تقاريرمجتمع

خريطة المتاحف في مصر: الانتشار والجدوى

المتاحف مرآة تعكس حضارة وتاريخ الأمم أمام أبنائها، فتنمّي الوعي وتزيد الانتماء. والمتاحف تشكل في حد ذاتها وسيلة من أهم وسائل التعرف على تاريخ أمة من الأمم أو شعب من الشعوب[1]. كما أن المتحف مؤسسة تربوية وثقافية وترفيهية، تعمل على خدمة المجتمع من خلال قيامها بجمع وحفظ وعرض وصيانة التراث الحضاري والتاريخي الإنساني والطبيعي[2].

وقد أشار بعض الباحثين وعلماء الآثار والمتاحف أن فكرة المتحف بدأت منذ عصر المصريين القدماء؛ حين وضعوا المسلات والتماثيل أمام صروح معابدهم وبقصورهم[3]؛ رغبة منهم في إدخال المتعة والسعادة في نفوس الرائين. بل إن مصر تُعد من أقدم دول العالم التي أنشأت متحفا، حين أسس بطلميوس الأول (367- 283 ق.م) متحف الإسكندرية قبل ألفي وثلاثمائة عام، بهدف تعلم الموسيقى والشعر، حتى أن كلمة “Museum” قد اشتُقت أساسا من اسم مُلهمات الشعر وربات الفن “الميوزات” التسع عند اليونان[4].

أما الشكل الحالي للمتاحف، فأول ظهور له كان في بريطانيا؛ حين أُنشئ متحف لندن منتصف القرن الثامن عشر[5]. وفي مصر بدأت المتاحف – بشكلها الحالي – منذ عهد محمد على باشا (1805- 1848م) حين أمر بتأسيس أول متحف بمنطقة الأزبكية وسط القاهرة عام 1835م، وكان أول أمين له الشيخ رفاعة الطهطاوي.

ولما كانت أرض مصر خصبة بالمكتشفات الأثرية التي لا تتوقف، فقد سعت الحكومات المتتالية إلى الاهتمام بإنشاء المتاحف لحفظ وعرض تلك المكتشفات. لكن يبدو أن الأهداف الأساسية من إنشاء المتاحف لم تكن واضحة لدى العديد من تلك الحكومات، فالمتتبع لخريطة المتاحف بمصر، وانتشارها بالقاهرة والمحافظات، وتوزيعها بين الوزارات المختلفة والهيئات، يلاحظ مدى العشوائية في التنوع والتوزيع.

بل إن أول ما يواجه المتتبع لخريطة المتاحف وتوزيعها من مصاعب، هو الإحصائيات التي لا نستطيع التيقن من صدقها، فبالرغم من أننا هنا ننقل عن أعلى جهة بالدولة مختصة في التعداد والإحصاء[6]، إلا أن بياناتها للأسف لم تشمل الكثير من المتاحف سواء بالقاهرة أو بالأقاليم المختلفة.

فإنه وبناء لرجوعنا، لبيانات النشرة السنوية للإحصاءات الثقافية لعام 2020م، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، خلال شهر يناير 2022م. وكذا بيانات النشرة السنوية للإحصاءات الثقافية لعام 2019م، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، خلال شهر مارس 2021م، يمكننا عرض ورقتنا هذه؛ لتكشف لنا عن خريطة المتاحف في مصر من حيث انتشارها وجدواها، من خلال المحاور الآتية:

المحور الأول: عدد المتاحف المصرية وأنواعها

في أحدث بياناته، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (شكل 1)، أن عدد المتاحف بمصر بلغ 84 متحفا عام 2020 مقابل 81 في عام 2019، و77 متحفا عام 2018، و76 متحفا عام 2017، فيما كان 72 متحفا عام 2016.[7]

(شكل 1) تطور عدد المتاحف في مصر منذ عام 2016 وحتى عام 2020

(شكل 1) تطور عدد المتاحف في مصر منذ عام 2016 وحتى عام 2020

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

وقد يتصور البعض أن عدد المتاحف في مصر كبير، لكن الحقيقة أن عدد المتاحف المصرية قليل جدا بالنسبة لتاريخها وتراثها وعدد سكانها أيضا، فتركيا على سبيل المثال – وبالرغم من أنها أحدث من مصر في إنشاء المتاحف، حيث أنشئ أول متحف بها عام 1891م – بها 354 متحفا طبقا لبيانات وزارة الثقافة والسياحة التركية.[8] كما إن دولة الإمارات العربية المتحدة رغم حداثتها وقلة عدد سكانها بالنسبة لمصر فإن بها 34 متحفا[9].

وربما يعتقد آخرون، أن عدد المتاحف في مصر في تزايد مستمر، لكن قد يتلاشى عنهم هذا الاعتقاد، إذا رجعوا إلى التعداد السنوي السابق الخاص بالمتاحف والصادر عن الجهاز المركزي نفسه (شكل 2)، والذي يبين فيه من خلال الرسم البياني مؤشر عدد المتاحف منذ عام 2007، وحتى عام 2019. إذ يتبين أن عدد المتاحف عام 2007 بلغ 69 متحفا، وهو ما يزيد عن عددها خلال أعوام 2008، و2009، و2011، 2012، و2013، و2014، و2015. إذ إن عدد المتاحف ليس دائما في تزايد مثل ما يتوهم من خلال الجدول السابق.

(شكل 2) رسم بياني لتطور عدد المتاحف في مصر منذ عام 2007 وحتى عام 2019

(شكل 2) رسم بياني لتطور عدد المتاحف في مصر منذ عام 2007 وحتى عام 2019

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

كما يُلاحظ من خلال (الشكل 2)، أن عدد المتاحف عام 2010 زاد عن عددها عام 2016؛ إذ بلغ 73 متحفا، فيما انخفض انخفاضا مدويا عام الثورة عام 2011 إذ وصل إلى 45 متحفا. فيما لم يكشف الجهاز المركزي، عن كيفية انخفاض عدد المتاحف، أو أسبابه، غير أنه يتضح لنا أن هذا الانخفاض لا يعني أن تلك المتاحف كانت قائمة في عام مضى ثم أزيلت، فالأمر لا يتعدى كونه غلق لتلك المتاحف لأسباب مختلفة أهمها؛ الإغلاق من أجل الترميم، كإغلاق المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية منذ سنوات عديدة ولم يتم إعادة افتتاحه حتى الآن، أو الإغلاق بسبب تعرض المتحف لسرقة كما حدث عام 2010 حين أُغلق متحف محمد محمود خليل بعد سرقة لوحة زهرة الخشخاش، وعام 2014 حين أغلق متحف دنشواي بقرار من إدارة المتاحف بعد سرقة بعض مقتنياته، أو الإغلاق بسبب الانفلات الأمني الحادث بعد ثورة يناير 2010 كإغلاق متحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية، أو إغلاق متحف الفن الإسلامي منذ عام 2014 حين تأثر بالانفجار الذي تعرض له مبنى مديرية الأمن بمحافظة القاهرة. بل إن هناك متاحف لا مبرر لإغلاقها سوى أن هناك قرارا إداريا بإغلاقها كما حدث مع متحف دنشواي.   

أما أنواع المتاحف في مصر، فعديدة؛ أهمها متاحف الفن والتاريخ، ومتاحف العلوم الطبيعية والبحتة والتطبيقية. حيث يذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نشرته السنوية للإحصاءات الثقافية لعام 2020، (شكل 3)، أن عدد متاحف الفن والتاريخ يصل عددها لـ 75 متحفا، في حين يصل عدد متاحف العلوم الطبيعية والبحتة والتطبيقية إلى 9 متاحف. وواضح جدا أن هناك متاحف أخرى نوعية، لم تتطرق إليها بيانات الجهاز المركزي، إذ يبدو أن بيانات الجهاز لم تتناول غير المتاحف التابعة لجهات حكومية ذات تبعة مباشرة.

(شكل 3) أنواع المتاحف بمصر عام 2020

أنواع المتاحف بمصر عام 2020

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

المحور الثاني: انتشار المتاحف بين المحافظات والهيئات

يتبين من خلال بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن المحافظات التي يوجد بها متاحف لا يزيد عددها عن 22 محافظة، فطبقا لبيانات الجهاز، عن توزيع المتاحف على المحافظات خلال عام 2020، (شكل 4)، يتضح أن هناك خمس محافظات ليس بها متاحف من الأساس هي محافظات أسيوط، وبني سويف، وشمال سيناء، وجنوب سيناء، والشرقية. هذا بالرغم من أن تلك المحافظات بها متاحف لكن ربما لم يطلها التعداد بسبب إغلاقها لأسباب كالسابق ذكرها، فمحافظة أسيوط بها متحف أسيوط القومي، ومحافظة بني سويف بها متحف بني سويف، ومحافظة الشرقية بها متحف أحمد عرابي ومتحف تل بسطا ومتحف صان الحجر وهو متحف آثار مفتوح. أما محافظة شمال سيناء فيوجد بها المتحف الحربي بالعريش، ومحافظة جنوب سيناء يوجد بها متحف طابا.

(شكل 4) عدد المتاحف بالمحافظات المختلفة عن عام 2020

(شكل 4) عدد المتاحف بالمحافظات المختلفة عن عام 2020

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

ويتبين من خلال بيانات الجهاز أيضا، أن متاحف محافظة القاهرة احتلت العدد الأكبر من إجمالي المتاحف حيث بلغت نسبتها 23.8% من إجمالي العدد الكلي، تليها محافظة الإسكندرية ومحافظة الجيزة بنسبة 16.7% لكل منهما، فيما ضمت محافظات بورسعيد والمنوفية والمنيا وأسوان والأقصر ثلاث متاحف لكل منها. بينما اشتملت على متحفين كل من محافظات دمياط والدقهلية والبحيرة والفيوم وسوهاج وقنا والوادي الجديد. أما محافظات السويس والقليوبية وكفر الشيخ والغربية والإسماعيلية والبحر الأحمر ومرسى مطروح؛ فبها أقل عدد من المتاحف حيث يوجد بكل منها متحف واحد. وواضح جدا أن عدد المتاحف قليل جدا بالعديد من المحافظات ولا يتناسب مع ما تحمله تلك المحافظات من تاريخ حضاري عريق وتراث شعبي فريد كمحافظة سوهاج ومحافظة قنا ومحافظة السويس.

كما أنه، وبالرغم من أن محافظة القاهرة تضم ما يقرب من ربع عدد المتاحف، إلا أن هذا العدد لا يتناسب مع تاريخ محافظة القاهرة الممتد منذ عصر الأسرات وحتى العصر الحديث، كما لا يتناسب مع مساحتها وعدد قاطنيها، ونسبة تردد السياحة الأجنبية والمحلية ليها. فالعاصمة التركية إسطنبول على سبيل المثال بها ما يزيد عن 90 متحفا، طبقا لبيان وزارة الثقافة التركية عن عام 2018م.

وبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن المتاحف، تتوقف عند انتشارها وتوزيعها بين القاهرة والمحافظات، بينما لا تتطرق لتوزيع المتاحف على الوزارات والهيئات المختلفة، فالمتاحف في مصر معظما منتشر بين وزارة السياحة والآثار، ووزارة الثقافة، بينما تنتشر متاحف أخرى بين عدد من الوزارات الأخرى، كوزارة التعليم العالي التي تضم متاحف من بينها متحف العلوم بدمياط، ومتحف الأحياء المائية بالإسكندرية، ووزارة الحربية التي يتبعها متحف العلمين العسكري ومتحف العريش الحربي، ووزارة الداخلية كمتحف الشرطة بمدينة الإسماعيلية، ووزارة النقل مثل متحف سكك حديد مصر، ووزارة البيئة مثل متحف الحفريات وتغير المناخ بالفيوم، ووزارة الصحة مثل متحف بني سويف الصحي، ووزارة الزراعة مثل المتحف الزراعي بالدقي والمتحف النباتي بجزيرة أسوان، ووزارة الري مثل متحف الثورة بالقناطر الخيرية ومتحف الري بإسنا. كما تضم الجامعات عددا من المتاحف، من أهمها متاحف جامعة القاهرة وجامعة الإسكندرية وجامعة المنصورة وبعض الجامعات الإقليمية الأخرى. بل إن هناك عددا من المتاحف يتبع بعض الجمعيات الأهلية مثل متحف هدى شعراوي ومتحف مصطفى محمود، ومتاحف أخرى خاصة تعود لعائلات مثل متحف أنور السادات بقرية ميت أبو الكوم الذي تمتلكه عائلة الرئيس الراحل أنور السادات.

المحور الثالث: عدد زوار المتاحف وجملة الإيرادات

أما عن زائري المتاحف المصرية، فيتضح أن هناك تذبذبا كبيرا في عدد الزائرين خلال السنوات المختلفة، فبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن عدد زائري المتاحف منذ عام 2007 وحتى عام 2019 (شكل 5)، تكشف أن عام 2016 كان أكثر تلك الأعوام زيارة، حيث بلغ زوار المتاحف خلاله 9 ملايين و634 ألفا، فيما جاء عام 2017 كأدنى عام، حيث بلغ زوار المتاحف خلاله 3 ملايين و349 ألفا. كما يلاحظ أن أعوام 2010، و2012، و2013 التي شهدت انفلاتا أمنيا كانت من أكثر الأعوام انخفاضا في عدد زوار المتاحف.  

(شكل 5) عدد زائري المتاحف منذ عام 2007 وحتى عام 2019

(شكل 5) عدد زائري المتاحف منذ عام 2007 وحتى عام 2019

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

أما عن أكثر متاحف المحافظات زيارة خلال عام 2019، وطبقا لبيانات الجهاز (شكل 6) فكانت محافظة القاهرة والتي احتلت المركز الأول بوصول عدد زوارها إلى 3 ملايين 92 ألفا، بنسبة تبلغ أكثر من 58% من عدد الزيارات الكلية خلال عام 2019 والتي بلغت 5 ملايين و316 ألفا.

فيما جاءت محافظة الإسكندرية في المركز الثاني بعدد زوار بلغ مليونا و267 ألفا، تليها محافظة الجيزة بعدد زوار وصل إلى 475 ألفا، ثم محافظة أسوان بعدد بلغ 239 ألف زائر، فيما جاءت محافظة الأقصر في ذيل قائمة المحافظات الخمس الأكثر زيارة لمتحفها، إذ بلغ زوارها 111 ألفا.  

(شكل 6) عدد زائري المتاحف طبقا لأكبر 5 محافظات عن عام 2019

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

أما عن أدنى متاحف المحافظات زيارة عن عام 2019 طبقا لبيانات الجهاز المركزي (شكل 7)؛ فكانت محافظات دمياط والغربية والوادي الجديد، حيث بلغ زوار كل محافظة ثلاثة آلاف زائر، فيما حلت محافظتا البحر الأحمر والسويس في المركز قبل الأخير بعدد زوار بلغ أربعة آلاف بكل محافظة. 

(شكل 7) عدد زائري المتاحف طبقا لأقل 5 محافظات عن عام 2019

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

أما عن إجمالي إيرادات المتاحف، فطبقا لبيانات نشرة الجهاز المركزي عن عام 2020، الصادرة في يناير 2022، الخاصة بإيرادات المتاحف (شكل 8)، ونشرة الجهاز المركزي عن عام 2019، الخاصة بإيرادات المتاحف (شكل 9)، فقد بلغت الإيرادات 108 ملايين و979 ألف جنيه عام 2020 مقابل 256 مليونا و56 ألف جنيه عام 2019، بانخفاض قدره 147 مليونا و77 ألف جنيه. وقد جاء هذا الانخفاض الكبير عام 2020 نتيجة انخفاض عدد الزائرين مقارنة بعام 2019، إذ بلغ في عام 2020، ثلاثة ملايين و45 ألفا، بينما وصل عام 2019 إلى خمسة ملايين و316 ألفا. أما عن أهم أسباب هذا الانخفاض فكان وباء كورونا الذي أثر على السياحة المصرية سلبيا كما أثر على السياحة العالمية بشكل عام.

أما عن أكثر المحافظات من حيث الإيرادات، فقد جاءت محافظة القاهرة في المركز الأول عام 2019، بحصيلة بلغت 198 مليونا 282 ألف جنيه، تلتها محافظة الجيزة بحصيلة قدرها 28 مليونا و276 ألفا، ثم محافظة الإسكندرية بـ 10 ملايين و298 ألفا، ومحافظة أسوان بـ 9 ملايين و167 ألف جنيه، ومحافظة الأقصر بـ 9 ملايين و132 ألف جنيه. فيما جاءت متاحف محافظة الوادي الجديد كآخر محافظة من حيث الإيرادات إذ بلغت 14 ألف جنيه، في حين لم تحصل محافظتا دمياط وقنا على أي إيرادات خلال عام 2019.

أما عن عام 2020، فقد احتلت محافظة الإسكندرية المركز الأول من حيث الإيرادات إذ بلغت 71 مليونا و247 ألف جنيه، بنسبة زادت عن 65% من الإيرادات الكلية لمتاحف الجمهورية خلال العام. وتلتها محافظة الجيزة بحصيلة إيرادات بلغت 19 مليونا و509 آلاف، بينما جاءت محافظة الأقصر في المركز الثالث بإيرادات بلغت 13 مليونا و391 ألف جنيه، ثم أسوان في المركز الرابع بإيرادات بلغت 3 ملايين و19 ألفا، أما محافظة القاهرة فجاءت في ذيل أعلى خمس محافظات بإيراد قدره مليون و275 ألف جنيه.  فيما جاءت متاحف محافظات الدقهلية والغربية والوادي الجديد كآخر محافظات من حيث الإيرادات إذ بلغت إيرادات كل منهم 7 آلاف جنيه، فيما استمرت محافظتا دمياط وقنا في عدم تحصلهما على أي إيرادات خلال عام 2020.

(شكل 8) إيرادات المتاحف عن عام 2020

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

(شكل 9) إيرادات المتاحف عن عام 2019

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

المحور الرابع: نتائج الدراسة ومقترحاتها

أولا: نتائج الدراسة

وبعد ما تم عرضه من خريطة المتاحف المصرية من حيث انتشارها وجدواها، طبقا لما صدر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بآخر نشرتين خلال عامي 2021م، و2022م، يتبين الآتي: 

– أنه وبالرغم من الإحصاءات المتعددة التي قام بها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لعدد المتاحف وانتشارها، إلا أن هناك العديد من المتاحف الأخرى غير مذكورة بتلك الإحصاءات. وذلك طبقا لما قام به الباحث شخصيا من خلال حصره لعدد آخر من المتاحف غير المرصودة من قبل الجهاز. وإن كان يبدو أن جهاز الإحصاء لم يذكر إلا المتاحف الحكومية المفتوحة للزيارة.

– أن مصر تضم العشرات من المتاحف، بأنواعها المختلفة؛ الأثرية والتاريخية والفنية والعلمية. منها متاحف عامة؛ كمتحف القاهرة بالتحرير والمتحف القومي للحضارة، ومتاحف نوعية؛ كالمتحف الإسلامي والمتحف القبطي والمتحف اليوناني والروماني، ومتاحف إقليمية؛ كمتحف أسوان، ومتحف سوهاج، ومتحف كفر الشيخ، ومتاحف متخصصة؛ كالمتحف الزراعي، ومتحف السكة الحديد، ومتحف الشمع. ومتاحف تخص شخصيات تاريخية، مثل متحف أحمد عرابي، ومتحف طه حسين، ومتحف أم كلثوم.

– هناك العديد من المتاحف المصرية ما تزال مغلقة منذ سنوات، رغم ما تحويه من كنوز أثرية وتراثية وفنية، بحجة الترميم كالمتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية والمغلق منذ عام 2005م. ومتحف الشمع بالقاهرة والمغلق منذ عام 2009م، والغريب أنه لا يوجد جدول زمني واضح للانتهاء من تطوير تلك المتاحف، رغم أهميتها وتفردها.

– شهدت السنوات الأخيرة افتتاح العديد من المتاحف المتنوعة. سواء في القاهرة والإسكندرية أو بعدد من المحافظات. وبالرغم من ذلك فلا تزال أعداد المتاحف أقل ما يجب أن تكون عليه بكثير.

– لدينا متاحف فريدة؛ غير أنها لا تأخذ حقها في الدعاية والترويج، مثل المتحف الحربي، فهو ضمن المتاحف الحربية العالمية؛ من حيث ثرائه بكميات ضخمة من المعروضات، فضلا عن مبناه التاريخي وموقعه المتميز بقلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة. وكذا متحف مكتبة الإسكندرية، الذي يعد أول متحف آثار يُقام داخل مكتبة، ويضم آثارا عُثر عليها بموقع المبنى نفسه.

– تتوزع المتاحف المصرية على العديد من الوزارات المختلفة والجامعات والهيئات، وكذا المؤسسات الأهلية والجمعيات، بل وبعض الأسر المصرية والعائلات. هذا فضلا عن عدم وجود تنسيق بين كل تلك الجهات، وهذا يسبب خللا واضحا في إدارة تلك المتاحف والعمل على تطويرها ووضعها على الخريطة السياحية.

–  هناك متاحف مصرية أقيمت في الأساس على أنها متاحف، فأُسست مبانيها تبعا لذلك من حيث كيفية العرض المتحفي الجيد ووسائله، غير أن هناك العديد من المتاحف الأخرى أقيمت أساسا بمباني أخرى لم تكن معدة لها، كالمتاحف الموجودة في قصور ومنازل، ومنها: قلعة صلاح الدين بالقاهرة، وقلعة قايتباي بالإسكندرية، وقصر الجوهرة بالقاهرة، ومسجد محمد علي بالقلعة بالقاهرة، ومتحف بن نعمان بالمنصورة، ومتحف محمود سعيد بالإسكندرية، ومتحف نبيل درويش للخزف بالقاهرة، ومتحف روميل بمرسى مطروح، وبيت الأمة بالقاهرة.[10]

– أن عددا غير قليل من المتاحف المصرية غير مفتوح للزيارة أمام الجمهور، ما حولها إلى مناطق مهجورة اللهم إلا من دخول العاملين بها. وبعض المتاحف مغلق بسبب قدم المباني وتهالكها؛ مثل متحف الشمع الذي أثبتت لجنة من محافظة القاهرة أن مواصفات الأمان به منعدمة، رغم أن هذا المتحف يُعد أحد أبرز أربعة متاحف على مستوى العالم من حيث النوع.

– ويتضح أيضا أن زيارات المتاحف المصرية بجميع أنواعها في تناقص ملحوظ، وهو ما جعل بعض المتاحف عبارة عن أماكن مهجورة. وهذا يرجع لأسباب عدة، منها؛ ضعف الدعاية الملائمة واللائقة بتلك المتاحف، فضلا عن عدم وجود إدارة واحدة لتلك المتاحف.

– كما أن إيرادات تلك المتاحف قليلة جدا مقارنة بما تحويه من تراث عريق وفريد، وهذا بسبب ضعف السياحة بشكل عام، ولعدم وضع تلك المتاحف على الخريطة السياحية، أو الترويج الجيد لها، بالرغم من أن تذاكر دخول المتاحف المصرية تُعتبر منخفضة بالنسبة للأسعار العالمية.   

ثانيا: مقترحات الدراسة

هناك العديد من المقترحات التي توصلت إليها الدراسة، والتي يمكن إيجازها في النقاط التالية:

– ضرورة إنشاء هيئة قومية للمتاحف تتبع رئاسة الحكومة مباشرة، أو تتبع وزارة السياحة والآثار وتضم جميع المتاحف المصرية بكل أنواعها، وتكون مهمتها الأساسية؛ العمل على إدارة وتطوير تلك المتاحف. وهناك دول عديدة لها تجارب جيدة في هذا المضمار، منها فرنسا التي توجد بها هيئة المتاحف، وهي الهيئة التي تضم كل المتاحف بأنواعها المختلفة. 

– الاهتمام بتطوير المتاحف من جميع جوانبها المعمارية والفنية وأساليب العرض بها وطريقة تأمينها؛ وتواصلها الإيجابي بالمجتمع من حولها، وهذا يتطلب وجود إمكانيات مادية وخبرات علمية، ونحن الآن لدينا عدد غير قليل من الدارسين المتخصصين بعلم المتاحف، يمكنهم العمل على تطوير متاحفنا كي تواكب التغيرات والتطورات العالمية المتسارعة.

– العمل على إنشاء متاحف متنوعة أخرى بالقاهرة والمحافظات، وخاصة أن هناك محافظات ليس بها متاحف من الأساس رغم ما تحمله من تراث تاريخي وحضاري عريق. وفي الحقيقة نحن نملك تراثا تاريخيا وتراثيا عظيما يمكننا عرضه من خلال مئات المتاحف وليس العشرات، فمن الناحية المادية لدينا عشرات الآلاف – وربما مئات الآلاف – من القطع الأثرية الفريدة غير المعروضة أمام الزائرين سواء في مخازن المتاحف القائمة بالفعل، أو قطع أثرية أخرى موضوعة بالمخازن المتحفية التابعة لوزارة السياحة والآثار. ومن الناحية المعنوية، نملك تراثا أدبيا فريدا يمكننا من خلاله إنشاء العديد من المتاحف التي تحمل تراث رموز مصرية أبدعت في جميع المجالات الوطنية والفنية والأدبية والعلمية، على شاكلة متاحف مصطفى كامل وأم كلثوم ونجيب محفوظ. 

– الاهتمام بالمناطق الأثرية، وجعلها متاحف مفتوحة؛ مثل شارع المعز لدين الله الفاطمي؛ وهو أكبر متحف إسلامي مفتوح في العالم، أو مثل طريق الكباش بالأقصر والذي أعيد افتتاحه مؤخرا، على شاكلة المتحف المفتوح بميت رهينة بالجيزة، والذي لم يأخذه حقه في الدعاية والترويج رغم ما يحويه من آثار فنادرة.

– كما يمكننا التوسع في عمل المتاحف الافتراضية على شبكة الانترنت التي تعرض القطع بأبعادها الثلاثية، وقد كان لوزارة السياحة والآثار تجربة فريدة في هذا المجال عند انتشار وباء كورونا وتوقف الزيارات بسبب الإجراءات الاحترازية، حيث قامت الوزارة بعرض العديد من المتاحف والمواقع الأثرية بشكل افتراضي على شبكة الانترنت، ما كان له أثر كبير على الترويج لتلك المتاحف والمواقع.  

– ويمكننا أيضا العمل على إنشاء متاحف المواقع الأثرية، وهي متاحف مرتبطة بالحفر والتنقيب في مناطق محددة، ولها ميزات عديدة، منها أنها تحفظ المكتشفات والبقايا الأثرية في الموقع نفسه، ومن جهة أخرى تعرض ما تم العثور عليه أثناء التنقيب أمام الزائرين، ما يحفزهم أكثر نحو الزيارة.

– ومع ضرورة القيام بكل تلك الإجراءات السابقة، إلا أنه يجب في البداية العمل على التوعية الدائمة للمواطنين بأهمية المتاحف ودورها، وذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة. كما يجب توعية الشباب والطلاب في المدارس والجامعات، على وجه الخصوص، وعمل برامج دائمة ومستمرة لزيارة المتاحف بأنواعها المختلفة، باعتبارها مكانا تثقيفيا وتعليميا وترفيهيا في آن واحد.


الهامش

[1] – عبد الفتاح مصطفى غنيمة، المتاحف والمعارض والقصور وسائل تعليمية، دار المعارف، الإسكندرية، مصر1990م، ص أ

[2] – رولان بريتون، جغرافيا الحضارات، ترجمة: أحمد خليل خليل، منشورات عويدات، بيروت، لبنان، 1998م.

[3] – رفعت موسى محمد، مدخل إلى فن المتاحف، الطبعة الأولى، الدار المصرية اللبنانية، القاھرة 2002م، ص23

[4] – والميوزات؛ بحسب الميثولوجيا الإغريقية القديمة، هن إلهات أخوات (أو حوريات أو مخلوقات إلوهية)، عرفن كمصادر إلهام أثناء التأليف الموسيقي، وفي أوقات لاحقة، بملهمات جميع أنواع الفنون والشعر والعلوم، حيث اعتبرن في بعض الأحيان تجسيدات لها.

[5] – أمل عبد الخالق محمود عواد، أساسيات التصميم الداخلي لمتاحف الفنون التطبيقية بجمهورية مصر العربية، دراسة ماجستير غیر منشورة، كلیة الفنون التطبیقیة، قسم التصمیم الداخلي، جامعة حلوان، مصر، 1994م.

[6] –  فقد رجعلنا هنا إلى: النشرة السنوية للإحصاءات الثقافية لعام 2020م، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، خلال شهر يناير 2022م. والنشرة السنوية للإحصاءات الثقافية لعام 2019م، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، خلال شهر مارس 2021م

[7] – تطور عدد للمتاحف، نقلا عن: النشرة السنوية للإحصاءات الثقافية لعام 2020، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إصدار يناير 2022، ص 117

[8] – ديلي صباح، “أسبوع المتاحف” في تركيا يتيح الدخول المجاني إلى معظم متاحف البلاد، 20 مايو 2022م.

[9] – الاتحاد، متاحف الإمارات.. ذاكرة الوطن والتاريخ، 28 يوليو 2020م.

[10] – مقال بمدونة دكتور عصام محفوظ، أنواع المتاحف المصرية (متاحف الآثار) (قصور ومنازل تحولت إلى متاحف)، 1 مارس 2022م.

الوسوم

د. حسين دقيل

أكاديمي مصري،باحث ومتخصص في الآثار حاصل على الدكتوراه في الآثار اليونانية والرومانية من جامعة الإسكندرية حاصل على الدراسات العليا في التربية قسم اللغة العربية من جامعة جنوب الوادي

اعمال اخرى للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى