تقديرات

صفقة الميسترال تكلفة باهظة وأهداف غامضة

مقدمة

عقدت السلطة العسكرية الحاكمة في مصر في سبتمبر 2015 اتفاقاً مع فرنسا لشراء حاملتي المروحيات “ميسترال” والتي كان من المفترض بيعهما إلى روسيا إلا أن التدخل الروسي في أوكرانيا واستيلائها على شبه جزيرة القرم في مارس 2014، كان السبب الرئيسي وراء إيقاف فرنسا للصفقة والامتناع عن تسليم السفينتين إلى روسيا، واتجاه الصفقة إلى مصر، ما يدفعنا للبحث عن مكاسب وخسائر كل طرف من الأطراف الثلاثة، فرنسا وروسيا ومصر، وتحديد الأهداف التي تبدو غامضة من حصول مصر على حاملتي المروحيات “ميسترال”.

أولاً: حاملة المروحيات “ميسترال”:

السفينة الحربية الفرنسية ميسترال (L9013)أو “السكين السويسري” كما يطلق عليها في البحرية الفرنسية، نظرا لتعدد استخداماتها، هي سفينة هجومية برمائية وحاملة مروحيات، مصممة لتنفيذ عمليات برمائية كبيرة وإبرار بحري وجوي، تستطيع الميسترال حمل 16 طائرة مروحية و700 جندي و50 عربة مدرعة و أربع سفن إنزال، ويعد من أبرز العمليات التي قامت بها حاملة المروحيات من طراز ميسترال في السنوات الأخيرة: المشاركة في حماية المواطنين الفرنسيين أثناء الإجلاء من قبل السواحل اللبنانية في سياق الحرب بين إسرائيل ولبنان عام 2006، والتواجد في المياه الليبية للمساعدة في دعم جهود الناتو لإعادة عشرات الآلاف من اللاجئين المصريين الفارين من أحداث العنف في ليبيا عام 2011.

ثانياً: الصفقة الروسية ـ الفرنسية:

في عام 2011 وقعت كلا من روسيا وفرنسا عقدا تقوم روسيا بموجبه بشراء حاملتي المروحيات “ميسترال” بتكلفة تصل إلى 1.2 مليار يورو، على أن يتم تسليم الحاملة الأولى، والتى أطلقت عليها روسيا اسم “فلاديفوستوك” في عام 2014، ويتم تسليم الثانية والتي أطلقت عليها روسيا اسم “سيفاستوبول” في عام 2015، إلا أن استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم في مارس 2014 ومن قبلها التدخل الروسي في أوكرانيا، كان إيذانا ببدء توتر في العلاقات بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي، وامتد هذا التوتر إلى العلاقات بين الجانبين الروسي والفرنسي، ودخلت صفقة “الميسترال” في حيز الخلاف بين البلدين، حيث شهدت الصفقة حالة من الشد والجذب بين الجانبين انتهت بإلغاء الصفقة.

وتعددت محطات الخلاف حول الصفقة بين الجانبين الروسي والفرنسي، فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي “لوران فابيوس”، في 17 مارس 2014، أن فرنسا قد تلغي صفقة بيع حاملتي المروحيات من طراز “ميسترال”، اذا ما استمرت روسيا بتدخلها في أوكرانيا (روسيا اليوم)، ورد عليه نائب وزير الدفاع الروسي “يوري بوريسوف”، في 20 مارس 2014، أنه في حال إلغاء فرنسا عقد حاملتي المروحيات ميسترال، فإن الطرف الروسي سيحرص على الحصول على جميع حقوقه بموجب الاتفاقات السابقة، وسيطالب بتعويضات عن الخسائر التي من الممكن أن يتكبدها (روسيا اليوم).

وفي 3 سبتمبر 2014، أعلن الرئيس الفرنسي “فرانسوا أولاند” تعليق توريد السفينة الحربية الأولى من نوع “ميسترال” إلى روسيا، والتي كان من المفترض تسليمها نهاية عام 2014، وذلك خلال لقاء مع أعضاء لجنة الدفاع الفرنسية (النهار)، وفي المقابل هدد رئيس الديوان الرئاسي الروسي “سيرجي إيفانوف”، في 23 أكتوبر 2014، بأن بلاده ستقاضي فرنسا في حال عدم توريد “ميسترال” وستطالب بالتعويض (سبوتنيك).

وفي 6 نوفمبر 2014، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي “مانويل فالس”، خلال زيارته إلى العاصمة الصربية بلجراد أن بلاده لا تزال تعتبر تسليم حاملتي المروحيات “ميسترال” إلى روسيا أمرا غير ممكن (روسيا اليوم). وفي نفس الشهر (12 نوفمبر 2014) صرح وزير الدفاع الفرنسي “جان إيف لودريان”، أن فرنسا لم تحدد بعد تاريخ تسليم أول حاملة مروحيات “ميسترال” إلى روسيا، وأنه حتى الآن لا يمكن تسمية أي تاريخ (سبوتنيك).

وفي 30 يوليو 2015، أعلن مساعد الرئيس الروسي للتعاون العسكري والتقني “فلاديمير كوجين”، أن المحادثات بين روسيا وفرنسا بشأن حاملات المروحيات “ميسترال” انتهت بالاتفاق على فسخ العقد بين الجانبين والاتفاق على المواعيد والمبلغ الذي ستدفعه باريس لموسكو (روسيا اليوم)، وفي 5 أغسطس 2015، أعلن الإليزيه والكرملين الإتفاق على إلغاء صفقة حاملتي المروحيات “ميسترال”، وروسيا تعلن أن فرنسا سددت المبالغ التي تم دفعها سابقا (فرانس 24).

ثالثاً: تغيير المسار: مصر ودخول مفاجئ في صفقة “ميسترال”

لم تكد روسيا وفرنسا تنتهيان من إلغاء صفقة حاملتي المروحيات ميسترال والاتفاق على شروط فسخ العقد بينهما، حتى ظهرت مصر في المشهد مبدية رغبتها في شراء حاملتي المروحيات من طراز “ميسترال”، بعد فاصل زمني يتخطى الشهر بأيام قليلة بين إلغاء صفقة الميسترال بين روسيا وفرنسا وبين الإعلان على اتفاق بين فرنسا ومصر تشتري فيه الأخيرة حاملتا المروحيات ميسترال، ليبدو المشهد وكأن هناك اتفاق مسبق على أن تسير الأمور على هذا النحو الذي جعل الاتفاق بين الجانبين المصري والفرنسي وصولا إلى التعاقد قد انجز في وقت قصير قياسا إلى الصفقات العسكرية التي عادة ما تتجاوز عدة سنوات للوصول إلى مرحلة التعاقد، ونشير هنا إلى محطات قد تبدو مهمة في الربط بين إتمام صفقة الميسترال وبين الأطراف الثلاثة، مصر وفرنسا وروسيا:

1ـ في 23 سبتمبر 2015، أعلنت فرنسا عن اتفاقها مع القاهرة على الشروط الخاصة لشراء حاملتي المروحيات ميسترال (سكاي نيوز).

2ـ في 24 سبتمبر 2015، كشفت مصادر دبلوماسية وعسكرية روسية عن توقيع اتفاق مع القاهرة لتزويد مصر بـ 50 مروحية هجومية، من طراز “كا -52 تمساح” من “النسخة البحرية”، ذات قدرة على الإقلاع والهبوط على سطح السفن (سي إن إن).

3ـ في 10 أكتوبر 2015، شهد السيسي ورئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، مراسم التوقيع على صفقة حاملتي المروحيات ميسترال، بتكلفة معلنة 950 مليون يورو، متضمنة تكاليف تدريب 400 بحار مصري في فرنسا (الوطن المصرية).

4ـ في 19 أكتوبر 2015، أعلن رئيس ديوان الرئاسة الروسية “سيرجي إيفانوف”، أن روسيا ستزود مصر بمعدات ومروحيات مخصصة لحاملتي المروحيات من طراز ميسترال، وأن القيمة المحتملة لهذه الصفقة قد تبلغ أكثر من مليار دولار وأن هذه التقنيات العسكرية ستجعل من هاتين الحاملتين سفينتين حربيتين بكل معنى الكلمة (سبوتنيك).

رابعاً: خسائر تتحول إلى مكاسب

صفقة حاملتي المروحيات ميسترال ومن بعدها صفقة المروحيات من طراز “كا -52 تمساح”، ربما تمثل الحل الأمثل لتجنب فرنسا وروسيا خسائر كبيرة كانت محتملة نتيجة فسخ عقدهما بخصوص الميسترال، حيث استفاد كل جانب على النحو الاتي:

1ـ الجانب الفرنسي:

كان سيتحمل خسائر تصل إلى 1.1 مليار يورو، هي قيمة المبلغ المستحق دفعه إلى روسيا، كان يمكن أن يتكبدها الجانب الفرنسي، إلا أن إتمام الصفقة مع الجانب المصري، قد ساهم بشكل كبير في تخفيض الخسائر لتصل من 1.1 مليار يورو إلى ما بين 200 و250 مليون يورو، إضافة إلى شراء مصر للمعدات التقنية التي تم تركيبها على حاملتي المروحيات ميسترال، مما يعني عدم تكبد فرنسا مصاريف تفكيك المعدات والأجهزة التقنية من على سفينتي ميسترال، حيث ان فسخ العقد بين روسيا وفرنسا كان يلزم الأخيرة بتحمل تكاليف التفكيك (1).

2ـ الجانب الروسي:

استردت روسيا المبلغ المدفوع في صفقة حاملتي المروحيات ميسترال من فرنسا، كما أنها لن تخسر تكلفة المعدات التقنية والمروحيات المعدلة التي صُنعت خصيصا لتلائم حاملتي المروحيات ميسترال، وذلك بعد توقيع مصر اتفاقية مع روسيا لشراء 50 مروحية من طراز “كا -52 تمساح” بالإضافة إلى المعدات التقنية الخاصة بالميسترال.

خامساً: مصر وأهداف صفقة “ميسترال”:

المبالغ الضخمة تكلفة حاملتي المروحيات “ميسترال” والمروحيات طراز “كا -52 تمساح”، والتي تصل إلى أكثر من مليار دولار لكل صفقة على حده، ربما تثير الريبة والشكوك حول الأهداف الحقيقية من وراء هذه الصفقات، في ظل تلك الأوضاع الاقتصادية المتأزمة التي تشهدها مصر، هنا تتعدد الاحتمالات التي يمكن أن تفسر الأهداف من وراء صفقة ميسترال، من وجهة نظر المحللين:

التفسير الأول: حماية السواحل الشمالية والشرقية لمصر، من أي تهديد خاصة وأن الوضع الإقليمي يشهد توترات تمتد من ليبيا إلى سوريا مرورا بسيناء.

لكن العمليات العسكرية التي قد تحتاجها مصر سواء في سيناء أو على الحدود الغربية مع ليبيا أغلبها بري ولا تحتاج إلى عمليات بحرية ومن ثم حاملتي مروحيات بتلك التكلفة الباهظة، وهو ما ينال من حجية هذا التفسير في هذا التوقيت.

التفسير الثاني: استخدام حاملتي المروحيات ميسترال في عمليات عسكرية هجومية محتملة في شرق ليبيا في إطار الدعم الذي يقدمه النظام المصري لقوات اللواء المتقاعد “حفتر” في ليبيا أو في قطاع غزة في ظل الوضع المتأزم بين النظام المصري وحماس من ناحية ومن ناحية أخرى التنسيق الأمني غير المسبوق بين النظام المصري والجانب الإسرائيلي.

وهذا التفسير يجد سنده الرئيس في صعوبة تحقيق اختراق بري في المشهد الليبي، وتعدد التحديات التي تواجه العمليات التي يقوم بها حفتر، مدعوماً من نظام السيسي، في الداخل الليبي.

التفسير الثالث: استخدام حاملتي المروحيات ميسترال في العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن والقيام بدور حيوي في حماية مضيق باب المندب وهو ما يفسر قيام السعودية بتمويل الجزء الأكبر من صفقة الميسترال، حيث أشار أكثر من مصدر أن التكلفة الكبيرة لصفقة الميسترال التي تصل إلى 950 مليون يورو، سوف يتحمل الجزء الأكبر منها السعودية (2).

وهذا التفسير يجد سنده الرئيس في استمرار الدعم السعودي للنظام المصري، والرهان الكبير على دوره في تأمين هذه المنطقة، يرتبط هذا بإعلان السعودية عن إنشاء قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، كما يرتبط ببيع الجزر المصرية في البحر الأحمر للسعودية، كما يرتبط بالصراع الدائر بين السعودية والإمارات في اليمن، وإدراك السعودية لطبيعة الدور الإماراتي في جنوب اليمن ومضيق باب المندب ومدخل البحر الأحمر الجنوبي

التفسير الرابع: دعم الدور الروسي في المنطقة، وخاصة بعد تدخلها العسكري في الأراضي السورية لصالح نظام بشار، وتعدد الاتفاقات العسكرية والاستراتيجية بينها وبين النظام العسكري الحاكم في مصر، في شبه جزيرة سيناء وفي منطقة الضبعة، والأحاديث المستمرة عن تسهيلات استراتيجية لروسيا في الأراضي والموانئ المصرية.

وهذا التفسير يجد سنده الرئيس في التسهيلات التي قدمتها روسيا لإتمام صفقة الميسترال لصالح مصر والتي بدت واضحة، حيث أن روسيا في وقت سابق قد اشترطت عند فسخ العقد مع فرنسا، على عدم بيع السفينتين لدول البلطيق وبولندا، إلا أنها في الحالة المصرية رحبت بل وقدمت تسهيلات كان من ضمنها ما صرح به “يوري بوريسوف” نائب وزير الدفاع الروسي، أن المعدات التقنية التي تم تركيبها على حاملتي المروحيات ميسترال، يمكن أن تبقى على متن السفينتين إذا اشترت مصر حاملتي المروحيات من فرنسا.

لذلك، يرى أنصار هذا التفسير أن هذه الصفقة قد تسير في اتجاه تعاون عسكري روسي مصري فرنسي يهدف إلى تشديد الخناق وتقويض التمدد التركي في شرق البحر المتوسط، وخاصة بعد حالة التوتر التي تشهدها العلاقات الروسية التركية بسبب الأزمة السورية والتدخل العسكري الروسي في الأراضي السورية، والتي وصلت فيما بعد إلى اقصى حالات التوتر بين الجانبين التركي والروسي، أثر حادث تحطم الطائرة الروسية من طراز “سوخوي-24” فوق الأراضي السورية، في نوفمبر 2015، بعد مهاجمتها من قبل طائرتين حربيتين تركيتين من طراز F16، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، القيام باستخدام حاملتي المروحيات في مساعدة الجانب الروسي في عملياته العسكرية في المنطقة، بحيث تصبح حاملتي المروحيات ميسترال وكأنهما قاعدتين عسكريتين لروسيا في المياه الإقليمية المصرية شرق المتوسط وخاصة في ظل التوافقات الاستراتيجية الروسية المصرية الإسرائيلية في هذه المنطقة.

خاتمة:

في ضوء ما ذكرناه من احتمالات وفي ضوء سياسة النظام المصري التي تعتمد على استغلال تناقضات المشهد الإقليمي المتغير ومحاولة إيجاد دور محوري في المعادلة الإقليمية، تصبح كل الاحتمالات قائمة وبدرجات متساوية، وإن كان أكثرها منطقية هو ارتباطها بالدور الوظيفي للجيش المصري في التحولات الإقليمية والدولية، بغض النظر عن اتفاق هذا الدور بالأمن القومي المصري من عدمه، خلال هذه المرحلة، وتحديداً منذ انقلاب 3 يوليو 2013 وحتى الآن (3).

————————-

الهامش

(1) فرنسا تتكبد 250 مليون يورو لفسخها صفقة ميسترال مع روسيا، موقع روسيا اليوم، 30 سبتمبر 2015. الرابط

(2) نقلت صحيفة “المصري اليوم” عن صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية أن السعودية هى الممول الأساسي للصفقة، ونقل ستراتفور عن صحيفة”اكسبريس” عدد 23 سبتمبر 2015، أن السعودية ستساعد مصر في شراء حاملتي الطائرات المروحية، ونقلت عن ما وصفته بأنه “مصدر مطلع” في الحكومة الفرنسية تأكيده أن المساعدة السعودية “ستكون كبيرة”، بعدما دعمت السعودية والإمارات في وقت سابق شراء مصر معدات عسكري فرنسية، شملت مقاتلات رافال في فبراير 2015، (المصدر، نون بوست).

(3) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

خالد فؤاد

باحث بالمعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، متخصص في العلاقات الدولية، وقضايا الشرق الأوسط.

اعمال اخرى للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى