دراساتفيروس كورونا

تداعيات أزمة كورونا على الجوانب الأمنية والعسكرية الإسرائيلية

كل أزمة كبرى هي بدرجة أو بأخرى، أزمة أمنية بطبعها فلكل أزمة أبعاد أمنية لا يمكن تجاهلها أو إغفالها؛ والبعد الأمني لأزمة معينة يشكل أزمة أمنية موازية، فرضتها الأزمة الأم، وقد تكون الأزمة الأمنية من النوع المستمر[1]. مثل أزمة كورونا التي تهز العالم والشرق الأوسط وإسرائيل نفسها التي تعد من أوائل الدول التي انتقلت إليها العدوى بعد الصين، حيث أعلن عن أول إصابة بالمرض في نهاية شهر شباط/ فبراير الماضي، ومقارنة بالسكان فإن إسرائيل الأولى عالميا بمعدل إصابات كورونا، حسب تقرير أسبوعي صدر عن جامعة “جونز هوبكنز” الأمريكية.

أصبح فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) ساحة قتال جديدة للجيوش والقوات العسكرية والأمنية في مختلف الدول العربية والأوروبية، حيث تدخلت تلك القوات لفرض الالتزام باتباع تعليمات الحجر الصحي، ومنع التجوال في حالات عدة، فضلاً عن مشاركتها في بعض المهام المدنية، واستعانة السلطات بالطواقم الطبية العسكرية.

ما قبل جائحة كورونا، كانت “إسرائيل” تشعر أنها في أفضل حالاتها من زاوية أمنها القومي، غير أن الجائحة أدخلت منطقة “الشرق الأوسط” والعالم كله في حالة من الغموض والشعور بالاستقرار، وانفتاح دوائر مخاطر وفرص، مع صعوبات كبيرة في التحكم بالمسارات. غير أن المخاطر التي قد تواجهها إسرائيل على المدى الوسيط والبعيد، قد تكون أكبر من الفرص المحتملة. لذلك هناك خشية أن تنعكس جائحة كورونا على الجوانب الأمنية والعسكرية، من هنا تتصاعد النقاشات على المستوى الرسمي وعلى مستويات أخرى، حول أثر تفشّي الجائحة على هذه الجوانب.

قد يرى البعض أن إسرائيل من أكثر الدول في المنطقة استعداداً وجاهزيّة للتعامل مع التهديدات العسكريّة والأمنية حتّى تلك التي تطال الجبهة الداخليّة لهواجسها الأمنية والعسكرية الدائمة، إلّا أنّ التعاطي مع كورونا أمر مختلف تماماً، فهو تعامل مع تهديد مجهول، يشكّل تحديّاً مضاعفاً، في ظل تراجع القطاع الصحّي الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، نتيجة التركيز على أولويّات أخرى مثل الأمن القومي.

في المؤسسة العسكرية أثار جنرالات الجيش جدالات حادّة حول، التحديات الأمنية والعسكرية التي ستنعكس على إسرائيل نتاج أزمة كورونا، وضرورة صيانة قدرات الجيش لتفادي اضطرار إغلاق وحدات كاملة مثل الطيران العسكري والبحريّة ووحدات استخباراتيّة مختلفة، وتقديم الدعم والمساندة للنظام الصحّي والمدني والشرطة.

وهناك من يرى على عكس التقارير الإعلاميّة أنه لا تبرز عند المؤسسة العسكرية والأمنية ميول في تحمّل أعباء الوباء، فهي لا تملك أيّة أفضليّة على المنظمات المدنيّة مثل الصحّة والشرطة في التعامل مع أزمة صحيّة، كما لا تملك فهماً حقيقيّاً لكيفيّة إدارة الأزمات المدنيّة.

لذلك تسعى هذه الدراسة لتناول الجوانب التالية:

  1. الترتيبات والاستعدادات الأمنية والعسكرية الميدانية لأزمة كورونا.
  2. تأثير كورونا على تحديات إسرائيل الأمنية والعسكرية.
  3. تداعيات كورونا على جهوزية الجيش وخطط التدريب.
  4. تداعيات كورونا على النفقات العسكرية والخطط العسكرية.
  5. الإخفاقات الأمنية والعسكرية في أزمة كورونا.

المطلب الأول: الترتيبات والاستعداد الأمنية والعسكرية الميدانية لأزمة كورونا

كان لافتا من البداية الدور الوظيفي الذي ألقاه رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، على المؤسسات والأذرع الأمنية والعسكرية المختلفة؛ وفي أول كلمة له إلى المجتمع اليهودي عن انتشار الوباء، وعد ببذل كل الجهود للحيلولة دون نجاح الوباء في شل الحياة، وقال إن سلاح الجو الإسرائيلي سيحل محل النقل والشحن الجوي والبحري للبضائع، لمنع حدوث أي نقص في السلع من جهة، وللحفاظ على عجلة الاقتصاد في الجانب الآخر؛ وأن الجيش الإسرائيلي سيقوم بتعقيم الحافلات العامة والقطارات والمؤسسات العامة وتطهيرها؛ وظهر واضحا اهتمامه بدور الجيش الإسرائيلي في حرب كورونا [2].

بتاريخ 9 مارس 2020 قرر الجيش الإسرائيلي رفع حالة الجهوزية القصوى واستدعى العشرات من جنود الاحتياط في قرار استثنائي من أجل مكافحة تفشي فيروس كورونا المستجد [3]. ولم تمض أيام قليلة حتى أعلن نتنياهو أنه سيكلف جهاز المخابرات العامة (الشاباك) بمراقبة حاملي الفيروس عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، على الرغم من حظر محكمة العدل العليا الإسرائيلية ذلك قبل سنوات، إلا بعد تمرير ذلك بتشريعات وقوانين في البرلمان (الكنيست)، ثم موافقة شخصية من صاحب الشأن.

هذا الأمر دفع الإسرائيليين للتخوف من التأثير المتوقع لقرار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بتفعيل الأدوات الأمنية والوسائل الاستخبارية لمتابعة مرضى كورونا، الأمر الذي سيجعل الإسرائيليين كلهم في متناول أجهزة الأمن، وتعقب تحركاتهم على مدار الساعة، ما سيجعل إسرائيل الدولة الثانية في العالم بعد تايوان التي تستخدم هذه المعدات.

الخبير عميحاي شتاين أوضح في تقرير نشرته هيئة البث الإسرائيلية، أن “التفسير الأوضح لقرار نتنياهو يعني بكل وضوح مرافقة الإسرائيليين بصورة كاملة، والوصول إلى ميكروفون جواله، وكاميرته، والتصوير، وتسجيل مكالماته، وقراءة بريده الإلكتروني، ومحادثاته على مجموعات الواتساب، وهو ما يعني معرفة كل شيء عن حياة الإسرائيليين، بأدق التفاصيل”[4].

هذه الخطورة التي يشكو منها الإسرائيليون لأنها قد تقتحم عليهم خصوصيتهم، من خلال شركات السايبر التي تلاحق كل الإسرائيليين، لكن هذا القرار تم اتخاذه من نتنياهو دون كنيست ولا لجان برلمانية أو قانونية أو جهات رقابة، وقد أتم اتخاذ القرار بصورة سريعة جدا.

وأعلنت وسائل إعلام إسرائيلية، في صبيحة 19 مارس/آذار الحالي، أن جهاز المخابرات الخارجية (الموساد) قام بتهريب مائة ألف جهاز فحص فيروس كورونا من دولة عربية خليجية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل)، و”الموساد” هو المسؤول عن تنفيذ آلاف عمليات الاغتيال والخطف لناشطين وعلماء وخبراء من معظم الدول، وإشراكه في مواجهة فيروس كورونا يعطي المؤسسة الأمنية أهمية كبرى في الوعي الجمعي للمجتمع اليهودي، خصوصا في ظل مرحلة مصيرية تعيشها (إسرائيل) مع انتشار وباء كورونا.

بالإضافة إلى عمليات جلب المعدات الطبية إلى إسرائيل، يساعد موظفو السايبر في الموساد وزارة الصحة في إنشاء برمجيات وتطبيقات فريدة للتعامل مع الفيروس. إن هذا الحدث غير العادي يستوجب حلولا غير عادية، بهذه الكلمات ترد الصحة الإسرائيلية على التساؤلات حول بروز دور جهاز الموساد في القطاع الصحي، حيث يتم حشد جميع أجهزة المخابرات والأمن في إسرائيل للمساعدة في الجهود المبذولة للحد من انتشار الفيروس [5].

كما أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، عن البدء بحملة عسكرية أسماها “شعاع النور”، والتي تضمنت جملة من القرارات العسكرية، حيث أعلن عن دخول وحدات من السلاح البيولوجي والجرثومي الإسرائيلي للانضمام للحرب على كورونا. وأعلن كوخافي عن رفع جاهزية الجيش، والاستعداد للتدخل بشكل أكبر وأقوى [6].

هذا وكشف ضابط في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) أن الجهاز استخدم أساليب وطرقا غير مألوفة للوصول إلى حجم هائل من المعدات الطبية التي طلبتها وزارة الصحة لمواجهة فيروس كورونا. وقال الضابط في مقابلة مع القناة الـ 12 الإسرائيلية إن الموساد يلجأ في بعض الأحيان للسرقة للحصول على المعدات بأساليب مختلفة في ظل الأزمة. ونقل عن يتسحاق كريس المدير العام لمركز شيبا الطبي، أكبر مستشفى في (إسرائيل)، أنه مع تزايد أعداد الإصابات وظهور الحاجة لعدد أكبر من أجهزة التنفس الاصطناعي، تدخل كوهين على الفور لتقييم الكيفية التي يمكن أن يساعد بها جهازه النظام الصحي في (إسرائيل)، وبدأ الموساد على الفور في تنشيط شبكته الدولية لتأمين الاحتياجات المطلوبة [7].

لقد نتج عن هذا الوضع تدخل الجيش في عدد من المجالات المدنية، مثل مرافقة بعض وحدات القوة البشرية أطفال وأولاد الأطقم الطبية الإسرائيلية العاملة في مواجهة كورونا ورعايتهم، وإيصال وحدات عسكرية أخرى المواد الغذائية والأدوية إلى الأسر المحتاجة، وذات الاحتياجات الخاصة وكبار السن، وفرز آلاف الجنود الآخرين لتطبيق منع الحركة وتحديدها في كل أنحاء (إسرائيل)، وحماية جنود آخرين سائقي الحافلات العامة الذين ينقلون حاملي الفيروس لحمايتهم من إصابتهم به.

إن تأكيد جميع المستويات الإسرائيلية، على مركزية دور المؤسسات والأجهزة الأمنية الإسرائيلية المختلفة في الحرب على كورونا، في وقت يشعر فيه المجتمع الإسرائيلي بخطر كبير جرّاء استمرار انتشار الفيروس، يعطي المؤسسة الأمنية دورًا مهمًّا في كل مجالات الحياة وتفاصيلها في (إسرائيل) المدنية، قبل الأمنية والعسكرية، ويعيد إنتاج الوعي الذي أراده قادة المشروع الصهيوني، من جابوتنسكي وبن غوريون وموشي ديان وغيرهم، والذين اعتبروا الأجهزة الأمنية والجيش بمثابة البقرة المقدسة والممنوع انتقادها، وأنه لا مستقبل لـ (إسرائيل) بدون جيش قوي[8].

كشفت هذه الجائحة أن اختلافات حدثت بين التدخل العسكري في الموجة الأولى وما تم بالفعل في الموجة الثانية؛ فكانت المشاركة في الموجة الأولى ناجحة وبدون أي احتكاك بين الجنود والمدنيين، وفي الموجة الأولى اقتصر دور الجيش بشكل أساسي على تقديم المساعدة للسكان المدنيين، وليس فرض القيود حتى الوصول لمرحلة الإغلاق. وفي خضم الموجة الأولى، تقرر إنشاء مركز أبحاث استخباراتي بقيادة ضباط استخبارات بالجيش الإسرائيلي، وقد نما هذا المركز وتطور وأصبح الآن مركز الاستخبارات الوطني الذي يجمع المعلومات والعمليات وينشرها لعامة الناس. وهناك وجود لمسئول مدني بالمركز، وهذا الأمر وضع الجيش في نزاع علني مع المستوى السياسي والمدني. ومع تطور الموجة الثانية، توسع مركز نشاط مركز الاستخبارات، والذي تمكن من الوصول إلى حسابات بنكية مدنية. سمعة الجيش في المسؤولية والاجتهاد في استخدام هذه المعلومات حساسة، والإغراء بتوسيع التدخل العسكري في الموجة الثانية من أزمة كورونا بسبب الخوف على حياة الإنسان من جهة، والتفاوت الواضح بين قدرات الجيش الإسرائيلي ونقاط الضعف في النظام المدني من جهة أخرى، قد ينزلق لمنحدر خطر[9].

كذلك فشل الاعتماد على جهاز أمني آخر، هو الشاباك، في مواجهة كورونا، فقد سعت الحكومة إلى الاعتماد على أساليب تجسس هذا الجهاز، برصد مخالطين لمرضى كورونا، بالاعتماد على رصد هواتفهم المحمولة، والنتيجة أن الآلاف من الذين طولبوا بالدخول إلى حجر بعد رصد كهذا، تبين أنهم لم يتواجدوا بالقرب من مرضى[10].

وحول مشاركة الجيش بأزمة كورونا، يرى ستيوارت كوهين، أستاذ الدراسات السياسية في جامعة بار إيلان، وباحث في مركز بيغن-السادات، في ضوء دروس الموجة الأولى، فإن الجيش ليس حريصًا على تجاوز عتبة المشاركة بشكل زائد؛ ولدى الجيش أسباب وجيهة للإبطاء والتصرف بحذر، وذلك لسببين رئيسيين: الأول، الخطر الصحي على الجنود وإلحاق الضرر بالقوة البشرية المقاتلة في الجيش. السبب الثاني يتعلق بسمعة الجيش في نظره وفي نظر الجمهور. ماذا سيحدث لو فشل الجيش في مهمته؟ في الواقع السياسي الحالي، يمكن أن يكون هناك عدد غير قليل من العوامل التي ستسعى إلى “تضخيم الفشل لدرجة الإضرار بالجيش الإسرائيلي”. قد “يتحول الجيش الإسرائيلي إلى كرة في لعبة سياسية”[11].

يرى الباحث أن نتنياهو يستغل خوف المجتمع الإسرائيلي من كورونا ليطمئن على إجراءات حكومته في مواجهتها الفيروس، وأنه يستخدم الجيش كجدار يحتمي خلفه القادة ونتنياهو مستقبلا في حال تم تشكيل لجنة تحقيق للإخفاق في السيطرة السريعة على الوباء، والآثار الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المترتبة عليه، في ظل التقارير التي تتحدث أن قدرات المؤسسة العسكرية في مواجهة الفيروس، لم تتمكن بالمستوى المطلوب وأظهرت تخبطاً واضحاً في اتخاذ القرارات المناسبة، كما أن توغل هذه القوات في الأعمال المدنية مثل ضبط الشوارع وفرض حظر التجوال على المدنيين وشحن وتوصيل الطعام والمواد الطبية؛ فإن ذلك سيؤثر بلا شك على استعدادها العسكري بطرق مباشرة وغير مباشرة، هذا التخبط سيركز النقاش الإسرائيلي حول طبيعة الأزمات المدنية ونوعها وكيفية التعامل معها، وأين دور الجيش فيها، وما الأدوار التي يجب أن يلعبه في الأزمات المدنية؟ والحاجة لمناقشة مسألة الحدود بين الفضاء العسكري والفضاء المدني، بين الجيش والمجتمع.

المطلب الثاني: تأثير كورونا على تحديات إسرائيل الأمنية والعسكرية

منذ بداية الأزمة عقد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، مداولات استثنائية لهيئة الأركان العامة الموسعة، ناقشت هذه المداولات مجددا الإستراتيجية التي وضعها كوخافي في بداية ولايته، وتأثير أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد على دول المنطقة من عدة نواحي. وقدم خلال هذه المداولات تقارير استخبارية حول ما يحدث في الدول السنية، دول العدو، المنظمات الإرهابية والإجراءات التي تؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على أمن إسرائيل، وبينها الوجود الروسي والإيراني في سورية وتغيّرات سياسية في الأردن، تركيا، قبرص واليونان [12].

الكاتب الإسرائيلي بن كاسبيت قال في مقال أوردته صحيفة “المونيتور” إن دوائر صنع القرار الإسرائيلي تقوم بعملية قياس للآثار الاستراتيجية لأزمة كورونا، وذلك بفعل غياب الرؤية الواضحة بشأن التوترات مع الدول المجاورة، وأن جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان” كلف فريقًا خاصًا بتحديث التقييم الاستخباري المقدم لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وصناع القرار، وأنه مع بروز أزمة كورونا التي أرسلت موجات صدمة في الشرق الأوسط، كان واضح أن الأزمة لم تعد فقط صحية وذات طبيعية اجتماعية اقتصادية، بل امتدت لساحة الدفاع العسكري. حيث تم حشد أكثر الوحدات المرموقة في الاستخبارات الإسرائيلية بأقصى طاقتها للقيام بمهام إضافية، وتعبئة قوة الكوماندوز النخبة “سييرت متكال” لجهود اختبار الفيروسات في إسرائيل، مع الاستفادة من مهاراتها ومرونتها في تنفيذ المهام غير العادية، وتم وضع وحدة استخبارات الإشارة 8200 للمساعدة بمراقبة عشرات الآلاف من الاختبارات الأسبوعية [13].

وبحسب تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (“أمان”) حيال انتشار كورونا، وخاصة في إيران وسورية ولبنان، فإنه سيكون لهذه الأزمة تأثير مباشر على تمويل وتسلح التنظيمات المسلحة في إيران، العراق، سورية، لبنان وقطاع غزة، وأن هناك رغبة متزايدة في الدول الغربية والدول العربية بالمساهمة في استقرار المنطقة بواسطة تمويل مشاريع في غزة والضفة الغربية وإعادة إعمار سورية. ونقل عن مسؤول أمني إسرائيلي رفيع قوله، إن “دولة مثل إيران، التي يستند 70% من اقتصادها على النفط والغاز، وفيما سعر البرميل انهار إلى 18 دولارا، لا يمكنها السماح لنفسها بإبقاء حجم التمويل لحزب الله والعمليات الإرهابية في سورية والعراق ومناطق أخرى”، وأن “الأضرار التي سببتها الأزمة تؤثر على البرنامج النووي الإيراني” [14].

كما خلص جهاز المخابرات الإسرائيلية “الموساد” إلى أن إيران لم تعد تشكل تهديدا أمنيا وشيكا لإسرائيل، بسبب تفشي وباء كورونا فيها، حيث حولت إيران اهتمامها لمكافحة الوباء [15].

لم تتغير التحديات التي تواجه إسرائيل في الساحة الشمالية بشكل كبير بسبب أزمة كورونا، الوضع في لبنان يفتقر للاستقرار أيضا. وكان لبنان قد توقف عن سد الديون قبل كورونا، والوضع ازداد سوءا الآن، وليس واضحا ما إذا كان هذا التدهور سيعزز قوة حزب الله أو يضعفها، يقرب من المواجهة أو يبعدها [16]، وقد خلص ضابطان من استخبارات الجيش الإسرائيلي في مجموعة كتابات في مركز هرتزليا المتعدد التخصصات، من أن التطورات في لبنان تتطلب من زعيم حزب الله، حسن نصر الله أن يكون مرناً بشأن المبادئ والقضايا الأساسية، ويشير الضابطان إلى المعارضة المتزايدة في لبنان لاستمرار “حزب الله” في الاحتفاظ بمستودعات أسلحته مع تمسكه بزمام السلطة [17].

لن تختفي التحديات في الساحة الشمالية، ولكن من المحتمل ألا تصل قريبًا إلى تصعيد واسع النطاق لأن جميع اللاعبين في هذه المرحلة يركزون على التعامل مع أزمة كورونا وتداعياتها. لكن حتى خلال هذه الفترة، تم الأخذ بالاعتبار لمخاطر التصعيد غير المخطط له، والذي قد يؤدي إلى حرب على جبهات لبنان وسوريا والعراق. يجب أن يكون هذا المخطط العام لحرب متعددة الميادين (“حرب الشمال”) هو التهديد الرئيسي في تحديد مصدر الحرب، ويجب على الحكومة الاستعداد له والتأكد من إدراك الجمهور لخصائصها وعواقبها المحتملة. في الوقت نفسه، يجب متابعة الجهد السياسي والأمني لمنع المبادرة بالحرب واستنفاذ البدائل الأخرى للنهوض بأهداف إسرائيل في الساحة الشمالية [18].

وتشير التقديرات العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي أن انتشار فيروس كورونا، أدى إلى تراجع في العمليات الفدائية الفلسطينية المسلحة ضد إسرائيل، في غزة، وتحقق وقف لإطلاق النار، بعد أسابيع أطلقت فيها حماس بالونات حارقة وصواريخ، ردت عليها إسرائيل بهجمات بالطائرات ونيران الدبابات. ونقلت صحيفة هآرتس عن مسؤول أمني رفيع المستوى قوله “إن “فرصة استراتيجية قد تهيأت في غزة. ويدرك الجميع أن هناك فرصة لتسوية على المدى الطويل، والتي يمكن أن تشمل أيضاً تحركات اقتصادية أوسع نطاقاً، مثل إنشاء مناطق صناعية على طول الحدود وحل مشكلة الأسرى والجنود الإسرائيليين المفقودين في القتال”[19].

بدوره كشف روحكس دومبا خبير أمني عسكري إسرائيلي، في مقاله على مجلة يسرائيل ديفينس للعلوم العسكرية أن فيروس كورونا يترك تأثيره السلبي على عمل جهاز المخابرات الإسرائيلية للمهام الخاصة- الموساد، وأن تفشي الفيروس يضر كثيرا بعمل أجهزة المخابرات الإسرائيلية في الخارج، في ظل أن فرض مزيد من القيود حول العالم يجعل الموساد يصدر قرارات اضطرارية، بتأجيل أو إلغاء العديد من مهامه الأمنية الاستخبارية، وبالتالي فإن الفوائد المرجوة تأخذ بالتراجع والانخفاض، وأن مستوى المخاطرة للإصابة بمرض الكورونا يؤخذ بعين الاعتبار، حين يبادر الموساد لتنفيذ عملية أمنية واستخبارية ما، خاصة في الدول التي ينتشر فيها المرض بصورة واسعة، ما يؤثر بصورة جوهرية على القدرات العملياتية للموساد، وأكد أن “مخاطرة أخرى تترك تأثيرها السلبي على عملاء الموساد، هي أن الأعمار التي يستهدفها مرض الكورونا ممن يزيدون عن الستين عاما، والموساد كما هو معروف لديه مصادر معلوماتية حول العالم: سياسية وأمنية وأكاديمية وحكومية تتراوح أعمارها في هذه السنوات، ما يعني وقوعها ضحية هذ المرض أكثر من سواها من الأجيال الأخرى”[20].

يرى الباحث أنه كلما وجدت المؤسسة الأمنية والعسكرية نفسها منشغلة بأزمة كورونا، كلما زادت أهمية الموارد والقدرات التي سيتعين عليه تحويلها للقيام بذلك، وستتضاءل قدرته على التركيز على التحديات العسكرية والأمنية القائمة، بالإضافة إلى ذلك، فإن سيناريو التفشي بين صفوف الجيش أحد المخاطر التي تؤرق صناع القرار لتأثيرها على القوات العسكرية وأداء وقدرات الجيش في مواجهة التحديات الأمنية والعسكرية المتزايدة، لذلك نشهد تغير واضح في تعامل المؤسسة العسكرية مع أزمة كورونا من خلال القدرة على مجابهة الصدمات والتكيُّف مع جائحة كورونا، خشية أن يتكون ارتباط وتفاعل بين انتشار الجائحة والصراعات والأزمات في محيط الكيان غير المستقر يتطلب منها تحركات عسكرية وأمنية مفاجئة ومبادرة.

المطلب الثالث: تداعيات كورونا على جهوزية الجيش وخطط التدريب

استمرار تفشي كورونا سيكون له عواقب طويلة الأمد على القدرات العسكرية للجيش، فالتباعد الاجتماعي الذي يفرضه الحجر الصحي، والذي يتناقض مع أبسط مبادئ التدريبات والتحركات العسكرية وهو حاجة الضباط والجنود للعمل معا في أماكن ضيقة وتحت ضغوط جسدية شاقة وبدون مسافات شخصية كبيرة؛ نتيجة لذلك، يمكن أن نتوقع تأثيرات بعيدة المدى على كفاءة الوحدات القتالية الإسرائيلية مع استمرار القيود المفروضة على التدريبات والمناورات القتالية.

منذ بداية الجائحة خُصصت واجهة الاستقبال الرئيسيّة على صفحة الجيش الإسرائيلي الرسميّة www.idf.il، للإعلان عن دور الجيش في ظل حالة الطوارئ والتحوّلات في طريقة وهياكل عمله متسلسلة في مسار زمني. ففي التاسع والعشرين من آذار 2020، يؤكّد الجيش دعمه للجهود القوميّة لمكافحة كورونا، ويطبق سلسلة من التدابير لتخفيض أثر الفيروس عليه وصيانة الاستعداد العمليّاتي له. وفي الثامن والعشرين، وضع 3697 جنديا في العزل، 58 من الجنود شخصّوا بالإصابة.

وتحت عنوان كيف يكافح الجيش انتشار كوفيد-19، يسرد الموقع مجموعة من السياسات التي يتبعها الجيش في ظل حالة الطوارئ، مثل منع جميع الجنود من السفر إلى الخارج لأغراض شخصيّة أو مهنيّة إلّا لظروف استثنائيّة ومن خلال موافقة استثنائيّة. ووضع كل الجنود العائدين من الخارج في عزل لمدة 14 يوماً. وكل جندي يشتبه بتقاربه مع أحد المصابين يدخل العزل. وتحديد السقف الأعلى لاجتماعات الجيش بعشرة أفراد، والتجمّع في أماكن مغلقة بثلاثين فرداً، والتجمّع في الأماكن المفتوحة بمئة فرد. وطلب من الجنود الحفاظ على مسافة مترين من بعضهم كحد أدنى. ومنع المدنيون من دخول قواعد الجيش العسكريّة. وكل الجنود الذين يخدمون في القواعد المغلقة أو وحدات القتال أو القواعد التدريبيّة يبقون في مواقعهم لمدّة تمتد لشهر [21].

أي جندي تقارب مع أحد المعزولين يمنع عليه دخول القواعد العسكريّة الحساسة للأمن القومي. إلغاء كل فترات الاختبارات الأوليّة للجنود حتّى إشعار آخر. جميع الجنود يلتزمون بعدم استخدام المواصلات العامّة، وسيقوم الجيش بتوفير وسائل مواصلات بديلة للعساكر. سيخدم الجنود في القواعد المفتوحة بحسب نظام المناوبة لتقليل فرص الاحتكاك. بعد نهاية يوم العمل يتم تعقيم كافّة القواعد. إخلاء جميع المشتبه بمرضهم أو الذين يسجلون درجة حرارة 37.5 أو أكثر[22].

ومع توقف التدريبات والمناورات العسكرية لفترة طويلة، من المقرر أن تفقد الجيوش لياقتها القتالية وتناغمها وكفاءة التشغيل البيني بين وحداتها بشكل تدريجي خلال فترة ليست كبيرة، فمع معدل للدوران العسكري للمجندين والقيادات الوسيطة يقدر بـ 25% سنويا في العديد معظم الجيوش الاحترافية حول العالم حيث يعمل أعضاء الخدمة بعقود مدتها أربع سنوات ليحل محلهم المجندون الجدد؛ فإن الأمر لن يستغرق أكثر من عام واحد قبل أن يمثل انحسار المهارات أزمة حقيقة لجيوش الدول الكبرى[23].

ينفّذ الجيش دراسات تقدير وضع دوريّة، ويطوّر بروتوكولاته بالتنسيق مع وزارة الصحّة وتوجيهاتها، ويقيّد حركة الطاقم العسكري قدر الإمكان. يقدم الجيش الدعم والمساندة لوزارة الصحّة بنقل المعدّات الطبيّة اللازمة، إذ تم تعيين مئات الجنود من الوحدة العسكريّة لمساندة المستشفيّات لتقديم الدعم اللوجستي والمساندة الإداريّة في عشرة مستشفيّات مدنيّة، وسيساعد الجنود الاحتياط في مهام مثل إخلاء عنابر المستشفيات، وتكييف العنابر لحاجات مختلفة، إنشاء عنابر جديدة، ونقل المعدات الطبيّة. بناءً على طلب الشرطة، قدّم الجيش مئات الجنود للمساعدة في فرض الإغلاق على المدنيين، وهو في هذه المهمّة يتبع لتوجيهات الحكومة ووزارة الصحّة [24].

في 13 يوليو 2020 ضرب فيروس كورونا، وحدة 8200 الاستخباراتية المركزية “الإسرائيلية” المتخصصة في التجسس الإلكتروني، وأعلنت قناة 13 العبرية، أن كورونا يتفشى بقوة داخل الوحدة المسؤولة عن معظم استخبارات (إسرائيل) والأجهزة الأمنية المختلفة. ووفق القناة العبرية، فإن 100 جندي بينهم ضباط يعملون في هذه الوحدة مصابون بالفيروس، وأن هناك أعداداً أكبر في العزل، وعقّب ناطق عسكري “إسرائيلي” بالقول، إن نشاط الوحدة لم يتضرر وتم العمل وفق خطة صحية.

و”الوحدة 8200″ تتبع لجهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”، الذي يعتبر أكبر الأجهزة الاستخبارية، والذي دشّنها منذ ثلاثة عقودٍ كقسمٍ متخصصٍ في مجال التجسس الإلكتروني [25].

تسبب وباء كورونا في تقليص تدريبات الجيش الإسرائيلي، مُراسِل صحيفة “يديعوت أحرونوت” للشؤون العسكريّة، يوسي يهوشواع قال، إنّ جيش الاحتلال قلّص العام الماضي حجم التدريبات خاصة لمنظومة الاحتياط، وأيضًا النشاطات العملياتية للتقليل قدر الإمكان من عدد المصابين [26]، المختص بالشأن الإسرائيلي سعيد بشارات له رأي أخر يرى فيه أن كلام المراسل الوارد في التقرير غير دقيق، حيث إن جميع وحدات الجيش تدربت طوال فترة كورونا- لكن بعد انكشاف نفق حماس في غزة وهجوم آخر للجيش الإسرائيلي في سوريا لمنع التواجد إيراني، أصبحت مناورة هيئة الأركان العامة حيوية.

ووفقًا لصحيف “يديعوت أحرونوت”، فإنّ رئيس أركان الجيش، الجنرال أفيف كوخافي، قال لعناصر الاحتياط الكبار الذين سيشاركون فيها إنّ المناورة ستجرى حتى لو بثمن إصابة 1000 جندي بكورونا، لأنّه لا خيار أمامنا، على حدّ تعبيره. هذا الحديث فاجأ بعضهم، وهم حاولوا تحديه بطرح أسئلة لفهم ما قاله جيدًا، فردّ قائلاً إنّه تمّ تقليص المناورة من أسبوع إلى ثلاثة أيام، وتوقع أنْ يشارك فيها آلاف الجنود، أغلبهم جنود نظاميون والباقي احتياط، طبقًا لأقواله. وأضاف كوخافي: أنا اعرف المخاطر، لكن عليكم التذكر أنّ لا أحد يعلم متى تندلع الحرب، يجب علينا التأكد أنّ جاهزية الجيش الإسرائيلي فاعلة، سنفعل كل شيء لتقليص المصابين بـ ”كورونا”، لكن المناورة ستجرى، حقيقة وجود “كورونا” لا يجب أنْ تشُلّ الجيش، سبق أنْ ألغينا مناورات ويجب علينا تدريب القوات وتحسينها، المسؤولية تقع عليّ وأنا أدير المخاطر، وأهلية الجيش لا يمكن أنْ تُمس[27].

أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي، أمر رئيس أركان الجيش الإسرائيليّ، الجنرال أفيف كوخافي، القوات العسكريّة بالبقاء في قواعدها لمدة شهر بسبب زيادة حالات الإصابة بمرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد–19)، في القواعد العسكرية في جميع أنحاء إسرائيل. وقال الجيش الإسرائيليّ في بيانٍ رسميٍّ إنّ كوخافي قرر إلغاء جميع الإجازات لمدة شهر للجنود المقاتلين والجنود الذين يتدربون حاليًا.

ونتيجة عمل الوحدات العسكرية تحت الضغط النفسي، وتفاقم حدة القلق بسبب الغموض، وعدم التواصل المستمر مع عائلاتهم، مع طول فترة حجرهم الصحي، قال الكاتب إسرائيلي أمير بوخبوط في تقرير على موقع ويللا إن عدد الجنود العسكريين الذين يسعون للحصول على مساعدة نفسية في الأسابيع الأخيرة تفاقم بصورة كبيرة؛ بسبب تفشي وباء كورونا، بمن فيهم الضباط الذين ينهارون، وأن عدد الجنود المتقدمين للحصول على مساعدة نفسية ارتفع بنسبة كبيرة منذ بداية الإغلاق العام للحد من انتشار كورونا، وأن الزيادة الحادة ترجع لحالة التوتر والقلق التي يعيشها الجنود، بسبب الشعور بعدم اليقين؛ بسبب انتشار الوباء في الجيش، والمجتمع الإسرائيلي. وأوضح أن التوتر النفسي بات يؤثر أيضا على طاقم القيادة العسكرية للجيش الإسرائيلي، وفي قواعد التدريب، ففي إحدى الحالات، احتج أحد الجنود على عدم السماح له بالحصول على العلاج الطبي، وفي حالة أخرى انفجر قائد فصيل بالبكاء أمام قادة آخرين بسبب الازدحام، وتم نقل مثل هذه الحالات إلى قيادة الجيش، والتعامل معها من كبار الضباط من خلال المحادثات الشخصية، والتعزيزات النفسية داخل قسم القوى البشرية [28].

بالمقابل يرى البروفسور إفرايم عنبار، مدير معهد القدس للاستراتيجيات والأمن، أنّ الجائحة أضعفت الأمن القومي الإسرائيلي، إذ تعاني العديد من الوحدات في الجيش الآن قصوراً في القوّة البشريّة. ولا يعتقد أنّ الانشغال بكورونا سيؤثر على التوجهات الإقليميّة المعاديّة لإسرائيل. ويرى أنّ هذا الوباء حرب على إسرائيل يشبه من عدّة جهات حالة الحرب التي تستخدم فيها أسلحة بيولوجيّة وكيماويّة. وان الجيش سيعاني نقصا في القوّة البشريّة لدى وحدات الجيش نتيجة إصابات الجنود والضباط بالفيروس وسياسات الحجر. وفي حال تفشّي الوباء بشكل متزايد ستتأثر قدرات الجيش على الاستجابات السريعة والفعّالة، والتاريخ يقدم لنا عدّة أمثلة عن جيوش تفككت نتيجة الوباء [29].

مفوض شكاوى الجنود السابق إسحاق بريك، قال لا أرى أي نافذة فرص لعدة سنوات من أجل بناء الجيش، كما قدر الجيش الإسرائيلي قبل تفشي كورونا، والعكس هو الصحيح. الفقر والجوع في الدول المعادية المحيطة بنا قد تدفع بالسكان إلى المظاهرات الكبيرة وإلى العنف ضد السلطة. حينئذ ستكون النتيجة زيادة احتمالية أن تقوم الأنظمة المهددة بمحاولة توجيه ضغط وغضب الجمهور الجائع نحو إسرائيل، على الجيش أن يلقي بكل ثقله لمعالجة أسس الثقافة التنظيمية المعطوبة، ومنها أن يبني الجديد. ودون ذلك ليست هناك أي احتمالية لتحسين استعداده للحرب. وبدون مشابكة الأيدي مع الحكومة الجديدة سيكون من الصعب جداً التقدم [30].

يرى الباحث أن قادة المؤسسة الأمنية والعسكرية لديهم توجس وخيفة من استغلال المستويات السياسية للقدرات العسكرية والأمنية التقنية والتنظيمية عبر وضعها في الخطوط الأمامية لمواجهة الأوبئة لتخفيف الضغط من فشل الإدارات المدنية، وهو ما يمكن أن يكون له آثار بعيدة المدى على موازين الحروب والمعارك، ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى الطريقة التي يمكن أن يؤثر بها انتشار الأوبئة على المدى الطويل على الجاهزية والاستعداد العسكري للقوات وقدرتها على الانتشار وخوض المعارك العسكرية في المستقبل.

المطلب الرابع: تداعيات كورونا على النفقات العسكرية والخطط العسكرية

تداعيات جائحة كورونا، ألقت بثقلها على النفقات والخطة العسكرية العامة التي أعلنها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، في شباط/فبراير الماضي، والخاصة بالإستراتيجية العامة للجيش الإسرائيلي في مجال التسليح، وهي خطة ممتدّة على مدار السنوات الخمس المقبلة، وأقرّها وزير الدفاع نفتالي بينيت في كانون الثاني/يناير2020.

تستهدف هذه الخطة، التي تمّت تسميتها باسم (تينوفا)، الاستفادة الكاملة من مواضع التفوّق العسكري الإسرائيلي، وتحديداً القوّة الجوية والحرب الإلكترونية، بالإضافة إلى تحسين القدرة على التحديد الدقيق للمواقع المعادية الأكثر أهمية، واستهداف أكبر عدد ممكن منها بشكل سريع وفعّال، وكذا تحسين وتطوير المعدّات والأسلحة المتوافرة، على مستوى الكم والنوع، وإعادة التنظيم الداخلي للهيكل الرئيسي لبنية الجيش الإسرائيلي القيادية والإدارية [31].

لذلك يعد كورونا خطراً ماليّاً يهدد تمويل الجيش بسبب التكاليف المباشرة وغير المباشرة على ميزانيّة الكيان. وفي حال استثمرت الحكومة مبالغ ضخمة لإحياء الاقتصاد بعد احتواء الوباء، ستتأثّر ميزانيّات الجيش وخططه طويلة المدى، خاصّة خطّة “القوّة الدافعة- متعددة السنوات” لبناء الجيش، التي وضعها قائد قوّات الجيش كوخافي. وهذا مع استمرار التحديّات الاستراتيجيّة في البيئة الإقليميّة المحيطة بإسرائيل، إذ لم يظهر أي أثر للوباء في تغيير نظرة المحيط المعادي لإسرائيل [32].

هذه الخطة، تتطلّب زيادة قياسية في الميزانية المخصّصة لوزارة الدفاع، وهي زيادة لم يتم إقرارها حتى الآن نظراً للتعقيدات التي سبقت عملية تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فقد تم وضع هذه الخطة، على أساس أن يتم تمويلها من ميزانية وزارة الدفاع، المرصودة عام 2019، بعد إعادة توزيع بنودها، مضافة إليها المنحة الأميركية السنوية، التي تُقدر بنحو 3.8 مليار دولار، على أن تتم في ما بعد زيادة الميزانية الجديدة المخصّصة لوزارة الدفاع، بنحو 2 مليار شيكل، أي ما يعادل 538 مليون دولار، لكن جاءت تداعيات جائِحة كورونا، لتضع عراقيل جديّة أمام تنفيذ هذه الخطة، بالشكل الذي تم التخطيط له وقت إعلانها[33]

رئيس الأركان كوخافي يصر على إطلاق الخطة؛ ففي 25 كانون الأول / ديسمبر 2019، صرح بأن خطة [الزخم- تنوفا]، قد تم إطلاقها بالفعل. وأوضح أن الجيش الإسرائيلي لا يمكنه الانتظار حتى يتضح الوضع في إسرائيل، لأن الأعداء لا ينتظرون. بالنسبة للبعد الاستراتيجي، شدد كوخافي على أن الجيش الإسرائيلي يجب أن يحافظ على قوة ردع من شأنها زيادة فترات الهدوء الأمني ​​بين الحربين، ولكن عند وقوع حرب أو عملية، يجب أن تكون النتيجة مهمة. ووفقا له، فإن برنامج خطة “الزخم” قد يجعل ذلك ممكنا من خلال زيادة القدرة الهجومية للجيش الإسرائيلي، على نطاق واسع، بقرارات أعلى وبقوى أعلى [34].

عاد رئيس الأركان كوخافي في 8 حزيران (يونيو) 2020، وقبيل صياغة الميزانية الإسرائيلية، ليحذر من تقليص قدرات الجيش الإسرائيلي. وقال: “طالما كان هناك سلام، يتنامى الشعور بإمكانية تقليص الاحتياجات الأمنية. وهذا خطأ فادح دفعته الجيوش والدول عبر التاريخ، بما في ذلك إسرائيل، لدفع ثمن باهظ”. وأكد: “… نحن نتصرف ونستمر في خطة الزخم”[35]

بدوره يرى معلق الشؤون العسكرية في “يديعوت أحرونوت”، أليكس فيشمان، أن الحروب الداخلية في الحكومة، والشكل الذي أديرت فيه الدولة في الأشهر الأخيرة، ينهشان بشدة الجيش، وانه لا يتصور أحد أن تمس هذه الإدارة الفاشلة بالجيش أيضا، إذ إن هذا جهاز قوي، غني بالميزانيات، وفي قلب الإجماع. ولكن أزمة القيادة هذه لا تلمس فقط أهداب البزة العسكرية، بل تتسبب منذ الآن بضرر حقيقي. وفي حال لم يُتخذ قرار يسمح للجيش بأن يدير نفسه بشكل مرتب ومنطقي فإنه ببساطة سيقف. وسبق لهذا أن حصل في العام 2014، قبل شهر من «الجرف الصامد». فعشية الحرب كان سلاح الجو لم يتدرب على مدى شهر، إذ نفد المال لدى الجيش. من المعقول الافتراض بأنه في كل تحقيق حقيقي أجراه الجيش بعد الحرب تبين أن قسما من المشاكل المهنية التي برزت، ولا سيما في الخطوات البرية، كان وليد وقف التدريبات والتسليح خلال تلك السنة، نتيجة لقرارات سياسية – اقتصادية للحكومة، عملت على طريقة «الجيش سيتدبر أمره» [36].

الجيش في كل شهر يقف على عتبة باب وزارة المالية كي يطلب الإذن لنفقات استثنائية. إضافة الى ذلك: في السنتين الأخيرتين، وكنتيجة لتقليصات عرضية وتجميد لميزانية الدولة، فقد الجيش بالتقدير السريع نحو ثلاث مليارات شيكل من ميزانيته السنوية. وإذا كان بنى ونفذ حتى الآن خططا معتمدة من المشتريات، التدريبات، والاستعدادات على أساس ميزانية سنوية من 32 مليار شيكل، فليس لديه في 2020 إلا 29 مليار شيكل كي ينفذها. ومنذ الآن، تمدد بعض المشاريع على سنوات أطول، وتؤجل مشتريات، وبناء على ذلك تخفض تدريبات الاحتياط وتتضرر شروط الخدمة النظامية [37].

من الواضح لجهاز الأمن أن أزمة كورونا خلقت واقعا اقتصاديا يتعين على الجيش أن يراعيه، ولكن من هنا وحتى تجاهل احتياجات الأمن العاجلة – على ما يبدو انتظارا لمعجزة بأن تتدبر الأمور بعد كل شيء من تلقاء ذاتها – فإن المسافة طويلة. تفهم قيادة الجيش بأن المواطن الذي تكون ثلاجته فارغة لا يشغل باله بجهاز الأمن، ولكنه سيقلق حين سيجلس في الغرفة الأمنية [38].

لم تؤدي تداعيات جائحة كورونا إلى منع وزارة الدفاع الإسرائيلية من إيجاد التمويل اللازم لتنفيذ هذه خطة “تنوفا” فقط، بل أدّت أيضاً إلى التعجيل ببعض البنود التقشّفية التي كان من المفترض أن يتم تنفيذها في مراحل لاحقة. فقد أعلنت قيادة سلاح الجو، عن نيّتها إنهاء عمليات السرب الهجومي رقم 117، الذي يضم مقاتلات من نوع (أف-16)، ويقع مقرّه في قاعدة رامات ديفيد الجوية شمال فلسطين المحتلة، وذلك بهدف توفير النفقات، وضخّها لاحقاً في برنامج مقاتلات (أف-35). ومن المقرّر أن يستمر هذا السرب في الخدمة والتدريب حتى موعد إنهاء عملياته المقرّر في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.

تداعيات جائحة كورونا وجهت ضربة قوية للجانب التسليحي المستقبلي من هذه الخطة، وتسبّبت في تجميد العديد من البنود التي نصّت عليها هذه الخطة، فيما يتعلق بالمنظومات الدفاعية والهجومية الواجب الحصول عليها خلال الأعوام المقبلة، لضمان تحديث القوة العسكرية الإسرائيلية، ومواكبتها لأهداف هذه الخطة. فقد تضمّنت هذه الخطة على مستوى سلاح الجو، تحديث سربين مقاتلين من أسراب سلاح الجو، وتزويدهما بطائرات متقدّمة من نوعيّ أف-15 وأف-35، بجانب إخراج أسطول سلاح الجو من مروحيات النقل العتيقة (أس أتش-53)، واستبدالها بأنواع أخرى حديثة.

وعلى صعيد القوات البرية، تستهدف الخطة إنشاء فرقة قتالية جديدة، تحت اسم الفرقة 99، تتضمّن ضمن تشكيلاتها لواء مشاة ميكانيكي، وهذا اللواء سيحتاج بطبيعة الحال إلى ناقلات جند مدرّعة جديدة، وعربات وشاحنات فنية وإدارية، وهي غير متوافرة حالياً. كما تنص الخطة على إنشاء لواء آخر تحت اسم (اللواء الهجومي)، سيتم فيه تطبيق بعض التكتيكات القتالية الجديدة، التي تجمع ما بين الوحدات البرية والجوية.

أما الدفاع الجوي والصاروخي، فقد نصّت هذه الخطة على إعادة هيكلة قيادة منظومات الدفاع الجوي المنضوية تحت لواء القوات الجوية الإسرائيلية، مع ضمان النشر التدريجي لبطاريات الدفاع ضد الصواريخ في كافة مناطق فلسطين المحتلة، وتحديثها بصواريخ وبطاريات جديدة.

بحرياً، لا تتضمّن الخطة تحديثاً أساسياً للقوات البحرية الإسرائيلية، لكنها تنصّ على تصنيع أربعة زوارق صاروخية من الفئة (ساعر 6)، للمساعدة في تأمين مواقع استخراج الغاز الطبيعي، قرب ساحل فلسطين المحتلة [39].

برغم من هذه المصاعب المالية الواضحة التي تواجهها وزارة الجيش الإسرائيلية، ولأهمية الاستمرار بالخطة متعددة السنوات على صعيد بناء القوة والتدريب والاستعداد يبدو أن الجيش الإسرائيلي مهتم بالتقدم في خطة “الزخم – تنوفا” وفقًا للموارد المتاحة له، من خلال عمليات التحويل الداخلية. وتجدر الإشارة إلى أن معظم تمويل معدات الجيش الإسرائيلي وبناء قوته يأتي من برنامج المساعدات الأمريكية للأعوام 2028-2019، لكن لا يُعرف ما الذي سيطر الجيش الإسرائيلي إلى عدم تنفيذه من الخطة، ويبدو أن الأمر لم يناقش في مجلس الوزراء.

يشكل إقرار ميزانيتي 2020 و2021، في خضم معالجة أزمة كورونا، التي تمثل أولوية وطنية قصوى، تحديًا صعبًا لإسرائيل ووزارة الجيش. في ضوء الجدول الزمني لإقرار ميزانية 2020 في الكنيست، لم يتبق لهذه الميزانية سوى القليل من الوقت لإحداث تأثير. من ناحية أخرى، تحوم ميزانية عدم اليقين الناتجة عن استمرار أزمة كورونا فوق ميزانية الدفاع لعام 2021.

ويقترح شموئيل إيفن باحث في معهد بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية، أن يوافق مجلس الوزراء على خطة “تنوفا” على النحو التالي: موافقة عامة على الخطة لكل سنة من سنواتها، وموافقة خاصة على الخطة إلى جانب اعتماد ميزانيات الدفاع لعامي 2020 و2021، في المستقبل، عندما يكون ذلك ممكناً، يوصى بالموافقة على اتفاقية ميزانية دفاع متعددة السنوات طوال مدة خطة “تنوفا”. وكجزء من عمل طاقمه المستمر، يُعِد الجيش الإسرائيلي خطط عمل متعددة السنوات تهدف إلى تكييف أهدافه مع الوسائل التي تخصصها لها الحكومة، ليس هناك شك في الحاجة إلى مثل هذه الخطط، وسيكون من الأفضل للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن تأخذ في الاعتبار عددًا من السيناريوهات للخطط المحتملة لميزانيات الجيش لفترة خطة “تنوفا”، على سبيل المثال، سيناريو الحد الأدنى، الذي يفترض أن الأزمة الاقتصادية سوف تستمر على المدى الطويل؛ سيناريو متوسط ​​؛ والسيناريو الأقصى، كما خطط له الجيش الإسرائيلي قبل تفشي الوباء[40].

باتجاه أخر تتطلع إسرائيل إلى توسيع تصدير أنظمة المراقبة في ظل أزمة تفشي فيروس كورونا في العالم. وان الوزارة طرحت مناقصة، طلبت فيها من الشركات المدنية تقديم معلومات عن الاحتياجات الأمنية لكل دول العالم، بما في ذلك أنظمة تعقب المدنيين، باستثناء إيران وسوريا ولبنان، التي يحظر المتاجرة معها، إذ يقدر مسؤولون أمنيون أن تصدير الاحتياجات الأمنية الداخلية للدول، سيحتل قسما كبيرا من التصدير الأمني الإسرائيلي في المستقبل، لأن الأزمة الاقتصادية الحاصلة في دول عدة، إثر انتشار الوباء، قد تؤدي إلى احتجاجات تزعزع استقرار بعض أنظمة الدول. إلى جانب ذلك، طالبت الوزارة بتزويدها بمعلومات حول استخدام وحاجة الدول إلى دبابات، صواريخ مضادة للدبابات، أنظمة مدفعية ودفاع جوي، طائرات من أنواع مختلفة، مروحيات، زوارق حربية، أنظمة صاروخية، ووسائل قتال إلكتروني لطائرات وزوارق [41].

كما تم التوقيع خلال شهر نيسان/أبريل الماضي، على عقدين خارجيين، الأول سيتم بموجبه تأجير ست طائرات هجومية مُسيّرة من نوع (هيرون) لليونان، لمدة ثلاث سنوات. العقد الثاني، وقّعته شركة (البيت) للصناعات الدفاعية، مع وزارة الدفاع الفلبينية، تحصل مانيلا بموجبه على 12 مدفع هاوتزر ذاتي الحركة من نوع (أتموس 2000) [42].

يبدو واضحاً أن المؤسسة العسكرية، تسعى إلى توسيع صادراتها الأمنية إلى دول آسيا كمجال التوسع المركزي للصادرات الأمنية، لأنها ترى بالصناعات الدفاعية والصادرات الأمنية كواحدة من العوامل الرئيسية لنمو السوق الإسرائيلية.

يرى الباحث أن التأثير الاقتصادي لأزمة كورونا على النفقات والميزانيات والخطط العسكرية سيبقى حاضرا لفترة طويلة بعد تفشي “كورونا”، ومن المرجح أن يتأثر الإنفاق على الخطط العسكرية الخاصة بهيئة الأركان الإسرائيلية في ظل تعثر إقرار الميزانية العامة وتزايد الصرف على مجالات أخرى متعلقة بجوانب مدنية، لذلك فإن التراجع المتوقع ستستفيد منه، الجهات الفاعلة غير الحكومية، فبسبب طبيعتها غير المتكافئة فإن هذه المنظمات لن تواجه نفس النوع من الأعباء والمسؤوليات والتحديات اللوجستية التي سيوجهها الجيش الإسرائيلي، وربما يتحول كورونا بالنسبة لبعض الجبهات المواجهة لإسرائيل، لفرصة لا تقدر بثمن، سواء لتخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها.

المطلب الخامس: الإخفاقات الأمنية والعسكرية في أزمة كورونا

تعتبر إسرائيل من الدول المعدودة على مستوى العالم التي تكثر من مناوراتها العسكرية والأمنية، وتجري فحوصا دورية لجاهزية جبهتها الداخلية، لمواجهة التهديدات المتوقعة والتحديات الماثلة، بما فيها الكوارث الطبيعية والأوبئة الشاملة، بالرغم من ذلك بدا أن تأثيرات الكورونا في إسرائيل تجاوزت الجوانب الصحية والمعيشية لتصل إلى إخفاقات وهواجس أمنية وعسكرية.

في حال فرض الإغلاق الكامل على كافة أرجاء إسرائيل تحسبا لمنع انتشار الكورونا، فإن هذا الإجراء سيشمل وضع جندي عسكري بجانب كل شرطي مدني، وتوزيع ألف مركبة عسكرية لنقل مرضى الكورونا المحتملين، مما سيضع المزيد من الأعباء على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، خاصة وأنه من المتوقع أن يشمل القرار وقفا كاملا لحركة المواصلات العامة.

الخطورة تكمن أنه في حال وصلت إنذارات أمنية ساخنة عن أحداث خطيرة حول الحدود الإسرائيلية، فإن الجيش سينصرف لتلك الأحداث، وفي هذه الحالة ستكون الشرطة مضطرة للاستعانة بأعداد قليلة من الجيش لفرض إجراءاتها الاحترازية، وفي هذه المرحلة ليس هناك خطط للاستعانة بجيش الاحتياط للعمل في خدمة الشرطة، وإنما الاكتفاء بالجيش النظامي. ولذلك فإن الخشية الكبرى في صفوف الجيش الإسرائيلي تتعلق بأنه في حال اندلعت حرب أو مواجهة عسكرية حول الحدود المجاورة لإسرائيل، فإن الجنود لا يعرفون في هذه الحالة كيف سيقومون بمهامهم العسكرية والقتالية في حال علموا أنهم مصابون بهذا الفايروس [43].

هذا وقد أشار تقرير لمراقب الدولة، بأن الأدوات التي استخدمها جهاز الأمن العام لم تمكّن من إنجاز المهمة بالكشف عن المخالطين لمصابي كورونا، ولم تسمح له بتنفيذ المهمة الموكلة إليه بالكامل، ومن خلال دخول عدد كبير جدًا من الأشخاص إلى العزل، وكثير منهم لم يكونوا على اتصال وثيق بالمصابين [44].

لذلك هناك خوف أن يؤدي هذا الفشل بالإضرار بثقة الجمهور بالمؤسسة العسكرية وتبادل الاتهامات بين المستوى العسكري والمستوى السياسي وتوترات بين الجيش والمجتمع، الأمر الذي قد يؤدي إلى تآكل مكانة إسرائيل والسير نحو فشل كبير، حتى لو قدم الجيش تفسيرات حول الصعوبات في عمله، في هذه الحالة الحقيقة لا يهم، ما يهم هو كيف يرى الجمهور الواقع. قد يتطور الأمر لتسييس إدارة الأزمات ويقوض بشدة ثقة الجمهور، التي تبنت الرواية القائلة بأن الجيش مسؤول عن قطع سلاسل العدوى [45].

في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت تسائل اللواء عاموس جلعاد الذي نأى بنفسه دائمًا عن السياسة هل يمكن مقارنة علاج كورونا بفشل حرب يوم “الغفران”؟ اللواء عاموس: “نعم بشكل لا لبس فيه. في حرب يوم “الغفران” كان هناك فشل ذريع، وخاصة من قِبل الاستخبارات. لكن “إسرائيل” عام 73 تعافت وتحت نفس القيادة حققت انتصاراً ساحقاً. لقد أدركوا الفشل وتم اجتيازه بسرعة. وأشار الى أن أزمة القيادة لعام 2020 تزداد سوءاً، ولا أرى لها نهاية، الدولة في خطر استراتيجي من الانهيار لأن الشباب يفقدون الأمل، وأصحاب المهن الحرة يائسون والبطالة آخذة في الارتفاع [46].

الجنرال احتياط يسرائيل زيف رئيس قسم العمليات سابقاً في الجيش الإسرائيلي قال: “تخيلوا أننا نجلس في طهران، ماذا سنشاهد عندما ننظر إلى إسرائيل، نرى دولة عليها مواجهة أزمات، والأزمات فيها تزداد وتتعمق، الدولة تظهر مرتبكة وعديمة الإدارة، مثل “شبكة العنكبوت”، وأضاف عندما رأينا الربيع العربي، نظرنا إليه بارتياح، هنا أنهم يسقطون، في عيون العرب الوضع معكوس اليوم، يرون فوضى في الشوارع، نقص في الموازنات، حكومة عاجزة عن أداء دورها، ولا تنجح في نقل صلاحيات للجيش، لو كنت في إيران، لرأيت في هذا الواقع فرصة، يجب علينا أن نسكتهم، ونأخذ الأمور لأيدينا، وتغيير طريقة التعامل مع الأزمة، ونظهر مرّة أخرى إسرائيل القوّية”[47].

وكتب يوسي ميلمان ودان رافيف في “ميدل إيست آي، أنه بالرغم من تاريخ الحروب والخوف، من استخدام الأعداء الأسلحة البيولوجية لم يكن لدى البلاد ما يكفي لمواجه الفيروس. وتعرف إسرائيل بقدراتها التكنولوجية الفائقة، لكن عندما يتعلق بأجهزة التنفس، والملابس الواقية للعاملين في القطاع الصحي فإن المخازن كانت فارغة، وأن السبب وراء إقحام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، جهاز الموساد في أزمة فيروس كورونا، رغم أن مهامه بعيدة عن القطاع الصحي، أن مشاركة الموساد لا تتعلق بمحاولة مؤسسة أمنية توفير الأجهزة الطبية، وسد النقص الذي أصاب الخدمات الصحية، بقدر ما كانت “مناورة ناجحة، لُعبت في ساحة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي أمّن مستقبله السياسي”. وقد خرق نتنياهو قواعد السرية عندما أعلن أنه أمر الموساد بشراء الأجهزة الطبية والإمدادات الضرورية لمواجهة فيروس كورونا. وبعد أسابيع بدا أن المحاولة لم تكن إلا من أجل تقوية صورته، مع أن هذا التكتيك قد يرتد سلبا عليه [48].

خاتمة واستنتاجات:

بالرغم من أن إسرائيل تعد من أكثر الدول التي تُكثر من مناوراتها العسكرية والأمنية، وتجري فحصاً دوريا لجاهزية جبهتها الداخلية لمواجهة التهديدات المتوقعة والتحديات الماثلة، بما فيها الكوارث الطبيعية والأوبئة الشاملة، إلا أن تأثيرات كورونا في إسرائيل تجاوزت الجوانب الصحية والمعيشية لتصل إلى تحديات وإخفاقات وهواجس أمنية وعسكرية وبدت في إدارتها للأزمة مرتبكة وعديمة الإدارة.

ومما سبق يمكن استخلاص استنتاجات بشأن تأثير أزمة كورونا على الجوانب الأمنية والعسكرية الإسرائيلية على النحو التالي:

  1. قدرات المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية في مواجهة الفيروس لم تتمكن بالمستوى المطلوب وأظهرت تخبطاً واضحاً في اتخاذ القرارات، كما أن توغل هذه القوات في الأعمال المدنية سيؤثر بلا شك على استعدادها العسكري بطرق مباشرة وغير مباشرة.
  2. تدخل المؤسسة العسكرية والأمنية في إدارة الأزمة جزء منه ترميم الصورة الذهنية للجيش لدى المجتمع الإسرائيلي؛ حيث واجه الجيش الإسرائيلي تحديًا مركبًا يتلخص في زيادة أعداد الرافضين لدخول الجيش والمتهربين منه، وزيادة عدد الهاربين من الخدمة. وتشوش الصورة الذهنية للجيش الإسرائيلي لدى الإسرائيليين من ناحية أخرى، إذ لم يعد الإسرائيليون يثقون في مبدأ أن الجيش يعبر عن روح المجتمع الإسرائيلي، أو بات خادمًا للقيم اليهودية بحق.
  3. كلما وجدت المؤسسة الأمنية والعسكرية نفسها منشغلة بأزمة كورونا، كلما زادت أهمية الموارد والقدرات التي سيتعين عليه تحويلها للقيام بذلك، وستتضاءل قدرته على التركيز على التحديات العسكرية والأمنية القائمة.
  4. سيناريو التفشي بين صفوف الجيش أحد المخاطر التي تؤرق صناع القرار لتأثيرها على القوات العسكرية وأداء وقدرات الجيش في مواجهة التحديات الأمنية والعسكرية المتزايدة، لذلك نشهد تغيرا واضحا في تعامل المؤسسة العسكرية مع أزمة كورونا من خلال القدرة على مجابهة الصدمات والتكيُّف مع جائحة كورونا والالتفات للعمل الميداني العسكري، خشية أن يتكون ارتباط وتفاعل بين انتشار الجائحة والصراعات والأزمات في محيط الكيان غير المستقر يتطلب تحركات عسكرية وأمنية مفاجئة ومبادرة.
  5. قادة المؤسسة الأمنية والعسكرية لديهم توجس وخيفة من استغلال المستويات السياسية للقدرات العسكرية والأمنية التقنية والتنظيمية عبر وضعها في الخطوط الأمامية لمواجهة الأوبئة لتخفيف الضغط من فشل الإدارات المدنية، وهو ما يمكن أن يكون له آثار بعيدة المدى على موازين الحروب والمعارك، والجاهزية والاستعداد العسكري للقوات وقدرتها على الانتشار وخوض المعارك العسكرية في المستقبل، ويؤثر بشكل متزايد على قدرات الجيش على الاستجابات السريعة والفعّالة مع الميدان.
  6. فيروس كورونا يترك تأثيره السلبي على عمل جهاز المخابرات الإسرائيلية للمهام الخاصة- الموساد”، وسيضر بعمله في الخارج، في ظل فرض مزيد من القيود حول العالم، مما يجعل الموساد يصدر قرارات اضطرارية، بتأجيل أو إلغاء العديد من مهامه الأمنية الاستخبارية، وبالتالي فإن الفوائد المرجوة تأخذ بالتراجع والانخفاض، وأن مستوى المخاطرة يتزايد.
  7. زيادة التوتر النفسي بسبب جائحة كورونا لدى الجنود وطاقم القيادة العسكرية، ينعكس سلباً على الدافعية والروح القتالية التي تعد أهم مبادئ الحرب عند الكيان لأنه مبدأ أساس في تحقيق النصر، وهو الشغل الشاغل لجميع في المؤسسة العسكرية لكيان العدو، وذلك بسبب خصائص المجتمع الصهيوني الذي أصبح لا يتقبل الخسائر في الأرواح ويقدم حياة الرفاهية على المكابدة.
  8. المؤسسة الأمنية والعسكرية برغم من المصاعب المالية الواضحة، مهتمة بالتقدم في خطة “الزخم – تنوفا” وفقًا للموارد المتاحة، من خلال عمليات التحويل الداخلية، لأنها ترى انه حال لم يُتخذ قرار يسمح للجيش بأن يدير نفسه بشكل مرتب ومنطقي فإنه ببساطة ستتراجع جاهزيته واستعداداته للتحديات المحيطة بالكيان، بسبب تعطل خطط التدريب والتسليح.
  9. التأثير الاقتصادي لأزمة كورونا على النفقات والميزانيات والخطط العسكرية سيبقى حاضرا لفترة طويلة بعد تفشي “كورونا”، ومن المرجح أن يتأثر الإنفاق على الخطط العسكرية الخاصة بهيئة الأركان الإسرائيلية في ظل تعثر إقرار الميزانية العامة وتزايد الصرف على مجالات أخرى متعلقة بجوانب مدنية.
  10. عدم تلبية النفقات والميزانيات الخاصة بالخطط العسكرية، ستستفيد منه، الجهات الفاعلة غير الحكومية (قوى المقاومة)، بسبب طبيعتها غير المتكافئة فإن هذه المنظمات لن تواجه نفس النوع من الأعباء والمسؤوليات والتحديات اللوجستية التي سيوجهها الجيش الإسرائيلي، وربما يتحول كورونا بالنسبة لبعض جبهات المواجهة مع إسرائيل، فرصة لا تقدر بثمن، سواء لتخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها.

الهامش

[1] – سعد بن علي الشهراني، إدارة عمليات الأزمات الأمنية، ط1 (الرياض: جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 2005) ص25.

[2]كورونا والأمن القومي الإسرائيلي، عادل شديد، موقع العربي الجديد.

[3]الجيش الإسرائيلي ينخرط في مساعي الحد من انتشار فيروس كورونا، موقع i24NEWS، 10 مارس 2020.

[4] نقاش إسرائيلي حول تأثير كورونا على الجوانب الأمنية والعسكرية، عدنان أبو عامر، عربي21.

[5]جهاز الموساد الإسرائيلي يجلب المزيد من المعدات الطبية لمواجهة كورونا، موقع i24NEWS.

[6]جيش الاحتلال يعد جنوده لفرض الإغلاق الشامل بسبب كورونا، موقع سما الإخباري.

[7]ضابط في الموساد: نسرق معدات من دول أخرى لمواجهة كورونا ، موقع الجزيرة نت.

[8] – كورونا والأمن القومي الإسرائيلي، عادل شديد، موقع العربي الجديد.

[9]تورط الجيش الإسرائيلي في أزمة كورونا ، معهد الأمن القومي الإسرائيلي، أكتوبر 2020.

[10]إغلاق للمرة الثانية: إخفاقات متتالية وتسييس نتنياهو لأزمة كورونا، موقع عرب ٤٨.

[11] – تورط الجيش الإسرائيلي في أزمة كورونا ، معهد الأمن القومي الإسرائيلي، أكتوبر 2020.

[12]الجيش الإسرائيلي يناقش تأثير كورونا على الأمن في المنطقة، موقع عرب ٤٨،

[13]Mossad, Netanyahu’s secret weapon against the coronavirus ،Ben Caspit, Al-Monitor, Apr 1, 2020,

[14]الجيش الإسرائيلي يناقش تأثير كورونا على الأمن في المنطقة، موقع عرب ٤٨، 4/05/2020.

[15]كورونا يقلب المعادلة.. الموساد: إيران لم تعد تشكل تهديدا وشيكا لإسرائيل، موقع الجزيرة نت،13/04/2020.

[16]الجيش الإسرائيلي يناقش تأثير كورونا على الأمن في المنطقة، عرب ٤٨، 04/05/2020.

[17]من غزة إلى لبنان.. فيروس كورونا يمنح إسرائيل “فرصا جديدة”، موقع الحرة، 05 سبتمبر 2020.

[18]تحديث للتقييم الاستراتيجي لإسرائيل لعام 2020 وتوصيات للحكومة الجديدة، معهد الأمن القومي الإسرائيلي، 11 مايو 2020.

[19] – ،Amos Harel, Haaretz, 05.09.2020. Analysis | From Gaza to Lebanon, Coronavirus Presents Israel With New Opportunities

[20]تخوف إسرائيلي من تأثير الكورونا على عملاء الموساد بالعالم، عربي21، عدنان أبو عامر، 12 مارس 2020.

[21]تحديثات وإرشادات الجيش الإسرائيلي، موقع الجيش الإسرائيلي.

[22] – نفس المصدر السابق.

[23]عالم ما بعد كورونا.. هل تستطيع الجيوش العالمية الصمود في مواجهة الوباء؟، محمد السعيد، ميدان الجزيرة، 9/4/2020.

[24] – نفس المصدر السابق.

[25]“كورونا” يضرب أكبر وحدة تجسس إلكتروني بـ “إسرائيل”، شمس نيوز، 13 يوليو 2020 .

[26]رغم تفشّي (كورونا): الجيش الإسرائيليّ سيُجري أكبر مناورةٍ تُحاكي حربًا، موقع رأي اليوم.

[27] – نفس المصدر السابق.

[28]ازدياد نسبة الجنود الذين يحتاجون للمعالجة النفسية، موقع ويلا الإسرائيلي، 18/10/2020

[29]Corona’s Impact on Israeli National Security, Efraim Inbar, The Jerusalem Institute for Strategy and Security (JISS)، 22.03.2020.

[30]ما مدى استعداد الجيش الإسرائيلي لخوض حرب إقليمية تطرق الأبواب؟، القدس العربي، 22 – مايو – 2020.

[31]تداعيات كورونا على خطط التسليح والصناعات العسكرية في “إسرائيل” وأميركا، محمد منصور، الميادين نت، 28 أيار 2020.

[32] – Corona’s Impact on Israeli National Security, Efraim Inbar, The Jerusalem Institute for Strategy and Security (JISS)، 22.03.2020.

[33] – تداعيات كورونا على خطط التسليح والصناعات العسكرية في “إسرائيل” وأميركا، محمد منصور، الميادين نت، 28 أيار 2020.

[34]تنوفا – أين موافقة مجلس الوزراء والميزانية؟ ، معهد الأمن القومي الإسرائيلي، 2 أغسطس 2020.

[35]كوخافي يحذر من اقتطاعات في ميزانية الجيش ، يديعوت أحرنوت، 8/06/2020.

[36]تأثير «كورونا» على ميزانية الجيش الإسرائيلي، الدستور الأردني، 13 تموز / يوليو 2020.

[37] – نفس المصدر السابق.

[38] – نفس المصدر السابق.

[39] – تداعيات كورونا على خطط التسليح والصناعات العسكرية في “إسرائيل” وأميركا، محمد منصور، الميادين نت، 28 أيار 2020.

[40] – تنوفا – أين موافقة مجلس الوزراء والميزانية؟ ، معهد الأمن القومي الإسرائيلي، 2 أغسطس 2020.

[41]إسرائيل تتطلع لتوسيع صادراتها الأمنية للعالم مستغلة تفشي كورونا، موقع RT ، 12.05.2020.

[42] – تداعيات كورونا على خطط التسليح والصناعات العسكرية في “إسرائيل” وأميركا، محمد منصور، الميادين نت، 28 أيار 2020.

[43]srael failure to deal adequately with the pandemic could have long-term effects, Adnan Abu Amer, Middle East, April 8, 2020

[44]مراقب الدولة: الأدوات التي استخدمها جهاز الأمن العام لم تسمح بتنفيذ المهمة، يديعوت أحرونوت،26.10.20.

[45] – تورط الجيش الإسرائيلي في أزمة كورونا ، معهد الأمن القومي الإسرائيلي، أكتوبر 2020.

[46] – اللواء عاموس جلعاد ينتقد نتنياهو وما وصل إليه الكيان، يديعوت أحرونوت، 26.10.20.

[47]مصدر عسكري يحذر: أزمة الكورونا ممكن أن تؤدي لتآكل مكانة “إسرائيل” ، مدار نيوز، 2020/07/21.

[48]Mossad’s role fighting coronavirus in Israel is not as it seems, Yossi Melman, Dan Raviv, Middle East, 24 April 2020

الوسوم

رامي أحمد

باحث وكاتب فلسطيني، متخصص في الشأن العسكري، ماجستير في القيادة والإدارة، 2015، ويعد للحصول على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى