fbpx
عسكري

مصر: ما وراء إقالة رئيس المخابرات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد:

في قرار اعتبره البعض مفاجئاً أطاح السيسي بخالد فوزي، رئيس المخابرات العامة، واستبدل به اللواء عباس كامل مدير مكتبه ( 1) ، كذلك قام السيسي بنقل ابنه محمود الضابط بالمخابرات الحربية أصلا، والذي يعمل منذ عدة سنوات في المخابرات العامة للعمل في مكتب رئيس جهاز المخابرات العامة ضمن الحركة الجديدة .

ويعد هذا التغيير الذي قام به السيسي في رأس جهاز المخابرات العامة هو الثاني من نوعه منذ وصوله لكرسي الحكم في مصر في مايو 2014م، هذا بخلاف القرارات المتكررة الذي اتخذها بإحالة العديد من وكلاء جهاز المخابرات العامة للتقاعد، ولكن نحن هنا بصدد حدث أهم وأكبر خصوصا أن قرار الإقالة جاء قبل فترة وجيزة من اجراء الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في مارس 2018م، لذلك فإننا نحاول أن نقوم بقراءته من عدة جوانب.

أولاً: المخابرات العامة النشأة والمهام:

جهاز المخابرات العامة جهاز أمني ومعلوماتي سيادي مستقل يتبع رئاسة الجمهورية وهو مختلف عن إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع التابعة للجيش المصري، ومختلف كذلك عن قطاع الأمن الوطني (جهاز مباحث أمن الدولة) التابع لوزارة الداخلية. وقد أنشئ الجهاز بعد ثورة يوليو 1952م، حيث أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قراراً رسمياً بإنشاء جهاز استخباري حمل اسم “المخابرات العامة” في عام 1954 وأسند إلى اللواء زكريا محي الدين مهمة إنشائه بحيث يكون جهاز مخابرات لديه القدرة على حماية الأمن القومي المصري.

ورغم جهود كل من زكريا محي الدين وخلفه المباشر علي صبري؛ إلا أن الانطلاقة الحقيقية للجهاز كانت مع تولي صلاح نصر رئاسته عام 1957 حيث قام بتأسيس فعلي لجهاز المخابرات العامة واعتمد على منهجه من جاء بعده، فقد قام بإنشاء مبنى منفصل للجهاز “مقره بمنطقة حدائق القبه بمحافظة القاهرة حالياً” وإنشاء وحدات منفصلة للراديو والإعلام “توجيه الرأي العام” والكمبيوتر والتزوير والخداع “إعطاء العدو معلومات مغلوطة” ( 2) .

ولتغطية نفقات عمل الجهاز الباهظة في ذلك الوقت؛ قام صلاح نصر بإنشاء “شركة النصر للتصدير والاستيراد” لتكون ستاراً لأعمال المخابرات المصرية، بالإضافة إلى الاستفادة منها في تمويل عملياته، وبمرور الوقت تضخمت الشركة واستقلت عن الجهاز وأصبحت ذات إدارة منفصلة، وأصبحت المخابرات العامة المصرية تمتلك شركات أخرى داخل مصر أغلبها للسياحة والطيران والمقاولات مثال شركة “وادي النيل للمقاولات”.

والمخابرات العامة تتبع رئاسة الجمهورية وتدين بالولاء التام والمطلق للرئيس، كما هو قسم رئيس المخابرات العامة، الذي أقره السادات عام 1972، ورغم أن الجهاز له عمل منفصل عن الجيش، إلا أن عناصره أغلبهم من أبناء الجيش وبعض منهم من المدنيين، ودوما كان جهاز المخابرات العامة عونا للرؤساء الذين تناوبوا على حكم مصر ليكون الطرف الثاني لجناح السلطة “المخابرات العامة – الجيش”.

ودون التقيد بالسن المقررة للتقاعد يكون تعيين وإعفاء رئيس المخابرات العامة من منصبه بقرار من رئيس الجمهورية، ويُعين نائب رئيس المخابرات العامة، ووكلاء أول ووكلاء المخابرات العامة من رئيس الجمهورية بناء على عرض رئيس المخابرات العامة، ويحل النائب محل رئيس المخابرات العامة عند غيابه وتكون له جميع اختصاصاته، ويعامل رئيس المخابرات العامة معاملة الوزير ويعامل نائب رئيس المخابرات العامة معاملة نائب الوزير، وذلك فيما يتعلق بالمرتب وبدل التمثيل والمعاش(ملحق ـ قائمة بأسماء من تولوا إدارة الجهاز) . (3 )

كان جهاز المخابرات منذ نشأته يتولى ملفات أمنية داخلية وخارجية، فكان لجهاز المخابرات العامة جزء كبير من متابعة الملفات السياسية في الداخل المصري ذات البعد الاستراتيجي، وبخصوص الملفات الخارجية كان يتولى الجهاز القضايا التي تهدد الأمن القومي المصري، فكان لجهاز المخابرات دوراً في الصراع المصري الإسرائيلي في فترة الحرب التي انتهت في أكتوبر 1973م.

ومنذ تولي عمر سليمان قيادة الجهاز عام 1993 نشط دور المخابرات العامة بشكل واضح خصوصا أن فترة اللواء عمر سليمان كانت أطول فترة يتولى فيها مسئول رئاسة المخابرات العامة والتي وصلت إلي 18 عام، وتولي الجهاز في تلك المرحلة أغلب الملفات الحساسة داخل وخارج الدولة المصرية كملفات الجماعات الإسلامية وإدارة الحياة السياسة داخل الدولة المصرية، وإدارة الملف الفلسطيني والملفات المتعلقة بالقارة الأفريقية، كذلك ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية ، وكان ينسق مع وزارة الخارجية في إدارة الكثير من الملفات الخاصة بالعلاقات المصرية بين عدة دول ، كالولايات المتحدة وروسيا الاتحادية وكوريا الشمالية وغيرهم من الدول.

وتم تجميد دور جهاز المخابرات العامة المصرية في بعض الملفات بعد ثورة يناير 2011، مع إحالة بعض الملفات التي كان يديرها الجهاز إلى جهاز المخابرات الحربية كالملف الفلسطيني التي ظلت المخابرات الحربية تديره منذ يناير 2011م، إلى أوائل عام 2015م، ولكن بعد تولي اللواء خالد فوزي رئاسة جهاز المخابرات العامة قام السيسي بإرجاع بعض الملفات التي كان يديرها الجهاز وكان من ضمن تلك الملفات إدارة الملف الفلسطيني الذي كان يديره الجهاز قبل ثورة 25 يناير2011م.

ثانياً: تفكيك المخابرات العامة:

يدرك السيسي مدي خطورة وتأثير جهاز المخابرات العامة داخل الدولة المصرية، فمنذ انقلاب 03 يوليو 2013، قام السيسي بإعادة هيكلة الجهاز لكي يضمن تبعيته لنظامه بشكل كبير، لأن في الفترة التي تولي السيسي فيها إدارة المخابرات الحربية في 2010، وهو يعلم صلاحيات جهاز المخابرات العامة التي توسعت بشكل كبير في أيام رئاسة اللواء عمر سليمان للجهاز وأن جهاز المخابرات العامة يتمتع بثقة مطلقة وصلاحيات واسعة منحت للجهاز من الرئيس الأسبق حسني مبارك إلى قيادة الجهاز، لذلك قام السيسي بتفكيك الجهاز وتقييد صلاحياته منذ اللحظة الأولي، وكان التفكيك علي النحو التالي:

1ـ قام السيسي منذ اللحظة الأولي للانقلاب باستبعاد اللواء محمد رأفت شحاته من قيادة الجهاز والذي كان تم تعيينه في عام 2012، وقت حكم الدكتور محمد مرسي وتولي اللواء محمد فريد تهامي رئاسة الجهاز، والذي كان يرأس هيئة الرقابة الإدارية قبل توليه المنصب.

2ـ أصدر عدلي منصور قرارًا جمهوريًا حمل رقم  634 لسنة 2013 ونشرته الصحيفة الرسمية في عددها رقم 48 بتاريخ 28 نوفمبر2013م، نصّ على إحالة عشرة من وكلاء المخابرات العامة للمعاش ، وكان من المعروف أن القرار صادر شكليا من الرئيس المؤقت عدلي منصور، كما كان مفهوما أن النشر في الجريدة الرسمية إجراء اضطراري بحكم قانون جهاز المخابرات العامة الذي يضعه تحت رئاسة الجمهورية مباشرة، فلا مجال لصدور قرارات سرية بخصوصه،  والشاهد أنَّ هذه الإجراءات الاستباقية التي بدأت قبل بدء إجراءات وضع عبد الفتاح السيسي على طريق الترشح للرئاسة وانتقاله من مرحلة الوعد بعدم الترشح للرئاسة إلى مرحلة خوض الانتخابات الرئاسية.

3ـ في 2 يوليو 2014، صدق “السيسي” على إحالة 14 وكيلا من “المخابرات العامة” للمعاش، مع تعينهم في بعض الوظائف المدنية.

4ـ في 5 فبراير 2015م، أصدر “السيسي” عدة قرارات، تم نشرها بالجريدة الرسمية، بنقل ثلاثة من موظفي “المخابرات العامة”، للعمل ببعض الوزرات المدنية، بناء على مواد (47 لسنة 1978)، وقانون (100 لسنة 1971) بشأن العاملين بالدولة.

5ـ استكمل السيسي إجراءات تفريغ الجهاز من بعض وكلائه فأصدر في 18 يونيو 2015، قرارًا نشرته الجريدة الرسمية بإحالة تسعة من وكلاء المخابرات العامة إلى المعاش واثنين آخرين بسبب “عدم لياقتهما الصحية”.

6ـ في أواخر يوليو 2015 أصدر السيسي قرار بنقل بعض العاملين بالمخابرات العامة إلى عدد من الوزارات العامة في الدولة؛ حيث نص القرار على نقل تسعة من موظفي الدرجة الثانية والثالثة والرابعة وتوزيعهم على وزارات «الكهرباء والطاقة» و«الاستثمار» و«القوى العاملة» و«المالية» و«الزراعة واستصلاح الزراعي»، إضافة إلى ستة من العاملين بالوظائف المهنية وأربعة من عمال معاوني الخدمة إلى عدة وزارات، على أن يعمل بالقرار الأخير اعتبارا من 1 أغسطس 2015.

7ـ في شهر ديسمبر أحال السيسي 11 من قيادات المخابرات العامة إلى المعاش.

8ـ في 3 يوليو 2016م، أصدر “السيسي” قرارا رئاسيا حمل رقم 281 لسنة 2016، بإحالة 17 وكيلا بالمخابرات العامة للمعاش بدعوى أن هذا الأمر جاء “بناء على طلبهم”، كما أصدر “السيسي”، قرارا جمهوريا، في ذات اليوم (3 يوليو 2016)، حمل رقم 282 لسنة 2016، نشرته الجريدة الرسمية، بنقل 7 من العاملين بالمخابرات العامة إلى جهات أخرى (وزارات مدينة)، ليصل عدد من تمت الإطاحة بهم بشكل معلن حينها 24 شخصا في ذلك الوقت.

9ـ في 26 يناير 2017م، أصدر السيسي قراراً رئاسياً بإحالة ١٩ من وكلاء جهاز المخابرات العامة إلى المعاش، القرار حمل رقم 29 لسنة 2017، وكان على رأس هؤلاء الضباط، مسؤول ملف فلسطين بالجهاز وائل محمد عبد الغني الصفتي، والذي بثت قناة مكملين الفضائية، خلال شهر سبتمبر 2016، تسريبا صوتيا بينه وبين القيادي السابق في حركة فتح والسلطة الفلسطينية محمد دحلان. وأظهر الموقف المصري الحقيقي من السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، وكيف يتعامل جهاز المخابرات المصرية مع السلطة. ( 4) وكان البارز في ذلك القرار أن المستبعدون لم يحالوا، مثلا، إلى أعمال إدارية أو كتابية، كشأن معظم الاستبعادات التي تمت من قبل، لكنهم أحيلوا إلى المعاش المبكر، وبدا أن السيسي يريد إخراجهم من المخابرات العامة.

ثالثاً: ما قبل إقالة اللواء خالد فوزي:

قبل إقالة اللواء خالد فوزي من رئاسة جهاز المخابرات العامة شهدت الدولة المصرية العديد من التطورات في العديد من الملفات وكانت أبرزها:

1- موجة التسريبات التي تخرج للعلن من داخل أجهزة الدولة المصرية، حيث بدأت بتسريبات مكتب السيسي التي أذاعتها بعض قنوات المعارضة المصرية، ثم تسريبات سيطرة جهاز المخابرات الحربية على الإعلام المصري، وكيف يصيغ المضامين التي يتناولها الإعلاميين في برامجهم التلفزيونية، وتسريبات حول ملف ترشح الفريق أحمد شفيق وكيفية تناوله الإعلامي وأيضا كيفية تناول موضوع قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس.

2- محاولة اغتيال وزير الدفاع صدقي صبحي ووزير الداخلية مجدي عبد الغفار أثناء زيارتهم إلي مدينة العريش، وزيارات المسئولين العسكريين إلى محافظة شمال سيناء تكون غير معلن عنها، وتتم في سرية تامة، ويعلن عنها بعد الانتهاء منها، ومن هنا رأي البعض إن هذا الاستهداف كان ناتجاً عن تسريب موعد الزيارة من جهات أمنية عليا داخل الدولة.

3- إعلان الفريق سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، نيته الترشح لانتخابات الرئاسية 2018، وما أثير من جدل حول علاقته بعدد من الأجهزة الأمنية، ومنها جهاز المخابرات العامة.

رابعاً: الأسباب والتفسيرات:

مع إقالة رئيس جهاز المخابرات العامة، في هذا التوقيت، برزت عدة تفسيرات من أهمها:

التفسير الأول: التواصل مع مرشحين محتملين:

يقوم على أن ترشح الفريق سامي عنان في المرحلة الحالية، جاء بعد تنسيق مع بعض أجهزة الدولة السيادية، وبناء على ما نقلته مصادر ووصفته بأنه معلومات، قام الفريق سامي عنان بالتواصل بشكل مباشر مع المخابرات العامة لدعمة في الانتخابات القادمة، وذكرت المصادر أن موالاة جهاز المخابرات العامة للفريق سامي عنان هو أحد أسباب إقالة اللواء خالد فوزي في ذلك التوقيت، حتى يأمن السيسي دور المخابرات العامة في مرحلة الانتخابات المزمع عقدها في شهر مارس 2018م ( 5) ، وتحدثت مصادر أخري أن هناك قناعة كبيرة لدى السيسي، بأن فوزي يقف وراء الدفع بسامي عنان في اللحظات الأخيرة لخوض الانتخابات الرئاسية التي ستجرى مارس المقبل، وأن الخطوة التي أقدم عليها «عنان»، جاءت بضوء أخضر من جهاز المخابرات العامة، بعد انسحاب رئيس وزراء مصر الأسبق، الفريق «أحمد شفيق» من المعركة الانتخابية قبل أيام، بسبب التهديد الذي تلقاه من النظام الحالي.

ووفق المصادر، فإن خالد فوزي كان يدفع في اتجاه التغيير من داخل المؤسسة العسكرية، وإحلال «شفيق» أو «عنان» بدلا من «السيسي»، في محاولة للخروج بالبلاد من النفق المظلم الذي عانته خلال حكم السيسي. ( 6)

وقالت مصادر أخرى إن جهاز المخابرات العامة كان يقف وراء حملة جمع التوكيلات للفريق سامي عنان في بعض المحافظات حتى يكون هناك مرشح منافس للسيسي في انتخابات 2018، وهذا بسبب أن جهاز المخابرات العامة يرى أن السيسي أخذ العديد من القرارات الخاطئة التي أوصلت البلاد لتلك المرحلة، هذا بخلاف محاولات سيطرة السيسي علي الجهاز.

ويري البعض أن السبب الأساسي في استياء جهاز المخابرات العامة من السيسي، سياساته تجاه الجهاز للسيطرة عليه بشكل تام والذي أقال بسببها خلال 3 سنوات 119 مسؤولا من الجهاز، بينهم قيادات رفيعة، ووكلاء لرئيس الجهاز، بالإضافة إلى سحب الكثير من اختصاصاته، وتقزيم دوره لصالح المخابرات الحربية.

التفسير الثاني: التسريبات:

منذ عام 2014م، لم تتوقف التسريبات التي تخرج للعلن من داخل أماكن حساسة للنظام المصري، وكانت آخر تلك التسريبات، في الأسبوع الأول من يناير 2018، وكشفت كيف يُسيطر جهاز المخابرات الحربية على الإعلام المصري، وكيف يصيغ المضامين التي يتناولها الإعلاميون في برامجهم التلفزيونية، ورأي بعض المحللين أن جهاز المخابرات العامة هو من يقف وراء تلك التسريبات، وأن قرار إقالة اللواء خالد فوزي في ذلك التوقيت جاء بسبب وقوفه واتهامه بأنه هو من يقف خلف تلك التسريبات التي تحرج النظام المصري ( 7) ،  وبناء على ما تناوله وني بن مناحيم الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية وهو ضابط سابق في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أن التسريبات الإعلامية لصحيفة نيويورك تايمز الخاصة بأحد ضباط المخابرات الحربية، الذي طالب عددا من الإعلاميين المصريين بعدم معارضة إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بأن القدس عاصمة إسرائيل، ورغم النفي المصري لهذه التسريبات، لكن الصحيفة الأمريكية أصرت على صحتها، ورأى “وني بن مناحيم” ان هذه التسريبات تقف وراء استبعاد اللواء خالد فوزي من جهاز المخابرات العامة، كون جهاز المخابرات هو من يقف وراء تلك التسريبات.

التفسير الثالث: السيطرة على جهاز المخابرات العامة:

ويقوم على أن السيسي يعمل الآن في مرحلة ما قبل الانتخابات للسيطرة علي جهاز المخابرات العامة بشكل مباشر قبيل توليه الفترة الثانية من الحكم، وأن تعيين اللواء عباس كامل الذراع الأيمن للسيسي من خارج الجهاز لكي يصبح الرجل الأول داخل جهاز المخابرات العامة، وأن تكون إداراته المباشرة من خلال الدوائر القريبة منه، وأنه لم يثق في أي قيادة كبري داخل الجهاز تكن له كل الولاء، وان خطوة نقل محمود السيسي إلى مكتب رئيس الجهاز الجديد هي خطوة مبدئية لكي يكون محمود السيسي علي رأس الجهاز في حال فوز السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقد كشفت مصادر مطلعه بأن محمود السيسي كان يحضر جميع الاجتماعات الهامه التي كان يحضرها خالد فوزي وقت رئاسته لجهاز المخابرات العامة منذ أوائل عام 2014م.

ومن هنا رأي البعض أن السيسي لا يفهم معني التوازن في القوي بين الأجهزة، فهو طبقا لقناعاته يريد أن تكون جميع الأجهزة تحته قيادته وسيطرته، وربما ستكون خطوته الأولى عقب الانتخابات هي تصفية جميع الجيوب المعارضة لفكرة استحواذ السيسـي على كل شيء وقيادته لكل شيء، وسيصنع قيادة بديلة مثل نجليه ضابطي المخابرات، وغيرهما.

التفسير الرابع: الخلافات بين المخابرات العامة والحربية:

يري البعض أن الإطاحة بخالد فوزي مؤشر على تفاقم صراعات مع بين الأجهزة الأمنية بدرجة لا تسمح بتأجيلها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، أو ربما لتجنب تأثيراتها المُحتملة على فرص نجاح السيسي في الانتخابات القادمة، ويشير الذي يذهب لهذا التفسير بان ذلك الصراع بين جهاز المخابرات العامة وجهاز المخابرات الحربية، هو وراء إقالة اللواء خالد فوزي من منصبه، إلى ما ذكرته مجلة “ميدل أيست مونيتور” ( 8) نقلاً عن وكالة الأنباء الفرنسية بعد حادثة مسجد الروضة في سيناء حيث قالت بأن الحادثة كشفت فشل ضباط المخابرات الحربية والعامة في العمل معا. وذكرت تقارير أخري أن هناك خلافات بين اللواء خالد فوزي مدير مديرية المخابرات العامة المصرية المسؤولة عن المخابرات العامة ورئيس المخابرات العسكرية اللواء محمد فرج الشحات وأدى ذلك، إلى عدم تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الوكالتين اللتين من المفترض أن يقودا عمل مصر في مكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء .

وكشفت المجلة عن أن المخابرات العامة اتهمت وكالة المخابرات العسكرية، التي تقدم تقارير مباشرة إلى وزارة الدفاع، بتجاوز جهاز المخابرات العامة في اختصاصاته، وأضافت بأنه على الرغم من ذلك، لا تزال وكالة الاستخبارات العسكرية تتلقى الدعم من السيسي، وكشفت المجلة أنه في ديسمبر 2016، وسع السيسي سلطة الشحات وامتيازاته، مما منحه مسؤولية مكافحة الإرهاب في المدن المصرية، وهذه كانت مهمة خالد فوزي ومديرته، وأضافت الصحيفة أن هناك توترات خطيرة بين فوزي ووزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار المسؤول عن مكافحة الجماعات الجهادية.

وبحسب تقارير صحفية إقليمية نشرتها مجلة «إنتليجنس أون لاين» الفرنسية في عام 2015م، عن وجود خلافات بين جهازي المخابرات العامة والحربية، وهما الذراعان الأهم للأمن القومي المصري، بسبب تداخل الاختصاصات وخاصة في محاربة الإرهاب في شمال سيناء.

التفسير الخامس: الإخفاق في الملفات الخارجية:

رأي البعض إن رفض رئيس المخابرات المقال لصفقة القرن التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وتقضي بإقامة وطن بديل للفلسطينيين في جزء من سيناء المصرية ليتم توطينهم فيه بدلا من أرض فلسطين التاريخية، هي السبب الأساسي لإقالته. ورأي متابعون إن هذه الرواية تؤيدها التسريبات الأخيرة وكشفت عنها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، والتي أظهرت ضابطا من المخابرات الحربية يدعى النقيب أشرف الخولي وهو يعطي أوامر للعدد من الإعلاميين والفنانين، ويوجههم إلى تهيئة الرأي العام المصري بتقبل فكرة الاستغناء عن مدينة “القدس” واستبدال “رام الله” بها كعاصمة للدولة الفلسطينية.

وقال أندرو ميلر من الذي عين مؤخرا نائب مدير مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (بوميد)، والذي كان مسئولا عن الملف المصري في مجلس الأمن القومي الأمريكي بالبيت الأبيض وقت إدارة الرئيس أوباما، انه بفضل جهود خالد فوزي لاستعادة النفوذ، أصبحت جهاز المخابرات العامة قناة هامة في العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر في السنوات الأخيرة. واستأجرت وكالة التجسس ويبر شاندويك، وهي وكالة علاقات عامة مقرها في نيويورك، لتمثيل مصالحها، ولكن أضاف “ميلر” إن بعض المسؤولين الأمريكيين وجدوا صعوبة في العمل مع السيد فوزي الذي كان يري أن مشاكل مصر نتاج تدخل أجنبي، واعتبر “ميلر” أن عباس كامل، شخصية أكثر اعتدالا. ( 9)

وأيضاُ من ضمن الملفات التي رأي البعض أن السيسي قام بإخراج اللواء خالد فوزي من جهاز المخابرات العامة بعد إخفاق الجهاز في إداراتها، ملف سد النهضة، وملف العلاقات المصرية السودانية، حيث قالت مصادر إن إقالة رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء خالد فوزي ربما تكون مرتبطة “بخطأ استراتيجي” في ملف إدارة علاقة مصر بالسودان وإثيوبيا، حيث أن المخابرات العامة تلعب دورا محوريا في إدارة ملفات حساسة في سياسة مصر الخارجية، وتتولى مهام رئيسية في ملف الخلاف مع السودان وإثيوبيا حول مثلث حلايب وسد النهضة، وقال مصدر آخر إن إقالة “فوزي” قبل زيارة ديسيلين بساعات، تشير إلى عمق الدور الذي يلعبه الجهاز في ملف سد النهضة خصوصا وإلى حجم الخطأ الذي ارتُكب، وقال اللواء طلعت موسى، أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية، إن “تغيير رئيس المخابرات المصرية يأتي في توقيت بالغ الحساسية نتيجة التغيرات الإقليمية والظروف السياسية والتحديات الكثيرة التي تواجهها الدولة المصرية، ولا مانع من وجود شخصيات تدرك طبيعة التعامل مع كل هذه الأجواء والتحديات غير المسبوقة”.

خاتمة:

أيا كان التفسير فالمحصلة النهائية هي قيام السيسي بالعمل على إعادة بناء الاتفاق الضمني بينه وبين المؤسسة العسكرية والأمنية بقواعد جديدة وربما نتيجة ذلك الاتفاق قام المجلس العسكري بالتنكيل بالفريق سامي عنان بعد ترشحه للرئاسة، فالسيسي يسعى لفرض المزيد من الهيمنة عل كل مفاصل الدولة، وهذا لن يتحقق دون السيطرة على كل الأجهزة الأمنية والمعلوماتية والعسكرية (10 ) .

ملحق ـ قائمة بأسماء من تولوا إدارة الجهاز

تولي رئاسة جهاز المخابرات العامة من 1954 وحتى يناير 2018، 20 شخصية عسكرية، على النحو التالي:

—————-

الهامش

( 1) السيسي يطيح برئيس المخابرات ويستبدل به ذراعه الأيمن عباس كامل، مصر العربية، تاريخ النشر 18 ينتير 2018، تاريخ الدخول 21 يناير 2018، الرابط

(2 ) اللواء محسن نعمان يكشف عن دور المخابرات العامة المصرية في حرب أكتوبر، لقاء علي قناة سي بي سي ، تاريخ النشر 06 أكتوبر 2015، تاريخ الدخول 22 يناير 2018، الرابط

( 3) جمهورية مصر العميقة .. لماذا يقلق السيسي من المخابرات العامة؟، مصر العربية، تاريخ النشر 26 أغسطس 2015، تاريخ الدخول 22 يناير 2018، الرابط

(4 ) للمرة الثامنة.. السيسي يطيح بـ 19 مسؤولا من المخابرات العامة، عربي 21، تاريخ النشر 26 يناير 2017، تاريخ الدخول 21 يناير 2018، الرابط

(5 ) قنديل: لدينا مصادر خاصة للعربي الجديد بأن الإطاحة برئيس جهاز المخابرات العامة كان بذريعة تواصل عنان، تاريخ النشر، 18 يناير 2018م، تاريخ الدخول 22 يناير 2018م، الرابط

(6 ) حصري.. «عنان» كلمة السر وراء إقالة رئيس المخابرات المصرية، الخليج الجديد، تاريخ النشر 18 يناير 2018م، تاريخ الدخول 22 يناير 2018م، الرابط

(7 ) جهاز المخابرات في مصر.. ما وراء إقالة اللواء خالد فوزي؟، فرانس 24، تاريخ النشر 19 يناير 2018، تاريخ الدخول 22 يناير 2018، الرابط

(8 ) Conflict within Egyptian intelligence hinders counterterrorism in Sinai ، middleeastmonitor ، تاريخ النشر 01 ديسمبر 2017، تاريخ الدخول 22 يناير 2018، الرابط

( 9) Egypt’s Sisi Fires Spy Chief as Shuffle of Top Aides Continues ، نيويورك تايمز، تاريخ النشر 18 يناير 2018م، تاريخ الدخول 22 يناير 2018م، الرابط

(10 ) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close