fbpx
قلم وميدان

اليمن: سياسات متعارضة ومسارات ملتبسة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تشهد المنطقة العربية مرحلة مفصلية في التحول وخاصة بعد ثورات الربيع العربي 2011 فقد قامت تلك الثورات بإرادة شعبية مباشرة وغير مباشرة ولكن الإرادة المباشرة غلبت الإرادة الخارجية غير المباشرة وسرعان ما انقلب الغرب على إرادة الشعوب وقام بتلغيم تلك الثورات بعيونه وجواسيسه واستدعى عملاءه من دول وأنظمة ومنظمات وهيئات وشخصيات إلى النفير العام لإسقاط تلك الإرادة الشعبية التي لم تكن على ما أراده المستعمر وأدواته المنفذة في عالمنا العربي.

فأشعل الحرب الأهلية في سوريا وسكت عنها وتركها تأتي على الأخضر واليابس، وأشعل الحرب الأهلية في ليبيا، وجاء بخليفة حفتر المتقاعد في أمريكا، وشارك في انقلاب مصر وفرض الحكم العسكري، وأيد الحوثي لإسقاط الدولة في اليمن، بمباركة من الأمم المتحدة، وتحت رعاية ما سُمي “بالمبادرة الخليجية”.

 

أولاً، اليمن: سياسات متعارضة:

المشهد السياسي في اليمن ازداد تعقيداً بعد مشاركة قوات التحالف العربي المنقسم على نفسه في أهدافه واستراتيجياته ما بين مؤيد ومعارض وساكت في تحرير اليمن، فأما المؤيد لتحرير اليمن من الحوثي فقد كانت السعودية هي المتصدره وفقاً لأيدولوجيتها القائمة على محاربة التشيع  ولكنها انقسمت على نفسها ما بين مؤيد لحسم المعركة في اليمن ليكون البديل “الشرعية الضعيفه بقيادة هادي”، ومشاركة الإخوان المسلمين في الحكم بصورة ضعيفة، وما بين معارض لحسم المعركة في اليمن حتى يتم إبعاد الإخوان المسلمين-الإصلاح- عن المشهد تماماً، وهذا هو رأي تيار الدولة العميقة في السعودية، أو اضعافهم وتقزيمهم وإبقاء جزء من قوات الحوثي وصالح كقوة موازية لمواجهتها وردعها في يوم من الأيام.

وقد تم جزء كبير من ذلك بإضعاف الإخوان سياسياً وعسكرياً ومحاصرتهم حتى في أماكن النفي الإجباري في فنادق الرياض، أو في الميدان، وتم شراء ولاءات عدد كبير من المشايخ والشخصيات لضمان التبعية للسعودية؛ وتم إجراء عدد من الزيارات والمحادثات السرية وغير السرية بين المملكة وبين صالح من جهة والحوثي من جهة أخرى وقد كان ذلك في سلطنة عمان أو ما صرح به وزير خارجتها، وتم التأكد من أن اليمن لن تشكل أي تهديد عسكري للمملكة.

أما الإمارات فقد كان لديها أهداف أساسية من التحالف، أولها يتمثل في الهدف الاقتصادي القائم على وضع الاحتياطات اللازمة لإيقاف ميناء عدن حتى لا يكون بديلاً عن دبي ولا يتم ذلك إلا بعد ترسيخ انفصال الجنوب عن الشمال، بعد إضعاف أكبر الكيانات المتواجدة في الجنوب وهم الإصلاح والمؤتمر، وتأسيس جيش جديد موالي للإمارات من الفقراء والبدو في المناطق الجنوبية أو ما يسمى بالعصبة الحضرمية، والقيام بإجراء تصفيات لجميع الخصوم في الجنوب، وعلى رأسهم الإصلاح والسلفيين, وإنشاء العديد من السجون والمعتقلات لتعذيب الناس وتخويفهم, وممارسة الضغوط المباشرة على الشرعية بفرض تعيينات في السلطة المحلية والقيادات العسكرية من الشخصيات الموالية لها ومن ذلك جميع محافظي المحافظات الجنوبية.

 

ثانياً، اليمن: مسارات ملتبسة:

في إطار هذه السياسات المتعارضة تبرز مجموعة من المسارات الملتبسة للطرفين الفاعلين في المشهد اليمني خلال المرحلة القادمة، ومن بين هذه المسارات:

1ـ بالنسبة للسعودية:

السيناريو الأول: قيام السعودية بدعم وتقوية شخصيات من المؤتمر موالية لها، مع شخصيات قبلية وعسكرية وتمكينها من الحكومة الشرعية، أي تكوين ما يمكن تسميته “مؤتمر شعبي بديل”.

السيناريو الثاني: إجراء مصالحة بين السعودية والحوثي تضمن فيها عدم بقاء صالح كشخص مؤثر وإضعافه عبر الحوثي وإضعاف قيادات المؤتمر الموالية لصالح، وتقوم السعودية بفرض تلك المصالحة على الشرعية المتمثلة في هادي في العودة إلى صنعاء تحت إشراف التحالف لأشهر معدودة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة أو تشكيل مجلس رئاسي انتقالي ليس فيه هادي.

2ـ بالنسبة للإمارات:

لم يعد أمامها إلا إعلان الانفصال في جنوب اليمن -بموافقة سعودية بنفس عام1994-وقتل وسحل كل معارض يقف أمام مشروعها الانفصالي وضمان حل الأحزاب الموالية للإخوان، أما في الشمال فإنها تمارس الضغط لإعادة أحمد علي عبد الله صالح بقوة للمشاركة في الحكم.

وفي مقابل سيناريوهات الفاعلين الإقليميين، يبقى السيناريو الأهم وهو الذي يلعب عليه الحوثي مع أجندته التي يعمل لها بقبول الصلح وإقناع السعودية بأن الحرب بينهم وبين الحوثي لا علاقة لها بالأيديولوجية المتعلقة بمحاربة المد الشيعي الإيراني، والعمل على تحويلها إلى حرب حدودية يمنية سعودية على جازان ونجران وعسير وهنا يكسب المشروع الحوثي الإيراني ثقة أبناء اليمن للقتال معه.

 

ختاماً:

مع كل ما سبق فإن أي تسوية سياسية دون الرجوع إلى المؤتمر والإصلاح أكبر حزبين فاعلين في اليمن ستفشل كونهما يمتلكان قاعدة تنظيمية صلبة في كل مناطق اليمن، وهما صمام أمان البلد برغم كل ما في قيادتهما من السوء في الإدارة والضعف في القيادة والارادة واتخاذ القرار المناسب زماناً ومكاناً. (1).

—————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close