عسكرة التعليم في مصر بعد انقلاب 2013
تمهيد:
بعد مرور ٣ أشهر فقط علي وقوع الانقلاب العسكري في ٣ يوليو عام ٢٠١٣م، وبالتزامن مع بدء العام الدراسي الجديد الذي تأخر وقتها بسبب تداعيات هذا الحدث، وما خلفه من تدهور بالغ الخطورة القي بظلاله علي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد، وأدي إلى حالة من الشلل شملت كافة المرافق بالدولة (1). أعلن اللواء أسامة عسكر، قائد الجيش الثالث الميداني، مطلع نوفمبر ٢٠١٣ م عن تصديق الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع وقائد الانقلاب، على إقامة مدرسة دولية بمدينة السلام فوق مساحة 30 فدانا بتكلفة وصلت ٩٠ مليون جنيه، وبالفعل تم افتتاح تلك مدرسة بدر الخاصة العسكرية للغات في مارس من عام ٢٠١٥ م
وحسب ما ورد ضمن تعريف بالمدرسة على موقعها الإليكتروني، فلقد خطط للمدرسة أن تكون الأولى ضمن سلسلة من المدارس الاستثمارية المملوكة للقوات المسلحة التي تدرس المنهجين البريطاني والأمريكي. وفي التعريف بها جاء أن المدرسة “تتبع بفخر أخلاق القوات المسلحة من أجل تمهيد الطريق لطرق تعليمية أرفع لكل طلابنا”(2).
والملفت للانتباه هنا أن افتتاح مدرسة بدر الدولية وبدء التدريس فيها نظير رسوم التحاق تُحصل من كل تلميذ تصل إلى ٣٢ ألف جنيه، هذا الافتتاح يتزامن أيضا ً مع حصول مصر على المركز قبل الأخير في جودة التعليم من بين ١٤٠ دولة، وظهور فضيحة تسريب أسئلة امتحانات الثانوية العامة وإجاباتها(3).
وأعلنت سلسلة مدارس بدر الدولية فور افتتاحها أنها تأسست من قبل “القوات المسلحة المصرية بهدف أن تصبح أفضل سلسلة مدارس دولية… يقدم فيها أعلى جودة من التعليم بحسب ما جاء في التعريف بالمدرسة فوق موقعها الرسمي على الإنترنت. وقالت المدرسة، إنها توفر فرصة فريدة كونها تمثل مجتمعا من القادة، مع تبعيتها للجيش المصري.
وجاء الإعلان عن تأسيس المدرسة لكي يفجر عاصفة من الانتقادات لتلك الفكرة، من قبيل التساؤل: “هل هذه هي اللمسة الوطنية التي تتحدث عنها القوات المسلحة وهي تنشئ نظام تعليمي بريطاني وأمريكي في مصر وبهذه المبالغ الكبير (4).
أولاً: عسكرة وزارة التعليم:
في 28 أبريل 2015، أصدر وزير التربية والتعليم محب الرافعي، القرار الوزاري الرقم 163، بندب اللواء محمد هاشم محمد، المعار من هيئة الرقابة الإدارية، ليكون رئيساً لقطاع الأمانة العامة بديوان عام الوزارة، وبذلك يرتفع عدد اللواءات المنتدبين للوزارة إلى ستة، هم: اللواء حسام أبو المجد رئيس قطاع شؤون مكتب الوزير، واللواء عمرو الدسوقي رئيس الإدارة المركزية للأمن، واللواء نبيل عامر مستشار الوزير لتنمية الموارد، واللواء محمد فهمي رئيس هيئة الأبنية التعليمية، واللواء كمال سعودي رئيس قطاع الكتب، بالإضافة إلى اللواء محمد هاشم الذي سيتولى رئاسة قطاع الأمانة العامة بديوان عام الوزارة والتي تضم الشؤون المالية والإدارية.
وأثار قرار الرافعي غضب الكيانات النقابية المستقلة، التي تعاني من عسكرة الوزارة، وقال الأمين العام لنقابة المعلمين المستقلة، حسين إبراهيم: “وزير التربية والتعليم يتعامل مع إدارة العملية التعليمية بمنطق أقسام الشرطة ويحول المدارس إلى تخشيبات، وهي تجربة أثبتت فشلها أكثر من مرة، مضيفا: “أن هذه العقلية الأمنية دورها فقط هو التعامل مع أصحاب السلوك المنحرف ومنعهم من استخدام أساليبهم ضد المواطنين، وليس التعامل مع معلمين وطلاب داخل المدارس”. وتابع حسين: “إن إصرار الوزير على استخدام الطريقة الأمنية في الإدارة، هو أكبر دليل على عدم وجود رؤية حقيقية لديه لتطوير وتحديث منظومة التعليم المصري”.
وطالبت النقابة المستقلة بإلغاء كافة إدارات الاتصال السياسي داخل الإدارات التعليمية، التي يتم عن طريقها فرض السيطرة والاستبداد ضد كل معلم يحاول أن يتكلم بحرية أو يعبر عن رأيه. وتحوّل مدير الإدارة التعليمية، إلى تابع لأمين شرطة يتحكم في شؤون المعلمين، بل وتسليمهم لأقسام الشرطة في أحيان كثيرة.
وأشار أمين نقابة المعلمين المستقلة إلى أن هناك اجتماعًا مع الجبهة الموحدة للمعلمين بعد الانتهاء من امتحانات نهاية العام الدراسي، للاتفاق على إجراءات تصاعدية ضد سياسات وتصرفات الوزير وطريقة إدارته للوزارة.
ثانياً: معاملة تفضيلية للعسكر:
يأتي دخول جنرالات الانقلاب باسم مؤسسة الجيش، المعفاة استثماراته من الضرائب، إلى مجال الاستثمار في قطاع التعليم عبر المدارس الخاصة ضمن مساع تزايدت خلال السنوات الأخيرة لتوسيع النشاط التجاري والاستثماري لهم (5). وقد ظهرت في الأفق بوادر بالونة اختبار جديدة بعد تسريبات امتحانات الثانوية العامة بهذا الكم الهائل، التي لم تحدث من قبل منذ بدايات التعليم الثانوي قبل قرن من الزمن رغم التقدم الهائل في تكنولوجيا وأدوات التأمين، وهو ما يدل على أن هناك تقصيراً متعمداً لإثارة أمر ما؟
فبعض الصحف والإعلاميين بدأوا نفخ بالونة إسناد العملية التعليمية للجيش ووصفوه بعمود الخيمة وأطلقوا على ضباطه أصحاب العمل المتقن، وقالوا عن الجيش أنه الجهة الوحيدة التي تعمل بضمير في البلد، على حد زعمهم، وفتحت برامج “التوك شو” الباب لإجراء حلقات نقاش حول هذا الأمر لصناعة رأي عام كبير مؤيد لتلك الفكرة ومن ثم سيكون التنفيذ مطلباً شعبياً.
وقد أشار قائد الانقلاب، فى حوار تليفزيوني إلى أن هناك خطة تُجهز لتطوير العملية التعليمية، ولكون أنه لا يوجد خبراء تعليم مدنيون أشاروا إلى هذا التطوير من قبل، فإن ما صرح به السيسي يجعلنا نستنتج أن تلك الخطة التي تحدث عنها، والتي سوف تتكلف عشرات المليارات لتنفيذها. ومن الواضح كما يحدث في كل المشاريع الكبيرة والصغيرة أن السيسي لا يأتمن أحداً على الأموال وتنفيذ المشروعات سوى القوات المسلحة، وبالتالي يبدو أن هذه الخطة وآليات تنفيذها تجهز في وزارة الدفاع والإنتاج الحربي.
ثالثاً: هيمنة الجنرالات:
يأتي دخول جنرالات العسكر مجال الاستثمارات في التعليم في وقت تشهد فيه رسوم التعليم الأجنبي في مصر ارتفاعاً في غالبية مؤسساته التعليمية، نتيجة ارتفاع الدولار أمام الجنيه، بالإضافة إلى زيادة المصروفات بنسبة تصل إلى 50% سنوياً العام الجاري خاصة فى المدارس والجامعات الأمريكية والبريطانية. وهكذا تحولت العملية التعليمية إلى تجارة مربحة، تحقق أرباحاً طائلة تكاد تصل إلى مليارات الدولارات، حيث يتم إلزام أولياء الأمور بدفع الرسوم الدراسية بالدولار الأمريكي أو العملات الأجنبية بدلاً من الجنيه المصري.
ويصل تعداد المدارس الدولية بمصر نحو 13 ألف مدرسة في المتوسط، تمتلك أغلبها أسر قيادات وضباط بالجيش والشرطة وعدد من كبار رجال الأعمال المتحالفين معهم، وفي تلك المدارس ما يقرب من 500 ألف طالب وطالبة بمختلف المراحل التعليمية، وقد شهدت هذه المدارس ارتفاعاً ملحوظاً في مصروفاتها تراوح ما بين 36 ألفا و162ألف جنيه.
ومن النماذج الواضحة لأسر العسكريين التي لم يقتصر دورها علي تملك سلسلة من المدارس التي قبل الجامعة(6)، بل امتدت ملكياتها إلى تشييد جامعات أسرة وزير الحربية الأسبق أحمد إسماعيل ممثلة في كريمتاه الدكتورة نرمين إسماعيل التي تملك سلسلة مدارس مصر ٢٠٠٠ (7)، وشقيقتها دينا أسماعيل المتزوجة من رجل أعمال الدكتور حسن القلا والذي بفضل تلك الزيجة بات يمتلك سلسلة مدارس المستقبل للغات، وقد شيد أول مدرسة ضمن تلك السلسلة في مدينة نصر بالقاهرة علي أنقاض أرض أستأجرها من قرية الأطفال اليتامى، وحصل علي الأرض بمساندة “حماته” زوجة الفريق أحمد إسماعيل وزير الحربية السابق، والتي تشغل عضو مجلس إدارة الجمعية التي تدير قرية الأطفال اليتامي(8).
وانفتحت شهية دكتور حسن القلا وامتد نشاطه إلى مجال التعليم العالي عبر إنشاء جامعة بدر(9)، التي انتهي من مرحلتها الثالثة والأخيرة مطلع عام ٢٠١٦، وبات يدرس للطلبة في تلك الجامعة حالياً عدد من الأساتذة والشيوخ الذين دعموا الانقلاب ومن بينهم الدكتور علي جمعة.
وكان “حسن القلا” قد بدأ العمل في تشيد الجامعة بعد الانقلاب بشهور كامتداد لمدارس بدر التي أعلن وقتها جنرالات الانقلاب بالجيش انهم شرعوا في تشييدها، وأكد القلا، والذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية، أنه تم افتتاح جامعة بدر خلال شهر سبتمبر 2016، بـ 5 كليات على مساحة 45 فدانًا، على أرض حصل عليها من الدولة.
وحسب ما قاله القلا فإن التحالف المكون من 27 شركة فى مدينة بدر سيساهم فى تنمية الجامعة بشكل كبير، خاصة أن الشركات المتحالفة تعد من أكبر وأقوى الشركات العاملة فى المدينة وتعمل في كل المجالات، بداية من الطاقة المتجددة إلى مجال الرعاية الصحية، وهو دليل قوي على وقوف قادة الانقلاب داعمين لتلك الجامعة.
رابعاً: التنسيق الجامعي:
في محاولة لدعم عسكرة التعليم وحماية مصالحهم مع جنرالات الجيش في الاستثمار بقطاع التعليم، كشف مصدر بوزارة التعليم(10) أن فى مقدمة أصحاب الجامعات الذين يدعمون إلغاء مكتب التنسيق حسن راتب رئيس مجلس أمناء جامعة سيناء الخاصة بعد أن أوشكت على التوقف نهائيا، ومحمد فريد خميس، رئيس مجلس أمناء الجامعة البريطانية، فى التجمع الخامس، وخالد الطوخي، رئيس مجلس أمناء مصر للعلوم والآداب بمدنية 6 أكتوبر، وسيد التونسي، رئيس مجلس مناء جامعة 6 أكتوبر، فضلا عن ضابط أمن الدولة السابق خالد حسن، صاحب جامعة المستقبل بمدنية نصر، ونبيل دعبس، صاحب الجامعة الحديثة بالمعادي.
وكان المجلس الأعلى للجامعات قد عقد اجتماعا مؤخراً للتمهيد لإلغاء مكتب التنسيق، بزعم وضع نظام جديد للقبول بالجامعات يطبق على طلاب الثانوية العامة العام المقبل، حيث يقضى النظام الجديد بالتخلي عن المجموع الكلى كمعيار وحيد للالتحاق بالكليات الحكومية، بعد إدخال نظام الاختبارات الشخصية، المعروفة في القدرات.
وهو ما فسره البعض بأن نظام الانقلاب يسعى لمنع الطلاب المتفوقين بالثانوية العامة من الالتحاق بكليات القمة بإدخال نظام المقابلات الشخصية والقدرات المطبق بالكليات العسكرية لحرمان الطلاب أبناء الفقراء من الالتحاق بها، بحيث يكون القبول بها بالواسطة والمحسوبية على غرار ما يحدث بكلية الشرطة والكلية الحربية وغيرها من الكليات العسكرية، التي يكون القبول فيها قاصر على أبناء العسكريين وأقاربهم وأصحاب النفوذ، بل ويتقاضى الجنرالات مقابل مادي نظير بيع مقاعد الدراسة بكليات الشرطة والجيش (قال لي أحد رجال الأعمال ذهبت بربع مليون جنيه لاحد اللواءات لكي يلتحق ابني بكلية الشرطة فأبلغني الضابط بوضوح شديد انه كان مخصص له مقعدين قام ببيعهم).
خامساً: أغذية المدارس والجامعات:
بدأت وزارة التربية والتعليم، في توزيع الوجبة المدرسية على طلاب المرحلتين رياض الأطفال والابتدائية. وقالت رئيس الإدارة المركزية لمعالجة التسرب من التعليم، رندا حلاوة، إنه لأول مرة يتم التعاقد مع جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة لتوريد التغذية المدرسية للطلاب. وأضافت رئيسة الإدارة المركزية أن نسبة 90% من التغذية يتم إنتاجها وتصنيعها من جهاز الخدمة الوطنية ووزارة الزراعة. وأوضحت، أن خطة التغذية المدرسية تم وضعها بتكليف من رئاسة الجمهورية لوزارة التضامن، لافتة إلى أن اختيار “جهاز الخدمة الوطنية” في توريد الوجبة المدرسية للطلاب لأول مرة جاء بهدف توريد وجبة كاملة العناصر الغذائية للطالب، وفي السياق ذاته، كان قطاع المعاهد الأزهرية قد تعاقد في 23 أغسطس الماضي، مع شركات تابعة للقوات المسلحة لإسناد عملية توريد التغذية المدرسية الخاصة بالمعاهد الأزهرية والإشراف على توزيعها، بدءاً من العام الدراسي الحالي.
وفي 30 أغسطس 2016، أسندت جامعة القاهرة، مهمة توريد الأغذية والإشراف على مطابخ المدن الجامعية، التي تضم نحو 59 ألف طالب إلى الجيش المصري. وأوضح نائب رئيس جامعة القاهرة لشؤون التعليم والطلاب، محمد عثمان الخشت، أن أفراداً من القوات المسلحة سيقومون بالإشراف على خدمات مطاعم ومطابخ المدن الجامعية التابعة لجامعة القاهرة 11.
——————————
الهامش
() هبه عفيفي، مدى مصر، في زيارة ميدانية لمدرسة القوات المسلحة الدولية، الأربعاء ٧ سبتمبر , 2016
() موقع مدرسة بدر الدولية للقوات المسلحة بالسويس
()صحيفة الوطن – في مؤشر جودة التعليم”.. مصر بالمركز قبل الأخير و”قطر وإسرائيل” بالمقدمة.
() المدارس الخاصة الدولية” سبوبة جديدة للجيش المصري، 30 أغسطس 2016
() بالصور والأرقام.. بعد دخول الجيش «بيزنس» المدارس الخاصة.. نكشف أسعار مصروفاته الخيالية، الأحد 28/أغسطس/2016 – النبأ الوطني
() أسماء أمين، حسن القلا: الانتهاء من إنشاء جامعة بدر 2016 بتكلفة 600 مليون جنيه، اليوم السابع، ٢٥ ديسمبر ٢٠١٤
() بالأسماء: أصحاب جامعات خاصة يسعون لإلغاء التنسيق بالتبرع لصندوق السيسي، بوابة الحرية والعدالة، 22/06/2016.
() مصر. الجيش يبدأ مهام التغذية المدرسية، الرابط