تقارير

بالوثائق التفريط في ثروات مصر الطبيعية

 

تم ايداع تقرير الطعن الذي تقدمت به للمحكمة الإدارية العليا واجتزئ منه فقرات التعقيب علي أسباب الحكم قبل أن أتناول الواقعات و12 دفعا ببطلان اتفاقية البحث عن مكامن الهيدروكربون في المنطقة الاقتصادية الخالصة المصرية مع منع مصر من التنقيب في الجزء القبرصي، وفيما لي النص التالي لتقرير الطعن رقم 1996 س 46 .ق عليا، بتاريخ 4 اكتوبر 2017، دائرة فحص الطعون، مجلس الدولة، المحكمةالإدارية العليا.

تقرير الطعن علي الحكم الصادم والصادر من محكمة القضاء الاداري في الدعوى رقم 70526 س 70 ق.ع جلسة الثلاثاء الموافق 29 /8/ 2017 لما فيه من عوار وقصور في التسبيب وما تضمنه من الدخول في عقل الطاعن ومعرفة حقيقة مراده ودوافعه، وعرض مخل بعرض وقائع الدعوي سالفة الذكر وتغيير غير مبرر لطلبات الطاعن علي النحو الوارد في هذا الطعن.

ويقضي منطوق الحكم المطعون فيه بالآتي: حكمت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوي والزمت المدعي وطالبي التدخل المصروفات .

تعقيب علي أسباب الحكم:

“ذكر المدعي شرحا للدعوي انه في يناير 2014 اعلنت قبرص عن اكتشافها لاحد اكبر احتياطيات الغاز في العالم بمخزون مبدئي قدر بنحو 27 تريليون قدم مكعب بقيمة 120 مليار دولار اسمته افروديت”. وهو مجرد تقديم بخلفية الدعوي وليس بموضوعها.

واسترسل الحكم في سرد الواقعات: “وبتاريخ 12 ديسمبر 2013 قام الرئيس القبرصي بزيارة الي مصر بغرض توقيع الاتفاقية الاطارية لتقاسم مكامن الهيدروكربون بين قبرص ومصر، ثم صدر قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 311 في 26/11/2014 بالموافقة علي الاتفاقية الاطارية بين حكومتي مصر وقبرص بشان تنمية الخزانات الحاملة للهيدرو كربون عبر تقاطع خط المنتصف والموقعة في 12/12/2013 وذلك مع التحفظ بشرط التصديق”. وهذا هو موضوع الدعوي.

وبتاريخ 27 نوفمبر 2013 قام رئيس جمهورية مصر العربية بالتصديق علي الاتفاقية ونشرت بالجريدة الرسمية وصدر قرار وزير الخارجية بتنفيذها .‘‘

’’وقد استندت هذه الاتفاقية علي خط المنتصف المعيب الذي تم ارساؤه في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الباطلة دستوريا والمبرمة بين مصر وقبرص في عام 2003 والتي انتهكت اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار المبرمة في عام 1985 .

وقد حرمت تلك الاتفاقية مصر من ممارسة حقوقها الاقليمية السيادية علي موارد مياهها الاقتصادية ومساحة بحرية تعادل مساحة الدلتا ومكن اسرائيل من اتفاقية ترسيم مع قبرص سطت فيها علي حقلين من الغاز كانا من حق مصر .‘‘

وهذا استطراد في شرح خلفية الدعوي ولا يتناول موضوع الدعوي

’’و لما كانت تلك الاتفاقية قد ابرمت بالمخالفة للدستور والقانون، فقد اقام المدعي هذه الدعوي بالطلبات ســـالفة البيان ‘‘.

وهذه اشارة موجزة الي موضوع الدعوي والي سبب رفع الدعوي.

’’وتداولت المحكمة نظر الدعوي علي النحو الثابت بمحاضر الجلسات، حيث قدم الحاضر عن المدعي اربع حوافظ طويت علي المستندات المعلاة علي غلافها وخمس مذكرات صمم فيها علي طلباته ‘‘

’’وقدم الحاضر عن الجهة الادارية مستندات طويت علي المستندات المعلاه علي غلافها ومذكرة دفاع ‘‘

وهذا القول يحتاج لمراجعة وتمحيص حيث لم يصل الي علم ,وكيل الطاعن فلم يتسلم الحاضر عنه تلك المذكرة ولم يخطر بتقديم جهة الإدارة بحافظة، والمشاهد هنا أنه بعد صمت غير معتاد أو مبرر، لم يرد الحاضر عن الجهة الادارية فيها علي خمس مذكرات في خمس جلسات ولم يعلق علي ما طويت عليه خمس حافظات من مستندات . وكان الأولي أن يشير الحكم الي هذه المفارقة غير المعتادة.

’’و بجلسة 6/6/2017 قررت المحكمة اصدار الحكم بجلسة 28/8/2017 في اسبوع وخلاله لم يجر تسليم اية مذكرات، ولاجل استمرار المداولة قررت المحكمة مد اجل الحكم لجلسة اليوم وبها صدر واودعت مسودته المشتملة علي اســـــبابه لدي النطق به ‘

‘وحقيقة ما حدث أن وكيل الطاعن قد انتظر اعلان الحكم اثناء الجلسة وحتي نهايتها وواصل انتظاره حتي الرابعة بعد ظهر التاريخ المحدد من المحكمة، ثم فوجئ بعد ايام بصدوره وبان جهة الادارة قدمت مذكرة وحافظة لم يعلم عنها وكيل المدعي شيئا ولم تسلم له حيث صدر الحكم في غيبته في اليوم التالي مباشرة وهو اجراء غير معتاد اذ أن المحكمة تعقد جلساتها يوم الثلاثاء من كل اسبوع ولا تعقد يوميا . ويظن هنا أن جهة الادارة قد أحرجت المحكمة لعدم تقديم اي مذكرة في مقابل خمس مذكرات من الطاعن مما دعي المحكمة تأجيل النطق بالحكم لطلب مذكرة واحدة من جهة الإدارة.

ولعل كل ذلك يحفز الطاعن علي أن يعيد القول بأن ذلك يحتاج الي تمحيص جهات الاختصاص لتاكيد أن الحكم تلي علنا وفي جلسة مفتوحة لباقي القضايا خشية ان يلحقه البطلان

ومضي الحكم في شرح حيثياته فذكر :’’بعد الاطلاع علي الاوراق وسماع الاجراءات وبعد المداولة:

وحيث ان تكييف الدعوي هو من تصريف المحكمة التي تنر الدعوي بما لها من من هيمنة علي تكييف الخصوم لطلباتهم، ولها ان تستظهر مرامي تلك الطلبات ومفصود الخصوم من ابدائها وان تعطي الدعوي علي ضوء ذلك وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح علي هدي ماا تستنبطه من واقع الحال في موضوعها وملابساتها، دون التقيد في هذا الشان بتكييف الخصوم لها ملتزمة في ذلك حكم القانون فحسب وبالارادة الحقيقية لاطراف الخصومة والغايات الصحيحة لهم، وذلك ان العبرة بالمقاصد والمعاني وليس بالالفاظ والمباني .‘‘

وما جاء بالحكم من سلطة المحكمة في ان تعطي الدعوي وصفها الحق دون التقيد بتكييف الخصوم لا اعتراض عليه ولكنه يجب ان يتم كما ذكرت بالتزامها في تكييفها حكم القانون . وهو ما لا يستقيم معه قول الحكم أن العبرة بالمقاصد والمعاني وليس بالالفاظ والمعاني وهذا من شانه فتح الباب علي سعته للعصف بالعدل واحكام القانون ويعطي المحكمة سلطة مطلقة لا حدود لها وهو ما ينسف معني التقاضي ويعطي القاضي سلطة غير محدودة مخالفا كل معاني وفلسفة واحكام وجوانب التقاضي .

وقد ولغ الحكم بذلك في داخل النفس الانسانية واستقل بتحديدها وواستقل بان يقول الخصوم ما لم يقولوه ويفترض من النوايا ما لم ينتووه ووجه للطاعن اتهاما ظالما فذكر:

’’ومن حيث ان حقيقة طلبات المدعي في الدعوي الماثلة، حسبما تنبئ عنه اوراقها، هو وقف تنفيذ ثم الغاء اتفاق تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة المبرم بين حكومتي جمهورية مصر العربية والجمهورية القبرصية والموقع في القاهرة بتاريخ 17/2/2003 والصادر بالموافقة عليه قرار رئيس الجمهورية رقم 115 لسنة 2003 والمصدق عليه من رئيس الجـــمهورية بتاريخ 12/4/2003 ‘‘

وهذا تخريج ان جاز في مجال القضاء الجنائي، فلا يسانده قانون ولا منطق ولا دين في الضاء الاداري فالله جل جلاله هو الذي يعرف ما في داخل النفوس وما انطوت عليه النوايا وهو صفة وقدرة ينفرد الله بها الله سبحانه وفي هذا نشير فقط الي آيتين من القرآن الكريم، قال تعالي:

قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)آل عمران: 29. وقال الله تعالى : أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوب (78)} [التوبة: 78 ]

وقال الله تعالى : { وَاعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)} [البقرة: 235 ]. ومن هنا يتاكد أن الحكم يتقمص قدرة الهية فيصادر حقوق الخصوم ويتجاهل ما تظاهره اوراق الدعوي والطلبات التي تتضمنها ، وهو امر يصعب تبريره أو تأسيسه علي صحيح القانون خاصة مع وضوح طلبات الطاعن وما جاء في مذكراته

فقد أكد الطاعن بكل وضوح في مذكرته الأولي جلسة 1 نوفمبر 2016 علي أن الدعوي’’…. قائمة بذاتها ومستكملة لاسباب البطلان دون الرجوع لاي مطلب آخر . ‘‘ وكرر ذلك في كل مذكراته وقبلها في عريضة الدعوي ولذلك فلا يسوغ للحكم أن ينكر ذلك عليه اخلالا بحقه في الدفاع. واستئثارابالحرية الكاملة في تقويمها دون ضوابط واضحة من القانون والفقه واحكام المحاكم .

وفي هذا أخذ الحكم علي الطاعن دفعا واحدا صححا من بين اكثر من عشرة دفوع بأن اتفاقية مكامن الهيدروكربون – وهي موضوع الدعوي – لم تراعي أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية – وهي ليست موضوع الدعوي – تجاهلت أحكام المادة 74 من اتغاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بل بمادة وردت في الاتفاقية ذاتها تشير الي أنها لاتكتسب صفة وشكل الاتفاقية الدولية بل هي وفقا لنص المادة 74 من اتفاقية البحار ترتيبات لمؤقتة ولم يطلب ابدا أن تحكم المحكمة بالغاء قرار توقيع اتفاقية الترسيم بل طرح طلبه بالا تتاثر المحكمة بحكم صادر قبل ذلك بانه لا ولاية للمحاكم للقضاء فيها،ذلك أن القانون أعطي للقاضي مكنة عدم الالتزام بحكم فقد مقوماته الاساسية دون حاجة للاستناد بحكم انعدامه في دعوي بطلان اصلية وفي هذااستقر فضاء محكمـة النقض : بان’’ .. الحكم القضائي متي صدر صحيحا منتجا آثاره يمتنع بحث أسباب عوار التي تلحقه الا عن طريق التظلم منه بطرق الطعن المناسبة وكان لا سبيل لإهدار هذه الأحكام بدعوى بطلان أصلية او الدفع به في دعوي أخرى ، الا انه من المسلم به استثناء من هذا الأصل العام في بعض الصور القول بإمكان رفع دعوي بطلان أصلية او الدفع بذلك إذا تجرد الحكم من أركانه الأساسية وقوامها صدوره من قاض له ولاية القضاء في خصومة مستكملة المقومات ادرافا ومحلا وسببا وفقا للقانون، بحيث يشوب الحكم عيب جوهري جسيم يصيب كيانه ويفقده صفته كحكم ويحول دون اعتباره موجودا منذ صدوره فلا يستنفذ القاضي سلطته ولا يرتب الحكم حجية الآمر المقضي به ولا يرد عليه التصحيح لن المعدوم لا يمكن راب صدعه .

(طعن 509 في 2/3/1982 سنة 45 ق )

وكل ما ذكره الطاعن أنه إذا وافقت المحكمة علي هذا الراي فلتذكره في اسباب الحكم وليس في منطوقه منوها إلي أنه بصدد رفع دعوي بطلان اصلية لالغاء الحكم الصادر بان ذلك يخرج عن ولاية المحكمة.

بل ان المدعي صادف بنفسه هذا النهج عندما حكم قاضي جزئي في محكمة الأمور المستعجلة بانعدام حكم محكمة القضاء الاداري بكل علمها وشموخ وخبرة أعضائها

الحكم في موضوع الدعوي :وفي نهج يري الطاعن أنه غير مسبوق فبعد أن ترخص الحكم بتاكيد بطلان اتفاقية الترسيم البحري مع قبرص وهو اامر لم يطلبه الطاعن ربط ذلك بحكمه في الاتفاقية موضوع الدعوي

’……’و الاتفاقية الاطارية بين حكومتي جمورية مصر العربية عبر تقاطع خط المنتصف الموقعة في القاهرة بتاريخ 12/12/2013 والصادر بالموافقة عليه قرار رئيس الجمهورية بتاريخ 11/9/2014مع ما يترتب علي ذلك من اثار، والزام المدعي عليهم المصروفات .‘

وبذلك يناقض الحكم نفسه لأنه أكد في الأسباب بحثه وقضائه بصحة سريان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص والاتفاقية محل الدعوي‘قبل أن يبحث في اختصاصها

كما يلاحظ هنا أن الحكم قد عزف تماما وبلا أساس قانوني أوفقهي عن ذكر أو مناقشة دفوع الطاعن وشرحه لدعواه مستندا الي أن :

’’…..البحث في اختصاص المحكمة بنظر الدعوي يسبق البحث في شكلها او موضوعها وتتعرض له المحكمة من تلقاء نفسها حتي ولو لم يدفع به اي من الخصوم .‘‘

ومن الواضح هنا ان الحكم تجاهل تماما موضوع الدعوي وطلبات الطاعن وكان الاولي ان يشير اليها أولا ثم يهدرها أو يرفضها علي أساس ما ذهب اليه من أن تحديد الاختصاص يسبق البحث في موضوع الدعوي، وفي هذا اجحاف ظاهر في التسبيب وتجاهل تام للدعوي ولحقوق التقاضي .

وجاء بالحكم المطعون فيه: ’’ومن حيث ان المادة 151 من الدستور تنص علي ان يمثل رئيس الجمهورية في علاقاتها الخارجية ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد ان موافقة مجلس النواب وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقا لاحكام الدستور”.

وتنص المادة 190 من الدستور علي ان مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة يختص وحده بالفصل في المنازعات الادارية ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع احكامه”.

ومن حيث ان مفاد ماتقدم ان المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تبرمها الدولة وتنظم علاقاتها الخارجية مع الدول الاخري، تعد قانونا من قوانين الدولة بمجرد التصديق عليها من رئيس الجمهورية ونشرها في الجريدة الرسمية، وبالتالي فان الطعن عليها بالالغاء، بعد هذا التصديق والنشر يعد طعنا علي قانون صادر من السلطة التشريعية، ولا تعد من المنازعات الادارية التي تختص بها محاكم مجلس الدولة طبقا لنص المادة 190 من الدستور ولا يجوز التعرض لها الا بالطعن عليها بعدم دستوريتها طبقا للاجراءات المقررة لذلك في قانون المحكمة الدستورية الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979″. وهذا أيضا يعتبر حكما في موضوع الدعوي قبل البت في اختصاصها.

وخلص الحكم بالاشارة في اسبابه إلي أنه: البت في الدعوي “خارجا عن نطاق الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة باعتياره خارجا عن المنازعات الادارية طبقا للمادة 190 من بالدستور، وهو مايتعين معه القضاء بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوي” 1

————————-

الهامش

( 1 ) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية “.

السفير إبراهيم يسري

دبلوماسي مصري، سفير مصر في مدغشقر (1983 – 1987)، مدير الإدارة القانونية والمعاهدات بوزارة الخارجية المصرية (1987 إلي 1990)، سفير مصر في الجزائر (1990 – 1994)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى