية وإعادة تقسيم المنطقة على أساس طائفي عرقي وإنهاء مفهوم الدولة الوطنية بناء على خطة مرسومة، ونشير إلى ما ذكره صاحب كتاب برنارد لويس سياف سايكس بيكو 2 حيث قال ما نصصه: ” إزالة الكيان الدستوري الحالي للدولة اليمنية بشطريها الشمالي والجنوبي، ورسم حدود جديدة قد تتفق مع حدود دويلات السلاطين قبل ثورة الاستقلال في الجنوب مع تقسيم الشمال إلى ثلاث مناطق منها منطقة للحوثيين”. 55

خلاصة:

السؤال الملح في هذه اللحظة هو هل هناك مناعة وطنية لدى القوى الداخلية في ظل هذا والوضع الكارثي؟ خاصة في ظل غياب استراتيجية واضحة للحكومة اليمنية التي ما زالت في المنفى، واستمرار الحرب ودخول عملية التفاوض مرحلة قد تؤسس لحروب قادمة كما هو الحال في التاريخ اليمني، إن الاتفاقيات في اليمن تجمد الحرب ولا تنهي جذورها ودوافعا، بل تؤجلها لجولات أخرى قد تختلف مبرراتها وظروفها إلا أن دوافعها واحدة؟ أم ان هناك مخاض لولادة جبهة وطنية عريضة تنهي الحرب وتستعيد الدولة وتخلق توازنات مجتمعة تؤسس لدولة شراكة لا مغالبة تتوزع فيها السلطة والثروة على أقاليمها المقرة في مؤتمر الحوار الوطني.. ؟؟ أم أن نموذجا للبنان جديد قد يتشكل في اليمن عما قريب !!؟؟ (56).

—————————–

الهامش

1) . خالد حسين غانم، واقع الأقليات في اليمن، دراسة في الجغرافيا السياسية، جامعة صنعاء، كلية الآداب، قسم الجغرافية، الحيفان، 2004م، ص22.

2) ابن الديبع، قرة العيون، ص 124.

3) فتوى الإمام المتوكل على الله إسماعيل والفتوى المضادة للإمام المجتهد الحسن الجلل د. عبدالعزيز المسعودي، مجلة الاكليل، العدد 29 يناير 2006.

4)  موسوعة ويكيبيديا.

5) موسوعة ويكيبيديا

6) فرنك ميرميه ، اليمن كما يراه الأخر دراسات أنثروبولوجيا مترجمة. صـ  300.

7)  موسوعة ويكيبيديا

8) عبدالفتاح البتول خيوط الظلام ؛ عصر الإمامة الزيدية في اليمن- صـ 306).

9) عبدالفتاح البتول خيوط الظلام ؛ عصر الإمامة الزيدية في اليمن- صـ 309).

10) موسوعة ويكيبيديا

11) اغتيل جار الله عمر في 28 ديسمبر 2002م بعد أن تلقي رصاصتين في صدره أمام أكثر من 4000 شخص هم أعضاء وضيوف المؤتمر العام الثالث لحزب الإصلاح الإسلامي وأمام شاشات التلفزة ووسائل الإعلام المختلفة بعد دقائق من إلقائه لكلمة قوية نيابة عن الحزب الاشتراكي أمام المؤتمر العام، وقد قبض على القاتل على الفور وكشف عن مخطط لقتل مجموعة من السياسيين من قادة الناصريين والبعثيين، وحكم عليه لاحقا بالإعدام جراء جريمته. إلا أن الكثير من السياسيين والمطلعين يؤكدون ويشيرون بإصابع  الاتهام للنظام اليمني والرئيس علي عبد الله صالح شخصياً بتدبير الاغتيال وتصفية الرجل لخطره السياسي الكبير عليه ومواقفه القوية ضد الفساد وتصرفات الرئيس، وقد دلت على ذلك التهديدات التي تلقاها جارالله عمر من صالح شخصياً بالتصفية، وكشف عنها بعد ذلك عدد من رفاق جار الله عمر، كما يدل هذا الاغتيال بسيناريوه المعد إلى أنه كان محاولة لضرب عصفورين بحجر واحد، الأول تصفية هذا السياسي النشط والثاني تفجير تحالف المعارضة من الداخل وإدخاله في دوامة الدم والصراع.

12) يوتيوب : https://www.youtube.com/watch?v=oz3JJ3q7FdM

13) موسوعة ويكيبيديا

14) عبدالفتاح البتول، خيوط الظلام : عصر الامامة الزيدية في اليمن. صـ370.

15) موسوعة ويكيبيديا

16) موسوعة ويكيبيديا

17) -انظر الفيديو على الرابط التالي : https://www.youtube.com/watch?v=cxu-lH-Q1RE

18) فتوى الإمام المتوكل على الله إسماعيل و الفتوى المضادة للإمام المجتهد الحسن الجلل  د. عبدالعزيز المسعودي ، مجلة الاكليل ، العدد 29 يناير 2006.

19) التكفير واستباحة الأموال عند الهادوية، ثابت الاحمدي.

20) المرجع السابق.

21) المرجع السابق.

22) المرجع السابق.

23) المرجع السابق.

24) عبدالفتاح البتول ، صراع التيارات الزيدية…إبادة المطرفية جريمة بحق الإنسانية

25) بول دريش، اليمن كما يراه الاخر دراسات أنثروبولوجيا مترجمة. صـ 237.

26) بول دريش، اليمن كما يراه الاخر دراسات أنثروبولوجيا مترجمة.ص232.

27) مارثا موندي اليمن كما يراه الاخر دراسات أنثروبولوجيا مترجمة.ص122.

28) . فريد هاليداي، الصراع السياسي في شبه الجزيرة العربية. دار الساقي الطبعة الثانية صـ 146.

29) بول دريش ، الائمة والقبائل: كتابة وتمثيل التاريخ في اليمن الأعلى. اليمن كما يراه الاخر. ص 242.

30) عبدالعزيز الثعالبي، الرحالة اليمانية ، تحقيق حمادي الساحلي الطبعة الثانية 2013صـ 75.

31) فرنك ميرميه  كومونة صنعاء: السلطة الحضرية والشرعية الدينية. اليمن كما يراه الاخر ص 95.

32) المرجع السابق صـ 134.

33) المرجع السابق. صـ 235.

34) عبدالعزيز الثعالبي، الرحلة اليمانية ،صـ 60 -61.

35) فريد هاليداي – الصراع السياسي في شبه الجيرة العربية الطبعة الثانية ، دار الساقي صـ 135.

36)  مجلة المسار، مجلة فكرية تصدر عن مركز التراث والبحوث اليمني في لندن ص126-127

37) فريد هاليداي – الصراع السياسي في شبه الجيرة العربية الطبعة الثانية ، دار الساقي صـ 145-146.

38) خيوط الظلام ؛ عصر الإمامة الزيدية في اليمن- عبدالفتاح البتول صـ 314.

39) حميد شحرة ، مصرع الابتسامة ، صـ 202 الطبعة الأولى 1989م المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية.

40) عبدالعزيز الثعالبي، الرحلة اليمانية، تحقيق حمادي الساحلي ، مركز الدراسات والبحوث الطبعة الثانية 2013م.

41) مذكرات أحمد النعمان ، صـ 207 ، تحرير الدكتور علي محمد زيد، مكتبة مدبولي- القاهرة ، الطبعة الاولى 2003م

42) موسوعة ويكبيديا

43) فريد هاليداي ، الصراع السياسي في شبه الجزيرة العربية، صـ 166.

44) د. صادق عبده قائد، التطور التاريخي للهوية الوطنية اليمنية. وزارة الثقافة- صنعاء 2004 صـ 249.

45) المرجع السابق. صـ 291.

46) حوار شخصي  مع أحد أقرباء الشهيد عبدالرقيب عبدالوهاب.

47) موسوعة ويكيبيديا

48) حسب شهادة سالم الحاج السكرتير الصحفي الخاص للرئيس سالم ربيع علي في برنامج أعلام صنعوا تاريخ اليمن الحديث. التلفزيون اليمني الرسمي. https://www.youtube.com/watch?v=tYZcPKo8pqg

49) احصائية .. حروب الحوثيين خلفت 28 الف قتيل و60 الف جريح و700 الف نازح

50) د. عبدالله النفيسي، التمدد الإيراني على الرابط

51) شاهد فيلم الحرب القذرة: https://www.youtube.com/watch?v=UhcTW05xd9E

52)  جماعة الحوثي أعادت الحياة للقاعدة في اليمن. الرابط

53) رياض الأحمدي، الوثيقة الفكرية والثقافية لجماعة الحوثي، موقع نشوان نيوز، 24 مارس 2012، تاريخ الزيارة 11-9-2016.

54) عبدالحميد الحجازي، قراءة في كتاب الشهيد الزبيري: الإمامة وخطرها على وحدة اليمن، موقع نشوان نيوز، الرابط، تاريخ الزيارة 11/9/2016.

55) عادل الجوجر ، برنارد لويس سياف الشرق الاوسط ومهندس سايكس بيكو 2.، صـ 11.

56) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

 

خالد عقلان

كاتب وباحث وناشط سياسي يمني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى