قلم وميدان

دمج وزارتي الآثار والسياحة..الآمال والتخوفات

شمل التعديل الوزاري الذي شهدته مصر الأحد 22 ديسمبر 2019؛ دمج وزارتي الآثار والسياحة في وزارة واحدة؛ وتم تكليف الدكتور خالد العناني وزيرا لها، وقد أثار هذا الدمج ردود فعل لدى المختصين بشؤون الآثار والسياحة، وكذا العاملين بالوزارتين، فضلا عن ردود فعل المواطنين بشكل عام. وقد جاءت آراؤهم متباينة ما بين رافض ومؤيد، فمنهم الآمل خيرا؛ ومنهم المتخوف من القادم.

وبداية نريد أن نؤكد أن هذا الدمج قد لا يكون الشكل الأخير الذي تثبت عليه الوزارة؛ فلربما يتم الفصل مرة أخرى أو الإلغاء مستقبلا؛ فتاريخ هيئة الآثار يشير إلى تلك التقلبات؛ فالوزارة التي أنشئت بعد ثورة يناير عام 2011 تحت مسمى وزارة الدولة لشؤون الآثار؛ سرعان ما عادت إلى مجلس أعلى للآثار؛ قبل أن تتحول لاحقا في 2015 إلى وزارة الآثار.

بل إنها قد مرت بمراحل عديدة إلى أن وصلت لمسمى الوزارة؛ فبدأت في عهد محمد علي بمبنى لحفظ الآثار بحديقة الأزبكية بالقاهرة عام 1835؛ ثم تحولت إلى مصلحة للآثار في عهد سعيد باشا عام 1858، وتولى إدارتها العالم الفرنسي أوجست مارييت، وظلت لما يقرب من مائة عام تحت رئاسة علماء فرنسيين؛ إلى أن تم إجلاء الإنجليز عن مصر عام 1956 فأصبحت مصلحة الآثار هيئة حكومية مصرية خالصة؛ وكان أول مدير مصري لها هو السيد مصطفى عامر، وظلت المصلحة خلال تلك الفترة تابعة لعدد من الوزارات كالأشغال العامة، والتعليم، والإرشاد القومي، أما في عام 1960 فتم نقل تبعيتها إلى وزارة الثقافة، ثم تحولت إلى هيئة عام 1971، ثم إلى مجلس أعلى للآثار عام 1994، إلى أن جاءت ثورة يناير وحدثت التغييرات الكبرى.

ومع هذا فإن المتفائلين بهذا الدمج كُثر؛ ويرون أنه سيأتي بالخير على الوزارتين وعلى الأخص وزارة الآثار التي تتعرض لنقص الموارد المالية منذ سنوات؛ فديونها لصالح وزارة المالية والمُنفقة على مرتبات الموظفين تعدت الخمسة مليارات جنيه؛ وهذا الدمج مطلب قديم، سبق وأن نادى به العاملون بالآثار.  

كما يرى مؤيدو الدمج أن هناك علاقة وطيدة بين الآثار والسياحة، وكان يجب أن يتم ضمهما من قبل، بل وطالب بعض المتفائلين بدمج كل الوزارات المرتبطة بالسياحة في وزارة واحدة؛ لدرجة أنهم طالبوا بضم وزارة الطيران لوزارة الآثار والسياحة.

واعتبر المؤيدون أن المشروعات الكبرى الخاصة بالآثار كالمتحف الكبير، والاكتشافات الأثرية المتتالية، والمعارض الخارجية التي تتم في السنوات الأخيرة؛ تتطلب هذا الدمج من أجل العمل على حسن الترويج لها. ومن ميزات هذا الدمج كما يراه البعض؛ أنه بالإمكان الاستفادة من الأثريين المتخصصين والمهرة في اللغات بالقيام بالعمل السياحي والترويج للمواقع الأثرية بشكل أفضل لأنهم مرتبطون بتلك المواقع وعلى دراية تامة بها.

أما الرافضون لقرار الدمج والمتخوفون من تأثيره السلبي؛ فيعتبرون أن ضمهما لوزارة واحدة سيؤثر سلبا على وزارة الآثار؛ وخاصة أن السياحة في مصر ترفيهية مرتبطة بالشواطئ والمنتجعات؛ وهي تمثل أكثر من 76% من نسبة السياحة القادمة إلى مصر، في حين أن السياحة المرتبطة بزيارة المواقع الأثرية لا تتعدى 15% من نسبة السياحة، وقد يكونوا محقين في هذا التخوف، وإن كان بالإمكان أن يُزال عنهم؛ لو قامت وزارة الآثار بدورها في الترويج السياحي للمناطق الأثرية بشكل علمي وجذاب كما يتم الترويج للشواطئ والمنتجعات.

كما يرى بعض الرافضين لعملية الدمج؛ أنه كان بالإمكان أن تُعطى وزارة الآثار صلاحيات وإمكانات أكبر تعينها على حسن الترويج السياحي للآثار، لكن هذا الدمج قد يؤثر على الترويج السياحي الأثري بشكل سلبي.

وأنا هنا أشارك المتفائلين تفاؤلهم كما أشارك المتخوفين تخوفهم؛ غير أنّي أرى أن المشكلة ليست في الدمج من عدمه، ولكن المشكلة تكمن في اختيار الوزير المسؤول، فالوزير يجب أن تكون لديه رؤية واضحة للتطوير، وألا يكون تابعا للقيادة السياسية في كل تصرفاتها، بل عليه أن يتجنب السير على النهج السياسي فهو ليس رجل سياسة بل رجل متخصص. ولذا فلو قام الوزير المختص بدوره المنوط به في حال الدمج؛ فسيكون الترويج للسياحة قائما في الأساس على المناطق الأثرية؛ فالسياحة الحقيقية في مصر يجب أن تقوم على ما ميزنا الله به عن غيرنا من آثارنا الفريدة المطلة على النيل والمتناثرة بصحرائنا الشاسعة، وهذا لن يقلل من السعي نحو المزيد في الترويج للسياحة الترفيهية، كما يجب على الوزير المختص تكليف الأكفاء بكل من الآثار والسياحة كي تُؤدي الأعمال بشكل أفضل، وعليه أيضا القيام بالعمل السريع نحو تجهيز المواقع الأثرية لاستقبال السياحة بشكل أفضل وذلك من خلال توفير البنية السياحية لكل موقع. وإن تم ذلك فستتحقق الآمال وتُزال التخوفات!

لقراءة ملف الPDF إضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى