fbpx
دراساتالخليج

صنع السياسات العامة في السعودية (2015- 2019)

دراسة في البيئة وأدوار الفاعلين والتحديات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة

بعد طرح “رؤية 2030″، تصاعد الجدل حول مآلات “المرحلة الانتقالية” التي تمرُّ بها المملكة العربية السعودية، وما إذا كانت ستنتهي بتنفيذ هذه الرؤية، بما يعنيه ذلك من نجاحٍ في صياغة “سياسات عامة” على أسسٍ سليمة، بحيث تؤدي إلى حل/تقليص الأزمات التي تعانيها الدولة. في حين يجادل آخرون بأن هذه الرؤية لا تمثّل جديدًا نوعيًا، بالنسبة لمجمل عملية صنع السياسات العامة في السعودية، التي تبقى محكومةً بمجموعةٍ من المحددات/العوائق الهيكلية، الموروثة من عهود سابقة، والتي تزايدت في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز.

في هذا السياق، تنطلق الورقة من مقولةٍ مفادها أنه “بعد تولّي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد منتصف 2017، أصبح دوره، ودور مستشاريه المقرّبين، هما أهم الفاعلين في أغلب مراحل صنع السياسات العامة (وضع الأجندة، وتصميم السياسة، واتخاذ القرار، وتنفيذ السياسة، وتقييم السياسة)، على الرغم من بقاء الملك سلمان على قمة الهرم السياسي، وقيامه بالاستدراك على قرارات ولي عهده أحيانًا، خصوصًا في أوقات تصاعد الأزمات الداخلية والخارجية”.

وعلى الرغم من دور الشركات الاستشارية الأجنبية الملحوظ، خصوصًا ماكينزي، في وضع أجندة السياسات العامة السعودية واقتراح البدائل والحلول أمام صانع القرار، فإن أغلب الخطوات والسياسات التي جرى تنفيذها في إطار رؤية 2030، كانت تهدف إلى أمرين؛ أحدهما تركيز السلطة في يد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مع تقريب الموالين لشخصه. والآخر تهميش أدوار باقي الفاعلين المحليين في السعودية، في صنع السياسات العامة وتنفيذها، بما يشمل: أعضاء من الأسرة المالكة، المؤسسة الدينية، القبائل والعشائر الرئيسة، ومجتمع التجار والمال والأعمال، ومختلف أنواع الفاعلين في “المجتمع المدني”، خصوصًا مراكز الأبحاث والنخب غير الرسمية. 

وفي هذا الإطار، تهتم هذه الورقة بالإجابة على تساؤل رئيس: هل اختلفت بيئة صنع السياسات العامة في السعودية أثناء مرحلة الملك سلمان عمّا سبقها من مراحل، ولماذا؟ وما مدى الإضافة التي شكّلتها “رؤية 2030” في إطار السياسات العامة؟ وما مدى اختلافها عن الخطط الخمسية السعودية السابقة؟ أم أنها تحوي “عيوبًا هيكلية مشابهة”؟

ويتفرع عن هذا التساؤل، أربعة تساؤلات أخرى:

1- من هم الفاعلون الأساسيون في صنع السياسات العامة في السعودية؟ وأيهم أكثر تأثيرًا؟

2- ما انعكاسات متغيرات البيئة السياسية، في عهد الملك سلمان، على صنع السياسات العامة؟ وخصوصًا في ظل ثلاثة أمور، هيمنة السلطة التنفيذية، وغياب السلطة التشريعية المنتخبة، وضعف السلطة القضائية والأجهزة الرقابية والمحاسبية؟

3-كيف ولدت فكرة “رؤية 2030″؟ وما هي المؤسسات – الداخلية أو الخارجية – التي أسهمت فيها؟ وهل تتوافق هذه الرؤية مع أولويات الدولة وحاجات المجتمع السعودييْن؟ وما مدى توازن هذه الرؤية في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟ أم أنها تركز – عن عمدٍ – على بعض الأبعاد دون الأخرى؟ وما تفسير ذلك إذا كان موجودًا بالفعل؟

4- كيف يتعامل صانع القرار مع المشكلات والتحديات القائمة بهدف تحقيق رؤيته/خطته التنموية المعلنة “رؤية 2030″؟

وعلى ضوء ما تقدم، تنقسم هذه الورقة إلى مبحثين؛ أحدهما يتناول محددات السياسات العامة في عهد الملك سلمان. والآخر يستعرض رؤية 2030، بالتركيز على أهم الفاعلين فيها، والصعوبات التي تواجهها. ثم تأتي الخاتمة في النهاية.

المبحث الأول: محددات السياسات العامة في عهد الملك سلمان

بدايةً يمكن التمييز بين ثلاث مراحل في السياسات العامة السعودية في عهد الملك سلمان؛ أولاها بدأت بمجرد وصوله إلى العرش، أوائل عام 2015، واستمرت عامًا وبضعة أشهر، واتسمت بقدر من “التوازن والاستقرار النسبي”، مقارنةً بما تلاها. أما المرحلة الثانية في عهده فهي التي شهدت بداية بروز نجم الأمير محمد بن سلمان، خصوصًا إبان طرح “رؤية 2030″، التي يمكن اعتبارها “مشروعه الشخصي” إلى حدٍّ كبير، وعنوان أغلب التغييرات التي تحدث في الداخل السعودي، في غياب جهاتٍ رقابية لتحديد درجة التقدم أو الإخفاق في تنفيذ تلك الرؤية. ثم جاءت المرحلة الثالثة بعد تولي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد في حزيران/يونيو 2017، التي تشابكت فيها عدة متغيراتٍ داخلية وخارجية، لتكون تمهيدًا لدخول البلاد في مرحلة “انتقالية غامضة” بشأن مستقبلها السياسي والاقتصادي، في ظل تقديراتٍ متباينة نسبيًا حول انعكاسات ذلك على السياسات العامة.

وفي إطار تحليل محددات السياسات العامة في عهد الملك سلمان، ضمن إطارٍ مقارن مع عهود بعض الملوك السابقين، يمكن الإشارة إلى النقاط الآتية:

1- هيمنة الملك على صنع السياسات العامة، مع بروز دور ولي العهد

تتناول المواد من 55 إلى 70 من “النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية”، صلاحيات الملك؛ فالملك هو “الذي يقوم بالسياسة العامة سياسةً شرعية طبقًا لأحكام الإسلام ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة وحماية البلاد والدفاع عنها” (م55). كما أن “الملك هو رئيس مجلس الوزراء” (م56)، وله حق تعيين نوابه والوزراء بأمر ملكي، وهؤلاء مسؤولون بالتضامن أمامه عن تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة، وله أيضًا أن يحل مجلس الوزراء ويعيد تكوينه (م57). كما يحق له حل مجلس الشورى وإعادة تكوينه (م68)، ويحق له أن يدعو مجلس الشورى ومجلس الوزراء إلى اجتماع مشترك، وله أيضًا أن يدعو من يراه إلى حضور هذا الاجتماع لمناقشة ما يراه من أمور (م69). و”هو القائد الأعلى لكافة القوات العسكرية، وهو الذي يعيّن الضباط وينهي خدماتهم وفقًا للنظام” (م60). وهو من يعلن حالة الطوارئ والتعبئة العامة والحرب (م61). وهو الذي يستقبل ملوك الدول الأخرى ورؤساءها ويعين ممثليه لديها، ويقبل اعتماد ممثلي الدول لديه (م63). كما تصدر الأنظمة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات ويتم تعديلها بموجب مراسيم ملكية (م70)[1].

وعلى الرغم من صلاحيات الملك الواسعة، فإن شخصيته وأسلوبه في ممارسة هذه الصلاحيات، تتفاوت من حالةٍ إلى أخرى، وتترك بالتالي انعكاساتٍ واضحة على السياسات العامة، خصوصًا بالنسبة لتوسيع أو تضييق دائرة المشاركين في صناعتها وتنفيذها وتقييمها.

“ففي عهد الملك فيصل، كانت عملية صنع السياسات تخضع أساسًا لخيارات الملك نفسه. وفي عهد الملك خالد، أصبح ولي العهد – الأمير فهد – يتدخّل في هذه العملية. أما في عهد الملك فهد، فقد خضعت عملية صياغة القرارات السياسية في مجملها لإرادة الملك الذي تجتمع كافة السلطات في يده؛ فالملك يملك ويحكم؛ أي يصنع القرار، ويتخذ القرار، ويوزع السلطات، ويعيّن المنفذين، ويراقب الجميع. ورغم أن هناك تأثيراتٍ تختلف نسبتها من شخص لآخر، ولكنها – في مجملها – كانت تنحصر في “المجلس العائلي”، الذي كان يتألف – آنذاك – من الملك فهد، والأمراء عبد الله وسلطان ونايف وسلمان” [2].

وعلى الرغم من الضعف المؤسسي في نظام الحكم السعودي عمومًا، فإن هناك رغبةً لدى أسرة آل سعود في “تحديث” النظام ورفده بأسباب التطور، مع ضمان عدم خروجه عن هيمنة الأسرة واحتكارها الشأن السياسي.

و”يمكن القول إن عهد فيصل بن عبد العزيز كان “عهد التحديث” بامتياز؛ إذ عمل على إيصال التعليم الرسمي إلى معظم أنحاء البلاد. وهو الذي أمر بفتح مدارس للبنات، كما أطلق البث التلفزي السعودي. وقد عزّزت إجراءات فيصل التحديثية من سلطة الدولة، موصلةً إياها إلى قلب مؤسسة العلماء. وفي فترة حكمه أيضًا تم تقويض تنظيمات التجار الحجازيين، وتم تجميع مؤسسات الدولة ووكالاتها المتخصصة في العاصمة الرياض، بعد أن كانت منتشرة في عدة مدن. وفي عام 1970، أسّس فيصل وزارة العدل، واضعًا تحت سلطتها كل النظام القضائي. وفي العام التالي أمر بتشكيل هيئة كبار العلماء من سبعة عشر عضوًا. وذلك في الوقت الذي أخذت فيه كليات الشريعة والدراسات الإسلامية في الجامعات الجديدة في الاستحواذ على التعليم الإسلامي من الحلقات العلمائية التقليدية” [3].

اللافت هنا أن رحلة “الحداثة السعودية” لم تكن سَلِسة أبدًا [4]، بل نشأ معارضوها “من قلب مؤسسات التعليم والفئات الحديثة، من جامعات المدينة والرياض والظهران، ومن أوساط المهندسين والأطباء والعلماء الشبان. ففي البلد الذي أقيم على أساس من الشرعية الإسلامية، برزت عناصر إصلاحية تحتج على ثلاثة أمور؛ أولها احتكار السلطة في آل سعود، وثانيها العلاقة السعودية الوثيقة بالولايات المتحدة الأميركية، وثالثها الابتعاد عن قيم الإسلام. وهذا أدّى في المحصلة إلى دخول فكرة التنظيمات الإسلامية إلى الحياة السعودية. ورغم نشأتها منذ منتصف الستينيات، فإنها فوجئت بحادثة احتلال الحرم المكي عام 1979، فاضطر بعضها إلى إيقاف نشاطه مؤقتًا، حتى مطلع الثمانينات، حيث أخذت التنظيمات الإسلامية الجديدة في الانتشار في المساجد والجامعات” [5]، وذلك قبل أن يتم احتواؤها جميعًا بفعالية من قِبل السلطات السعودية.

وفي إطارٍ مقارن، ربما يمكن القول إن أفضل فترتين مرّت بهما عملية صنع السياسات العامة في السعودية، كانتا في عهد الملك فيصل، ثم الملك فهد (قبل مرضه عام 1995)؛ إذ تمكّنا إلى حدٍّ بعيد من الإمساك بأغلب مفاصل السلطة والنفوذ في الدولة، رغم اختلاف تحالفاتهما الداخلية عن بعضهما، وقاما بدعم فكرة “تحديث” الدولة وتطوير أجهزتها، واستطاعا استمالة بعض النخب لدعم مشروعيهما.

لقد اعتمد الملك فيصل (1964- 1975)، على علاقته المميزة بالمجال الديني، نظرًا لتمتعه بخاصية فريدة في الأسرة المالكة؛ إذ كانت أمه من أسرة آل الشيخ، أي أنه كان من حفدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب [6].

وعلى الرغم من “استفادة السلطات السياسية في السعودية من الشرعية الدينية، فإنها شعرت في سبعينيات القرن الماضي بالحاجة إلى مصدر تحديثي للشرعية على غرار النظم العلمانية المجاورة في مصر أو العراق أو سورية. ولذا لجأت السلطات إلى التشديد على خطاب تنمية السعودية والإنجازات التي تمخضت عنها، ولا سيما الازدهار الذي جلبته لمواطنيها. ولكي تكون “الشرعية التحديثية” فعّالة، كان على النظام تشكيل فئة من “شيوخ الحداثة” القائمين بدور الناطق باسم التنمية والحداثة في السعودية، ليكونوا نظراء علماء الدين/”شيوخ التراث”. ولذلك ظهر إلى الوجود فئةٌ اجتماعية جديدة برعاية الأسرة المالكة، وهي فئة المثقفين، التي تلازمت ولادتها مع بروز مجال ثانٍ للإنتاج الفكري إلى جانب المجال الديني، وهو المجال الثقافي” [7].

أما الملك فهد، فقد وظّف تمكّن “الأمراء السديريين السبعة” من مفاصل السلطة في الدولة، لكي يتقارب مع المتعلمين والمثقفين السعوديين، وأفسح المجال الثقافي أمامهم، ليكون بديلًا عن طموحهم إلى المشاركة السياسية، فأوكل إليهم مهمة بناء ثقافةٍ سعودية حديثة تكون منسجمة مع الحداثة الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تشهدها البلاد. وسرعان ما أصبحت الملاحق الثقافية لبعض الصحف اليومية (مثل الرياض، وعكاظ، واليوم) مساحةً للنقاش الأدبي والحداثة الشعرية ثم المسائل الفكرية لاحقًا.  كما نشأت “الأندية الأدبية” التي تولّت القيام بأغلب الأنشطة الثقافية في السعودية. وقد احتكّ مجالا الإنتاج الفكري – الديني والثقافي – بعدة مجالاتٍ أخرى، وعلى رأسها المجال الاقتصادي، الذي حكمته هيئاتٌ منتخَبة، وهي الغرف التجارية [8].

وفي مقابل هذا “النجاح النسبي” للملكيْن فيصل وفهد، في تجنيد نخبةٍ مؤيدة لمشروعيهما، بما انعكس إيجابًا على عملية صنع السياسات العامة، وأدخل فيها عددًا من الفاعلين والتكنوقراط والمثقفين، لم يتمكن الملك سلمان، ولا ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، من فعل شئٍ مشابه، على الرغم من الصعود الآني في أدوار مستشاري ولي العهد ومساعديه، مع غياب تحالفٍ اجتماعي مساند، وتركيز مفرط على سياسات “تحسين الصورة” والزيارات والجولات الخارجية وترويج مصطلحات دعائية، مثل “السعودية الجديدة”. 

2- تلاحق إجراءات التغيير “الشكلي” في عهد الملك سلمان:

رغم أن التطور البطيء هو من سمات نظام الحكم السعودي [9]، ورغم الانعكاسات السلبية لهذه السمة على عملية صنع السياسات العامة، فإن عهد الملك سلمان اتسم منذ بدايته – في أوائل عام 2015 – بتسارع الأوامر الملكية وتلاحقها، واستحداث هياكل جديدة وإلغاء أخرى قديمة، أو الدمج بينها مع تغيير أسمائها، أو إعفاء أمراء ووزراء ومسؤولين، وتكليف آخرين، دون أن يعني ذلك بالضرورة تغيرًا في مضمون السياسات أو تحسينًا جوهريًّا في الأداء والفعالية والشفافية والمحاسبة، سواء بالنسبة للوزارات، أم الهيئات الجديدة التي تم إنشاؤها، مثل “الهيئة العامة للثقافة” و”الهيئة العامة للترفيه” وغيرهما.

وقد انتشرت توقعاتٌ، في بداية عهد الملك سلمان، باستعادة جناح “السديري” في الأسرة المالكة نفوذه السابق، على نحو ما كان أيام الملك فهد، خصوصًا أن الأول عيّن نجله الأمير محمد وزيرًا للدفاع ورئيسًا لمجلس الشؤون الاقتصادية، وعيّن أيضًا ابن شقيقه الراحل، وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، وليًّا لولي العهد ورئيسًا لمجلس الشؤون السياسية والأمنية، وهو ما وضع جيل أحفاد الملك المؤسّس – ابن سعود – في مواقع المسؤولية المتقدمة. كما حرص الملك سلمان أيضًا، على إبقاء شيء من التوازنات السابقة يتمثل في إبقاء الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز في منصبه وزيرًا للحرس الوطني السعودي. ما دفع البعض للقول إن سياسة الملك سلمان، كانت آنذاك، هي “التغيير المحسوب، مع حفظ التوازنات السابقة في النظام السعودي، بقدر الإمكان”[10]. بيد أن هذه التوازنات تغيّرت بدورها مرةً أخرى، كما ستعرض له هذه الورقة أدناه.

وفي 29 كانون الثاني/يناير 2015 أصدر الملك سلمان 37 أمرًا ملكيًا، تناولت تشكيل حكومته، وتعيين رجال الأعمال والمقربين منه في المناصب السياسية والاقتصادية والأمنية المهمة، وإنفاق الدولة 110 مليارات ريال (حوالي 30 مليار دولار) لدعم الشرائح الاجتماعية المحتاجة، ورأى البعض أن هذه الأوامر الملكية تنمّ عن “إقصاء للشخصيات المحافظة، وتقريب لأصحاب التوجهات الليبرالية، ومنها تعيين مدير قناة العربية الفضائية، عادل الطريفي، وزيرًا للإعلام” [11].

وكان شنّ التحالف العربي – بقيادة السعودية – الحرب على اليمن، منذ 26 آذار/ مارس 2015، مرتبطًا بعملية التغيير الداخلي في السعودية؛ فالتدخل العسكري المباشر في اليمن هو “معركة مباشرة كانت تعكس متطلبات الوضع السعودي الداخلي المتغيرة، حين تسلّم الملك سلمان العرش. فهذا الوضع فرض عليه أن يسمّي نفسه “ملك الحزم”، على عكس أخيه الملك عبد الله، الذي كان لقبه “ملك الإنسانية” [12].

وفي 29 نيسان/أبريل 2015، أجرى الملك سلمان مجموعةً أخرى من التغييرات، أبعدت كلًا من: ولي العهد السابق مقرن بن عبد العزيز، ووزير الخارجية المخضرم سعود الفيصل، ما دفع البعض للقول إن “النظام السياسي السعودي لا يزال غامضًا إلى حدٍّ ما؛ فربما جاء هذا التعديل الوزاري على خلفية الأزمات والخلافات التي تواجهها السعودية على عدة جبهات، وفي مقدمتها الحرب في اليمن، التي كشفت صراعًا مع إيران – المنافس الإقليمي للسعودية – ، كما أن سير الحرب نفسها قد أثار قلق واشنطن. ولذا كان السياق الرئيس لهذه التغييرات هو صراع يدور في صفوف العائلة المالكة السعودية. ومن غير المرجح أن تكون هذه التغييرات هي الأخيرة من نوعها. وهذا يطرح سؤاًلا مستقبليًّا مهمًا، ألا وهو: متى ستحدث الجولة المقبلة من التغييرات، ومن هم الذين سيستفيدون منها؟، وما تأثيراتها على السياسات السعودية الداخلية والخارجية” [13].

وبهذا يمكن القول إنه جرى توظيف الحرب على اليمن في سياق ظهور الصراع داخل الأسرة المالكة إلى العلن؛ إذ تم تهميش دور ولي العهد آنذاك، الأمير مقرن بن عبد العزيز، في مقابل إبراز صورة جيل أحفاد الملك السعودي المؤسِّس، سيما وزير الدفاع محمد بن سلمان، وبدرجة أقل إبراز دوريْ وزير الداخلية محمد بن نايف، ووزير الحرس الوطني متعب بن عبد الله اللذيْن جرى تهميشهما عام 2017، فضلًا عن الرغبة الواضحة في رسم صورةٍ جديدة للسعودية، وقدرتها على التصدي الحازم لمصادر تهديد أمنها، وخصوصًا تلك القادمة من إيران، والميليشيات التابعة لها في المنطقة العربية، وعلى رأسها الحوثيون في اليمن.

لقد شهدت السعوديةُ بعد تولي الملك سلمان تطوراتٍ مهمة، تمحورت “حول سياسات التحول الاقتصادي وإعادة الهيكلة التي فرضها الانخفاض الحاد والمستمر لأسعار النفط، والتكلفة المتزايدة للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن. وذلك في ظل محاولة الحكومة خفض النفقات ورفع كفاءة الجهاز الحكومي وإفساح المجال لخصخصة بعض الأنشطة الحكومية وتوسيع دور القطاع الخاص في الاقتصاد، وذلك بما يتوافق مع رؤية 2030 التي أعلنت في أبريل/نيسان 2016، والتي تحدّد الخطوط العريضة لمشروعٍ مفرط الطموح، يهدف لإحداث تغييرٍ جذري في بنى الاقتصاد والمجتمع، وذلك عبر تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل، واستبداله بعوائد صناديق الاستثمار” [14].

ففي مايو/أيار 2016 أصدر الملك سلمان حزمةً من الأوامر الملكية الهادفة إلى إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، ودمج وإلغاء بعض الوزارات والأجهزة؛ فعلى سبيل المثال، ألغيت وزارة المياه والكهرباء، وعدلت تسمية وزارة البترول والثروة المعدنية إلى وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، وتولت بذلك مسؤوليات الكهرباء والصناعة بعد أن تم تعديل كل من مسمّى ومهام وزارة التجارة والصناعة لتصبح وزارة التجارة والاستثمار. كما عدل مسمّى ومهام وزارة الزراعة لتصبح وزارة البيئة والمياه والزراعة، وأسندت إليها المهام والمسؤوليات المتعلقة بأنشطة البيئة والمياه. كما أعلن أيضا عن دمج وزارتي “العمل” و”الشؤون الاجتماعية” في وزارة واحدة باسم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وإنشاء هيئة عامة للثقافة وأخرى للترفيه. وقد رافق هذه التغييرات المؤسسية تغيراتٌ في أشخاص الوزراء، كان أبرزها إعفاء كلٍّ من: وزير المالية إبراهيم العساف، ووزير البترول علي النعيمي” [15].

وفي 27 كانون الأول/ديسمبر 2018، حدث تغيير وزاري آخر؛ إذ عاد إبراهيم العساف وزيرًا للخارجية، وتم تخفيض رتبة عادل الجبير إلى وزير دولة للشؤون الخارجية. كما صدرت تعيينات جديدة باسم الملك سلمان غيّرت من تشكيل “مجلس الشؤون السياسية والأمنية”، الذي هو هيئة صنع القرار الرئيسة التي يرأسها وزير الدفاع وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وعلى الرغم من تداعيات اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والتوقعات بأن العاهل السعودي قد يجري تغييرات لتقييد سلطة نجله محمد، فإنه تم تعزيز قاعدة سلطة ولي العهد بدلًا من إضعافها [16].

كما تم تعيين المسؤول في الديوان الملكي، مساعد العيبان، في منصب مستشار الأمن الوطني. وتعيين الأمير عبد الله بن بندر وزيرًا للحرس الوطني السعودي. وتم استحداث “الهيئة السعودية للفضاء”، وتعيين سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيسًا لمجلس إدارتها بمرتبة وزير.

وبقيت الوزارات الاقتصادية الرئيسة دون تغيير؛ إذ ظلّ خالد الفالح في منصب وزير الطاقة، وبقي محمد الجدعان في منصب وزير المالية، في حين غادر تركي آل الشيخ، رئاسة “الهيئة العامة للرياضة”، لكي يتولى رئاسة “الهيئة العامة للترفيه”.

وعلى حين أشار أحد المختصين إلى الوضع الصحي للعاهل السعودي، واحتمال أن يكون دوره صغيرًا في صياغة هذه القرارات والتعيينات [17]، وصفها آخر بأنها تأتي في سياق “استمرار الرياض في الالتفاف على الإصلاح السياسي، وإعادة إنتاج التسلطية؛ إذ تحاول السعودية إقناع دول العالم بأنها تتغير، تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في اتجاه التصنيع/التحديث، وحل مشكلاتها المزمنة من مكافحة الفساد المستشري، وصولًا إلى توفير فرص العمل للشباب العاطل، مع توجّه الدولة نحو الانفتاح والاعتدال والتسامح والوسطية، على الصعيدين، الثقافي والديني. فضلًا عن تأكيد جدية ولي العهد في مكافحة الفساد، واستمراره في تنفيذ “رؤية 2030” على الصعيدين الثقافي/الترفيهي، والاقتصادي/التصنيعي؛ إذ جرى اتخاذ ثلاث خطوات مترابطة في هذا الصدد: الإعلان عن السياسة الجديدة للهيئة العامة للترفيه، وإطلاق “برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية”، وانتهاء عمل “اللجنة العليا لقضايا الفساد العام” [18].

وأثناء وجود الملك سلمان في القمة العربية الأوروبية الأولى في شرم الشيخ في شباط/فبراير 2019، أصدر الأمير محمد بن سلمان ثلاثة أوامر ملكية تقضي بتعيين خالد بن سلمان بن عبد العزيز نائبًا لوزير الدفاع بمرتبة وزير، وتعيين ريما بنت بندر بن سلطان بن عبد العزيز سفيرةً لخادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأميركية بمرتبة وزير، وصرف راتب شهر مكافأة للعسكريين المشاركين في الصفوف الأمامية للأعمال العسكرية في الحد الجنوبي للسعودية [19].

وعلى الرغم من إشادة بعض التحليلات الصحفية بهذه الأوامر [20]، فإنها كشفت ثلاثة أمور تتعلق بصناعة السياسات العامة السعودية؛ أولها مدى هيمنة ولي العهد على صنع القرار، وتركيزه على توظيف قضية “المرأة” ضمن سياسات تحسين صورة السعودية الخارجية، خصوصًا في الولايات المتحدة الأميركية، في مفارقةٍ لافتة مع وضع النسويات والحقوقيات المعتقلات في سجون المملكة. والثاني تعيين خالد بن سلمان نائبًا لوزير الدفاع، ربما بهدف حمايته من تداعيات قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، مع إحكام سيطرة آل سلمان على مقاليد السلطة، واجتذاب بعض أمراء آل سعود من ذوي الخبرة لدعم ولي العهد (مثل بندر بن سلطان، وتركي الفيصل، وخالد الفيصل). والثالث عدم اعتراض الملك بعد عودته إلى البلاد على هذه القرارات.

واستمرارًا في نهج تغيير الأشخاص مع بقاء السياسات على حالها، صدرت سلسلة أوامر ملكية أواخر آب/أغسطس 2019 بتعيين فهد بن محمد العيسى رئيسًا للديوان الملكي برتبة وزير، وتعيين عواد العواد رئيسًا لهيئة حقوق الإنسان، وتعيين مازن الكهموس رئيسًا للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. كما أنشئت وزارة جديدة للصناعة والثروة المعدنية مع تعيين بندر الخريف وزيرًا لها، لتفصل بذلك المجالين عن وزارة الطاقة، ربما لتقليص سلطات وزير الطاقة ورئيس مجلس إدارة شركة أرامكو خالد الفالح، علمًا بأن قطاعي الصناعة والتعدين حيويان لخطط الأمير محمد بن سلمان الرامية لتنويع الموارد في السعودية وخفض الإنفاق الحكومي المتضخم وتوفير الملايين من فرص العمل لقطاع الشباب [21].

وفي أيلول/سبتمبر 2019، تم إعفاء خالد الفالح من منصب وزير الطاقة، وتعيين الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز مكانه، ما حمل دلالتين مهمّتين: إحداهما هيمنة آل سلمان على مفاصل القرار في البلاد، وتجاهل التوازنات السابقة داخل آل سعود، التي كانت تقضي ببقاء وزارة الطاقة بيد أحد التكنوقراط وليس أمراء الأسرة المالكة. والأخرى اضطراب القرارات الاقتصادية في ظل رؤية 2030، بعد إقصاء ذوي الخبرة [22].

أضف إلى ذلك، التداعيات الخطيرة لتكرار عملية استهداف منشآت شركة أرامكو السعودية عبر طائراتٍ مسيّرة أو هجمات صاروخية من قِبل جماعة الحوثي اليمنية، خصوصًا على توقف حقول وأنابيب صادرات النفط، واحتمالات تراجع القيمة السوقية للشركة، التي يجرى التخطيط لطرحها في أسواق المال المحلية والدولية، خصوصًا أن هذه القيمة مهددة بتراجع أسعار النفط في السوق العالمية، ما يعرقل رؤية الأمير محمد بن سلمان لخصخصة حصة من الشركة وجني عشرات مليارات الدولارات من ورائها [23].

وربما تؤدي تداعيات حرب أسعار النفط التي شنها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ضد روسيا في آذار/مارس 2020، بعد انهيار اتفاق “أوبك بلس” على خفض الإنتاج، إلى نتائج وخيمة على رؤية 2030، وقد تفضي إلى اتخاذ خطوات على صعيد التقشف، وترشيد الإنفاق العام، والتراجع عن رصد مليارات الدولارات لحفلات الترفيه، وربما وقف دعم الثورات المضادة في الدول العربية التي مولتها الرياض، وأن توفر مليارات الدولارات المخصصة لتمويل حرب اليمن المشتعلة منذ 5 سنوات [24].

واستطرادًا في مسألة انعكاسات تصاعد الصراعات داخل الأسرة المالكة على صنع السياسات العامة، يمكن القول إن أهم تغيير حدث في عهد الملك سلمان، كان إقصاء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، من ولاية العهد، ومن جميع مناصبه في حزيران/يونيو 2017، وهو ما اعتبره البعض خروجًا على تقاليد الأسرة المالكة السعودية؛ لعدة اعتبارات [25]:

1-أنه يعتبر تجاوزًا لقرار “هيئة البيعة”، التي أقرّت عام 2015، تعيين ابن نايف في منصب ولي العهد.

2- أن تعيين الأمير محمد بن سلمان لم يأتِ ليسد فراغًا في منصب ولاية العهد، بل ليطيح بولي العهد ابن نايف، الذي لم يُتهم بارتكاب أخطاء أو مخالفات تفقده صلاحية البقاء في المنصب، رغم تعرضه بعدها لحملة لتشويه صورته بوصفه “مدمنًا على أدويةٍ مخدرة”.

3- أن ما رشح عن طريقة مبايعة ولي العهد الجديد، قد تكون مدخلًا للتعرف على مسار العلاقات داخل أسرة آل سعود، التي بدأت صراعاتها تطفو للعلن بصورةٍ غير مألوفة، منذ صراع الأمير فيصل بن عبد العزيز مع أخيه الملك سعود في ستينيات القرن العشرين.

ولا شك أن واقعة إقصاء الأمير محمد بن نايف، شكّلت مؤشرًا قويًا على طبيعة السياسات العامة في المرحلة الانتقالية التي دخلتها البلاد، ما قد يعني انتهاء “السياسة السعودية القديمة في حقبة ما قبل الثورات العربية”، التي كانت “متوازنة نسبيًا”، كونها عكست توافقات أجنحةٍ داخل الأسرة المالكة، وإجراء مشاوراتٍ عائلية قبل اتخاذ القرار، كما كان يحدث إبان فترة الملك فهد، كما ذكر آنفًا.

أما بعد تولي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد، فقد بات الملك وأبناؤه يستأثرون بأبرز مواقع صنع القرار، مع تهميشٍ ملحوظ لباقي الأمراء، وإن علا قدرهم، كما رأى القاصي والداني في اعتقالات فندق الريتز كارلتون في الرياض في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، التي مثّلت خروجًا عن مألوف سياسات أسرة آل سعود، عبر اعتقال الأمراء المنافسين والنافذين وأصحاب الثروات والوزراء السابقين، وتجريدهم من بعض أموالهم وثرواتهم، تحت ذريعة “مكافحة الفساد”.

ويمكن إجمال القول في مشكلة صراعات الأسرة المالكة في عهد الملك سلمان في ثلاث ملاحظات متداخلة؛ أولها تتابع التعيينات والإقالات والمراسيم الملكية في فترات قصيرة نسبيًّا، مقارنةً بما عليه الحال في السعودية سابقًا، ما قد يعني تزايد مؤشرات عدم الاستقرار السياسي والحكومي وارتباك السياسات العامة عمومًا. وثانيها وجود قرارٍ واضح لدى الملك سلمان بتجاوز “هيئة البيعة” وتهميش دورها، خصوصًا بشأن منصب ولي العهد وإعطاء أبنائه عددًا من المناصب المؤثّرة في صناعة السياسات العامة على الصعد السياسية والدفاعية والأمنية والاقتصادية. وثالثها دخول صراعات آل سعود مرحلة جديدة عبر تبني سياسة اعتقال الأمراء والوزراء، في حملة اعتقالات الريتز كارلتون في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وهو ما يعكس خروجًا عن مألوف إدارة العلاقات داخل الأسرة المالكة عبر التوافقات والمشاورات والتوازنات، التي كانت تبقى بعيدة عن وسائل الإعلام، لكيلا تضعف صورة الأسرة في أعين الشعب السعودي [26]. بدون أن ننسى في هذا السياق، تصاعد هذه السياسات لتشمل رموزًا أكبر في العائلة المالكة لتحجيم نفوذهم، خصوصًا توقيف الأمير أحمد بن عبد العزيز، شقيق الملك سلمان، والأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية الأسبق، في آذار/مارس 2020.

3- هامشية دور مجلس الشورى، وغياب جهات مؤسسية رقابية، والتضييق على الصحافة والمجتمع المدني:

يرى أكاديمي سعودي بارز، أن “نظام الحكم الملكي في السعودية يؤسّس لنظام حكم فردي، دون رقابة أو محاسبة، لا من السلطات، ولا من المجتمع، ولا حتى من أسرة آل سعود نفسها؛ إذ يؤدي غياب آليات المحاسبة والرقابة إلى استشراء الفساد والمحسوبية وعدم المبالاة وهدر المصلحة العامة في الأجهزة والمؤسسات الحكومية؛ إذ يصبح الخلل متغلغلًا إلى درجة يصعب السيطرة عليها. ولذلك ليس غريبًا أن تؤدي تلك الاختلالات إلى تنامي عدم الانتماء للوطن وغياب الشعور بالوحدة الوطنية وتنامي بذور العنف” [27].

وإزاء فشل المطالبة بالإصلاح السياسي، ومراوغات النظام السياسي السعودي، ولجوئه إلى تكثيف سياسة “تكميم الأفواه” في عهد الأمير محمد بن سلمان، ثمة مخاوف حقيقية من انزلاق السعودية إلى دائرة العنف والعنف المضاد – بغض النظر عن مبرراته ومسوغاته ومشروعيته أو عدم مشروعيته – لتصل إلى مرحلة الصراع الاجتماعي المفتوح أو “الحرب الأهلية” [28] .

وعلى الرغم من تأسيس مجلس الشورى السعودي أوائل تسعينيات القرن العشرين، ومطالبة عدد من الكتُّاب في الصحافة المحلية بدور أكبر للمجلس في رسم السياسات الاقتصادية ودراسة وإبداء الرأي في رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني [29]، فإن دور المجلس لا يزال محدودًا على الصعيدين التشريعي والرقابي؛ “إذ لم يكن للمجلس دور يذكر في مناقشة وإقرار السياسات الاقتصادية الجديدة؛ إذ أنيطت بمجلس الوزراء مهمة متابعة وتنفيذ رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي يترأسه ولي العهد ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، ما أدّى إلى زيادة الدور التشريعي والرقابي للأجهزة التنفيذية للدولة، وتقليص أهمية مجلس الشورى ذي الدور المحدود ابتداءً” [30]

وعلى الرغم من أن مجلس الشورى يضم بين أعضائه التكنوقراط ورجال الأعمال، ما يجعله قادرًا على توسيع دائرة صنع السياسات، فإن البعض يشير إلى خمس ملاحظات عليه [31]؛ أولها أن دوره استشاري. وثانيها أنه يخضع لتعيينات الملك. وثالثها أنه أنشئ بعد حرب الكويت، كخطوةٍ تكتيكية لتجنب غضب العلماء الذين عارضوا الاستعانة بقوات أميركية للدفاع عن السعودية ضد العراق. ورابعها أنه ليس للمجلس أي ثقل في عيون المواطن السعودي العادي. وخامسها أنه مجلس ذو طبيعة مراسمية وتجميلية، ولا يؤثر في السياسات السعودية، لا إيجابًا ولا سلبًا.

ورغم إقرار نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية في ديسمبر/كانون الأول 2015، تواصلت الممارسات الحكومية في فرض القيود على حرية الصحافة والتعبير؛ إذ تتراوح بين أوامر بإيقاف كتّاب أو برامج تليفزيونية، إلى محاكمة الأفراد وفقًا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، الذي تعاقب مادته السادسة بالسجن والغرامة في حق كل من يقوم بإنتاج “ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، وحرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي”. وقد تم إيقاف مقالات جمال خاشقجي في صحيفة الحياة ومقالات برجس البرجس في صحيفة الوطن، وهما الكاتبان اللذان عُرفا بمقالاتهما الناقدة لبعض سياسات التحول الاقتصادي والسياسة الخارجية السعودية [32].

كما حُكم على الصحفي علاء برنجي بالسجن لمدة خمس سنوات وغرامة مقدارها خمسون ألف ريال سعودي في مارس/آذار 2016 . ووفقًا لمنظمة العفو الدولية أدين برنجي أدين بتهم تتضمن إهانة العائلة المالكة والتحريض واتهام قوات الأمن بقتل متظاهرين في المنطقة الشرقية التي تسكنها أغلبية شيعية، كما اتهم بالكفر” [33].

بيد أن أخطر ما حدث في هذا الصدد هو اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 ، وما كشفه من تراتبية هرمية، وتمكّن دائرة مستشاري الأمير محمد بن سلمان، المقربين من التأثير على عملية صنع السياسات، وحصرها في شخصه. 

وغني عن البيان، أن وجود مؤسسات تشريعية وأجهزة رقابية ومجتمع مدني حيوي وصحافة حرة، هي أمور ضرورية لرفد عملية صناعة السياسات العامة بالرؤى والبدائل وحلول المشكلات.

أما الإصرار على إسكات المعارضين، وملاحقة المغردين على وسائل التواصل الاجتماعي، وتغييب أية أصوات نقدية في الداخل، وتحويل دور وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث والتفكير إلى “تبرير السياسات”، وليس “اقتراح بدائل السياسات”، فلا يعطي أملًا بإمكانية إصلاح النظام السياسي، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات خطرة، قد يكون أحلاها مرًا.

4- مشكلات الاقتصاد السعودي واستمرار الاعتماد على النفط

رغم طرح “رؤية 2030″، وتصريح الأمير محمد بن سلمان “أنه بحلول عام 2020، يستطيع السعوديون العيش من دون نفط” [34]، و”أن النفط لن يكون مصدرًا رئيسيًا لدخل السعودية خلال 20 عامًا” [35]، فإن النجاح في مسارات التنويع الاقتصادي وتقليص الاعتماد على النفط، والتخلص من سمات “الدولة الريعية”، يبدو حتى الآن محدودًا، وربما يحتاج وقتًا طويلًا نسبيًا، حتى يتحقق في الواقع.

وتعتمد السياسة الاقتصادية السعودية على النفط وريعه على وجه الخصوص؛ إذ يؤدي احتكار عائداته إلى تراكم رأس مال الدولة، لتصبح العامل الأهم في كامل الحياة الاقتصادية والاجتماعية. ويتجسد هذا البعد في إدارة الدولة للريع وإعادة توزيعه وتدويره، ما يطلق يدها في التعامل مع المواطنين الذين يبقون في حاجةٍ دائمة إليها [36].

وترى دراسة مختصة أن “الاقتصاد الوطني للدولة الريعية لا يعتمد مباشرة على النفط، بل يعتمد عليه بطريق غير مباشر، وهو طريق مصروفات الدولة أو الإنفاق العام الذي يتحول إلى قناة لضخ دخل النفط. وهذا يبرز الدور المركزي الذي تلعبه الدولة (من حيث كونها المستلمة لدخل النفط) في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان، ولكن بشكل مغاير للدول الأخرى التي تعتمد على الضرائب والقطاعات الإنتاجية والخدمية في الاقتصاد الوطني. والدخل من النفط يجعل الدولة الريعية مستقلة نسبيًّا عن مصادر القوة والسلطة المتعارف عليها في الدول الأخرى، ولذلك فإنها تتمتع بمرونة في العمل وحرية في المناورة تفوق إلى حد كبير الأحوال الاعتيادية التي تحصل فيها الدولة على دخلها من الضرائب أو العملية الإنتاجية. وليس معنى ذلك بالطبع أن الدولة الريعية متحررة كليًّا من القيود” [37]

ومن مشكلات الاقتصاد السعودي أيضًا، معدلات البطالة المرتفعة، خصوصًا بين “فئات الشباب والمرأة والمتعلمين. وعلى الرغم من سعي الحكومة إلى علاجها، فإنها فشلت لأن الاقتصاد السعودي ريعي يعتمد على الإيرادات النفطية، أي على القطاع الحكومي. لذلك يصعب على القطاع الخاص، لأنه ضعيف ولا يساهم كثيرًا في الإنتاج الوطني، امتصاص أعداد غفيرة من العاطلين عن العمل. وهذا يعني فشل الحكومة في القيام بدورها الأساسي وهو تشغيل المواطنين. ويتأتى هذا الفشل من الكلفة الباهظة للتشغيل في الوقت الذي تعاني فيه ميزانية الدولة من عجز مزمن ومرتفع. وينجم هذا العجز بالدرجة الأولى من الإنفاق الأمني والعسكري. بمعنى آخر لا تتراجع البطالة إلا بمعالجة التوترات الإقليمية التي سببت تزايد هذا الإنفاق” [38]، وخصوصًا حرب الثنائي السعودي الإماراتي على اليمن.

لقد أفرز اعتماد الاقتصاد السعودي المفرط على العمالة الوافدة (متدنية التكلفة والمهارة)، ثلاث نتائج سلبية: ضعف إنتاجية المواطنين، ضعف ريادة الأعمال، ضعف إنتاجية القطاع الصناعي؛ إذ أدى “الإفراط في استقدام العمالة الأجنبية والاعتماد عليها في تشغيل كل الاقتصاد، إلى دفع المواطن السعودي إلى هامش عجلة الإنتاج، ما أدى إلى حرمانه اكتساب المعرفة المنتجة من خلال الانخراط في الأنشطة الاقتصادية. وبدل أن يستفاد من إيرادات النفط في تسريع إنتاجية المواطن وتنميتها لتحريك عجلة الاقتصاد، استخدمت تلك الإيرادات في تهميش المواطن والاعتماد على اليد العاملة الوافدة” [39].

وإضافةً إلى هذه المشكلات الاقتصادية الموروثة، فقد ظهرت ثغرات مهمة في “رؤية 2030″، التي تتجاهل بوضوح العلاقة بين التحول الاقتصادي وتوفير البيئة السياسية والاجتماعية الملائمة له.

تنقسم “رؤية 2030” إلى ثلاثة محاور؛ مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح. وثمة ثمانية برامج لتحقيق هذه الرؤية: برنامج التحول الوطني، برنامج الإسكان، برنامج تطوير القطاع المالي، برنامج جودة الحياة، برنامج التخصيص، برنامج صندوق الاستثمارات العامة، برنامج تحقيق التوازن المالي [40].

بيد أن “طريق الإصلاحات الاقتصادية يبقى محفوفًا بزيادة المخاطر السياسية في السعودية، علاوةً على الآثار الاجتماعية الكبيرة التي قد تولِّد ردَّات فعل سلبية ربما تدفع بالمحصِلة إلى إبطاء عجلة الإصلاحات أو توقفها. ومن التحديات السياسية التي تواجهها “رؤية 2030″، التحديات الآتية [41]:

-“تماسك الأسرة الحاكمة؛ فبرامج الإصلاحات التي يقودها بن سلمان قد تواجه مقاومة في المستقبل؛ فالمعارضة قد تزداد داخل الأسرة الحاكمة ضد ولي العهد في حال ارتكب خطأ جسيمًا في اليمن، أو تصاعد التذمر الشعبي نتيجة فشل الإصلاحات الاقتصادية. 

– السخط الشعبي؛ فقد تضطر الحكومة السعودية إلى إبطاء بعض الإصلاحات إذا ما تسبَّبت في ردود فعل سلبية لدى السعوديين، وهو أمر بالمحصلة قد يقوِّض العديد من أهداف رؤية 2030.

في هذا السياق، قررت الحكومة السعودية، في شهر مايو/أيار 2017، إعادة البدلات لموظفي الدولة والجيش، بعد تخفيضها في سبتمبر/أيلول 2016، عازية ذلك إلى تحسن الأداء المالي، ومن أجل تحفيز النمو الاقتصادي.

-المؤسسة الدينية؛ إذ تتطلع الحكومة السعودية على مدى العقد القادم، إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية، وزيادة الترفيه في المملكة، فضلًا عن تطوير السياحة غير الدينية، وهذا النوع من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية قد تولِّد توترات مع القوى المحافظة في البلاد. وفي حال حدث هذا الأمر، قد يؤدي إلى تآكل سلطة المؤسسة الدينية بصورة متزايدة، وربما يدفعها أو بعض رموزها إلى زيادة جرعة الانتقادات أو حتى المعارضة بما يترتب على ذلك من تداعيات ربما تؤثر سلبًا على الاستقرار السياسي في البلاد.

– الإصلاحات السياسية؛ فرغم أن السعودية شرعت في إجراء إصلاحات اقتصادية دون الإعلان عن أي إصلاحات سياسية، لكن عدم توفر آليات سياسية حقيقية وفعالة لمراقبة أداء الحكومة بشكل شفاف، قد يقوِّض الدعم الشعبي في المديين المتوسط والطويل، أو يدفع الحكومة للتخلي عن جوانب مُهمَّة من الإصلاحات في حال تصاعد المعارضة الشعبية. ومعلوم في هذا السياق، أن الإصلاحات السياسية (برلمان منتخب، القضاء المستقل، الأحزاب، النقابات…إلخ)، وتدابير مثل زيادة المساءلة السياسية لا تزال خارج جدول أعمال الحكومة السعودية، وبعيدةً عن النقاشات المجتمعية والشعبية.

– خطر الجماعات الجهادية واضطرابات المنطقة الشرقية؛ ثمة احتمال لأن تقوم تنظيمات راديكالية مثل القاعدة وتنظيم “داعش” بتنفيذ المزيد من الهجمات داخل السعودية. ورغم أنها لا تشكِّل خطرًا وجوديًّا، فإن استمرارها أو تصاعدها يمكن أن ينعكس سلبًا على التوقعات الاقتصادية أو الاستثمارية. وهناك أيضًا قضايا حقوق الإنسان التي تثيرها المنظمات الدولية، والاضطرابات المستمرة في المنطقة الشرقية التي يقطنها السعوديون الشيعة الذين يطالبون بحقوقهم السياسية، مما يرسل في المحصلة إشارات سلبية للعالم الخارجي.

– عمليات الخصخصة: هناك تحفظات داخل السعودية على خصخصة الأصول المملوكة للدولة في ظل انخفاض أسعار النفط العالمية؛ حيث من المحتمل أن تُقيَّم هذه الأصول أقل بكثير من قيمتها الحقيقية. كما توجد مخاوف حقيقية من أن تشجع عمليات الخصخصة ما يشبه “رأسمالية المحاسيب”، من خلال بيع ممتلكات الدولة لكبار المستثمرين المرتبطين بالنظام أو العائلات المتنفذة. بينما يذهب آخرون للقول: إن برامج الإصلاح الشكلية في السعودية لا تهدف إلى دعم القطاع الخاص بشكل يؤدي إلى ظهور طبقة وسطى حقيقية في المملكة، يمكن لها في نهاية المطاف تحدي الهيمنة الاقتصادية للأسرة الحاكمة أو العائلات المتنفذة.

– الوضع الإقليمي الملتهب: لا تزال القضايا السياسية والأمنية الإقليمية تشكِّل تحديات صعبة، ويمكن أن تضع المزيد من الضغوط على اقتصاد السعودية، وهي تمتد من الحرب في اليمن، إلى الأوضاع في سورية والعراق، مرورًا بدعم الاستقرار في مصر، والمغرب، والأردن، والبحرين، والمخاوف من تزايد النفوذ الإيراني، وصولًا إلى أزمة حصار قطر” [42].

وعلى الرغم من تكرار إعلان الرغبة السعودية في تدعيم قطاع التصنيع العسكري، فإن “هناك شكوكًا في أن تتمكن الحكومة السعودية بحلول عام 2030 من زيادة تصنيع كمية المعدات العسكرية محليًا إلى 50 في المئة. ويعزو المراقبون ذلك إلى نقص الأيدي العاملة المؤهلة، وإلى عدم توافر البيئة الملائمة، فضلًا عن ضعف إمكانات البحث والتطوير. كما أن قضايا مهمة أخرى ربما تسهم في عرقلة تطوير قطاع التصنيع العسكري بوتيرة سريعة، مثل الفساد والبيروقراطية والسرية، فضلًا عن الحواجز الثقافية والاجتماعية التي تدفع معظم السعوديين إلى عدم تفضيل العمل في وظائف قطاع الخدمات التي عادة ما تكون رواتبها غير مجزية. وفي هذا السياق، لاحظت دراسة حديثة أن نمط الإنتاج وثقافة الأعمال في السعودية يشلّان الإبداع، ويشجعان على الفساد، ويسهمان في إيجاد “جزر صناعية” تنقصها السلاسل الإنتاجية المترابطة التي تعمل في إطار الفريق الواحد. كما أن هناك منافسة بين الدوائر الحكومية ذات الصلة، بما في ذلك وزارة الدفاع، ووزارة الداخلية، ووزارة التخطيط الاقتصادي، ووزارة الحرس الوطني السعودي، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي، ومجلس الشؤون السياسية والأمنية السعودي، ومجموعة واسعة من الشركات التي تملكها الدولة” [43].

ويمكن القول إجمالًا لكل ما سبق، إن محددات صنع السياسات العامة في عهد الملك سلمان اتسمت بالاستمرارية إلى حد كبير، مع غياب أية عملية للإصلاح السياسي الفعلي في غياب المؤسسات المطلوبة لذلك، والتركيز على تبني سياسات عامة ذات أهداف تتعلق بالصورة والعلاقات العامة، أكثر من ارتباطها ببرامج عملية مدروسة لحل مشكلات الاقتصاد والمجتمع ومكافحة الفساد، أو تحقيق أهداف رؤية 2030.

المبحث الثاني: رؤية 2030: أهم الفاعلين، والصعوبات التي تواجهها

رغم أن أزمات صنع السياسات العامة السعودية تعود إلى وقتٍ بعيد نسبيًّا، كونها ترتبط في جوهرها بموضوع تحديث السعودية، فإن ثمة أربع متغيرات فارقة (داخلية وخارجية) أسهمت في إظهار هذه الأزمات السعودية وتشبيكها معًا بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز أوائل عام 2015:

أولها يتعلق بتغيير نظام توريث العرش في البلاد، وتولّي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، وبروز نتائج سياساته الجديدة في عدة مجالاتٍ اجتماعية واقتصادية وسياسية، خصوصًا تمكّن دائرة مستشاريه المقربين من التأثير على عملية صنع السياسات، وحصرها في شخص الأمير محمد بن سلمان مع تهميش غيره من المنافسين، سواء كانوا من أفراد الأسرة المالكة، أم من الوزراء النافذين، أم من منتقدي سياساته من قادة الرأي والمفكرين والناشطين السياسيين والناشطات النسويات، كما ذكر آنفًا.

وثانيها تقديم الأبعاد الأمنية والإعلامية الآنية، على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والاستراتيجية في صنع السياسات العامة، وغلبة التكتيكي على الاستراتيجي، مع إعطاء الأولوية لخلق صورٍ وانطباعاتٍ ذهنية سريعة/آنية لدى المواطنين بأن السعودية تتحول وتشهد “نهضة اقتصادية/سياحية/ثقافية” كبرى، واستخدام أسلوب استضافة أحداث وبطولات رياضية لتحسين الصورة السعودية خارجيًا [44].

وثالثها قرار شنّ الحرب على اليمن أواخر آذار/ مارس 2015، في إطار توطيد مكانة الأمير محمد بن سلمان وجمع الصلاحيات السياسية والعسكرية في يده، وإبرازه في صورة “القائد العسكري الناجح”، الأحقّ بتولي منصب الملك بعد أبيه.

ورابعها اغتيال الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018؛ فقد أعاد هذا الحدث تسليط الضوء بكثافة على السياسات السعودية الداخلية والخارجية، ولا سيما النتائج الكارثية للحرب السعودية – الإماراتية على اليمن، فضلًا عن تفاقم سياسة الاعتقال والتضييق على حرية الرأي والتعبير، داخل السعودية. 

“وفي مواجهة الأزمات السعودية المتراكمة، تم اقتراح مجموعة من الحلول تتمثل في: إصدار الرؤى الاستراتيجية (مثل رؤية 2030)، وتعيين جيل الشباب في المناصب العامة، والدعوات إلى إسلام وسطي معتدل، ومنح المرأة بعض الحقوق والإعلان عن نية مكافحة الفساد، وإنشاء مشاريع ضخمة لتنويع مصادر الدخل والخصخصة والسعودة والإصلاحات القانونية والمالية. وبهذا يعيد الأمير محمد بن سلمان تدوير أفكار وتصورات قديمة منذ عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، لكن الجديد أن بن سلمان يسعي لإعادة تشكيل المنظومة السلطوية المهترئة عبر خطوتين؛ إحداهما تدمير منظومة الهيمنة متعددة الأطراف، التي كانت تسمح لأجنحة مختلفة من آل سعود بالمشاركة في القرار. والأخرى إرساء منظومة سلطوية عمودية تحصر القرار في سلالة الملك سلمان فقط” [45].

ولا شك أن تولي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد، ترك تداعياتٍ مهمة على صعيد السياسات العامة السعودية. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى الأمور الآتية:

1-إعادة رسم العلاقة بين السياسي والديني

التي كانت تشكّل أقوى أسس شرعية الدولة السعودية الأولى، منذ نشأتها في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، عبر عقد حلف ديني- سياسي بين قائد الحركة الوهابية الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وبين محمد بن سعود رئيس مدينة الدرعية [46]. وهو حلفٌ قوّى سيطرة السياسي على الديني، رغم استمرار حاجة أسرة آل سعود للشرعية الرمزية/الدينية، التي توفرها المؤسسات الوهابية في السعودية، التي تحتضن مكة المكرمة والمدينة المنورة.

لقد قام الأمير محمد بن سلمان باتخاذ خطواتٍ متلاحقة لإعادة رسم هذه العلاقة، وذلك عبر تقليص صلاحيات “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، ونزع الضبطية القضائية منها، وفي هذا الإطار أقر مجلس الوزراء السعودي في أبريل/نيسان 2016 التنظيم الجديد لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي قلّص من مهمات وصلاحيات مندوبي الهيئة؛ إذ نصت المادة 6 من التنظيم الجديد على أنه “ليس لرؤساء المراكز أو أعضاء الهيئة إيقاف الأشخاص أو التحفظ عليهم أو مطاردتهم أو طلب وثائقهم أو التثبت من هوياتهم أو متابعتهم، والتي تعد من اختصاص الشرطة والإدارة العامة لمكافحة المخدرات. كما حد التنظيم الجديد من أمكنة وأوقات عمل الهيئة، حيث حصرها في الأسواق والشوارع والأمكنة العامة خلال ساعات الدوام الرسمي فقط” [47].

كما تواترت أنباء متكررة عن وجود نيات لفصل منصب الملك، عن لقب “خادم الحرمين الشريفين”، في إطار مسعى لتحديث شكل النظام السعودي.

 2- البحث عن نمط جديد للشرعية

تزايدت أزمة شرعية النظام السعودي بعد سياسته في إفشال الموجة الأولى من الثورات العربية، خصوصًا فيما يتعلق بنقطتين محددتين؛ إحداهما مشكلة تعامل النظام السعودي مع الشيعة وحراكهم السلمي. والأخرى تعامل النظام مع قوى المعارضة والمطالبين بالإصلاح السياسي والاقتصادي [48].

لقد بات “النظام السعودي يواجه بعد الثورات العربية عام 2011، أزمةً داخلية تفرضها عوامل التغيير التي هبّت على العالم العربي قبل الثورات وخلالها. وهي أزمة نظامٍ يواجه وعي المجتمع وحراكه السلمي، الذي تبلور في خطاب الحقوق المدنية والسياسية، وظهرت تيارات تؤصّل لخطاب ثالث بين استبداد العنف وبين استبداد النظام. أو ما بين الثورة المسلحة وتفجير الوضع من جهة، وبين قمع السلطة وإقصائها للمجتمع ومنعه من المشاركة السياسية والتضييق عليه أمنيًّا وفكريًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا من جهة أخرى. ولذا فإن الوعي بالحقوق والمطالبة بها سلميًّا هو الخطر الوجودي على النظام السعودي، ولهذا كانت الخشية من سلمية التحرك في الثورات اليمنية والمصرية والتونسية، مخافةَ وصول عدواها إلى السعودية؛ فقد اعتاد النظام أن يمارس السياسة عن طريق تفعيل ركائز الحكم التسلطي والتفرد بالسلطة السياسية وأذرعها الاقتصادية والإعلامية والأمنية التي تعمل في تناغم لخلق حالة شتات فكري وتخبط لدى المواطن السعودي، بما يعرقل أي عمل جماعي، ويقهر الروح البشرية حتى يصل الناس إلى مرحلة العبودية الطوعية” [49].

وفي إطار البحث عن مخارج من “أزمة الشرعية”، يحاول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المزج بين “الشرعية الاقتصادية/شرعية وعد الرخاء”، المتمثلة في تقديم الوعود الاقتصادية للشعب السعودي وإنعاش آمال الشباب بالمستقبل عبر طرح “رؤية 2030″، وبين “شرعية الانفتاح الاجتماعي”، عبر السماح باختلاط الرجال والنساء في احتفالات العيد الوطني للمملكة، ثم عبر قرار العاهل السعودي في 26 أيلول/سبتمبر 2017 بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة [50].

وبخصوص هذا القرار، ثمة اتجاهان في تحليل أهدافه وتداعياته؛ أحدهما يرى أن “المحرّك الرئيس وراء اتخاذه كان الأمير محمد بن سلمان، الذي يريد تحويل اقتصاد السعودية، ضمن “رؤية 2030″. ولأن نظرته للعادات والتقاليد الاجتماعية أكثر انفتاحًا، لذا تنطوي الرؤية على إنشاء وتطوير منتجعات سياحية على طول ساحل البحر الأحمر، قد تسمح بالسباحة المختلطة بين الرجال والنساء وارتداء البيكيني، وربما احتساء المشروبات الروحية” [51].

أما الاتجاه الآخر فلا يرى في قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، سوى خطوة محدودة جدًا، لأنها تأتي في سياق تحسين صورة السعودية خارجيًّا، لا سيما بعد اتضاح فداحة الانتهاكات التي قام بها “التحالف العربي” ضد المدنيين العزل في اليمن منذ بداية الحرب أواخر آذار/مارس 2015، وأيضًا بعد تجلّي الآثار المجتمعية والإنسانية السلبية لأزمة حصار قطر منذ حزيران/يونيو 2017؛ فهذا القرار مرتبط بتفاقم المشكلات الاقتصادية السعودية، فضلًا عن تداعيات حرب اليمن والتوتر مع قطر وإيران؛ فالناتج الأهم لهذا القرار، هو مكسب تحتاجه الرياض في علاقاتها العامة، خلال مواجهة ما تمرّ به، خصوصًا أنه جاء قبيل تصويت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة نهاية أيلول/سبتمبر 2017، حول تشكيل لجنة تحقيق لتوثيق جرائم الحرب في اليمن، ما يعني أن السعوديين كانوا يحاولون الإيحاء بأن بلادهم في طريقها لمزيد من الانفتاح واحترام حقوق الإنسان” [52].

3- ترويج مصطلح “السعودية الجديدة”، رائدة “الإسلام المعتدل”، في مواجهة “التشدد الشيعي الإيراني”، و”التشدد الإخواني السنّي”

إذ سعى الأمير محمد بن سلمان إلى تقديم قراءة جديدة لتاريخ السعودية، زاعمًا في مقابلة مع البرنامج الإخباري الأمريكي “60 دقيقة”، أن بلاده قبل عام 1979، كانت تعيش حياة طبيعية جدًا مثل بقية دول الخليج، كانت النساء تقود السيارات وكانت المرأة تعمل في كل مكان، وكانت هناك دور سينما في السعودية؛ حتى حدث تطوران؛ أحدهما وقوع ثورة إيران. والآخر احتلال الحرم المكي من قِبل جماعة جهيمان العتيبي عام 1979، التي فرضت على السعودية تبني “الوهابية الصارمة” [53].

لكن الأمير محمد بن سلمان لم يهتم بشرح أسباب حملته على الإخوان المسلمين وتشويه صورتهم في المناهج السعودية وإقصائهم من التدريس في الجامعات والمدارس، ولم يبرّر الرقابة في معرض الرياض الدولي للكتاب، ولا سياسة الاعتقالات في عهده التي شملت عشرات المعتدلين من مفكرين وعلماء دين واقتصاديين، ورجال أعمال وأفراد من العائلة المالكة، بحجة “مكافحة الفساد” [54].

وفي ظل غياب أي نقد ذاتي للممارسات السعودية وإغلاق المجال العام والتضييق على الحريات، كتب عددٌ من الباحثين العرب في نقد سياسات الأمير محمد بن سلمان وتناقضاتها وتركيزها على “الصورة” والدعاية في جولاته الخارجية [55]، وفي كشف حقيقة مصطلح “السعودية الجديدة”، متوقعين أن يُواجه تحديات ومشكلات جمّة قد تفضي إلى فشل مشروعه “التحديثي/التسلطي”، وتفاقم الأزمات الداخلية والخارجية بسبب نمط الاستبداد الكامن في المشروع، و”تجاهل مراكز القوة التقليدية في السعودية (مثل الأسرة الحاكمة، المؤسسة الدينية، القبائل والعشائر الرئيسة، ومجتمع التجار والمال والأعمال)، وحماس الأمير لبناء علاقة جديدة بين الدولة وشعبها عبر مشروع مفاجئ وسريع وصدامي” [56].

ويرى البعض أن الأمير محمد بن سلمان يسعى إلى ربط مستقبل السعودية ببقائه في الحكم، بعد أن بسط سيطرته على شؤون الأمن والدفاع عبر تعيين مساعدين ومستشارين يدينون له بالولاء الشخصي، واستطاع – حتى الآن – إقصاء الأمراء المنافسين له أو تحييدهم على الأقل، وتحكّم في إدارة الاقتصاد والموارد المالية، بما في ذلك المستوى غير الرسمي. كما اتبع سياسات لإشغال المجتمع وإلهائه، فأوجد فئة ترتبط معاشها بصورة مباشرة بالولاء للأمير، كما حاول استمالة أثرياء المجتمع عبر سياسات الترفيه ومشروعات رؤية 2030 المختلفة، كما رفع بعض أنواع الدعم وفرض الضرائب بحجة أنها تستهدف استمرار قدرة الدولة على تقديم الخدمات للفقراء والمحتاجين. ويرى أحد الباحثين، أن بن سلمان يستلهم تجربة النظام المصري في عهد عبد الفتاح السيسي بإقناع المواطنين أن انهيار حكمه، يعني انهيار الدولة، بما سيتبعه من تأثير على المستويين الداخلي والخارجي، وتخويف المواطنين من تدهور أحوالهم، كما حدث في العديد من الدول العربية بعد إفشال الموجة الأولى من الثورات العربية [57].

خاتمة

يمكن القول إن أزمة السياسات العامة في السعودية لم تتغير كثيرًا من حيث الجوهر، على الرغم من طرح “رؤية 2030″، التي تزخر بأوجه قصورٍ عديدة، ما يجعلها صعبة التنفيذ برغم كل محاولات الترويج لها عبر دعم سياسات الترفيه والانفتاح الثقافي وتشجيع السياحة ومشروع نيوم وإعادة رسم صورة السعودية واستخدام مصطلح “السعودية الجديدة”.. إلخ.

وبعبارة أخرى، ثمة استمراريةٌ حقيقية في بيئة صنع السياسات العامة في السعودية منذ السبعينيات إلى اليوم، خصوصًا مع استمرار ثلاثة ملامح أساسية للنظام السعودي: هيمنة السلطة التنفيذية، وهامشية دور السلطة التشريعية أو غيابها تمامًا، وضعف السلطة القضائية والأجهزة الرقابية والمحاسبية.

وبدل أن تضطلع مختلف المؤسسات الرسمية في الدولة، ومنظمات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث والدراسات.. إلخ، بأدوارها في عملية صنع السياسات العامة، خصوصًا في مرحلتي وضع الأجندة، وتقييم السياسة، فإن هذه العملية تُختزل حاليًا في شخص ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وبعض المقربين منه، مع تأكيد تزايد دور شركات الاستشارات الأجنبية، وبروز توجه “نيوليبرالي” في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية مع إبقاء المجال السياسي بعيدًا عن أية عملية إصلاحية.

وفي هذا السياق، كتب أحد الباحثين “أنه من اللافت للنظر أن تكون وثيقة تنموية سعودية عام 1970 تتحدث عن السوق الحرة بنبرة ليبرالية صرفة؛ فقد وَرَدَ في مقدمة وثيقة خطة التنمية السعودية الأولى 1970 أن الاقتصاد السعودي يتبع النظام الاقتصادي الحر، الذي يشدّد على أن “التغييرات الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن نجاح فرضها قسرًا على أي مجتمع بواسطة الإجراءات الحكومية وحدها”، منوّهة بضرورة تشجيع القطاع الخاص على نحوٍ مستمر. وأكدت الخطة الثانية 1975 ذلك بالقول: “يرتكز النظام الاقتصادي للمملكة على مبادئ الحرية الاقتصادية، حيث تترك الدولة جزءًا كبيرًا من عمليات إنتاج وتوزيع السلع والخدمات للأفراد والجماعات وتضمن لها الحرية في تعاملاها ومعاملاتها”، كما نوهت الخطة إلى أن الحكومة السعودية ستجعل من نظام الاقتصاد الحر متفقًا مع المصالح العليا للبلاد عبر اتخاذ الإجراءات الضرورية [58].

وربما يمكن القول إن “رؤية 2030” لا تراعي أولويات الدولة وحاجات المجتمع السعودييْن، ولا تعكس التوازن بين أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فضلًا عن تجاهلها الأبعاد السياسية، بل هي مصمّمة بروح وأفكار “نيوليبرالية” وتعكس رغبة الرياض المتزايدة في الاندماج أكثر في النظام الاقتصادي العالمي، في إطار عملية إعادة تشكيل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، ولو عبر التقارب مع إسرائيل، وصناعة عداواتٍ ممتدة مع كل من تركيا وإيران.

وعلى الرغم من تزايد المشكلات والتحديات أمام رؤية 2030، فضلًا عن مشكلات الاقتصاد السعودي الموروثة من عهود سابقة، فإن حقبة الملك سلمان لم تأتِ بجديد مختلف يمكنه حل هذه المشكلات، بل ربما شهدت تراجعًا في قدرات النظام السعودي، وتزايد أزماته وتشابكها معًا، بسبب خمسة متغيرات؛ أولها تغيير نظام توريث العرش في البلاد، وتولّي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، مع شن حملات ضد الأمراء المنافسين المحتملين لتحجيم نفوذهم، خصوصًا الأمير أحمد بن عبد العزيز، شقيق الملك سلمان، والأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية الأسبق. وثانيها تقديم الأبعاد الأمنية والإعلامية الآنية، على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والاستراتيجية في صنع السياسات العامة، وغلبة التكتيكي على الاستراتيجي. وثالثها قرار شنّ الحرب على اليمن أواخر آذار/ مارس 2015. ورابعها تداعيات اغتيال جمال خاشقجي في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018. وخامسها دخول السعودية في حرب أسعار نفطية مع روسيا في آذار/مارس 2020، بعد انهيار اتفاق “أوبك بلس” على خفض الإنتاج، وذلك بهدف دعم فرص الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020.

وربما يعني ذلك إجمالًا أن الخط الأساسي الذي تنتهجه السعودية الآن هو مزيج من “الإصلاح الشكلي”، مع سياسات “نيوليبرالية” براغماتية قصيرة المدى، وكل هذا لن يوفر حلولًا حقيقية، بل من المرجح أن يتزايد نطاق التهديدات والمشكلات المتراكمة، بدلًا من أن يتقلص ويتراجع [59].

ولا شك أن تعثر “الإصلاح الشكلي” في السعودية، يفرض تحديات متصاعدة أمام عملية صنع السياسات العامة، خصوصًا مع انتقال أزمات الدولة إلى مستويات أعلى من الخطورة والتعقيد بعد تفشي فيروس كورونا ربيع عام 2020، مع بروز دور ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان وأدوار مستشاريه المقربين، ونوعية السياسات العامة التي تجري صياغتها، في إطار حالة من التخبط والعشوائية واللا مؤسسية، وارتهان مجمل القرارات لتثبيت أركان سلطة محمد بن سلمان وعلاقته الخاصة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تجعل عملية صنع السياسات العامة في السعودية، والسياسة الخارجية من باب أولى، مرتبطة بهذه العلاقة الخاصة، التي قد تقود إلى تفاقم مشكلات السعودية، خصوصًا إذا خسر الرئيس ترامب الانتخابات الرئاسية المرتقبة، بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، التي قد يمثل التصدي لها عبر سياسات عامة مناسبة أحد العوامل الحاسمة في تحديد نتيجة تلك الانتخابات [60].


الهامش

[1] – راجع: “النظام الأساسي للحكم”، هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، المملكة العربية السعودية، (شوهد30/8/2019). على الرابط

[2] – محمد بن صنيتان، النخب السعودية: دراسة في التحولات والإخفاقات، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة أطروحات الدكتوراه (48)، 2004، ص 80- 81.

[3] – بشير موسى نافع، الإسلاميون، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات 2010، ص 143. ولمزيد من التفاصيل عن البنية الاقتصادية والاجتماعية للسعودية في “عصر البترول”، راجع: أليكسي فاسيلييف، تاريخ العربية السعودية من القرن الثامن عشر وحتى نهاية القرن العشرين، بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ط4، 2013، ص 553- 613.

[4] – يصف البعض الحداثة في السعودية بأنها “حداثة السطح”، و”حداثة مشوهة”، و”حداثة النصف خطوة”، و”الحداثة الرجعية”. راجع: عبد الله محمد الغذامي، حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية، بيروت والدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط3، 2005. 

[5] – بتصرف عن: بشير موسى نافع، الإسلاميون، مصدر سابق، ص 143- 144.

[6] – ستيفن لاكروا، زمن الصحوة الحركات الإسلامية المعاصرة في السعودية، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2012، ص 31.

[7] – بتصرف عن: المصدر نفسه، ص 27.

[8] – راجع: المصدر نفسه، ص 27- 34.

[9] – Bahgat Korany and Moataz A. Fattah, “Irreconcilable Role-Partners? Saudi Foreign Policy between the Ulama and the US”, in: Bahgat Korany and Ali E. Hilal Dessouki (Eds.) The Foreign Policies of Arab States: The Challenge of Globalization, Cairo: The American University in Cairo Press, 2008, p. 355.

[10] – أمجد أحمد جبريل، “المملكة العربية السعودية وملفات الربيع العربي”، في: أحمد البرصان وآخرون، “آفاق السياسة الخارجية السعودية في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز”، دراسات (96)، عمّان: مركز دراسات الشرق الأوسط، 2015، ص 23- 24.  

[11] – مفيد الزيدي، “محاولات الإصلاح السياسي في السعودية”، المستقبل العربي، العدد 435، أيار/مايو 2015، ص 59.

[12] – راجع: مداخلة مضاوي الرشيد، في: حلقة نقاشية بعنوان: “السعودية وتحديات المرحلة”، المستقبل العربي، العدد 467، كانون الثاني/يناير 2018، ص 23.

[13] – بتصرف عن: سايمون هندرسون، “تعديل وزاري في الرياض”، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى 29/4/2015. (شوهد 1/9/2019). على الرابط

[14] – خبيب زهير، “المستجدات السياسية في المملكة العربية السعودية”، في: الخليج والإصلاح الاقتصادي في زمن الأزمة الاقتصادية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، يوليو/تموز 2017، ص 39- 40.

[15] – المصدر نفسه.

[16] – بتصرف عن: سايمون هندرسون، “التعديل الوزاري السعودي يؤكد على الأمن والسياسة الخارجية”، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى 28/12/2018. (شوهد 1/9/2019). على الرابط

[17] – المصدر نفسه.

[18] – نقلًا عن: أمجد أحمد جبريل، “السعودية.. سياسة الترفيه واستراتيجية الإلهاء”، العربي الجديد 3/2/2019. على الرابط

[19] – “تعيين خالد بن سلمان نائبًا لوزير الدفاع… وريما بنت بندر سفيرة للسعودية لدى أميركا، صرف راتب مكافأة للعسكريين المشاركين في الحد الجنوبي للمملكة”، الشرق الأوسط 24/2/2019. على الرابط

[20] – راجع: سلمان الدوسري، “التحدي الأكبر للسفيرة السعودية”، الشرق الأوسط 25/2/2019. على الرابط

-مشاري الزايدي، “سفيرة السعودية في واشنطن… الأميرة ريما”، الشرق الأوسط 25/2/2019. على الرابط

[21] – “السعودية تفصل الصناعة والثروة المعدنية عن وزارة الطاقة”، رويترز عربي 30/8/2019. على الرابط

[22] – لمزيد من التفاصيل، راجع المصادر الآتية:

-“عبد العزيز بن سلمان رجل المفاوضات لحقيبة “الطاقة”، الشرق الأوسط 10/9/2019. على الرابط

-“مناورات النفط… نصف الاقتصاد السعودي في قبضة آل سلمان”، العربي الجديد 8/9/2019. على الرابط

– “Saudi Arabia Names New Energy Minister”, The Wall Street Journal, Sept. 7, 2019. https://on.wsj.com/2m1AHlO

[23] – راجع: استهداف الحوثيين لأرامكو يحرق خطط بن سلمان”، العربي الجديد 14/9/2019. على الرابط

-“الأسهم السعودية تنهار بعد الهجوم على “أرامكو”، العربي الجديد 15/9/2019. على الرابط

[24] – انظر: مصطفى عبد السلام، “وداعًا لترفيه تركي آل الشيخ ونيوم وأخواتها”، العربي الجديد 18/3/2020. على الرابط

[25] – بتصرف عن: سعيد الشهابي، “ثلاثة انقلابات سعودية في أعوام ثلاثة”، القدس العربي 28/6/2017. على الرابط

[26] – أمجد أحمد جبريل، “أزمات النظام السعودي بين الاستمرارية والتغير”، المعهد المصري للدراسات 31/5/2019. (شوهد 2/9/2019). على الرابط

[27] – متروك الفالح، الإصلاح الدستوري في السعودية: القضايا والأسئلة الأساسية، باريس: المؤسسة العربية الأوروبية للنشر، واللجنة العربية لحقوق الإنسان، 2004، ص 11.

[28] – متروك الفالح، “العنف والإصلاح الدستوري في السعودية”، في: مجموعة باحثين، الدستور في الوطن العربي: عوامل الثبات وأسس التغيير، سلسة كتب المستقبل العربي (47)، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، يناير/كانون الثاني 2006، ص 129.

[29] – راجع على سبيل المثال المصدريين الآتيين:

-احسان بو حليقة، “مجلس الشورى: الدور التشريعي والرقابي وحوكمة الرؤية السعودية 2030″، صحيفة اليوم 4/12/2016. على الرابط

-عبد الإله ساعاتي، “دور مجلس الشورى.. في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030″، صحيفة الجزيرة 24/11/2017. على الرابط

[30] – خبيب زهير، “المستجدات السياسية في المملكة العربية السعودية”، مصدر سابق، ص 42.

[31] – Bahgat Korany and Moataz A. Fattah, op.cit. p. 356.

[32] – خبيب زهير، “المستجدات السياسية في المملكة العربية السعودية”، مصدر سابق، ص 46- 47. 

[33] – “الحكم بالسجن 5 سنوات على صحفي سعودي بسبب تغريدة”، بي بي سي عربي 25/3/2016. (شوهد 22/8/2019). على الرابط

[34] – انظر: “محمد بن سلمان: السعودية تستطيع العيش من دون نفط بحلول 2020″، الحياة 26/4/2016.

[35] – راجع: “ولي ولي العهد السعودي: النفط لن يكون مصدرًا رئيسيًا للدخل خلال 20 عامًا، “أرامكو” ستطرح أقل من 5 % للاكتتاب وصندوق الاستثمارات العامة سيكون الأكبر في العالم”، الشرق الأوسط 2/4/2016. على الرابط

[36] – محمد بن صنيتان، السعودية الدولة والمجتمع: محددات تكوّن الكيان السعودي، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2008، ص 51- 63.

[37] – خلدون حسن النقيب، المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية (من منظور مختلف)، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، كانون الثاني/يناير 1989، ص123.

[38] – راجع: صباح نعوش، “بطالة في السعودية: أزمة معقدة وحلول غير مجدية”، تقارير، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات 23/12/2018. على الرابط

[39] – عصام الزامل، “تأثير العمالة الوافدة في الاقتصاد السعودي”، في: الخليج والإصلاح الاقتصادي في زمن الأزمة الاقتصادية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، يوليو/تموز 2017، ص 214 – 215.

[40] – لمزيد من التفاصيل راجع: موقع “رؤية 2030″، (شوهد 15/9/2019) على الرابط

[41] – بتصرف عن: ناصر التميمي، “السعودية: رؤية 2030 وتداعيات الأزمة الخليجية”، تقارير، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات 5/7/2017. (شوهد 15/9/2019) على الرابط

[42] – المصدر نفسه.

[43] – نقلًا عن: ناصر التميمي، “السعودية – رؤية 2030: طموحات وتحديات”، مجموعة مؤلفين، التنويع الاقتصادي في دول الخليج العربية، بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حزيران/يونيو 2019، ص 142.

[44] -Vivian Nereim, “Can Influencers Improve Saudi Arabia’s Image? Bloomberg Businessweek, September 6, 2019. (accessed on September 8, 2019). https://bloom.bg/2kyuDkj

-Bill Bostock, “Saudi Arabia is quietly meeting Twitch, sports officials, and stars like Kobe Bryant in an apparent attempt to ‘sportswash’ its reputation”, Business Insider, Sep. 2, 2019. Accessed on Sep. 11, 2019. https://bit.ly/2mcrAip

-Karim Zidan, “Sportswashing: how Saudi Arabia lobbies the US’s largest sports bodies”, The Guardian, Sep. 2, 2019. (accessed on 5 Sep. 2019). https://bit.ly/2lmqEYe

[45] – محمد نبيل مُـلين، “إرساء سلطة عمودية: جذور ومآلات الصراع على العرش السعودي”، تقارير، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات 10/12/2017. (شوهد 22/8/2019) على الرابط

[46] – حول العلاقة بين السياسي والديني في السعودية، راجع المصادر الآتية:

– أيمن الياسيني، الدين والدولة في المملكة العربية السعودية، ترجمة: كمال اليازجي، بيروت: دار الساقي، ط 2، 1990.

– خالد الدخيل، الوهابية بين الشرك وتصدع القبيلة، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث، 2013.

– توفيق السيف، “علاقة الدين بالدولة في السعودية ودور المؤسسة الوهابية في الحكم”، المستقبل العربي، العدد 407، كانون الثاني/يناير 2013.

[47] – خبيب زهير، “المستجدات السياسية في المملكة العربية السعودية”، مصدر سابق، ص 42 – 43.

[48] – أمجد أحمد جبريل، “أزمات النظام السعودي بين الاستمرارية والتغير”، مصدر سابق.

[49] – د. مضاوي الرشيد: نظام آل سعود المستبد يواجه أزمة وعي المجتمع وحراكه السلمي”، المشاهد السياسي، العدد 930، 23 فبراير- 1 مارس 2014، ص 17- 18.

[50] – “السعودية تجيز للمرأة قيادة السيارات”، الحياة 26/9/2017. (شوهد 22/7/2019). على الرابط

[51] – بتصرف عن: سايمون هندرسون، “هل تشهد السعودية تغييراً فعلياً؟”، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى 27/9/2017.  (شوهد 5/8/2019). على الرابط

[52] – Robin Wright, “Why Saudi Women Driving Is a Small Step Forward, Not a Great One”, The New Yorker, September 26, 2017. (seen on: August 5,2019). https://bit.ly/2hwsqnK

[53] – Jamal Khashoggi, “By blaming 1979 for Saudi Arabia’s problems, the crown prince is peddling revisionist history”, The Washington Post, April 3, 2018. (seen on: August 5,2019). https://wapo.st/2YyWek0

[54] – Ibid.

[55] – راجع على سبيل المثال:

-إبراهيم عوض، “مشروع الدولة السعودية الجديدة”، الشروق (مصر) 8/4/2018. على الرابط

– علاء بيومي، “صورة محمد بن سلمان”، العربي الجديد 9/4/2018. على الرابط

[56] – انظر: بشير موسى نافع، “ما الذي قد يصنع بن سلمان من العربية السعودية؟”، القدس العربي 21/12/2017. على الرابط

[57] – علي محمد، “التغييرات الاجتماعية في السعودية للتوظيف السياسي فقط”، في: قضايا ونظرات، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات والبحوث، العدد 11، أكتوبر/تشرين الأول 2018، ص 28- 29.

[58] – بتصرف عن: عبد الله البريدي، فخ النيوليبرالية في دول الخليج العربية إنقاذ اقتصاد أم إغراق مجتمع، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، أبريل/نيسان 2018، ص 92- 94.

[59] -James M. Dorsey, “The Saudi Paper Tiger”, the globalist, October 8, 2017. https://bit.ly/2iYsFZq

[60] – راجع: وحدة الدراسات السياسية، “تعامل ترامب مع جائحة فيروس كورونا المستجد وتأثيرها المحتمل في حظوظه”، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 23/3/2020. على الرابط

مملكة الخوف واقع المرأة في السعودية

إقرأ أيضاً: واقع المرأة في السعودية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close