دراسات

خريطة الحركات الاجتماعية في المكسيك

تمتاز المكسيك تاريخيا بحراك مجتمعي غزير ومتنوع شهد على مدار عقود طويلة – حتى قبل قيام الثورة المكسيكية 1910-1921 – مشاركة غالبية فئات المجتمع على اختلاف خلفياتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ورغم أن الحراك اليوم لا يزال يدور حول القضايا الجذرية التي انبثق عنها تاريخيا، إلا أن الكثير من التغيرات طرأت عليه من حيث اُطره ووسائله ومكوناته، إلى جانب ظهور عدد من القضايا والأهداف الجديدة وليدة القرن الحادي والعشرين.
وتدور الجذور التاريخية للحراك الاجتماعي حول الاستقلال السياسي عن الاستعمار الإسباني، وتوزيع السلطة بين فصائل الطبقة الحاكمة وبين الدولة المركزية وملاك الأراضي وزعماء الأقاليم المتطرفة من ناحية. ومن ناحية أخرى كانت تدور حول عدالة توزيع الأراضي على الفلاحين والسكان الأصليين وضمان حقوقهم في العمل لدى ملاك الأراضي. ومن ناحية ثالثة، شهدت المكسيك نزاعا ضم الكثير من الفئات حول ثنائية الديني-العلماني ودور الكنيسة في المجال العام. فتطورت علاقة النخبة وطبقات المجتمع العليا بالكنيسة من التحالف أثناء الاستعمار الإسباني إلى السعي لنزع امتيازاتها السياسية والاقتصادية عنها بعد الاستقلال.
استمرت هذه العلاقة على هذا النمط بل وتم مأسستها بعد الثورة في دستور الجمهورية الجديدة،1 إلا أنها لم تمر بسلاسة، فقد قوبلت الحملات على الكنيسة بحراك شعبي توّجهُ تمرد كريستيروس المسيحي في أعقاب الثورة المكسيكية بين عامي 1926 و1929، الذي راح ضحيته حوالي ثلاثون ألفًا أغلبهم من الفلاحين.2 وتظل ثنائية الديني-العلماني قائمة حتى اليوم، إلا أن التنازع حولها بات مؤسسيا في نطاق الأحزاب والحركات الاجتماعية والمنظمات غير الحكومية.3
وأما بعد الثورة، فقد حرص قادة النظام السياسي الوليد على إدماج بعض الحركات الاجتماعية البارزة في بنية النظام ذاته، إما من خلال صلات تربط قيادات تلك الحركات بالحزب الحاكم أو من خلال قوانين تفرض على الأفراد أو الشركات عضوية منظمات محددة.4 ومن أبرز تلك الجماعات وأقواها نفوذا اتحاد العمال المكسيكيين وهو المسؤول عن بلورة سياسات الحزب الحاكم الخاصة بالعمل والعمال. يوازيه في القوة اتحاد الغرف التجارية الوطنية، وهو يضم كل الغرف التجارية المحلية والتي تلتزم كل المتاجر والشركات التجارية بتسجيل عضويتها فيها بموجب قانون عام 1941. كما يفرض القانون ذاته على كل المنتجين وتجار الجملة والموزعين داخل نطاق الدولة عضوية إحدى الغرف الصناعية، والتي تتحد جميعا تحت مظلة اتحاد الغرف الصناعية.
ويتمتع “اتحاد الغرف التجارية الوطنية” و”اتحاد الغرف الصناعية” بقوة سياسية كبيرة، ويتوليان صياغة مقترحات بسياسات وإجراءات والضغط على الحكومة لتبنيها. أخيرا يوجد اتحاد نقابات العاملين بالدولة وهو يضم كل العاملين بالهيئات التنفيذية الفدرالية – ممن هم دون الرتب الخمس الأعلى – وموظفي الدولة العاملين لدى السلطة التشريعية والسلطة القضائية. يتمتع اتحاد نقابات العاملين بالدولة بنفوذ كبير داخل الحزب الثوري المؤسسي ويشارك في صياغة السياسات الكبرى للحكومة؛ يتمتع أعضاؤه بنظام تأمين اجتماعي خاص يوفر خدمات صحية ومعاشات أفضل من تلك التي يحصل عليها العاملون بالقطاع الخاص. 5

التطور التاريخي

خلال الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي انحصر اعتراف الدولة بالحراك الاجتماعي في مثل هذه المنظمات، واستخدم النظام مختلف أساليب الترغيب والاستيعاب للسيطرة على قياداتها. ولم يتمكن من الحفاظ على شيء من استقلالية الحركة في تلك الفترة سوى الكنيسة والمنظمات الاجتماعية المرتبطة بها، وكذلك الجامعات. انحصرت حركة هذه الأخيرة حينها في نطاق ضيق لا صلة له بالمجال العام أو النظام السياسي؛6 وشهد الاقتصاد المكسيكي في تلك الفترة حالة من الانتعاش والنمو سميت بالمعجزة المكسيكية وكانت معدلات النمو السنوية تقارب 7%؛ وأدى هذان العاملان معا لركود الحراك المجتمعي السياسي في تلك الفترة.
منذ نهاية عقد الخمسينات تضافر عدد من العوامل التي أعادت بعث الحراك الاجتماعي وأعطته زخما جديدا. أولا، أدى تراكم سياسات القمع والتزوير التي اتبعتها الحكومة، والتراجع عن المكتسبات الديمقراطية ومكتسبات الإصلاح الزراعي، وتشابك علاقات الحكومة برؤوس الأموال الكبيرة، إلى غضب شرائح واسعة من المجتمع. وكانت أبرز مظاهر ذلك الغضب الاحتجاجات الطلابية الواسعة – والتي انضمت لها مجموعات من العمال ومن الطبقة الوسطى – قبيل انعقاد الألعاب الأولمبية بالمكسيك عام 1968، والتي انتهت بمذبحة تْلاتيلولكو حين اعتدت قوات الشرطة والجيش الفدرالي على مظاهرة طلابية، فقتلت ما لا يقل عن مائتين من الطلاب، وأصابت المئات واعتقلت ما لا يقل عن ألف شخص. وكان الطلاب قد خرجوا تعبيرا عن رفضهم لتحويل نسبة كبيرة من المصروفات الحكومية لدورة الألعاب الأولمبية بدلا من برامج التضامن الاجتماعي. 7 وقد أدت تلك المذبحة إلى تراجع كبير في شرعية الحكومة. كان الغضب الشعبي في أعقاب مجزرة تلاتيلولكو دافعا قويا لإدارتي الرئيسين لويس اشيفيريا ولوبيز بورتِيو في السبعينات لإحداث حالة من الانفتاح والإصلاح السياسي التي خففت من القيود على المعارضة وإنشاء الأحزاب السياسية وسمحت للقوى السياسية والمواطنين بدور رقابي – وإن كان ما يزال ضعيفا آنذاك – في العملية الانتخابية. وقد أتاح كل ذلك فرص أكبر للتنظيم والمشاركة الفعالة من قِبل الحركات الاجتماعية.
كذلك فقد انتشرت الانتفاضات الفئوية وخاصة في الجنوب الشرقي للبلاد بسبب سياسات التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي لسكان تلك المناطق من السكان الأصليين والفلاحين، وأخذت الجماعات المسلحة في الانتشار وزادت المواجهات مع الدولة.
ثانيا، أسفرت موجة من الهجرة الكثيفة إلى العاصمة مكسيكو سيتي عن زيادة الطلب على الخدمات، ولم تتمكن الحكومة من مواكبة تلك الزيادة، وكان ذلك بداية لحركة احتجاجية شعبية بين سكان المدن.
ثالثا، بموجب التوجهات الجديدة للكنيسة الكاثوليكية في أعقاب مؤتمر الفاتيكان الثاني، سعت الكنيسة في المكسيك إلى تحسين علاقاتها بشرائح العمال والفلاحين وغيرهم، وخاصة من خلال وسائل تحسن ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية كالتعاونيات الإنتاجية والاستهلاكية ومؤسسات الادخار.8 ولضمان استدامة تلك المؤسسات، قامت الكنيسة بإنشاء منظمات وسيطة تشرف عليها، ومع الوقت استقلت هذه المنظمات تنظيميا عن الكنيسة، وهو ما نمى من قدرة المواطنين على التنظيم والحركة المستقلة. 9
يمكن القول إنه مع مطلع السبعينات وحتى نهاية القرن الماضي تبلور الحراك الاجتماعي بشكل ملحوظ واكتملت أركانه. فمن ناحية، تمكنت العديد من الجماعات من تأكيد استقلالها على الأرض، ووطدت الحركات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني المختلفة من علاقاتها المتبادلة. ومن ناحية أخرى، برزت على الساحة قضايا جديدة مستوحاة من تجارب الدول الأخرى كحقوق المرأة والبيئة وحقوق الإنسان (وفي القلب منها الحقوق السياسية للمواطنين). إلا أن أبرز ما يميز تلك الفترة هو تحول جوهر الحراك من تنازع بين الطبقات على امتيازات اقتصادية واجتماعية إلى تنازع حول ديمقراطية النظام السياسي المكسيكي.10 و بحلول التسعينات اكتسبت هذه القضايا المستحدثة زخما ونجح الحراك الشعبي في حض النظام على عدد من الإصلاحات السياسية.
وقد كان الزلزال الذي ضرب مدينة مكسيكو عام 1985، وكذلك تراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وانتخابات 1988 التي شهدت تزويرا فجا من قبل الحزب الحاكم، بمثابة المحرك لهذه التطورات التي طرأت على ساحة المجتمع المدني والحراك الاجتماعي. عززت الجهود الشعبية التي بذلت في أعقاب الزلزال، والتمويل الخارجي الذي تدفق على الدولة والمجتمع المدني حينها، من الصلات بين مكونات المجتمع المدني وسلطت الأضواء عليها خاصة في ظل فشل وتخبط الدولة في معالجة الأزمة. كما أدت أزمة الديون التي وقعت فيها المكسيك عام 1982 والتحول إلى سياسة الانفتاح على الاقتصاد العالمي، وممارسات التزوير والإقصاء السياسي إلى تآكل شرعية النظام.

طبيعة الحراك الاجتماعي في المكسيك

يمتاز المجتمع المكسيكي في أغلبه بتردد عالِ على الحراك وبقابلية عالية على الحشد. يحتشد المواطنون لمختلف القضايا وعلى اختلاف أهمياتها: يحتجون ضد سياسات الحكومة وضد القرارات اليومية لرؤساء الأحياء السكنية؛11 يحشدون الدعم لقضايا حقوق الإنسان والبيئة؛ وينظمون اللجان والشبكات المختلفة لتوفير الخدمات المختلفة للمناطق التي يسكنونها.
يغذي النظام الفدرالي للدولة كذلك من تشعب الحركات الاجتماعية وتنوعها. ففي كل ولاية – وأحيانا في المدن الكبيرة – توجد نقابات للعاملين بتلك الولاية أو المدينة بعدد الحِرف والمِهن السائدة بها. وتتحد نقابات الحِرف المتشابهة (كنقابات العاملين بقطاع البترول والعاملين بالتعدين، إلخ…) في اتحاد نقابي أوسع داخل الولاية، ثم تتحد النقابات في اتحاد أكبر على المستوى الوطني. بالإضافة إلى ذلك فالحركة الواحدة غالبا ما تتشكل من شبكة لامركزية من المجالس الموزعة على مناطق مختلفة داخل ولاية واحدة أو عبر أكثر من ولاية. وأخيرا فهناك حركات هي جزء من حركات وشبكات عبر-قومية. ومن الجدير بالذكر أن الكثير من هذه الحركات الاجتماعية – وخاصة الحركات الشعبية التي تفتقر للبنية المؤسسية – كثيرا ما تتحالف مع بعضها البعض إما سعيا وراء أهداف مشتركة وإما من باب التضامن المحض. فنادرا ما نجد في المكسيك حركة اجتماعية ترفع مطالب فئوية ضيقة خاصة بها فقط، بل تتسع شعارات أغلب الحركات لتشمل الاستقلال والديمقراطية والعدل للجميع.
يتضح من هذا الملخص إذا مدى التداخل والانسيابية واللامركزية التي يمتاز بها الحراك الاجتماعي في المكسيك. يستعرض هذا التقرير فيما يلي مجالات الحراك الأبرز على الساحة السياسية – أخذا في الاعتبار أن غيرها من المجالات كقضايا البيئة والمرأة والحريات الشخصية لا تقل عنها زخما. وكما ذكر سابقا، تمتد جذور هذه القضايا إلى حقبة الثمانينات التي شهدت تحولا ليس فقط في طبيعة الحراك بل أيضا في نوع القضايا التي يطرحها.سيستعرض التقرير كذلك الحركات ذات الأثر الأكبر ضمن كل مجال.

حركات السكان الأصليين

يقطن المكسيك نسبة كبيرة من مجتمعات السكان الأصليين، وهي من النسب الأعلى بين دول أمريكا اللاتينية كافة.12 توجد 62 جماعة مختلفة، لكل منها لغتها الأصلية بلهجاتها المختلفة، ولكن تعترف الحكومة رسميا بستة وخمسين فقط من تلك اللغات. بحسب إحصائيات عام 2005، بلغ عدد السكان الأصليين قرابة اثني عشر مليونا، يمثلون ما بين 11-12% من إجمالي عدد السكان. 13 تتركز هذه الجماعات في ولايات واهاكا، وفيراكريوز، وتشياباس، وبويبلا، ويوكاتان.14 تعرضت هذه المجتمعات لأشد أنواع التهميش رغم ثراء تلك المناطق بالموارد، فإلى جانب التهميش الاقتصادي وعموم الفقر بين أبنائها، عانت تلك المجتمعات كذلك من تهميش ثقافاتها ولغاتها.
بدأ الحراك الاجتماعي لهذه المجتمعات بالتبلور منذ السبعينات، فمن ناحية برزت حركات اجتماعية مثل مؤتمر السكان الأصليين وغيرها لبحث كيفية الدفاع عن حقوقهم الاقتصادية والثقافية، ومن ناحية أخرى بدأت بعضها في حمل السلاح دفاعا عن الاعتداءات التي تقع عليهم وعلى أراضيهم من قبل كبار المزارعين.
كان أبرز محطات حراك هذه الجماعات وواجهته خروج حركة الزاباتِستا للعلن عام 1994، والتي حققت نجاحات ملموسة على صعيد تحسين الظروف المادية والمعنوية لسكان تلك المناطق وكذلك على صعيد الاعتراف بتلك المجتمعات والالتفات لحقوقهم وخصوصيتهم، مكسيكيا ودوليا. منحت الزاباتِستا لحراك هذه المجتمعات زخما مكنها بعد ذلك من تنظيم نفسها والتعبير عن مطالبها بعيدا عن الحرك، حتى تطور حراكها ليشمل كافة المكسيكيين. كان آخر تجليات هذا الحراك عام 2015 عندما تمكنت تلك المجتمعات في ولاية تشياباس من حشد الآلاف والمطالبة بحوار وطني لوضع دستور فدرالي جديد يعبر عن التنوع الثقافي في البلاد ويخدم مصالح كافة المكسيكيين بدلا من مصالح الاقتصاد العالمي؛ واحتجوا على فساد الطبقة الحاكمة والنظام الرأسمالي وطالبوا بتنحي الرئيس بينيا نييتو.15

حركة الزاباتِستا

حركة الزاباتِستا هي حركة اجتماعية مكسيكية انبثقت عن السكان الأصليين في ولاية تشياباز ثم وسعت من قاعدتها الشعبية لتشمل فئات الفلاحين والشرائح الأوسع من مواطني المكسيك. ترفع الحركة شعارات متنوعة وتنشط على جبهات عدة كالحقوق السياسية والثقافية للجماعات الأصلية، والعدالة الاجتماعية للفقراء على كل الأراضي المكسيكية وعدالة توزيع الثروة، وديمقراطية ونزاهة النظام السياسي والحزبي، ومناوءة النيوليبرالية والرأسمالية العالمية.
يمكن تصنيف الحركة بموجب هذه القضايا كحركة يسارية، إلا أن الزاباتِستا منذ خروجها للعلن حرصت على رفض هذا التصنيف وغيره وعلى خلق مسافة بينها وبين مختلف الحركات الموجودة فعلا سواء كانت يسارية أو يمينية؛ وذلك لرفضها منذ النشأة للمنطق التي تقوم عليه العلاقات السياسية والاجتماعية في المجتمع المكسيكي. لذلك تتناول الكثير من الأدبيات العلمية حركة الزاباتِستا بوصفها حركة لانظامية أو مناوئة للنظام، ترفض قواعد النظام السياسي والاقتصادي المكسيكي والعالمي وتتحرك خارج تلك القواعد بل وتخلق نظم موازية بقواعد جديدة وتبني شبكات مع حركات أخرى تلتقي معها على تلك القواعد الجديدة. وقد حققت الحركة نجاحات ملموسة على هذا الصعيد، يلي ذكرها فيما بعد.
يعطي تاريخ الحركة تصورا واضحا لطبيعة الوسائل التي تستخدمها الحركة لتحقيق هذه الأهداف. خرجت الحركة للعلن في 1 يناير عام 1994، يوم دخول اتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا نافتا حيز النفاذ. لم تخرج الحركة في ثوب حركة اجتماعية، بل في صورة جيش مكتمل الأركان هو الجيش الزاباتي للتحرير الوطني، أصدر الجيش الزاباتي يومها إعلان غابة اللاكاندون الأول الذي أعلن فيه الحرب على الحكومة المكسيكية وطالب بتحقيق الديمقراطية والعدالة والحرية للمكسيكيين كافة، كما طالب السلطتين التشريعية والقضائية بعزل الرئيس. استمرت الاشتباكات العسكرية بين الجيش الزاباتي والجيش الفدرالي لاثني عشر يوما، سيطر فيها الأول على سبعة بلديات في ولاية تشياباس ولكن عجز عن التقدم أمام تفوق الجيش الفدرالي العددي والتقني عليه. اكتفى الجيش الزاباتي لعدة أشهر بإدارة البلديات التي سيطر عليها، في ظل تجدد الاشتباكات مع الدولة بين الحين والآخر. ولم تلجأ الزاباتِستا ولا حاضنتها الشعبية منذ ذلك الحين للقوة العسكرية، لكنها في الوقت ذاته حافظت على تنظيمها العسكري.
على مدار العام التالي كان الجيش الزاباتي قد سيطر على ثمانية وثلاثين بلدية في تشياباس اعتمادا على الحشد الشعبي السلمي فقط، وشكل مجالس بلدية مستقلة تدير تلك المناطق، كما شكل تنظيما مدنيا سلميا هو جبهة الزاباتِستا للتحرير الوطني وسلم للجبهة القيادة السياسية للحركة نحو الديمقراطية والعدالة في المكسيك وبدأ في تكوين شبكة دعم وتأييد مع رموز المجتمع المدني المستقلة.
عام 2003، أعلنت الزاباتِستا تدشين مراكز سياسية وثقافية في البلديات الخاضعة لسيطرتها. وشكلت مجالس الحكم الرشيد كهيئات حاكمة لتلك المناطق. اكتمل استقلال تلك المناطق عن الحكومة منذ ذلك الحين، حيث لا تحصل الحكومة المكسيكية منها على أية ضرائب ولا تمدها بأية خدمات؛ وكل الخدمات من تعليم وصحة ودفاع توفرها الزاباتِستا وقيادات تلك المراكز بالتعاون مع المجتمع. إلا أن الحركة تؤكد أن استقلالها بتلك المناطق لا تدفعه نزعة انفصالية لدى السكان الأصليين، إنما تدفعه رغبة في الحكم الذاتي بموجب قوانين منبثقة عن المجتمع ومعبرة عنه.
تطبق الحركة في تلك المناطق الدستور المكسيكي لسنة 1917، إلى جانب عدد من القوانين التي أصدرتها الحركة عشية خروجها للعلن عام 1994، في مجالات الأمن والعقوبات والجرائم، وحقوق المرأة والطفل، وتنظيم الأراضي الزراعية، والعمل، وغيرها.
أخيرا، لا بد من لفت الانتباه لأحد أهم الوسائل التي اعتمدتها الزاباتِستا في حراكها، وهي شبكات الدعم والتأييد المحلية وعبر-القومية. فقد نجحت الحركة في بناء شبكة قوية تربطها بالحركات الاجتماعية الأخرى داخل المكسيك وخارجها وخاصة في الولايات المتحدة وسائر دول أمريكا اللاتينية. وقد ساعدت هذه الشبكة على إيصال أفكار الحركة والإعلام عن انتفاضتها من خلال الترجمة والتغطية الإلكترونية والحشد على الأرض. وثبتت أهمية هذه الشبكة أولا لأنها ساعدت على فضح الانتهاكات التي تعرضت لها المناطق المؤيدة للحركة، وثانيا لأنها ساعدت الحركة بالموارد المادية والبشرية في أحيان كثيرة حين شرعت الحركة في إدارة مجتمعاتها ذاتيا بمنأى عن موارد الحكومة – فكثير من الموارد التي اعتمدت عليها الحركة هي تبرعات حصلت عليها بفضل شبكات الدعم والتأييد تلك. وإن كان ذلك في البداية سببا عرض استقلاليتها للخطر، إلا أنها مع مرور الوقت وترسخ دعائم حكمها اكتسبت القدرة على التحكم فيمن تدرجهم ضمن شبكة الدعم، ولو اضطرها ذلك للاستغناء عن تمويل أو موارد كانوا سيوفرونها.
يوضح هذا الاستعراض السريع إذن نطاق الوسائل التي تعتمد عليها الحركة لتحقيق أهدافها؛ فالحركة أبدت قدرة ومرونة كبيرة في استخدام كافة الأدوات السياسية المتاحة لتعظيم مكاسبها، سواء كانت تلك الأدوات قوة عسكرية، أو مجالس حكم ذاتي، أو شبكات دعم وتأييد محلية وعبر-قومية.

الحركات الشعبية الحضرية

شهدت الفترة بين الأربعينات والثمانينات من القرن العشرين، والتي سميت بالمعجزة المكسيكية لمعدلات النمو الكبيرة التي تحققت فيها، زيادة كبيرة في أعداد سكان الحضر مدفوعة بمشروعات التحديث التي تبنتها الدولة. فمثلا في مدينة مكسيكو وحدها زاد عدد السكان من مليوني نسمة عام 1940 إلى ما يزيد عن ثلاثة عشر مليون نسمة في 1980، وزادت نسبة سكان الحضر في البلاد ككل من الثلث في الثلاثينات إلى الثلثين في الثمانينات.16
بطبيعة الحال ومع هذه المعدلات الكبيرة واجهت الحكومة صعوبات في استيعاب السكان المهاجرين من الريف إلى الحضر، خصوصا في السبعينات والثمانينات حين ظهرت بوادر الأزمات الاقتصادية. إلا أن الهجرة استمرت، وتفاقمت معها ظاهرة العشوائيات في ضواحي المدن وخاصة حول مدينة مكسيكو العاصمة.
نشط حراك هذه الفئة من فقراء الحضر أثناء فترة الرئيس بورتِيو الذي أخذ موقفا متشددا منهم وبعض ممارساتهم كالتعدي على الأراضي وبناء العشوائيات فوقها (شهدت فترة بورتِيو درجة أكبر من القمع بشكل عام، وتشير بعض التقارير إلى قرابة خمسمائة حالة اختفاء قسري حدثت أثناء فترته الرئاسية)17 .
حرضت سياسات بورتِيو الحركات الاجتماعية على التكتل في حركات أكبر وأشمل – سميت الـكوردينادورا – في معارضة النظام والدفاع عن حقوق وأمن الحركات الأعضاء فيها، وتحترم في الوقت ذاته استقلاليتهم. كان من أهم تلك الحركات اللجنة التنسيقية الوطنية للحركة الشعبية الحضرية التي أسستها عام 1980 أربع حركات اجتماعية حضرية نشأت في أواخر السبعينات لتكون مظلة يتحرك تحتها فقراء الحضر وفق برنامج موحد، وكذلك لتكون خط دفاع للحركات الأعضاء بها ضد قمع النظام. مثلت هذه الحركة التحدي الأكبر للاتحاد الوطني للتنظيمات الشعبية، التنظيم الرسمي المنوط به الدفاع عن مصالح سكان الحضر بمختلف فئاتهم والمحسوب على الحزب المؤسسي الثوري.
أكسبت هذه الشبكات الحركات الاجتماعية قوة جديدة متمثلة في قدرة أكبر على التنسيق وأعداد أكبر من الحشود. كما كان إنشاؤها بمثابة تدشين الحراك الاجتماعي الحضري المستقل الذي شهد زخما كبيرا وكان أحد أكبر مكونات الحراك الاجتماعي منذ السبعينات وحتى هزيمة الحزب المؤسسي الثوري في الانتخابات الرئاسية عام 2000. ولعله اكتسب هذا الحضور بسبب الضعف النسبي الاتحاد الوطني للتنظيمات الشعبية، الذي لم يبلغ من القوة ما بلغه غيره من التنظيمات الرسمية الخاصة بالعمال أو الفلاحين.18 وكانت الأداة الأهم لهذه الحركات في التأثير على المجريات السياسية هي تأييد الأحزاب والمرشحين الرئاسيين أو الامتناع عن ذلك.
نقطة الذروة في نشاط هذه الحركات كانت تأييدها للمرشح الرئاسي المعارض كواوتيموك كارديناس في انتخابات 1988 وقرار الحركات الأعضاء بها الاصطفاف وراء الأحزاب المعارضة التي زادت شعبيتها في تلك الفترة. ورغم أن الانتخابات قد زورت لصالح مشرح الحزب الحاكم ساليناس دي غورتاري، إلا أن الاحتجاجات استمرت، وحققت المعارضة بعض الإنجازات على مستوى الولايات والبلديات. وتراجع كل ذلك بمجيء حزب الفعل الشعبي لسدة الحكم، فشغل الكثير من قيادات الحراك مناصب حكومية وانصرفت أغلب الحركات لنشاطها الخدمي السابق على فترة الثمانينات. ولكن التطور الذي شهدته الحركات الاجتماعية الحضرية لم ينقض تماما، فقد ظلت ترفع ذات الشعارات حتى وإن ضعفت معارضتها للنظام.

جبهة فرانسيسكو فِيا الشعبية

جبهة فرانسيسكو فيا الشعبية هي إحدى أبرز الحركات المنضوية تحت تحالف الحركة الشعبية الحضرية في العاصمة مدينة مكسيكو، وإن كانت تنشط كذلك في ولايات واهاكا وفيراكروز وهيدالغو وميتشواكان وغيريرو. خرجت الجبهة إلى العلن في فبراير 1989، 19 على إثر التطورات السياسية والاجتماعية في الثمانينات والتي قاربت بين الحركات الاجتماعية ودفعتها إلى العمل سويا، وكان أهم تلك التطورات زلزال مدينة مكسيكو عام 1985.20
تحمل الحركة مبادئ ماركسية تنعكس في خطابها الذي يركز على الصراع الطبقي وتحرر البروليتاريا، كما تنعكس في اتخاذها الرموز الماركسية التقليدية كماركس وإنجِلز وتشي جيفارا. تنظم الجبهة أعضاءها في فرق ولجان، وتشكل هذه الفرق شبكة تربط بين مختلف المناطق التي تتواجد بها الجبهة. تنتخب قيادات هذه اللجان، وتُعقد اجتماعات محلية لمناقشة احتياجات المناطق الداخلة في نطاق كل لجنة. يتعين على الأفراد قضاء حوالي أربعمائة ساعة في أعمال خدمية للمنطقة قبل حصولهم على عضوية رسمية بالجبهة.
في بادئ الأمر حكمت ثلاثة مبادئ أساسية نشاط الجبهة، وهي الاستقلالية عن الحكومة وعن الأحزاب السياسية، ووحدة الحركة بين الحركات المنضوية تحت لواء الجبهة، وأخيرا احترام استقلالية الحركات الأعضاء؛21 كما اعتمدت الجبهة الوسائل الثورية التقليدية من إضرابات وحشد واحتجاج موسع. إلا أنه مع مرور الوقت بل ومع تحقيقها لبعض الإنجازات، انجرت الجبهة إلى التحالف مع الأحزاب وتعرضت لانشقاقات، ولم تسلم ممارساتها وعلاقاتها السياسية من نمط المحسوبية الذي يسود السياسة المكسيكية برمتها، والذي سعت الجبهة للتمرد عليه بادئ الأمر.
ينصب نشاط الحركة بالأساس على توفير المسكن الملائم للفقراء من سكان الحضر ممن لا مأوى لهم ومن سكان العشوائيات على ضواحي المدن. ويعتمدون في ذلك على وسائل شتى من تفاوض مع محافظي الولايات ورؤساء الأحزاب ووسطائهم حول الدعم السياسي مقابل توفير الأراضي والمعدات اللازمة للبناء، إلى اجتياح الأراضي المهمَلة سواء كانت ملكا للدولة كمقالب النفايات أو كانت ملكا خاصا – وإن كانت الدولة تتعامل بصرامة مع الأحياء التي تنشأ على ملكيات خاصة وتزيلها.
ينسق الأعضاء مع أهالي المناطق المسجلين لديهم ويتناوبون في العمل سواء كان أعمال إزالة أو بناء مباني أو إنشاء بنى تحتية كشبكات الصرف والمياه والكهرباء. رغم المبادئ الحاكمة المعلنة، يظل التنسيق بين المناطق المختلفة ضعيفا؛ ويتحرك الأعضاء في كل منطقة حسبما توجههم ضغوط السكان وحسب الفرص المتاحة. فمثلا إن كان متاحا الاتفاق مع أحد الأحزاب المؤثرة في تلك المنطقة واستغلال نفوذه لضمان عدم مساس الحكومة بالمنشآت التي شيدها السكان، اتجه الأعضاء لذلك دون الرجوع لسياسة موحدة للجبهة على المستوى الوطني.
أدى هذا الانخراط في شبكة العلاقات الحزبية بقطاعات داخل الجبهة إلى أن أبعدت نفسها تنظيميا عن الكيان الأم، وخاصة بعد انحياز الجبهة إلى الحزب الثوري الديمقراطي في انتخابات عام 2006، فكان أبرز الانشقاقات الحركة التي أطلقت على نفسها اسم “جبهة فرانسيسكو فيا الشعبية المستقلة.”
تنحو هذه الأخيرة ذات منحى الجبهة الأم من الإشراف على تشييد مساكن للفقراء وإدخال الخدمات للمناطق المهمشة؛ إلا أنها تحرص في نشاطها على الاستقلال التام عن الحكومة والأحزاب في عملها تمسكا بالمبادئ التي حكمت الحركة منذ نشأتها ومعارضتها لنمط الممارسات السياسية في المكسيك. وهو ما يزيد من صعوبة عملها، حيث أن الامتناع عن الارتباط بالأحزاب أو مندوبي كبار السياسيين يعني الحرمان من الموارد الأكبر التي بإمكانهم توفيرها، كما يعني المزيد من العمل الشاق على عاتق السكان، وحماية أقل للأحياء المشيدة من الإخلاء أو الإزالة من قبل الحكومة.
لكن على الرغم من ذلك، تحقق الجبهة المستقلة عددا من النجاحات، ليس فقط في إدخال شبكات الصرف والكهرباء وإنشاء المراكز الاجتماعية، بل أيضا في إدارة الأحياء التي تشيدها. فعلى سبيل المثال، تقوم الجبهة في منطقة يوغيليتو في مدينة مكسيكو بجمع الضرائب من السكان، وتدير لجنة للرقابة الشرطية تعمل بالتوازي مع قوات الشرطة المحلية وتسد القصور في نشاطها، ومؤخرا تم منع بيع الخمور في المنطقة بعد اتفاق الأهالي ورؤساء الحي على ذلك في الاجتماعات نصف الشهرية التي تعقد بينهم.22

الحركة الطلابية

استعصت الحركة الطلابية والجامعات بشكل عام على محاولات دمجها في النظام بعد الثورة. وكانت هي أحد المحركات الأساسية التي أعادت الحياة للحراك الاجتماعي في المكسيك منذ الستينات، وكانت مذبحة تلاتيلولكو التي ارتكبت ضد الطلاب عام 1968 محطة فارقة في تاريخ نظام الحزب الثوري المؤسسي ونمط علاقته بالمجتمع.
لا تتمتع الحركة الطلابية في المكسيك ببنية تنظيمية ثابتة، بل هي حركة لامركزية وعفوية في أحيان كثيرة. لا تعمل الحركة بشكل ممتد لتحقيق أهداف محددة على المدى البعيد، بل تمتاز أكثر بنمط انتفاضات دورية بشأن قضايا متنوعة سياسية واقتصادية واجتماعية. وإن كانت الانتفاضات الطلابية تفشل في تحقيق أغلب أهدافها في النهاية، لكنها تتميز بشكل عام بقدرة كبيرة على الحشد ولفت الأنظار واستغلال الفرص لممارسة الضغط على الحكومة، ولعل السبب في ذلك يعود بشكل كبير إلى خلفيات طلاب الجامعات الذين يأتي معظمهم من طبقات عليا في المجتمع.23
تتميز المكسيك بتنوع في الجامعات بين جامعات حكومية وخاصة، وجامعات غير حكومية تمولها مجتمعات معينة أو جماعات مسيحية، وأخيرا الجامعات عبر-الثقافية – Intercultural Universities – وهي جامعات ممولة من الحكومة الفدرالية لكن تبتعد عن المدخل التقليدي للتعليم نحو مدخل يعكس بشكل أكبر التنوع الثقافي في المكسيك: فمحور الاهتمام هو تأكيد الهوية وانتزاع اعتراف المجتمع المكسيكي بالهويات المختلفة داخله، انطلاقا من فرضية أن انتزاع هذا الاعتراف وبناء الوعي بالثقافات المختلفة سيقضي على التمييز ضد أصحابها، وهو ما سيؤدي إلى رفع الظلم الاقتصادي والاجتماعي الذي يقع عليهم. أنشئت هذه الجامعات بمبادرات حكومية فدرالية، إلا أنها تتواجد وسط مجتمعات السكان الأصليين والمجتمعات الزراعية، حيث أن الهدف هو إتاحة المزيد من فرص التعليم العالي للسكان الأصليين – مع السماح لغيرهم من المواطنين بالدراسة في تلك الجامعات – وتخريج دفعات من العاملين بمجال التنمية الذي يتبنون قضايا السكان الأصليين في المكسيك ويعملون من أجلها.24
مر الحراك الطلابي في المكسيك بمحطات بارزة، كان أهمها بالطبع انتفاضته عام 1968 التي سبق ذكرها والتي استمرت لبعض سنوات في بداية السبعينات، 25 على الرغم من حالة الانفتاح التي قادها الرئيسان ايشيفيريا وبورتِيو.
وإن كانت الدوافع وراء انتفاضة الطلاب في الستينات سياسية بالدرجة الأولى، فإن الحراك الطلابي شهد انتفاضة ثانية في عامي 1999 و2000 كان الدافع وراءها اجتماعيا بالدرجة الأولى، حين اقترح رئيس جامعة المكسيك المستقلة الوطنية – الجامعة الأكبر في أمريكا اللاتينية – زيادة الرسوم الدراسية من $0.02 إلى ما يقارب $150 لرفع المستوى المتدني الذي آل إليه حال الجامعة.26 دخل عدد كبير من الطلاب في إضراب عن الدراسة استمر لما يقارب العشرة أشهر وتسببوا في تعطيل الدراسة بشكل شبه كامل لاتخاذهم الحرم الجامعي مقرا لاحتجاجاتهم. وعلى الرغم من أن ردود الفعل الشعبية تجاه هذه الانتفاضة تراوحت بين التأييد والغضب لتعطيل الدراسة، إلا أن الطلاب نجحوا في إجبار رئاسة الجامعة على إعادة صياغة المقترح فحددوا قيمة الرسوم لكن جعلوا سدادها غير إلزامي يرجع لاختيار الطالب.27
مؤخرا تعد الحركة الطلابية الأبرز هي حركة #أنا132 – #YoSoy132 – التي خرجت للعلن في مايو من عام 2012 أثناء فترة الحملات الانتخابية الرئاسية. انعقدت ندوة عامة في جامعة أيبيروأميريكانا في مدينة مكسيكو حضرها مرشح الحزب المؤسسي الثوري آنذاك إنريكيه بينيا نييتو وقاطعها عدد من الطلاب الذين نظموا مظاهرة بالتزامن مع الندوة للتنديد بانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت أثناء رئاسته لولاية المكسيك بين 2005 و2011 واعتراضا على ترشحه.
تبلورت الحركة على إثر التغطية الإعلامية غير المتوازنة للندوة والتي استخفت بالطلاب المحتجين بل ووصفتهم بأنهم مخربون مأجورون وليسوا طلابا منتمين للجامعة. رد الطلاب المحتجون على تلك الادعاءات بمقطع فيديو لمائة وواحد وثلاثين طالبا يؤكدون على مشاركتهم بالمظاهرة ويرفعون بطاقاتهم الجامعية تأكيدا على كونهم طلابا. أطلق رموز متضامنون مع الطلاب عبر شبكات التواصل الاجتماعي شعار #أنا132 أو #YoSoy132 تعبيرا عن أن الطلبة ليسوا وحدهم، وأن كل متضامن هو بمثابة الطالب رقم 132.
دعت الحركة الإلكترونية في الشهر ذاته إلى مظاهرتين خلال أسبوع واحد، خرجت الأولى من ميدان زوكالو قلب مدينة مكسيكو، واتجهت الثانية إلى مبنى التلفزيون؛ وكان هدفها الأبرز الاحتجاج على انحيازات الإعلام والمطالبة بتغطية نزيهة ومتوازنة للعملية الانتخابية.28 وكان أحد أبرز وجوه تلك الحركة الطالب أنطونيو أتوليني ميورا طالب العلوم السياسية والعلاقات الدولية بمعهد التكنولوجيا المكسيكي المستقل. 29
انتشرت الحملة بشكل كبير حتى تشكل مائة وثلاثون مجلسا محليا عبر الولايات المكسيكية المختلفة وتشكلت جمعية عمومية – سميت بالـإنتر-يونيفيرسيتاريا InterUniversitaria – تنسق بين تلك المجالس على المستوى الوطني.30 ومن اللافت للنظر أن الحركة حازت شعبية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما كان أثرها ضعيفا بين الشريحة الأكبر من المواطنين.31
أخيرا، عام 2014 اندلعت احتجاجات في مدينة أيوتسينابا على إثر الإخفاء القسري لأربعة وثلاثين طالبا انطلقوا مع عشرات آخرين إلى مدينة إغوالا لإحياء ذكرى مذبحة تلاتيلولكو. استولى الطلاب على ثلاث حافلات استخدموها للتنقل، فاتخذتها الشرطة ذريعة لاعتداء راح ضحيته ستة أشخاص وجرح واعتقل آخرون. استمرت الشرطة في مطاردات للطلاب اختفى على إثرها الطلاب الثلاثة والأربعون.
اندلعت مظاهرات واسعة على إثر تلك الاعتداءات احتلت صدارتها إنتريونيفرسيتاريا ونقابتان للمعلمين – هما اللجنة التنسيقية الوطنية للعاملين بالتعليم و تنسيقية ولاية غيريرو للمعلمين – وتمكنت الحركات الثلاث من توحيد الفئات المختلفة من سكان أصليين والفلاحين والشرطة المجتمعية خلفها.32 استهدفت الاحتجاجات إدانة رئيس البلدية وكذلك أجهزة الشرطة المحلية التي تربطها بعصابات المخدرات المحلية روابط وثيقة. اعتقل رئيس إحدى تلك العصابات في إغوالا واحتجز الأهالي عددا من رجال الشرطة المحلية الذين اتهموهم بالضلوع في الجريمة والذين ثارت الشبهات حول عضويتهم في عصابات للمخدرات.
نجحت الحركة في الضغط على الحكومة التي غيرت محافظ الولاية وكلفت محله قائما بالأعمال، إلا أن ذلك لم يكن كافيا، فاستمرت مظاهر الاحتجاج من مظاهرات وقطع للطرق واعتصامات، التي كانت تزداد اشتعالا كلما عثرت فرق البحث والتحقيق على جثث بعض الطلاب في مقابر جماعية متفرقة بالولاية. امتد زخم حراك أيوتسينابا لأكثر من سنة، ولكن دون استجابة حقيقية لمطالب المحتجين أولا بعودة الطلاب، وثانيا بتحقيق ديمقراطية حقيقية تمثل المواطنين، وثالثا بالقضاء على العلاقات المتشابكة بين الجريمة المنظمة وخصوصا تجارة المخدرات والأجهزة الأمنية.33

النقابات المهنية

1- المعلمون

شريحة المعلمين هي – مع الحركة الطلابية – بمثابة رأس حربة الحراك الاجتماعي في المكسيك منذ انبعاثه في الستينات. اكتسبت هذه الشريحة أهميتها في النظام السياسي المكسيكي لاعتماد النظام عليها كحلقة وصل بينه وبين الشرائح الأوسع في المجتمع والمنوط بها الحفاظ على مستويات الرضا الشعبية عن الحكومة. إضافة إلى ذلك، كان المعلمون ممثلين في النقابة الرسمية هم من يديرون الحملات الانتخابية ويحشدون الأصوات للحزب الحاكم ويشرفون على اللجان الانتخابية.
حرصت الحركة التنظيمية للمعلمين مبكرا على الحفاظ على نافذتي التغيير مفتوحتين: بالاستمرار في التمثيل الرسمي داخل النقابة، وبالتحالف مع المجتمع المدني للحفاظ قدر الإمكان على استقلالية التنظيم الرسمي من الامتصاص من قِبل الدولة.
التنظيم الرسمي والأكبر لقطاع المعلمين هو الاتحاد الوطني للعاملين بالتعليم، وهو من أقوى التنظيمات النقابية في أمريكا اللاتينية.34 إلا أنه ليس نسيجا واحدا ويوجد به جناح ديمقراطي هو اللجنة التنسيقية الوطنية للعاملين بالتعليم، المساهم الأكبر في الحراك من أجل التغيير. يتميز هذا الفريق بدرجة عالية من الديمقراطية في تنظيمه الداخلي، حيث أن القيادات تنتخب وتوجد آليات لاتخاذ القرار بشكل جمعي. ومن النقابات الأخرى ذات التأثير تنسيقية ولاية غيريرو للمعلمين.
تتحرك شريحة المعلمين بصورة أساسية لمواجهة خصخصة التعليم وهيمنة الحكومة على النقابات وسياسات التقشف، كما تتحرك تضامنا مع حركات أخرى في المجتمع وللمطالبة بالديمقراطية. كان أبرز محطات الحراك انتفاضة واهاكا عام 2006. بدأت الأحداث بإضراب للمعلمين احتجاجا على ضعف التمويل الحكومي الذي يحصل عليه المعلمون والمدارس بالمناطق الريفية. تطورت الأمور حين فضت قوات الشرطة اعتصام المعلمين بالقوة في 14 يونيو وأصابت عددا كبيرا من المعتصمين في اشتباكات استمرت لساعات. توسع الإضراب وشكل ممثلون عن بلديات ولاية واهاكا وعن النقابات والمنظمات غير الحكومية والتعاونيات ما سمي بـالجمعية الشعبية لأهالي واهاكا. صبيحة 17 يونيو، عسكر الأهالي بالميدان الرئيسي في الولاية ونصبت الجمعية الشعبية نفسها الهيئة الحاكمة على ولاية واهاكا، ووضع الأهالي حواجز حول المعسكر لمنع اعتداء آخر من قبل قوات الشرطة. تحركت الجمعية الشعبية بين السكان لإقناعهم بقضيتها ودعت الأهالي في بقية الولايات إلى تنظيم جمعيات مشابهة على كل المستويات من الولايات إلى الأحياء. تضامنت بعض المجالس البلدية مع الحركة وأوقفت العمل.
في الثاني من يوليو، انعقدت انتخابات الولاية، ومُني الحزب المؤسسي الثوري بأول هزيمة انتخابية في واهاكا منذ سبعين عاما. غادر المحافظ يوليسيز رويز إلى مدينة مكسيكو، وبعد بضعة أسابيع على غيابه، سيطرت الجمعية الشعبية على المدينة وبدأت بتطبيق قوانينها الخاصة وارتفعت وتيرة الاشتباكات مع جهاز الشرطة. اجتاح المتظاهرون في أغسطس مباني الراديو والتلفزيون واستغلوها لبث مطالبهم إلى السكان وللتواصل والتبليغ السريع في حالة اعتداءات من الشرطة. في تلك الأثناء ازدادت الاعتداءات على مقرات البث من قِبل أفراد شرطة بزي مدني وسكان مؤيدين للحزب الثوري المؤسسي، وقتل في هذه الاعتداءات ستة من مؤيدي الجمعية الشعبية. في سبتمبر سيطر الأهالي على مبنى بلدية واوتُلا دي هيمينيز واستمرت سيطرتهم عليه لأربعة أشهر حتى بعد أن استعادت السلطات السيطرة على العاصمة ومباني الإذاعة والتلفزيون. وفي نوفمبر من العام التالي انتخب رئيس الجمعية الشعبية رئيسا لبلدية واوتلا.

2- العمال

التنظيم الأكبر للعمال في المكسيك هو مؤتمر العمال الذي يندرج تحته عدد من النقابات والاتحادات المستقلة بجانب اتحاد نقابات العاملين بالدولة واتحاد العمال المكسيكيين، التنظيم الأساسي الذي يضم ما يزيد عن أحد عشر ألف نقابة فرعية ويشمل حوالي 85% من العمال المكسيكيين المسجلين بنقابات. تربط كلا من اتحاد العمال المكسيكيين ومؤتمر العمال روابط قوية بالحزب المؤسسي الثوري. منوط بمؤتمر العمال التوسط بين النقابات والحكومة، ويمد الحكومة بتصورات وأدوات للتعامل مع القوة العاملة. أما اتحاد العمال المكسيكيين فيعتبر الذراع العمالي للحزب المؤسسي الثوري.35
تمثل التنظيمات الرسمية بشكل عام عمال المناطق الحضرية والعاملين بالقطاع الرسمي، بينما يعمل حوالي نصف السكان بالقطاع غير الرسمي.36 وتنقسم هذه التنظيمات أيديولوجيا بين فريق تقليدي يردد الشعارات اليسارية المستوحاة من الثورة المكسيكية ويرفض التغيير، وفريق آخر تقبَل السياسات النيوليبرالية للحكومة.37
عام 2012، طبقت المكسيك إصلاحات موسعة في قوانين العمل أثرت بالإيجاب على البيئة النقابية، حيث وضعت آليات للشفافية والمحاسبة وإشراك أعضاء النقابات في الرقابة على نشاط القيادات وتمويل النقابة. عالجت بقية الإصلاحات العلاقات بين العمال وأصحاب العمل، وكفاءة العمال وحقوق العمل.38

3- الفلاحون

التنظيم الرسمي للفلاحين على المستوى الفدرالي هو الاتحاد الوطني للفلاحين، وهو الأقوى بين التنظيمات الاجتماعية في المكسيك والأكثر تأثيرا في المناطق الريفية منذ الأربعينات. وبالطبع فنسبة كبيرة من ذلك النفوذ ترجع للروابط الوثيقة بين الاتحاد والحزب المؤسسي الثوري.
على الرغم من قوة هذا التنظيم، تمكنت تنظيمات مستقلة من الظهور والتأثير وخاصة بعد الثمانينات، إلا أن تأثيرها في الغالب لم يكن كافيا لتغيير السياسات الحكومية النيوليبرالية. وكان أبرز الحركات المستقلة التي ظهرت لتعارض التنظيم الرسمي اللجنة التنسيقية الوطنية لخطة أيالا (استمدت الحركة اسمها من خطة أيالا – الوثيقة التي وضعها الزعيم الثوري إميليانو زاباتا في الثورة المكسيكية ووضع فيها مبادئ للإصلاح الزراعي وتمليك المزارعين للأراضي واحترام استقلالية تنظيماتهم).
يبرز ضمن حركات الفلاحين كذلك الاتحاد الوطني لتنظيمات الفلاحين الإقليمية المستقلة – أونوركا – وهو عبارة عن شبكة من تنظيمات المزارعين الصغار والسكان الأصليين التي تدافع عن حقوق المزارعين وتسعى لتحسين مستويات معيشتهم.39 أونوركا كذلك هي عضو بارز في الحركة العالمية فِيا كامبِسينا التي توجه جهودها لقضايا الزراعة المستدامة وتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين، بدلا من النمط السائد من زراعة رأسمالية تسيطر عليها شركات عبر-قومية تؤثر سلبا على الطبيعة وعلى رفاهية الفلاحين.40

لجان الأمن والدفاع الشعبية (الشرطة المجتمعية)

ظاهرة الأمن الشرطي الأهلي هي ملمح بارز ومستقر من ملامح المجتمع المكسيكي، وتنتشر بالأخص في المناطق الريفية ومجتمعات السكان الأصليين، نظرا لفجوة الثقة العميقة بين هذه الفئات والدولة والتي سببتها سنوات من التهميش وفشل الدولة في الاستجابة لمطالبهم.41 في بعض الأحيان تعمل هذه اللجان بالتوازي مع الشرطة الرسمية وتسد الثغرات التي تهملها الشرطة أو تفشل في علاجها، وفي أحيان أخرى يقوم الأهالي بطرد الشرطة الرسمية كليا ويتولون بأنفسهم مسؤولية تأمين مناطق سكنهم.42 تنشأ هذه الجماعات استجابة لاحتياجات السكان، سواء كان للتأمين ضد عصابات المخدرات ومعدلات الاختطاف والقتل العالية، أو لمنع قطع الأشجار بصورة غير قانونية أو سرقة الماشية أو غير ذلك من الممارسات التي تتسبب بالأذى لأهالي كل منطقة. وفي أحيان أخرى يشكل الأهالي هذه اللجان كوسيلة للضغط على الحكومة لتوفير بعض الخدمات، في ظل استعداد لتفكيك تلك اللجان في حالة الاستجابة لتلك المطالب، وهو ما حدث بالفعل في إحدى مدن ولاية واهاكا.43
تدخل هذه اللجان كثيرا في تحالفات مع حركات فئوية أخرى لتشكيل حراك شعبي موسع معارض لأشكال الظلم المختلفة. حدث ذلك في ولاية غيريرو، حين تحالفت إحدى هذه اللجان مع نقابة للمعلمين المعارضين لقانون الإصلاح التعليمي، ويحدث كذلك في الاحتجاجات المطالبة بحقوق طلاب أيوتسينابا المختفين(44 ).


الهامش

1 Zoran Dimosky, “Mexico’s Transition to Democracy and Problems of Consolidation” (Bachelor’s Thesis within Political Science, Sweden, 2008), p. 17, available at:
link.

2 جيل باتايون، “قرن على الثورة المكسيكية…أولى ثورات القرن العشرين،” الحياة، 26 يناير، 2011.

3 “The Mexican Revolution,” SocialSciences.Manchester.ac.uk, accessed Febuary 20, 2016,
link.

4 CIVICUS, “A Snapshot of Civil Society in Mexico” (Analytical Country Report, Mexico, 2011) p. 22, available at:
link.

5 Neil Schlager and Jayne Weisblatt (ed.), World Encyclopedia of Political Systems and Parties, Fourth Edition, (New York: Facts on File, Inc, 2006), p. 892.

6 CIVICUS, ibid.

7 David C. Young, “Olympic Games, Mexico City, Mexico, 1968,” Encyclopedia Brittannica, accessed May 9, 2015,
link.

8 بلغ عدد تلك التعاونيات عام 1964 ألف جمعية تعاونية.

9 CIVICUS, ibid, pp 22-23.

10 Joe Foweraker, Popular Mobilization in Mexico: The Teacher’s Movement 1977-87 (Cambridge: Cambridge University Press, 1993), p 2.

11 Joshua Partlow, “Activism in Mexico City: What do we want? Another chance to shout protest slogans in the street!” Independent, last modified March 23, 2014: link

12 Jonathan Fox, “Mexico’s Indigenous Population,” CulturalSurvival.org:
link .

13 “Indigenous Peoples of Mexico,” IndigenousPeople.net, last modified November 25, 2013:
link .

14 Ibid.

15 Elio Henríquez, “Thousands March in Chiapas for New Constitution,” Chiapas Support Committee, last modified December 8, 2015: link

16 Paul Lawrence Haber, Power from Experience: Urban Popular Movements in Late Twenthieth Century Mexico (Pennsylvania: Pennsylvania State University Press, 2005), pp 54-55.

17 Ibid, p 56.

18 Ibid, p 67.

19 Canada: Immigration and Refugee Board of Canada, Mexico: Francisco Villa Popular Front (Frente Popular Francisco Villa, FPFV), including its origins, leaders, key activities, number of members, affiliation, if any, with other groups or political parties, address of its offices in Mexico City; involvement of the FPFV in any land disputes in Mexico City; whether the organization has brought forward evidence against individuals involved in illegal land transactions (1996-January 2002), 17 January 2002, MEX38341.E, available at: link

20 “About Us (translated),” Francisco Villa Popular Front Official Website: link

21 Canada: Immigration and Refugee Board of Canada, ibid.

22 David R. K. Adler, “Frente Popular and the Fight for Decent Housing,” Habitat df, last modified December 2014:
link .

23 Anne Feuerborn, “A New Mexican Revolution?: The Student Movement of 1968,” Historia (Vol. 8, 1999), available at: link

24 David Lehmann, “Intercultural Universities in Mexico: A Study in the Confluence of Ideas,” October, 2001, pp 1-11, available at: link
.

25 Dimosky, ibid, p 20.

26 وكانت الحكومة في ذلك الحين تتحمل حوالي 90% من ميزانية الجامعة.

27 Julia Preston, “University Officials Yield to Student Strike in Mexico,” The New York Times, June 8, 1999: link .

28 Miguel Angel Guevara, “Mexico: #YoSoy132, the Beginning of the Mexican Spring?” (translated), May 25, 2012: link

29 J. Nathan Matias, “Mexico’s Networked Social Movements: #YOSOY132,” MIT Center for Civic Media, September 20, 2012: link .

30 Maggie Blanca and Jeremy Crowlesmith, “Ayotzinapa Protests Awaken Mexico from a Nightmare,” ROAR, November 7, 2014: link

31 Matias, ibid.

32 Blanca and Crowlesmith, ibid.

33 “Mexico: Ayotzinapa student’s enforced disappearance – Timeline,” Amnesty International, September 23, 2015: link.

34 Foweraker, ibid, p 1.

35 Jose Grajeda, “A Look at Labor Unions in Mexico,” Tecma.com, July 1, 2014: link .

36 Ibid.

37 “Organized Labor,” U.S. Library of Congress, accessed February 28, 2016: link .

38 Abraham Medina, “The Effects of Mexican Labor Reform,” Tecma.com, June 24, 2014: link .

39 “National Union of Autonomous Regional Peasant Organizations (UNORCA),” Grassroots International, accessed February 28, 2016: link.

40 “What Is La Via Campesina?” ViaCampesina.org, last updated on February 9, 2011: link.

41 Karla Zabludovsky, “Mexican Violence Prompts Self-Policing by Civilians,” The New York Times, January 26, 2013: link.

42 Karla Zabludovsky, “Reclaiming the Forests and the Right to Feel Safe,” The New York Times, August 2, 2012: link.

43 Patricio Asfura-Heim and Ralph H. Espach, “The Rise of Mexico’s Self-Defense Forces,” Foreign Affairs (July/August 2013): link.

44 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

جهاد حسنين

مساعد باحث، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، بكالوريوس العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، (إنجليزي)، 2015

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى