قلم وميدان

عنان ـ السيسي حسابات المعركة الانتخابية

في ضوء التواريخ المعلنة من الهيئة الوطنية للانتخابات يمكن تقسيم المشهد الحالي في مصر إلى مرحلتين رئيسيتين لكل منهما محددات تختلف بشكل كبير عن الأخرى، وعوامل مؤثرة تختلف أوزانها النسبية من مرحلة إلى أخرى:

المرحلة الأولى: معركة النفوذ داخل الدولة

تمتد هذه المرحلة منذ فتح باب تلقي طلبات الترشح في 20 يناير 2018 حتى إعلان القائمة النهائية لأسماء المترشحين في 24 فبراير 2018، ويتخللها إعلان قائمة مبدئية لأسماء المترشحين في 31 يناير، وتقديم الاعتراضات والتظلمات والطعون، وهي معركة تعتمد على المؤسسة العسكرية بالدرجة الأولى صاحبة القرار في أن يكون المنافسة في الانتخابات الرئاسية القادمة بين مرشحين من داخلها، ثم يأتي في المقام الثاني دور الأجهزة الأمنية التي يمكن ـن يكون للأشخاص ذوي النفوذ داخلها أدواراً تتعلق بدعم عنان أو السيسي، في ظل دولة تسيطر عليها المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية.

ثم يأتي في المقام الثالث، بقايا دولة مبارك ورجال الحزب الوطني المتضررين من وجود السيسي والذين لا يزالون متواجدين على الساحة ويمتلكون حجماً من التأثير من خلال استثماراتهم وعلاقتهم القوية داخل مؤسسات الدولة وهؤلاء أيضا ستكون معركتهم معنية أكثر بمعركة جمع التوكيلات وربما تقديم الدعم المادي.

وفي ظل هذه العوامل، يظل السيسي في هذه المرحلة له تأثير قوي بحجم تمركز السلطة في يديه وهي نتاج أربع سنوات من إقالات وتعيينات داخل المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، كما أنه يدرك أن رحيله عن رأس السلطة دون ارادته سواء كان بانتخابات حقيقية أو بثورة شعبية أو انقلاب عسكري لن تكون محصلته على أفضل تقدير سوى هروبه خارج البلاد، وعلى أسوأ تقدير محاكمته أو التخلص منه، لذا يعي السيسي طبيعة هذه المرحلة ويدرك حجم الخطورة المترتبة عن عدم حسمه لهذه المرحلة واقصائه لأي مرشح يمكن أن يمثل تهديداً حقيقياً له في الانتخابات.

بدا ذلك بوضوح في سرعة اقصاء أحمد شفيق من معركة الانتخابات من خلال وسائل باتت معروفة للجميع، هذا ما سيجعل الايام القادمة والتي تسبق الإعلان عن القائمة النهائية للمترشحين معركة السيسي الوجودية مع عنان أو أي أطراف ذات نفوذ داخل مؤسسات الدولة تدعم عنان، من ناحية السيسي لن يكون هناك خطوط حمراء لتلك المعركة وكل احتمالات الاقصاء فيها واردة وبنسب متقاربة بداية من المحاكمات والحبس ووصولا إلى الاغتيال، وفي نفس الوقت هذا الصراع سيجعل من عنان ومن أي أطراف مساندة له ذات نفوذ خاصة داخل المؤسسة العسكرية لها ردات فعل محتملة.

يمكن إذن أن نطلق على هذه المرحلة مصطلح معركة النفوذ داخل المؤسسة العسكرية والأجهزة الامنية ومؤسسات الدولة، ويبقى العامل الخارجي في هذه المرحلة من دعم قوى اقليمية أو دولية لاحد المرشحين ذا تأثير محدود، ويغيب أيضا عامل الجماهير في تلك المرحلة، ومع ذلك لا نستطيع إغفال أن هناك افراداً وناشطين لديهم رغبة في اثبات الحضور والاشتباك مع الانتخابات من خلال معركة التوكيلات ليس بهدف دعم مرشح بعينه ولكن بهدف الاستمرار في محاولات ازعاج السيسي وضمان عدم خروجه من معركة الانتخابات دون خسائر وإن كانت محدودة.

المرحلة الثانية: معركة القوى الخارجية والجماهير

تمتد هذه المرحلة من تاريخ إعلان القائمة النهائية لأسماء المترشحين في 24 فبراير القادم إلى إعلان النتيجة العامة في 2 إبريل القادم وفي حالة الإعادة تمتد إلى تاريخ إعلان نتيجة الانتخابات النهائية في 1 مايو القادم، في حال وصلنا إلى المرحلة الثانية إذا سارت الأمور بشكل هادئ وبدون أحداث مفاجئة سنكون امام احتمالين لا ثالث لهم إما إقصاء عنان وإما الوصول إلى تنافس انتخابي بين عنان والسيسي وهي الحالة التي سنفترض حدوثها لنكمل ملامح المرحلة الثانية في ظل وجود عنان والسيسي كمرشحين رسميين لانتخابات الرئاسة، والتي سيكون هناك لعوامل أخرى تأثير كبير خلال تلك المرحلة، كالعامل الخارجي والعامل الجماهيري.

ففي هذه المرحلة ستختلف حسابات الداعمين الإقليميين والدوليين سواء لعنان أو للسيسي بشكل كبير فالأمر سينتقل من معركة داخل أروقة المؤسسة العسكرية والأجهزة الامنية إلى معركة الساحات الجماهيرية والإعلام المفتوح وهو ما سيفتح الباب أمام الدعم الاعلامي والمادي والضغط من أجل اجراء انتخابات تحت مراقبة دولية، وسيمثل العامل الجماهيري دورا مؤثرا لا سيما وأن الجماهير ستدرك أن المعركة الانتخابية حقيقية وربما تسفر عن تغيير رأس السلطة وهو ما سيفتح المجال أمام الترتيب والتنسيق مع رموز وقيادات الكتل التصويتية وتحالفات مع الرموز العامة والقيادات السياسية. والوصول إلى هذه المرحلة سيعني أن كل من هو تحت لافتة الثورة من جماعة الإخوان والإسلاميين والحركات الثورية أمام اختبار حرج في كيفية التعاطي مع هذه المرحلة.

الإجابة على السؤال الأهم

ستمثل الإجابة عن شكل التعاطي الأمثل مع الانتخابات اذا ما وصلنا إلى مرحلة التنافس بين عنان والسيسي مسار جدل ما بين استغلال فرصة متاحة لتغيير السيسي الذي بات يمثل عبئاً ثقيلا على كل أشكال الحياة في مصر وما بين عدم تكرار الوقوع في فخ التحالف مع العسكر مرة أخرى والحقيقة أن الجدل هنا بين الطرفين مقبول ويحمل أوجه من المنطق ولكن يبدو أيضاً أن هناك بعض الأسئلة التي ستكون الاجابة عليها حاكمة في اختيار شكل التعاطي مع هذه المرحلة.

إن واجب الوقت وأولوية تلك المرحلة، لدي الكثيرين، هي الإفراج عن جميع المعتقلين والغاء أحكام الإعدام، ودون التطرق إلى مساحات أخرى ترغب فيها أو تسعى إليها قوى الثورة أو التغيير أو المعارضة، يبرز السؤال الأهم: هل يمكن أن يمثل وصول عنان إلى رأس السلطة فرصة حقيقية لتغيير المشهد والخروج من المأزق الراهن؟

تعتمد الاجابة على هذا التساؤل على شكل وحجم القوى الداعمة لعنان خلال مرحلة التنافس الانتخابي مع السيسي سواء كانت قوى داخلية أو قوى اقليمية ودولية، ولنضع هنا عدة افتراضات لهذا الدعم ونحاول من خلالها الوصول إلى الإجابة على التساؤل المطروح:

1ـ دعم داخلي

في حال وجود دعم داخلي لعنان يتمثل في المؤسسة العسكرية وهو أيضا احتمال قائم في ظل إقحام السيسي للمؤسسة العسكرية في صراعات سياسية والدخول كطرف ضاغط على الشعب في الإصلاحات الاقتصادية التي تسببت إلى تردي الأحوال المعيشية لدى قطاعات شعبية متعددة والتخلي عن أراضٍ مصرية مما جعل المؤسسة العسكرية تبدو وأن سمعتها قد تضررت بشكل كبير في ظل وجود السيسي، وفي حال وجود هذا الدعم وصحة هذه الفرضية لن يَعني المؤسسة العسكرية كثيراً وجود تغيرات في شكل الحياة السياسية إذا ما وصل عنان إلى رأس السلطة بقدر ما سيعنيها في المقام الأول الحفاظ على امتيازات المؤسسة العسكرية وعدم الاقتراب منها والإبقاء على إمساكها بخيوط اللعبة السياسية وهيمنتها على الاقتصاد المصري، وستبقى مسألة الحياة السياسية، وشكلها وحجم الحريات ومشاركة المجتمع المدني، ترتبط أكثر بالقوى الداعمة سواء كانت إقليمية أو دولية.

2ـ دعم إقليمي

في حال التعامل مع وجود دعم إقليمي سواء من السعودية أو الإمارات أو كليهما كأمر واقع هل من المتوقع أن يكون ثمة تغير إذا ما وصل عنان إلى رأس السلطة؟

تبدو الإجابة على هذا السؤال واضحة ومباشرة فلازالت السعودية والإمارات ترى المعركة صفرية مع الإخوان المسلمين وقوى الثورة في مصر، وهو ما يعني أن في حال تحقق هذه الفرضية فليس من المتوقع أن يكون هناك تغييراً يذكر في المشهد المصري، وعلى أفضل تقدير ستكون تغيرات تتعلق بالإستثمار والاقتصاد بدرجات أكبر مقارنة بالمشهد السياسي.

3ـ دعم دولي

في حال وجود داعم دولي لعنان يتمثل في الولايات المتحدة أو أوروبا أو كليهما، وهو افتراض قائم في ظل وجود تململ من تلك القوى حيال سياسات السيسي الداخلية التي يمكن ان ينتج عنها مزيد من التطرف والإرهاب من وجهة نظر تلك القوى، وهو ما يجعل لديهم رغبة في تغيير يعطي مساحة من الحريات ويزيل القيود الشديدة المفروضة على الحياة السياسية بما يحقق حالة الإستقرار في المنطقة، هل نتوقع إذا ما وصل عنان إلى رأس السلطة أن يكون ثمة تغير في المشهد السياسي المصري؟

ربما تختلف هذه الحالة عن الدعم الإقليمي حيث سيسعى هذا الداعم الدولي إلى عودة الحياة السياسية وإطلاق الحريات العامة وعودة المجتمع المدني لكن يظل ذلك في إطار النظام الدولي ورؤيته الحالية للأزمات المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعني أن حجم التغيير في المشهد المصري لن يتخطى بأي حال شكل الحياة السياسية في عهد مبارك وربما يشهد ملف المعتقلين والغاء احكام الإعدام شكلاً من أشكال الحلحلة الجزئية.

بعد تناولنا للفرضيات السابقة أصبح لدينا احتمالين في حال وصول عنان إلى رأس السلطة يعتمدان بشكل رئيسي على تحديد القوى الإقليمية أو الدولية الداعمة له. الأول عدم وجود تغيير يذكر في الحياة السياسية وبالتبعية ليس من المتوقع أن يشهد ملف المعتقلين والإعدامات أي تقدم ملموس، والثاني تغيير طفيف في الحياة السياسية قريب من شكل الحياة السياسية في عهد مبارك ويصاحبه بعض الحلول بشكل جزئي في ملف المعتقلين والإعدامات.

هذه الخلاصات تجعل الكثيرين ممن ينتمون إلى مربع الثورة أمام التزامين، قبل اتخاذ أية قرارت بشأن الانتخابات، الأول يتعلق بتحديد القوى الإقليمية أو الدولية التي ستدعم عنان في حال وصوله إلى مرحلة التنافس الانتخابي مع السيسي والثاني يتعلق بتحديد حجم التغيير الذي يمكن أن يطرأ على الحياة السياسية وما سيتبعه من حلول لملف الاعتقالات والإعدامات وهل يتناسب ذلك مع تقديم الدعم لشخصية عسكرية مثل عنان؟

وبعيدا عن تلك الالتزامات سيكون هناك واجبات أخرى على جميع الأطراف تتناسب مع استثمار الحدث، حيث سيكون على القوى التقليدية، وخاصة الإخوان، إعادة صياغة خطابها وتحديد أهدافها حتى وإن ظلت محافظة على سقفها المرتفع، وفي الوقت نفسه إتاحة الفرصة لقواعدها ومنحهم مساحة من المرونة للتصرف بأشكال مختلفة مع الانتخابات وكذلك الحال مع قوى الثورة المختلفة في ضرورة صياغة خطابها وتحديد أهدافها.

وكذلك سيكون لوجود تيارت أو تكتلات جديدة وفاعلة بعيدا عن تلك التكتلات الحالمة والقوى والرموز التقليدية قدراً من الأهمية وتمثل رقما في معركة الانتخابات، مما يمنحها وزناً ولمطالبها قيمة قبل أية قرارات سواء بدعم مرشح أو مقاطعة الانتخابات، كذلك تكتلات أهالي المعتقلين والمختفين قسريا تحت مظلة واحدة تسمح بأن يكون تلبية مطالبهم أحد العوامل المؤثرة في معركة الانتخابات(1 ).

————-

الهامش

( 1 ) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

خالد فؤاد

باحث بالمعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، متخصص في العلاقات الدولية، وقضايا الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى